فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 كتب المركز

الكتب المسائل العشر في الغيبة

القسم القسم: كتب المركز الشخص المؤلف: الشيخ المفيد رحمه الله الشخص المحقق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٥/١٣ المشاهدات المشاهدات: ٩٥١٠٢ التعليقات التعليقات: ١

المسائل العشر في الغيبة

الإمام الشيخ المفيد (قدّس سرّه)
تحقيق: الشيخ فارس الحسون (رحمه الله)
تقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار: ١٣
الطبعة الثانية ١٤٤٢هـ

فهرس المحتويات

مقدّمة المركز..................٣
الإِهداء..................٧
مقدّمة المحقِّق..................٩
١ - لماذا هذا الاهتمام بالمهديِّ (عجَّل الله فرجه)..................٩
٢ - من كتب عن المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى آخر القرن الرابع..................١٠
٣ - اهتمام الشيخ المفيد بالبحث عن المهديِّ (عجَّل الله فرجه)..................١٩
٤ - صِلَة الشيخ المفيد بالناحية المقدَّسة..................٢٢
نحن والكتاب..................٢٨
١ - نسبة الكتاب للشيخ المفيد..................٢٨
٢ - اسم الكتاب..................٢٨
٣ - أهمّيَّة الكتاب..................٢٩
٤ - تاريخ تأليف الكتاب..................٣١
٥ - السائل..................٣١
٦ - طبعات الكتاب..................٣٢
٧ - ترجمة الكتاب..................٣٢
٨ - عملنا في الكتاب..................٣٢
ذكر الفصول على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشُّبُهات فيها..................٤١
الفصل الأوَّل: [استتار الولادة]..................٤٧
فصل: [في خفاء ولادة بعض الأنبياء (عليهم السلام)]..................٥٤
الفصل الثاني: [إنكار جعفر بن عليٍّ ولادة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)]..................٥٧
فصل: [تسفيه من استدلَّ بقول جعفر على عدم ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه)]..................٦٠
فصل: [السبب في عدم التعرُّض لجعفر]..................٦٢
الفصل الثالث: [وصيَّة الإمام العسكري (عليه السلام) إلى والدته]..................٦٥
فصل: [وصيَّة الإمام الصادق (عليه السلام) إلى حميدة المصفاة]..................٦٨
الفصل الرابع: [سبب الغيبة والاستتار]..................٧١
الفصل الخامس: [طول الغيبة وعدم رؤيته (عجَّل الله فرجه)]..................٧٧
فصل: [فيمن رأى الإمام (عجَّل الله فرجه) وشاهده]..................٧٩
[غيبة بعض الأنبياء (عليهم السلام)]..................٨٤
[غيبة بعض الملوك والحكماء]..................٨٩
الفصل السادس: [طول العمر]..................٩١
فصل: [ردُّ شبهة الخصوم في مسألة طول العمر]..................٩٣
[ذكر المعمَّرين]..................٩٥
الفصل السابع: [هل وجود الإمام مغيَّباً كعدمه؟]..................١٠٥
فصل: [الغيبة لا تنافي حفظ الشرع والملَّة]..................١٠٧
الفصل الثامن: [ما الفرق بين قول الإماميَّة في الغيبة وقول سائر الفِرَق الشيعيَّة؟]..................١١١
فصل: [بطلان معتقد سائر الفِرَق وصحَّة معتقد الإماميَّة]..................١١٤
فصل: [عدم إنكار غيبة الآخرين]..................١١٥
الفصل التاسع: [الغيبة واستمرار الإمامة]..................١١٧
فصل: [اختلاف المصالح باختلاف الأحوال]..................١١٩
فصل: [اختلاف المصلحة في الظهور والغيبة]..................١٢٢
فصل: [عدم وجود أيِّ تناقضٍ بين الغيبة والإمامة]..................١٢٣
الفصل العاشر: [كيفيَّة معرفته (عجَّل الله فرجه) بعد ظهوره]..................١٢٥
فصل: [علامات الظهور]..................١٢٧
فصل: [ظهور المعجز على يد الأئمَّة (عليهم السلام)]..................١٢٨
فصل..................١٣٠
فهارس الكتاب..................١٣١

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيِّدنا محمّد وآله الطاهرين.
الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) من الأُمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شكٌّ(١).
وقد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّ الله تعالى سيبعث في آخر الزمان رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وجاء أنَّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلَّف، حتَّى لو لم يبقَ من الدنيا إلَّا يوم واحد، لطوَّل الله (عزَّ وجلَّ) ذلك اليوم حتَّى يظهر.
وكيف وأنّى يتخلَّف وعد الله (عزَّ وجلَّ) في إظهار دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون؟! وكيف لا يُحقِّق تعالى وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، وبتمكين دينهم الذي ارتضى لهم، وإبدالهم من بعد خوفهم أمناً، ليعبدوه تعالى لا يُشركون به شيئاً؟!
وقد أجمع المسلمون على أنَّ المهديَّ المنتظر (عجَّل الله فرجه) من أهل البيت (عليهم السلام)، وأنَّه من ولد فاطمة (عليها السلام).
وأجمع الإماميَّة - ومعهم عدد من علماء أهل السُّنَّة - أنَّه (عجَّل الله فرجه) من ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فأثبتوا اسمه ونعته وهويَّته الكاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أُنزل على محمّد».
راجع: شرح إحقاق الحقِّ (ج ١٣/ ص ٢٣٥ و٢٣٦/ باب من أنكر خروج المهدي فقد كفر).

↑صفحة ٣↑

هكذا فقد اعتقد الإماميَّة - ومعهم بعض علماء أهل السُّنَّة - أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) قد وُلِدَ فعلاً، وأنَّه حيٌّ يُرزَق، لكنَّه غائب مستور.
وماذا تُنكِر هذه الأُمَّة أنْ يستر الله (عزَّ وجلَّ) حجَّته في وقت من الأوقات؟ وماذا تُنكِر أنْ يفعل الله تعالى بحجَّته كما فعل بيوسف (عليه السلام)، أنْ يسير في أسواقهم ويطأ بُسُطهم وهم لا يعرفونه، حتَّى يأذن الله (عزَّ وجلَّ) له أنْ يُعرِّفهم بنفسه كما أذن ليوسف ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي﴾ (يوسف: ٩٠)(٢).
أوَلم يُخلِف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أُمَّته الثقلين: كتاب الله وعترته، وأخبر بأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض؟!
أوَلم يُخبِر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه سيكون بعده اثنا عشر خليفة كلُّهم من قريش، وأنَّ عدد خلفائه عدد نقباء موسى (عليه السلام)؟!
وإذا كان الله تعالى لم يترك جوارح الإنسان حتَّى أقام لها القلب إماماً لتردَّ عليه ما شكَّت فيه، فيقرُّ به اليقين ويبطل الشكُّ، فكيف يترك هذا الخلق كلَّهم في حيرتهم وشكِّهم واختلافهم لا يُقيم لهم إماماً يردُّون إليه شكَّهم وحيرتهم(٣)؟!
وحقًّا ﴿لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحجّ: ٤٥).
ولا ريب أنَّ للعقيدة الشيعيَّة في المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) - وهي عقيدة قائمة على الأدلَّة القويمة العقليَّة - رجحاناً كبيراً على عقيدة من يرى أنَّ المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) لم يُولَد بعد، يقرُّ بذلك كلُّ من ألقى السمع وهو شهيد إلى قول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢) الاستدلال منتزع من الكافي (ج ١/ ص ٣٨٤ و٣٨٥/ باب في الغيبة/ ح ٤).
(٣) انظر محاججة هشام بن الحَكَم مع عمرو بن عبيد في كمال الدِّين (ص ٢٣٧ - ٢٣٩/ باب ٢١/ ح ٢٣).

↑صفحة ٤↑

الصادق المصدَّق (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليَّةً»(٤).
ناهيك عن أنَّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيِّ أنَّها تمنح المذهب غناءً وحيويَّة لا تخفى على من له تأمُّل وبصيرة(٥).
ولا ريب أنَّ إحساس الفرد المؤمن أنَّ إمامه معه يعاني كما يعاني، وينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتاً وصلابةً مضاعفة، ويستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه وتهيئتها ودعوتها إلى الصبر والمصابرة والمرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيِّين لظهور مهديِّ آل محمّد (عليه وعليهم السلام)؛ خاصَّة وأنَّه يعلم أنَّ اليُمْن بلقاء الإمام لن يتأخَّر عن شيعته لو أنَّ قلوبهم اجتمعت على الوفاء بالعهد، وأنَّه لا يحبسهم عن إمامهم إلَّا ما يتَّصل به ممَّا يكرهه ولا يُؤثِره منهم(٦).
ولا يُماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته وقواعده الشعبيَّة المؤمنة وحراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس وضرورتها وإنْ سترها السحاب.
كيف، ولولا مراعاته ودعائه (عجَّل الله فرجه) لاصطلمها الأعداء ونزل بها اللأواء؟!
ولا يشكُّ أحد من الشيعة أنَّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمان لأهل السماء(٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) حديث مشهور تناقله علماء الطرفين في مجاميعهم الحديثيَّة بتعابير تتَّفق في مضمونها. انظر على سبيل المثال: مسند أحمد (ج ٤/ ص ٩٦)؛ مسند أبي داود (ص ٢٥٩)؛ المصنَّف لابن أبي شيبة (ج ٨/ ص ٥٩٨/ ح ٤٢)؛ المعجم الأوسط للطبراني (ج ٦/ ص ٧٠)؛ مجمع الزوائد (ج ٥/ ص ٢١٨ و٢٢٥)؛ وغيرها من المصادر.
(٥) انظر كلام المستشرق الفرنسي الفيلسوف هنري كاربون في مناقشاته مع العلَّامة الطباطبائي في كتاب (الشمس الساطعة).
(٦) راجع: الاحتجاج (ج ٢/ ص ٣٢٥)، عنه بحار الأنوار (ج ٥٣/ ص ١٨١/ ح ٨).
(٧) قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». كمال الدِّين (ص ٢٣٥/ باب ٢١/ ح ١٩).

↑صفحة ٥↑

وقد وردت روايات متكاثرة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) تنصبُّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وجاء في بعضها أنَّه (عجَّل الله فرجه) يحضر الموسم فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه(٨)، وأنَّه (عجَّل الله فرجه) يدخل عليهم ويطأ بُسُطهم، كما وردت روايات جمَّة في فضل الانتظار، وفي فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ فيه فرج الشيعة.
وقد عني مركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه) بالاهتمام بكلِّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام (عجَّل الله فرجه)، سواءً بطباعة ونشر الكُتُب المختصَّة به (عجَّل الله فرجه)، أو إقامة الندوات العلميَّة التخصُّصيَّة في الإمام (عجَّل الله فرجه) ونشرها في كُتيِّبات أو من خلال شبكة الانترنيت، ومن جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويِّ، ويتضمَّن تحقيق ونشر الكُتُب المؤلَّفة في الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، من أجل إغناء الثقافة المهدويَّة، ورفداً للمكتبة الإسلاميَّة الشيعيَّة.
نسأله (عزَّ من مسؤول) أنْ يأخذ بأيدينا، وأنْ يُبارك في جهودنا ومساعينا، وأنْ يجعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله ربِّ العالمين.
كما يتقدَّم المركز بالشكر الجزيل لسماحة العلَّامة المحقِّق الشيخ فارس الحسُّون (قدّس سرّه) على جهده الكبير والمتميِّز في تحقيق هذا الكتاب القيِّم لشيخ الطائفة الشيخ المفيد (أعلى الله مقامه).
ومن الله التوفيق.

مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) راجع: كمال الدِّين (ص ٤٧٠/ باب ٤٣/ ح ٨).

↑صفحة ٦↑

الإِهداء

إلى أُمِّ الإمام المهدي (روحي له الفداء)..
نرجس..
أُهدي هذا الجهد..
راجياً منها القبول والدعاء..

فارس

↑صفحة ٧↑

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المحقِّق:
الحمد لله الَّذي أوجب على نفسه الرحمة، ومن رحمته إرساله الرُّسُل والأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام)، ولم يترك الأُمَّة بدون وليٍّ له.
والصلاة والسلام على محمّدٍ عبده ورسوله، وعلى آله المعصومين.
إنَّ فكرة ظهور منقذ للبشريَّة جمعاء في آخر الزمان أوَّل من أشار إليها ونوَّه بها هو الله سبحانه وتعالى، حيث بشَّر أنبياءه كافَّة - من لدن أبينا آدم (عليه السلام) وإلى نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - بظهوره ودولته (عجَّل الله فرجه).
فعند البحث والتنقيب في كُتُب الروايات والتاريخ نشاهد بوضوح أنَّ جميع الأنبياء والرُّسُل من آدم (عليه السلام) إلى نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وجميع الأئمَّة من الإمام عليٍّ (عليه السلام) وإلى الإمام العسكري (عليه السلام)، ذكروا المهديَّ وأشاروا إلى اسمه وبعض شمائله وظهوره.
ولا نبالغ إنْ قلنا: إنَّ الروايات الواردة في المهديِّ (عجَّل الله فرجه) - من الفريقين - أكثر من الروايات الواردة في سائر الأئمَّة (صلوات الله عليهم).
١ - لماذا هذا الاهتمام بالمهديِّ (عجَّل الله فرجه):
فلماذا كلُّ هذا الاهتمام بالمهديِّ الموعود؟ ولماذا هذا التأكيد عليه؟
للجواب نشير إلى عدَّة نقاط:
أ - كلُّ هذا الاهتمام، للتعريف بالإمام المهديِّ لجميع الخلق، وأنَّه صاحب

↑صفحة ٩↑

الحكم الإلهيِّ ودولة الحقِّ الَّتي وعد الله عباده بها، فيعتقد به من لم يُدرِكه بقلبه ويدعو له بالفرج، ويُطيعه من يُدرِكه.
ب - كلُّ هذا، لأجل الذين يُدرِكون غيبته، لئلَّا يزيغوا ويضلُّوا، لئلَّا يشكُّوا في إمامهم ووجوده وظهوره، لتتركَّز عقيدتهم بإمامهم أكثر، ليعدُّوا أنفسهم لظهوره، ليرفعوا الموانع المانعة عن ظهوره.
ج - كلُّ هذا، لأجل معرفة الذين يُدرِكون غيبته، أهمّيَّة قيام دولته (عجَّل الله فرجه) التي بشَّر بها الأنبياء والصدِّيقون والأئمَّة (عليهم السلام) وتمنَّوا لو أدركوها.
د - كلُّ هذا، ليطمئنَّ المؤمن بوجود رجعة في الدنيا قبل الآخرة، يُؤخَذ للمظلوم حقَّه من الظالم، يُعذَّب المجرمون ويذوقوا عذاب الدنيا قبل الآخرة، يُنعَّم المحسنون والمتَّقون في الدنيا قبل الآخرة.
هـ - كلُّ هذا، ليعرف الخلق أنَّ أولياء الله الصالحين - الذين تجرَّعوا غُصَص الظلم وأنواع العذاب - سيحكمون الأرض بالعدل، لأنَّهم الوارثون... ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥).
و - كلُّ هذا، ليعرف الناس عظم مسألة المهديِّ ودولته، وما يصيبه وشيعته في غيبته، فيحزنوا عليهم ويدعوا لهم بالفرج، فيكونوا قد شاركوهم فيما يجري عليهم من مصائب وآلام، ويشتركوا معهم بالأجر والثواب.
ز - وأخيراً لا آخراً، كلُّ هذا، ليعرف الخلق بأجمعه: أنَّ للحقِّ دولة، تُرفَع فيها كلمة الله، وكلمة الله هي العليا.
٢ - من كتب عن المهدي (عجَّل الله فرجه) إلى آخر القرن الرابع:
كما ذكرنا سابقاً: إنَّ الله سبحانه، ثمّ الأنبياء كافَّة هم الذين ذكروا المهديَّ وفتحوا أبواب البحث عنه وعن ظهوره (عجَّل الله فرجه).
وعند ظهور نبيِّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برسالته كان الترويج لفكرة المنقذ المنتظر

↑صفحة ١٠↑

أكثر، حيث أولى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اهتماماً كبيراً بقضيَّة المهديِّ وردِّ الشُّبُهات عنه، والأحاديث الواردة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من طريق الفريقين خير شاهد على هذا المطلب.
ومن بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانت مهمَّة التبليغ لفكرة الإمام المهديِّ على عهدة خلفائه أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام)، فكانوا ينتهزون الفُرَص لتثبيت المسلمين على الاعتقاد بالمهديِّ، والروايات الكثيرة الواردة عنهم في هذا الشأن شاهد لهذا المطلب.
وكلَّما قرب وقت ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه) كان الاهتمام بذِكره والخبر بأحواله وصفاته وغيبته أكثر، حتَّى إنَّ الإمامين العسكريين (سلام الله عليهما) كان عندهما نوع ما من الغيبة وعدم الاتِّصال مباشرةً بأصحابهم وخروج التوقيعات من قِبَلهم، كلُّ هذا ليتعوَّد الشيعة على ما سيحصل من غيبة الإمام القائم (عجَّل الله فرجه).
وعند ولادة الإمام المهدي بدأ نوع جديد من التحرُّك والتبليغ من قِبَل أبيه الإمام العسكري، لأنَّ هذه المرحلة تعدَّت المرحلة النظريَّة إلى العمليَّة. فبدأ الإمام العسكري (عليه السلام) بخطوات كبيرة لتثبيت عقائد الشيعة بإمامة ولده المهديِّ المنتظر وردِّ الشُّبُهات عنه، حتَّى إنَّ الإمام العسكري (عليه السلام) كان يُظهِر ولده المهديَّ إلى خواصِّ شيعته بين حينٍ وآخر، وكانوا يتحدَّثون معه ويسألونه فيجيبهم.
وبعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام) وتسلُّم الإمام المهديِّ منصب الإمامة، كانت مهمَّة التبليغ على شخص الإمام بواسطة النوّاب الخاصِّين (رضوان الله عليهم)، فكانت ترد عليه الأسئلة من شيعته بواسطة الأبواب، وتخرج التوقيعات من الناحية المقدَّسة فيها جوابات الأسئلة وحلِّ مشاكل الشيعة وردِّ الشُّبُهات عنه (عجَّل الله فرجه).
وآخر توقيع خرج عنه في الغيبة الصغرى إلى عليِّ بن محمّدٍ السمري آخر أبوابه الخاصِّين نسخته:

↑صفحة ١١↑

«بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّام، فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَة [التَّامَّة]، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَامْتِلَاءِ الْأَرْض جَوْراً...»(٩).
وبعد وقوع الغيبة الكبرى صارت مهمَّة التبليغ الإسلامي بصورة عامَّة وتثبيت عقائد الشيعة بإمامة المهديِّ المنتظر وغيبته بصورة خاصَّة على عهدة الفقهاء والمحدِّثين.
ففي التوقيع الخارج إلى محمّد بن عثمان العمري (رضي الله عنه):
«... وَأَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا، فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ، وَأَنَا حُجَّةُ اللهِ عَلَيْهِم»(١٠).
ففي بداية الغيبة الكبرى كانت مهمَّة ترسيخ عقائد الشيعة بإمامهم كبيرة وصعبة، لذا ترى علماءنا (رضوان الله عليهم) بدأوا بردِّ الشُّبُهات عنه (عجَّل الله فرجه) بمناظراتهم ودروسهم وخُطَبهم ومؤلَّفاتهم.
وهنا نذكر على طريق الاختصار بعض من ألَّف من العلماء عن موضوع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والدفاع عنه إلى آخر القرن الرابع الهجري.
فمنهم:
١ - أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي، سمع منه أبو أحمد القاسم بن محمّد الهمداني في تسع وستِّين ومائتين، له كتاب الغيبة(١١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩) كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥١٦/ رقم ٤٤).
(١٠) كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٦٨٤/ رقم ٤).
(١١) رجال النجاشي (ص ١٩/ رقم ٢١)؛ الفهرست للشيخ (ص ١٠ و١١/ رقم ١١)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٤/ رقم ٣٧١).

↑صفحة ١٢↑

٢ - أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي الأسدي، من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، ثقة، له كتاب الغيبة، يرويه عنه جعفر بن قولويه بواسطة واحدة(١٢).
٣ - أحمد بن الحسين بن عبد الله المهراني الآبي، له كتاب ترتيب الأدلَّة فيما يلزم خصوم الإماميَّة دفعه عن الغيبة والغائب(١٣).
٤ - أبو بكر خيثمة أحمد بن زهير النسائي، المتوفّى سنة (٢٧٩هـ)، له جمع الأحاديث الواردة في المهدي(١٤).
٥ - الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، المتوفّى سنة (٤٣٠هـ)، له كتاب الأربعين حديثاً في ذكر المهديِّ، وذكر المهديِّ ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، ومناقب المهديِّ(١٥).
٦ - أبو العباس [أبو عليٍّ] أحمد بن عليٍّ الرازي الخضيب [ابن الخضيب] الأيادي، له كتاب الشفاء والجلاء في الغيبة(١٦).
٧ - أبو العبّاس أحمد بن عليِّ بن العبّاس بن نوح السيرافي، نزيل البصرة، كان ثقةً في حديثه، متقناً لما يرويه، فقيهاً بصيراً بالحديث والرواية، وهو أُستاذ الشيخ النجاشي وشيخه ومن استفاد منه، تُوفّي حدود النيِّف والعشرة بعد الأربعمائة، له كتاب أخبار الوكلاء الأربعة(١٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) النجاشي (ص ١٥/ رقم ١٣)؛ الفهرست (ص ١٤/ رقم ١٩)؛ معالم العلماء لابن شهر آشوب (ص ٥/ رقم ٥)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٥/ رقم ٣٧٣).
(١٣) المعالم (ص ٢٤/ رقم ١١٣).
(١٤) مجلَّة تراثنا، العدد الأوَّل.
(١٥) مجلَّة تراثنا، العدد الأوَّل، صفحة ١٩؛ والعدد الرابع، صفحة ١٠١، مقالة السيِّد عبد العزيز الطباطبائي: أهل البيت في المكتبة العربيَّة.
(١٦) النجاشي (ص ٩٧/ رقم ٢٤٠)؛ الفهرست (ص ٣٣/ رقم ٦٦)؛ المعالم (ص ٨/ رقم ٨٢).
(١٧) النجاشي (ص ٨٦ و٨٧/ رقم ٢٠٩)؛ الذريعة (ج ١/ ص ٣٥٣/ رقم ١٨٦٠).

↑صفحة ١٣↑

٨ - أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران بن موسى المعروف بابن الجندي، أُستاذ الشيخ النجاشي، له كتاب الغيبة(١٨).
٩ - أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن عبيد الله بن الحسن بن عيّاش بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري، له كتاب ما نزل من القرآن في صاحب الزمان (عليه السلام)، وأخبار وكلاء الأئمَّة الأربعة(١٩).
١٠ - الحافظ النسَّابة الواعظ الشاعر الأشرف بن الأغر بن هاشم المعروف بتاج العلى العلوي الحسيني، المولود بالرملة سنة (٤٨٢هـ)، والمتوفّى بحلب سنة (٦١٠) عن (١٢٨) سنة، له كتاب الغيبة وما جاء فيها عن النبيِّ والأئمَّة (عليهم السلام) ووجوب الإيمان بها(٢٠).
١١ - الجلودي، المتوفّى سنة (٣٣٢هـ)، له كتاب أخبار المهديِّ(٢١).
١٢ - أبو محمّد الحسن بن حمزة بن عليِّ بن عبد الله بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بالطبري والمرعش، كان من أجلَّاء هذه الطائفة وفقهائها، توفّي سنة (٣٥٨هـ)، له كتاب الغيبة(٢٢).
١٣ - أبو عليٍّ الحسن بن محمّد بن أحمد الصفّار البصري، شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عنه الحسن بن سماعة، له كتاب دلائل خروج القائم (عليه السلام)(٢٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨) النجاشي (ص ٨٥/ رقم ٢٠٦)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٥/ رقم ٣٧٤).
(١٩) النجاشي (ص ٨٥ و٨٦/ رقم ٢٠٧)؛ المعالم (ص ٢٠/ رقم ٩٠).
(٢٠) الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٥/ رقم ٣٧٥).
(٢١) الذريعة (ج ١/ ص ٣٥٢/ رقم ١٨٥٢).
(٢٢) النجاشي (ص ٦٤/ رقم ١٥٠)؛ المعالم (ص ٣٦/ رقم ٢١٥)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٦/ رقم ٣٨٠).
(٢٣) النجاشي (ص ٤٨/ رقم ١٠١).

↑صفحة ١٤↑

١٤ - أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله ابن الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بابن أخي طاهر، المتوفّى في ربيع الأوَّل سنة (٣٥٨هـ)، له كتاب الغيبة وذكر القائم (عليه السلام)(٢٤).
١٥ - أبو الحسن حنظلة بن زكريَّا بن حنظلة بن خالد بن العيار التميمي القزويني، له كتاب الغيبة(٢٥).
١٦ - أبو الحسن سلامة بن محمّد بن إسماعيل [أسماء] بن عبد الله بن موسى بن أبي الأكرم الأرْذني [الأزوني]، المتوفّى سنة (٣٣٩هـ)، له كتاب الغيبة وكشف الحيرة(٢٦).
١٧ - أبو سعيد عبَّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي، المتوفّى سنة (٢٥٠هـ) أو (٢٧١هـ)، له كتاب أخبار المهديِّ ويُسمِّيه المسند(٢٧).
١٨ - أبو الفضل عبّاس بن هشام الناشري الأسدي، من أصحاب الرضا (عليه السلام)، متوفّى سنة (٢٢٠هـ)، له كتاب الغيبة(٢٨).
١٩ - أبو العبّاس عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك الحميري القمّي، ثقة، شيخ القمِّيين ووجههم، له كتاب الغيبة والحيرة، وقرب الإسناد إلى صاحب الأمر (عليه السلام)، والتوقيعات(٢٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤) النجاشي (ص ٦٤/ رقم ١٤٩)؛ الذريعة (ج ١٦/ رقم ٤١٦).
(٢٥) النجاشي (ص ١٤٧/ رقم ٣٨٠)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٦/ رقم ٣٨٤).
(٢٦) النجاشي (ص ١٩٢/ رقم ٥١٤)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٣/ رقم ٤١٩).
(٢٧) الفهرست (ص ١٧٦/ رقم ٣٧٤)؛ المعالم (ص ٨٨/ رقم ٦١٢)؛ الذريعة (ج ١/ ص ٣٥٢/ رقم ١٨٥٢).
(٢٨) النجاشي (ص ٣٨٠/ رقم ٧٤١)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٦/ رقم ٣٨٦).
(٢٩) النجاشي (ص ٢١٩/ رقم ٥٧٣)؛ الفهرست (ص ١٨٩/ رقم ٤٠٧)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٣/ رقم ٤١٥).

↑صفحة ١٥↑

٢٠ - أبو محمّد عبد الوهّاب المادرائي [البادرائي]، له كتاب الغيبة(٣٠).
٢١ - أبو القاسم عليُّ بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، المعروف بالشريف المرتضى علم الهدى، مولده في رجب سنة (٣٥٥هـ)، قال النجاشي: (مات لخمسٍ بقين من شهر ربيع الأوَّل سنة ٤٣٦، وصلّى عليه ابنه، وتولَّيت غُسله ومعي الشريف أبو يعلى...، له كتاب الغيبة، المقنع في الغيبة)(٣١).
٢٢ - أبو الحسن عليُّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلَّان الرازي الكليني، خال ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني، وأحد العدَّة الذين يروي عنهم عن سهل بن زياد في كتابه الكافي، له كتاب أخبار القائم (عليه السلام)(٣٢).
٢٣ - عليُّ بن محمّد بن عليِّ بن سالم بن عمر بن رباح بن قيس السواق القلا، له كتاب الغيبة(٣٣).
٢٤ - أبو الحسن عليُّ بن مهزيار الدوْرقي الأهوازي، كان أبوه نصرانيًّا، وقيل: إنَّ عليًّا أيضاً أسلم وهو صغير، ومنَّ الله عليه بمعرفة هذا الأمر، وتفقَّه وروى عن الرضا وأبي جعفر (عليهما السلام)، واختصَّ بأبي جعفر الثاني، له كتاب القائم(٣٤).
٢٥ - أبو موسى عيسى بن مهران المستعطِف، له كتاب المهديِّ(٣٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠) النجاشي (ص ٢٤٧/ رقم ٦٥٢)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٦/ رقم ٣٨٧).
(٣١) النجاشي (ص ٢٧٠ و٢٧١/ رقم ٧٠٨)؛ الفهرست (ص ٢١٨ - ٢٢٠/ رقم ٤٧٢)، المعالم (ص ٦٩ و٧٠/ رقم ٤٧٧)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٧/ رقم ٣٩٠).
(٣٢) الذريعة (ج ١/ ص ٣٤٥/ رقم ١٨٠٣).
(٣٣) النجاشي (ص ٢٥٩ و٢٦٠/ رقم ٦٧٩)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٨/ رقم ٣٩٣).
(٣٤) النجاشي (ص ٢٥٣ و٢٥٤/ رقم ٦٦٤).
(٣٥) النجاشي (ص ٢٩٧/ رقم ٨٠٧)؛ الفهرست (ص ٢٤٩ و٢٥٠/ رقم ٥٤٩)؛ المعالم (ص ٨٦/ رقم ٥٩٣).

↑صفحة ١٦↑

٢٦ - أبو محمّد بن الفضل شاذان بن جبرئيل [الخليل] الأزدي النيسابوريّ، المتوفّى سنة (٢٦٠هـ)، لقي عليَّ بن محمّد التقي (عليه السلام)، له كتاب إثبات الرجعة، والرجعة حديث، والقائم (عليه السلام)(٣٦).
٢٧ - أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، المعروف بابن أبي زينب الكاتب، تلميذ ثقة الإسلام الكليني، له كتاب الغيبة، ويُعرَف هذا الكتاب بملاء العيبة في طول الغيبة(٣٧).
٢٨ - أبو عليٍّ محمّد بن أحمد بن الجنيد، قال النجاشي: (سمعت بعض شيوخنا يذكر أنَّه كان عنده مال للصاحب (عليه السلام) وسيف أيضاً وصّى به إلى جاريته، له كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة)(٣٨).
٢٩ - أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمّال، المعروف بالصفواني، الشريك مع النعماني في القراءة على ثقة الإسلام الكليني، له كتاب الغيبة وكشف الحيرة(٣٩).
٣٠ - أبو العنبس محمّد بن إسحاق بن أبي العنبس العنبسي الصيمري، له كتاب صاحب الزمان(٤٠).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٦) النجاشي (ص ٣٠٦ و٣٠٧/ رقم ٨٤٠)؛ الفهرست (ص ٢٥٤ و٢٥٥/ رقم ٥٥٩)؛ المعالم (ص ٩٠ و٩١/ رقم ٦٢٧)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٨/ رقم ٣٩٥).
(٣٧) النجاشي (ص ٣٨٣/ رقم ١٠٤٣)؛ المعالم (ص ١١٨/ رقم ٧٨٣)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٩/ رقم ٣٩٨).
(٣٨) كذا ورد اسم الكتاب في المعالم، وفي الفهرست: (إزالة الألوان عن قلوب الإخوان في معنى كتاب الغيبة).
وفي النجاشي: (كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان).
راجع: النجاشي (ص ٣٨٥/ رقم ١٠٤٧)؛ الفهرست (ص ٢٦٧ - ٢٦٩/ رقم ٥٩٢)؛ المعالم (ص ٩٧ و٩٨/ رقم ٦٦٥).
(٣٩) الذريعة (ج ١٦/ ص ٣٧/ رقم ١٥٧، وج ١٦/ ص ٨٤/ رقم ٤٢٠).
(٤٠) الفهرست لابن النديم (ص ٢١٦ و٢١٧)، وفي كون المراد من صاحب الزمان الإمام المهدي نظر.

↑صفحة ١٧↑

٣١ - أبو الحسين محمّد بن بحر الرهني السجستاني [الشيباني] المتكلِّم، له كتاب الحجَّة في إبطاء القائم (عليه السلام)(٤١).
٣٢ - محمّد بن الحسن بن جمهور العمّي [القمّي] البصري، روى عن الرضا (عليه السلام)، له كتاب صاحب الزمان (عليه السلام)، وكتاب وقت خروج القائم(٤٢).
٣٣ - أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليٍّ الطوسي، قرأ على الشيخ المفيد، له كتاب الغيبة(٤٣).
٣٤ - محمّد بن زيد بن عليٍّ الفارسي، له كتاب الغيبة(٤٤).
٣٥ - أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفّى سنة (٣٢٣هـ)، كان متقدِّماً في أصحابنا ومستقيم الطريقة، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديَّة، فظهرت منه مقالات منكرة، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية، له كتاب الغيبة(٤٥).
٣٦ - أبو جعفر محمّد بن عليِّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة (٣٨١هـ)، له كتاب إكمال الدِّين وإتمام النعمة، ألَّفه بأمر الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، والرسالة الأُولى في الغيبة، والرسالة الثانية في الغيبة، والرسالة الثالثة في الغيبة(٤٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١) المعالم (ص ٩٦/ رقم ٦٦٢).
(٤٢) الفهرست (ص ٢٨٤/ رقم ٦١٧)؛ المعالم (ص ١٠٣ و١٠٤/ رقم ٦٨٩).
(٤٣) الفهرست (ص ٢٨٥ - ٢٨٨/ رقم ٦٢٠)؛ المعالم (ص ١١٤ و١١٥/ رقم ٧٦٦)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٩/ رقم ٣٩٩).
(٤٤) الذريعة (ج ١٦/ ص ٧٩ و٨٠/ رقم ٤٠٠).
(٤٥) كتابه الغيبة كتبه قبل ضلاله. راجع: النجاشي (ص ٣٧٨/ رقم ١٠٢٩)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٠/ رقم ٤٠١).
(٤٦) النجاشي (ص ٣٨٩ - ٣٩٢/ رقم ١٠٤٩)؛ المعالم (ص ١١١ و١١٢/ رقم ٧٦٤)؛ الفهرست (ص ٣٠٤ و٣٠٥/ رقم ٦٦١)؛ الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٣/ رقم ٤١٢ و٤١٣ و٤١٤، وج ١٦/ ص ٨٠/ رقم ٤٠٢).

↑صفحة ١٨↑

٣٧ - أبو الفتح محمّد بن عليِّ بن عثمان الكراجكي، المتوفّى سنة (٤٤٩هـ)، له كتاب البرهان على طول عمر صاحب الزمان، والاستطراف في ذكر ما ورد في الغيبة في الإنصاف(٤٧).
٣٨ - أبو بكر محمّد بن القاسم البغدادي، معاصر ابن همّام الذي تُوفّي سنة (٣٣٢هـ)، له كتاب الغيبة(٤٨).
٣٩ - أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي، المعروف بالعيّاشي، كان في أوَّل عمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامَّة فأكثر منه، ثمّ تبصَّر وعاد إلينا، له كتاب الغيبة(٤٩).
٤٠ - أبو الفرج المظفَّر بن عليِّ بن الحسين الحمداني، من السفراء، قرأ على المفيد وحضر مجلس درس المرتضى والشيخ ولم يقرأ عليهما، له كتاب الغيبة(٥٠).
انتهى ما قصدنا إيراده من ذكر بعض الكُتُب المؤلَّفة مستقلّاً عن موضوع الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)، ولم نذكر الكُتُب المؤلَّفة من الواقفيَّة الذين وقفوا على بعض الأئمَّة أو أولادهم، وكذا لم نذكر الشعراء الذين نظموا عن الإمام المهديِّ. مراعاةً للاختصار.
٣ - اهتمام الشيخ المفيد بالبحث عن المهديِّ (عجَّل الله فرجه):
ازدهر العلم في زمن الشيخ المفيد وبلغ ذروته، وكانت الحضارة آنذاك في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٧) الذريعة (ج ٣/ ص ٩٢/ رقم ٢٩٢)؛ كشف الحُجُب (ص ٤٣/ رقم ١٩٤).
(٤٨) الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٠/ رقم ٤٠٣).
(٤٩) النجاشي (ص ٣٥٠ - ٣٥٣/ رقم ٩٤٤)؛ الفهرست (ص ٣١٧ - ٣٢٠/ رقم ٦٩٠)؛ المعالم (ص ٩٩ و١٠٠/ رقم ٦٦٨).
(٥٠) الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٢/ رقم ٤٠٦).

↑صفحة ١٩↑

تقدُّمٍ سريع، وكان زمانه مملوءاً بالعلماء من كلِّ الفِرَق الإسلاميَّة خصوصاً في بغداد.
كلُّ هذا ونرى شيخنا المفيد قد نبغ من بين جميع هؤلاء، وطغى علمه وشهرته على الكلِّ.
وكانت الشُّبُهات في زمانه ضدَّ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) تستفحل يوماً بعد آخر.
لذا عقد الشيخ المفيد مجلساً للمناظرة، ناظر فيه العلماء فأفحمهم، واهتدى على يديه الجمُّ الغفير.
فكان (رضي الله عنه) قد أولى اهتماماً كبيراً بعلم الكلام، سواء باللسان أم بالقلم.
ومن المواضيع الكلاميَّة التي أعطاها اهتماماً كبيراً هو موضوع الإمام المهديِّ وأحواله وظهوره وطول عمره و...
فكان يردُّ الشُّبُهات ويُثبِّت عقائد الشيعة بإمام زمانهم بمناظراته ودرسه وكتاباته مستقلّاً وضمناً.
فمن الذي كتبه مستقلّاً:
١ - كتاب الغيبة: ذكره النجاشي (ص ٤٠١)، وذكره الطهراني في الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٠) كتاب الغيبة الكبير للمفيد.
٢ - المسائل العشر في الغيبة: ذكره النجاشي (ص ٣٩٩)، وهو هذا الكتاب الذي أُقدِّمه بين يدي القارئ العزيز، يأتي التفصيل عنه.
٣ - مختصر في الغيبة: ذكره النجاشي (ص ٣٩٩).
٤ - النقض على الطلحي في الغيبة: ذكره النجاشي (ص ٤٠٠).
٥ - جوابات الفارقيِّين في الغيبة: ذكره النجاشي (ص ٤٠٠).
٦ - الجوابات في خروج الإمام المهدي (عليه السلام): ذكره النجاشي (ص ٤٠١).

↑صفحة ٢٠↑

وذكر الطهراني في الذريعة (ج ١٦/ ص ٨٠) أنَّ للشيخ المفيد كتاب الجوابات في خروج المهديِّ - وذكر أنَّه موجود - ثلاث مسائل. والظاهر أنَّ كليهما كتاب واحد.
وذكر أيضاً أنَّ الثلاث مسائل هي:
أ - من مات ولا يعرف إمام زمانه.
ب - لو اجتمع لإمام عدد أهل بدر.
واحتمل أنْ يكون هذا هو النقض على الطلحي، لأنَّه يُعبِّر في أثنائه عن السائل بالعمري.
ج - السبب الموجب لاستتار الحجَّة.
والمطبوع من الجوابات - الذي طُبِعَ ضمن عدَّة رسائل للمفيد طبع مكتبة المفيد - أربع رسائل، هي:
أ - صفحة ٣٨٣ - ٣٨٨، شرح فيه حديث: «من مات وهو لا يعرف إمام زمانه».
ب - صفحة ٣٨٩ - ٣٩٤، أوَّل الرسالة: (حضرتُ مجلس رئيس من الرؤساء فجرى كلام في الإمامة فانتهى إلى القول في الغيبة...).
ج - صفحة ٣٩٤ - ٣٩٨، أوَّل الرسالة: (سأل بعض المخالفين فقال: ما السبب الموجب لاستتار إمام الزمان وغيبته التي طالت مدَّتها...؟).
د - صفحة ٣٩٩ - ٤٠٢، أوَّل الرسالة: (سأل سائل من الشيخ المفيد فقال: ما الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة، فقد اختلف الناس في وجوده اختلافاً ظاهراً...؟).
وللتفصيل راجع: الذريعة (ج ٥/ ص ١٩٥، ج ١٦/ ص ٨٠ - ٨٢، وج ٢٠/ ص ٣٨٨ و٣٩٠ و٣٩٥).

↑صفحة ٢١↑

ومن الذي كتبه ضمناً:
١ - الإيضاح في الإمامة: أحال عليه في عدَّة مواضع من هذا الكتاب المسائل العشر، وعبَّر عنه بالإيضاح في الإمامة والغيبة.
٢ - الإرشاد في معرفة حُجَج الله على العباد: ذكر فيه فصلاً خاصًّا عن الإمام الحجَّة وغيبته.
٣ - العيون والمحاسن: له فيه كلام في الغيبة.
٤ - الزاهر في المعجزات: تطرَّق فيه إلى معجزات الأنبياء والأئمَّة ومنهم الإمام الحجَّة المنتظر.
وكذا بحث عن الإمام المهدي (عليه السلام) في بقيَّة كُتُبه المؤلَّفة في الإمامة والتاريخ والعقائد.
٤ - صِلَة الشيخ المفيد بالناحية المقدَّسة:
عند وقوع الغيبة الكبرى انقطعت النيابة الخاصَّة، وكُذِّب من ادَّعى البابيَّة، وصارت النيابة عامَّة للفقهاء العدول.
وهذا لا يدلُّ على عدم إمكان رؤية الإمام في الغيبة الكبرى والتشرُّف بخدمته، حتَّى مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية، لأنَّ الذي نقطع بكذبه هو ادِّعاء الباب والنيابة الخاصَّة.
قال الشيخ المفيد في هذا الكتاب المسائل العشر: (فأمَّا بعد انقراض من سمَّيناه من أصحاب أبيه وأصحابه (عليهم السلام)، فقد كانت الأخبار عمَّن تقدَّم من أئمَّة آل محمّد (عليهم السلام) متناصرة بأنَّه لا بدَّ للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأُخرى، يعرف خبره الخاصُّ في القُصرى، ولا يعرفُ العامُّ له مستقَرًّا في الطولى، إلَّا من تولّى خدمته من ثقات أَوْليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره)(٥١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥١) المسائل العشر (ص ٨٣ و٨٤) من طبعتنا هذه.

↑صفحة ٢٢↑

فما ذكره الشيخ المفيد من الحديث صريح بأنَّ في الغيبة الكبرى - المعبَّر عنها بالطولى - يمكن أنْ يعرف خبره من تولّى خدمته من ثقات أوليائه ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.
إذا عرفت هذا فقد روى الشيخ الطبرسيُّ توقيعين وردا من الناحية المقدَّسة إلى الشيخ المفيد، قال:
ذِكْرُ كِتَابٍ وَرَدَ مِنَ النَّاحِيَةِ المُقَدَّسَةِ (حَرَسَهَا اللهُ وَرَعَاهَا) فِي أَيَّامٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ عَشَرَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ عَلَى الشَّيْخِ المُفِيدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ (قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ)، ذَكَرَ مُرْسِلُهُ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ مِنْ نَاحِيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْحِجَازِ، نُسْخَتُهُ:
«لِلْأَخِ السَّدِيدِ اَلْوَلِيِّ اَلرَّشِيدِ اَلشَّيْخِ اَلمُفِيدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَدَامَ اللهُ إِعْزَازَهُ مِنْ مُسْتَوْدَعِ الْعَهْدِ اَلمَأْخُوذِ عَلَى الْعِبَادِ...».
وجاء في آخر التوقيع:
نُسْخَةُ اَلتَّوْقِيعِ بِالْيَدِ اَلْعُلْيَا (عَلَى صَاحِبِهَا السَّلَامُ):
«هَذَا كِتَابُنَا إِلَيْكَ أَيُّهَا الْأَخُ الْوَلِيُّ، وَالمُخْلِصُ فِي وُدِّنَا الصَّفِيُّ، وَالنَّاصِرُ لَنَا الْوَفِيُّ، حَرَسَكَ اللهُ بِعَيْنِهِ اَلَّتِي لَا تَنَامُ، فَاحْتَفِظْ بِهِ، وَلَا تُظْهِرْ عَلَى خَطِّنَا اَلَّذِي سَطَرْنَاهُ بِمَا لَهُ ضَمَّنَّاهُ أَحَداً، وَأَدِّ مَا فِيهِ إِلَى مَنْ تَسْكُنُ إِلَيْهِ، وَأَوْصِ جَمَاعَتَهُمْ بِالْعَمَلِ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ»(٥٢).
وقال الطبرسيُّ أيضاً يروي التوقيع الثاني:
وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ آخَرُ مِنْ قِبَلِهِ (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ) يَوْمَ الْخَمِيسِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، نُسْخَتُهُ:
«مِنْ عَبْدِ اللهِ المُرَابِطِ فِي سَبِيلِهِ إِلَى مُلْهَمِ الْحَقِّ وَدَلِيلِهِ...».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٢) الاحتجاج (ج ٢/ ص ٤٩٥ - ٤٩٨).

↑صفحة ٢٣↑

وجاء في آخر التوقيع:
وَكَتَبَ فِي غُرَّةِ شَوَّالٍ مِنْ سَنَةِ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، نُسْخَةَ التَّوْقِيعِ بِالْيَدِ الْعُلْيَا (صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى صَاحِبِهَا):
«هَذَا كِتَابُنَا إِلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ المُلْهَمُ لِلْحَقِّ اَلْعَلِيِّ، بِإِمْلَائِنَا وَخَطِّ ثِقَتِنَا، فَأَخْفِهِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَاطْوِهِ، وَاجْعَلْ لَهُ نُسْخَةً تُطْلِعُ عَلَيْهَا مَنْ تَسْكُنُ إِلَى أَمَانَتِهِ مِنْ أَوْلِيَائِنَا شَمِلَهُمُ اللهُ بِبَرَكَتِنَا إِنْ شَاءَ اللهُ، وَالْحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ»(٥٣).
وروى هذين التوقيعين يحيى بن بطريق في رسالة (نهج العلوم إلى نفي المعدوم) كما حُكي عنه، وزاد عليهما توقيعاً آخر لم تصل إلينا صورته(٥٤).
وعند التأمُّل في التوقيعين الواصلين إلينا نستطيع أنْ نجزم بأنَّهما لا يفيدان النيابة الخاصَّة أو البابيَّة، بل شأنهما شأن من يرى الإمام في غيبته الطولى ويعرفه، ولا يفهم من الأحاديث المكذِّبة لرؤيته إلَّا تكذيب مدَّعي النيابة الخاصَّة.
والذي يزيدنا اطمئناناً بهذين التوقيعين ما ذكره الطبرسيُّ في مقدّمة كتابه الاحتجاج في بيان علَّة عدم ذكر الأسانيد:
(ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده:
إمَّا لوجود الإجماع عليه.
أو موافقته لما دلَّت العقول إليه.
أو لاشتهاره في السِّيَر والكُتُب بين المخالف والمؤالف.
إلَّا ما أوردته عن أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، فإنَّه ليس في الاشتهار على حدِّ ما سواه، وإنْ كان مشتملاً على مثل الذي قدَّمناه، فلأجل ذلك ذكرت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٣) الاحتجاج (ج ٢/ ص ٤٩٨ و٤٩٩).
(٥٤) معجم رجال الحديث (ج ١٧/ ص ٢٠٨ و٢٠٩).

↑صفحة ٢٤↑

إسناده في أوَّل جزءٍ من ذلك دون غيره، لأنَّ جميع ما رويت عنه (صلوات الله عليه) إنَّما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها (عليه السلام) في تفسيره...)(٥٥).
فالتوقيعان اللذان رواهما بدون ذكر الإسناد لا يخلوان من ثلاثة وجوه: وجود الإجماع عليهما، موافقتهما لما دلَّت العقول إليه، اشتهارهما في السِّيَر والكُتُب بين المخالف والمؤالف.
وهذه الدقَّة الموجودة عند الطبرسيِّ في روايته، ووثاقة الطبرسيِّ عند الكافَّة تعطينا اطمئناناً لقبول التوقيعين.
والذي يزيدنا اطمئناناً أيضاً بهذين التوقيعين، ما ذكره المحدِّث البحراني في (اللؤلؤة) بعد ما نقل أبياتاً في رثاء الشيخ المفيد منسوبة لصاحب الأمر وُجِدَت مكتوبة على قبر الشيخ المفيد:
(وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه (عليه السلام) من التوقيعات للشيخ المذكور المشتملة على مزيد التعظيم والإجلال...).
ثمّ قال:
(هذا وذكر الشيخ يحيى بن بطريق الحلّي - وقد تقدَّم - في رسالة (نهج العلوم إلى نفي المعدوم) [المعروفة بسؤال أهل حلب] طريقين في تزكية الشيخ المفيد:
أحدهما: صحَّة نقله عن الأئمَّة الطاهرين، بما هو مذكور في تصانيفه من المقنعة وغيرها...
وأمَّا الطريق الثاني في تزكيته: ما ترويه كافَّة الشيعة وتتلقَّاه بالقبول من أنَّ صاحب الأمر (صلوات الله عليه وعلى آبائه) كتب إليه ثلاث كُتُب، في كلِّ سنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٥) الاحتجاج (ج ١/ ص ١٤).

↑صفحة ٢٥↑

كتاباً، وكان نسخة عنوان الكتاب: «للأخ السديد...» وهذا أوفى مدح وتزكية وأزكى ثناء وتطرية بقول إمام الأُمَّة وخلف الأئمَّة)، انتهى ما في اللؤلؤة(٥٦).
أقول: وكلامه صريح في أنَّ التوقيعين مُجمَع عليهما، ونستنتج من كلامه أيضاً أنَّ ما ذكره الطبرسيُّ في مقدّمة الاحتجاج - من ذكر الأسباب التي دعته إلى عدم ذكر السند للأحاديث التي يرويها - أنَّ التوقيعين من قسم الأحاديث التي انعقد الإجماع عليها، لهذا لم يذكر سندهما.
وإنْ كان بعض المتأخِّرين قد شكَّك في هذين التوقيعين، لكنَّ الاطمئنان الحاصل عند التأمُّل فيهما كافٍ في المقام، والله العالم.
وقال ابن شهرآشوب في معالمه: (ولقَّبه الشيخَ المفيدَ صاحبُ الزمان (صلوات الله عليه)، وقد ذكرت سبب ذلك في مناقب آل أبي طالب)(٥٧).
والظاهر أنَّ المراد من عبارته: (ولقَّبه الشيخَ المفيدَ صاحبُ الزمان) ما ورد في التوقيع: «للأخ السديد والوليِّ الرشيد الشيخ المفيد».
وأمَّا ما أحال به على المناقب، فهو غير موجود في المناقب المطبوع وفي نسخه المتوفِّرة لدينا، والنُّسَخ التي اعتمدها المحدِّث المجلسي والنوري، لأنَّ كلَّ هذه النُّسَخ ناقصة غير موجود فيها البحث عن صاحب الأمر (عليه السلام).
وشكَّك السيِّد الخوئي في هذا، بناءً على أنَّ تسميته بالمفيد كانت من قِبَل عليِّ ابن عيسى الرمّاني حيث قال له بعد مناظرةٍ: (أنت المفيد حقًّا)، وكون التوقيع صادراً في أواخر حياة الشيخ المفيد، وإنَّما لُقِّب الشيخ المفيد في عنفوان شبابه(٥٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٦) لؤلؤة البحرين (ص ٣٦٣ - ٣٦٧)؛ وراجع حياة ابن بطريق في كتاب اللؤلؤة (ص ٢٨٣)، ووفاة ابن بطريق سنة (٦٠٠هـ).
(٥٧) معالم العلماء (ص ١١٣/ رقم ٧٦٥).
(٥٨) معجم رجال الحديث (ج ١٧/ ص ٢٠٩ و٢١٠).

↑صفحة ٢٦↑

وما ذكره السيِّد الخوئي لا يقدح في سند التوقيعين ولا في متنيهما، وإنَّما هو اعتراض على ابن شهرآشوب حيث قال: (ولقَّبه الشيخَ المفيدَ صاحبُ الزمان)، إذ ليس في التوقيع ما يُوحي إلى أنَّ صاحب الزمان (عليه السلام) هو الذي لقَّب المفيد بالمفيد، فلعلَّه كان قد لُقِّب بالمفيد، والتوقيع الخارج من الناحية جرى على ما هو المتعارف عليه من لقبه.
وبناءً على صدور هذين التوقيعين من الناحية المقدَّسة، نستطيع أنْ نصل إلى الصلة العميقة بين هذا الشيخ المفيد وبين إمام زمانه الحجَّة المنتظر، لما فيهما من مدح وثناء عميقين من قِبَل الناحية المقدَّسة لهذا الشيخ الذي أوقف عمره للذبِّ عن هذه الطائفة المظلومة.
فورد في التوقيع الأوَّل من الناحية للشيخ المفيد من المدح:
«لِلْأَخِ السَّدِيدِ، وَاَلْوَلِيِّ اَلرَّشِيدِ، اَلشَّيْخِ اَلمُفِيدِ... سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ المُخْلِصُ فِي اَلدِّينِ المَخْصُوصُ فِينَا بِالْيَقِينِ... وَنُعْلِمُكَ أَدَامَ اللهُ تَوْفِيقَكَ لِنُصْرَةِ اَلْحَقِّ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَكَ عَلَى نُطْقِكَ عَنَّا بِالصِّدْقِ... هَذَا كِتَابُنَا إِلَيْكَ أَيُّهَا الْأَخُ الْوَلِيُّ وَالمُخْلِصُ فِي وُدِّنَا الصَّفِيُّ وَالنَّاصِرُ لَنَا الْوَفِيُّ حَرَسَكَ اللهُ بِعَيْنِهِ الَّتِي لَا تَنَامُ...»(٥٩).
وفي الثاني:
«سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّاصِرُ لِلْحَقِّ، الدَّاعِي إِلَيْهِ بِكَلِمَةِ اَلصِّدْقِ،... وَنَحْنُ نَعْهَدُ إِلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ المُخْلِصُ المُجَاهِدُ فِينَا الظَّالِمِينَ، أَيَّدَكَ اللهُ بِنَصْرِهِ الَّذِي أَيَّدَ بِهِ السَّلَفَ مِنْ أَوْلِيَائِنَا اَلصَّالِحِينَ... هَذَا كِتَابُنَا إِلَيْكَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ اَلمُلْهَمُ لِلْحَقِّ اَلْعَلِيِّ...»(٦٠).
وكفى بهذا عزًّا وفخراً للشيخ المفيد، وهو أهل لذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩) الاحتجاج (ج ٢/ ص ٤٩٧ و٤٩٨).
(٦٠) الاحتجاج (ج ٢/ ص ٤٩٨ و٤٩٩).

↑صفحة ٢٧↑

نحن والكتاب:
١ - نسبة الكتاب للشيخ المفيد:
نستطيع أنْ نجزم بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد، وذلك لعدَّة جهات:
١ - عند التأمُّل في بقيَّة كُتُبه بالأخصّ الكلاميَّة نشاهد أنَّ طريقتها مع هذا الكتاب متَّحدة، وبعبارة أُخرى: من طالع كُتُب الشيخ المفيد وطالع هذا الكتاب من دون أنْ يعرف أنَّه للمفيد يجزم بنسبته للمفيد، وذلك لاتِّحاد مشربه.
٢ - اتِّفاق كلِّ النُّسَخ الخطّيَّة بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد، ومن النُّسَخ ما كُتِبَ في القرن الثامن الهجري.
٣ - عدم ادِّعاء أيِّ شخص بنسبة الكتاب لغير الشيخ المفيد.
٤ - صرَّح بنسبة هذا الكتاب للشيخ المفيد كثير من الأعلام، منهم: تلميذه الشيخ النجاشي في رجاله(٦١)، وابن شهرآشوب في معالمه(٦٢)، والطهراني في الذريعة(٦٣)، والكنتوري في كشف الحُجُب(٦٤).
٥ - إحالته في هذا الكتاب على بقيَّة كُتُبه المسلَّم بأنَّها له، كالإرشاد، والإيضاح، والباهر من المعجزات.
٢ - اسم الكتاب:
اختلفت المصادر في تحديد اسم الكتاب:
ففي رجال النجاشي(٦٥): المسائل العشرة في الغيبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦١) رجال النجاشي (ص ٣٩٩/ رقم ١٠٦٧).
(٦٢) معالم العلماء (ص ١١٤/ رقم ٧٦٥).
(٦٣) الذريعة (ج ٥/ ص ١٩٥/ رقم ٨٩٩، وص ٢٢٨/ رقم ١٠، وج ١٦/ ص ٨٠/ رقم ٤٠٥، وص ٢٤١/ رقم ٩٥٧، وج ٢٠/ ص ٣٥٨).
(٦٤) كشف الحُجُب (ص ٥٠٩).
(٦٥) رجال النجاشي (ص ٣٩٩/ رقم ١٠٦٧)؛ والظاهر أنَّ الصحيح: المسائل العشر.

↑صفحة ٢٨↑

وفي معالم العلماء(٦٦): الأجوبة عن المسائل العشر.
وفي النسخة المطبوعة(٦٧): الفصول العشرة في الغيبة.
وفي كشف الحُجُب(٦٨): المسائل العشرة في الغيبة.
وفي الذريعة: الجوابات في خروج المهديِّ(٦٩)، جوابات المسائل العشر في الغيبة(٧٠)، الفصول العشرة في الغيبة(٧١)، المسائل العشرة في الغيبة(٧٢).
وفي النُّسَخ الأربع التي اعتمدنا عليها في تحقيقنا لهذا الكتاب ويأتي شرحها:
في نسخة (ع): شرح الأجوبة عن المسائل في العشرة الفصول عمَّا يتعلَّق بمهديِّ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وفي نسخة (س): كتاب الغيبة.
وكلُّ هذه الأسماء متقاربة، لأنَّ الكتاب هو جواب لعشر مسائل، والظاهر أنَّ الشيخ المفيد لم يُسمِّه باسم معيَّن، ونحن اخترنا ما ذكره النجاشي ووضعناه عنواناً للكتاب، لقرب النجاشي من الشيخ المفيد، فهو تلميذه والأعلم بكُتُب أُستاذه.
فاسم الكتاب: المسائل العشر في الغيبة.
٣ - أهمّيَّة الكتاب:
الكتاب هو عبارة عن دفع أهمّ الشُّبُهات التي كانت واردة آنذاك على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٦) معالم العلماء (ص ١١٤/ رقم ٧٦٥).
(٦٧) المطبعة الحيدريَّة/ النجف/ ١٣٧٠هـ.
(٦٨) كشف الحُجُب (ص ٥٠٩).
(٦٩) الذريعة (ج ٥/ ص ١٩٥/ رقم ٨٩٩).
(٧٠) الذريعة (ج ٥/ ص ٢٢٨/ رقم ١٠).
(٧١) الذريعة (ج ١٦/ ص ٢٤١/ رقم ٩٥٧).
(٧٢) الذريعة (ج ٢٠/ ص ٣٥٨).

↑صفحة ٢٩↑

موضوع الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وهذه الشُّبَه ردَّها الشيخ المفيد بأحلى ردٍّ وأوجزه، ففي هذه الرسالة الوجيزة حجمها ترى فيها من المعلومات ما لا تجدها في غيره.
فالشيخ المفيد عالج هذه الشُّبَه بعلاجٍ جذريٍّ وناقشها من جميع الجهات، بحيث لم يبقَ في قلب أحدٍ شكٌّ ولا شبهة.
وعند النظر في الكتاب وقياسه بذلك الزمان والمكان اللذين كان فيهما الشيخ المفيد، تتّضح أهميّة الكتاب ومدى فائدته.
فالشيخ المفيد تعرَّض في فصله الأوَّل لردِّ كون استتار ولادة المهديِّ خارجة عن العرف، وفي الثاني لردِّ من تمسَّك بإنكار جعفر عمِّ الإمام، وفي الثالث لردِّ من تمسَّك بوصيَّة الإمام العسكري لأُمِّه دون ولده، وفي الرابع لردِّ من تمسَّك بعدم الداعي لإخفاء الإمام العسكري ولده، وفي الخامس لردِّ من ادَّعى أنَّه مستتر لم يرَه أحد منذ وُلِدَ، وفي السادس لردِّ من ادَّعى نقض العادة بطول عمره (عجَّل الله فرجه)، وفي السابع لردِّ من تمسَّك بأنَّه إذا لم يظهر فلا فائدة في وجوده، وفي الثامن لردِّ من تمسَّك بأنّا في غيبة صاحبنا ساوينا السبائيَّة والكيسانيَّة و...، وفي التاسع لردِّ من ادَّعى تناقض غيبة الإمام مع إيجاب الإمامة وأنَّ فيها مصلحة للأنام، وفي العاشر لردِّ من تمسَّك بأنَّ الخلق كيف يعرفه إذا ظهر والمعجز مخصوص بالأنبياء.
فتعرَّض الشيخ المفيد لردِّ كلِّ هذه الشُّبُهات، واعتمد في ردِّه على: الآيات القرآنيَّة، والحِكَم، والقَصص الواردة عن الأنبياء والحكماء، والأمثلة التي يقبلها كلُّ ضميرٍ حيٍّ، ودراسة تاريخيَّة كاملة لذاك الزمان وملوكه، واعتمد على الأدلَّة العقليَّة، شأنه شأن الكُتُب الكلاميَّة العميقة.
فيُعَدُّ كتابه من الكُتُب الكلاميَّة ذات البحث العميق، والعبارة الدقيقة الصعبة، فالقارئ يحتاج إلى الوقوف على عباراته واحدة بعد أُخرى، والتأمُّل فيها ليصل إلى ما يقصده المؤلِّف.

↑صفحة ٣٠↑

٤ - تاريخ تأليف الكتاب:
يوجد في هذا الكتاب نصَّان نستفيد منهما تاريخ تأليف الكتاب:
أحدهما: في مقدّمة الكتاب وعند استعراضه للفصول نستفيد حين يصل لفهرست الفصل السادس، يقول: (... إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة وأربعمائة).
والآخر: في الفصل السادس، يقول: (وإلى يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة).
فمن هذين النصَّين نفهم أنَّه بدأ بالتأليف في أواخر سنة أربعمائة وعشر، وأنهى الكتاب في سنة أحد عشر وأربعمائة، وذلك لصغر حجم الكتاب.
٥ - السائل:
لم يذكر الشيخ المفيد اسم السائل، بل اكتفى بقوله: (... وتجدَّد بعد الذي سطرته... رغبةٌ ممَّن أُوجب له حقًّا، وأُعظم له محلًّا وقدراً، وأعتقد في قضاء حقِّه ووفاق مشربه لازماً وفرضاً، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها، يختصُّ القول فيها على ترتيب عيَّنه وميَّزه من جملة ما في بابه وبيَّنه...).
ويُفهَم من هذا أنَّ السائل من العلماء ومن الممدوحين، وهو غير معتقد بهذا الشُّبُهات، بل هي شُبُهات موجودة في زمانه رتَّبها وأرسلها للشيخ المفيد بعنوان السؤال، والشيخ المفيد جرى في كتابه على ترتيب هذه الفصول التي رتَّبها السائل.
ويُؤيِّد أنَّ السائل غير معتقد بهذه الشُّبُهات، بل أوردها إيراداً، ما ذكره الشيخ المفيد في آخر الفصل الثاني في ردِّ الفِرَق الضالَّة: (... حسب ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشُّبُهات في ذلك).
وفي أوَّل نسخة (ع) التي يأتي التفصيل عنها ورد اسم السائل، حيث قال كاتب النسخة: (شرح الأجوبة... وهو جواب الرئيس أبي العلاء ابن تاج المَلِك،

↑صفحة ٣١↑

إملاء الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي (رضي الله عنه وأرضاه)).
ولم أهتدِ إلى ترجمة السائل بعد البحث الطويل في كُتُب التراجم، نسأل الله أنْ نُوفَّق في المستقبل إلى معرفته.
٦ - طبعات الكتاب:
طُبِعَ الكتاب ولأوَّل مرَّة في النجف الأشرف سنة (١٣٧٠هـ/ ١٩٥١م) في المطبعة الحيدريَّة، ويليه نوادر الراوندي ومواليد الأئمَّة (عليهم السلام).
وطبعته مكتبة المفيد في قم بالتصوير على الطبعة الأُولى ضمن كتاب باسم (عدَّة رسائل للشيخ المفيد).
وطُبِعَ أيضاً سنة (١٤١٣هـ) ضمن مؤلَّفات الشيخ المفيد، طبعة المؤتمر الألفيّ للشيخ المفيد، تحقيق فارس الحسُّون.
وطُبِعَ أيضاً في بيروت سنة (١٤١٤هـ)، مؤسَّسة البلاغ.
وطُبِعَ أيضاً في بيروت، سنة (١٤١٤هـ)، ضمن مؤلَّفات الشيخ المفيد، دار المفيد.
٧ - ترجمة الكتاب:
ترجم هذا الكتاب الشيخ سعادت حسين افتخار العلماء اللكهنوي المتوفّى (١٤٠٩هـ) إلى اللغة الأُرديَّة، وطُبِعَت هذه الترجمة بالهند باسم: غيبت.
وترجمه محمّد باقر الخالصي إلى اللغة الفارسيَّة، وطُبِعَ في طهران انتشارات راه امام سنة (١٣٦١هـ ش) باسم: انتقاد وپاسخ.
٨ - عملنا في الكتاب:
واجهنا في عملنا نوعاً من الصعوبة، لأنَّ الكتاب - كما في مقدّمة نسخة (ع) - هو من قسم مؤلَّفات الشيخ المفيد التي أملاها على تلامذته، وهذا النوع

↑صفحة ٣٢↑

من مؤلَّفات الشيخ المفيد تكون نسخه مضطربة جدًّا، فبذلنا جهدنا في تقويم نصِّه، لأنَّه أصل التحقيق، ليخرج الكتاب بعونه تعالى خالٍ من الأخطاء.
فكان عملنا في الكتاب على مراحل:
١ - البحث عن أهمّ النُّسَخ الموجودة، فاعتمدنا في تحقيقنا لهذا الكتاب على خمس نسخ:
أ - نسخة (ع)، وهي النسخة المحفوظة في المكتبة العامَّة لآية الله المرعشي في قم، ضمن مجموعة رقم (٢٤٣)، الرسالة التاسعة، من ورقة (١٠٥) إلى ورقة (٢١٢)، جاء في أوَّل الرسالة: (شرح الأجوبة عن المسائل في العشرة الفصول عمَّا يتعلَّق بمهديِّ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو جواب الرئيس أبي العلاء ابن تاج المَلِك، إملاء الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي (رضي الله عنه وأرضاه)).
والنسخة ناقصة الآخر، من أواخر الفصل التاسع والفصل العاشر بأكمله.
وتاريخ كتابة النسخة غير معلوم، لكن عند ملاحظة التملُّك الموجود عليها نجزم بأنَّها كُتِبَت إمَّا آخر القرن السادس أو أوَّل القرن السابع.
راجع فهرس المكتبة المرعشيَّة (ج ١/ ص ٢٦٨).
ب - نسخة (ر)، وهي النسخة المحفوظة في المكتبة العامَّة لآية الله المرعشي في قم، ضمن مجموعة رقم (٧٨)، الرسالة التاسعة، من ورقة (١٠٤) والى ورقة (١٢٣)، وجاء في أوَّل الرسالة أنَّ هذا الكتاب جواب أسئلة أبي العلاء تاج المَلِك.
وتاريخ كتابة النسخة غير معلوم، والظاهر أنَّها كُتِبَت في القرن (١٣)، ويحتمل أنْ تكون هذه النسخة استُنسِخَت من نسخة (ع) التي مرَّت.

↑صفحة ٣٣↑

راجع فهرس المكتبة المرعشيَّة (ج ١/ ص ٩٢).
ج - نسخة (ل)، وهي النسخة المحفوظة في مكتبة المجلس في طهران ضمن مجموعة رقم (٨) من صفحة (٢١٣) إلى صفحة (٢٤٢)، الرسالة الثامنة عشر.
راجع فهرس مكتبة المجلس (ج ١/ ص ٢٧٢).
د - نسخة (س)، وهي النسخة المستنسخة والمصحَّحة المحفوظة في دفتر مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين في قم، وهي (١٠٠) صفحة.
هـ - نسخة (ط)، وهي النسخة المطبوعة في النجف (١٣٧٠هـ)، المطبعة الحيدريَّة، جاء في أوَّلها: (الفصول العشرة في الغيبة تأليف الإمام الفقيه المحقِّق محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقَّب بالشيخ المفيد المتوفّى سنة (٤١٣هـ))، وجاء في آخرها: (يقول الفقير إلى الله الغنيِّ شير محمّد بن صفر عليّ الهمداني الجورقاني: قد نسخت هذه النسخة إلى أوائل الفصل السادس من نسخة العالم الجليل الميرزا محمّد الطهراني المقيم بسامراء، وباقيها من نسخة العالم النبيل السيِّد محمّد صادق آل بحر العلوم، واتَّفق لي الفراغ بعون الله تعالى يوم الرابع عشر من شهر محرَّم الحرام من سنة (١٣٦٣) ثلاث وستِّين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة المقدَّسة بمشهد سيِّدي ومولاي أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام)).
وعدد صفحاتها (٣٨) صفحة بالحجم الرقعي، وطُبِعَ في آخرها نوادر الراوندي ومواليد الأئمَّة.
٢ - مقابلة هذه النُّسَخ وذكر الاختلافات.
٣ - تقويم النصِّ وترجيح الصحيح أو الأصحّ فيما بين النُّسَخ ووضعه في المتن، وأشرنا إلى أكثر الاختلافات في الهامش، لأجل أهمّيَّة الكتاب وقِدَمه،

↑صفحة ٣٤↑

وقِدَم النُّسَخ المعتمدة، كما هو مسلكنا في التحقيق وتمسُّكنا بعبارة: رُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه.
وفي بعض الأحيان أضفنا بعض الكلمات ووضعناها بين معقوفتين، لعدم استقامة العبارة بدونها.
٤ - تخريج الآيات القرآنيَّة والروايات والأقوال حسب ما أمكن.
٥ - وضع ترجمة مبسَّطة لكلِّ الأعلام الواردة أسماؤهم في المتن والتأكُّد من صحَّتها غير الأنبياء والأئمَّة (عليهم السلام).
٦ - التعريف بالكُتُب الواردة في المتن.
٧ - التعريف بالفِرَق الواردة في المتن.
٨ - التعريف بالبلدان الواردة في المتن.
٩ - شرح بعض الكلمات اللغويَّة الصعبة من مصادر اللغة، وبعض العبارات الصعبة التي تحتاج إلى توضيح.
١٠ - وضع فهارس متعدِّدة في آخر الكتاب، تسهيلاً للمراجع.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

١٨/ ذي الحجَّة/ ١٤١٢هـ
ذكرى عيد الغدير الأغر
فارس الحسُّون

↑صفحة ٣٥↑

m-mahdi.com
الصفحة الأُولى من النسخة (ع)

↑صفحة ٣٦↑

m-mahdi.com
الصفحة الأُولى من النسخة (ر)

↑صفحة ٣٧↑

m-mahdi.com
الصفحة الأُولى من النسخة (ل)

↑صفحة ٣٨↑

بسم الله الرحمن الرحيم(٧٣)

الحمد لله الذي ضمن النصر لمن نصره، وأيَّد بسلطان الحقِّ من عرف سبيله فأبصره، وسلب التوفيق عمَّن(٧٤) ألحد فيه وأنكره.
وإليه الرغبة في إدامة النعمة، وبه نعوذ من العذاب والنقمة.
وصلواته على سيِّدنا محمّد وآله الأئمَّة المهديَّة، وسلَّم كثيراً.
وبعد، فإني قد خلَّدت(٧٥) من الكلام في وجوب الإمامة، واختصاص مستحقِّيها(٧٦) (عليهم السلام) بالعصمة، وتمييزهم من رعاياهم بالكمال والفضل بمحاسن(٧٧) الأفعال، والأعلام الدالَّة على الصدق منهم في الدعوى إلى ما دعوا إليه من الاعتقادات والأعمال، والنصوص الثابتة عليهم من الله تعالى بجليِّ المقال.
وأوضحت عن فساد مذاهب المخالفين في ذلك والذاهبين بالجهل والضلال، بما قد ظهر في الخاصِّ من الناس والعامِّ، واشتهر بين الجمهور من الأنام.
وبيَّنت عن أسباب ظهور دعوة الناطقين منهم إلى الدِّين، وصمتِ المتَّقين عن ذلك، لضرورتهم إليه بظلم الجبَّارين، والإشفاق على مُهَجهم(٧٨) [من]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٣) (ر)، (ع)، (س): (ربِّ يسِّر).
(٧٤) (ع)، (ل): (من).
(٧٥) (ر)، (ع): (جلدت)؛ (ل): (حللت).
(٧٦) (ر)، (ع): (مستحقِّها).
(٧٧) (ر)، (ع)، (س): (محاسن).
(٧٨) (ر)، (ع)، (ل)، (ط): (إلى منهجهم).

↑صفحة ٣٩↑

المبيحين لدمائهم، المعتدين بخلافٍ قِتْلَةَ(٧٩) النبيِّين والمرسَلين فيما استحلُّوه من ذلك. بما ضمَّه الفرقان والقرآن(٨٠) المبين، فيما ثبت في غيبة خاتم الأئمَّة المهديِّين (عليهم أفضل السلام والتسليم)، واستتاره من دولة الظالمين، ما دلَّ على إيجابه إلى ذلك وضرورته إليه، مثمر العلم به واليقين.
وتجدَّد بعد الذي سطرته في هذه الأبواب، وشرحتُ معانيه على وجه السؤال فيه والجواب(٨١)، وشواهد الحقِّ فيه بحجَّة العقل والسُّنَّة والكتاب، رغبةٌ ممَّن أُوجب له حقًّا، وأُعظم له محلّاً وقدراً، وأعتقد في قضاء حقِّه(٨٢) ووفاق مشربه(٨٣) لازماً وفرضاً، في إثبات نكت من فصول خطرت بباله في مواضع ذكرها، يختصُّ القول فيها بإمامة صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه أفضل السلام)، آثر أنْ يكون القول فيها على ترتيب عيَّنه وميَّزه من جملة ما في بابه وبيَّنه.
فاستخرت الله تعالى في رسم ما ذكره من الفصول، والقول فيها بما تعمُّ معرفته ذوي العقول، ولا يحتاج معه إلى فكرٍ(٨٤) يمتدُّ زمانه ويطول، ويُستغنى به عن الرجوع إلى العُمَد(٨٥) التي أودعتها كُتُبي السالفة في ذلك ومهذَّبه(٨٦) فيها من الأُصول. وبالله أستعين.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٩) (ع)، (س): (لخلاف قتله)؛ (ل)، (ط): (لخلاف قتلهم)؛ (ر): (بخلاف قتلهم).
(٨٠) (ع)، (ل)، (ط): (الفرقان القرآن).
(٨١) (ر)، (ع): (وجه السؤال فيه والسؤال والجواب).
(٨٢) (ر)، (ل)، (س)، (ط): (فصاحته).
(٨٣) (ر)، (ع)، (س): (مسرَّته).
(٨٤) (ل): (ذكر).
(٨٥) راجع ما كتبناه في المقدّمة من مؤلَّفات المفيد مستقلًّا وضمناً عن الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
(٨٦) (س)، (ط): (ومهَّدته).

↑صفحة ٤٠↑

ذكر الفصول على ترتيبها ونظامها وشرحها ومواضع الشُّبُهات فيها

الفصل الأوَّل: القول فيما يدَّعيه الإماميَّة من وجود خلفٍ لأبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ الرضا وُلِدَ في حياته، مع خفاء ذلك على أهله، واستتاره عن بني عمِّه وأوليائهم وأعدائهم في وقته إلى هذه الغاية، لم يشرك الإماميَّة في دعوى ذلك غيرُهم من الناس.
الفصل الثاني: إنكار جعفر بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ(٨٧) - أخي الحسن بن عليٍّ - دعوى الإماميَّة ولداً له، وحوزه ميراثه، والتظاهر بتكذيب من ادَّعى لأخيه ولداً في حياته وبعد وفاته، ورفع خبر المدَّعين ذلك إلى السلطان، حتَّى بعثه(٨٨) على حبس جواريه(٨٩) واستبراء حالهم(٩٠) في الحمل، فلم يظهر لواحدة منهنَّ حملاً، وصار ذلك شبهة في إبطال دعوى ولد الحسن (عليه السلام).
الفصل الثالث: وصيَّة الحسن المشهورة إلى والدته - المسمَّاة بحديث(٩١)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٧) خرج التوقيع على عثمان العمري من الناحية المقدَّسة جواب أسئلة سألها إسحاق بن يعقوب: «... وأمَّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف (عليه السلام)» كمال الدِّين (ص ٤٨٣ و٤٨٤).
وراجع: البحار (ج ٣٧/ ص ٨، وج ٥٠/ ص ٢٢٧ - ٢٣٢/ باب ٦ أحوال جعفر).
(٨٨) (ر)، (ع): (يعنه).
(٨٩) (ر)، (ع): (جواره).
(٩٠) (ط): (حالهنَّ).
(٩١) هي أُمُّ الحسن حديث أو حديثة، وقيل: سوسن، وقيل سليل، وكانت من الصالحات المتَّقيات العارفات بهذا الأمر. الأعيان (ج ١/ ص ٤٠).

↑صفحة ٤١↑

المكنَّاة بأُمِّ الحسن - في وقوفه وصدقاته، وإمضائها(٩٢) على شروطها، ولم يذكر فيها ولداً له موجوداً(٩٣) ولا مُنتظَراً.
الفصل الرابع: ما الداعي إلى ستر ولادته، والسبب إلى خفاء أمره وغيبته؟ مع ظهور نسب آبائه وولادتهم ونشئهم(٩٤) واشتهار وجودهم، وقد كانوا في أزمانٍ التقيَّة فيها أشدّ من زمن الحسن بن عليِّ بن محمّد، وخوفهم فيها من ملوك بني أُميَّة ومن بعدهم أعظم، ولم يغب أحدٌ منهم، ولا خُفيت ولادته ووجوده عن الناس.
الفصل الخامس: خروج دعوى الإماميَّة في غيبة الإمام عن حُكم العادة في استتاره عن الخلق(٩٥) طول المدَّة التي يدَّعونها لصاحبهم، وانسداد الطُّرُق إلى الوصول إليه(٩٦)، وعدم معرفة(٩٧) مكانٍ له على حالٍ.
الفصل السادس: انتقاض العادة في دعوى طول عمره وبقائه منذ وُلِدَ على قول الإماميَّة قبل وفاة أبيه بسنين، وكانت وفاته في سنة ستِّين ومائتين إلى وقتنا هذا وهو سنة عشرة وأربعمائة.
الفصل السابع: أنَّ غيبته متى صحَّت على الوجه الذي تدَّعيه الإماميَّة بطلت الحاجة إليه، إذ كان وجود منعها كعدمه(٩٨) من العالم، ولا تظهر له دعوة، ولا تقوم له حجَّة، ولا يقيم حدًّا، ولا يُنفِّذ حكماً، ولا يُرشِد مسترشِداً، ولا يأمر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٢) (ع): (وأمضا بها).
(٩٣) (ل)، (ط): (ولداً موجوداً).
(٩٤) (ل): (وموتهم).
(٩٥) (ع)، (ل): (في استتار الخلق)؛ (ر)، (س): (في استتار الحقِّ)؛ والمثبَّت من (ط)، ونسخة بدل في (س).
(٩٦) أي: إلى صاحبهم.
(٩٧) (ل)، (ع)، (ط): (وعدم خبر معرفة).
(٩٨) (س)، (ط): (إذا كان وجوده معها كعدمه).

↑صفحة ٤٢↑

بمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يهدي ضالًّا، ولا يجاهد في الإسلام.
الفصل الثامن: بطلان دعوى الإماميَّة في الغيبة بما به اعتصموا في إنكار قول الممطورة(٩٩): إنّ موسى بن جعفر (عليهما السلام) حيٌّ موجود غائب منتظر، وبما به شنَّعوا(١٠٠) على الكيسانيَّة(١٠١) والناووسيَّة(١٠٢) والإسماعيليَّة(١٠٣) في دعواهم حياة أئمَّتهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٩) هم الواقفة الذين وقفوا على موسى بن جعفر (عليه السلام)، وهم فِرَقٌ كثيرة: فمنهم من قال بأنَّه حيٌّ لم يمت ولا يموت حتَّى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلَّها عدلاً كما مُلِئَت جوراً، وإنَّه القائم. ومنهم من قال: إنَّه القائم وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتَّى يرجع، وزعموا أنَّه قد رجع بعد موته إلَّا أنَّه مختفٍ في موضع من المواضع. ومنهم من قال: إنَّه القائم وقد مات ويرجع وقت قيامه. وأنكر بعضهم قتله وقال: مات ورفعه الله إليه وإنَّه يردُّه عند قيامه. وإنَّما لُقِّبوا بالممطورة لأنَّ عليَّ بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظرا بعض الواقفيَّة، فقال عليُّ ابن إسماعيل - وقد اشتدَّ الكلام بينهم -: ما أنتم إلَّا كلاب ممطورة، أراد: أنتن من الجيف، لأنَّ الكلب إذا أصابه المطر فهو أنتن من الجيف. فِرَق الشيعة (ص ٩٠ - ٩٢).
(١٠٠) (ل)، (س)، (ط): (شكُّوا).
(١٠١) هم الذين يعتقدون بإمامة محمّد بن الحنفيَّة، وهم فِرَق متعدِّدة: فمنهم من قال بإمامة محمّد بن الحنفية بعد أمير المؤمنين (عليه السلام). ومنهم من قال بإمامته بعد الحسن والحسين (عليهما السلام). ومنهم من قال بأنَّه هو الإمام المهديُّ، سمَّاه به أبوه (عليه السلام) لم يمت ولا يموت، وليس لأحد أنْ يخالفه، وإنَّما خرج الحسن والحسين بإذنه. وإنَّما سمُّوا بالكيسانيَّة لأنَّ محمّد بن الحنفية استعمل المختار على العراقَين، وأمر بالطلب بدم الحسين وثأره وقتل قاتليه، وسمَّاه كيسان لكيسه. فِرَق الشيعة (ص ٤١- ٤٥). أقول: عند التأمُّل في كُتُب التاريخ والتراجم نجزم بأنَّ محمّد بن الحنفيَّة لم يُؤسِّس هذه الفرقة، ولا له بهم صلة، وإنَّما هم نسبوا أنفسهم إليه، وأنَّه كان يعلم بإمامة ابن أخيه السجّاد، ولم يدَّعِ الإمامة لنفسه قطُّ.
(١٠٢) هم فرقة قالوا: إنَّ جعفر بن محمّد حيٌّ لم يمت ولا يموت حتَّى يظهر ويلي أمر الناس، وإنَّه هو المهديُّ، وزعموا أنَّهم رووا عنه أنَّه قال: «إنْ رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تُصدِّقوه، فإنّي أنا صاحبكم». وإنَّما سُمِّيت بالناووسيَّة لأنَّ رئيساً لهم من أهل البصرة كان يقال له: فلان ابن فلان الناووس، وقيل: اسمه عجلان بن ناووس، وقيل: اسمه ناووس، وقيل نُسِبُوا إلى قرية ناوسا. فِرَق الشيعة (ص ٧٨).
(١٠٣) فرقة قالوا: إنَّ الإمام بعد جعفر بن محمّد ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأنَّه خاف عليه فغيَّبه عنهم، وزعموا أنَّ إسماعيل لا يموت حتَّى يملك الأرض ويقوم بأمر الناس، وإنَّه هو القائم، وهذه الفرقة هي الإسماعيليَّة الخالصة. فِرَق الشيعة (ص ٨٠).
أقول: منشأ اشتباه هذه الفرقة هو أنَّ إسماعيل كان أكبر ولد أبيه الصادق، وكان رجلاً صالحاً، وكان أبوه شديد المحبَّة له والبرِّ به، وكان يظنُّ قوم من الشيعة في حياة أبيه أنَّه القائم بعده. ولمَّا مات إسماعيل في حياة أبيه بالعريض وحُمِلَ على رقاب الرجال إلى المدينة، أمر الإمام بوضع السرير على الأرض قبل دفنه مراراً، وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه، يريد بذلك تحقيق أمر وفاته على الظانِّين خلافته له من بعده وإزالة الشُّبهة عنه.
ومع كلِّ هذه الإجراءات منه، نرى تمسُّك فرقة بإمامة إسماعيل بعد أبيه.

↑صفحة ٤٣↑

محمّد بن الحنفيَّة(١٠٤)، وجعفر بن محمّد، وإسماعيل بن جعفر(١٠٥)، وتناقض(١٠٦) مقالهم في ذلك.
الفصل التاسع: اعتراف الإماميَّة بأنَّ الله تعالى أباح للإمام(١٠٧) الاستتار عن الخلق، وسوَّغ له الغيبة عنهم بحيث لا يلقاه أحدٌ منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفاً له في ذلك ولهم، وإقرارهم بأنَّ الله سبحانه لا يُبيح إلَّا ما هو صلاح، ولا يُسوِّغ إلَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٤) هو أبو القاسم محمّد الأكبر بن عليِّ بن أبي الطالب، والحنفيَّة لقب أُمِّه خولة بنت جعفر، كان كثير العلم والورع، شديد القوَّة، وحديث منازعته في الإمامة مع عليِّ بن الحسين (عليه السلام) وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر له مشهور، بل في بعضها وقوعه على قدمَي السجّاد بعد شهادة الحجر، ولم ينازعه بعد ذلك بوجه، توفّي سنة (٨٠هـ) وقيل (٨١هـ). الطبقات الكبرى (ج ٥/ ص ٩١)؛ وفيات الأعيان (ج ٤/ ص ١٦٩)؛ تنقيح المقال (ج ٣/ ص ١١٥).
(١٠٥) إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب الهاشمي المدني، رجل صالح، مات في حياة أبيه بالعريض، وحُمِلَ على رقاب الرجال إلى المدينة حتَّى دُفِنَ بالبقيع، وحزن عليه الصادق حزناً عظيماً، وتقدَّم سريره بغير حذاء ولا رداء. تنقيح المقال (ج ١/ ص ١٣١ و١٣٢)، وفيه بحث كامل حول ما تصوَّره البعض من ورود الذمِّ لإسماعيل.
(١٠٦) (ع): (ويناقض).
(١٠٧) (ع)، (ل): (الإمام).

↑صفحة ٤٤↑

ما هو في التدبير صواب، ولا يفعل بعباده إلَّا ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة(١٠٨) والتكليف باقياً، وهذا ينقض قولهم في مشاهدته وأخذ معالم الدِّين فيه(١٠٩) مصلحة تامَّة، وأنَّ بظهوره تمام المصالح والنظام والتدبير(١١٠).
الفصل العاشر: اضطرار الإماميَّة عند قولهم بالغيبة في إثبات الأعلام بالمعجزات لإمامهم عند ظهوره، إذ كان لا يعرفه متى ظهر أحدٌ بشخصه، وإنَّما يصل إلى معرفته الدالُّ على صدقه بصحَّة(١١١) نسبه وثبوت إمامته ووجوب طاعته، وهذا إخراج الآيات(١١٢) عن دلائلها، وإيجاب لظهورها على غير من اختصَّت به(١١٣) من الأنبياء والرُّسُل (عليهم السلام)، وفي ذلك إفساد أدلَّة النبوَّة وأعلام الرسالة، وذلك باطل باتِّفاق أهل الملل كلِّها.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٨) (ر): (المحبَّة).
(١٠٩) (ط): (عنه).
(١١٠) (ع)، (ل)، (ر): (والنظام التدبير).
(١١١) (ر): (لصحَّة).
(١١٢) (ع): (للآيات).
(١١٣) (ط): (وإلحاد، لظهورها على غير من اختصَّت به).

↑صفحة ٤٥↑

الفصل الأوَّل: [استتار الولادة]

↑صفحة ٤٧↑

وأقول: إنَّ استتار ولادة المهدي بن الحسن بن عليٍّ (عليهم السلام) عن جمهور أهله وغيرهم، وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف، ولا مخالفاً لحكم العادات، بل العلم محيطٌ بتمام مثله في أولاد الملوك والسَّوقة(١١٤)، لأسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء.
فمنها: أنْ يكون للإنسان(١١٥) ولد من جارية قد أستر(١١٦) تملُّكها من زوجته وأهله، فتحمل منه، فيُخفي ذلك عن كلِّ من يُشفِق(١١٧) منه أنْ يذكره، ويستره عمَّن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلَّا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ويتمُّ الفساد به ضرر(١١٨) عليه يضعف عن دفاعه عنه، وينشأ الولد وليس أحدٌ من أهل الرجل وبني عمِّه وإخوانه وأصدقائه يعرفه، ويمرُّ(١١٩) على ذلك إلى أنْ يزول خوفه من الإخبار عنه، فيُعرِّف به إذ ذاك، وربَّما تمَّ ذلك إلى أنْ تحضره وفاته، فيُعرِّف به عند حضورها، تحرُّجاً من تضييع(١٢٠) نسبه، وإيثاراً لوصوله إلى مستحقِّه من ميراثه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٤) هم بمنزلة الرعيَّة التي تسوسها الملوك، سمُّوا بذلك لأنَّ الملوك يسوقونهم فينساقون لهم.
لسان العرب (ج ١٠/ ص ١٧٠/ مادَّة سوق).
(١١٥) (ر)، (ل): (الإنسان).
(١١٦) (ر)، (س)، (ط): (استتر).
(١١٧) (ل): (شفق).
(١١٨) (ط): (ويتمُّ الفساد به ويترتَّب ضرر).
(١١٩) (ل)، (ط): (يمرُّ)، بدون واو.
(١٢٠) (س)، (ط): (تضيُّع).

↑صفحة ٤٩↑

وقد يُولَد للمَلِك ولدٌ [فل] يُؤذَن به حتَّى ينشأ ويترعرع، فإنْ رآه على الصورة التي تُعجِبه...(١٢١)، وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم(١٢٢) والهند(١٢٣) في الدولتين معاً(١٢٤)، فسطروا(١٢٥) أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصَّة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس مَلِك الفرس(١٢٦)، الذي جمع مُلك بابل(١٢٧) والمشرق، وما كان من ستر أُمِّه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو(١٢٨)، وأُمُّه(١٢٩) هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢١) كذا في جميع النُّسَخ، ويصلح أنْ يكون مكانه عبارة: (فيُؤذَن به ويعلن عنه، وإلَّا فلا).
(١٢٢) جيل معروف في بلادٍ واسعة، واختلف في أصل نسبهم، فقيل: إنَّهم من ولد روم بن سماحيق... ابن إبراهيم (عليه السلام). وحدود الروم من الشمال والشرق: الترك والخزر ورسّ وهم الروس، ومن الجنوب: الشام والإسكندريَّة، ومن المغرب: البحر والأندلس. وكانت الرقَّة والشامات كلُّها تُعَدُّ في حدود الروم أيّام الأكاسرة.
معجم البلدان (ج ٣/ ص ٩٧ و٩٨).
(١٢٣) دولة في جنوب آسيا، يحدُّها من المغرب باكستان الغربيَّة، ومن الشمال الصين ونيبال، ومن الشرق بورما وباكستان الشرقيَّة، عاصمتها نيودلهي.
المنجد (ص ٧٣١).
(١٢٤) كذا في النُّسَخ.
(١٢٥) (ر)، (س): (فينظروا).
(١٢٦) هذه الأسماء وردت مضطربة في النُّسَخ: وما أثبتناه من (س) والمصدر.
ففي (ع): (كيخسرو بن سواخس وكنفار بن مَلِك الفرس).
وفي (ل)، (ر): (كسيخرو بن سواخس وكنفان بن مَلِك الفرس).
وفي (ط): (كيخسرو أو ابن سياوخش وكيقاوس مَلِك الفرس).
وفي المصادرالفارسيَّة: (كيخسرو بن سياوش بن كيكاوس).
(١٢٧) ناحية من الكوفة والحلَّة، وكان ينزلها الكلدانيُّون، ويقال: أوَّل من سكنها نوح (عليه السلام) بعد الطوفان.
معجم البلدان (ج ١/ ص ٣٠٩).
(١٢٨) (س)، (ط): (للكيخسرو).
(١٢٩) في النُّسَخ: (أو أُمُّه)، والظاهر ما أثبتناه، لتعارف كثير من المستنسخين على أنْ يضعوا ألفاً بعد الواو دائماً.

↑صفحة ٥٠↑

المسمَّاة بوسفا فريد(١٣٠) بنت فراسياب(١٣١) مَلِك الترك، فخفي أمره مع الجِدِّ(١٣٢) كان من كيقاوس - جدُّه المَلِك الأعظم(١٣٣) - في البحث عن أمره والطلب له، فلم يظفر بذلك حيناً طويلاً.
والخبر بأمره مشهور، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس(١٣٤)، وأثبته محمّد بن جرير الطبري(١٣٥) في كتابه التاريخ(١٣٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٠) (ر)، (ع)، (ل): (يوسفارند)؛ (س): (يوسفافريد)؛ والمثبَّت من (ط) والمصدر. وفي المصادر الفارسيَّة: (فرنگيس أو فرنگيز).

(١٣١) (س)، (ط): (أفراسياب). وكذا في المصادر الفارسيَّة.
(١٣٢) أي: الاجتهاد. ويحتمل أنْ تكون العبارة هكذا: (مع الجدِّ وما كان من...).
(١٣٣) (ع): (له أعظم).
(١٣٤) ذكر الخبر ومصادره على أكبر دهخدا في كتابه لغت نامه (ج ٢٢/ ص ٥٣٥/ حرف الخاء، وج ٢٩/ ص ٧٤٤/ حرف السين، وج ٣٥/ ص ٢٠٠/ حرف الفاء، وج ٣٨/ ص ٤٥٧/ حرف الكاف).
(١٣٥) أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، المؤرِّخ، عامّي، وُلِدَ بآمل طبرستان سنة (٢٢٤هـ) وتُوفّي سنة (٣١٠هـ) ببغداد، له مؤلَّفات كثيرة منها: التفسير الكبير، وكتاب طُرُق حديث الغدير الذي قال الذهبي: (إنّي وقفت عليه فاندهشت لكثرة طُرُقه). وأمَّا كتابه التاريخ (تاريخ الأُمَم والملوك) فهو من أحسن كُتُب التاريخ، جمع فيه أنواع الأخبار، وروى فنون الآثار، واشتمل على صنوف العلم.
النجاشي (ص ٣٢٢/ رقم ٨٧٩)؛ الكنى والألقاب (ج ١/ ص ٢٣٦ و٢٣٧).
(١٣٦) تاريخ الأُمَم والملوك (تاريخ الطبري) (ج ١/ ص ٥٠٤ - ٥٠٩).
وملخَّص القصَّة: أنَّه وُلِدَ لكيقاوس ابن، لم يُرَ مثله في عصره في جماله وكماله وتمام خلقه، فسمَّاه أبوه سياوخش... وربّاه أحسن تربية إلى أنْ كبر، وكان كيقاوس تزوَّج ابنة فراسياب مَلِك الترك، وكانت ساحرة، فهويت ابن زوجها سياوخش ودعته إلى نفسها، وأنَّه امتنع عليها، فلمَّا رأت امتناعه عليها حاولت إفساده على أبيه، فتغيَّر كيقاوس على ابنه، وتوجَّه سياوخش لحرب فراسياب - لسبب منع فراسياب بعض ما كان ضمن لكيقاوس عند إنكاحه ابنته إيّاه - مريداً بذلك البُعد عن والده والتنحّي عمَّا تكيده به زوجة والده، فلمَّا صار سياوخش إلى فراسياب جرى بينهما صلح، وكتب بذلك سياوخش إلى أبيه يُعلِمه ما جرى بينه وبين فراسياب من الصلح، فكتب إليه والده بمناهضة فراسياب ومناجزته الحرب، فرأى سياوخش أنَّ في فعله ما كتب به إليه أبوه عاراً عليه، فامتنع من إنفاذ أمر أبيه وأرسل فراسياب في أخذ الأمان لنفسه منه، فأجابه فراسياب، فلمَّا صار سياوخش إلى فراسياب بوَّأه وأكرمه وزوَّجه ابنة له يقال لها: وسفافريد، ثمّ لم يزل له مكرِّماً حتَّى ظهر له أدب سياوخش وعقله وكماله ما أشفق على مُلكه منه، وسعى على سياوخش إلى فراسياب ابنين لفراسياب وأخ، حتَّى قتل فراسياب سياوخش ومثَّل به، وامرأته - ابنة فراسياب - حامل منه، فطلبوا الحيلة لإسقاطها ما في بطنها فلم يسقط، فوضعوها تحت رقابة فيران إلى أنْ تضع ليقتل الطفل، فلمَّا وضعت [ابنة] فراسياب حملها كيخسرو، رقَّ فيران لها وللمولود، فترك قتله وستر أمره حتَّى بلغ المولود فوجَّه كيقاوس إلى بلاد الترك بيَّ ليبحث عن المولود ليأتي به إليه مع أُمِّه، وأنَّ بيَّ لم يزل يفحص عن أمر ذلك المولود متنكِّراً حيناً من الزمان فلا يعرف له خبراً ولا يدلُّه عليه أحد، ثمّ وقف بعد ذلك على خبره، فاحتال فيه وفي أُمِّه حتَّى أخرجهما من أرض الترك إلى كيقاوس...
إلى آخر القصَّة، وهي طويلة جدًّا اقتصرنا على محلِّ الشاهد منها، من أرادها فليراجعها. وللتفصيل راجع: مروج الذهب (ج ١/ ص ٢٥٠).

↑صفحة ٥١↑

وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن عليِّ (عليهما السلام)، واستتار(١٣٧) شخصه، ووجوده وولادته، بل ذلك أعجب.
ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم(١٣٨) في حقِّه، وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستوراً حتَّى يتمكَّن من إظهاره على أمان منه عليه ممَّن سمَّيناه.
ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يُؤثِر مناكحة صاحب الولد من الناس، فيتمُّ له(١٣٩) في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره، والتظاهر بأنَّه لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٧) (ر): (واستتاره).
(١٣٨) (ع)، (ر): (سعيهم).
(١٣٩) أي: العقد.

↑صفحة ٥٢↑

يتعرَّض بنكاح من قبل ولا له ولدٌ من حرَّة ولا أَمَة، وقد شاهدنا من فعل ذلك، والخبر عن النساء به(١٤٠) أظهر منه عن الرجال(١٤١).
واشتهر من الملوك من ستر ولدٍ وإخفاء شخصه(١٤٢) من رعيَّته لضربٍ من التدبير، في إقامة خليفة له، وامتحان جنده بذلك في طاعته، إذ كانوا يرون أنَّه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب(١٤٣) مع وجود ولده، ثمّ يُظهِر بعد ذلك أمر الولد عند التمكُّن من إظهاره برضى القوم، وصرف الأمر عن الولد إلى غيره، أو لعزل مستخلفٍ عن المقام، على وجه ينتظم للمَلِك أُمور لم يكن يتمكَّن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه.
وغير ذلك ممَّا يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم، واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض له معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.
وكم وجدنا من نسيب(١٤٤) ثبت بعد موت أبيه بدهرٍ طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتَّى شهد له بذلك رجلان مسلمان، وذلك لداعٍ دعا الأب إلى ستر ولادته عن كلِّ أحد من قريب وبعيد، إلَّا من شهد به من بعد عليه بإقراره به على الستر(١٤٥) لذلك والوصيَّة بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٠) لفظ: (به)، لم يرد في (ل).
(١٤١) (ل)، (س)، (ط): (أظهر من الرجال).
(١٤٢) (س)، (ط): (مَنْ ستر ولده وأخفى شخصه).
(١٤٣) (ل)، (س)، (ط): (بنسب).
(١٤٤) (س)، (ط): (نسب).
(١٤٥) (ع): (السرّ).

↑صفحة ٥٣↑

فصل: [في خفاء ولادة بعض الأنبياء (عليهم السلام)]

وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي(١٤٦) إبراهيم الخليل (عليه السلام) وأُمِّه لذلك، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن(١٤٧) مَلِك زمانه لخوفهم عليه منه(١٤٨).
وبستر(١٤٩) ولادة موسى بن عمران (عليه السلام)، وبمجيء القرآن بشرح(١٥٠) ذلك على البيان، والخبر بأنَّ أُمَّه ألقته في اليمِّ على ثقةٍ منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله (جلَّ وعلا)(١٥١) لمصالح العباد(١٥٢).
فما الذي يُنكِر خصوم الإماميَّة من قولهم في ستر الحسن (عليه السلام) ولادة ابنه المهديِّ عن أهله وبني عمِّه وغيرهم من الناس؟ وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عدَّدناه وسمَّيناه، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إنْ شاء الله.
والخبر بصحَّة ولد الحسن (عليه السلام) قد ثبت بأوكد ما تثبت(١٥٣) به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة، ومثلها من النساء اللَّاتي جرت عادتهنَّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهم(١٥٤) عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون مَنْ سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٦) لفظ: (أبي)، لم يرد في (ل).
(١٤٧) (س)، (ط): (من).
(١٤٨) تاريخ الطبري (ج ١/ ص ٢٣٤)؛ كمال الدِّين (ج ١/ ص ١٣٨/ رقم ١)؛ قَصص الأنبياء (ص ١٠٣).
(١٤٩) (س)، (ط): (وستر).
(١٥٠) (ل): (ومجيء القرآن يشرح).
(١٥١) (ل)، (ط): (عزَّ وجلَّ).
(١٥٢) راجع: القَصص: ٧ - ١٣، وطه: ٣٨ - ٤٠.
وللتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ١/ ص ١٤٧/ رقم ١٣)؛ قَصص الأنبياء (ص ١٤٨ - ١٥٠).
(١٥٣) (ع): (ما ثبتت).
(١٥٤) (س)، (ط): (معونتهنَّ).

↑صفحة ٥٤↑

وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل، والورع والزهد، والعبادة والفقه، عن الحسن بن عليٍّ(١٥٥) (عليهما السلام) أنَّه اعترف بولده المهدي (عليه السلام)، وآذنهم بوجوده، ونصَّ لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشابًّا كاملاً، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمَّة من أصحابه.
وقد ذكرتُ أسماء جماعة ممَّن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وخاصَّته المعروفين بخدمته والتحقيق به، وأثبتُّ ما رووه عنه في وجود ولده ومشاهدتهم من بعده، وسماعهم(١٥٦) النصَّ بالإمامة عليه.
وذلك موجود في مواضع من كُتُبي، وخاصَّة في كتابَي المعروف أحدهما بـ (الإرشاد في معرفة حُجَج(١٥٧) الله على العباد)(١٥٨)، والثاني بـ (الإيضاح(١٥٩) في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٥) (ر)، (س)، (ع): (عن الحسن بن محمّد بن عليٍّ)، وهو سهوٌ.
(١٥٦) (ل)، (ع)، (ر): (ومشاهدتهم من بعد لمن سماتهم)، والظاهر أنَّ لفظة (لمروياتهم) هي المقصودة من (لمن سماتهم)، والمثبَّت من (س)، (ط).
(١٥٧) لفظ: (حُجَج)، أثبتناه من (س)، ولم يرد في بقيَّة النُّسَخ.
(١٥٨) الإرشاد (ص ٣٥٠/ باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر).
وكتاب الإرشاد في معرفة حُجَج الله على العباد، فيه تواريخ الأئمَّة الطاهرين الاثني عشر (عليهم السلام)، والنصوص عليهم، ومعجزاتهم، وطرف من أخبارهم من ولادتهم ووفياتهم ومدَّة أعمارهم وعدَّة من خواصِّ أصحابهم وغير ذلك.
طُبِعَ في إيران مكرَّراً، وطُبِعَت ترجمته الفارسيَّة الموسومة ب (تحفه ى سليمانيه).
نسخة منه في المكتبة العامَّة لآية الله المرعشي رقم (١١٤٤) كُتِبَ سنة (٥٦٥هـ)، وأُخرى في المجلس النيابي كُتِبَت سنة (٥٧٥) رقم (١٤٣٠٢)، وأُخرى في مكتبة آية الله الكلبايكاني من القرن السابع والثامن.
النجاشي (ص ٣٩٩)؛ الذريعة (ج ١/ ص ٥٠٩ و٥١٠/ رقم ٢٥٠٦)، ومعلومات أُخرى متفرِّقة.
(١٥٩) (ع)، (ل)، (ط): (الإيضاح).

↑صفحة ٥٥↑

الإمامة والغيبة)(١٦٠).
ووجود ذلك فيما ذكرت يُغني عن تكلُّف(١٦١) إثباته في هذا الكتاب.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٠) بدأ فيه بردِّ شُبُهات العامَّة وأدلَّتهم على إثبات الخلافة، ثمّ ذكر أدلَّة إمامة المعصومين (عليهم السلام)، له نسخة في مكتبة السيِّد راجه محمّد مهدي في ضلع فيض آباد الهند.
وما ربَّما يُتوهَّم من كونه متَّحداً مع الإفصاح فهو بعيد جدًّا، لأنَّ ما أحال عليه في هذا الكتاب في عدَّة موارد غير موجود في الإفصاح، وصرَّح النجاشي بتعدُّدهما.
راجع: النجاشي (ص ٣٩٩)؛ الذريعة (ج ٢/ ص ٤٩٠/ رقم ١٩٢٥).
(١٦١) (س)، (ط): (تكليف).

↑صفحة ٥٦↑

الفصل الثاني: [إنكار جعفر بن عليٍّ ولادة الإمام المهديِّ (عجَّل الله فرجه)]

↑صفحة ٥٧↑

وأمَّا المتعلِّق بإنكار جعفر بن عليٍّ شهادة الإماميَّة(١٦٢) بولدٍ لأخيه الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وُلِدَ في حياته بعده، والحوز لتركته بدعوى استحقاقها بميراثه مثلاً دون ولدٍ له، وما كان منه من حمل أمير الوقت على حبس جواري الحسن (عليه السلام)، واستبذالهنَّ(١٦٣) بالاستبراء لهنَّ من الحمل ليتأكَّد(١٦٤) بقيَّة(١٦٥) لولد أخيه، وإباحته دماء شيعة الحسن بدعواهم خلفاً من بعده كان أحقّ بمقامه من بعده من غيره وأولى بميراثه ممَّن حواه.
فليس بشبهةٍ(١٦٦) يعتمدها عاقلٌ في ذلك، فضلاً عن حجَّةٍ، لاتِّفاق الأُمَّة على أنَّ جعفراً لم تكن له عصمة الأنبياء، فيمتنع عليه لذلك إنكار حقٍّ ودعوى باطلٍ، بل كان من جملة الرعيَّة التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو، ويقع منها الغلط، ولا يُؤمَن منها تعمُّد الباطل، ويُتوقَّع منها الضلال.
وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن (عليه وعلى ولده الأنبياء وآبائه المنتجبين الأصفياء وكافَّة المرسَلين الصلاة الدائمة والتحيَّة والسلام) في ظلم أخيهم يوسف (عليه السلام)، وإلقائهم له في غيابة الجُبِّ، وتغريرهم(١٦٧) بدمه بذلك، وبيعهم إيَّاه بالثمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٢) (ل)، (ع): (الإمامة)، وهو خطأ.
(١٦٣) الاستبذال: ترك الاحتشام والتصرُّف.
وفي (ر)، (ل)، (ع): (واستبدالهنَّ).
(١٦٤) (ر): (لتأكَّد).
(١٦٥) (ل)، (س)، (ط): (نفيه).
(١٦٦) (س)، (ط): (لشبهةٍ).
(١٦٧) (ط): (وتقريرهم).

↑صفحة ٥٩↑

البخس، ونقضهم(١٦٨) عهده في حراسته، وتعمُّدهم معصيته في ذلك وعقوقه(١٦٩)، وإدخال الهمَّ عليه بما صنعوه بأحبّ ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغمِّ بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنَّه أكله بما جاؤوا به على قميصه من الدم، ويمينهم بالله العظيم على براءتهم ممَّا اقترفوه في ظلمه من الإثم، وهم لما أنكروه متحقِّقون، وببطلان ما ادَّعوه في أمر يوسف (عليه السلام) عارفون(١٧٠).
هذا وهم أسباط النبيِّين، وأقرب الخلق نسباً بنبيِّ الله وخليله إبراهيم.
فما الذي يُنكَر(١٧١) ممَّن هو دونهم في الدنيا والدِّين أنِ اعتمدَ باطلاً يُعلَم خطؤه فيه على اليقين، ويَدفع حقًّا قد قامت عليه الحُجَج الواضحة والبراهين؟

فصل: [تسفيه من استدلَّ بقول جعفر على عدم ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه)]

وما أرى المتعلِّق(١٧٢) في إنكار(١٧٣) وجود ولد الحسن بن عليِّ بن محمد (عليهم السلام)، وقد قامت بيِّنة العقل والسمع به، ودلَّ الاعتبار الصحيح على صواب معتقده، بدفع عمِّه(١٧٤) لذلك مع دواعيه الظاهرة كانت إليه، بحوز(١٧٥) تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجُّل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملُّكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحوزها، ودعوى مقامه الذي جلَّ قدره عند الكافَّة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٨) (ع)، (ل): (وبغضهم)؛ (ر): (وبعضهم).
والضمير في (عهده) يعود على والدهم، وكذا الضمائر الآتية تعود على يعقوب والدهم.
(١٦٩) (س)، (ط): (وحقوقه).
(١٧٠) انظر: سورة يوسف ١٤: الآيات ٨ - ٢٠.
(١٧١) (ل): (نكر)؛ (ط): (أنكر).
(١٧٢) (ط): (التعلُّق).
(١٧٣) (ل)، (ط): (إنكاره).
(١٧٤) (س)، (ط): (همّه).
(١٧٥) (س): (يجوز).

↑صفحة ٦٠↑

باستحقاقه له دون من عداه من الناس، وبخعت(١٧٦) الشيعة كلُّها بالطاعة له بما انطوت عليه(١٧٧) من اعتقادها ولوجوبه له دونَ من سواه، وطمعه بذلك في مثل ما كان يصل إليه من خُمُس الغنائم التي كانت تحملها شيعته إلى وكلائه في حياته، واستمرارها(١٧٨) على ذلك بعد وفاته، وزكوات الأموال، لتصل إلى مستحقِّها من فقراء أصحابه، إلَّا كتعلُّق أهل الغفلة من الكُفَّار في إبطال عمِّه(١٧٩) أبي لهب(١٨٠) صدق دعوته، وجحد الحقِّ في نبوَّته، والكفر بما جاء به، ودفع رسالته، ومشاركة أكثر ذوي نسبه من بني هاشم وبني أُميَّة لعمِّه في ذلك، واجتماعهم على عداوته(١٨١)، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتَّبعيه على ملَّته.
هذا مع ظهور حجَّته، ووضوح برهانه في نبوَّته، وضيق الطريق في معرفة ولادة الحجَّة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن علم حقيقته.
ومَنْ صار في إنكار شيء أو إثباته أو صحَّته وفساده(١٨٢) إلى مثل التعلُّق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٦) أي: أقرَّت به وأذعنت. ولعلَّ الصحيح: وبخوع الشيعة.
(١٧٧) لم يرد في (ر)، (ل)، (ط).
(١٧٨) (س)، (ط): (واستمراره).
(١٧٩) أي: النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(١٨٠) عبد العزَّى بن عبد المطَّلب بن هاشم، من قريش، عمُّ النبيِّ، وأحد الشجعان في الجاهليَّة، ومن أشدّ الناس عداوةً للمسلمين في الإسلام، كان غنيًّا عتيًّا، كبر عليه أنْ يتَّبع ديناً جاء به ابن أخيه، فآذاه وآذى أنصاره وحرَّض عليهم وقاتلهم، وفيه الآية: ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [المسد: ١ و٢]، مات بعد وقعة بدر بأيّام.
راجع: الأعلام (ج ٤/ ص ١٢)، وراجع المصادر التي ذكرها.
(١٨١) (ر)، (ع): (عدوانه).
(١٨٢) (ط): (أو فساده).

↑صفحة ٦١↑

بجعفر بن عليٍّ في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان(١٨٣) من أبي جهل(١٨٤) وشركائه من أقارب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه والعارفين بأكثر سرِّ أمره(١٨٥) وجهره وأحواله في دفع نبوَّته وإنكار صدقه في دعوته، سقط كلامه عند العلماء، ولم يعدّ في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي الجهل والسفهاء.

فصل: [السبب في عدم التعرُّض لجعفر]

وبعد، فإنَّ الشيعة وغيرهم ممَّن عُني بأخبار الناس، والجواد من الآراء وأسبابها، والأغراض كانت له فيها، قد ذكروا أخباراً عن أحوال جعفر بن عليٍّ في حياة أخيه أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، وأسباب إنكاره خَلَفاً له من بعده، وجحد ولدٍ كان له في حياته، وحمل السلطان على ما سار به في(١٨٦) مخلِّفيه وشيعته(١٨٧)، لو أوردتها على وجهها لتصوَّر(١٨٨) الأمر في ذلك على حقيقته، ولم يخفَ على متأمِّل بحاله، وعرفه على خطيئته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٣) (ع)، (ل)، (ر): (ما كان)، والمثبَّت من (س)، (ط).
(١٨٤) (ل)، (ع)، (ر)، (س): (وما كان ابن أبي جهل)؛ والمثبَّت من (ط).
وأبو جهل هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، كان من أشدّ الناس عداوةً للنبيِّ، قُتِلَ يوم بدرٍ كافراً، وأخباره مع النبيِّ وكثرة أذاه إيَّاه مشهورة.
الكنى والألقاب (ج ١/ ص ٣٨)؛ الأعلام (ج ٥/ ص ٨٧) وراجع المصادر التي ذكرها.
(١٨٥) (ط): (سراره).
(١٨٦) (ل): (شاركه في)؛ (س)، (ط): (وشى به في).
(١٨٧) راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٣٨٣ - ٣٨٤)؛ البحار (ج ٣٧/ ص ٨، وج ٥٠/ ص ٢٢٧ - ٢٣٢/ باب ٦ أحوال جعفر).
(١٨٨) (س): (لنُصوِّر).

↑صفحة ٦٢↑

لكنَّه يمنعني عن ذلك(١٨٩) موانع ظاهرة:
أحدها: كثرة مَنْ يعترف(١٩٠) بالحقِّ من ولد جعفر بن عليٍّ في وقتنا هذا، ويُظهر التديُّن بوجود ولد الحسن بن عليٍّ في حياته، ومقامه بعد وفاته في الأمر مقامه، ويكره(١٩١) إضافة خلافه لمعتقده فيه إلى جدِّه(١٩٢)، بل لا أعلم أحداً من ولد جعفر بن عليٍّ في وقتنا هذا يُظهِر خلاف الإماميَّة في وجود ابن الحسن (عليهما السلام) والتديُّن بحياته والانتظار لقيامه.
والعِشرة الجميلة لهؤلاء السادة (أيَّدهم الله) بترك إثبات ما سبق به مَنْ سمَّيت في الأخبار التي خلَّدوها(١٩٣) فيما وصفتُ أولى، مع غناي عن ذلك بما أثبتُّ من موجز(١٩٤) القول في بطلان الشُّبَهة، لتعلُّق ضعفاء المعتزلة(١٩٥)، والحشويَّة(١٩٦)، والزيديَّة(١٩٧)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٩) (س)، (ط): (من ذلك).
(١٩٠) (ل)، (ر): (يعرف).
(١٩١) (ر)، (س): (ونكره)؛ (ل): (وذكره).
(١٩٢) أي ويكره إضافة خلاف الحقِّ الذي يعتقد به إلى جدِّه، وذلك لما ورد في بعض الأخبار من توبة جعفر.
(١٩٣) (ر)، (ل): (جلدوها).
(١٩٤) (ل): (مؤخَّر القول).
(١٩٥) أوَّل من سُمّي بهذا اللقب جماعة بايعوا عليًّا (عليه السلام) بعد قتل عثمان واعتزلوا عنه وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه، منهم: سعد بن مالك، وعبد الله بن عمر.
فِرَق الشيعة (ص ٤ و٥).
(١٩٦) جماعة قالوا: إنَّ عليًّا وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم، وإنَّ المصيب هو الذي قعد عنهم، وهم يتولَّونهم جميعاً ويتبرَّؤون من حربهم ويردُّون أمرهم إلى الله (عزَّ وجلَّ).
فِرَق الشيعة (ص ١٥).
(١٩٧) فرقة تدَّعي أنَّ من دعا إلى الله (عزَّ وجلَّ) من آل محمّد فهو مفترض الطاعة، وكان عليُّ بن أبي طالب إماماً في وقت ما دعا الناس وأظهر أمره، ثمّ كان بعده الحسين إماماً عند خروجه، ثمّ زيد بن عليِّ ابن الحسين المقتول بالكوفة، ثمّ يحيى بن زيد بن عليٍّ المقتول بخراسان. فِرَق الشيعة (ص ٥٨).

↑صفحة ٦٣↑

والخوارج(١٩٨)، والمرجئة(١٩٩) في إنكار جعفر بن عليٍّ لوجود(٢٠٠) ابن الحسن بن عليٍّ، حَسَبَ ما أورده السائل عنهم فيما سأل في الشُّبُهات في ذلك، والله الموفِّق للصواب.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٩٨) جماعة قالوا: الحَكَمان كافران، وكفَّروا عليًّا حين حكَّمهما.
ومسألة التحكيم كانت مفروضة على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك عندما أبى أصحابه إلَّا التحكيم وامتنعوا من القتال، رضي التحكيم بشرط الحكم بكتاب الله، فخالف الحَكَمان، فالحَكَمان هما اللذان ارتكبا الخطأ، وهو الذي أصاب.
فِرَق الشيعة (ص ١٦).
(١٩٩) لمَّا قُتِلَ عليٌّ (عليه السلام) اتَّفق الناكثون والقاسطون وتبعة الدنيا على معاوية، وسمُّوا بالمرجئة، وزعموا أنَّ أهل القبلة كلَّهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان، ورجوا لهم جميعاً المغفرة، وافترقت المرجئة على أقسام...
فِرَق الشيعة (ص ٦).
(٢٠٠) (ل): (بوجود).

↑صفحة ٦٤↑

الفصل الثالث: [وصيَّة الإمام العسكري (عليه السلام) إلى والدته]

↑صفحة ٦٥↑

وأمَّا تعلُّقهم بوصيَّة أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد (عليهم السلام) في مرضه الذي تُوفّي فيه إلى والدته المسمَّاة بحديث، المكنَّاة بأُمِّ الحسن (رضي الله عنها)، بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها(٢٠١)، فليس بشيء يُعتَمد في إنكار ولدٍ له قائم من بعده مقامه، من قِبَل أنَّه أمرٌ بذلك تمام ما كان من غرضه في إخفاء ولادته، وستر حاله عن متملِّك الأمر في زمانه، ومَنْ يسلك سبيله في إباحة دم داعٍ إلى الله تعالى منتظر لدولة الحقِّ.
ولو ذكر في وصيَّته ولداً له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه فيما ذكرناه، ونافى مقصده في تدبير أمره له على ما وصفناه، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه(٢٠٢)، لاسيّما مع اضطراره كان إلى شهادة خواصِّ الدولة العباسيَّة عليه في الوصيَّة، وثبوت خطوطهم فيها - كالمعروف بتدبر مولى الواثق(٢٠٣)، وعسكر الخادم مولى محمّد بن المأمون، والفتح بن عبد ربِّه، وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحُكّامه - لِمَا قصد بذلك من حراسة(٢٠٤) قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيَّته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر على ولده،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠١) البحار (ج ٥٠/ ص ٣٢٩)؛ وفي (س): (المسمَّاة حديث).
(٢٠٢) (ع)، (ل): (وتسفيه)؛ (ر): (وتسقيه).
(٢٠٣) هو هارون بن محمّد بن هارون الواثق بالله، ويُكنّى بأبي جعفر، بويع في سنة سبع وعشرين ومائتين، وهو ابن إحدى وثلاثين سنة، وتُوفّي بسامراء وهو ابن سبع وثلاثين سنة، وكانت خلافته خمس سنين، وقيل: تُوفّي سنة اثنين وثلاثين ومائتين وهو ابن أربع وثلاثين سنة.
مروج الذهب (ج ٣/ ص ٤٧٧).
(٢٠٤) (س)، (ط): (حراسته).

↑صفحة ٦٧↑

وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه(٢٠٥) على وجوده، والكفِّ لأعدائه بذلك عن الجدِّ والاجتهاد في طلبه، والتبريد(٢٠٦) عن شيعته لِمَا يُشنَّع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته.
ومَنْ اشتبه(٢٠٧) عليه الأمر فيما ذكرناه، حتَّى ظنَّ أنَّه دليلٌ على بطلان مقال الإماميَّة في وجود ولدٍ للحسن (عليه السلام) مستور عن جمهور الأنام، كان بعيداً من الفهم والفطنة، بائناً(٢٠٨) عن الذكاء والمعرفة، عاجزاً بالجهل عن التصوُّر أحوال العقلاء وتدبيرهم(٢٠٩) في المصالح، وما يعتمدونه(٢١٠) في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات.

فصل: [وصيَّة الإمام الصادق (عليه السلام) إلى حميدة المصفاة]

وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام)، وحراسته(٢١١) ابنه موسى بن جعفر (عليه السلام) بعد وفاته من ضرر يلحقه بوصيَّته(٢١٢) إليه، وأشاع(٢١٣) الخبر عن الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجَّتهم لذلك على إفراده بوصيَّته مع نصِّه(٢١٤) عليه بنقل خواصِّه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٥) (ع)، (ل): (البيِّنة).
(٢٠٦) كذا في النُّسَخ، ويحتمل أنْ يكون: (والتنزيه).
(٢٠٧) (ر)، (ع)، (ل): (وفراسته)؛ (س)، (ط): (وحراسته)؛ وما أثبتناه من حاشية نسخة (ل).
(٢٠٨) (ل): ثابتاً؛ (س)، (ط): (نائياً).
(٢٠٩) (ل)، (ر)، (ع)، (س): (وقد يُتوهَّم)؛ وما أثبتناه من (ط) وحاشية (ل).
(٢١٠) (ل)، (س)، (ط): (وما يعتمدوه).
(٢١١) (ل)، (س)، (ط): (وحراسة).
(٢١٢) (ر)، (ع): (بوصيَّة).
(٢١٣) (ل): (وإشباع).
(٢١٤) (ر)، (ل): (نصبه).

↑صفحة ٦٨↑

فعدل عن إقراره(٢١٥) بالوصيَّة عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أوَّلهم المنصور(٢١٦) - وقدَّمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبِّر أهله -، ثمّ صاحبه الربيع من بعده، ثمّ قاضي وقته، ثمّ جاريته وأُمُّ ولده حميدة البربريَّة(٢١٧)، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (عليه السلام)(٢١٨)، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه.
ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده، لعلمه بأنَّ منهم من يدَّعي مقامه من بعده، ويتعلَّق بإدخاله في وصيَّته.
ولو لم يكن موسى (عليه السلام)(٢١٩) ظاهراً مشهوراً في أولاده، معروف المكان منه، وصحَّة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن (عليه السلام) ولده، لَمَا ذكره في وصيَّته، ولاقتصر على ذكر غيره ممَّن سمَّيناه(٢٢٠)، لكنَّه ختمهم في الذِّكر به كما بيَّنَّاه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١٥) (س)، (ط): (إفراده).
(٢١٦) هو أبو جعفر عبد الله بن محمّد بن عليِّ بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المطَّلب، بويع سنة ستّ وثلاثين ومائة وهو ابن إحدى وأربعين سنة، ومولده سنة خمس وتسعين، ووفاته سنة ثمان وخمسين ومائة، فكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة.
مروج الذهب (ج ٣/ ص ٢٨١).
(٢١٧) هي أُمُّ الإمام الكاظم، والبربريَّة نسبة إلى بربر، وهم قبائل كثيرة في جبال المغرب، وتُلقَّب حميدة بالمصفاة أيضاً ولؤلوة، ويقال: هي أندلسيَّة، وكانت من التقيّات الثقات، وكان الصادق يُرسِلها مع أُمِّ فروة تقضيان حقوق أهل المدينة، ولها كرامات.
تنقيح المقال (ج ٣/ ص ٧٦ و٧٧).
(٢١٨) ذكر هذا الخبر الكليني في الكافي (ج ١/ ص ٣١٠)؛ وابن شهرآشوب في المناقب(ج ٣/ ص ٣١٠)؛ والمجلسي في البحار (ج ٤٧/ ص ٣).
وفي هذه المصادر أنَّه أوصى إلى خمسة: أبو جعفر المنصور، ومحمّد بن سليمان، وعبد الله بن جعفر، وموسى بن جعفر، وحميدة.
(٢١٩) (ع)، (ر): (ولم موسى).
(٢٢٠) (ل): (ولأقبض على ذكر غيره ممَّن سمَّينا).

↑صفحة ٦٩↑

وهذا شاهد لِمَا وصفناه من غرض أبي محمّد (عليه السلام) في وصيَّته إلى والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولدٍ له، ونظر له في معناه على ما بيَّنَّاه.

* * *

↑صفحة ٧٠↑

الفصل الرابع: [سبب الغيبة والاستتار]

↑صفحة ٧١↑

فأمَّا الكلام في الفصل الرابع، وهو: الاستبعاد الداعِ (كذا) للحسن (عليه السلام) إلى ستر ولده، وتدبير الأمر في إخفاء شخصه، والنهي لشيعته عن البينونة بتسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه، وانتشارهم في البلاد، وثروتهم(٢٢١) بالأموال وحسن الأحوال(٢٢٢)، وصعوبة الزمان فيما سلف على آبائه (عليهم السلام)، واعتقاد ملوكه فيهم، وشدَّة غلظهم على الدائنين بإمامتهم، واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم، ولا مؤهَّل الأمر من بعدهم(٢٢٣). وقول الخصوم: إنَّ هذا متناقض في أحوال العقلاء.
فليس الأمر كما ظنُّوه، ولا كان على ما استبعدوه.
والذي دعا الحسن إلى ستر ولده، وكتمان ولادته، وإخفاء شخصه، والاجتهاد في إهمال ذكره بما خرج إلى شيعته من النهي عن الإشارة إليه، وحظر تسميته، ونشر(٢٢٤) الخبر بالنصِّ عليه شيء ظاهرٌ، لم يكن في أوقات آبائه (عليهم السلام)، فيدعونه(٢٢٥) من ستر أولادهم إلى ما دعاه إليه، وهو:
أنَّ ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون من رأي الأئمَّة (عليهم السلام) التقيَّة، وتحريم الخروج بالسيف على الولاة، وعيب مَنْ فعل ذلك من بني عمِّهم ولومهم عليه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢١) (ل)، (ر)، (ع): (وثروهم)؛ (ط): (ووثبهم).
(٢٢٢) (ل): (الأفعال).
(٢٢٣) (ع): (ولا مؤهَّل الأمن من بعدهم)؛ (ل): (ولا مؤهَّل إلَّا من بعدهم)؛ (ط): (ولا موَّهوا الأمر من بعدهم).
(٢٢٤) يحتمل في بعض النُّسَخ: (وتسرُّ).
(٢٢٥) (ط): (فيدعوهم).

↑صفحة ٧٣↑

وأنَّه لا يجوز عندهم تجريد السيف حتَّى: تركد الشمس عند زوالها، ويُسمَع نداء من السماء باسم رجل بعينه، ويُخسَف بالبيداء، ويقوم آخر أئمَّة الحقِّ بالسيف، ليزيل(٢٢٦) دولة الباطل.
وكانوا(٢٢٧) لا يُكبِرون بوجود مَنْ يوجد منهم، ولا بظهور شخصه، ولا بدعوة(٢٢٨) من يدعو إلى إمام، لأمانهم مع ذلك من فتقٍ(٢٢٩) يكون عليهم به، ولاعتقادهم(٢٣٠) قلَّة عدد مَن يُصغي إليهم في دعوى الإمامة لهم، أو يُصدِّقهم فيما يُخبِرون به من منتظر يكون لهم.
فلمَّا جاز وقت وجود المترقِّب لذلك، المخوف منه القيام بالسيف، ووجدنا الشيعة الإماميَّة مطبقة على تحقيق أمره، وتعيينه(٢٣١)، والإشارة إليه دون غيره، بعثهم ذلك على طلبه وسفك دمه، ولتزول(٢٣٢) الشُّبهة في التعلُّق به، ويحصل الأمان في الفتنة بالإشارة إليه والدعوة إلى نصرته.
ولو لم يكن ما ذكرناه شيئاً ظاهراً وعلَّة(٢٣٣) صحيحةً وجهةً ثابتةً، لكان غير منكرٍ أنْ يكون في معلوم الله (جلَّ اسمه) أنَّ مَنْ سلف من آبائه (عليهم السلام) يأمن مع ظهوره، وأنَّه هو لو ظهر لم يأمن على دمه، وأنَّه متى قُتِلَ أحدٌ من آبائه (عليهم السلام) عند

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢٦) (ل): (فيزيل خ ل).
(٢٢٧) (ر): (فكانوا).
(٢٢٨) (ل)، (ر)، (ع)، (س): (ولا يدعوهم)؛ والمثبَّت من (ط).
(٢٢٩) قال الجوهري: (والفتق: شقُّ عصا الجماعة ووقوع الحرب بينهم). (الصحاح: ج ٤/ ص ١٥٣٩/ مادَّة فتق).
(٢٣٠) (ل)، (ر)، (ع): (واعتقادهم).
(٢٣١) (ل): (وتعيُّنه).
(٢٣٢) (ط): (لتزول).
(٢٣٣) (س): (أو علَّة).

↑صفحة ٧٤↑

ظهوره لم تمنع الحكمة من إقامة خليفة يقوم مقامه، وأنَّ ابن الحسن (عليهما السلام) لو يظهر(٢٣٤) لسفك القوم دمه، ولم تقتضِ الحكمة التخلية بينهم وبينه، ولو كان في المعلوم للحقِّ صلاحٌ بإقامة إمامٍ من بعده لكفى في الحجَّة، وأقنع في إيضاح المحجَّة(٢٣٥)، فكيف وقد بيَّنَّا عن سبب ذلك بما لا يحيل(٢٣٦) على ناظر؟ والمنَّة لله.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٤) (ر)، (ع)، (ل): (ويظهر)؛ والمثبَّت من حاشية (ل)؛ وفي (س)، (ط): (لو ظهر).
(٢٣٥) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (الحجَّة)؛ والمثبَّت من (ط).
(٢٣٦) كذا في النُّسَخ، ولعلَّ الصحيح: (لا يُخيَّل) أي لا يشكل، راجع لسان العرب.

↑صفحة ٧٥↑

الفصل الخامس: [طول الغيبة وعدم رؤيته (عجَّل الله فرجه)]

↑صفحة ٧٧↑

وأمَّا الكلام في الفصل الخامس، وهو قول الخصوم: إنَّ دعوى الإماميَّة لصاحبهم أنَّه منذ وُلِدَ إلى وقتنا هذا مع طول المدَّة وتجاوزها الحدَّ، مستترٌ لا يعرف أحدٌ مكانَه، ولا يعلم مستقرَّه، ولا يدَّعي عدلٌ من الناس لقاءه، ولا يأتي بخبرٍ عنه، ولا يعرف له أثراً(٢٣٧). خارجة عن العرف، إذ لم تجرِ العادة لأحدٍ من الناس بذلك، إذ كان كلُّ من اتَّفق له الاستتار عن الظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الأغراض، تكون مدَّة استتاره مرتَّبة، ولا تبلغ عشرين سنة فضلاً عمَّا زاد عليها، ولا يخفى أيضاً على الكلِّ في مدَّة استتاره مكانه(٢٣٨)، بل لا بدَّ من أنْ يعرف ذلك بعض أهله وأوليائه بلقائه، وبخبرٍ منه يأتي إليهم(٢٣٩) عنه.
وإذا خرج قول الإماميَّة في استتار صاحبهم وغيبته عن حكم العادات بطل ولم يُرْجَ قيام حجَّة.

فصل: [فيمن رأى الإمام (عجَّل الله فرجه) وشاهده]

وليس الأمر كما توهَّمه الخصوم في هذا الباب، والإماميَّة بأجمعها تدفعهم عن دعواهم وتقول:
إنَّ جماعة من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليِّ بن محمّد (عليهم السلام) قد شاهدوا خَلَفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصَّته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٧) (س)، (ط): (ولا يُعرَف له أثرٌ).
(٢٣٨) (ل)، (ع): (ومكانه).
(٢٣٩) (س)، (ط): (لهم).

↑صفحة ٧٩↑

دهراً طويلاً في استتاره، ينقلون(٢٤٠) إليهم عن(٢٤١) معالم الدِّين، ويُخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقه لديهم(٢٤٢).
وهم جماعة كان الحسن بن عليٍّ (عليه السلام) عدَّلهم في حياته، واختصَّهم أُمناء له(٢٤٣) في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه(٢٤٤)، والقيام بمآربه، معروفون(٢٤٥) بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم، كأبي عمرو عثمان(٢٤٦) بن سعيد السمَّان(٢٤٧)، وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان(٢٤٨)، وبني الرحبا من نصيبي(٢٤٩)، وبني سعيد، وبني مهزيار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤٠) (ل)، (ر)، (ع): (ينفكُّون).
(٢٤١) (س)، (ط): (من).
(٢٤٢) (لديهم)، لم يرد في (ل).
(٢٤٣) (ل)، (ر): (واختصَّهم أمثاله).
(٢٤٤) (ع)، (ل)، (ر): (ملاكه).
(٢٤٥) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (معروفين)؛ والمثبَّت من (ط).
(٢٤٦) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (كأبي عثمان)؛ والمثبَّت من (ط).
(٢٤٧) أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري السمَّان، ويقال له: الزيَّات الأسدي، جليل القدر، النائب الأوَّل لصاحب الزمان، خدم الإمام الهادي وله أحد عشر سنة، وله إليه عهد معروف، وهو وكيل الإمام العسكري أيضاً.
رجال الشيخ (ص ٤٢٠/ رقم ٣٦، وص ٤٣٤/ رقم ٢٢)؛ الخلاصة (ص ١٢٦/ رقم ٢)؛ رجال ابن داود (ص ١٣٣/ رقم ٩٩١).
(٢٤٨) أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، الوكيل الثاني لصاحب الزمان (عليه السلام)، له منزلة جليلة، وكان محمّد قد حفر لنفسه قبراً وسوَّاه بالساج، فسُئِلَ عن ذلك فقال: للناس أسباب، ثمّ سُئِلَ بعد ذلك فقال: قد أُمرت أنْ أجمع أمري، فمات بعد شهرين من ذلك في جمادي الأُولى سنة خمس وثلاثمائة، وقيل: أربع، وقال عند موته: أُمرت أنْ أُوصي إلى الحسين بن روح.
رجال الشيخ (ص ٥٠٩/ رقم ١٠١)؛ الخلاصة (ص ١٤٩/ رقم ٥٧)؛ رجال ابن داود (ص ١٧٨/ رقم ١٤٤٩).
(٢٤٩) مدينة فيما بين النهرين - تركيا حاليًّا - كانت منذ القرن الثالث الميلادي مهد الآداب السريانيَّة حتَّى سقوطها في أيدي الساسانيِّين. المنجد (ص ٧١٠).

↑صفحة ٨٠↑

بالأهواز(٢٥٠)، وبني الركولي(٢٥١) بالكوفة(٢٥٢)، وبني نوبخت ببغداد(٢٥٣)، وجماعة من أهل(٢٥٤) قزوين وقم(٢٥٥) وغيرها من الجبال(٢٥٦)، مشهورون بذلك عند الإماميَّة والزيديَّة، معروفون(٢٥٧) بالإشارة إليه به عند كثيرٍ من العامَّة(٢٥٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥٠) منطقة في غربي إيران على الخليج، غنيَّة بالنفط.
المنجد (ص ٨٥).
(٢٥١) (ع)، (ر): (الركورلي)؛ (ل): (الركوزفي).
(٢٥٢) مدينة في العراق على ساعد الفرات، اتَّخذها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب مقرًّا له، وفيها استُشهِدَ، جعلها العبَّاسيُّون عاصمة في سنة (٧٤٩م)، بالقرب منها النجف ومشهد عليٍّ، أنجبت علماء ومحدِّثين ونحويِّين، كانت مع البصرة مركزاً للثقافة العربيَّة.
المنجد (ص ٥٩٨).
(٢٥٣) عاصمة العراق حاليًّا، شيَّدها المنصور العبَّاسي سنة (٧٦٢م)، ازدهرت بغداد ازدهاراً منقطع النظير بين (٧٥٤ - ٨٣٣م)، أخذت بالانحطاط بعد نقل المعتصم العاصمة إلى سامرَّاء، ودمَّرها هولاكو بعد تيمورلنك.
المنجد (ص ١٢٦و١٢٧).
(٢٥٤) بالفتح ثمّ السكون وكسر الواو، مدينة مشهورة بينها وبين الريِّ سبعة وعشرون فرسخاً، وإلى أبهر اثنا عشر فرسخاً، أوَّل مَنْ استحدثها سابور ذو الأكتاف.
معجم البلدان (ج ٤/ ص ٣٤٢ - ٣٤٤)؛ المنجد (ص ٥٥٠).
(٢٥٥) مدينة في غرب إيران تُذكَر مع قاشان، وهي مدينة مستحدثة إسلاميَّة، وهي خصبة ماؤها من الآبار ملحة في الأصل، وهي محجَّة للعلويِّين وفيها قبور أوليائهم.
معجم البلدان (ج ٤/ ص ٣٩٧ و٣٩٨)؛ المنجد (ص ٥٥٧).
(٢٥٦) بلاد العراق العجمي شرقي آذربايجان، تقع فيها قلعة ألموت.
المنجد (ص ٢٠٧).
(٢٥٧) (ع)، (ر)، (س): (معروفين).
(٢٥٨) روى الشيخ الصدوق عن محمّد بن محمّد الخزاعي، قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الأسدي، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، أنَّه ذكر عدد من انتهى إليه ممَّن وقف على معجزات صاحب الزمان (عليه السلام) ورآه من الوكلاء:
ببغداد: العمري، وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطَّار. ←

↑صفحة ٨١↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ ومن الكوفة: العاصمي.
ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق.
ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.
ومن أهل الريِّ: البسامي، والأسدي، يعني نفسه.
ومن أهل آذربايجان: القاسم بن العلاء.
ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.
ومن غير الوكلاء:
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزَّاز، والنيلي، وأبو القاسم بن دبيس، وأبو عبد الله بن فرُّوخ، ومسرور الطبَّاخ مولى أبي الحسن (عليه السلام)، وأحمد ومحمّد ابنا الحسن، وإسحاق الكاتب من بني نيبخت، وصاحب النواء، وصاحب الصُّرَّة المختومة.
ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران.
ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أُخيَّة، وأبو الحسن.
ومن أصفهان: ابن باذشالة.
ومن الصيمرة: زيدان.
ومن قم: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، وعليُّ بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.
ومن أهل الريِّ: القاسم بن موسى، وابنه، وأبو محمّد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعليُّ بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.
ومن قزوين: مرداس، وعليُّ بن أحمد.
ومن فاقتر: رجلان.
ومن شهرزور: ابن الخال.
ومن فارس: المحروج.
ومن مرو: صاحب الألف دينار، وصاحب المال والرقعة البيضاء، وأبو ثابت.
ومن نيسابور: محمّد بن شعيب بن صالح.
ومن اليمن: الفضل بن يزيد، والحسن ابنه، والجعفري، وابن الأعجمي، والشمشاطي.
ومن مصر: صاحب المولودين، وصاحب المال بمكَّة، وأبو رجاء.
ومن نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.
ومن الأهواز: الحصيني.
راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٤٤٢ و٤٤٣/ رقم ١٦)؛ وراجع أيضاً (ج ٢/ ص ٤٧٦ - ٤٧٩/ رقم ٢٦)، وفيه قصَّة الوفد الذي جاء من قم والجبال؛ وللتوسعة راجع: نفس المصدر (ج ٢/ ص ٤٣٤ - ٤٨٢/ باب ٤٣ ذكر مَنْ شاهد القائم (عليه السلام) ورآه وكلَّمه)؛ الغيبة للطوسي (ص ٢٥٣ - ٢٨٠)؛ كتاب تبصرة الوليِّ فيمن رأى القائم المهدي؛ كتاب جنَّة المأوى في ذكر مَنْ فاز بلقاء الحجَّة أو معجزته في الغيبة الكبرى للمحدِّث النوري، طُبِعَ آخر المجلد (٥٣) من البحار؛ البحار (ج ٥٢/ ص ٧٧/ باب ١٨ ذكر من رآه)؛ الكنى والألقاب (ج ١/ ص ٩١ - ٩٣).

↑صفحة ٨٢↑

وكانوا أهل عقلٍ وأمانةٍ، وثقةٍ ودرايةٍ، وفهمٍ وتحصيلٍ ونباهةٍ، وكان السلطان يُعظِّم أقدارهم بجلالة محلِّهم في الدنيا، ويُكرِمهم لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتَّى إنَّه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم، ضنًّا(٢٥٩) بهم واعتقاداً لبطلان قذفهم(٢٦٠) به، وذلك لما كان من شدَّة تحرُّزهم، وستر حالهم، واعتقادهم، وجودة آرائهم، وصواب تدبيرهم.
وهذا يُسقِط دعوى الخصوم وِفاق الإماميَّة لهم: أنَّ صاحبهم لم يُرَ منذ ادَّعوا ولادته، ولا عُرِفَ له مكان، ولا خبَّر أحدٌ بلقائه.
فأمَّا بعد انقراض مَنْ سمَّيناه من أصحاب أبيه وأصحابه (عليهما السلام)، فقد كانت الأخبار عمَّن تقدَّم من أئمَّة آل محمّد (عليهم السلام)(٢٦١) متناصرة بأنَّه لا بدَّ للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما(٢٦٢) أطول من الأُخرى، يعرف خبره الخاصُّ في القصرى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥٩) الضنُّ: البخل، والمراد هنا: اعتزازاً بهم وبخلاً بهم على غيرهم.
اللسان (ج ١٣/ ص ٢٦١/ مادَّة ضنن).
(٢٦٠) (ل)، (ر)، (س): (فرَّقهم).
(٢٦١) من قوله: (عليهم السلام) إلى هنا، لم يرد في (ل).
(٢٦٢) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (أحدهما).

↑صفحة ٨٣↑

ولا يعرف العامُّ له مستقرًّا في الطولى، إلَّا من تولّى خدمته من ثقات(٢٦٣) أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.
والأخبار(٢٦٤) بذلك موجودة في مصنَّفات الشيعة الإماميَّة قبل مولد أبي محمّد وأبيه وجدِّه (عليهم السلام)(٢٦٥)، وظهر حقُّها عند مضيِّ الوكلاء والسفراء الذين سمَّيناهم (رحمهم الله)، وبان صدق رواتها بالغيبة الطولى، فكان(٢٦٦) ذلك من الآيات الباهرات في صحَّة ما ذهبت إليه الإماميَّة، ودانت به في معناه.
وليس يمكن أنْ يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبة بشرٍ، لله تعالى في استتاره تدبيرٌ لمصالح خلقه لا يعلمها إلَّا هو، وامتحانٌ لهم بذلك في عبادته، مع أنَّا لم نُحِط علماً بأنَّ كلَّ غائبٍ عن(٢٦٧) الخلق مستتراً(٢٦٨) بأمر دينه لأمرٍ يُؤمِّه(٢٦٩) عنهم - كما ادَّعاه الخصوم - يعرف جماعةٌ من الناس مكانه، ويُخبِرون عن مستقرِّه.
[غيبة بعض الأنبياء (عليهم السلام)]:
وكم وليٌّ لله(٢٧٠) تعالى، يقطع الأرض بعبادة ربِّه تعالى، والتفرُّد من الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين، وتبعَّد بدينه عن محلِّ الفاسقين، لا يعرف أحدٌ من الخلق له مكاناً، ولا يدَّعي إنسان له لقاءً ولا معه اجتماعاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٦٣) (ل)، (س): (تقاة).
(٢٦٤) (ر)، (ع): (فالأخبار).
(٢٦٥) راجع مقدّمة هذا الكتاب، رقم ٢، من كَتَبَ عن المهديِّ.
(٢٦٦) (ل)، (س)، (ط): (وكان).
(٢٦٧) (ع)، (ل)، (ر): (من).
(٢٦٨) (ط): (مستترٍ).
(٢٦٩) (ع)، (ر)، (ل)، (س): (يأمُّه). ومعنى يؤمُّه: يقصده.
اللسان (ج ١٢/ ص ٢٢/ مادَّة أمم).
(٢٧٠) (ط): (وثمّ وليُّ الله).

↑صفحة ٨٤↑

وهو الخضر (عليه السلام)، موجود قبل زمان موسى (عليه السلام) إلى وقتنا هذا، بإجماع أهل النقل واتِّفاق أصحاب السِّيَر والأخبار، سائحاً في الأرض، لا يعرف له أحدٌ مستقرًّا ولا يدَّعي له اصطحاباً، إلَّا ما جاء في القرآن به من قصَّته مع موسى (عليه السلام)(٢٧١)، وما يذكره بعض الناس من أنَّه يظهر أحياناً ولا يُعرَف، ويظنُّ بعض من رآه(٢٧٢) أنَّه بعض الزُّهَّاد، فإذا فارق مكانه توهَّمه المسمَّى بالخضر، وإنْ لم يكن يعرف بعينه في الحال ولا ظنَّه، بل اعتقد أنَّه بعض أهل الزمان.
وقد كان من غيبة موسى بن عمران (عليه السلام) عن وطنه وفراره(٢٧٣) من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب(٢٧٤)، ولم يظهر عليه أحدٌ مدَّة غيبته عنهم فيعرف له مكاناً، حتَّى ناجاه الله (عزَّ وجلَّ) وبعثه نبيًّا، فدعا إليه وعرفه الوليُّ والعدوُّ إذ ذاك.
وكان من قصَّة يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) ما جاءت به سورة كاملة بمعناه(٢٧٥)، وتضمَّنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبيُّ الله تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمرهُ مطويٌّ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه(٢٧٦) ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه، حتَّى مضت على ذلك السنون، وانقضت(٢٧٧) فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه (عليه السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧١) الكهف: ٦٥ - ٨٢.
وراجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٣٨٥ - ٣٩٣).
(٢٧٢) (ل): (ويظنُّ بعضٌ رآه)؛ (ط): (ويظنُّ بعض الناس رآه).
(٢٧٣) (ع)، (ل)، (ر): (ويرانه)؛ والمثبَّت من (س)، (ط).
(٢٧٤) القَصص: ٢١ - ٣٢.
وراجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ١٤٥- ١٥٣)، قَصص الأنبياء (ص ١٤٨ - ١٧٦).
(٢٧٥) يوسف، رقم ١٢.
وراجع للتفصيل: كمال الدِّين (ج ١/ ص ١٤١ - ١٤٥)، قَصص الأنبياء (ص ١٢٦ - ١٣٨).
(٢٧٦) (س)، (ط): (وهم يعاملونه ويبتاعون منه ويأتونه).
(٢٧٧) (ع)، (ر): (ونقصت).

↑صفحة ٨٥↑

عليه(٢٧٨) - لفقده، ويأسه من لقائه، وظنِّه خروجه من الدنيا بوفاته - ما انحنى له ظهره، وأنهك(٢٧٩) به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره.
وليس في زماننا(٢٨٠) الآن مثل(٢٨١) ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه.
وكان من أمر يونس نبيِّ الله (عليه السلام) مع قومه، وفراره عنهم عند تطاول المدَّة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كلِّ أحدٍ من الناس، حتَّى لم يعلم بشرٌ من الخلق مستقرَّه ومكانه إلَّا الله تعالى، إذ كان المتولّي لحبسه في جوف حوت في قرار بحرٍ، وقد أمسك عليه رمقه حتَّى بقي حيًّا، ثمّ أخرجه من ذلك إلى تحت شجرةٍ من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض، ولم يخطر له ببال سكناه.
وهذا أيضاً خارج عن عادتنا(٢٨٢)، وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن(٢٨٣)، وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان.
وأمر أصحاب الكهف نظيرٌ لِمَا ذكرناه، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم(٢٨٤): في فرارهم بدينهم من قومهم، وحصولهم في كهف ناءٍ عن بلدهم، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد، ودبَّر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيُّر(٢٨٥)، فكان(٢٨٦) يُقلِّبهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧٨) لفظ: (عليه)، لم يرد في (ل)، (س)، (ط).
(٢٧٩) (ع)، (ر): (وانهتك)، (ل): (وانحلَّ).
(٢٨٠) (ع)، (ل)، (ر): (عبادتنا)؛ والمثبَّت من (س)، (ط).
(٢٨١) (ر): (قبل).
(٢٨٢) (ع)، (ل)، (ر): (عبادتنا).
(٢٨٣) الصافّات: ١٣٩ - ١٤٦. وراجع: قَصص الأنبياء (ص ٢٥١ - ٢٥٣).
(٢٨٤) الكهف: ٩ - ٢٢. وراجع: قَصص الأنبياء (ص ٢٥٣ - ٢٦١).
(٢٨٥) (ط): (تغيَّر بالموت).
(٢٨٦) (ل)، (س)، (ط): (وكان).

↑صفحة ٨٦↑

ذات اليمين وذات الشمال كالحيِّ الذي يتقلَّب(٢٨٧) في منامه بالطبع والاختيار، ويقيهم حرَّ الشمس التي تُغيِّر الألوان، والرياح التي تُمزِّق الأجساد، فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين، على ما جاء به الذكر الحكيم.
ثمّ أحياهم فعادوا(٢٨٨) إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورِقهم ليبتاعوا منهم أحلَّ الطعام وأطيبه وأزكاه، بحسب ما تضمَّن القرآن من شرح قصَّتهم(٢٨٩)، مع استتار أمرهم عن قومهم، وطول غيبتهم عنهم، وخفاء أمرهم عليهم.
وليس في عادتنا(٢٩٠) مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أنَّ القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم، لتسرَّعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرَّع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريُّون، ويحيلون صحَّة الخبر به، وقد تقول: لن يكون(٢٩١) في المقدور.
وقد كان من أمر صاحب الحمار الذي نزل بذكر قصَّته القرآن(٢٩٢)، وأهل الكتاب يزعمون أنَّه نبيُّ الله تعالى، وقد كان ﴿مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِهَا﴾ فاستبعد عمارتها(٢٩٣) وعودها إلى ما كانت عليه، ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة، فـ ﴿قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ﴾ وبقي طعامه وشرابه بحاله(٢٩٤) لم يُغيِّره تغيير طبائع(٢٩٥) الزمان كلَّ طعام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨٧) (ر)، (س)، (ط): (ينقلب).
(٢٨٨) (ع)، (ر)، (س): (لعادوا).
(٢٨٩) (ع)، (ل)، (ر): (نصيبهم).
(٢٩٠) (ع)، (ل)، (ر): (عبادتنا).
(٢٩١) في النُّسَخ: (أنْ يكون)، والظاهر ما أثبتناه.
(٢٩٢) البقرة: ٢٥٩.
(٢٩٣) (ر)، (س)، (ط): (عمارتهم).
(٢٩٤) لفظ: (بحاله)، لم يرد في (ل)، (ط).
(٢٩٥) (ل)، (س)، (ط): (طباع).

↑صفحة ٨٧↑

وشراب عن حاله، فجرت بذلك العادة في طعام صاحب الحمار وشرابه، وبقي حماره قائماً في مكانه لم ينفق(٢٩٦) ولم يتغيَّر عن حاله، حيٌّ(٢٩٧) يأكل ويشرب، لم يضرّه طول عمره ولا أضعف ولا غيَّر له صفةً من صفاته.
فلمَّا أحياه(٢٩٨) الله تعالى - المذكور بالعجب من حياة الأموات وقد أماته مائة عام - قال له: ﴿انْظُرْ إِلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾، يريد به: لم يتغيَّر بطول مدَّة بقائه. ﴿وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُها﴾، يعني: عظام الأموات من الناس كيف نُخرجها من تحت التراب ﴿ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً﴾ فتعود حيواناً كما كانت بعد تفرُّق أجزائها واندراسها بالموت، ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾ ذلك وشاهد الأُعجوبة فيه ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٥٩].
وهذا منصوص في القرآن، مشروح في الذِّكر والبيان(٢٩٩)، لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا(٣٠٠)، وبعيد من تعارفنا، منكر عند الملحدين، ومستحيل على مذهب الدهريِّين والمنجِّمين، وأصحاب الطبائع من اليونانيِّين وغيرهم من المدَّعين الفلسفة والمتطبِّبين.
على [أنَّ](٣٠١) ما يذهب إليه الإماميَّة في تمام استتار صاحبها وغيبته، ومقامه على ذلك طول مدَّته أقرب في العقول والعادات [ممَّ] أوردناه(٣٠٢) من أخبار المذكورين في(٣٠٣) القرآن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩٦) أي: لم يمت. الصحاح (ج ٤/ ص ٥٦٠/ مادَّة أنفق).
(٢٩٧) (ل)، (س)، (ط): (حتَّى).
(٢٩٨) (ط): (أحيى).
(٢٩٩) (ع)، (ل)، (ر): (والهان).
(٣٠٠) (ع)، (ل)، (ر)، (ط): (عادتها).
(٣٠١) زيادة أوردناها لاقتضاء السياق لها.
(٣٠٢) (ل)، (ط): (أو زيادة).
(٣٠٣) (ع)، (ل)، (س): (من).

↑صفحة ٨٨↑

فأيُّ طريق للمقرِّ بالإسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك؟ لولا أنَّهم بعداء من التوفيق، مستمالون(٣٠٤) بالخذلان.
[غيبة بعض الملوك والحكماء]:
وأمثال ما ذكرناه - وإنْ لم يكن قد جاء به القرآن - كثيرٌ، قد رواه أصحاب الأخبار، وسطَّره في الصُّحُف أصحاب السِّيَر والآثار:
من غيبات ملوك الفرس عن رعاياهم دهراً طويلاً لضروبٍ من التدبيرات، لم يعرف أحدٌ لهم فيها مستقرًّا، ولا عثر(٣٠٥) لهم على موضع ولا مكان، ثمّ ظهروا بعد ذلك، وعادوا إلى مُلكهم بأحسن حال، وكذلك جماعةٌ من حكماء الروم والهند وملوكهم.
فكم(٣٠٦) كانت لهم غيباتٌ وأخبارٌ بأحوالٍ تخرج عن العادات.
لم نتعرَّض لذكر شيءٍ من ذلك، لعلمنا بتسرُّع الخصوم إلى إنكاره، لجهلهم ودفعهم صحَّة الأخبار به، وتعويلهم في إبطاله(٣٠٧) على بعده من عاداتهم وعرفهم(٣٠٨).
فاعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الإسلام، لإقرار(٣٠٩) الخصم بصحَّة ذلك وأنَّه من عند الله تعالى، واعترافهم بحجَّة الإجماع.
وإنْ كنَّا نعرف من كثيرٍ منهم نفاقهم بذلك، ونتحقَّق استبطانهم(٣١٠)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠٤) (ر)، (س): (مستمولون).
(٣٠٥) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (ولا غير).
(٣٠٦) (ع)، (ل)، (ط): (وكم).
(٣٠٧) (ل): (على إبطاله).
(٣٠٨) (ل): (من عرفهم وعاداتهم).
(٣٠٩) (ل)، (ط): (وإقرار).
(٣١٠) (س)، (ط): (استنباطهم).

↑صفحة ٨٩↑

بخلافه، لعلمنا بإلحادهم في الدِّين واستهزائهم به، وأنَّهم كانوا ينحلون بظاهره خوفاً من السيف وتصنُّعاً أيضاً، لاكتساب الحطام به من الدنيا، ولولا ذلك لصرَّحوا(٣١١) بما ينتمون، وظاهروا(٣١٢) بمذاهب(٣١٣) الزنادقة التي بها يدينون ولها يعتقدون.
ونعوذ بالله من سيِّئ الاتِّفاق(٣١٤)، ونسأله العصمة من الضلال.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١١) (ر): (يُصرِّحوا).
(٣١٢) (ع)، (ل): (فظاهروا)؛ (س)، (ط): (فتظاهروا).
(٣١٣) (ع)، (ل): (لمذاهب)؛ (ر): (المذاهب).
(٣١٤) (س)، (ط): (سُنَن النفاق)؛ (ع)، (ر)، (ل): (سيِّئ للاتِّفاق)؛ ويحتمل: (سنيِّ للإنفاق)، وما أثبتناه هو المناسب للعبارة.

↑صفحة ٩٠↑

الفصل السادس: [طول العمر]

↑صفحة ٩١↑

تعلَّق الخصوم بانتقاض العادة في دعوى طول عمره، وبقائه على تكامل أدواته(٣١٥) منذ(٣١٦) وُلِدَ على قول الإماميَّة(٣١٧) في سنِّي عشر الستِّين والمائتين وإلى(٣١٨) يومنا هذا وهو سنة أحد عشر وأربعمائة، وفي حملهم(٣١٩) في بقائه وحاله وصفته التي يدَّعونها(٣٢٠) له بخلاف حكم العادات، وأنَّه يدلُّ على فساد معتقدهم فيه.

فصل: [ردُّ شبهة الخصوم في مسألة طول العمر]

والذي تخيَّله(٣٢١) الخصوم هو: فساد قول الإماميَّة(٣٢٢) بدعواهم لصاحبهم طول العمر، وتكامل أدواته فيه، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالأُمَّة(٣٢٣)، على حال الشبيبة(٣٢٤)، ووفارة(٣٢٥) العقل والقوَّة، والمعارف بأحوال الدِّين والدنيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١٥) أي: تكامل قواه وآلاته.
لسان العرب (ج ١٤/ ص ٢٥/ مادَّة أدا).
(٣١٦) (س)، (ط): (وأنَّه منذ).
(٣١٧) (ع)، (ر): (قول للإماميَّة).
(٣١٨) (س)، (ط): (إلى).
(٣١٩) (ط): (حكمهم).
(٣٢٠) (ر)، (س): (يدعو بها).
(٣٢١) (ل): (يختار).
(٣٢٢) (ع)، (ر): (قول للإماميَّة).
(٣٢٣) (ط): (بالإمامة).
(٣٢٤) (س)، (ط): (التشبيب).
(٣٢٥) (س): (ووقارة).

↑صفحة ٩٣↑

وإنْ خرج عمَّا نعهده نحن(٣٢٦) الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشريَّة وأمثالهم في الإنسانيَّة.
وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان.
ولو لم تجرِ عادةٌ بذلك جملةً(٣٢٧) لكانت الأدلَّة على أنَّ الله تعالى قادرٌ على فعل ذلك تُبطل(٣٢٨) توهُّم المخالفين للحقِّ فساد القول به وتُكذِّبهم(٣٢٩) في دعواهم.
وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أنَّ آدم أبا البشر (عليه السلام) عمَّر نحو الألف(٣٣٠)، لم يتغيَّر له خلقٌ، ولا انتقل من طفوليَّة إلى شبيبة، ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوَّة إلى عجز، ولا عن علم إلى جهل، وأنَّه لم يزل على صورة واحدة إلى أنْ قبضه الله (عزَّ وجلَّ) إليه(٣٣١).
هذا مع الأُعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من غير بدوٍ(٣٣٢)، وانتقاله من طينٍ لازب إلى طبيعة الإنسانيَّة، ولا واسطة في صنعته على اتِّفاق مَنْ ذكرناه من أهل الكُتُب حسب ما بيَّنَّاه.
والقرآن في ذلك ناطق(٣٣٣) ببقاء نوح نبيِّ الله (عليه السلام) في قومه تسعمائة سنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٢٦) لفظ: (نحن)، لم يرد في (س)، (ط).
(٣٢٧) (ط): (ولو لم تجرِ بذلك عادةً جلَّة).
(٣٢٨) أي: الأدلَّة.
(٣٢٩) (س)، (ط)، (ل): (وتكذيبهم).
(٣٣٠) (س)، (ط): (نحو ألف).
(٣٣١) راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٢٣/ رقم ٣)؛ قَصص الأنبياء (ص ٥٤ و٥٥ و٦٥).
(٣٣٢) لفظ: (من غير بدوٍ)، لم يرد في (ط)؛ وفي (ع)، (ل)، (ر)، (س): (من غير يدٍ وصحَّ)؛ والظاهر ما أثبتناه، إذ لفظ: (صحَّ) ورد لأجل سقطٍ كان في نسخةٍ، فتوهَّم المستنسخ أنَّها من المتن.
(٣٣٣) العنكبوت: ١٤. وللتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٢٣/ رقم ١ - ٣)؛ وقَصص الأنبياء (ص ٨٤ و٨٥).

↑صفحة ٩٤↑

وخمسين سنة للإنذار لهم خاصَّة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أنْ بُعِثَ نبيًّا من غير ضعفٍ كان به ولا هرم، ولا عجزٍ ولا جهلٍ، مع امتداد بقائه، وتطاول عمره في الدنيا، وسلامة حواسِّه.
وأنَّ الشيب أيضاً لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل (عليه السلام)(٣٣٤) بإجماع مَنْ سمَّيناه من أهل العلم من المسلمين خاصَّة كما ذكرناه.
وهذا ما لا يدفعه إلَّا الملحدة من المنجِّمين، وشركاؤهم في الزندقة من الدهريِّين، فأمَّا أهل الملل كلِّها فعلى اتِّفاق منهم(٣٣٥) على ما وصفناه.
[ذكر المعمَّرين]:
والأخبار متناصرة بامتداد أيَّام المعمَّرين من العرب والعجم والهند، وأصناف البشر وأحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم، والمأثور من تفصيل قصاتهم(٣٣٦) من أهل أعصارهم وخُطَبهم وأشعارهم، لا يختلف أهل النقل في صحَّة الأخبار عنهم بما ذكرناه، وصدق الروايات في أعمارهم وأحوالهم كما وصفناه.
وقد أثبتُّ أسماء جماعة منهم في كتابي المعروف بـ (الإيضاح في الإمامة)، وأخبار كافَّتهم مجموعة مؤلَّفة حاصلة في خزائن الملوك، وكثير من الرؤساء، وكثير من أهل العلم وحوانيت الورَّاقين(٣٣٧)، فمن أحبَّ الوقوف على ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣٤) راجع: قَصص الأنبياء (ص ١٠٩).
(٣٣٥) (ع)، (ل)، (ر): (منه).
(٣٣٦) (ع)، (ل): (تعطُّل قصاتهم)؛ (ر)، (س): (تعطُّل قضاتهم).
(٣٣٧) راجع: كتاب المعمَّرون (ص ١ - ١١٤)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٢٣/ باب ٤٦ ما جاء في التعمير)؛ مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ج ٢/ الباب ١٢)؛ تذكرة الخواصِّ (ص ٣٦٤)؛ الغيبة للطوسي (ص ١١٣ - ٣٢٣)؛ البحار (ج ٥١/ ص ٢٢٥ - ٣٩٣/ باب ١٤ ذكر أخبار المعمَّرين)؛ تقريب المعارف (ص ٢٠٧ - ٢١٤)؛ كنز الفوائد (ج ٢/ ص ١١٤ - ١٣٤).

↑صفحة ٩٥↑

فليلتمسه من الجهات المذكورة، يجدها على ما يُثلِج صدره، ويقطع بتأمُّل أسانيدها في الصحَّة له عذره، إنْ شاء الله تعالى.
وأنا أُثبتُ مِنْ ذكر بعضهم هاهنا جملةً تُقنِع، وإنْ كان الوقوف على أخبار كافَّتهم(٣٣٨) أنجع فيما نؤمُّه(٣٣٩) بذكر البعض إنْ شاء الله.
فمنهم: لقمان بن عاد الكبير(٣٤٠).
وكان أطول الناس عمراً بعد الخضر (عليه السلام)، وذلك أنَّه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف(٣٤١) سنة وخمسمائة سنة، وقيل: إنَّه عاش عمر سبعة أنسر(٣٤٢)، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فربَّاه، حتَّى كان آخرها لبد، وكان أطولها عمراً، فقيل: طال الأمد على لبد.
وفيه يقول الأعشى(٣٤٣):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣٨) (ع)، (ل)، (ر): (كافهم).
(٣٣٩) أي: نقصده.
اللسان (ج ١٢/ ص ٢٢/ مادَّة أمم).
(٣٤٠) وفي بعض المصادر: (لقمان بن عاديا)، وفي بعضها: (لقمان العاديِّ).
وهو غير لقمان الذي عاصر النبيَّ داود (عليه السلام)، وكان من بقيَّة عادٍ الأُولى، وكان وفد عادٍ الذين بعثهم قومهم إلى الحرم ليستسقوا لهم، وأُعطي من السمع والبصر على قدر ذلك، وله أحاديث كثيرة.
المعمَّرون (ص ٤ و٥)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٥٩)؛ حياة الحيوان (ج ٢/ ص ٣٥١).
(٣٤١) (ع)، (ر): (ألف).
(٣٤٢) طائر معروف، جمعه في القلَّة أنسر وفي الكثرة نسور، وسُمّي نسراً لأنَّه ينسر الشيء ويبتلعه، وهو أطول الطير عمراً، وأنَّه يُعمِّر ألف سنة، وهو أشدّ الطير طيراناً، ويقال في المَثَل: أعمر من نسر.
حياة الحيوان الكبرى (ج ٢/ ص ٣٤٨ - ٣٥٢).
(٣٤٣) أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، يُعرَف بأعشى قيس، ويقال له: أعشى بكر بن وائل، أحد المعروفين من شعراء الطبقة الأُولى في الجاهليَّة وفحولهم، وكانت العرب تعني بشعر الأعشى، سكن الحيرة، وكان كثير الوفود على الملوك من العرب والفرس، غزير الشعر.
الكنى والألقاب (ج ٢/ ص ٣٨)؛ الأعلام (ج ٧/ ص ٣٤١).

↑صفحة ٩٦↑

لنفسك إذ تختار سبعة أنسر * * * إذا ما مضى نسرٌ خلدتَ(٣٤٤) إلى نسرِ
فعمَّر حتَّى خال أنَّ نسوره * * * خلودٌ وهل تبقى النفوس على الدهرِ
وقال لأدناهنَّ إذ حلَّ(٣٤٥) ريشه * * * هلكتَ وأهلكت ابن عادٍ وما تدري(٣٤٦)

ومنهم: رُبَيْعُ بن ضُبيع(٣٤٧) بن وَهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عَدِي(٣٤٨) بن فزارة(٣٤٩).
عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يُسلِم.
وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:

أصبح منّي الشباب قد حسرا(٣٥٠) * * * إنْ ينأ(٣٥١) عنّي فقد ثرى عصرا

والأبيات معروفة.
وهو الذي يقول أيضاً منه:

إذا كان الشتاء فأدفئوني * * * فإنَّ الشيخ يهدمه الشتاءُ
وأمَّا حين يذهب كلُّ قرٍّ * * * فسربالٌ خفيف أو رداءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤٤) (ع)، (ل)، (ر): (إذ خل).
(٣٤٥) في كتاب المعمَّرون: (خلوت).
(٣٤٦) للتفصيل راجع: المعمَّرون (ص ٤ و٥)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٥٩).
(٣٤٧) (س)، (ط): (ضبع)؛ وكذا في كتاب كمال الدِّين.
(٣٤٨) (ع)، (ل)، (ر): (عيسى).
(٣٤٩) في بعض المصادر أنَّه عاش مائتين وأربعين سنة؛ وقصَّته مع عبد المَلِك ودخوله عليه معروفة.
المعمَّرون (ص ٨ - ١٠)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٤٩ و٥٥٠ و٥٦١).
(٣٥٠) (ل): (خسرا).
(٣٥١) (ع)، (ر): (يراي).

↑صفحة ٩٧↑

إذا عاش الفتى مائتين عاماً * * * فقد أودى المسرَّة والفتاءُ(٣٥٢)

ومنهم: المستوغر بن ربيعة بن كعب(٣٥٣).
عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة.
وهو الذي يقول:

ولقد سئمت من الحياة وطولها * * * وعمرت من عدد السنين مئينا(٣٥٤)
مائةٌ حَدَتْها بعدها مائتان لي * * * وعمِرْتُ من عدد(٣٥٥) الشهورِ سنينا(٣٥٦)

ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي(٣٥٧).
عاش ثلاثمائة سنة وثمانين سنة، وكان ممَّن أدرك النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمن به ومات قبل أنْ يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحِكَم وبلاغات وأمثال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥٢) (ط): (مسرَّته الفناء)؛ وفي النُّسَخ الأُخرى: (المسرَّة والفناء)؛ والمثبَّت من كتاب المعمَّرون وكتاب كمال الدِّين، ويُروى عجز البيت الأخير أيضاً: (فقد ذهب التخيُّل والفتاء).
والفتاء: الشباب.
لسان العرب (ج ١٥/ ص ١٤٥/ مادَّة فتا).
وللتفصيل راجع: المعمَّرون (ص ٨ - ١٠)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٤٩ و٥٥٠ و٥٦١).
(٣٥٣) هو: المستوغر بن ربيعة بن كعب بن زيد مناة بن تميم، عاش زمناً طويلاً، أدرك الإسلام ولم يُسلِم، وكان من فرسان العرب في الجاهليَّة.
المعمَّرون (ص ١٢ - ١٤)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦١).
(٣٥٤) (ع)، (ر): (من بعد السنين سنيناً)؛ (ل)، (س): (من بعد الستِّين مأتينا)؛ (ط): (من عدد السنين مأتينا)؛ والمثبَّت من كتاب المعمَّرون.
(٣٥٥) (ع)، (ر)، (س): (بعد).
(٣٥٦) للتفصيل راجع: المعمَّرون (ص ١٢ - ١٤)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦١).
(٣٥٧) أكثم بن صيفي أحد بني أسد بن عمرو بن تميم، أدرك الإسلام واختُلِفَ في إسلامه، إلَّا أنَّ الأكثر لا يشكُّ في أنَّه لم يُسلِم، ولم تكن العرب تُقدِّم عليه أحداً في الحكمة.
المعمَّرون (ص ١٤ - ٢٥)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٧٠).

↑صفحة ٩٨↑

وهو القائل:

وإنَّ امرأً قد عاش تسعين حجَّة * * * إلى مائةٍ لم يسأم العيش جاهلُ
خلت مائتان بعد عشر وفائها(٣٥٨) * * * وذلك من عدِّي ليالٍ(٣٥٩) قلائلُ(٣٦٠)

وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم(٣٦١) أيضاً من المعمَّرين.
عاش مائتين وستَّة وسبعين سنة، ولا يُنكَر من عقله شيء(٣٦٢)، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمِّس اليشكري(٣٦٣):

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا(٣٦٤) * * * وما علَّم الإنسان إلَّا ليعلما(٣٦٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥٨) كذا في النُّسَخ؛ وفي (ر): (وقادها)؛ وفي كمال الدِّين: (غير ستٍّ وأربع).
(٣٥٩) في كمال الدِّين: (وذلك من عدِّ الليالي).
(٣٦٠) للتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٧٠)؛ المعمِّرون (ص ١٤ - ٢٥).
(٣٦١) (ع)، (ل): (أكثر)؛ (ر): (أكبر).
وهو: صيفي بن رياح بن أكثم أحد بني أسد بن عمر بن تميم أبو أكثم، ومن وصاياه: (... ومن سوء الأدب كثرة العتاب، واقرع الأرض بالعصا)، فذهب مثلاً، والقرع الضرب، والمراد: أنْ يُنبِّه الإنسان صاحبه عند خطئه.
وأصل المَثَل: أنَّ عامر بن الظرب لـمَّا طعن في السنِّ وأنكر قومه من عقله شيئاً أمر أولاده أنْ يقرعوا إلى المجنِّ بالعصا إذا خرج من كلامه وأخذ في غيره.
الوصايا (ص ١٤٦)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٧٠).
(٣٦٢) (ع)، (ل)، (ر): (شيئاً).
(٣٦٣) في النُّسَخ اضطراب في ضبط الاسم، وما أثبتناه هو الصحيح.
وهو: جرير بن عبد المسيح أو عبد العزَّى من ضبيعة من ربيعة، شاعر جاهلي، وأخواله بنو يشكر.
راجع: الأغاني (ج ٢٤/ ص ٢٦٠)؛ الأعلام (ج ٢/ ص ١١٩)؛ المعمَّرون (ص ٥٨).
(٣٦٤) (ع)، (ل)، (ر): (فيه)، بدلاً من: (قبل).
(٣٦٥) للتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٧٠)؛ الوصايا (ص ١٤٦).

↑صفحة ٩٩↑

ومنهم: ضُبَيْرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو(٣٦٦).
عاش مائتي سنة وعشرين سنة، فلم(٣٦٧) يشب قطُّ، وأدرك الإسلام ولم يُسلِم.
وروى أبو حاتم(٣٦٨) [و]الرياشي(٣٦٩)، عن العتبي(٣٧٠)، عن أبيه أنَّه قال: مات ضُبَيْرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر صحيح الأسنان.
ورثاه ابن عمّه قيس بن عدي فقال:

من يأمن الحَدَثان بعـ * * * د ضُبَيْرة السهمي ماتا
سبقت منيَّته المشيـ * * * ب وكان ميتته افتلاتا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٦٦) هو: ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص القرشي، عاش مائتين وعشرين سنة، وقيل: مائة وثمانين، وأدرك الإسلام فهلك فجأةً.
المعمَّرون (ص ٢٥)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦٥).
(٣٦٧) (ع)، (ر): (ولم).
(٣٦٨) أبو حاتم سهل بن محمّد بن عثمان بن يزيد الجشيمي السجستاني البصري الكوفي، تُوفّي سنة (٢٤٨هـ) أو (٢٥٠هـ) أو (٢٥٤هـ)، قرأ على الأخفش.
راجع تفصيل حياته في مقدّمة كتاب المعمَّرون للسجستاني، بقلم عبد المنعم عامر.
(٣٦٩) (ع)، (ر)، (ل): (الرياسي)؛ والصحيح: (أبو حاتم، والرياشي) كما هو في الغيبة للطوسي (ص ١١٦) وبقيَّة المصادر. والرياشي هو أبو الفضل العبّاس بن الفرج النحوي اللغوي، قُتِلَ في المسجد الجامع بالبصرة في أيَّام العلوي صاحب الزنج في سنة (٢٥٧هـ).
الأنساب (ج ٦/ ص ٢٠٠ و٢٠١).
(٣٧٠) أبو عبد الرحمن محمّد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب، الشاعر البصري، وكان راوية للأخبار وأيَّام العرب، روى عن أبيه وسفيان بن عيينة ولوط بن مخنف، روى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي، تُوفّي سنة (٢٢٨هـ).
العِبَر (ج ١/ ص ٤٠٣ و٤٠٤)؛ وفيات الأعيان (ج ٤/ ص ٣٩٨ - ٤٠٠).

↑صفحة ١٠٠↑

فتزوَّدوا لا تهلكوا(٣٧١) * * * من دون أهلكم خفاتا(٣٧٢)

ومنهم: دريد بن الصمَّة الجشمي(٣٧٣).
عاش مائتي سنة، وأدرك الإسلام فلم يُسلِم، وكان أحد قوَّاد المشركين يوم حُنَين ومقدَّمهم(٣٧٤)، حضر حرب النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقُتِلَ يومئذٍ(٣٧٥).
ومنهم: محصَّن بن عتبان(٣٧٦) بن ظالم الزبيدي(٣٧٧).
عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة(٣٧٨).
ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي(٣٧٩).
عاش أربعمائة سنة.
وهو الذي يقول:

كبرت وطال العمر حتَّى كأنَّني * * * سليمُ أفاعٍ ليله غير مودعِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٧١) (ع)، (ر)، (س)، (ط): (ولا تهلكوا).
(٣٧٢) (ل)، (ر): (حفاتا).
وللتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦٥)؛ المعمَّرون (ص ٢٥).
(٣٧٣) دريد بن الصمَّة الجشمي، من جشم بن سعد بن بكر، عاش نحواً من مائتي سنة حتَّى سقط حاجباه من عينيه، قُتِلَ يوم حُنَين، وإنَّما خرجت به هوازن تتيمَّن به.
المعمَّرون (ص ٢٧ و٢٨).
(٣٧٤) (ع)، (ل)، (ر): (ومقدَّمتهم).
(٣٧٥) للتفصيل راجع: المعمِّرون (ص ٢٧ و٢٨).
(٣٧٦) (ع)، (ر): (محصَّن غسَّان)؛ (ل)، (س): (محصَّن عتبان)؛ وما أثبتناه هو الصحيح.
(٣٧٧) محصَّن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطعية بن الحارث بن سَلَمة بن مازن الزبيدي. المعمَّرون (ص ٢٦ و٢٧)؛ كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦٧).
(٣٧٨) للتفصيل راجع: كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٦٧)؛ المعمَّرون (ص ٢٦ و٢٧).
(٣٧٩) (ع)، (ل)، (ر): (عمر بن حممة الدوسي)؛ قال في المعمَّرون (ص ٥٨): (عمرو بن حممة الدوسي، قضى على العرب ثلاثمائة سنة).

↑صفحة ١٠١↑

فما الموت أفناني ولكن تتابعت * * * عليَّ سنون من مصيف ومربعِ
ثلاث مئات قد مررن كواملاً * * * وها أنا هذا أرتجي نيل(٣٨٠) أربعِ(٣٨١)

ومنهم: الحرث(٣٨٢) بن مضاض الجرهمي(٣٨٣).
عاش أربعمائة سنة.
وهو القائل:

كأنْ لم يكن بين الحجون(٣٨٤) إلى الصفا * * * أنيسٌ ولم يسمر(٣٨٥) بمكَّة سامرُ
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا(٣٨٦) * * * صروف الليالي والجدود(٣٨٧) العواثرُ(٣٨٨)

وفي غير من ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب.
والفرس تزعم أنَّ قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدَّت، وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أنَّ من جملتهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٠) (س): (مثل)؛ (ط): (مرَّ).
(٣٨١) للتفصيل راجع: المعمَّرون (ص ٥٨).
(٣٨٢) (س): (الحارث)؛ وكذا في كتاب المعمَّرون.
(٣٨٣) في المعمَّرون: (الحارث بن مضاض الجرهمي).
راجع: المعمَّرون (ص ٨)؛ تذكرة الخواصِّ (ص ٣٦٥).
(٣٨٤) الحجون: موضع بمكَّة ناحية من البيت، وقيل: الجبل المشرف ممَّا يلي شِعب الجزَّارين بمكَّة.
لسان العرب (ج ١٣/ ص ١٠٩/ مادَّة حجن).
(٣٨٥) (ع)، (ل)، (ر): (يسمو).
(٣٨٦) في المعمَّرون: (فأزالنا).
(٣٨٧) الجدود جمع جدٍّ، وهو: البخت والحظُّ.
لسان العرب (ج ٣/ ص ١٠٧/ مادَّة جدد).
(٣٨٨) (ع)، (ل)، (ر): (والحدود الغوابر).
وللتفصيل راجع: تذكرة الخواصِّ (ص ٣٦٥)؛ المعمَّرون (ص ٨).

↑صفحة ١٠٢↑

المَلِك الذي استحدث المهرجان، عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة(٣٨٩).
لم نتعرَّض لشرح أخبارهم، لظهور ما قَصصته من أمر العرب من أعمارهم على ما تدَّعيه الفرس، ولقرب عهدها منّا وبُعد عهد أُولئك، وثبوت أخبار معمَّري العرب في صُحُف أهل الإسلام وعند علمائهم.
وقد أسلفت القول بأنَّ المنكِر لتطاول الأعمار إنَّما هم طائفة(٣٩٠) من المنجِّمين وجماعة من الملحدين، فأمَّا أهل الكُتُب والملل فلا يختلفون في صحَّة ذلك وثبوته.
فلو لم يكن من جملة المعمَّرين إلَّا من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي(٣٩١) (رحمة الله عليه)، وأكثر أهل العلم يقولون بأنَّه رأى المسيح،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٩) قال الشيخ الطوسي في الغيبة (ص ١٢٣): (وأمَّا الفرس فإنَّها تزعم فيما تقدَّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيردون أنَّ الضحَّاك صاحب الحيَّتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وإفريدون العادل عاش فوق ألف سنة، ويقولون: إنَّ المَلِك الذي أحدث المهرجان عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة استتر منها عن قومه ستّمائة سنة.
وراجع: تاريخ الطبري (ج ١/ ص ١٩٤ و٢١٥)؛ تاريخ اليعقوبي (ج ١/ ص ١٥٨)؛ البحار (ج ٥١/ ص ٢٩٠).
(٣٩٠) (ع)، (ر): (بأنَّ المنكِر لتطاولٍ للأعمار إنَّما طائفة).
(٣٩١) هو أبو عبد الله سلمان الفارسي، وهذا اسمه بعد الإسلام، أمَّا قبله، فقيل: مابه بن بوذخشان بن مورسلان، وقيل: اسمه بهبود، ويُلقَّب: سلمان الخير، وسلمان المحمّدي، وسلمان ابن الإسلام، شهد الخندق - وهو الذي أشار بحفره - ولم يفته بعد الخندق مشهد، تُوفّي بالمدائن سنة (٣٥هـ)، أو (٣٧هـ)، أو (٣٣هـ)، وقبره ظاهر معروف بقرب إيوان كسرى، وكان عطاؤه خمسة آلاف، وكان إذا خرج تصدَّق به ويأكل من عمل يده.
وأمَّا عمره فمائتان وخمسون سنة فممَّا لا شكَّ فيه، ولكن الاختلاف في الأكثر، فقيل: ثلاثمائة، وقيل: ثلاثمائة وخمسون.
تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ١٣٧/ رقم ٢٣٣)؛ أعيان الشيعة (ج ٧/ ص ٢٧٩ - ٢٨٧)؛ كمال الدِّين (ج ١/ ص ١٦١)؛ الكنى والألقاب (ج ٣/ ص ١٥٠)؛ تذكرة الخواصِّ (ص ٣٦٥).

↑صفحة ١٠٣↑

وأدرك النبيَّ (صلوات الله عليه وآله)، وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيَّام عمر بن الخطَّاب(٣٩٢)، وهو يومئذٍ القاضي بين المسلمين في المدائن(٣٩٣)، ويقال: إنَّه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصحّ(٣٩٤).
وفيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه، والحمد لله.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٢) أبو حفص عمر بن الخطَّاب، روى عن النبيِّ وأبي بكر وأُبي، روى عنه أولاده وغيرهم، قُتِلَ سنة (٢٣هـ).
طبقات الفقهاء (ص ١٩)؛ تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٤٣٨).
(٣٩٣) عبارة عن مُدُن سبع، من بناء أكاسرة العجم، على طرف دجلة ببغداد، كان يسكنها ملوك بني ساسان إلى زمن عمر، وفي الجانب الشرقي مشهد سلمان.
الكنى والألقاب (ج ٣/ ص ١٤٦ - ١٤٨).
(٣٩٤) نصَّ أكثر المؤرِّخين أنَّ سلمان كان أميراً على المدائن، واختُلِفَ في سنة وفاته، فقيل: في زمن عثمان، وقيل: في زمن أمير المؤمنين، والشيخ المفيد هنا ذهب إلى أنَّه وسط أيَّام عمر بن الخطَّاب.
للتفصيل راجع: الطبقات الكبرى (ج ٤/ ص ٧٥ - ٩٣)؛ تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ١٣٧)؛ تهذيب ابن عساكر (ج ٦/ ص ١٨٨)؛ حلية الأولياء (ج ١/ ص ١٨٥)؛ صفة الصفوة (ج ١/ ص ٢١٠)؛ تذكرة الخواصِّ (ص ٣٦٥)؛ أعيان الشيعة (ج ٣/ ص ١٥٠)؛ الكنى والألقاب (ج ٣/ ص ١٥٠).

↑صفحة ١٠٤↑

الفصل السابع: [هل وجود الإمام مغيَّباً كعدمه؟]

↑صفحة ١٠٥↑

فأمَّا قول الخصوم: إنَّه إذا استمرَّت غيبة الإمام على الوجه الذي تعتقده الإماميَّة - فلم يظهر له شخص، ولا تولّى(٣٩٥) إقامة حدٍّ، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة إلى حقٍّ، ولا جهاد العدوِّ - بطلت الحاجة إليه في حفظ(٣٩٦) الشرع والملَّة، وكان وجوده في العالم(٣٩٧) كعدمه.

فصل: [الغيبة لا تنافي حفظ الشرع والملَّة]:

فإنَّا نقول فيه: إنَّ الأمر بخلاف ما ظنُّوه، وذلك أنَّ غيبته لا تُخِلُّ(٣٩٨) بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملَّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرُّف في كلِّ وقتٍ لأحوال الأُمَّة، وتمسُّكها بالديانة أو فراقها لذلك إنْ فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافَّة رعيَّته.
ألَا ترى أنَّ الدعوة إليه إنَّما يتولَّاها شيعته، وتقوم الحجَّة بهم(٣٩٩) في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولّي(٤٠٠) ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء (عليهم السلام) تظهر نايباً عنهم(٤٠١) والمقرِّين بحقِّهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتَّى(٤٠٢) عن علَّتهم (كذا)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٥) (ع)، (ل)، (ر): (ولا يُؤتي).
(٣٩٦) (ع)، (ل)، (ر): (وتطلب الحاجة إليه في حقِّه، وبطلت الحاجة إليه في حقِّه).
(٣٩٧) (ر): (المعالم).
(٣٩٨) (ع)، (ل): (لا تحلُّ).
(٣٩٩) (ل)، (س)، (ط): (لهم).
(٤٠٠) (ل): (توالي).
(٤٠١) (س)، (ط): (بأتباعهم).
(٤٠٢) ينأى.

↑صفحة ١٠٧↑

ومستقرِّهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضاً نايباً عنهم(٤٠٣) بعد وفاتهم، وتثبت الحجَّة لهم في ثبوتهم(٤٠٤) بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك(٤٠٥) إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولَّاها أُمراء الأئمَّة وعُمَّالهم(٤٠٦) دونهم، كما كان يتولَّى ذلك أُمراء الأنبياء (عليهم السلام) وولاتهم(٤٠٧)، ولا يُخرِجونهم(٤٠٨) إلى تولّي(٤٠٩) ذلك بأنفسهم.
وكذلك(٤١٠) القول في الجهاد، ألَا ترى أنَّه يقوم به الولاة من قِبَل الأنبياء والأئمَّة دونهم، ويستغنون بذلك عن تولّيه بأنفسهم؟
فعُلِمَ بما ذكرناه أنَّ الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه(٤١١) ما(٤١٢) اختصَّ به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان(٤١٣) غيره عليه(٤١٤) ومراعاة الخلق في أداء ما كُلِّفوه من أدائه (آدابه).
فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعةٍ من الاستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه، وضلُّوا عن طريق الحقِّ فيما كُلِّفوه من نقله ظهر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٠٣) (س)، (ط): (بأتباعهم).
(٤٠٤) (ط): (نبوَّتهم).
(٤٠٥) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (ولذلك).
(٤٠٦) (ر): (وقد يتولَّى أُمراء الأئمَّة لهم).
(٤٠٧) (ع)، (ر)، (ل)، (س): (وولايتهم).
(٤٠٨) (س)، (ط): (ولا يحوجونهم).
(٤٠٩) (ل): (المولى)؛ وفي حاشية (ل): (المتولّي).
(٤١٠) (ع)، (ر): (ولذلك).
(٤١١) (ع)، (ل)، (س): (عدِّه).
(٤١٢) (ع)، (ل)، (ر): (ممَّا).
(٤١٣) (ع)، (ل)، (ر): (إيمان).
(٤١٤) لفظ: (عليه)، لم يرد في (ل)، (ط).

↑صفحة ١٠٨↑

لتولّي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجَّة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده(٤١٥) أو موته المانع له من مراعاة الدِّين وحفظه، وهذا بيِّن لمن تدبَّره.
وشيء آخر، وهو: أنَّه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت(٤١٦) لذلك الحدود، وانهملت به الأحكام، ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله (عزَّ اسمه)، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.
فلو أماته الله تعالى وأعدم(٤١٧) ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد، ولا رفع(٤١٨) ما يرفع الصلاح.
فوضح بذلك الفرق بين [موت] الإمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشُّبُهات، والمنَّة لله.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١٥) (ل): (بوجوده).
(٤١٦) (ل): (وضاعت).
(٤١٧) (ط): (أو أعدم).
(٤١٨) كذا.

↑صفحة ١٠٩↑

الفصل الثامن: [ما الفرق بين قول الإماميَّة في الغيبة وقول سائر الفِرَق الشيعيَّة؟]

↑صفحة ١١١↑

فأمَّا قول المخالفين: إنَّا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا (عليه السلام) السبائيَّة(٤١٩) في قولهم: إنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يُقتَل، وإنَّه حيٌّ موجود، وقول الكيسانيَّة في محمّد بن الحنفيَّة، ومذهب الناووسيَّة في أنَّ الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) لم يمت، وقول الممطورة في موسى بن جعفر (عليه السلام): إنَّه لم يمت(٤٢٠)، وإنَّه حيٌّ إلى أنْ يخرج بالسيف، وقول أوائل الإسماعيليَّة وأسلافها: إنَّ إسماعيل بن جعفر هو المنتظَر، وإنَّه حيٌّ لم يمت، وقول بعضهم(٤٢١) مثل ذلك في محمّد بن إسماعيل(٤٢٢)، وقول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١٩) (ل): الكيانيَّة.
والسبائيَّة: فرقة قالت: إنَّ عليًّا لم يُقتَل ولم يمت، ولا يُقتَل ولا يموت، حتَّى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وهي أوَّل فرقة قالت في الإسلام بالوقف بعد النبيِّ من هذه الأُمَّة، وأوَّل من قال منها بالغلوِّ، وإنَّما سمُّوا بالسبائيَّة نسبةً لعبد الله ابن سبأ.
فِرَق الشيعة (ص ٢٢).
(٤٢٠) من قوله: (وقول الممطورة) إلى هنا، لم يرد في (ر)، (ل)، (ط).
(٤٢١) فرقة زعمت أنَّ الإمام بعد الصادق (عليه السلام) محمّد بن إسماعيل بن جعفر، وقالوا: إنَّ الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلمَّا تُوفّي قبل أبيه جعل جعفر بن محمّد الأمر لمحمّد بن إسماعيل، وأصحاب هذا القول يُسَمَّون المباركيَّة، لرئيس لهم يُسمَّى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر.
فِرَق الشيعة (ص ٨٠).
(٤٢٢) محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد، وهو الذي سعى بعمِّه موسى الكاظم إلى هارون الرشيد، وقال له: يا أمير المؤمنين، خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجيء له الخراج وأنت بالعراق يجيء إليك الخراج، فقال: والله؟ قال: والله، وكان الإمام الكاظم يصل محمّد بن إسماعيل بن جعفر كثيراً، حتَّى إنَّ محمّداً لمَّا فارق الإمام من المدينة قال: يا عمِّ أوصني، فقال: «أُوصيك أنْ تتَّقي الله في دمي». تنقيح المقال (ج ٢/ ص ٨٢).

↑صفحة ١١٣↑

الزيديَّة مثل ذلك(٤٢٣) فيمن قُتِلَ من أئمَّتها حتَّى قالوه في يحيى بن عمر(٤٢٤) المقتول بشاهي(٤٢٥).
وإذا كانت(٤٢٦) هذه الأقاويل باطلة عند الإماميَّة، وقولها في غيبة صاحبها نظيرها، فقد بطلت أيضاً ووضح فسادها.

فصل: [بطلان معتقد سائر الفِرَق وصحَّة معتقد الإماميَّة]:

فإنَّا نقول: إنَّ هذا توهُّمٌ من الخصوم لو تيقَّظوا(٤٢٧) لفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحقِّ وظنُّوه نظيراً لمقالهم: وذلك أنَّ قتل من سمُّوه قد كان محسوساً مدرَكاً بالعيان، وشهد(٤٢٨) به أئمَّة قاموا(٤٢٩) بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت(٤٣٠) إمامة من تقدَّمهم، والإنكار للمحسوسات باطلٌ عند كافَّة العقلاء،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٢٣) (ر): (في مثل ذلك).
(٤٢٤) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليِّ بن الحسين السبط، ثائرٌ، خرج في أيَّام المتوكِّل العبّاسي سنة (٢٣٥هـ)، واتَّجه ناحية خراسان بجماعة، فردَّه عبد الله بن طاهر إلى بغداد، فضُرِبَ وحُبِسَ ثمّ أُطلق، فأقام مدَّة في بغداد، وتوجَّه إلى الكوفة في أيَّام المستعين بالله، وقاربها وأخذ ما في بيت المال وفتح السجون وعسكر بالفلُّوجة، وقصده جيش فظفر عليه يحيى، وأقبل عليه جيش آخر جهَّزه محمّد بن عبد الله بن طاهر، فاقتتلا بشاهي قرب الكوفة، فتفرَّق عسكر الطالبي وبقي في عدد قليل، وتقنطر به فرسه فقُتِلَ، وحُمِلَ رأسه إلى المستعين.
راجع: الأعلام (ج ٨/ ص ١٦٠)، وما ذكره من مصادر الترجمة.
(٤٢٥) قال الحموي: (موضع قرب القادسيَّة فيما أحسب).
معجم البلدان (ج ٣/ ص ٣١٦).
(٤٢٦) (ع)، (ل)، (ر): (كان).
(٤٢٧) (س)، (ط): (تفطَّنوا).
(٤٢٨) (ع)، (ل)، (س): (وشهدوا).
(٤٢٩) (ل): (فأتمُّوا).
(٤٣٠) (ل)، (ر): (تثبت).

↑صفحة ١١٤↑

وشهادة الأئمَّة المعصومين بصحَّة موت الماضين منهم مزيلة لكلِّ ريبة، فبطلت الشبهة فيه على ما بيَّنَّاه.
وليس كذلك قول الإماميَّة في دعوى وجود صاحبهم (عليه السلام)، لأنَّ دعوى وجود صاحبهم (عليه السلام) لا تتضمَّن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس(٤٣١)، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمَّة الهدى (عليهم السلام) إمامٌ عدلٌ معصومٌ يشهد بفساد دعوى الإماميَّة أو وجود إمامها وغيبته.
فأيُّ نسبة بين الأمرين؟ لولا التحريف في الكلام، والعمل على أوَّل خاطر يخطر للإنسان من غير فكرٍ(٤٣٢) فيه ولا إثبات.

فصل: [عدم إنكار غيبة الآخرين]:

ونحن فلم(٤٣٣) نُنكِر غيبة من سمَّاه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجَّةً علينا في تطاول مدَّة غيبة صاحبنا، وإنَّما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل مَنْ قُتِلَ منهم، وموت مَنْ مات مِنْ جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الإدراك بالحواسِّ.
ولأنَّ في جملة مَنْ ذكروه مَنْ لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقِّها على حالٍ، فلا يضرُّ لذلك دعوى من ادَّعى له الغيبة والاستتار.
ومن تأمَّل ما ذكرناه عرف الحقَّ منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالَّة من المنتسبين إلى الإماميَّة والزيديَّة، ولم(٤٣٤) يخفَ الفصل بين مذهبنا في صاحبنا (عليه السلام) ومذاهبهم الفاسدة بما قدَّمناه، والمنَّة لله.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣١) (س): (إنكاراً بمحسوس).
(٤٣٢) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (من فكر)؛ والمثبَّت من (ط)، وهو الأنسب.
(٤٣٣) (س)، (ط): (لم).
(٤٣٤) (ع)، (ل)، (ر): (لم)، بدون واو.

↑صفحة ١١٥↑

الفصل التاسع(٤٣٥): [الغيبة واستمرار الإمامة]

↑صفحة ١١٧↑

وهو قول الخصوم: إنَّ(٤٣٦) الإماميَّة تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة(٤٣٧)، وقولهم بشمول(٤٣٨) المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكُّنه من(٤٣٩) البلاد والعباد.
وقولهم مع ذلك: إنَّ الله تعالى قد أباح للإمام(٤٤٠) الغيبة عن الخلق، وسوَّغ له(٤٤١) الاستتار(٤٤٢) عنهم، وإنَّ ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.
وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.
فصل: [اختلاف المصالح باختلاف الأحوال]:
وأقول: إنَّ هذه الشُّبهة الداخلة على المخالف إنَّما استولت عليه لبُعده عن سبيل الاعتبار، ووجوه(٤٤٣) الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أنَّ المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتَّفق مع تضادِّها، بل يتغيَّر تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغيُّر(٤٤٤) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣٥) (ع)، (ل): (فصل: وأمَّا الكلام في الفصل التاسع).
(٤٣٦) (ع)، (ل)، (ر): (وإنَّ).
(٤٣٧) (ع)، (س): (للإمامة).
(٤٣٨) (ع)، (ر)، (س)، (ط): (لشمول).
(٤٣٩) في (س)، (ط): (وتمكُّنه في البلاد والعباد).
(٤٤٠) (ع)، (ل): (الإمام).
(٤٤١) (ع)، (ل)، (س): (وسوَّغه).
(٤٤٢) (ع)، (س): (للاستتار).
(٤٤٣) (ل)، (ط): (ووجود).
(٤٤٤) (س)، (ط): (بتغيير).

↑صفحة ١١٩↑

ألَا ترى أنَّ الحكيم من البشر يُدبِّر ولده وأحبَّته(٤٤٥) وأهله وعبيده وحشمه بما(٤٤٦) يُكسِبهم(٤٤٧) المعرفة والآداب، ويبعثهم على الأعمال الحسنات، ليستثمروا(٤٤٨) بذلك المدح وحسن الثناء والإعظام من كلِّ أحدٍ والإكرام، ويُمكِّنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال(٤٤٩)، لتتَّصل مسارُّهم بذلك، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذَّات(٤٥٠)، وذلك هو الأصلح لهم، مع توقُّرهم(٤٥١) على ما دبَّرهم به من أسباب ما ذكرناه؟
فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجدِّ فيه، أداموا لهم ما يتمكَّنون به منه، وسهَّلوا عليهم سبيله، وكان ذلك(٤٥٢) هو الصلاح العامُّ، وما أخذوا بتدبيرهم إليه، وأحبُّوه منهم وأبرُّوه لهم.
وإنْ عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم قطع موادِّ السعة(٤٥٣) عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإهانة والعقاب.
وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضادٌّ في صواب التدبير والاستصلاح.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤٥) (ل): (وأخيه).
(٤٤٦) (ع)، (س)، (ط): (ما).
(٤٤٧) (ل)، (ط): (يُنبِّؤهم)؛ ويحتمل في (ع)، (ر): (يُكسِهم).
(٤٤٨) (ل)، (ط): (ليستمرُّوا).
(٤٤٩) (ل): (الأموال)؛ (ط): (في الأعمال).
(٤٥٠) (ع)، (ل)، (ر): (اللذَّات).
(٤٥١) (ع)، (ط): (توفُّرهم).
(٤٥٢) لفظ: (ذلك)، لم يرد في (ل)، (ط).
(٤٥٣) (ع)، (ل)، (ر)، (س): (الشيعة)، ويحتمل: (الشنعة).

↑صفحة ١٢٠↑

وعلى الوجه الذي بيَّنَّاه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح.
ألَا ترى أنَّه خلقهم فأكمل عقولهم وكلَّفهم الأعمال الصالحات، ليُكسِبهم(٤٥٤) بذلك حالاً(٤٥٥) في العاجلة، ومدحاً وثناءً حسناً وإكراماً وإعظاماً وثواباً في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام؟
فإنْ تمسَّكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهَّل عليهم سبيله، ويسَّره لهم.
وإنْ خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، تغيَّرت(٤٥٦) الحال فيما يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب(٤٥٧) قطع موادِّ(٤٥٨) التوفيق عنهم، وحسن منه ذمُّهم وحربهم، ووجب عليهم(٤٥٩) به العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم(٤٦٠) والأصوب(٤٦١) في تدبيرهم ممَّا كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد.
فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضادٍّ في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتِّفاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٥٤) (ل): (ليُكسِهم).
(٤٥٥) (س)، (ط): (جمالاً).
(٤٥٦) (ل): (لغيَّرت).
(٤٥٧) (ل): (لوجب).
(٤٥٨) (ع)، (ل)، (ر): (موات).
(٤٥٩) (ل)، (ط): (وحسن منه ذمُّهم وحر عليهم)؛ وفي (س)، (ع): (جربهم)، بدلاً من: (حربهم).
(٤٦٠) إلى هنا انتهت نسخة (ع)، فالاعتماد في ضبط النصِّ يكون على نسخة: (ل)، (ر)، (س)، (ط).
(٤٦١) (ر)، (س): (والأحقُّ).

↑صفحة ١٢١↑

فصل: [اختلاف المصلحة في الظهور والغيبة]:
ألَا ترى أنَّ الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به، وإظهار التوحيد والإيمان برُسُله (عليهم السلام) لمصلحتهم، وأنَّه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطرُّوا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم، كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله، والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرُّسُل، وإنَّما تغيَّرت المصلحة بتغيُّر الأحوال، وكان في تغيُّر التدبير الذي دبَّرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتَّقين، وإنْ كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحاً منهم ومفسدةً يستحقُّون به العقاب الأليم.
وقد فرض الله تعالى الحجَّ والجهاد وجعلهما صلاحاً للعباد، فإذا تمكَّنوا منه عمَّت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكفَّ عنه، وكانوا في ذلك معذورين، وكان المجرمون به ملومين(٤٦٢).
فهذا نظيرٌ لمصلحة الخلق بظهور الأئمَّة (عليهم السلام) وتدبيرهم إيَّاهم متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإنْ عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيَّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه(٤٦٣) واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم(٤٦٤) هو المسبِّب له بإفساده وسوء اعتقاده.
ولم يمنع كون الصلاح باستتاره(٤٦٥) وجوب وجوده وظهوره، مع العلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦٢) (ل)، (ر): (ملومون).
(٤٦٣) (ل): (وتغيبته).
(٤٦٤) (ل)، (ر): (المليم).
(٤٦٥) (ل)، (ر): (باستتار).

↑صفحة ١٢٢↑

ببقائه وسلامته وكون(٤٦٦) ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنَّه الأصل(٤٦٧) الذي أجرى(٤٦٨) بخلق العباد إليه وكُلِّفوا من أجله حسبما ذكرناه.
فصل: [عدم وجود أيِّ تناقضٍ بين الغيبة والإمامة]:
فإنَّ الشُّبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أنَّ مذهب الإماميَّة في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقضٌ، حسبما ظنُّوه في ذلك وتخيَّلوه، لا يدخل إلَّا على عمىً منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإمامة، لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به.
وذلك أنَّهم بين رجلين:
أحدهما: يوجب الإمامة عقلاً وسمعاً، وهم البغداديُّون من المعتزلة(٤٦٩)، وكثير من المرجئة(٤٧٠).
والآخر: يعتقد وجوبها(٤٧١) سمعاً ويُنكِر أنْ تكون العقول توجبها، وهم البصريُّون من المعتزلة(٤٧٢)، وجماعة المجبِّرة(٤٧٣)، وجمهور الزيديَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦٦) (ل)ن (ر)، (س): (كون)، بدون واو.
(٤٦٧) (ر)، (س): (للأصل).
(٤٦٨) (س)، (ط): (أحرى). والمعنى: أنَّ الصلاح الإلهي الذي اقتضى غيبة الإمام هو الأصل الذي كان خلق العباد للتوصُّل إليه ومن أجله.
(٤٦٩) وهم أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخيَّاط مع تلميذه أبي القاسم بن محمّد الكعبي، ويُعبَّر عن مذهبهما بالخيَّاطيَّة والكعبيَّة. الملل والنحل (ج ١/ ص ٧٣).
(٤٧٠) (ل): (وهم البغداديُّون من المعتزلة، وكثير من المعتزلة، وكثير من المرجئة).
(٤٧١) (ر)، (ل)، (س): (أنَّ وجوبها).
(٤٧٢) وهم أصحاب أبي عليٍّ محمّد بن عبد الوهَّاب الجُبَّائي وابنه أبي هاشم عبد السلام، ويُعبَّر عن مذهبهما بالجُبَّائيَّة والبهشميَّة. الملل والنحل (ج ١/ ص ٧٣).
(٤٧٣) الجبريَّة أصناف، فالجبريَّة الخالصة: هي التي لا تُثبِت للعبد فعلاً ولا قدرةً على الفعل أصلاً، وأمَّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل وسمَّى ذلك كسباً فليس بجبريٍّ. الملل والنحل (ج ١/ ص ٧٩).

↑صفحة ١٢٣↑

وكلُّهم وإنْ خالف الإماميَّة في وجوب النصِّ على الأئمَّة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنَّهم يقولون: إنَّ وجوب اختيار الأئمَّة إنَّما هو لمصالح الخلق، والبغداديُّون من المعتزلة خاصَّة يزعمون أنَّه الأصلح في الدِّين والدنيا معاً، ويعترفون بأنَّ وقوع الاختيار وثبوت الإمامة هو المصلحة العامَّة، لكنَّه متى تعذَّر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين إليهم العقد والنهوض(٤٧٤) بالدعوة في سعةٍ من ترك ذلك وفي غير حرجٍ من الكفِّ عنه، وأنَّ تركهم له حينئذٍ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى لهم التقيَّة في العدول عنه هو الأولى في الحِكمة وصواب التدبير في الدنيا والدِّين.
وهذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الإماميَّة في ظهور الإمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفِّه عنه وتقيَّته، وإباحة شيعته عند الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان، والإعراض عن ذلك للضرورة إليه، والإمساك عن الذِّكر له باللسان.
فكيف خفي الأمر فيه على الجُهَّال من خصومنا، حتَّى ظنُّوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضادَّ، وهو قولهم بعينه على السواء؟ لولا عدم التوفيق لهم، وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان، والله المستعان.

* * *

↑صفحة ١٢٤↑

الفصل العاشر: [كيفيَّة معرفته (عجَّل الله فرجه) بعد ظهوره]

↑صفحة ١٢٥↑

فأمَّا قول الخصوم: إنَّه إذا كان الإمام غائباً منذ وُلِدَ وإلى أنْ يظهر داعياً إلى الله تعالى، ولم يكن رآه على قول أصحابه أحدٌ إلَّا من مات(٤٧٥) قبل ظهوره، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه، ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته. وإذا لم يكن الله تعالى يُظهِر الأعلام والمعجزات على يده ليدلَّ بها على أنَّه الإمام المنتظَر، دون من ادَّعى مقامه في ذلك(٤٧٦) النبوَّة له، إذ كانت المعجزات دلائل النبوَّة والوحي والرسالة، وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الأُمَّة كلِّها: إنَّه لا نبيَّ بعد نبيِّنا (عليه وآله السلام).
فصل: [علامات الظهور]:
فإنّا نقول: إنَّ الأخبار قد جاءت عن أئمَّة الهدى من آباء الإمام المنتظَر (عليه السلام) بعلامات تدلُّ عليه قبل ظهوره، وتُؤذَن بقيامه بالسيف قبل سنته:
منها: خروج السفياني(٤٧٧)، وظهور(٤٧٨) الدجَّال(٤٧٩)، وقتل رجلٍ من ولد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٧٤) (ع)، (ط): (النهوض)، بدون واو.
(٤٧٥) (ر)، (ل)، (س): (قد مات).
(٤٧٦) كذا. ولعلَّ الصحيح: (وإذا أظهر ثبتت...).
(٤٧٧) كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٦٤٩/ باب ٥٧ ما روي في علامات خروج القائم (عليه السلام))، الغيبة للنعماني (ص ٢٥٢/ حديث ٩)؛ الغيبة للطوسي (ص ٤٣٣، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه).
(٤٧٨) (ل): (وخروج خ ل).
(٤٧٩) كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٥٢٥/ باب ٤٧/ حديث الدجَّال وما يتَّصل به من أمر القائم (عليه السلام) وص ٦٤٩/ باب ٥٧ ما روي في علامات خروج القائم (عليه السلام))؛ الغيبة للطوسي (ص ٤٣٣، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه).

↑صفحة ١٢٧↑

الحسن بن عليٍّ (عليه السلام)(٤٨٠) يخرج بالمدينة داعياً إلى إمام الزمان(٤٨١)، وخسف بالبيداء(٤٨٢).
وقد شاركت العامَّةُ الخاصَّةَ في الحديث عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأكثر هذه العلامات(٤٨٣)، وأنَّها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات، وهذا بعينه معجز يظهر على يده، يُبرهِن به عن صحَّة نسبه ودعواه.
فصل: [ظهور المعجز على يد الأئمَّة (عليهم السلام)]:
مع أنَّ ظهور الآيات على الأئمَّة (عليهم السلام) لا توجب لهم الحكم بالنبوَّة، لأنَّها ليست بأدلَّة تختصُّ بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوَّتهم، لكنَّها أدلَّة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل.
فإنْ دعا إلى اعتقاد نبوَّتهم(٤٨٤) كانت دليلاً على صدقه في دعوته، وإنْ دعا الإمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهاناً له في صدقه في ذلك، وإنْ دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوَّة نبيٍّ أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبيٍّ أو إمام كان المعجزة على صحَّة دعواه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨٠) (ل): (عليهما).
(٤٨١) كمال الدِّين (ج ٢/ ص ٦٤٩/ باب ٥٧ ما روي في علامات خروج القائم (عليه السلام))؛ الغيبة للنعماني (ص ٢٥٢/ حديث ٩)؛ الغيبة للطوسي (ص ٤٣٣، ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه).
(٤٨٢) المصدر السابق.
(٤٨٣) راجع علائم الظهور عند أهل السُّنَّة في: المصنَّف (ج ١١/ باب المهديِّ)؛ سُنَن ابن ماجة (ج ٢/ ص ٢٣/ حديث ٤٠٨٤)؛ سُنَن أبي داود (ج ٤/ ص ١٠٧ و١٠٨/ حديث ٤٢٨٦ و٤٢٨٩)؛ البدء والتاريخ (ج ١/ ص ١٧٤ و١٧٦ و١٨٦)؛ وللتفصيل أكثر راجع: الإمام المهدي عند أهل السُّنَّة بجزأيه.
(٤٨٤) (س)، (ط): (نبوَّته).

↑صفحة ١٢٨↑

وليس يختصُّ ذلك بدعوة النبوَّة دون ما ذكرناه، وإنْ كان مختصًّا بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الآثام، وذلك ممَّا يصحُّ اشتراك أصحابه مع الأنبياء (عليهم السلام) في صحيح(٤٨٥) النظر والاعتبار.
وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم ابنة عمران، الآية الباهرة برزقها من السماء، وهو خرقٌ للعادة(٤٨٦)، وعَلَمٌ باهرٌ من أعلام النبوَّة.
فقال (جلَّ من قائل): ﴿كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [آل عمران: ٣٧ و٣٨].
ولم يكن لمريم (عليها السلام) نبوَّة ولا رسالة، لكنَّها كانت من عباد الله الصالحين المعصومين من الزلَّات.
وأخبر سبحانه أنَّه أوحى إلى أُمِّ موسى: ﴿أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القَصص: ٧].
والوحي معجزٌ من جملة معجزات الأنبياء (عليهم السلام)، ولم تكن أُمُّ موسى (عليها السلام) نبيَّة ولا رسولة، بل كانت من عباد الله البررة الأتقياء.
فما الذي يُنكَر من إظهار عَلَم يدلُّ على عين الإمام ليتميَّز به عمَّن سواه؟ لولا أنَّ مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم(٤٨٧) الشُّبُهات المضمحلَّات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨٥) (ر): (تصحيح)؛ (ل): (التصحيح).
(٤٨٦) (ل): (خرق العادة).
(٤٨٧) (ر): (لخصومتهم).

↑صفحة ١٢٩↑

فصل:
وقد أثبتُّ في كتابي المعروف بـ (الباهر من المعجزات)(٤٨٨) ما يُقنِع من أحبَّ معرفة دلالتها والعلم بموضوعها والغرض في إظهارها على أيدي أصحابها، ورسمتُ منه جملة مقنعة في آخر كتابي المعروف بـ (الإيضاح).
فمن أحبَّ الوقوف على ذلك فليلتمسه في هذين الكتابين، يجده على ما يزيل شُبُهات الخصوم في معناه إنْ شاء الله تعالى.

* * *

فهذه جملة الفصول التي ضمنت إثبات معانيها(٤٨٩)، ليتَّضح(٤٩٠) بذلك الحقُّ فيها، ليعتبر به ذوي(٤٩١) الألباب، وقد وفيت(٤٩٢) بضماني في ذلك، والله الموفِّق للصواب.
وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد النبيِّ وآله، وسلَّم كثيراً، ولا حول(٤٩٣) ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم، وحده وحده(٤٩٤).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨٨) وسمَّاه النجاشي في رجاله (ص ٤٠١) بالزاهر من المعجزات.
وهو يبحث عن معجزات الأنبياء والأئمَّة، وأثبت فيه أنَّ المعجز غير مختصٍّ بالأنبياء، وهذا الكتاب لا أثر له الآن.
(٤٨٩) (ر)، (ل): (في معانيها).
(٤٩٠) (ل): (ليصحَّ).
(٤٩١) (ل): (من ذوي).
(٤٩٢) (ل): (وافيتُ).
(٤٩٣) لفظ: (ولا حول)، لم يرد في (ر).
(٤٩٤) (ر): (ولا قوَّة إلَّا بالله وحده وحده)؛ ولفظ: (وحده وحده)، لم يرد في (ل)، (س).

↑صفحة ١٣٠↑

فهارس الكتاب

١ - فهرس الآيات القرآنيَّة.
٢ - فهرس الأحاديث.
٣ - فهرس الأعلام.
٤ - فهرس الأشعار.
٥ - فهرس الفِرَق والقبائل والأُمَم.
٦ - فهرس الكُتُب.
٧ - فهرس البلدان.
٨ - فهرس القَصص.
٩ - فهرس مصادر التحقيق.
١٠ - فهرس المحتويات.

* * *

↑صفحة ١٣١↑

(١)
فهرس الآيات القرآنيَّة

مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ..................٨٧
كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ..................١٢٩
أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ..................١٢٩

(٢)
فهرس الأحاديث

وصيَّة الإمام الصادق (عليه السلام) إلى حميدة المصفاة..........................٦٨، ٦٩
لا بدَّ للقائم من غيبتين..................٢٢، ٨٣
ظهور المعجز على يد الأئمَّة (عليهم السلام)..................١٢٨

(٣)
فهرس الأعلام

آدم (عليه السلام)..................٩٤
إبراهيم (عليه السلام)..................٥٤، ٥٩، ٦٠، ٩٥
أبو جهل..................٦٢
أبو حاتم..................١٠٠
أبو لهب..................٦١

↑صفحة ١٣٣↑

إسماعيل بن جعفر..................٤٤، ١١٣
الأعشى..................٩٦
أكثم بن صيفي..................٩٨
أُمُّ موسى (عليها السلام)..................١٢٩
جعفر بن عليٍّ الهادي..................٤١، ٥٧، ٥٩، ٦٢، ٦٣، ٦٤
جعفر بن محمّد (عليه السلام)..................١٦، ٤٤، ٦٨، ١١٣
حديث..................٤١، ٦٧
الحرث بن مضاض..................١٠٢
الحسن بن عليٍّ العسكري (عليه السلام)............ ٤٣ ٤١، ٤٢، ٤٩، ٥٢، ٥٥، ٥٩، ٦٠، ٦٢، ٦٣، ٦٤، ٦٧، ٧٩، ٨٠، ١٢٨
حميدة البربريَّة..................٦٩
الخضر (عليه السلام)..................٨٥، ٩٦
الدجَّال..................١٢٧
دريد بن الصمَّة..................١٠١
الربيع..................٦٩
ربيع بن ضبيع..................٩٧
الرياشي..................١٠٠
زكريَّا (عليه السلام)..................١٢٩
السفياني..................١٢٧
سلمان الفارسي..................١٠٣
صيفي بن رياح..................٩٩
ضبيرة بن سعيد..................١٠٠

↑صفحة ١٣٤↑

العتبي..................١٠٠
عثمان بن سعيد..................٨٠
عمرو بن حممة الدوسي..................١٠١
الفتح بن عبد ربِّه..................٦٧
فراسياب..................٥١
فرعون..................٨٥
قيس بن عدي..................١٠٠
كيخسرو..................٥٠
لقمان بن عاد..................٩٦
المتلمِّس اليشكري..................٩٩
محصّن بن عتبان..................١٠١
محمّد بن إسماعيل..................١١٣
محمّد بن جرير الطبري..................٥١
محمّد بن الحنفيَّة..................٤٤، ١١٣
محمّد بن عثمان..................٨٠
محمّد بن المأمون..................٦٧
مريم (عليها السلام)..................١٢٩
المستوغر بن ربيعة..................٩٨
المنصور..................٦٩
موسى (عليه السلام)..................٥٤، ٨٥، ١٢٩
موسى الكاظم (عليه السلام)..................٤٣، ٦٨، ٦٩، ١١٣
المهدي (عجَّل الله فرجه)..................٤٩، ٥٤، ٥٥
نوح (عليه السلام)..................٩٤

↑صفحة ١٣٥↑

الواثق بالله..................٦٧
وسفا فريد..................٥١
يحيى بن عمر..................١١٤
يوسف (عليه السلام)..................٥٩، ٦٠، ٨٥
يعقوب (عليه السلام)..................٥٩، ٨٥
يونس (عليه السلام)..................٨٦

(٤)
فهرس الأشعار
أوَّل البيت القافية عدد الأبيات

 لنفسك نسر ٣..................٩٧
 أصبح عُصُرا ١..................٩٧
 إذا الشتاءُ ٣..................٩٧
 ولقد مِئِينا ٢..................٩٨
 وإنَّ جاهلُ ٢..................٩٩
 لذي ليعلما ١..................٩٩
 مَن ماتا ٣..................١٠٠
 كبرتُ مودع ٣..................١٠١
 كأن سامرُ ٢..................١٠٢

(٥)
فهرس الفِرَق والقبائل والأُمَم

آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)..................٢٢، ٨٣

↑صفحة ١٣٦↑

الإماميَّة ٥٤، ٥٩، ٦٣، ٦٨، ٧٤، ٧٩، ٨١، ٨٣، ٨٤، ٨٨، ٩٣، ١٠٧، ١١٤، ١١٥، ١١٩، ١٢٣، ١٢٤
الأئمَّة..................٥٥، ٧٣، ١٠٨، ١١٥، ١٢٢، ١٢٤، ١٢٨
الإسماعيليَّة..................٤٣، ١١٣
الأنبياء..................٥٩، ١٠٧، ١٠٨، ١٢٨، ١٢٩
البصريُّون من المعتزلة..................١٢٣
البغداديُّون من المعتزلة..................١٢٣، ١٢٤
بنو أُميَّة..................٤٢، ٦١
بنو هاشم..................٦١
الترك..................٥١
الحشويَّة..................٦٣
الخوارج..................٦٤
الدهريُّون..................٨٧، ٨٨، ٩٥
الروم..................٥٠، ٨٩
الزيديَّة..................٦٣، ٨١، ١١٤، ١١٥، ١٢٣
السبائيَّة..................١١٣
الشيعة..................٦١، ٦٢، ٦٨، ٧٣، ٧٤، ٨٤
العجم..................٩٥
العرب..................٩٥، ١٠٢، ١٠٣
الفرس..................٥٠، ٥١، ٨٩، ١٠٢، ١٠٣
الكُفَّار..................٦١
الكيسانيَّة..................٤٣، ١١٣

↑صفحة ١٣٧↑

المخالفين..................٣٩، ٩٤، ١١٣
المرجئة..................٦٤، ١٢٣
المعتزلة..................٦٣، ١٢٣، ١٢٤
الملحدون..................٨٧، ٨٨، ١٠٣
الممطورة..................٤٣، ١١٣
المنجِّمين..................٨٨، ٩٥، ١٠٣
الناووسيَّة..................٤٣، ١١٣

(٦)
فهرس الكُتُب

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد..................٥٥
الإيضاح في الإمامة والغيبة..................٥٥، ٩٥، ١٣٠
الباهر من المعجزات..................١٣٠
تاريخ الطبري..................٥١

(٧)
فهرس البلدان

أهواز..................٨١
بابل..................٥٠
بغداد..................٨١
الجبال..................٨١
شاهي..................١١٤

↑صفحة ١٣٨↑

قزوين..................٨١
قم..................٨١
الكوفة..................٨١
المدينة..................١٢٨
نصيبين..................٨٠
الهند..................٥٠، ٨٩، ٩٥

(٨)
فهرس القَصص

قصَّة كيخسرو..................٥٠
قصَّة إبراهيم (عليه السلام)..................٥٤، ٩٥
قصَّة موسى (عليه السلام)..................٥٤، ٨٥
قصَّة يوسف (عليه السلام)..................٥٩، ٨٥
قصَّة الخضر (عليه السلام)..................٨٥
قصَّة يونس (عليه السلام)..................٨٦
قصَّة أصحاب الكهف..................٨٦
قصَّة صاحب الحمار..................٨٧، ٨٨
قصَّة آدم (عليه السلام)..................٩٤
قصَّة نوح (عليه السلام)..................٩٤
قصَّة لقمان بن عاد الكبير..................٩٦
قصَّة ربيع من ضُبيع..................٩٧
قصَّة المستوغر بن ربيعة..................٩٨

↑صفحة ١٣٩↑

قصَّة أكثم بن صيفي..................٩٨
قصَّة صيفي بن رياح..................٩٩
قصَّة ضُبيرة بن سعيد..................١٠٠
قصَّة دريد بن الصمّة..................١٠١
قصَّة محصّن بن عتبان..................١٠١
قصَّة عمرو بن حممة الدوسي..................١٠١
قصَّة الحرث بن مضاض..................١٠٢
قصَّة سلمان الفارسي..................١٠٣
قصَّة مريم (عليها السلام)..................١٢٩

(٩)
فهرس مصادر التحقيق

(١) القرآن الكريم.
(٢) الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن عليٍّ الطبرسي، مكتبة النعمان، النجف.
(٣) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، للشيخ المفيد محمّد بن النعمان، مؤسَّسة الأعلمي، بيروت، ١٣٩٩هـ.
(٤) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمرو يوسف بن عبد الله النمري، المتوفَّى سنة ٤٦٣هـ.
(٥) الأعلام، لخير الدِّين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت.
(٦) أعيان الشيعة، للسيِّد محسن الأمين، دار التعارف، بيروت، ١٤٠٣هـ.
(٧) الأغاني، لأبي الفرج عليِّ بن الحسين الأصفهاني، دار إحياء التراث العربي بيروت.

↑صفحة ١٤٠↑

(٨) الإمام المهدي عند أهل السُّنَّة، لمهدي فقيه إيماني، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، أصفهان.
(٩) الأنساب، لأبي سعيد عبد الكريم بن محمّد السمعاني، المتوفَّى سنة ٥٦٣هـ، الطبعة الثانية، ١٤٠٠هـ، نشر محمّد أمين، بيروت.
(١٠) البحار، للشيخ المجلسي محمّد باقر، مؤسَّسة الوفاء ودار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٣هـ.
(١١) البدء والتاريخ، لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي، طبع مكتبة المثنَّى بغداد، بالتصوير على طبعة باريس.
(١٢) تاريخ الأُمَم والملوك، لمحمّد بن جرير الطبري، المتوفَّى سنة ٣١٠هـ، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية.
(١٣) تبصرة الوليِّ فيمن رأى القائم المهدي، للسيِّد هاشم البحراني، تحقيق ونشر مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة، قم، الطبعة الأُولى، ١٤١١هـ.
(١٤) تذكرة الخواصِّ، ليوسف بن فرغلي سبط الحافظ ابن الجوزي، المتوفَّى سنة ٦٥٤هـ أو ٦٥٥هـ، منشورات المطبعة الحيدريَّة، النجف.
(١٥) تقريب المعارف، لأبي الصلاح الحلبي تقي الدِّين، انتشارات جماعة المدرِّسين، قم.
(١٦) تنقيح المقال، للشيخ عبد الله المامقاني، المطبعة المرتضويَّة، النجف.
(١٧) تهذيب تاريخ ابن عساكر، لعبد القادر بدران، طبع دمشق، ١٣٢٩هـ.
(١٨) تهذيب التهذيب، لأحمد بن عليِّ بن حجر العسقلاني، المتوفَّى سنة ٨٥٢هـ، طبع دائرة المعارف، الهند، ١٣٢٥هـ.
(١٩) حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، طبع مصر، ١٣٥١هـ.
(٢٠) حياة الحيوان الكبرى، لكمال الدِّين الدميري، دار الفكر، بيروت.

↑صفحة ١٤١↑

(٢١) الخلاصة، للعلَّامة الحلِّي الحسن بن يوسف المتوفَّى ٧٢٦هـ، منشورات الرضي، قم.
(٢٢) دعوى السفارة في الغيبة الكبرى، لمحمّد سند، انتشارات داوري، قم، ١٤١١هـ.
(٢٣) الذريعة، لآقا بزرك الطهراني، دار الأضواء، بيروت.
(٢٤) رجال ابن داود، لتقي الدِّين الحسن بن عليِّ بن داود الحلِّي، منشورات الرضي، قم.
(٢٥) رجال الشيخ، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات الرضي، قم.
(٢٦) رجال النجاشي، لأبي العبَّاس أحمد بن عليٍّ النجاشي الأسدي الكوفي، المتوفى سنة ٤٥٠هـ، مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين، قم، ١٤٠٧هـ.
(٢٧) السُّنَن، لأبي داود سليمان بن الأشعث، المتوفَّى سنة ٢٧٥هـ، دار إحياة السُّنَّة النبويَّة.
(٢٨) السُّنَن، لأبي عبد الله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجة، المتوفَّى سنة ٢٧٥هـ، دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
(٢٩) الصحاح، للجوهري، دار العلم للملايين، بيروت.
(٣٠) صفة الصفوة، لأبي الفرج ابن الجوزي، حيدر آباد، ١٣٥٥هـ.
(٣١) طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، دار القلم، بيروت.
(٣٢) الطبقات الكبرى، لابن سعد، طبعة دار صادر، بيروت، وطبعة دار بيروت للطباعة والنشر.
(٣٣) العبر في خبر مَنْ غبر، للحافظ الذهبي، المتوفَّى سنة ٧٤٨هـ، طبع جامعة الدول العربيَّة، الكويت، ١٩٦٠م.

↑صفحة ١٤٢↑

(٣٤) الغيبة، للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن، تحقيق ونشر مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة، قم، ١٤١١هـ.
(٣٥) الغيبة، للنعماني أبي زينب محمّد بن إبراهيم، من أعلام القرن الرابع.
(٣٦) فِرَق الشيعة، لأبي محمّد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام القرن الثالث، المطبعة الحيدريَّة، النجف.
(٣٧) الفصول العشرة، للشيخ المفيد، المطبعة الحيدريَّة، النجف، ١٣٧٠هـ.
(٣٨) الفهرست، لابن النديم، دار المعرفة، بيروت.
(٣٩) الفهرست، للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن، وبذيله طبع كتاب نضد الإيضاح.
(٤٠) قَصص الأنبياء، لقطب الدِّين سعيد بن هبة الله الراوندي، نشر مجمع البحوث الإسلاميَّة، مشهد، ١٤٠٩هـ.
(٤١) الكافي، للكليني الرازي محمّد بن يعقوب، دار الكُتُب الإسلاميَّة، طهران.
(٤٢) كشف الحجب والأستار عن وجه الكُتُب والأسفار، للسيِّد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري، المكتبة العامَّة لآية الله المرعشي، قم، ١٤٠٩هـ.
(٤٣) كمال الدِّين، للشيخ الصدوق محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه، المتوفَّى سنة ٣٨١هـ، دار الكُتُب الإسلاميَّة، طهران.
(٤٤) كنز الفوائد، لأبي الفتح محمّد بن عليِّ بن عثمان الكراجكي، المتوفَّى سنة ٤٤٩هـ، دار الأضواء، بيروت، ١٤٠٥هـ.
(٤٥) الكنى والألقاب، للشيخ عبَّاس القمِّي، انتشارات بيدار، قم.
(٤٦) لؤلؤة البحرين، للشيخ يوسف البحراني، مؤسَّسة آل البيت، قم.
(٤٧) لسان العرب، لمحمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت.

↑صفحة ١٤٣↑

(٤٨) لغت نامة دهخدا، لعليِّ أكبر دهخدا، مطبعة دانشكاه طهران، ١٣٤٩هـ.
(٤٩) مجلَّة تراثنا، فصليَّة تصدر عن مؤسَّسة آل البيت، قم.
(٥٠) مروج الذهب، لأبي الحسن عليِّ بن الحسين المسعودي، المتوفَّى سنة ٣٤٦هـ، منشورات دار الهجرة، قم، ١٤٠٩هـ.
(٥١) المصنَّف، لأبي بكر عبد الرزَّاق بن همَّام الصنعاني، المتوفَّى سنة ٢١١هـ، طبع المجلس العلمي.
(٥٢) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، لكمال الدِّين محمّد بن طلحة القرشي الشافعي، المتوفَّى سنة ٦٥٢هـ، دار الكُتُب التجاريَّة، النجف.
(٥٣) معالم العلماء، لمحمّد بن عليِّ بن شهر آشوب المازندراني، المتوفَّى سنة ٥٨٨هـ، المطبعة الحيدريَّة، النجف، ١٣٨٠هـ.
(٥٤) معجم البلدان، لشهاب الدِّين ياقوت بن عبد الله الحموي، دار صادر، بيروت، ١٣٩٩هـ.
(٥٥) معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، للسيِّد أبو القاسم الخوئي، دار الزهراء، بيروت، ١٤٠٣هـ.
(٥٦) المعمَّرون، لأبي حاتم السجستاني المتوفَّى سنة ٢٥٠هـ، دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
(٥٧) الملل والنحل، لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني، المتوفَّى سنة ٥٤٨هـ، منشورات الشريف الرضي، قم.
(٥٨) المناقب، لابن شهر آشوب المازندراني، انتشارات علَّامة، قم.
(٥٩) المنجد في اللغة والأعلام، عدَّة من المؤلِّفين، دار المشرق، بيروت.
(٦٠) الوصايا، لأبي حاتم السجستاني، دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
(٦١) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العبَّاس شمس الدِّين أحمد بن محمّد بن خلِّكان، المتوفَّى سنة ٦٨١هـ، دار صادر، بيروت.

↑صفحة ١٤٤↑

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ١ / ٢.٠
 التعليقات
الدولة:
الإسم: محمد الهندي
العراق
النص: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة معطرة باريج حب الولاية وبيان الحق ومعالمه لكل العاملين في هذا المركز والمساهمين والمشاركين والمتصدين والله تعالى ولي التوفيق والسداد والحمد لله رب العالمين .
تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٤/٠٥ ٠٢:٣٩ م
إجابة التعليق

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016