الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن أن نعرض ثلاثة معاني لعين الحياة، وبها يتبين معنى كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عين الحياة:
المعنى الأول:
إن عين الشيء يعني حقيقته وكنهه، فعين الحياة يعني حقيقتها، وحقيقة الحياة كما ذكر القرآن الكريم هي الآخرة، إذ هناك فقط يكون الخلود والراحة الأبدية، وأمّا الدنيا فما هي إلّا ممر، قال تعالى: ﴿وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤].
وعليه، فكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عين الحياة يعني: أنه العين على الآخرة، أي الدليل والموصل إلى الحياة الخالدة، ولا طريق مستقيم إلّا هو (عجّل الله فرجه)، وهذا من الوضوح بمكان، ولذا كان منكره منكراً لأصل الدين ولنبوة سيد المرسلين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا ما أكدته الروايات الشريفة، فعن أبي علي بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال (عليه السلام): إن هذا حق كما أن النهار حق، فقيل له: يا بن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية. أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٠٩]
وعن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: من أقر بجميع الأئمة، وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوته، فقيل له: يا بن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤١١]
وعن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤١٢].
المعنى الثاني:
إن عين الحياة هي تلك العين التي من شرب منها لم يصبه الموت، وهي على نوعين:
١- عين الحياة الدنيوية، وهي العين التي من شرب منها لم يمت إلى اليوم الموعود، وهي التي ذكرت الروايات أن الخضر (عليه السلام) قد شرب منها.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): عين الحياة التي غسل فيها يوشع بن نون السمكة وهي العين التي شرب منها الخضر وليس يشرب منها أحد إلّا حيي... . [الخصال للشيخ الصدوق: ص٤٧٦]
٢- عين الحياة الأخروية، وهي العين التي من شرب منها لم يمت أبداً وصار من الخالدين، وهي التي سيشرب منها أهل الجنة فيخلدون فيها.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سئل عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ المُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً﴾ [مريم: ٨٥] فقال فيما قال:... وعلى باب الجنة شجرة إن الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس، وعن يمين الشجرة عين مطهرة مزكية قال: فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد ويسقط من أبشارهم الشعر وذلك قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾ [الإنسان: ٢١] من تلك العين المطهرة، قال: ثم ينصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبداً... . [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٩٥ - ٩٦]
ومعه، فيكون معنى أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو عين الحياة أنه أصل الوجود الخالد، وهذا المعنى أصبح واضحاً مما تقدم من المعنى الأول.
وإن الآخرة تتمثل به (عجّل الله فرجه) حينما يظهر ويبني دولته الإسلامية العظمى، وفق قانون الإسلام الخالد، ووجوده المبارك سيدفع بالناس إلى التزام الإسلام وتطبيقه، بحيث يمكن القول بأن دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) صورة مصغرة عن الآخرة، ولذا تجد بعض مواصفات عالم الآخرة موجود في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولذا وجدنا بعض الروايات تسمي يوم ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) بالقيامة الصغرى، وهي وإن كان يفهم منها للوهلة الأولى أن كونه قيامة صغرى من حيث معاقبة الظالمين، ولكن لا مانع من فهم معنى تمثل الآخرة في جانب النعيم في ذلك اليوم، ولو كان بنحو مخفف.
المعنى الثالث:
إن الإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يعني الحياة الحقيقية، فالمؤمن به حيٌّ بأملٍ يضيء له درب الحياة، ويهون عليه مصائبها، ويضفي على قلبه اطمئناناً ينفي عنه القلق والخوف من المستقبل، فيكون الإعراض عنه (صلوات الله عليه) وعدم الإيمان به ظلاماً حالكاً يجعل من الحياة سجناً ضيقاً وبئراً لا يدرك غورها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى * قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى﴾. [طه: ١٢٤-١٢٦]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان