الإساءة إلى القائم عليه السلام ليست أول قارورة كسرت في الإسلام
تأليف: السيد أحمد الإشكوري
تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله فرجه
فهرست الموضوعات
مقدمة المركز
الإهداء
مقدمة المؤلف
الضرورة التكوينية لحكم الصالحين
الإمكان والولادة والحياة
فائدة الإمام مع الغيبة
مقامه عليه السلام
الإمامة في السن المبكر
الغيبتان وخصائصهما
الغيبة من أسرار الله عز وجل
خصائص الغيبة الصغرى
خصائص الغيبة الكبرى
حقيقة الغيبة
علامات الظهور
ما بعد الظهور
المناهج المعرفية في قراءة القضية المهدوية
١ _ المنهج الروائي
٢ _ المنهج العقلي
أهم شبهات المنكرين
خصوصيات الإمام المهدي عليه السلام
الإساءة إلى فكرة المهدي عليه السلام
مناشئ الادّعات الباطلة
نتائج البحث
مصادر التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطيبين الطاهرين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين...
أمّا بعد:
فقد أولى الدين الإسلامي الحنيف بعض الأفكار والقضايا العقائدية اهتماماً خاصاً وأولوية مميّزة، ولعلّنا لا نبالغ ولا نذيع سرّاً إذا قلنا: إنّ الثقافة المهدوية تعدّ من أوائل تلك القضايا ترتيباً من حيث الأهمية والعناية التي أولاها المعصومون عليهم السلام من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وقد سبقهم إلى ذلك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ينتهز المناسبة تلو الأخرى ليطبع في ذهن الأمّة وتفكيرها مصطلحات ثقافة انتظار القائد المظفّر، الذي سيرسم ملامح القسط والعدل على ربوع الأرض بعد أن تغرق في غياهب الظلم والجور، محقّقاً بذلك الحلم السرمدي الذي نامت البشرية حالمة به على مرّ العصور، الذي كان هو الأمل الأكبر الذي سعى إليه الأنبياء كافة.
وإذا كانت مقاييس الأهمّية والرفعة والخطر الذي تحظى به كل القضايا تتمثل بطرفين هما: مبدأ ومآل كل قضية. فإنّ قضيتنا المقدّسة _ التي نحن بصدد الحديث عنها _ لا تدانيها قضية في الفكر الإسلامي.
فلو تحقّقنا في مبدأ هذه القضية وأصلها، لوجدنا النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعادل بينها وبين مجموع رسالة السماء المباركة الخالدة التي حملها إلى البشرية، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني)،(١) ولا نجد أنفسنا بحاجة إلى مزيد من التوضيح لأهمية فكرة يُعدّ إنكارها إنكاراً لخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
بل يمكن القول بأنّ عدم الإيمان بهذه العقيدة يوازي عدم الإيمان بكل رسائل الأنبياء، وهو الذي عبّر عنه بالضلالة عن الدين. فقد ورد في الدعاء في زمن الغيبة: (اللّهم عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك، اللّهم عرّفني رسولك فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللّهم عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني)، ومن أوضح الأمور نوع العلاقة والارتباط بين عدم معرفة الحجّة وبين الضلالة عن الدين، إذ أنّ هناك ثوابت ورواسخ لا يمكن أن تنفك بحال من الأحوال عن قاموس الفكر العقائدي الشيعي، بل الإسلامي بكل أطيافه، منها: أنّ الذي يموت دون أن يعرف إمام زمانه، أو دون أن تكون في عنقه بيعة لإمام زمانه يموت ميتة جاهليّة، كما ورد في الأحاديث الشريفة التي تناقلها المحدّثون من الطوائف الإسلاميّة كافة، وأي تعبير أفصح وأصرح من التعبير بالميتة الجاهلية عن بيان الضلالة في الدين؟!
هذا بالنسبة إلى الطرف الأوّل من طرفي مقياس أهمّية القضايا، الذي هو مبدأ هذه القضية وأصلها والإيمان بها.
وأمّا بالنسبة للطرف الثاني لهذه الفكرة المقدّسة التي حرص النبي والأئمّة من أهل بيته عليهم السلام على غرسها في صميم أفكار الفرد المسلم، هو المآل الذي تؤول إليه، أو الثمرة التي تنتجها، فإنّ فيها تحقيق حلم الأنبياء وهدفهم الذي سعوا لأجله على مرّ العصور، والأمنية التي رافقت العقل البشري منذ اليوم الأوّل لترعرعه، لأنّ هذا القائد المؤمّل هو الذي سينزع عن البشرية قيود الظلم والعبودية، وهو الذي سيخلع عليها حلّة العدل والإنصاف، فإنّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
وليس بعيداً عن توقّع كل عاقل، أنّ مثل هذه القضية التي تحمل بين طيّاتها كل هذا المقدار من الأهمية والخطورة ستتعرّض _ حالها في ذلك حال كل مفاهيم العدالة الربّانية _ إلى وابل من سهام الغدر والعداوة، حيث أنّها تمثّل الخط العقائدي الإسلامي الأصيل الذي رسم ملامحه الناصعة نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم وواكبه على ذلك الأئمّة المعصومون عليهم السلام. فلقد أبت القوانين الدنيوية إلاّ أن تضع بإزاء كل حق باطلاً، ينازعه ويناوئه، فتكالب أعداء الحقيقة من كل حدب وصوب ليوجّهوا نبال التشويه والتشكيك، وكل أنواع المحاربة لهذه العقيدة التي هي من مسلّمات العقل الإسلامي، الذي تعامل مع هذه الفكرة منذ أعماق تأريخه، على أنّها أمر لا يمكن الغفلة عنه أو التنكّر له.
وهذا واحد من أهم الأسباب التي حفّزت فينا الشعور بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا في الحفاظ والدفاع عن هذه العقيدة المباركة، التي حظيت بهذا المقدار العظيم من الرعاية الإلهية. هذا الأمر هو الذي دفعنا للنهوض لتحمّل جزء من أعباء هذه المسؤولية وإنجاز هذا التكليف الذي لا مناص من تحمّله، وإيصال ما يمكن إيصاله إلى المؤمنين المهتمّين بشؤون دينهم وعقائدهم، وذلك بعون الباري عز وجل، ورعاية من المرجع الديني الأعلى سماحة آية الله العظمى السيّد علي الحسيني السيستاني دام ظلّه الوارف، فكان تأسيس مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام، وقد عني هذا المركز بالاهتمام بكل ما يرتبط بالإمام المنتظر عليه السلام.
وكان من بين ما وفقنا الله لإنتاجه سلسلة من الكتب المتخصّصة فيما يتعلّق بالإمام المهدي عليه السلام، أسميناها: (سلسلة اعرف إمامك)، نقدّم بين يديك _ عزيزي القارئ _ هذا الكتاب كحلقة من هذه السلسة التي نسأل الباري عز وجل أن يوفّقنا للتواصل في العمل بها لتوفير كل ما يمكن أن يخدم إخواننا المؤمنين وإعطائهم ما يحتاجون في رفد أفكارهم العقائدية المرتبطة بالإمام الغائب عليه السلام.
وإذ يتقدم المركز بالشكر الجزيل للمجهود العلمي القيم الذي بذله سماحة المؤلف السيد أحمد الإشكوري دام عزه فإن من دواعي سروره واعتزازه أن يقدم للقراء وللمكتبة العقائدية الإسلاميّة الكتاب الخامس في سلسلة (إعرف إمامك) والذي سبقته أربعة كتب هي: (القائد المنتظر) و(الغيبة والانتظار) و(علامات الظهور) و(محكمات السنن في الرد على شبهات أهل اليمن) سائلين المولى تعالى أن يوفقنا لنيل رضاه ورضا أهل بيته الكرام الميامين والحمد لله ربّ العالمين.
مدير المركز
السيد محمّد القبانچي
الإهداء:
إلى إمام العدالة..
إلى أمير المظلومين..
إلى رائد الفضيلة..
إلى وجه الله الذي يتوجه إليه العالم التكويني بأسره..
إلى صاحب راية الهدى والحق..
إلى السفير المتصل بين الأرض والسماء..
إلى المنقذ الحق..
إلى باب الرحمة والشفقة..
إلى من ينشر العدل برأفته وحنانه..
إلى أمل الأنبياء وداعي الإصلاح..
إلى النور والخير..
إلى ناشر لواء الدين..
إلى ملجأ المؤمنين والكهف الحصين..
إلى القرآن الناطق..
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
ما زلنا بحاجة إلى بذل الوسع لفهم العقائد الحقة، مما يستدعي تنوير وإضاءة الموقف علمياً وعملياً، وتحليل الصورة بشكلها الدقيق دفعاً للخرافة والبدعة، واحترازاً عن الجهل والمغالطة، وابتعاداً عن الاستغلال والتلاعب بالعقول، وتخوفاً من الاختراق وتسييس العقائد، وزج الناس في المآرب والمقاصد الذاتية، أو تشويه الصورة فتصير مدعاة للطعن والسخرية.
ومن أخطر الحروب الفكرية وأهمها فكرة الإمام المهدي عليه السلام فقد مرّت بأطوار شتى، وعاشت طرفي النقيضين، واستغلت واُسيء إليها.
ومن هنا لا بدّ من استمرار الترشيد على صعيد الجوانح والجوارح، وعلى مستوى العقل والقلب والعمل، لتحيى النفس بتجاذبها مع معاملة الحقيقة.
ولكي نقترب من واقع العقيدة ونستوحي فلسفة الإصلاح العالمي لا بدّ لنا من التأكيد على عدّة عناوين ونتكلم عنها على نحو الإجمال والإشارة، وللتفصيل مجاله الخاص.
* * *
الضرورة التكوينية لحكم الصالحين:
إنّ حكم الصالحين قانون تكويني، لأن حكومات الظالمين على خلاف نواميس الخلقة، والمجتمع البدائي _ وإن كان متقدماً تكنولوجياً _ إلاّ أنه يحكمه الظلم والظالم. وكلما تكامل وسار في طريق العدالة الاجتماعية على المستوى التنظيري والأيدلوجي اقترب إلى حكومة الصالحين. فهو أمر يقتضيه النهج التكاملي والرقي بالمجتمع تقنيناً.
وبكلمة: بعدما كان هناك خير وكمال، والمجتمع بتكامله ونضجه العلمي والفطري يسير نحو الخير، من هنا لا بدّ للحركة التكاملية من غاية جمالية يرتسمها ويسير نحوها وفق قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)،(٢) وهذا قانون تكويني قبل أن يكون وعداً إلهياً. وقد ورد في الكتب السماوية كافة من قبل أن الصالحين سيرثون الأرض ويسكنون فيها، فإنّ عالم الوجود والخلق محكوم بقانون النظم، ولا مجال للفوضى فيه مطلقاً، ووجود نظام الخلقة سيكون دليلاً على قبول نظام اجتماعي صحيح في مستقبل عالم الإنسانية، ثمّ إن قوله تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)،(٣) إشارة إلى أن الهدف النهائي هو حكومة عادلة راسخة الأسس ينتشر فيها الحق والأمن والاطمئنان، وتكون ذات تحصينات أسسها العبودية إلاّ أنها عبادة لا يحتاج الله إليها. وهدفها تربية البشر وتسامي النفوس. وأن تتلاقح العبودية والربوبية، فهي خالية من شوائب الرذائل والأهواء، ولا يمكن أن تتحقق هذه الغاية إلاّ بتشكيل حكومة عادلة يقودها الصالحون. لا أنّ جميع ما في الكون يكون صالحاً؛ لأن الإنسان خُلق حراً ومجال الانحراف فيه موجود.
ومن هنا جاءت فكرة التعايش السلمي في ظل الحكومة المنشودة فلأهل الكتاب مكان واسع وحرية كاملة وعلى جميع الآفاق ثمّ أن هذه الضرورة التكوينية قد نطقت به الآثار النقلية أيضاً وقد ورد في رواية جابر قال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أي وربي، (لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ)(٤)) ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا جابر إن هذا أمر من أمر الله وسرّ من أسرار الله، فإيّاك والشك، فإنّ الشك في أمر الله عز وجل كفر).
وحين نستعرض جملة من الآيات القرآنية مثل قوله تعالى:
(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ).(٥)
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).(٦)
(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَْرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).(٧)
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(٨)
نجد أن هذه الآيات فيها دلالة واضحة على أن مصير الكون سيكون بيد الصالحين، وأن حركة المجتمع لا بدّ أن تصل إلى هدفها وغايتها المرسومة لها. وهي حكومة الصالحين وأن يسود العدل في المجتمع. وأن هذا وعد إلهي وسُنّة كونية وأمر فطري منشود.
وأما الروايات التي رواها السُنّة والشيعة ففيها من الدلالة _ ولو التزاماً _ على فكرة المنقذ العالمي والمصلح، وإن اختلفت المدارس الدينية في تحديد هويته هل هو المسيح أم غيره؟ هل هو موجود أم سيولد؟ هل هو مبهم أم معين؟ وسنكتفي بالإشارة إليه في ضمن الروايات الإسلاميّة، فإنه في هذا المضمار يمكن أن يقال:
١ _ البشارة بظهوره (٦٥٧) رواية.
٢ _ إنه من أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (٣٨٩) رواية.
٣ _ إنه من أولاد الإمام عليّ عليه السلام (٢١٤) رواية.
٤ _ إنه من أولاد فاطمة الزهراء عليها السلام (١٩٢) رواية.
٥ _ إنه من أولاد الحسين عليه السلام (١٤٨) رواية.
٦ _ إنه من أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام (١٨٥) رواية.
٧ _ إنه من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام (١٤٦) رواية.
٨ _ إنه يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً (١٣٢) رواية.
٩ _ إنه له غيبة طويلة (٩١) رواية.
١٠ _ إنه يعمر عمراً طويلاً (٣١٨) رواية.
١١ _ الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام (١٣٦) رواية.
١٢ _ الإسلام يعم العالم كله بعد ظهوره (٢٧) رواية.
١٣ _ الروايات الواردة حول ولادته (٢١٤) رواية.
وبهذا نقول: ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلاميّة ذات طابع ديني، بل هو عنوان لطموح اتجهت إليه البشرية، وصياغة لإلهام فطري، فالكل آمن في وجدانه بهذه الصياغة وهذا الطموح مع تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب، بل لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتد إلى غيرهم أيضاً، وانعكس حتّى على أشد الأيدلوجيات بعداً عن ما وراء المادة كالشيوعية.
ونرى الإنسان اليوم قد سحق الفضائل والمنابع المعنوية، وإن كان قد سخّر البحر والفضاء والصحراء لصالحه. ومن البديهي إنه لا يمكن إقرار العدالة بالقوة ولا يمكن تضمين سعادة البشرية بالإنجازات العلمية. فلا بدّ للإنسانية من التحرك نحو الإيمان والأخلاق لتنجي نفسها من دوامة الخطر بقيادة مصلح عالمي عظيم ذي خصال فريدة قادر على إدارة هذا المشروع الإلهي. وللقضية المهدوية مؤشرات ايجابية أخرى كإعطاء الأمل للمؤمنين وكونه (كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا)، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ).
الإمكان والولادة والحياة:
المسلمون بشكل عام قد سلّموا بأصل فكرة الإمام المهدي عليه السلام ولو من دون دلالة على أن هذا الشخص مولود بالفعل، بل يمكن دعوى التواتر على أصل الفكرة، وممن ارتضى ذلك ابن تيمية(٩) وابن حجر،(١٠) بل حتّى عبد العزيز بن باز،(١١) بل قد روى عشرون راوياً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك كعثمان بن عفان، وعلي ابن أبي طالب عليه السلام، وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف، وقرّة بن إياس، وعبد الله بن الحارث، وأبو هريرة، وحذيفة بن اليمان، وجابر بن عبد الله، وأبو أمامة، وجابر بن ماجد، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعمران بن الحصين، وأم سلمة.
وأما أقوال الصحابة ففي الصحاح والمسانيد والسنن، كسنن أبي داود،(١٢) وسنن الترمذي،(١٣) وابن ماجة،(١٤) والداني،(١٥) ومسند أحمد،(١٦) وأبي يعلي،(١٧) والبزاز،(١٨) وصحيح الحاكم،(١٩) ومعجم الطبراني الكبير،(٢٠) والأوسط،(٢١) وأبي نعيم في أربعينه،(٢٢) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد)،(٢٣) وابن عساكر في (تاريخ دمشق)،(٢٤) وغيرها.
وقد وضعت رسائل في ذلك منها: رسالة أبي نعيم في: (أخبار المهدي)، وابن حجر الهيثمي في: (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر)، والشوكاني في: (التوضيح)، وإدريس العراقي في: (كتاب المهدي).
والمنكر يعد شاذاً من قبيل ابن خلدون في تاريخه بانياً على نظريته في علم الاجتماع مع كونه معترفاً لبعض الآثار، وأبي زهرة في كتابه (الإمام الصادق)، ومحمّد رشيد رضا في تفسيره (المنار).
بل قد اُلّفت كتب للرد على ابن خلدون، كأبي العبّاس بن عبد المؤمن المغربي في كتابه: (الوهم المكنون في الرد على ابن خلدون)، وهكذا أحمد حمد صديق في: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، بل قال بعض أهل السُنّة رداً لمزعمة ابن خلدون:
(إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين أو رواية أو روايتين، إنها مجموعة من الأحاديث والآثار تبلغ الثمانين تقريباً اجتمع على تناقلها مئات الرواة وأكثر من صاحب كتاب صحيح. فلماذا نرد كل هذه الكمية؟! أكلها فاسدة؟ لو صح هذا الحكم لانهار الدين، ثمّ إني لا أجد خلافاً حول ظهور المهدي أو حول حاجة العالم إليه، وإنما الخلاف حول من هو؟ حسني أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان أو موجود الآن؟ ولا عبرة بالمدعين الكاذبين؟ فليس لهم اعتبار؟ وإذا نظرنا إلى ظهور المهدي نظرة مجردة فإننا لا نجد حرجاً من قبولها وتصديقها، أو على الأقل عدم رفضها). ناهيك عن الآيات القرآنية الدالة على المهدي كشواهد التنزيل احسكاني حنفي وإلزام الناصب للحائري اليزدي.
أما ولادته فيمكن اتّباعها عن طريق:
الأوّل: حديث الثقلين المتواتر والمشهور بين العامة والخاصة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).(٢٥)
لأنه يدل على أن العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب وهذا الاستمرار لا يمكن تصوره إلاّ بافتراض أن الإمام موجود.
الثاني: حديث الإثني عشر خليفة المتفق عليه.(٢٦)
الثالث: حديث (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). كما رواه الطبرسي في (أعلام الورى)(٢٧) وغيره:(٢٨) عن محمّد بن عثمان السمري عن أبيه عن أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام في الخبر الذي روى عن آبائه عليهم السلام إن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. فقال عليه السلام: (إن هذا حق كما إن النهار حق)، فقيل: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال عليه السلام: (محمّد هذا الإمام والحجة بعدي فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية).
وهو يدل على ولادة الإمام عليه السلام. فالرواية مطلقة ولسانها عام شامل لكل الأفراد في جميع الأزمنة، وتدل على أن الإمام موجود في كل عصر وزمان. والحديث قد ثبتت صحته من كتب العامة والخاصة.(٢٩)
الرابع: أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام بولادة الإمام المهدي عليه السلام ورؤية بعض الشيعة للإمام، والذي يقرأ التاريخ ويقرأ الروايات يفهم أن الشيعة من الزمان الأوّل كانوا يتداولون فكرة الإمام عليه السلام وأنه يغيب، وقضية السفراء وخروج التوقيعات بواسطتهم.(٣٠)
الخامس: أمّة كاملة عاشت تجربة طولها سبعين عاماً هي تجربة النواب الأربعة وهذه التجربة تمتاز بوحدة فكر، وحدة خطاب، وحدة انقياد، وحدة تسليم لاسيّما من العلماء الذي شأنهم التشكيك فقد وقفوا خاضعين أمام هذه التجربة ولم يكذبوها ولا شككوا فيها ولمزيد من الوجوه لإثبات الولادة نحيل القارئ الى المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام مكتفياً بالعناوين المهدي التاسع من صلب الحسين وتحديده بالأسماء والعدد والصفات والشخص وبشائر الإمام العسكري بولادة المهدي وتعمده تكثير العقيقة عن ابنه وشهادة القابلة وأم الإمام وهجوم السلطة على دار العسكري بعد وفاته.
وليس تعميره عليه السلام أمراً لم يحصل لغيره من الأنام حتّى تنكره الأفهام أو يعترض فيه الشك والأوهام، وأن السؤال عن إمكان طول العمر يعرب عن عدم التعرف على سعة قدرة الله سبحانه (وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).(٣١) فإذا كانت حياته وغيبته برعاية الله فما المشكلة في امتداد عمره؟ وبكلمة: إن الحياة الطويلة إما ممكنة في حد ذاتها، أو ممتنعة، والثاني لم يقل به أحد حتّى الحسيين، فتعين الأوّل (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).(٣٢)
وقد حصل للأنبياء والأولياء والأشقياء ولكثير من الأمم كتعمير نوح عليه السلام: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً...)،(٣٣) وكعمر آدم أبي البشر (٩٣٠) وعاش إبراهيم (١٧٠) سنة وإسماعيل (١٢٠) سنة وكذا موسى وهارون (١٣٠) وسليمان (٧١٢)، ومن المعمرين الدجال على ما قيل، والخضر.(٣٤) بل هناك مجموعة من المشتركات بين ظاهرة الإمام والأنبياء في القرآن منها استتار الولادة كموسى ومنها طول عمره كنوح والخضر ومنها الاختلاف في بقاءه كعيسى ومنها إمامته المبكرة كيحيى ومنها الغيبة كالخضر وذي القرنين ومنها عموم ملكه كداود وذو القرنين وسليمان بناءاً على كون ذا القرنين نبياً.
فائدة الإمام مع الغيبة:
الهدف من تعيين الإمام لا ينحصر في إدارة الأمور السياسية في المجتمع، والحفظ الظاهري للدين وتبيين أحكام الشريعة بالمباشرة فقط، بل هو مضافاً إلى ذلك واسطة الفيض واللطف الإلهي، وهو العلة الغائية العظمى في نظام الكون، وقد ورد في الأخبار: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت الأرض بأهلها)،(٣٥) وقد ورد في التوقيع الصادر منه عجل الله فرجه: (وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء...).(٣٦)
والمستفاد من الأخبار أنه عليه السلام نور الوجود والهداية وهو العلة الغائية لإيجاد الخلق، وبه تكشف البلايا عنهم، فلولاه لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ).(٣٧)
وقال الطوسي: (وجوده لطف)، فإيصال العباد إلى المطلوب والغاية التي عينت لهم في علم الله تعالى وهي الهداية والولاية التكوينية بإذن الله تعالى، بل قال: (وجوده لطف وتصرفه لطف آخر، وغيبته مناً).(٣٨)
وعليه فإن ظهوره وإن كان لطفاً، ولكن الغاية التي من أجلها وجد أيضاً ضرورية، ولم يفترض في صاحب الزمان إقامة الحكومة بنحو الإعجاز وإنما لا بدّ من تكوينها على يده وفقاً لسير الأحداث بشكلها الطبيعي.
وكيفما كان إنّ عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته لا يدل على انتفائها.
على أن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمر مطلقاً، بل قد دلت الروايات على وجه الانتفاع في غيبته: (أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب).(٣٩)
وقد ورد قوله عجل الله فرجه: (وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي).(٤٠)
وقوله: (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء).(٤١)
مقامه عليه السلام:
أما مقامه فيمكن وبنحو الاختصار الإشارة إليه:
١ _ المسيح عليه السلام يقتدي به في الصلاة:
في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ينزل عيسى بن مريم فيقول لهم أميرهم _ يعني القائم عليه السلام _: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله لهذه الأمّة).
وفي حديث آخر: (كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم _ يعني به المهدي عليه السلام_).
وعليه اتفق العامة والخاصة،(٤٢) مع الالتفات إلى قضية إمامة الجماعة بناءاً على أن بيان الرواية لهذه الواقعة لها مدلول آخر؛ وهو أن النبي يصلي خلفه. فليست الرواية في صدد الإخبار عن واقعة ستتحقق من دون أن يكون لها مدلول التزامي، بل هي في صدد بيان أن النبي يصلي خلفه، مما يعني أن الإمام هو الأفضل، خصوصاً إذا علمنا أنها تكون للأفضل، وعيسى عليه السلام كما هو معلوم من أولي العزم من الرسل.
٢ _ تمني بعض الأنبياء مقام ومنزلة المهدي، أو أن يكون هو أو من ذريته.
في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (نظر موسى بن عمران في السفر الأوّل إلى ما يُعطى قائم آل محمّد من التمكين والفضل، فقال موسى: رب اجعلني قائم آل محمّد، فقيل له: إن ذاك من ذرية أحمد، ثمّ نظر في السفر الثاني فوجد فيه مثل ذلك، فقال مثله، فقيل له مثل ذلك، ثمّ نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله، فقيل له مثله).(٤٣)
وفي البحار: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: أن أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ستصيبهم فتنة عظيمة من بعد أحمد حتّى يعبد بعضهم بعضاً ويبرأ بعضهم من بعض، حتّى يصيبهم النكال، وحتّى يجحدوا ما أمرهم به نبيهم، ثمّ يصلح الله أمرهم برجل من ذرية أحمد، فقال موسى: يا رب اجعله من ذريتي، فقال: يا موسى إنه من ذرية أحمد وعترته، أصلح به أمر الناس، وهو المهدي.(٤٤)
٣ _ الإمام خليفة الله في أرضه:
(يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها منادٍ ينادي: هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه).(٤٥)
فإن الخلافة من المفاهيم الإضافية المتقومة بالخليفة والمستخلف عنه. فلا محالة تختلف شؤون الخلافة ومرتبة الخليفة باختلاف مقام من يستخلف عنه، فإذا كان المستخلف عنه كل كمال بما لا يتناهى وهو الذي ليس لعظمته حد محدود فيكون الذي استخلفه الله لنفسه وأقامه مقامه وأنابه منابه أعلى شأناً وأجل قدراً من أن تنال العقول منزلته. ومقتضى إضافة الخليفة إلى اسم الله كونه عليه السلام آية لجميع أسماء الله الحسنى. باعتبار أن اسم الله موضع لجميع أسماء الله الحسنى.
٤ _ مقامه يعلم من مقام أصحابه، وقد ورد الأثر في بيان صفات ومقام أصحابه.
عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لقد نزلت هذه الآية في المفتقدين عن فرشهم من أصحاب القائم عليه السلام: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً)(٤٦) إنهم ليفتقدون عن فرشهم ليلاً فيصبحون بمكّة، وبعضهم يسير في السحاب يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه)، قال: قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً؟ قال: (الذي يسير في السحاب نهاراً).(٤٧)
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: (كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلاّ وهو مطيع لهم حتّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام).(٤٨) وعن عبد الملك بن أعين قال: قمت من عند أبي جعفر عليه السلام فاعتمدت على يدي فبكيت، فقال: (ما لك؟) فقلت: كنت أرجو أن أدرك هذا الأمر وبي قوة، فقال: (أما ترضون أن عدوكم يقتل بعضهم بعضاً وأنتم آمنون في بيوتكم. إنه لو قد كان ذلك اُعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلاً وجُعلت قلوبكم كزبر الحديد، لو قذف بها الجبال لقلعتها، وكنتم قوّام الأرض وخزّانها).(٤٩)
وفي رواية عن الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام قال: (إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلاً، ويكونون حكّام الأرض وسنامها).(٥٠)
٥ _ أهل الكهف والخضر وإلياس من أصحاب المهدي عليه السلام.
عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أصحاب الكهف أعوان المهدي).(٥١)
وفي رواية: أن الخضر في البحر وإلياس في البر، يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان كل سنة، ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل، طعامهما ذلك.(٥٢)
٦ _ محدث تحدثه الملائكة تفسير القمي ٢: ٦٥ وأخَذَ الله الميثاق البصائر وترافقه غمامة تظله وفيها ملك كبيان الشافعي وتظهر على يده معجزات الأنبياء.
الإمامة في السن المبكر:
أما مسألة السن المبكر فقد نص القرآن على ثبوت النبوة للسن المبكر قال تعالى: (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).(٥٣) وقد سبق كل من الإمام الجواد والهادي عليه السلام ذلك، فالجواد عليه السلام بين الثمانية والسبعة، والهادي عليه السلام في السادسة، وأما الإمام المهدي عليه السلام ففي سن الخامسة نال درجة الإمامة.
الغيبتان وخصائصهما:
بداية الغيبة الصغرى من مولده، بعدما كان المقصود من الغيبة هو غيبة الهوية، وأن الإمام عليه السلام من حين الولادة قد غيبت هويته، لا من ابتداء إمامته إلى حين وفاة السفير الأخير، وأما الكبرى فبعد الأولى إلى ظهوره.(٥٤)
أما وجه الغيبة التي هي سُنّة الأنبياء، فقد روى زرارة قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: (إن للقائم غيبة قبل أن يقوم). قال: قلت: ولِمَ؟ قال: (يخاف). قال زرارة: يعني القتل.
وفي رواية أخرى: (يخاف على نفسه الذبح).(٥٥)
وعن إبراهيم بن عمر اليماني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة)، وسمعته يقول: (لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة).(٥٦)
وعن الصادق عليه السلام: (للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه في دينه).(٥٧)
وعن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لصاحب هذا الأمر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال: هلك، في أي واد سلك)، قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: (إذا ادعاها مدّع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله).(٥٨)
وفي خبر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحديهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلاّ نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره إلاّ المولى الذي يلى أمره).(٥٩)
ونشير إلى فوائد من هذه الأحاديث:
١ _ كل ما ورد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام في هذا المورد عبارة عن عملية تعبئة نفسية للأمّة الإسلاميّة.
٢ _ المراد من الرجوع إلى أهله، أي: النواب الأربعة.
٣ _ غيبتان ليس الفارق بين الغيبتين بلحاظ الإمام، أي: أنه غاب، ثمّ ظهر، ثمّ غاب، بل لم يظهر الإمام في كلتا الغيبتين وفي تمام الفترتين، وهكذا الفاصل بين الفترتين، كما ليس المراد بلحاظ قصر الزمان وطوله، بل المراد طبيعة ارتباط الإمام مع الشيعة. ففي الصغرى عن طريق السفراء الأربعة، أما في الكبرى لم يكن هناك سفراء، فكان الاتصال بالإمام في أيام الغيبة متيسراً بنوع ما حتّى لغير نوابه الخاصين، بخلاف الغيبة الكبرى فهي غير متيسرة، ولعل الغيبة الصغرى وقعت على ما لها من نوع ارتباط خاص بين نوابه الخاصين وبين الشيعة تمهيداً لوقوع الغيبة الكبرى، مضافاً إلى أن فائدة الغيبة الصغرى إحراز وجود الإمام وتولّده.
قال المفكر الشهيد محمّد باقر الصدر قدس سره: (لوحظ أن هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمّة، لأن هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كل عصر، والتفاعل معه. فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة قد يسبب إلى عصف الكيان الشيعي كله ويتشتت شمله، فكان لا بدّ من تمهيد لهذه الغيبة وهي الغيبة الصغرى...).
فتخلص أن أسباب الغيبة: الخوف عليه، والامتحان والاختبار، وعدم بيعته للظالم.
ففي البحار: عن زرارة سمعت الصادق عليه السلام يقول: (إن للغلام غيبة قبل أن يقوم)، قلت: ولِمَ ذاك؟ قال: (يخاف، وأشار بيده إلى بطنه وعنقه)، ثمّ قال: (وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: إذا مات أبوه مات ولا عقب له، ومنهم من يقول: وُلِد قبل وفات أبيه بسنتين، لأن الله يجب أن يمتحن خلقه، فعند ذلك يرتاب المبطلون).(٦٠)
الغيبة من أسرار الله عز وجل:
عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: (إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدّ منها، يرتاب فيها كل مبطل). فقلت له: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال: (لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم). قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال: (وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدم من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلاّ وقت افتراقهما...) الخبر.(٦١)
خصائص الغيبة الصغرى:
أ _ ظاهرة النواب الأربعة المعروفين للشيعة.
ب _ التوقيعات الصادرة منه، وكان خطه في الكتابة معروفاً مع اختلاف النواب وأذواقهم، فإن الخط جاء على نسق واحد وبأسلوب خاص، عند ملاحظة المجموع يُذعن الخبير كونه صادراً من شخص واحد.
جـ _ كثير من التوقيعات مقروناً بالإعجاز والاخبار عن المغيبات يصدق بها صدورها عنه عليه السلام (يبلغ عدد الأخبار سبعة وخمسين خبراً).(٦٢)
د _ ما صدر من النواب لم يكن عن اجتهاد، وإنما كانوا وسائط عن الإمام عليه السلام فقط.
خصائص الغيبة الكبرى:
قال الصدوق بسنده: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ عليّ بن محمّد السمري عليه السلام فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم: يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر اخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني فهو كاذبٍ مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم).(٦٣)
والمقصود من قوله عليه السلام: (وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة) بقرينة الصدر: أن المراد بدعوى المشاهدة هي المشاهدة على نحو ما وقع للسفراء الأربعة، وبهذا الوجه ونحوه كما سيأتي لا تنافي بين هذا التوقيع وبين الوقائع الكثيرة المذكورة في كتب عديدة؛ كالبحار والنجم الثاقب ودار السلام للعراقي وغيرها الدالة على وقوع المشاهدة في زمان الغيبة الكبرى لكثير من المؤمنين الذين فازوا بشرف لقائه.
ومما يدل على انقطاع النيابة الخاصة في الغيبة الثانية أن هذه المسألة عامة البلوى. ولم ينقل أحد من علمائنا من زمان الأئمّة عليهم السلام إلى زماننا بخبر واحد يدل تصريحاً أو تلويحاً أو إشعاراً على وقوع النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى، مع دقة العلماء وكثرة التتبع واهتمامهم بنقل الأحاديث وتدوينها وروايتها، حتّى ضبطوا الأخبار المشتملة على المطالب الجزئية، فعليه فإن من ضروريات مذهب الإمامية كذب مدعي النيابة الخاصة.
فتلخص: أن المعتمد في زمن الغيبة هم العلماء العاملون الحافظون لحدود الله كما في التوقيع الصادر وغيره: (أما المسائل الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا).(٦٤)
حقيقة الغيبة:
المستفاد من الأدلة أن الإمام ليس له غيبة بنحو غياب الشخص، أي: ليس لا بدّ له أن يعيش بمعزل عن البشر، وإنه ممنوع الرؤيا، وأن نمط حياته يختلف عن سائر البشر، بل الظاهر أن الإمام بشخصه موجود في المجتمع، ويحضر المجالس، وإليك في ذلك نصين:
١ _ عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن في القائم شبه من يوسف عليه السلام)، قلت: كأنك تذكر خبره أو غيبته؟ فقال لي: (ما تنكر من ذلك هذه الأمّة أشباه الخنازير، إن اخوة يوسف كانوا أسباطاً أولاد أنبياء، تاجروا يوسف وبايعوه وهم اخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتّى قال لهم: (أَنَا يُوسُفُ) فما تنكر هذه الأمّة أنه يكون الله عز وجل في وقت من الأوقات يريد أن يستر حجته، لقد كان يوسف عليه السلام إليه ملك مصر، وكان بينه وبين ولده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد الله عز وجل أن يعرفه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار يعقوب وولده عند البشارة مسيرة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر، فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله عز وجل يفعل بحجته ما فعل بيوسف أن يكون يسير في أسواقهم ويطأ بسطهم وهم لا يعرفونه، حتّى يأذن الله عز وجل أن يعرفهم بنفسه كما أذن ليوسف حتّى قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ * قالُوا أَ إِنَّكَ لأََنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي...)(٦٥) الآية).(٦٦)
٢ _ قوله عليه السلام: (يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه).(٦٧)
وعليه فالمراد من الغيبة هو غياب الهوية، أي لا يعلمون أنه هو المهدي مع أنه موجود بينهم.
ويبقى السؤال هل هو متزوج أم لا؟ وهل له ذرية أم لا؟
إنه وإن ورد في بعض الأخبار والأدعية ما ربما يستفاد منه الزواج وله ذرية، لكن بعد الأغماض عن سندها ليس في هذه الآثار ما يظهر منها أن هذه الذرية مِزية تؤثر في المسار العام الشيعي، نعم قد يتصيد البعض نحو تكريم لهذه الذرية وسعى في تطبيقها على الخارج، إلاّ أن هذا منافٍ لما هو المتفق عليه عند علمائنا من سدّ باب النيابة والوكالة الخاصة والارتباط الخاص به، مضافاً إلى انحراف ظاهرة التطبيق.
علامات الظهور:
الظاهر أن المقصود من العلامات المذكورة في الروايات الإشارة إلى حتمية وجود الإمام، ولابدية خروجه، وبيان أهداف نهضته، وإفلاس المدارس الفكرية عن تحقيق الأهداف المنشودة، والتأكيد على فكرة الانتظار، فهو مستحب نفسي لا غيري؛ وذلك لما ورد من إمكان نسخ جل هذه العلامات، وأن هذه العلامات لم تتحقق دفعة واحدة، بل بعضها تحقق في زماننا، فيلزم لغوية العلامة في زماننا، بل لنا أن نقول: إن هذه العلامات فيها من السعة والكلية حتّى يمكن تطبيق بعضها في جميع الأزمنة لتحصيل الهدف، وهو الخوف والرجاء، وللتنظير الاستعانة بالعلامات القرآنية المحدّثة عن قيام الساعة (راجع سورة التكوير والانفطار) فإنه لا يتعقل لها أثر، العلاقة الموضوعية إنما هي للتنبيه على قيام الساعة، أو نظير البشائر المذكورة في الكتب السماوية لظهور الخاتم. ولنا أن نشير إلى بعض تلك العلامات:
١ _ انتشار الظلم، وشيوع الجور، وانعدام الأمن والاستقرار، وشيوع الحرب والخسوف والكسوف.
كما يروي أبو سعيدٍ الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال بكم الأمر (الشدة والضيق) حتّى يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرها حتّى يملأ الأرض جوراً، فلا يقدر أحد يقول الله، ثمّ يبعث الله عز وجل رجلاً مني ومن عترتي، فيملأ الأرض عدلاً كما ملأها من كان قبله جوراً، وتُخرج له الأرض أفلاذ كبدها، ويحثو المال حثواً ولا يعده عدا، وذلك حين يضرب الإسلام بجرانه).(٦٨)
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ينزل بأمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتّى تضيق عنهم الأرض الرحبة، وحتّى تملأ الأرض جوراً وظلماً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّه الله عليهم مدراراً، يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره).(٦٩)
٢ _ خروج الدجال.
تظافرت الأخبار بحتمية ظهوره. ولقد حذر الأنبياء أجمعهم من فتنة الدجال وإغرائه ودعواه الكاذبة التي تصد عن الحق وتلقي الناس في شر عظيم، ومن أبرز خصائصه يأتي الناس بالطعام لإغرائهم وصدهم عن سبيل الله، وتسخير الكنوز له، واتّباع اليهود له، ويسخر آفاق الأرض وهو آخر الأئمّة المضلين وقائد الفئة المضلة ويظهر من بعض الآثار أن التحالف بين النواصب واليهود سيبلغ أوجه في زمن الإمام المهدي عليه السلام وتكون نهاية النواصب أن يرتدوا عن الإسلام ويتبعوا الدجال زعيم اليهود.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إني خاتم ألف نبي وأكثر، ما بعث نبي يتّبع إلاّ قد حذر أمّته الدجال، وإني قد بُيّن لي من أمره ما لم يُبيّن لأحد،... معه من كل لسان، ومعه صورة الجنّة خضراء يجرى فيها الماء، وصورة النار سوداء تداخن)(٧٠).(٧١)
٣ _ خروج السفياني.
والكلام هل أنه شخص، أم أسرة، أم فكرة؟ وهكذا الكلام في العلامة السابقة، وقد أسلفنا أن الهدف المتوخي من هذه العلامات الإشارة إلى التحذير في الوقوع في مدارس الضلال والإنحراف ومدارس الازدواجية الفكرية والمدارس الالتقاطية. نعم، لا بأس بالتعرض للحركات الممهدة قبل الظهور والحركات المناوئة قبل الظهور وحين الظهور على المستوى التنظيمي والشخصي.
٤ _ الرايات السود التي تخرج من خراسان أو من المشرق.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي).(٧٢)
وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي عليه السلام بعث إليه بالبيعة).(٧٣)
٥ _ نداء ملك السماء يبشر بظهور الإمام ويدعو الناس إلى متابعته.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي: هذا المهدي فاتبعوه).(٧٤)
٦ _ كسوف الشمس والقمر قبل خروج المهدي عليه السلام.
أكّد الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن الشمس ستنكسف في شهر رمضان مرتين قبل خروج المهدي.
في سنن الدار قطني: عن جابر، عن محمّد بن عليّ عليه السلام قال: (إن لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض، ينكسف القمر لأوّل ليلة من رمضان، وتنكسف الشمس في النصف منه، ولم تكونا منذ خلق الله السماوات والأرض).(٧٥)
٧ _ البلاء الشامل وامتلاء الأرض بالظلم والجور.
مظاهر البلاء والظلم: أ _ الفتن. ب _ امتلاء الأرض بالظلم والجور والعدوان. جـ _ الحرب والطاعون.
٨ _ علامات أخرى: راجع المجمع العالمي لأهل البيت (المكتبة الإلكترونية). والمعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عليه السلام.
ما بعد الظهور:
١ _ يملؤ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتّى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثمّ يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وعدواناً).(٧٦)
٢ _ الدولة العالمية.
عن عبد الله بن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما عرج بي إلى السماء السابعة، ومنها إلى سدرة المنتهى، ومن السدرة إلى حجب النور ناداني ربي جل جلاله: يا محمّد أنت عبدي وأنا ربك، فلي فاخضع، وإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكل، وبي فثق، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً ورسولاً ونبياً، وبأخيك عليّ خليفة وباباً، فهو حجتي على عبادي، وإمام لخلقي، به يُعرف أوليائي من أعدائي، وبه يُميز حزب الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني، وتحفظ حدودي، وتنفذ أحكامي، وبك وبه وبالأئمّة من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي وتقديسي وتهليلي وتكبيري وتمجيدي، وبه اُطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلي، وكلمتي العليا، وبه اُحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيتي، وإيّاه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده على انفاذ أمري، وإعلان ديني، ذلك وليي حقاً ومهدي عبادي صدقاً).(٧٧)
٣ _ عهد الكفاية والرخاء المطلق.
عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تنعم أمّتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، تُرسل السماء عليهم مدراراً، ولا تزرع الأرض شيئاً من النبات إلاّ أخرجته، والمال كدوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ).(٧٨)
٤ _ الله تعالى يظهر بالإمام المهدي دين الإسلام على جميع الأديان.
عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)،(٧٩) فقال: (والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم عليه السلام، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلاّ كره خروجه، حتّى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله).(٨٠)
٥ _ سكان الأرض والسماء يحبون المهدي ويرضون منه.
عن حذيفة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض والطير في الهواء، يملك عشرين سنة).(٨١)
٦ _ يلهم الله الإمام العلوم حتّى العلوم الطبيعية ويتصل أهل الأرض بأهل الكواكب الأخرى وتتطور الحياة في عصره ورؤية المؤمنين للملائكة وإحياء الموتى ويحيي الله الأرض ويحثو المال للناس حثياً بدون عدّ ويسع عدله والرخاء في عصره البرَّ والفاجر وتحقق الضمان الاجتماعي والاقتصادي وتعميم الثقافة والعمران وارتقاء الوضع الصحي والروحي.
وتبقى هناك بحوث أخرى، وهو عمر حكومة الإمام وخصوصياتها، وما بعد حكومة الإمام، وبحث الرجعة، وأصحاب الإمام، والخصوصيات الفكرية والذاتية لهم.
المناهج المعرفية في قراءة القضية المهدوية:
ما من علم إلاّ وله معايير معرفية ومناهج فكرية، وليس هناك معيار معرفي واحد في جميع الفنون. ولا تنفضّ الخصومة إلاّ على وفق المعيار والملاك المعرفي. ومن هنا يمكن تقسيم الفنون على وفق المعايير، فالمعيار للعلوم الإنسانية غير المعيار للعلوم التجريبية، وغير المعيار للعلوم السمعية والنقلية والعقلية. وكذلك التحقيق وتحديد الموقف في آليته التنفيذية، فالعلم اللساني لا بدّ له من التحقيق في بحث الصدوري والدلالي والجهتي.
وهل له معارض؟ وكيف يمكن فك التعارض؟ وما الغاية من العلم؟ وموسوعة الإمام المهدي هي منظومة فكرية تتكئ على الرواية من الزاوية العقائدية، وعلى السجل التاريخي، وعلى المنهج الاستقرائي، وعلى مباني عقائدية مسبقة. وسنذكر فيما يلي نموذجين:
١ _ المنهج الروائي:
ونحيل القارئ إلى دراسة الباحث ثامر العميدي (دفاع عن الكافي)، ومن أهم الأمور التي تعرض إليها تحليل فكرة الاعتقاد بالمهدي، ومناقشة ابن خلدون، ونقله أكثر من ثمان وخمسين شهادة وتصريح بصحة أحاديث المهدي وتواترها، ثمّ مناقشته لمن أنكر الولادة، وإبرازه لأدلة واعترافات من أهل السُنّة بدءاً من القرن الرابع الهجري وحتّى قرننا الحالي بولادة الإمام المهدي، ومناقشة لفرية السرداب. ونحيل أيضاً إلى دراسة عبد المحسن العباد (عقيدة أهل السُنّة والأثر في المهدي المنتظر) مجلة الجامعة الإسلاميّة/ العدد الثالث/ السنة الأولى.
٢ _ المنهج العقلي:
(منهج السيد محمّد باقر الصدر قدس سره) ولم يعتمد المؤلف تتبع القضية في كتب التفسير والرواية أو المناقشة في الأسانيد، وإنما سلك مسلكاً آخر، فبدأ بطرح التساؤلات والإشكالات مما قيل ويقال، ثمّ بدأ بالمناقشة بالدليل العقلي، وإليك معالم الدليل:
أ _ إعطاء تصور لفكرة المهدي في التراث الديني والإنساني والإسلامي، وليست مجرد فكرة وأمل يداعب الشعور حتّى يتخلص من التوتر النفسي، وإنما المهدي إنسان معيّن حيّ يعيش مع الناس ويشاركهم همومهم وآلامهم ويترقب مثلهم اليوم الموعود.
ب _ ثمّ يثير إثارات مصرّحة وجيهة، مقدرة أو مضمرة لمشكلة العمر، وكيف ينزل مع القوانين الطبيعية التي تحتم مروره بمرحلة الشيخوخة والهرم، ومهّد للجواب من بيان أنواع الإمكان من العملي والعلمي والمنطقي، أو الفلسفي، ثمّ يقول: ماذا لو افترضنا أنّ قانون الشيخوخة قانون صارم، وإطالة العمر خلاف القوانين الطبيعية التي دلنا عليها الاستقراء؟
وجوابه حينئذٍ: يكون المقام من قبيل المعجزة، وهي بمفهومها الديني أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه.
أهم شبهات المنكرين:
١ _ إن الشيعة وقعوا في اضطراب بعد وفاة العسكري عليه السلام وتفرقوا إلى أربع عشرة فرقة في مسألة الإمام بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، ولو كان أمر الإمام المهدي واضحاً لما جاز الاختلاف فيه.
٢ _ الروايات التي تتحدّث عن هوية الإمام ضعيفة وموضوعة، سواء ما يتعلق باسم أمه أم بتاريخ ولادته، أم بما لابس ولادته، أم بغيبته وسفرائه.
الجواب: ورداً على هذه الإشكالات نقول:
إن وجود الغموض في تحديد هوية الإمام لو صح _ كما صوّره الخصم وضخّمه _ فهو دليل عليهم، لا لهم. إذ عدم تحديد الهوية والإصرار على بقاء الأمر سراً دليل على وجود الإمام والخوف عليه من الأعداء لا على عدم وجوده، فالأئمّة عليهم السلام كما وردت الروايات لم يريدوا الكشف عن التفاصيل. فمما روي عنهم عليهم السلام:
عن زرارة بن أعين قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: (إن للغلام غيبة قبل أن يقوم)، قلت: ولم ذاك؟ جعلت فداك. فقال: (يخاف _ وأشار بيده إلى بطنه وعنقه _)، ثمّ قال عليه السلام: (وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: إذا مات أبوه مات، ولا عقب له. ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين. لأن الله عز وجل يحب أن يمتحن خلقه فعند ذلك يرتاب المبطلون).(٨٢)
وقولهم بضعف الروايات واختلافها مردود بالروايات المتواترة عن الشيعة والسنة. ومن العجب ما قيل: إن وجود الاختلاف والتفرّق يكون سبباً إلى نفي أصل فكرة الإمام الذي يستلزم أن تنكر الإسلام، بل من أهل السُنّة من اعترفوا بأن الإمام الموعود هو محمّد بن الحسن العسكري عليه السلام، وأنه باقٍ إلى الآن، فمنهم:
١ _ محمّد بن طلحة الشافعي (ت ٦٥٢هـ)، (مطالب السؤول/ الباب الثاني عشر).
٢ _ محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي (ت ٦٥٨هـ)، (البيان في أخبار صاحب الزمان/ الباب الأخير).
٣ _ عليّ بن محمّد المشهور بابن الصباغ المالكي (ت ٨٥٥هـ)، (الفصول المهمة/ الفصل الثاني عشر).
٤ _ سبط بن الجوزي (ت ٦٥٤هـ)، (تذكرة الخواص/ في الفصل المعقود للإمام المهدي عليه السلام).
٥ _ عبد الوهاب الشعراني (ت ٩٧٣هـ)، (اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر).
٦ _ محيي الدين بن عربي (ت ٦٣٨ هـ)، (الفتوحات المكية/ الباب السادس والستين وثلاثمائة).
٧ _ صلاح الدين الصفدي (ت ٧٦٤ هـ)، (شرح الدائرة).
٨ _ محمّد بن عليّ بن طوطون (الأئمّة الاثنا عشر).
وغير هؤلاء، وكيفما كان فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكك فيه إما تأثراً بمناهج مادية، أو بسبب عصبية مذهبية، أو لجهل ما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن من مئات الروايات، أو عدم الإيمان بالغيب، أو لأجل الإساءة ونحو ذلك.
خصوصيات الإمام المهدي عليه السلام:
١ _ إن في رواياتنا أن حكومة المهدي عليه السلام ستكون حكومة دواء، أي لا يأخذ بهذه القواعد والأحكام الظاهرية، وإنما يحكم طبق الواقع.(٨٣)
ففي الرواية: عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ)(٨٤)).(٨٥)
وعنه عليه السلام قال: (إذا قام قائم آل محمّد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان، ولا يسأل بينة)(٨٦).(٨٧)
٢ _ إن أنصار المهدي وأعوانه هم أسد في النهار رهبان في الليل، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، أسماؤهم في الأرض مجهولة قد دنا حينئذٍ ظهورهم.
فعن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا كان عند خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولي الأمر خير أمّة محمّد فالحقوا بمكّة، فيخرج النجباء من مصر، والأبدال من الشام، وعصائب العراق، رهبان بالليل ليوث بالنهار، كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام...).(٨٨)
وروى الحاكم بإسناده عن محمّد بن الحنفية قال: كنّا عند عليّ رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي، فقال عليّ رضي الله عنه: (هيهات، ثمّ عقد بيده سبعاً)، فقال: (ذاك يخرج في آخر الزمان، إذا قال الرجل: الله الله قتل، فيجمع الله تعالى له قوماً قزع(٨٩) كقزع السحاب، يؤلف الله بين قلوبهم، لا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد، يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر، لم يسبقهم الأوّلون، ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر...).(٩٠)
وروى المدائني في كتاب (صفين)، قال: خطب عليّ عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم، قال: (... فيا ابن خيرة الإماء، متى تنتظر! أبشر بنصر قريب من رب رحيم. ألا فويل للمتكبرين، عند حصاد الحاصدين، وقتل الفاسقين. عصاة ذي العرش العظيم، فبأبي وأمى من عِدّة قليلة! أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دان حينئذٍ ظهورهم، ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم، وبلايا أيامكم، وغمرات ساعاتكم...).(٩١)
والمستفاد: أن أسماءهم مجهولة، فلا مجال لتطبيقهم على مصاديق خارجية، ومن الانحراف المبادرة إلى عملية التطبيق. فهي كالتوقيت منهي عنها وإساءة لها.
٣ _ الملائكة من أعوان المهدي وأنصاره أيضاً.
في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فلو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يأتيهم رجل من أهل بيتي، تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام).(٩٢)
وفي آخر: (المهدي يبايع بين الركن والمقام، ويخرج متوجها إلى الشام وجبرئيل على مقدمته، وميكائيل على ساقته...).(٩٣)
٤ _ الإمام يثبّت الواقع العالمي ويفكك فساده بنفس الأدوات التي تؤمن بها المجتمعات.
٥ _ الكوفة عاصمة له كجده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: (يا أبا محمّد، كأني أرى نزول القائم بأهله وعياله في مسجد السهلة)، قلت: أيكون منزله؟ قال: (نعم، كان فيه منزل إدريس، ومنزل إبراهيم، وما بعث الله نبياً إلاّ وقد صلى فيه، وفيه مسكن الخضر، والمقيم فيه كالمقيم في فسطاط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...)، إلى أن قال: (أزيدك؟)، قلت: نعم، قال: (هو من البقاع التي أحب الله أن يدعى فيها، وما من يوم ولا ليلة إلاّ والملائكة يزورون هذا المسجد يعبدون الله فيه، أما أني لو كنت بالقرب منكم ما صليت صلاة إلاّ فيه، يا أبا محمّد: لو لم يكن من الفضل إلاّ نزول الملائكة والأنبياء فيه، لكان كثيراً فكيف وهذا الفضل وما لم أصف لك أكثر)، قلت: جعلت فداك لا يزال القائم عليه السلام فيه أبداً؟ قال: (نعم)، قلت: فمن بعده؟ قال: (هكذا من بعده إلى انقضاء الخلق).(٩٤)
الإساءة إلى فكرة المهدي عليه السلام:
فقد ورد عن عليّ بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتّى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتّى يخرج ستون كذاباً كلهم يقول أنا نبي).(٩٥)
وورد عن الحسن بن الوشاء، عن أحمد بن عائد، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم، كلهم يدعو إلى نفسه).(٩٦)
نعم. قد أسيء للفكرة المهدوية على مرّ التاريخ من أصحاب الهوى وعباد النفس، بين مدعى أنه المهدي، وبين مدعي النيابة والبابية، وبين الارتباط النسبي، وبين اللقاءات الخاصة.
ولنا أن نصنف هؤلاء أنهم مغفّلون وضالّون في عصر الغيبة، فمنهم:
١ _ أحمد بن هلال الكرخي، كان من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، وبعد وفاته عليه السلام وتقليد محمّد بن عثمان النيابة عن الإمام المنتظر عليه السلام حسده على ذلك. وقد خرج توقيع بلعنه.(٩٧)
٢ _ الحسن الشريعي، كان من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام، إلاّ أنه ادّعى لنفسه النيابة عن الإمام، ونسب إلى الأئمّة الطاهرين ما لا يليق بهم، ثمّ كفر. وخرج توقيع بلعنه.(٩٨)
٣ _ الحسن بن منصور الحلاج، ادّعى النيابة عن الإمام المنتظر، وأخذ يراسل أعيان الشيعة بذلك، فراسل أبا سهل النوبختي، وأراد منه الانضمام إليه، ووعده بما يريد من المال، فقال النوبختي: إني رجل أحب الجواري وأصبوا إليهنّ، ولكن الشيب يبعدني عنهنّ، وأحتاج أن أخضب في كل جمعة، ولكني أتحمل بذلك مشقة، وأريد أن تعينني عن الخضاب وتجعل لحيتي سوداء، فبهت الحلاج وانتشرت قصته وصار اُضحوكة الجميع.(٩٩)
٤ _ محمّد بن عليّ الشلمغاني (ابن أبي العزاقر)، كان مستقيم الطريق، حمله الحسد فترك مذهبه واعتنق المذاهب الرديئة، وكان من مذهبه ترك العبادات كلها وإباحة الفروج من ذوي الرحم، وأنه لا بدّ للفاضل أن ينكح المفضول ليولج منه النور. وقد خرج التوقيع بالبراءة منه والتكفير.(١٠٠)
٥ _ محمّد بن نصير النميري، من أصحاب العسكري عليه السلام، فلما توفي الإمام، ادّعى أنه نائب الإمام. وفضحه أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، بل فضحه الله بما ظهر منه من الإلحاد والجهل. وقد لعنه محمّد بن عثمان العمري وتبرأ منه واحتجب عنه، فبلغه ذلك فقصد محمّد بن عثمان ليعطف بقلبه عليه، أو يعتذر إليه فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً، وكان يقول بالتناسخ، ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول له بالربوبية، ويقول بالإباحة بالمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به، وإنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات.(١٠١)
٦ _ أبو طاهر محمّد بن عليّ بن بلال، وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري نضر الله وجهه وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها، وادعاؤه أنه الوكيل، حتّى تبرأت الجماعة منه ولعنوه، وخرج من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف.(١٠٢)
٧ _ أحمد بن أبي الحسن، وهو وارث النميري.
لما اعتل محمّد بن نصير العلة التي توفي فيها، قيل له وهو مثقل اللسان: لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد، فلم يدروا من هو، فافترقوا بعده ثلاث فرق، قالت فرقة: إنه أحمد ابنه، وفرقة قالت: هو أحمد بن محمّد بن موسى بن الفرات، وفرقة قالت: إنه أحمد بن أبي الحسن بن بشر بن يزيد، فتفرقوا، فلا يرجعون إلى شيء.(١٠٣)
كما إن هناك فِرقاً أخرى حتّى قبل ولادة الإمام المهدي عليه السلام، منها:
١ _ الكيسانية: ادّعت أن محمّد بن الحنفية هو المهدي الغائب.
ينقل الشيخ الصدوق عن السيد الحميري قوله: كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ (ابن حنيفة) قد ضللت في ذلك زماناً فمَنّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمّد.(١٠٤)
٢ _ المغيرية: ادّعت أن محمّد بن عبد الله بن الحسن هو المهدي الغائب.(١٠٥)
٣ _ الناووسية: ادّعت أن الصادق عليه السلام هو المهدي.(١٠٦)
٤ _ الواقفية: ادّعت أن موسى بن جعفر عليه السلام هو المهدي.(١٠٧)
٥ _ الباقرية: ادّعت أن الباقر هو المهدي.(١٠٨)
٦ _ المحمّدية: ادّعت أن محمّد بن عليّ العسكري عليه السلام هو المهدي.(١٠٩)
٧ _ الشمطية: وتدّعي هذه الفرقة إن أبا عبد الله الصادق عليه السلام توفي وكان الإمام بعده محمّد بن جعفر واعتلوا في ذلك بحديث تعلقوا به، وهو أن أبا عبد الله عليه السلام على ما زعموا كان في داره جالساً فدخل عليه محمّد وهو صبي صغير فعدا إليه فكبا في قميصه ووقع لوجهه، فقام إليه أبو عبد الله عليه السلام فقبّله ومسح التراب عن وجهه وضمه إلى صدره، وقال: سمعت أبي يقول: (إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي، وهذا الولد شبيهي وشبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى سنته وشبيه عليّ عليه السلام)، وهذه الفرقة تسمى الشمطية بنسبتها إلى رجل يقال له يحيى بن أبي الشمط.(١١٠)
٨ _ المباركية: وهم فرقة من الإسماعيلية، قالوا بإمامة محمّد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وهو الإمام القائم المهدي، وهو حي لم يمت.(١١١)
ويذكر لنا التاريخ من ادّعاها في الغيبة الكبرى فنذكر على سبيل المثال لا الحصر:
١ _ مهدي تهامه: ظهر في اليمن، واتّبعه فريق من الأعراب واستطاع القضاء على دولة الحمدانيين في صنعاء، وعلى دولة النجاحية وأعقبه حفيده عبد النبي.
٢ _ مؤسس الدولة الفاطمية عبد الله ادّعى أنه المهدي.(١١٢)
٣ _ مؤسس دولة الموحدين محمّد بن تومرت ادّعى أنه المهدي، وذلك في سنة (٤٧١هـ).(١١٣)
٤ _ ظهر في أيام الدولة المرينية بفاس رجل يدّعى التويزري واجتمع حوله رؤساء صنهاجة.(١١٤)
٥ _ قام رجل اسمه العبّاس (٦٩٠هـ) في نواحي الريف من المغرب.(١١٥)
وهناك نماذج في عصورنا الحديثة أمثال:
١ _ مهدي السودان حسني من جهة الأب، عبّاسي من جهة الأم. قصده أحد المنجمين فخر على الأرض، فسُئل، فقال: تطرق أنوار المهدية على وجهه، وقد أذاع أحد مشايخ السودان ظهور المهدي وعلامته أنه سوف يشيّد قبة على ضريحي ويختن أولادي وبعد وفاته، فقام المهدي بكلا الأمرين، وكانت بداية الدعوة (١٨٨١م)، وقام بالدعوة تلامذته الذين كان يغدق عليهم المال، مما سبب تهالكهم للدعوة إليه، وقال في رسالة له:
من العبد المفتقر إلى الله محمّد المهدي بن عبد الله إلى أحبائه المؤمنين بالله وبكتابه.
أما بعد... فلا يخفى تغير الزمن وترك السنن، ولا يرضى بذلك ذوو الإيمان والفطن، بل أحق أن يترك لذلك الأوطار والوطن لإقامة الدين والسنن، ولا يتوانى عن ذلك عاقل، لأن غيرة الإسلام للمؤمن تجبره... ثمّ أحبائي كما أراد الله في أزله وقضائه بالخلافة الكبرى من الله ورسوله، وأخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وآله وسلم بأني المهدي المنتظر، ثمّ أخبرني سيد الوجود بأن الله جعل لي على المهدية علامة وهي الخال على خدي الأيمن، وكذلك جعل لي علامة أخرى: تخرج راية من نور وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل عليه السلام.. وجاء في الأثر: إذا رأيتم العالم يحب الدنيا فاتهموه على دينكم. وجاء في بعض كتبه القديمة: لا تسأل عنّي عالماً أسكره حب الدنيا فيصدك عن طريق محبتي، فأولئك قطاع الطريق.
وأنقذني من النار وهداني إلى سواء الطريق، وأمرني أن أكاتب بها جميع المكلفين أمراً عاماً، فكاتبنا بذلك الأمراء ومشايخ الدين، فأنكر الأشقياء، وصدّق الصديقون، وأخبرني سيد الوجود بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله. وأنا خالٍ من الموانع الشرعية، لا بنوم، ولا سكر، ولا جنونٌ، بل متصف بصفات العقل، أقفو أثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وخاض معارك فاز فيها وانقادت السودان كلها للمهدي، وأظهر عداءه للانكليز.(١١٦)
٢ _ مهدي السنغال: في سنة (١٨٢٨م) ظهر في السنغال رجل ادّعى أنه المهدي المنتظر، ورفع راية الثورة على الحكم القائم، إلاّ أنه فشل وقتل.(١١٧)
٣ _ مهدي السوس (إحدى قرى مدن المغرب العربي): وتبعه كثيرون من الغوغاء، وقبل أن يتم دعوته وينشر مبادئه وأهدافه قتل غيلة.(١١٨)
٤ _ مهدي الصومال: ادّعى محمّد بن عبد الله أنه الإمام المنتظر وذلك في سنة (١٨٩٩م)، وكانت له نفوذ واسعة في قبيلته (أوجادين)، وقد حارب البريطانيين والإيطاليين والأحباش ما يقارب (٢٠) عاماً حتّى توفى سنة (١٩٢٠م).(١١٩)
٥ _ ثورة عراج بمصر. ظهر رجل في السودان اسمه جاسم محمّد أحمد سنة (١٣٠٠) ادّعى أنه المهدي.
٦ _ القاديانية: كان القادياني مضطرب الأفكار مبتلى بأنواع من الأمراض والأسقام، كما كان يعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية، وكان مثل هذا الرجل صالحاً لأن يقع فريسة في أيدي الانكليز، وقد تظاهر الرجل في أوّل أمره بالدفاع عن الإسلام، وحاز ثقة كثير من العامة والخاصة، ولكنه لم يلبث أن أعلن عام (١٨٨٥م) أنه مجدد للإسلام، وفي سنة (١٨٩١م) ادّعى أنه المهدي الموعود، وقد ألّف عدة كتب سمى نفسه فيها مهدياً (حقيقة المهدي، لوح المهدي) ولما مات ألّف ابنه بشير أحمد سيرة أبيه وسماه سيرة المهدي، وكذلك ألّف أحد أتباعه (محمّد حسين القادياني) كتاب المهدي، وقد تنبأ هذا المسكين تنبؤات لا تعد ولا تحصى وادّعى المباهلة.
وأخيراً من الصعب جداً إحصاء عدد الذين ادّعوا المهدوية في التاريخ الإسلامي. ولكن كثيراً منهم لم يحالفهم الحظ فانتهت دعوتهم عليهم أو على بعض الأتباع الخاملين، ولم تحصل لهم قوة ولا شوكة فبقيت أمانيهم وأحلامهم مدفونة في صدورهم، ولذلك لم ينعكس في التاريخ، فمنها:
البابية: التي ظهرت في كربلاء (١٢٥٣هـ) من قبل محمّد عليّ باب بن ميرزا رضا البزاز الشيرازي. فإن محمّداً كان فتى جاهلاً لم يكن يعرف من العلم شيئاً ولا يفقه ماذا يقول، ولكنه كان ميّالاً إلى الغلو في الزهد والعبادة، فاستغله الملا حسن البشروني أحد تلاميذ كاظم الرشتي. وكان هذا البشروني على اتصال وثيق مع أحد الجواسيس الروسيين في السفارة الروسية في إيران ويسمى كتبازد الكوركي، وكان البشروني يواصل الاجتماع مع هذا الشاب المغتر وأصبح يوصي إليه أنه سيكون له شأن وأن ظهور المهدي قد دنى أجله، حتّى أعلن عليّ محمّد الشيرازي (١٢٦٠هـ) أنه باب المهدي المنتظر. وكان في الخامسة والعشرين من عمره ونصب البشروني نفسه باباً للباب. ولم تمض مدة طويلة حتّى سول له البشروني أن يعلن بأنه هو المهدي المنتظر ثمّ سجن الباب في ماكو. واجتمع جماعته في الصحراء وقرروا فيه نسخ دين الإسلام وشيوع الوراة والمال وإلغاء التكليف. وعرضت قراراتهم على الباب في سجنه فوافقهم. (المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي)، وبعد موته انقسم البابيون إلى فريقين:
١ _ أتباع يحيى عليّ المازندراني الملقب (بصبح أزل).
٢ _ آخرون اتبعوا حسين عليّ الملقب ببهاء الدين الذي بسببه نشأت البهائية.
محمّد بن عبد الله القرشي حيث سيطر أنصاره على الحرم المكّي، وأذاع معاونه جهيمان من داخله بياناً دعا فيه المسلمين إلى بيعة القرشي، وقد استمر احتلالهم للحرم أياماً ولم تستطع الحكومة السعودية أن تتغلب عليهم إلاّ بعد أن استدعت فرقة كوماندوز خاصة من فرنسا.
وغيرهم مما لا يتسع البحث لذكرهم...
وهناك ضالون مدعون أنهم المهدي (كما في قضية عمر بن عبد العزيز) أو مدعون أنهم هم النفس الزكية، أو مدعون كونهم اليماني، أو أصحاب الرايات السود.
فإن كل هذه العناوين حقّة. إنما التحفظ في تطبيقها على أزمنة خاصة، أو أفراد معينين. والتاريخ شاهد صدقٍ على الإساءة في عالم التطبيق.
مناشئ الادّعات الباطلة:
تنشأ هذه الظواهر المغرضة إما في المجتمع المفلس والمضطهد من نير الظلم والفقر والاضطهاد والاحتلال، وعدم وجود الملجأ والمأوى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى القائد يريد لنفسه المشروعية وكثرة النصرة وتسكين ما سيحل عليهم من أضرار المواجهة، فيتوسل بمثل هذه الدعاوى. لأن هذه الدعاوى بشكل عام تجر نفعاً لأصحابها، فتكون الدعاوى دكاناً للتكسب وتحصيل الوجاهة، سيما إذا كان أصحابها نكرات أو أصحاب أمراض نفسية، وإما إن هذه الدعاوى حركات مسيّسة يدفعها الحبر السحري. فالساسة يختلقون هذه الحركات لشغل المسلمين بينهم ولتمزيق صف الأمّة، وإما لتحصيل الورقة الخضراء للتسويغ في ارتكاب المعاصي والمحرمات، وكيفما كان فإن أدلة هذه الدعاوى تتراوح بين:
١ _ الاستعانة بالتراث غير الثابت والأدلة الواهية.
٢ _ أو الاعتماد على بعض العلامات العامة المذكورة في الروايات والسعي إلى تطبيقها، كما مرّ علينا في دعوى مهدي السودان.
٣ _ أو التعويل على العلوم الغريبة والمبهمات والفنون الشاذة المحرمة بنظر الشرع.
٤ _ أو محاربة العلماء وطريقتهم، والاستعانة بالطرق الروحية الصوفية الهندوسية.
٥ _ أو إقامة الأدلة السطحية التي تنطلي على جمع من البشر، إذ ما من مدع إلاّ وله أدلة، لاسيّما أدلة الكشف والشهود والمنامات والإلهامات. وتكون تلك الأدلة قريبة (بالنظر الأولي غير الفاحص) إلى أدلة الأنبياء والأوصياء. ومن هنا يقيسون أدلتهم على أدلة الأنبياء والأوصياء، وإن الطعن في أدلتهم طعن في أدلة الأنبياء والأوصياء، لكن بالنظر الفاحص والرجوع إلى المتخصص يظهر البون الشاسع بين الدليلين، وعليه لا بدّ من مواكبة المتخصص والتعويل عليه للتشخيص والتطبيق في كل خطوات الدليل.
ألم يدّع الربوبية؟ ألم يقم الدليل على ذلك؟ ألم يكن هناك أنصار لها؟ فإن الهمج الرعاء ينعقون مع كل ناعق، ألم يسجل التاريخ آلاف الدعاوى الفاسدة والمذاهب الضالة؟ فليس بغريب دعوى المهدوية أو البابية أو المهديون أو نحو ذلك. وإن الموجب لتلك الدعاوى هو الموجب لهذه الدعاوى، وإن المعالج لتلك الدعاوى هو المعالج لمثل هذه الدعاوى.
نتائج البحث:
١ _ لا شك في وجود الدعاوى الباطلة والواهية. وهي ليست بقليلة وصدرت في مختلف الأماكن والأزمان، ولم يمر زمن إلاّ وفيه دعاوى باطلة. وليست ظاهرة الانحراف مستحدثة، بل هي موجودة على مر الأزمان، كما أنه لا شك في أن أصحاب هذه الدعاوى لكسب المقبولة يتشبثون بالأدلة والاستعانة بظاهرة الترغيب والترهيب. وقد عالج أهل البيت عليهم السلام هذا الانحراف بإرجاع الأمّة والقواعد الجماهيرية إلى العلماء الرواة.
وبكلمة إن الذين أوصلوا لنا روايات أهل البيت عليهم السلام في ظاهرة الإمام المهدي هم الذين حدّثونا عن معالجات فترة الغيبة الكبرى، وهم الذين قالوا: (المفيد الحق عندنا أن كل من ادّعى بعد السمري البابية فهو ضال كافر. وهذا هو قول جعفر بن محمّد بن قولوية)(١٢٠)... وغيرهم.
وهم الذين نقلوا لنا رواية: (من ادعى الرؤية في زمن الغيبة الكبرى فلا تصدقوه).(١٢١) وورد: (ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر).
وحينئذٍ كيف يمكن الجمع بين هذه الرواية وبين ما هو المسجل في أسفار القوم من التشرف برؤية الإمام.
الجمع الأوّل إن المقصود من الرؤية مع السفارة والنيابة، أي من ادّعى الرؤيا على سبيل النيابة الخاصة فلا تصدقوه، لأن المفروض أنه في زمن الغيبة الكبرى لا توجد نيابة شخصية، نعم الثابت النيابة العامة لقوله عليه السلام: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وإنا حجة الله).
٢ _ إن المقصود بالرؤية التي يراد منها ترتيب آثار معينة على قول الرائي، لأن هذا أمر مشكل، وهو أن يأتي إنسان فيقول: رأيت الإمام عليه السلام وقال لي: كذا. فإنا إذا فتحنا الباب أمام هذا المعنى يعني أن نصدق كل من يدعي الرؤية. فإن ذلك يولد إرباكاً كبيراً في العقائد وفي الأحكام ومن هنا ذكر العرفاء إن مدعي المكاشفة لا يصدق، بل كما أن العلوم الحصولية بحاجة إلى ميزان لصحتها، كذلك العلوم الحضورية لا بدّ لها من ميزان على صحتها. وهكذا الكلام في مدعي الرؤية وإلاّ لزم التناقض. فإن مدعي الرؤية يدعون أحياناً التكاذب والتكفير والقتل. فالمتحصل إن المقصود من النائب في زماننا هو عبارة عن الفقيه العادل الجامع للشرائط الذي يقوم مقام الإمام عليه السلام في تبليغ أحكام الدين، وفي إدارة شؤون المسلمين وحفظ بيضة الإسلام، ولا يحق للنائب أن ينقل عن الإمام مباشرة. ولا يوجد عندنا نائب اليوم من النواب ينقل مباشرة عن الإمام، وإنما نرى علماءنا من بداية عصر الغيبة إلى يومنا يدعون الإجماع والاتفاق على نفي النيابة الخاصة في عصر الغيبة الكبرى.
هذا هو المستفاد من الروايات حسب الرؤية المذهبية وما سوى ذلك لم يثبت أنه من المذهب.
* * *
مصادر التحقيق
القرآن الكريم.
الاحتجاج: الطبرسي/ ت محمّد باقر الخرسان/ مط دار النعمان.
الاختصاص: المفيد/ ت عليّ أكبر غفاري، محمود الزرندي/ ط٢.
الإرشاد: المفيد/ ت مؤسسة آل البيت/ ط٢/ ١٤١٤هـ.
أعيان الشيعة: محسن الأمين/ ت حسن الأمين/ دار التعارف/ بيروت.
الأمالي: الطوسي/ مؤسسة البعثة/ ط١/ ١٤١٤هـ.
بحار الأنوار: المجلسي/ مؤسسة الوفاء/ ط٢/ ١٤٠٣هـ.
البداية والنهاية: ابن كثير/ ت عليّ شيري/ ط١/ ١٤٠٨هـ.
تاريخ ابن خلدون: ابن خلدون/ ط ٤/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي/ ت مصطفى عبد القادر/ ١٤١٧هـ.
تاريخ دمشق: ابن عساكر/ دار الفكر/ ط١/ ١٤١٥هـ.
تهذيب الكمال: المزي/ ت بشار عواد معروف/ ط ٤/ ١٤٠٦هـ.
الخصال: الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري/ جماعة المدرسين/ ١٤٠٣هـ.
سنن أبي داود: ابن الشعث السجستاني/ دار الفكر/ ط١/ ١٤١٠هـ.
سنن ابن ماجة: ابن ماجة/ ت محمّد فؤاد عبد الباقي/ دار الفكر.
سنن الترمذي: الترمذي/ دار الفكر/ ط٢/ ١٤٠٣هـ.
سنن الدار قطني: الدار قطني/ ت مجدي بن منصور/ ط١/ ١٤١٧هـ.
شرح التجريد: العلامة الحلي/ ط٤/ انشارات شكوري.
صحيح البخاري: البخاري/ دار الفكر/ ط١/ ١٤١١هـ.
صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
الصواعق المحرقة: ابن حجر العسقلاني.
الغيبة: الطوسي/ مؤسسة المعراف الإسلاميّة/ ط١/ ١٤١١هـ.
غيبة النعماني: النعماني/ ت فارس حسون/ ط١/ ١٤٢٢هـ.
الفصول المختارة: المرتضى/ ت نور الدين الاصبهاني/ ط٢/ ١٤١٤هـ.
الكافي: الكليني/ ت عليّ أكبر غفاري/ ط٣/ ١٣٨٨هـ.
كمال الدين وتمام النعمة: الصدوق/ ت عليّ أكبر غفاري/ ط١/ ١٤٠٥هـ
الكنى والألقاب: عبّاس القمي/ مط الصدر/ طهران.
كنز العمال: المتقي الهندي.
المستدرك: النوري الطبري/ مؤسسة آل البيت/ ط٢/ ١٤٠٨هـ.
المستدرك: الحاكم النيسابوري/ ت يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
مسند أبي يعلى: أبو يعلى الموصلي/ ت حسين سليم أسد/ دار المأمون.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ دار صادر/ بيروت.
المعجم الأوسط: الطبراني/ ت دار الحرمين/ ط١/ ١٤١٥هـ.
المعجم الكبير: الطبراني/ دار إحياء التراث العربي/ ط٢/ القاهرة.
منتخب الأثر: لطف الله الصافي الكلبايكاني.
منتهى المقال: باقر شريف القرشي/ ط١/ ١٤١٧هـ/ مط أمير.
* * *
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) منتخب الأثر: ٤٩٢.
(٢) الأنبياء: ١٠٥.
(٣) الذاريات: ٥٦.
(٤) آل عمران: ١٤١.
(٥) القصص: ٥.
(٦) النور: ٥٥.
(٧) الأنبياء: ١٠٥.
(٨) الصف:٩.
(٩) أنظر: منهاج السنة ٤: ٢١١.
(١٠) أنظر: الصواعق: ١٦٣/ باب ١١/ فصل ١.
(١١) كما ورد في مجلة الجامعة العدد ٣ من السنة الأولى ص١٦١.
(١٢) راجع: سنن أبي داود ٢: ٣٠٩/ باب كتاب المهدي.
(١٣) راجع: سنن الترمذي ٣: ٣٤٣/ باب ما جاء في المهدي.
(١٤) راجع: سنن ابن ماجة ٢: ١٣٧٧/ باب خروج المهدي.
(١٥) راجع: مسند الداني:٨٢ و٨٣.
(١٦) راجع: مسند أحمد ١: ٨٤، و٣: ٢١ و٢٧ و٣٧ و٥٢، و٥: ٢٢٧.
(١٧) راجع: مسند أبي يعلى ١: ٣٥٩.
(١٨) راجع: ١: ٢٨١.
(١٩) راجع: المستدرك ٤: ٤٦٤ و٥٠٢ و٥١٤ و٥٥٤ و٥٥٧ - ٥٥٨.
(٢٠) راجع: المعجم الكبير ١٨: ٥١، ٢٣: ٢٦٧.
(٢١) راجع: المعجم الأوسط ١: ٥٦، ٤: ٢٥٦، ٥: ٣١١، ٦: ٣٢٨.
(٢٢) جمع فيه أربعون حديثاً في المهدي رواها عن الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(٢٣) راجع: تاريخ بغداد ٥: ١٥٣.
(٢٤) راجع: تاريخ دمشق ١: ١٨٥، ٢: ٢١٦ و٢١٧.
(٢٥) ورد هذا الحديث في معظم مصادر الفريقين بألفاظ مختلفة متحدة المعنى، أنظر مثلاً: سنن الترمذي ٥: ٣٢٨؛ مسند أحمد ٣: ٥٩، ٥: ١٨٢؛ الكافي ٢: ٤٥١؛ كمال الدين: ٢٣٥؛ الإرشاد ٢: ٢٣٣، و...
(٢٦) أي: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون بعدي اثنا عشر خليفة - أو أميراً -...). أنظر: سنن الترمذي ٣: ٣٤٠؛ مسند أحمد ٥: ١٠٨.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم...) وقوله: (الخلفاء بعدي اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل...) أنظر: كمال الدين: ٢٥٩ و٢٧٣...
(٢٧) ج ٢: ٢٥٣.
(٢٨) أنظر: كمال الدين: ٤٠٩/ باب ٣٨/ ح ٩؛ بحار الأنوار ٥١: ١٦٠.
(٢٩) من الخاصة ما مر، وأما من مصادر العامة فما روي وبألفاظ عدّة في: صحيح مسلم ٦: ٢٢؛ سنن البيهقي ٨: ١٥٦؛ مسند أحمد ٤: ٩٦ وغيرهم.
(٣٠) راجع: دفاع عن الكافي ١: ٩.
(٣١) الأنعام:٩١.
(٣٢) الصافات: ١٤٣ و١٤٤.
(٣٣) العنكبوت: ١٤.
(٣٤) راجع: منتخب الأنوار المضيئة: ٨٥، وقد أفرد المجلسي في البحار ٥١: ٢٢٥ باباً للمعمرين، وألّف أبو حاتم السجستاني والعلامة الكراجكي رسالة خاصة أسماها: (كتاب المعمرون).
(٣٥) الكافي ١: ١٧٩/ باب أن الأرض لا تخلو من حجة.
(٣٦) كمال الدين: ٤٨٥.
(٣٧) الأنفال: ٣٣.
(٣٨) أنظر: التجريد: ٢٨٥.
(٣٩) الاحتجاج ٢: ٢٨٤.
(٤٠) غيبة الطوسي: ٢٤٦، كمال الدين: ٤٤١.
(٤١) تهذيب الأحكام ١: ٣٨.
(٤٢) أنظر: صحيح البخاري ٤: ١٤٣، وكذلك: صحيح مسلم ١: ١٣٦؛ ومسند أحمد بن حنبل ٢: ٢٧٢؛ وسنن ابن ماجة ٢: ١٣٥٩؛ والمصنف لعبد الرزاق ١١: ٤٠٠؛ والمعجم الأوسط ٩: ٨٦؛ وكنز العمال ١٤: ٣٣٤؛ وتفسير ابن كثير ١: ٥٩٢؛ وتاريخ مدينة دمشق ٤٧: ٥٠٠؛ ومصادر أخرى، وقد رووا الحديث بتفاوت يسير في اللفظ مع اتحاد المعنى.
(٤٣) غيبة النعماني: ٢٤٠.
(٤٤) بحار الأنوار ٦٣: ٣٧٠.
(٤٥) بحار الأنوار ٥١: ٨١.
(٤٦) البقرة: ١٤٨.
(٤٧) كمال الدين: ٦٧٢.
(٤٨) كمال الدين: ٦٧٣.
(٤٩) الكافي ٨: ٢٩٤.
(٥٠) الخصال: ٥٤١.
(٥١) أنظر: الدر المنثور ٤: ٢١٥؛ برهان المتقي: ١٥٠/ باب ٧/ ح ١٥.
(٥٢) كنز العمال ١٢: ٧١/ ح ٣٤٠٤٧.
(٥٣) مريم: ١٢.
(٥٤) أعيان الشيعة ٢: ٤٤.
(٥٥) كمال الدين: ٤٤٥/ ح ٨ - ١٠.
(٥٦) غيبة النعماني: ١٧١.
(٥٧) غيبة النعماني: ١٧٠.
(٥٨) الكافي ١: ٣٤٠/ ح ٢٠.
(٥٩) غيبة النعماني: ١٧١.
(٦٠) بحار الأنوار ٥٢: ٩٥.
(٦١) كمال الدين: ٤٨٢.
(٦٢) تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية/ أبو طالب التجليل التبريزي ٢: ٤٨٢.
(٦٣) كمال الدين: ٥١٦.
(٦٤) رواه الصدوق في كمال الدين: ٤٨٤ عن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب، وهكذا رواه الشيخ الطوسي في الغيبة: ٢٩١؛ والطبرسي في الاحتجاج ٢: ٢٨٣؛ والوسائل ٢٧: ١٤٠/ في أبواب صفات القاضي.
(٦٥) يوسف: ٨٩ و٩٠.
(٦٦) كمال الدين: ٣٤١.
(٦٧) الكافي ١: ٣٣٧/ ح ٦.
(٦٨) أمالي الطوسي: ٥١٣/ ح ١١٢١.
(٦٩) مستدرك الحاكم ٤: ٤٦٥.
(٧٠) مسند أحمد ٣: ٧٩.
(٧١) وقد اختلفت روايتنا عن رواية العامة في شرح أحوال الدجال وقد ضخموه وجعلوا له قدرة خيالية وأسطورية ووصف الدجال بالمسيح وهو وصف لم يصرح في مصادرنا وإنما هو منقول عن اليهود لشدة عدائهم للمسيح وقد رُوي في بعض كتب العامة أن الدجال عربي وأن المهدي لا يحقق هدفه بل يُقتل على يد الروم وأن الكعبة تُهدم ومكة تُخرب وتنتهي الدنيا بعد الدجال وتقوم القيامة وفي كل هذا تأمل واضح فما ورد مقبولاً أن ظهور المهدي عليه السلام مرحلة جديدة في حياة الناس على الأرض وأن الحياة تستمر في ظلها إلى ما شاء الله حتّى يوم القيامة وخروج الدجال إنما هو حدث في أوائل ظهور الإمام المهدي عليه السلام ونزول المسيح يتم الانتصار عليه ثمّ يكون بعده اثنا عشر مهدياً ثمّ بحث الرجعة ولا عودة للظلم إلى الأرض بعدها.
(٧٢) بحار الأنوار ٥١: ٨٢.
(٧٣) غيبة الطوسي: ٤٥٢.
(٧٤) بحار الأنوار ٥١: ٨١.
(٧٥) سنن الدارقطني ٢: ٥١.
(٧٦) راجع: المستدرك للحاكم ٤: ٥٥٧.
(٧٧) راجع: منتخب الأثر للرازي: ١٦٧/ فصل ٢/ باب ١/ ح ٧٧؛ أمالي الصدوق: ٧٣١؛ البحار ١٨: ٣٤١/ باب ٢/ ح ٤٩، و٢٣: ١٢٨.
(٧٨) كتاب الفتن: ٢٢٣، عنه: معجم أحاديث المهدي ١: ٢٢٧/ ح ١٣٩.
(٧٩) التوبة: ٣٣.
(٨٠) كمال الدين: ٦٧٠/ باب ٥٨/ ح ١٦.
(٨١) بيان الشافعي: ٥٠١/ باب ٨، عن الفردوس ٤: ٢٢١/ ح ٦٦٦٧؛ بحار الأنوار ٥١: ٨٠.
(٨٢) راجع: كمال الدين: ٣٤٦/ ح ٣٢؛ بحار الأنوار ٥٢: ٩٥.
(٨٣) محاضرات في الاعتقاد للميلاني ١:
(٨٤) الحجر: ٧٥.
(٨٥) الإرشاد ٢: ٣٨٦.
(٨٦) الكافي ١: ٣٧٩/ باب أن الأئمّة عليهم السلام إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة...
(٨٧) وما يقال من أن الإمام لماذا لم يحكم بحكم الإسلام وإنما يحكم بحكم داود وسليمان فمردود لأن إثبات شيء لشيء لا يدل نفيه عما عداه بل قد أكدنا سابقاً على أن الإمام يحكم بسُنّة الرسول ويجيء معالم الدين الإسلامي لا أنه يأتي بشريعة ودين جديد وأما لماذا لا يسأل عن البينة فلأن البينة إمارة شرعية تعبدية ظاهرية عند انسداد باب معرفة الواقع ومع تكامل العلوم وازدياد الشواهد والقرائن لا تصل النوبة إلى البينة بل يمكن معرفة الواقع عن طرق علمية للتكامل العلمي وسعته كما كان عليه في زمن داود وسليمان.
(٨٨) الاختصاص: ٢٠٩.
(٨٩) القزع: القطع من السحاب.
(٩٠) المستدرك ٤: ٥٥٤.
(٩١) كتاب صفين للمدائني، على ما في ينابيع المودة ٣: ٤٣٤.
(٩٢) تحفة الأشراف ٩: ٤٢٨؛ العطر الوردي: ٦٥ عن الترمذي، على ما في معجم أحاديث المهدي ١: ١٥٦/ ح ٨٤.
(٩٣) العطر الوردي: ٦٤، على ما في معجم أحاديث المهدي ١: ٥٠٤/ ح٣٤٥.
(٩٤) فضل الكوفة ومساجدها: ٤٣؛ بحار الأنوار ٩٧: ٤٣٦.
(٩٥) الإرشاد ٢: ٣٧١؛ إعلام الورى ٢: ٢٧٩.
(٩٦) الإرشاد ٢: ٣٧٢.
(٩٧) راجع: غيبة الطوسي: ٣٩٩.
(٩٨) راجع: غيبة الطوسي: ٣٩٧.
(٩٩) راجع: غيبة الطوسي: ٤٠٢.
(١٠٠) راجع: الكنى والألقاب ٢: ٣٦٦؛ وراجع المعجم الموضوعي: ١٠٦٢.
(١٠١) راجع: غيبة الطوسي: ٣٩٨.
(١٠٢) بحار الأنوار ٥١: ٣٦٩.
(١٠٣) راجع: غيبة الطوسي: ٣٩٩، وقد قال الطوسي في ٣٥١: (فأما المذمومون منهم فجماعة فروى عليّ بن إبراهيم بن هاشم...) وهذا النص فيه دلالة وجود أشخاص من الطبقة الحاكمة أو الغنية كآل فرات وآل بسطان وقد يكون بعضهم مغروراً به وقد يكون بعضهم مدفوعاً عن السلطة لتأييد حركة الانحراف والكفر وأيضاً يدل على أن الإمام شجب الحركات الانحرافية وأن جمهور الشيعية كانوا يمتثلون أمره بمجرد أن يبلغهم من سفيره المعتمد ويدل أن علماء كانوا يطالبون المعجزة من المدعين.
(١٠٤) راجع: كمال الدين: ٣٣.
(١٠٥) فرق الشيعة: ٧١.
(١٠٦) راجع: غيبة الطوسي: ٢١.
(١٠٧) راجع: فرق الشيعة: ٨٩.
(١٠٨) راجع: تهذيب الكمال ٢: ٤١٨.
(١٠٩) راجع: غيبة الطوسي: ١٩٨.
(١١٠) راجع: الفصول المختارة: ٣٠٦.
(١١١) راجع: غيبة الطوسي: ٣٢٢.
(١١٢) راجع: البداية والنهاية لابن كثير ١١: ٢٠٣.
(١١٣) راجع المنار المنيف: ١٥٣.
(١١٤) مقدمة ابن خلدون: ٢٦٠.
(١١٥) المصدر السابق.
(١١٦) حياة الإمام المهدي/ باقر شريف القرشي: ١٣٩.
(١١٧) المصدر السابق.
(١١٨) المصدر السابق.
(١١٩) المصدر السابق.
(١٢٠) منتهى المقال ٧: ٤٨٩.
(١٢١) كمال الدين.