الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
الروايات الواردة في ذلك على شكلين: بعضها تتحدث عن الأوضاع والصور الاجتماعية، والتي تكون بمثابة السمة العامة لكثير من الدول والبلدان قبل عصر الظهور المقدس، والعراق بطبيعة الحال ليس استثناءً من تلك الظواهر والمشاهد السلبية التي ستحصل في آخر الزمان، وما تحكيه من انحرافات أخلاقية أو سقوط اجتماعي يترجم لنا بالضرورة التراكمات السيئة والأخطاء الكبيرة التي ابتدأت بعد غصب الخلافة من أهل البيت (عليهم السلام)، وهو الأمر الذي يجعلها تزداد سوءً كلما مضى بنا الزمان أكثر وأكثر، وقد استشرفت الزهراء (عليها السلام) هذا المستقبل المظلم في خطبتها المشهورة بقولها: وسيعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم، وأنى بكم. [معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص٣٥٥]
إذن الحديث يدور عن مستقبل لا يستثني أحداً من مظاهر الظلم والفتن والاستبداد سواء أكان البلد هو العراق أم غيره.
وهذا ما سجلته الروايات الواردة عن الأئمة (عليهم السلام)، أيضاً، فقد روى الكليني في الكافي بعض ما سيحصل ولطول الرواية نقتطع بعض فقراتها، يقول (عليه السلام): فإذا رأيت الحق قد مات وذهب أهله ورأيت الجور قد شمل البلاد ورأيت القرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الأناء ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق، ورأيت الشر ظاهراً لا ينهى عنه ويعذر أصحابه، ورأيت الفسق قد ظهر، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله، وكان صاحب المال أعز من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يعير، ورأيت الحرام يحلل، ورأيت الحلال يحرم، ورأيت الولاة يقربون أهل الكفر، ويباعدون أهل الخير، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت الرجل يقتل على التهمة وعلى الظنة، ورأيت الشراب تباع ظاهراً ليس عليه مانع ورأيت النساء يبذلن أنفسهن لأهل الكفر ورأيت الملاهي قد ظهرت يمر بها لا يمنعها أحد أحداً، ورأيت الغيبة تستملح ويبشر بها الناس بعضهم بعضا، ورأيت الرجل يتكلم بشيء من الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول: هذا عنك موضوع، ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت المحتاج يعطى على الضحك به، ويرحم لغير وجه الله، ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتقى وتسند إليه الأمور. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٤٠]
وأما بالنسبة إلى الشكل الثاني من الروايات فهي التي تحدثت عن العراق بالخصوص، وهي أشبه بذكر التطبيقات الجزئية والمصاديق الخارجية لما أشارت إليه الروايات في شكلها الأول، فقد روى ابن طاووس في كتابه الملاحم والفتن عن الإمام الصادق (عليه السلام): وتعود دار الملك إلى الزوراء، وتصير الأمور شورى من غلب على شيء فعله، فعند ذلك خروج السفياني فيركب في الأرض تسعة أشهر يسومهم سوء العذاب، فويل لمصر وويل للزوراء وويل للكوفة والويل لواسط، كأني أنظر إلى واسط وما فيها مخبر يخبر، وعند ذلك خروج السفياني، ويقل الطعام، ويقحط الناس، ويقل المطر، فلا أرض تنبت، ولا سماء تنزل، ثم يخرج المهدي الهادي المهتدي الذي يأخذ الراية من يد عيسى بن مريم. [الملاحم والفتن للسيد ابن طاووس: ص٢٦٧] وهي وإن كانت ضعيفة سنداً ومضموناً لشمولها على خلاف اجماع المسلمين من نزول عيسى (عليه السلام) بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولكن بعض ما فيها رودت فيه روايات أخرى.
وكذلك ما سجلته بعض الروايات من حصول بعض الصراعات والفتن بين نفس المؤمنين، الناشئة بطبيعة الحال من الاختلاف في المناهج والأفكار المتفرعة عن تحكيم الأهواء والأمزجة سواء أفي بُعدها السياسي أم الفكري، فقد روى النعماني في كتابه الغيبة عن مالك بن ضمرة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مالك ابن ضمرة! كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين ما عند ذلك من خير؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائماً فيقدم سبعين رجلاً يكذبون على الله وعلى رسوله فيقتلهم، ثم يجمعهم الله على أمر واحد. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢١٤، ب١٢، ح١١]
ولا يخفى أن الاختلاف والتناحر يؤدي فيما يؤدي إليه إلى التشتت والسقوط، وهو من المولّدات الرئيسة لفقدان الأمن والاستقرار وتفشّي ظاهرة الفقر والمجاعة وتغلّب الظالمين على مجريات الأمور، فعن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال (عليه السلام): يبلوهم (بشيء من الخوف) من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم (والجوع) بغلاء أسعارهم (ونقص من الأموال) قال: كساد التجارات وقلة الفضل. (ونقص من الأنفس) قال: موت ذريع. (ونقص من الثمرات) قال: قلة ريع ما يزرع ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٥٠]
وفي هذا السياق نجد بعض الأخبار تتحدث عن إحدى الشخصيات الملقبة (بالشيصباني) والذي سيكون له حضور ظلامي وأثر سيء في العراق قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، فقد سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن شخصية السفياني فقال (عليه السلام): وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني يخرج من أرض كوفان ينبع كما ينبع الماء فيقتل وفدكم فتوقعوا بعد ذلك السفياني وخروج القائم (عليه السلام). [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣١٤]
وكذلك تحدثت الروايات عن هدم سور مسجد الكوفة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا هدم حائط مسجد الكوفة من مؤخرة مما يلي دار ابن مسعود، فعند ذلك زوال ملك بني فلان أما إن هادمه لا يبنيه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٨٥]
هذا كله على مستوى الوقائع الاجتماعية والسياسية
وأما بالنسبة للظواهر الطبيعية والمناخية فتحدثنا الروايات عن حصول فيضان نهر الفرات.
فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل على أزقة الكوفة. [الارشاد للشيخ المفيد: ج٢، ص٣٧٧]، وهكذا ما روي عن البزنطي قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: قبل هذا الأمر بيوح فلم أدر ما البيوح، فحججت فسمعت أعرابياً يقول: هذا يوم بيوح فقلت له: ما البيوح؟ فقال: الشديد الحر. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٧٩]
هذا بعض ما أسعفنا الوقت لذكره، ولا يخفى أن كل تلك التفاصيل التي وردت في الروايات والأخبار عرضة للبداء وتخضع للمحو والاثبات، فلا تؤخذ كقدر لازم وقانون حتمي لا مناص منه، كما هي عقيدتنا الثابتة عن (البداء) والتي تعطي الفعالية للمشيئة الإلهية في تغيير طبيعة القضاء الإلهي فيما لو أصلحنا ما بيننا وبين الله تعالى، وكذلك ينبغي الالتفات إلى إن مثل هذه الروايات لا تعني شمول كل المناطق بذلك، كما لا يعني عدم مرور فترات زمنية تخفّ فيها الوطأة والشدة فإن من السنن الإلهية في الأمم والمجتمعات هي سنة التدافع بين الناس والتي تستلزم قوانين وأقداراً تجعلهم بين مدٍّ وجزر، وإلا لانتهت الحياة على الأرض بعد جيل واحد.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)