الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا السؤال يفترض أن المرجعية الشيعية (بمعنى رجوع الشيعة إلى الفقهاء) هي ظاهرة قد استحدثت في زمن الغيبة الكبرى ليتم السؤال تبعاً لذلك عن (المرجع الأول)، وكذلك يفترض هذا السؤال أن الحواضر الشيعية آنذاك كانت متصلة كحالها اليوم فيسهل الرجوع إلى فقيه واحد ليكون مصداقاً لعنوان المرجعية الأولى، وكلا الافتراضين لا يصحان، فإن الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن الأحكام الشرعية مما جرت عليه سيرة الشيعة الإمامية منذ عصر الأئمة (عليهم السلام) وعُرف في كل عصر جماعة ممن يتصدى للفتوى أو في كل بيئة يتواجد فيها أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا ما يمكننا أن نلحظه في سيرة الإمامين الصادقين (عليهما السلام) الذين هيئوا الشيعة على الحالة التي نحن عليها اليوم، وذلك بتعليم تلامذتهم وجعلهم فقهاء يرجع إليهم عامة الشيعة الذين كان يصعب عليهم تلقي الأحكام الشرعية من الأئمة (عليهم السلام) بشكل مباشر، أمثال زرارة بن أعين وأبان بن تغلب ويونس بن عبد الرحمن وغيرهم، ثم توفر في أواسط عصر الغيبة الصغرى من العلماء الكبار ممن كانوا مستراحاً ومفزعاً للشيعة، أمثال الشيخ الكليني وابن قولويه وابن بابويه القمي وصولاً إلى أوائل عصر الغيبة الكبرى.
يقول السيد محمد سعيد الحكيم (رحمه الله) في كتابه (المرجعية الدينية وقضايا أخرى): وما كتاب (من لا يحضره الفقيه) الذي ألَّفه الصدوق في أوائل الغيبة الكبرى إلّا رسالة عملية يرجع إليها من لا يتيسر له سؤال الفقيه وهي تتضمن فتاوى الصدوق، ثم تتابعت الرسائل للعلماء طبقة بعد طبقة كـ(المقنعة) للشيخ المفيد و(جمل العلم والعمل) للسيد المرتضى و(النهاية في مجرد الفقه والفتوى) للشيخ الطوسي (قدس الله أسرارهم الزكية) وغير ذلك مما لا يحصى كثرة. [المرجعية الدينية وقضايا أخرى للسيد محمد سعيد الحكيم: ص٢٣].
وممن يشار إليهم أيضاً من الفقهاء الكبار الأقدمين هو (ابن أبي عقيل العماني) المحدث والفقيه والمتكلم الإمامي من علماء القرن الرابع ويعتبر كتابه (المتمسك بحبل آل الرسول) أحد أهم مؤلفاته، فقد ترجم له السيد مهدي بحر العلوم في فوائده الرجالية بقوله: وهو أول من هذَّب الفقه واستعمل النظر، وفتق البحث عن الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى، وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد، وهما من كبار الطبقة - السابقة. وابن أبي عقيل أعلى منه طبقة، فإن ابن الجنيد من مشايخ المفيد، وهذا الشيخ من مشايخ شيخه جعفر بن محمد بن قولويه - كما علم من كلام النجاشي (رحمه الله). [الفوائد الرجالية للسيد مهدي بحر العلوم: ج٢، ص٢٢٢]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)