الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
العرب أمة كبقية الأمم الانسانية ولها ما لهم وعليها ما عليهم، ولا يوجد في قانون السماء حظوةٌ لأحد على حساب أحد، ولا فضل خصّ الله تعالى به بعضهم على بعض إلّا فيما يؤسسه القرآن الكريم من ميزان التفاضل والتكريم القائم على التقوى والإحسان كمقياس ومعيار للتقييم والتقدير، وهو ذات المعنى الذي يرشح في كلمات أهل البيت (عليهم السلام) بشكل مستفيض، فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله (عزَّ وجل) وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته. [الكافي للشيخ الكليني: ج٢، ص٧٤]
وبطبيعة الحال قد لا تعجب الكثير من الأمم والحضارات هذه الفكرة القائمة على المساواة والتكافؤ وأن الجميع يعودون لأصل واحد فارد، فما زال الكثير منهم يرغب ويطمع في التميز والامتياز في الأعراق والدماء أو الادعاء والشعارات، وهو ما يرفضه القرآن الكريم ويستنكره أشد الاستنكار، يقول تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ﴾.
وإذا اجتبى الله تعالى أمة من الأمم واختارها على من سواها فإنما ذلك لملاكات وجهات آنية وظرفية لا ترتبط بأي حال من الأحوال بالسلالة أو العنصر، فتدور معها تلك القيمة وجوداً وعدماً، فإذا هم حافظوا عليها وآمنوا بها ما زالت نعمة الله عليهم جارية وإلّا قضى عليهم بقانون الاستبدال والتغيير، يقول تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾.
والعرب كأمة وقومية ليسوا استثناء في ذلك عن بقية الناس، فيمضي عليهم ما يمضي على من سواهم، ولن يكون تعامل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع العرب مختلفاً عن باقي المجتمعات والأمم إلّا بمقدار ما ينسجم مع ميزان العدل والقسط، ويؤيد هذا المعنى بوضوح ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا خرج القائم (عليه السلام) لم يكن بينه وبين العرب والفرس إلّا السيف. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٢، ص٣٨٩]
فإن الجميع سواسية ومتماثلون لا يتفاوت بعضهم عن بعض إلّا بمقدار الإيفاء بعهد الله تعالى وميثاقه، ولكن الروايات الشريفة تحدّثنا أن بعض العرب سيدبّ إليهم داء الأمم السالفة فيتوهمون أن لهم ميزة على غيرهم وأنهم الأولى بدين الله تعالى وفهمه فيعترضون على ما سيأتي به الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحكومته وهذا المعنى قد يُستشف من بعض الروايات، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام: إن القائم (عليه السلام) يلقى في حربه ما لم يلق رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتاهم وهم يعبدون الحجارة المنقورة والخشبة المنحوتة، وإن القائم يخرجون عليه فيتأولون عليه كتاب الله ويقاتلونه عليه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٠٨]
وتكاد تكون هذه الظاهرة عامة ودارجة عند كل المجتمعات والأمم والتي يمتحنها الله تعالى ببعثة الأنبياء والرسل يقول تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، وهذا المعنى نجده واضحاً في القرآن الكريم حينما يتحدث عن بني إسرائيل وكيف واجهوا دعوة المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) أو نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالتكذيب والإنكار انغلاقاً وجموداً على ما كان عندهم، وكأن السماء توقفت مشيئتها وارادتها عند أهوائهم ورغباتهم يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ﴾، ويظهر من الروايات الخاصة والعامة أن ما جرى عليه بنو اسرائيل في تكذيب عيسى (عليه السلام) أو ما جرى عند النصارى في تكذيب نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) سيجري في هذه الأمة عند ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد روى البخاري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن. [البخاري: ج٨، ص١٥١]
وعلى ضوء ما قدمنا يمكن أن نفهم ما ورد من الروايات التي تحدثت عن الشدة والصرامة التي سيتعامل به الإمام (عجّل الله فرجه) مع العرب، ويمكن أن نفهم أيضاً لماذا ذكرت بعض الروايات قلة الأنصار منهم في أصحابه، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: مع القائم (عليه السلام) من العرب شيء يسير. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢١٢]
وبعد هذا البيان والإيضاح لا يبقى معنى للشبهة التي يحاول بعض مشايخ الوهابية إثارتها وإشاعتها، من أن العقيدة المهدوية عند الشيعة قائمة على الفهم الشعوبي المعادي للقومية العربية، فإن بطلان هذا الزعم أوضح من أن يرد عليه، والشمس لا يحجبها غربال، فإن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين نؤمن بهم هم أصل العرب وساداتهم ومصدر فخرهم وعزهم ونتدين بالولاء والانتماء إليهم لا لغيرهم، ولعل بعض هؤلاء تناسوا أو تغافلوا ما ترويه مصادر أحاديثهم وصحاحهم من ذم العرب والتشنيع عليهم، حتى عنوَن البخاري في صحيحه باباً بـ(جهل العرب)[ صحيح البخاري: ج٤، ص١٦٠]، وعنوَن مسلم في صحيحه باباً آخر سماه (باب فضل فارس) [صحيح مسلم: ج٧، ص١٩١]، .. وتلك الموسوعات الحديثية هي التي روت عن أبي هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قوله: تلا رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) هذه الآية يوماً: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾. قالوا: ومن يستبدل بنا؟ قال: فضرب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلم) على منكب سلمان ثم قال: هذا وقومه. [سنن الترمذي: ج٥، ص٦٠]
وإن بقي شيء يحتاج إلى إضافة وبيان فلا بد من القول والتأكيد أن رواياتنا التي تحدثت عن الشدة في التعامل مع العرب لا يعني على نحو المجموع الكلي، لهم بل هو في خصوص الطغاة منهم والظالمين الذين يستحقون العقاب والقصاص، والشاهد على ذلك ذيل الرواية التي ذكرتموها في سؤالكم أعلاه.
فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٠٠]، فإن الكلام والمعنى متوجه إلى فئة خاصة منهم، والذي يزيد هذا المعنى وضوحاً وبياناً ويدفع تلك الشبهات العقيمة ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) أن بعض أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأصحابه إنما هم من العرب ومن بلدانهم بالتحديد.
فقد روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والابدال من أهل الشام، والأخيار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٤٧٧]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)