فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب المركز » تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلة
 كتب المركز

الكتب تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلة

القسم القسم: كتب المركز الشخص المؤلف: أحمد علي مجيد الحلي الشخص المحقق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٥/١٣ المشاهدات المشاهدات: ٧٢٠٦٥ التعليقات التعليقات: ٠

تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلة

الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي
تقديم ومراجعة: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
رقم الإصدار: ٩
الطبعة الثانية ١٤٤٣هـ

الفهرس

مقدَّمة المركز للطبعة الثانية..................٣
مقدَّمة المركز للطبعة الأُولى..................٧
الإهداء..................١١
الدُّرَّة البيضاء..................١٣
مقدَّمة المؤلِّف..................١٥
الباب الأوَّل: الحلَّة مدينة النور الذي لا يطفئ..................١٩
الحلَّة لغويًّا..................٢١
موقع الحلَّة..................٢٢
الحلَّة بلدة النور..................٢٣
الباب الثاني: في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات..................٢٥
المخطوطة الأُولى: (٦٣٦ هـ/ ١٢١٦م): مخطوطة الشيخ ابن هيكل..................٢٩
المخطوطة الثانية: (سنة ٦٧٧ هـ/ ١٢٥٦م): نهج البلاغة..................٣٣
المخطوطة الثالثة: (في بداية القرن الثامن الهجري): الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة..................٣٩
المخطوطة الرابعة: (في سنة ٧٢٣ هـ/ ١٣٠٢م): تحرير الأحكام الشرعيَّة على مذهب الإماميَّة..................٤٧
المخطوطة الخامسة: (سنة ٧٧٦ هـ/ ١٣٥٥م): قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام..................٥١
المخطوطة السادسة: (سنة ٩٥٧ هـ/ ١٥٣٧م): المختصر النافع..................٥٣
الباب الثالث: في ذكر تاريخ مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من خلال الحكايات..................٥٥
الحكاية الأُولى: حكاية أبي راجح الحمَّامي الشيخ الذي أصبح شابًّا..................٦٠
بحث حول الحكاية..................٦٢
في أحوال راوي الحكاية وعصرها..................٦٣
تنبيه لكلِّ نبيه..................٦٤
الحكاية الثانية: حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت..................٦٥
الحكاية الثالثة: حكاية شفاء الشيخ جمال الدِّين الزهدري..................٦٧
بحث حول الحكاية..................٦٩
تاريخ الحكاية..................٦٩
راوي الحكاية..................٦٩
صاحب الحكاية..................٧١
الحكاية الرابعة: حكاية ابن أبي الجواد النعماني..................٧١
بحث حول الحكاية..................٧٣
راوي الحكاية..................٧٣
صاحب الحكاية..................٧٣
الباب الرابع: في ذكر من زار مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة..................٧٧
١ - في آخر شهر صفر سنة (٦٧٧ هـ/ ١٢٥٦م)..................٧٩
٢ - في سادس رجب سنة (٧٢٣ هـ/١٣٠٢م)..................٧٩
٣ - في سنة (٧٢٥ هـ/ ١٣٠٤م)..................٧٩
٤ - في ثامن عشر شعبان سنة... (بداية القرن الثامن الهجري)..................٨٠
٥ - في بداية القرن الثامن الهجري..................٨٠
٦ - في سنة (٧٤٤ هـ/ ١٣٢٣م)..................٨١
٧ - في سنة (٧٥٩ هـ/ ١٣٣٨م)..................٨١
٨ - في غرَّة جمادى الآخرة سنة (٧٧٦ هـ/ ١٣٥٥م)..................٨١
٩ - في سنة (٩٦١ هـ/ ١٥٤٠م)..................٨١
الباب الخامس: في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة..................٨٧
١ - في القرن السادس الهجري..................٨٩
٢ - في القرن السابع الهجري..................٩٠
٣ - في القرن الثامن الهجري..................٩٠
٤ - في القرن التاسع الهجري..................٩٢
٥ - في القرن العاشر وما بعده..................٩٣
٦ - في القرن الرابع عشر..................٩٤
٧ - في القرن الخامس عشر الهجري..................٩٥
الباب السادس: في ذكر المساحة الأصليَّة للمقام، وتاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام..................٩٩
أوَّلاً: في مساحة المقام الأصليَّة، وأنَّ الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف..................١٠١
ثانياً: في تأريخ الجامع الكبير في الحلَّة، وأنَّ أصله للشيعة لا لأهل السُّنَّة..................١٠٧
الأمر الأوَّل: في تشيُّع أهل الحلَّة..................١٠٨
الأمر الثاني: في تأريخ الجامع الكبير في الحلَّة..................١٠٩
التاريخ الأوَّل..................١٠٩
التاريخ الثاني: في تأريخ الاستحواذ على الجامع..................١٠٩
التاريخ الثالث: سنة (١٢٩٢هـ)..................١١٠
التاريخ الرابع: في حادثة عاكف التركي (١٣٣٥هـ)..................١١٠
التاريخ الخامس: في شهر رمضان سنة (١٣٣٨هـ)..................١١١
التاريخ السادس: سنة (١٣٥١هـ)..................١١١
التاريخ السابع: (١٣٨٧ هـ/ ١٩٦٧م)..................١١١
التاريخ الثامن: سنة (١٣٩٥ هـ/ ١٩٧٥م)..................١١٣
الباب السابع: في ذكر مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) المجاورة للمقام..................١١٥
التاريخ الأوَّل..................١١٨
التاريخ الثاني..................١١٨
التاريخ الثالث..................١١٩
التاريخ الرابع..................١١٩
التاريخ الخامس..................١١٩
الباب الثامن: في ذكر سدنة وأوقاف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة..................١٢٥
الأمر الأوَّل: في ذكر سدنة المقام..................١٢٧
الأمر الثاني: في ذكر الأوقاف الخاصَّة بالمقام..................١٢٩
الباب التاسع: في موقع ووصف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة..................١٣١
الباب العاشر: في ذكر عدَّة أُمور تتعلَّق بزيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام..................١٣٥
الأمر الأوَّل: في أنَّ هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه..................١٣٧
الأمر الثاني: في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في كلِّ زمان ومكان..................١٣٨
الأمر الثالث: في استحباب زيارته (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام ليلة الجمعة ويومها..................١٣٩
الأمر الرابع: في زيارة خاصَّة للإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام..................١٤٠
الأمر الخامس: في علَّة اشتهار زيارته (عجَّل الله فرجه) في مقاماته المنسوبة إليه في ليلة الأربعاء..................١٤١
الأمر السادس: في تأكيد الدعاء بالفرج لإمامنا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام..................١٤٢
الأمر السابع: في سرعة إجابة الدعاء في هذا المقام الشريف..................١٤٣
الباب الحادي عشر: في ذكر من شاهد الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من أهل الحلَّة..................١٤٥
١ - السيِّد رضي الدِّين محمّد بن محمّد الآوي الحسيني (رحمه الله) (ت ٦٥٤هـ)..................١٤٨
٢ - السيِّد الأجلُّ صاحب الكرامات الباهرات السيِّد عليُّ بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت ٦٦٤ هـ)..................١٤٩
٣ - رجل اسمه عبد المحسن..................١٥٠
٤ - إسماعيل بن الحسن الهرقلي..................١٥٥
٥ - العلامة الحلِّي (٦٤٨ - ٧٢٦ هـ)..................١٦٤
٦ - السيِّد مهدي ابن السيِّد حسن القزويني الحلِّي (ت ١٣٠٠هـ)..................١٦٧
حكاية اللقاء الأوَّل في إظهار قبر أبي يعلى (الحمزة العلوي العبَّاسي)..................١٦٧
حكاية اللقاء الثاني..................١٧٠
٧ - حكاية اللقاء الثالث للسيِّد القزويني (رحمه الله) وتشرَّف معه (رحمه الله) رجل اسمه عليٌّ وجماعة من أهل الحلَّة..................١٧٤
تنبيه لكلِّ نبيه: عن أحوال السيِّد محمّد ذي الدمعة ونسبه وموضع قبره..................١٧٨
موقع قبره السابق..................١٨٠
موقع قبره الحالي..................١٨٠
٨ - السيِّد حيدر ابن السيِّد سليمان الحلِّي (رحمه الله)..................١٨١
ملحق للباب الحادي عشر: في ذكر جملة من مشاهد الحلَّة وقبور أعلامها..................١٨٥
١ - إبراهيم القطيفي (رحمه الله)..................١٨٨
٢ - إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)..................١٨٨
٣ - إبراهيم بن أحمد الموسوي (رحمه الله)..................١٨٨
٤ - إبراهيم بن محمّد (رحمه الله) (سيِّد إبراهيم)..................١٨٩
٥ - الشيخ أحمد بن إدريس الحلِّي (رحمه الله)..................١٨٩
٦ - أحمد بن الحسن المثنَّى بن الحسن السبط (عليه السلام)..................١٨٩
٧ - أحمد بن فهد الأحسائي (رحمه الله)..................١٨٩
٨ - السيِّد جمال الدِّين أبو الفضائل أحمد بن سعد الدِّين موسى بن جعفر بن طاوس الحسني (رحمه الله)..................١٨٩
٩ - السيِّد أحمد ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)..................١٩٠
١٠ - جلال الدِّين أحمد ابن الفقيه (رحمه الله)..................١٩٠
١١ - نبيُّ الله أيُّوب (عليه السلام)..................١٩٠
١٢ - بكر بن الإمام عليٍّ (عليه السلام)..................١٩٠
١٣ - الشيخ جعفر بن الحسن الهذلي (رحمه الله) (المحقِّق الحلِّي)..................١٩٠
١٤ - الشيخ جعفر بن نما الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٠
١٥ - الجومرد..................١٩١
١٦ - الشيخ حسن الدمستاني (رحمه الله)..................١٩١
١٧ - الحسن بن موسى الكاظم (عليه السلام)..................١٩١
١٨ - الأمير دبيس بن عليٍّ المزيدي..................١٩١
١٩ - شبَّر وشبير ابنا طاوس..................١٩١
٢٠ - ابن العرندس (رحمه الله)..................١٩٢
٢١ - السيِّد نظام الدِّين الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٢
٢٢ - صفي الدِّين عبد العزيز بن سرايا الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٢
٢٣ - السيِّد الجليل عبد الكريم بن طاوس (رحمه الله)..................١٩٢
٢٤ - السيِّد عبد الله الفارس المشهور بـ (الفارسي)..................١٩٢
٢٥ - السيِّد عبد الله العتائقي الحسني (رحمه الله)..................١٩٢
٢٦ - علاء الدِّين الشفهيني (رحمه الله)..................١٩٢
٢٧ - ابن حمَّاد الليثي كمال الدِّين عليُّ بن حسين الواسطي الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٢
٢٨ - عليُّ بن الحسين بن القاسم بن حمزة العلوي (رحمه الله)..................١٩٣
٢٩ - الشيخ جمال الدِّين الخليعي (رحمه الله)..................١٩٣
٣٠ - الشيخ عليٌّ الشافيني (رحمه الله)..................١٩٣
٣١ - السيِّد الجليل العابد عليُّ بن طاوس الحسني (رحمه الله)..................١٩٣
٣٢ - السيِّد عليٌّ الحديدي (رحمه الله)..................١٩٣
٣٣ - الشيخ عليُّ بن محمّد السكوني (رحمه الله)..................١٩٣
٣٤ - السيِّد عمران ابن الإمام عليٍّ (عليه السلام)..................١٩٣
٣٥ - قاسم بن أحمد الحسيني (رحمه الله)..................١٩٣
٣٦ - الشيخ محمّد بن إدريس الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٣
٣٧ - الشيخ نجيب الدِّين محمّد بن نما الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٤
٣٨ - السيِّد محمّد بن زيد الشهيد (عليه السلام)..................١٩٤
٣٩ - الشيخ محمّد بن شجاع الأنصاري الحلِّي (رحمه الله)..................١٩٤
٤٠ - السيِّد محمّد المنتجب (رحمه الله)..................١٩٤
٤١ - السيِّد محمّد أبو عربيد (رحمه الله)..................١٩٤
٤٢ - السيِّد شرف الدِّين محمّد بن طاوس (رحمه الله)..................١٩٤
٤٣ - الشيخ ورَّام الحلِّي ابن أبي الفوارس (رحمه الله)..................١٩٤
٤٤ - الشيخ يحيى بن أحمد بن سعيد الهذلي (رحمه الله)..................١٩٤
الباب الثاني عشر: في ذكر صور فوتغرافيَّة وصور لمخطوطات تخصُّ المقام..................١٩٧
استدراك..................٢١٣
المصادر والمراجع..................٢١٥
المخطوطات..................٢١٩
اللقاءات..................٢١٩

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز للطبعة الثانية:
ثبت في محلِّه أنَّ التشريعات والأحكام الإلهيَّة تكون وفق مصالح ومفاسد واقعيَّة يعلمها هو تعالى، وأنَّه لم يُتح لنا أنْ نعرف تلك الملاكات الواقعيَّة، ولذا لم نُكلَّف بالبحث عنها، إذ لا يُكلِّف الله تعالى نفساً فوق قدراتها المحدودة، وهذا المعنى يشمل التشريعات على اختلاف مراتبها ومتعلَّقاتها، سواء التي تعلَّقت بالفرد، أم بالمجتمع، أم بالزمان، أم بالمكان، وغيرها.
إلَّا أنَّ التأمُّل في النصوص الدِّينيَّة والتشريعات السماويَّة يكشف بكلِّ وضوح عن أنَّ للمكان أثراً فيها، فهناك بعض التشريعات والأحكام تعلَّقت بمكان معيَّن، لخصوصيَّة معيَّنة، قد نعلمها وقد لا نعلمها.
فقد ذكرت بعض النصوص الدِّينيَّة أنَّ بقعة الأرض التي يتواجد عليها الإنسان ستكون من الذين يشهدون عليه أو له يوم القيامة، فقد روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام)، أنَّه قال: «عليكم بإتيان المساجد، فإنَّها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهِّراً طهَّره الله من ذنوبه، وكُتِبَ من زوَّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء، وصلُّوا من المساجد في بقاع مختلفة، فإنَّ كلَّ بقعة تشهد للمصلِّي عليها يوم القيامة»(١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) أمالي الصدوق (ص ٤٤٠/ ح ٥٨٤/٨).

↑صفحة ٣↑

وفي وصيَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبي ذرٍّ: «يا أبا ذرٍّ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلَّا شهدت له بها يوم القيامة، وما من منزل نزله قوم إلَّا وأصبح ذلك المنزل يُصلِّي عليهم أو يلعنهم»(٢).
والنبيُّ موسى (عليه السلام) ناجاه الله تعالى في مكان محدَّد اختاره الباري (عزَّ وجلَّ) له، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأعراف: ١٤٣).
ولإحرام الحجِّ أمكنة محدَّدة لا يجوز الإحرام من غيرها، ولمكَّة أحكام تختلف عن غيرها من بقاع الأرض، فلا يجوز دخولها إلَّا بإحرام، ولا صيد فيها، ولا قطع شجر.
ومن هذا القبيل الأماكن المتعلِّقة والمنسوبة لأهل البيت (عليهم السلام)، فللأماكن التي حوت أجسادهم الطاهرة خصوصيَّات لا نجدها في غيرها من الأماكن، ولذا يُستحَبُّ الصلاة على تربة أُخِذَت من قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، والتشافي بها - على تفصيل مذكور في محلِّه -، ولذا أيضاً (تُستحَبُّ الصلاة في مشاهد الأئمَّة (عليهم السلام)، بل قيل: إنَّها أفضل من المساجد، وقد روي أنَّ الصلاة عند عليٍّ (عليه السلام) بمائتي ألف)(٣).
ومن هذا المنطلق، نجد أنَّ هناك اهتماماً واضحاً من شيعة أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢) أمالي الطوسي (ص ٥٣٤/ ح ١١٦٢/١).
(٣) منهاج الصالحين للسيِّد السيستاني (دام ظلُّه) (ج ١/ ص ١٨٧/ مسألة ٥٦٢).

↑صفحة ٤↑

البيت (عليهم السلام) بالأماكن المنتسبة لأئمَّتهم (عليهم السلام)، ومنها المقامات المنسوبة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، حيث إنَّها أماكن تحكي العلاقة الروحيَّة معه (عجَّل الله فرجه)، وبالتالي في من شأنها أنْ تُوثِّق العلاقة به (عجَّل الله فرجه)، فضلاً عن اتِّخاذها مراكز لبثِّ علومهم (عليهم السلام)، ومحطَّة لتعليم الناس دينهم.
ومن تلك المقامات هو مقامه (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة، وهذا الكتاب الذي بين يديك يتحدَّث حوله، مبيِّناً تاريخه ومعالمه وما يتعلَّق به، نسأل الله تعالى أنْ يُوفِّقنا لنكون ممَّن يحيون أمر أهل البيت (عليهم السلام) وينشرون علومهم بين الناس، لنحظى بنظرة من صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) تنجينا من عذاب الدنيا والآخرة.
والحمد لله ربِّ العالمين.
ونحن إذ نُقدِّم هذا الكتاب بطبعته الثانية فإنَّنا نأمل من الجهات المسؤولة في الدولة العراقيَّة وخصوصاً ديوان الوقف الشيعي الموقَّر زيادة الاهتمام بمثل هذه البقاع المقدَّسة.
سائلين المولى تعالى أنْ يُوفِّق الجميع لخدمة المولى صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، وأنْ يجعلنا من أنصاره وأعوانه، إنَّه سميع مجيب.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)

↑صفحة ٥↑

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المركز للطبعة الأولى:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسَلين سيِّدنا محمّد وآله الطيِّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين، ولاسيّما صاحب العصر، وناموس الدهر، بقيَّة الله في أرضه، وحجَّته على عباده، سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه، الحجَّة بن الحسن المهدي العسكري (عجَّل الله فرجه).
واللعنة الدائمة على أعداءهم أجمعين من الأوَّلين والآخرين خاصَّةً المنكرين للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والمشكِّكين فيه.
من الأُمور الثابتة عن أهل بيت العصمة والطهارة الندب إلى إحياء أمرهم والتأكيد عليه حيث ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا»(٤)، وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنَّه قال لبعض أصحابه: «تجلسون وتتحدَّثون؟»، قال: قلت: جُعلت فداك، نعم، قال: «إنَّ تلك المجالس أُحِبُّها»(٥)، وهذه النصوص وغيرها تكتشف بما لا يشوبه شكٌّ أهمّيَّة إحياء أمرهم (عليهم السلام) بين مختلف الطبقات الاجتماعيَّة والعلميَّة والفكريَّة، والتأكيد على مسألة التذكير بهم وبمناقبهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) هداية الأُمَّة (ج ٥/ ص ١٣٧/ ح ٨٦٠).

(٥) ثواب الأعمال (ص ١٨٧).

↑صفحة ٧↑

وخصوصيَّاتهم بالدعوة المتكرِّرة منهم (عليهم السلام) لحضور مواليهم في مقاماتهم وزيارتها وعمارتها، وتوجيه أذهان الأُمَّة إلى أهمّيَّتها لما في تشييد المقامات المنسوبة لأهل الكمالات من دور مهمٍّ في شدِّ الناس إلى دينهم وإلى أئمَّتهم، وهو منهج إلهي أوَّل من أمر به وأسَّسه الله تبارك وتعالى، حيث جعل الكعبة البيت الحرام محلًّا يؤمُّه الحجيج لا لحاجة منه إليهم، بل لتوثيق ارتباطهم بربِّهم، ولم يكن هذا المورد خاصًّا بالبيت الحرام، بل هناك مجال آخر دعا الله فيها بعض الأنبياء أنْ يجعلوا من بعض الأماكن محالاً تكون عنصراً لتوثيق الترابط بين العباد وربِّهم، حيث قال تبارك وتعالى مخاطباً موسى وهارون (عليهما السلام): ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾ (يونس: ٨٧)، وقال: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: ١٢٥).
وأثنى الله تبارك وتعالى على الذي بنى مسجداً على الكهف الذي لجأ إليه الصالحون بعد أنْ بعثهم من لبثهم فيه ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾ (الكهف: ٢١).
وقد شاع بين المسلمين زيارة قبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والاحتفاء به، والتبرُّك بالمساجد التي صلَّى فيها، أو زيارة قبور الشهداء، لما لها بالإضافة إلى بعدها الدِّيني والتاريخي من دور مهمٍّ في ربط العباد بربِّهم ودينهم، وتأكيد عقيدتهم، وحفظ سلامة مسيرتهم الفكريَّة والعلميَّة والعقائديَّة.
وقد اهتمَّ الأئمَّة (عليهم السلام) تأسّياً بالرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالاهتمام بالمواضع ذات البعد الدِّيني، حيث اشتهر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه كان يحتفظ بشيء من تراب

↑صفحة ٨↑

الموضع الذي استُشهِدَ فيه الإمام الحسين (عليه السلام) بعد عشرات السنين(٦)، ووقف أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد فاضت به الآلام والحسرة عند مروره في كربلاء عند الموضع الذي سيضمُّ شهداء العترة الطاهرة(٧).
ومن المواضع التي كانت محلَّ اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) المواضع التي تخصُّ أيَّام الظهور المبارك للمولى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، فنجد في روايات متعدِّدة الإشادة بمسجد السهلة ومسجد الكوفة، لكون الأوَّل محلُّ سكناه(٨)، والثاني موضع حكمه (عجَّل الله فرجه)(٩).
بل هناك اهتمام خاصٌّ من الناحية المقدَّسة (عجَّل الله فرجه) في بعض المواضع والمحال، والتي منها مسجد جمكران في مدينة العلم والفقاهة قم المشرَّفة، حيث وردت الروايات عن الثقات والأجلَّة بأنَّ أمر بناء هذا المسجد الشريف كان صادراً عنه (عجَّل الله فرجه)(١٠).
ومن هنا فإنَّ مسألة الاهتمام بالمواضع المنسوبة للإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) يجب أنْ تنال الاهتمام اللَّائق بها لعدَّة أُمور:
١ - أنَّ الاهتمام بهذه الأماكن من شأنه أنْ يُوثِّق ارتباط الناس بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهو أمر مندوب شرعاً.
٢ - أنَّ هذه المواضع لما لها من أهمّيَّة وقدسيَّة يجب أنْ تكون مركزاً لنشر العقيدة، وبناءها بناءً صحيحاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦) أمالي الصدوق (ص ٢٠٣/ ح ٢١٩/٣).
(٧) كامل الزيارات (ص ٤٥٣/ ح ٦٨٥/١٢).
(٨) قَصص الأنبياء للراوندي (ص ٨٤/ ح ٦٣).
(٩) الهداية الكبرى (ص ٤٠٠).
(١٠) النجم الثاقب (ج ٢/ ص ٥١/ الحكاية الأُولى).

↑صفحة ٩↑

٣ - الاهتمام بهذه المقامات بالإضافة إلى دوره العلمي والفكري والعقائدي من شأنه أنْ يحفظ التراث الشيعي الذي غالباً ما يتعرَّض بسبب السياسات الهوجاء للنواصب للتدمير والتضيع.
٤ - أنَّ هذه المقامات تكشف عن البعد الحضاري للشيعة، وتكشف بالملازمة عقيدتهم بأئمَّتهم خاصَّةً الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).
٥ - أنَّ هذه المواضع لم تأتِ من عدم، بل هي محال لنزول الفيوضات، وإجابة الدعوات، وحلِّ المشكلات، ومثل هذه المواضع لا يصحُّ إهمالها وتركها لما لها من آثار مهمَّة.
ومركز الدراسات التخصُّصيَّة في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لما يشعر به من أهمّيَّة نشر العقيدة في الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وأهمّيَّة إحياء كلِّ ما له علاقة به (عجَّل الله فرجه) تبنَّى نشر ما خطَّه يراع الأخ الفاضل أحمد الحلِّي الذي قدَّم دراسة وافية حول تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة، وضمَّ إليه جملة من الأبحاث الأُخرى التي جعلت من الكتاب مفتاحاً لمن يريد دراسة تاريخ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) والحلَّة الفيحاء المحروسة.
وفي الختام نسأل الله تعالى أنْ يجعل أعمالنا موضع رضا سيِّدنا ومولانا صاحب العصر (عجَّل الله فرجه)، وأنْ يُوفِّقنا أنْ نكون جنوداً في الذود عن ساحة قدسه، وأنْ يرزقنا في الدنيا رؤيته ونصرته، ويُمتِّعنا بألطافه ورعايته، ويرزقنا في الآخرة شفاعته وشفاعة آبائه الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

مدير المركز
السيِّد محمّد القبانچي
(١٤٢٦هـ)

↑صفحة ١٠↑

الإهداء

إلى الكهف الحصين، وغياث المضطرِّ المستكين، وملاذ المؤمنين.
إنَّ حقوق إمامنا صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) علينا كثيرة:
فهو العمود بين السماء والأرض.
وهو الشمس التي حجبتها غيوم ذنوبي الكثيرة(١١).
فأيَّ حقٍّ منه لا أستطيع أنْ أُقابله بالشكر والإحسان.
فكلُّ شكر إليه هو بالحقيقة منه وإليه.
ويقال: إنَّ النبيَّ سليمان بن داود (عليه السلام) قَبِلَ هديَّة القنبرة.
وكانت تلك الهديَّة جرادة.
فعلَّ إمام زماني يقبل هديَّتي هذه المتواضعة، فهي منه وإليه.
وهديَّتي له عبارة عن بحث تاريخي عن مقامه (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة الفيحاء.
ليفي لنا الكيل ويتصدَّق علينا، إنَّ الله يجزي المتصدِّقين.
إذ مسَّنا الضرُّ، وهو الرحمة للعالمين.

خادمه
أحمد عليّ مجيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١) إشارة إلى الحديث المرويِّ عنه (عجَّل الله فرجه): «وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبتها السحاب عن الأبصار». (كشف الغمَّة: ج ٣/ ص ٣٤).

↑صفحة ١١↑

الدُّرَّة البيضاء
هذه إضمامة عطرة تفضَّل بها سماحة العلَّامة الجليل السيِّد...(١٢).
مؤرِّخاً بها عملنا المتواضع هذا، قائلاً:

بِيَراعِ أحمدَ خُطَّ سِفْرُ فَوائِدٍ * * * هُوَ (مَصْدَرٌ) للباحِثْينَ وَ(مَوْرِدُ)
لـِ (مَقامِ مَهْدي الهُدى) سَطَعَتْ بِهِ * * * أنْوارُ قُدْسٍ للضَّلالِ تُبَدَّدُ
ذاكَ الَّذِيْ في الحِلَّةِ الفَيْحاءِ قَدْ * * * باهى بِهِ تَأرِيْخُهُ المُتَجَدَّدُ
تمضِي القُرُوْنُ وَنَشْرُهُ مُتَأرَّجٌ * * * وَالذِّكْرُ مِنْهُ في الزَّمانِ مُخَلَّدُ
هُوَ للمِلَائِكِةِ (المَطَافُ) فَرُكَّعٌ * * * مِنْهُم بِذَيَّاكَ (المَقامِ) وَسُجَّدُ
وَلِشِيْعَةِ الكَرَّارِ فيهِ تَضُرُّعٌ * * * وَتَوَسُّلٌ وَتَبتُّلٌ وَتَهَجُّدُ
قَدْ فَازَ أحْمَدُ مُذْ تَتَبَّعَ جَاهِداً * * * حَرَماً لِنِسْبَتهِ الدَّليلُ يُؤكِّدُ
أكْرِمْ بِهِ إذْ أرَّخُوْا: مْنَ فَائِزٍ * * * بالدُّرَّةِ البَيْضَاءِ وَافى أحْمَدُ

٩٠ + ٩٨ + ٢٤٢ + ٨٤٥ + ٩٧ + ٥٣ = سنة (١٤٢٥هـ).
ومن غريب اتِّفاق هذا التاريخ أنَّ لي أخاً في الله اسمه (فائز)، وهو أوَّل من شجَّعني على كتابة هذا الكتاب دون علم السيِّد المؤرِّخ لهذا الكتاب فخرج تاريخ إتمام الكتاب باسم فائز، والحمد لله ربِّ العالمين.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) والسيِّد هذا هو من نزلاء مدرسة الإمام الأكبر الشيخ محمّد حسين آل كشف الغطاء في النجف الأشرف، ومن تواضعه طلب منِّي أنْ لا أذكر اسمه رغم شهرته.

↑صفحة ١٣↑

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدَّمة المؤلِّف:
الحمد لله الذي جعل الكرامات لأصحاب المقامات، وخصَّهم بالمآثر الخالدات، والصلاة والسلام على فخر الكائنات، وعلَّة الموجودات، سيِّد الأنام، المظلَّل من حرِّ الهجير بالغمام، محمّد بن عبد الله، المؤيَّد بالبراهين والمعجزات، وعلى آله الطاهرين أئمَّة الخلق المعصومين من كلِّ رجس وهنات.
وبعد..
فإنَّ العناية بآثار أولياء الله والاهتمام بتعظيمها من الأُمور اللازمة، لأنَّ فيها إعلاءً لشعائر الله تعالى، كما يستأنس بذلك بقوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: ١٢٥). وإنَّ من الآثار الخالدة والمقامات المقدَّسة هو مقام بقيَّة الله في أرضه، الخلف الصالح، إمامنا المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة الفيحاء، هذا المقام الشريف الذي مرَّت عليه قرون متطاولة وهو قائم يطاول عوادي الزمن، ويتحدَّى عبث الصروف، وكنت منذ حقبة من الزمان مولعاً بتتبُّع آثاره وتنسُّم أخباره فلم أجد سِفراً يضمُّ بين دفَّتيه ما يتعلَّق به ويستوفي تاريخه، بل ألفيت أخباراً متناثرة هنا وهناك لا تُشبِع نهم الباحث ولا تروي ظمأ المتتبِّع، فحزَّ في نفسي أنْ يظلَّ تاريخ المقام الشريف في زاوية الظلِّ لم تُسلَّط عليه الأضواء الكاشفة، فهزَّني باعث الولاء لعترة النبيِّ

↑صفحة ١٥↑

النجباء إلى أنْ أتتبَّع أخبار هذا المقام المبارك، باحثاً في بطون الكُتُب القديمة والحديثة من مخطوط ومطبوع، ولم أكتفِ بما وقفت عليه من مصادر في مكتبات العراق، بل سافرت إلى بلاد أُخرى منقِّباً في مخطوطاتها ومطبوعاتها، مستفيداً من بعض الإشارات في الوقوف على مظانِّ الفائدة ممَّا يتعلَّق بهذا الأثر الخالد، وشفَّعت ذلك باستحفاء السؤال من الباحثين المحقِّقين والشيوخ المعمَّرين من أهل الحلَّة في ما يتَّصل بموضوع هذا البحث.
ومن الجديد فيما قمت به في هذه الدراسة الرائدة أنِّي وقفت على أقدم تاريخ يشار فيه إلى مقام المهدي هذا، ويعود إلى ما قبل سنة (٦٣٦هـ) بالبحث الميداني مع الاحتفاظ بفضل العلَّامة الحجَّة السيِّد محمّد صادق بحر العلوم بإشارته إلى هذا التاريخ، نقلاً عن السيِّد حسن الصدر، عن مصادره المخطوطة.
ومن الجديد فيها أيضاً أنِّي حاولت جاهداً جمع المخطوطات التي أشارت إلى موضوع البحث، ورتَّبتها ترتيباً زمنيًّا كما سيراه القارئ الكريم، ولم تفتني الاستفادة من بعض الحكايات المرويَّة في الكُتُب القديمة، كما استطردت إلى ذكر مساحة المقام، وأنَّها كانت واسعة جدًّا بحيث إنَّها كانت تشتمل على مدرسة علميَّة معروفة تُعرَف بـ(مدرسة صاحب الزمان)، وقد وثَّق هذا التحقيق ما ذُكِرَ في جملة من المخطوطات أنَّها كُتِبَت في تلك المدرسة، وألمحت في ضمن هذه الدراسة إلى ما يتعلَّق بالجامع المجاور للمقام الشريف وقد قسَّمت بحوث الكتاب على اثني عشر باباً:
الباب الأوَّل: الحلَّة مدينة النور الذي لا يطفئ.
الباب الثاني: في معرفة تأريخ المقام من خلال المخطوطات.

↑صفحة ١٦↑

الباب الثالث: في ذكر تأريخ المقام من خلال الحكايات.
الباب الرابع: في ذكر من زار مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة.
الباب الخامس: في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة.
الباب السادس: في ذكر المساحة الأصليَّة للمقام، وتأريخ الجامع الكبير المجاور له.
الباب السابع: في ذكر مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) المجاورة للمقام.
الباب الثامن: في ذكر سدنة وأوقاف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة.
الباب التاسع: في موقع ووصف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة.
الباب العاشر: في عدَّة أُمور تتعلَّق بزيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام.
الباب الحادي عشر: في ذكر من شاهد الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من أهل الحلَّة، مع ذكر ملحق يتضمَّن ذكر المشاهد المشرَّفة في مدينة الحلَّة الفيحاء.
الباب الثاني عشر: في ذكر صور فوتغرافيَّة، وصور لمخطوطات تخصُّ المقام.
وقبل الختام ألتمس من إخواني المؤمنين ولاسيّما أهل البحث والتحقيق أنْ يُنبِّهوني على ما قد يجدونه من الخطأ غير المقصود ممَّا طغى به القلم وزاغ عنه البصر، فإنَّ الإنسان موضع الغلط والنسيان، والكمال لله، والعصمة لأهلها.
والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات.

أحمد عليّ مجيد

↑صفحة ١٧↑

الباب الأوَّل: الحلَّة مدينة النور الذي لا يطفئ

↑صفحة ١٩↑

الحلَّة لغويًّا:
الحِلَّة - بكسر الحاء المهملة وتشديد اللَّام - تقال على عدَّة أشياء:
١ - القوم النزول وفيهم كثرة.
٢ - شجر شائك أصغر من العوسج.
٣ - عَلَم لعدَّة أماكن:
أ - حلَّة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة(١٣).
ب - حلَّة بني دبيس بن عفيف الأسدي(١٤)، قرب الحويزة بين واسط والبصرة والأهواز.
جـ - الحلَّة قرية كبيرة قرب الموصل تُسمَّى حلَّة بني الرزَّاق(١٥).
د - حلَّة بني مزيد وهي المقصودة بالبحث هنا، وكانت تُسمَّى: الجامعين.
قال الحموي في كتاب (معجم البلدان) ما ملخَّصه: إنَّ الحلَّة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد، كانت تُسمَّى: الجامعين، وكان أوَّل من عمرها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣) قد ذُكِرَت بكتاب (تقويم البلدان) بحلَّة بني صلد راجع: رياض العلماء (ج ١/ ص ٣٧٠).
(١٤) ورد في المصدر السابق: (الأشعري) فلاحظ.
(١٥) اُنظر: المصدر السابق.

↑صفحة ٢١↑

ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن عليِّ بن مزيد(١٦) الأسدي، وذلك في محرَّم سنة (٤٩٥هـ)، وكانت أجمة تأوي إليها السباع، فنزل بها بأهله وعساكره، وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنَّق أصحابه في مثل ذلك، فصارت ملجأً، وقد قصدها التُّجَّار، فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدَّة حياة سيف الدولة(١٧).
أقول: نورد هنا عدَّة فوائد:
منها: أنَّها سُمّيت بـ(الحلَّة السيفيَّة) نسبةً إلى ممصرها سيف الدولة صدقة وأوَّل من سمَّاها بالسيفيَّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث مدح الحلَّة الذي نذكره في الباب الثالث من كتابنا هذا.
ومنها: أنَّها سُمّيت بـ (المزيديَّة) نسبةً إلى الجدِّ الأعلى لمؤسِّسها صدقة ابن منصور بن دبيس بن عليِّ بن مزيد.
ومنها: أنَّ (الجامعين) ذُكِرَت في كتاب (التاريخ الكامل) لابن الأثير قبل سنة (٤٩٥هـ)(١٨).
موقع الحلَّة:
هي بين النجف وبغداد فهي تبعد عن بغداد نحو (١٠٠كم) وعن النجف نحو (٦٠كم)، وعن بابل نحو (٧كم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦) ورد اسمه في المصدر السابق: (مؤيَّد)، والأصحّ: (مزيد) فلاحظ.
(١٧) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١)، كذلك سفينة البحار (ج ٢/ ص ٢٩٩/ ط ح).
(١٨) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١).

↑صفحة ٢٢↑

الحلَّة بلدة النور:
الحلَّة هي وريثة بابل وكانت بابل وسوراء وحواليهما معقل العلم قبيل الإسلام وبعده، ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكِّري الأُمَم من الهند وإيران من الشرق والسريان والآراميِّين من الغرب ثمّ صارت معقل الشيعة، ومنها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة والقوَّة وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم وإحراق مكتباتهم والتجاء الشيخ الطوسي (رحمه الله) منها إلى النجف في سنة (٤٤٨هـ) تعاون المزيديُّون والأكراد الجاوانيُّون القاطنون بمطيرآباد وأسدآباد والنيل حوالي بابل مع السباسيري ببغداد، فألغوا الخلافة العبَّاسيَّة في سنة (٤٥٠هـ)، وخطبوا للمستنصر الفاطمي، ثمّ بعد قتل السباسيري ورجوع الأتراك السلجوقيِّين والخلافة العبَّاسيَّة إلى بغداد قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيِّين ببناء الحلَّة فصارت مركز الشيعة، وذلك في المحرَّم سنة (٤٩٥هـ)، وبقيت كذلك حتَّى سقوط بغداد (٦٥٦هـ)(١٩).
فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلميَّة، ومثابة لطُلَّاب العلوم الدِّينيَّة ودارسي فقه آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري، وكان لامتيازها هذا بواعث وأسباب:
منها: كونها من معاقل الشيعة الإماميَّة منذ تأسيسها حتَّى اليوم.
ومنها: قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٩) اُنظر: الأنوار الساطعة (ص ٨).

↑صفحة ٢٣↑

وما زالت فإنَّ هذا القرب كان له الأثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعيَّتين: النجف والحلَّة فإنْ يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور وإنْ يخفت مرَّةً أُخرى فها هم طلبة العلم من الحلّيِّين في النجف لأخذ العلم إليها كي لا يطفئ فيها نور العلم منذ تأسيسها وإلى الآن.

* * *

↑صفحة ٢٤↑

الباب الثاني: في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات

↑صفحة ٢٥↑

اهتمت الشريعة السماويَّة بطلب العلم، إذ نطقت عن لسان رسولها (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم»، وما طلب العلم إلَّا سمة العلوِّ وشتَّان بين المتعلِّم والجاهل، وما أحلى أنْ يكون العالم مخلصاً، وما إخلاصه إلَّا محض عبادة وتأدُّب وارتباط مع صاحب السماء فتعلَّمَ العلماء كيف يُدوِّنون علمهم من وعاة العلم ودعاته وهم الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) فهذا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثه يقول: «إنَّ كمال الدِّين طلب العلم والعمل به»، وفي حديث آخر: «إنَّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال»، وقد دأب علماؤنا الأعلام على تدوين شتَّى فنون العلم، وتقييد مسائله، وتصنيف موضوعاته، وبذلوا في ذلك من الجهود العظيمة ما استفرغوا به الوسع وأمكنتهم الطاقة، لتعود ثمرات جهودهم على أُمَّتهم بالخير العميم والعطاء الجسيم حتَّى أخذوا يرتقون بأُمَمهم إلى حيث الرُّقى فنحن نشكر لهم ذلك أيّما شكر، وذلك لحفظهم تراث الدِّين وعلم النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأوصيائه (عليهم السلام)، وما أحلى أنْ يكون جمع هذا التراث والعلم في مكان هو مرآة لوجه الله تعالى(٢٠)، وفي بلد العلم وفي عصر العلم الحلَّة وما أدراك ما الحلَّة، بلد الأربعمائة مجتهد في عصر واحد مدينة يبلغ بها الرجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠) ورد عنهم (عليهم السلام) في دعاء الندبة: «أين وجه الله الذي يتوجَّه إليه الأولياء»، وفي مكان آخر: «أين وجه الله الذي منه يُؤتى».

↑صفحة ٢٧↑

الاجتهاد قبل سنِّ بلوغه(٢١)، مدينة يُوصَّى فيها الولد من قِبَل أبيه وعمره سبع سنين بالكتابة ففي كتاب (كشف المحجَّة) للسيِّد الأجلِّ ابن طاوس الحلِّي وهو وصايا لولده قال لولده يرفعه إلى المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اُكتب وبثَّ علمك في إخوانك فإنْ متَّ فورِّث كُتُبك بنيك فإنَّه يأتي على الناس زمان هرج ما يأنسون فيه إلَّا بكُتُبهم»(٢٢).
فما ذكر تاريخها إلى الآن إلَّا دلالة على محض الإخلاص والتقى:

إذا ما بناء شاده العلم والتُّقى * * * تهدَّمت الدنيا ولم يتهدَّمِ

فهي في علم التاريخ وهي في علم الفقه وهي في علم الأُصول وهي في علم الأدب وهي في علم الرجال، وهي وهي... وقد حفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك الإخلاص حفظ لنا مخطوطات خُطَّت بيد الأمانة والتقوى في هذا المقام الشريف، وكان من محاسن الأقدار أنَّ الله سبحانه وتعالى حرَّك فينا الهمَّة، وقوَّى العزم، وشدَّ الأزر في أنْ يكون لنا شرف التتبُّع والبحث لجمع هاتيك المخطوطات، والتنويه عنها، ليتعرَّف العالم الإسلامي على قِدَم هذا المقام وقدسيَّته وهو مكان شاء الله أنْ يرفعه ويذكر فيه اسمه ويُسبَّح له بالغدوِّ والآصال ولا يظنُّ المرء أنَّ هذه المخطوطات الستّ التي نحن بصدد الحديث عنها هي الوحيدة التي كُتِبَت في هذا المقام فالمئات المئات من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١) إشارة إلى العلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، وهذا ليس ببعيد، فقد ذكر السيِّد حسن الصدر (رحمه الله) عن بلوغ درجة الاجتهاد لعدَّة من العلماء قبل بلوغهم، فمنهم: السيِّد صدر الدِّين العاملي، والفاضل الهندي.
(٢٢) اُنظر: الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ ح ١١).

↑صفحة ٢٨↑

المخطوطات الحلّيَّة التي وصلت حتَّى إلى المتحف البريطاني عليها عبارة كُتِبَت بالحلَّة المحروسة دون ذكر لعبارة (كُتِبَت داخل هذا المقام)، وذلك لشهرة المقام التي جعلت الناسخ لا يذكر تلك العبارة غير المخطوطات التي ضاعت عنَّا من جراء الحروب والتلف والحرق وغيرها من الآفات الطبيعيَّة... إلخ(٢٣)، فبعد هذا كلِّه تعالَ معي أيُّها الباحث عن تاريخ المقام الشريف لنُطلِعك في هذا الباب عن كلِّ ما يتعلَّق بتلك المخطوطات التي حصلنا على ذكرها أو صورة منها بالسفر والحضر:
المخطوطة الأولى: (٦٣٦ هـ/ ١٢١٦م): مخطوطة الشيخ ابن هيكل:
إنَّ أهمَّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة إلى تأريخ مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) بالحلَّة هو وجود تأريخ لعمارة المقام سنة (٦٣٦هـ)، فيظهر منها أنَّ المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدَّة، ولكن وللأسف الشديد لم أعثر أنا على تأريخ قبل هذا التأريخ، أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مائة وأربعين سنة، من سنة (٤٩٥هـ) وهي سنة تمصير الحلَّة إلى سنة (٦٣٦هـ)، ولكن اعتناء العلماء بهذا المقام وزيارتهم إيَّاه وعمارته والدرس فيه يدلُّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣) ومن العجيب أنَّ كُتُب السيِّد الأجلّ ابن طاوس (ت ٦٦٤هـ) المطبوعة التي تربو على العشرين لا يوجد فيها ذكر لهذا المقام وهذا لا يعني عدم الإثبات، فكثير من كُتُبه (رحمه الله) فُقِدَت منَّا ولقد أحصى الشيخ المحقِّق فارس الحسُّون (رحمه الله) لهذا السيِّد خمسة وخمسين كتاباً عن لسان السيِّد نفسه، وهي الآن ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود وربَّما ذكر السيِّد هذا المقام في كتابه المفقود (الكرامات) الذي نوَّه عنه في كتابه الأمان (ص١٢٧)، فلاحظ.

↑صفحة ٢٩↑

على عنايتهم به وأيّ عناية فلا بدَّ من أثر، وعلى قولهم: (الأثر يدلُّ على المسير).
والآن نأتي على تفصيل ما ذكرناه:
قال المحقِّق الحجَّة السيِّد محمّد صادق بحر العلوم (١٣١٥ - ١٣٩٩هـ) في تحقيقه لكتاب (لؤلؤة البحرين) للشيخ يوسف البحراني (رحمه الله) (ص ٢٧٢) ناقلاً عن آية الله العظمى السيِّد أبي محمّد الحسن الصدر في كتابه النفيس (تكملة أمل الآمل): (رأيت بخطِّ الشيخ الفقيه الفاضل عليِّ ابن فضل الله بن هيكل الحلِّي، تلميذ أبي العبَّاس ابن فهد الحلِّي ما صورته: حوادث سنة (٦٣٦هـ) فيها عمر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدِّين محمّد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلِّي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) بالحلَّة السيفيَّة وأسكنها جماعة من الفقهاء).
أقول: إنَّ من هذه الأسطر نستخرج عدَّة فوائد، فمنها:
١ - وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة (٦٣٦هـ).
٢ - وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة (٦٣٦هـ)، (وهي المدرسة التي أتكلَّم عليها فيما بعد).
٣ - إنَّ ابن نما هذا لم يُؤسِّس المدرسة هذه، بل عمرها من خراب أو صدع وقع فيها.
٤ - كان لا يسكن هذه المدرسة إلَّا الفقهاء، (بصريح قول ابن هيكل).
والآن نأتي على ذكر مصدر المخطوطة:

↑صفحة ٣٠↑

أقول: كتاب (تكملة أمل الآمل في علماء جبل عامل) للعلَّامة الشريف شيخ المحدِّثين آية الله في العالمين أبي محمّد السيِّد حسن بن الهادي ابن محمّد عليّ من آل صدر الدِّين الموسوي العاملي (١٢٧٢ - ١٣٥٤هـ) صاحب التصانيف المنيفة على التسعين، والتي لم يُطبَع منها إلَّا نحو عشرين، وفيها أسمى الفوائد وأجود العوائد(٢٤)، ويا حبَّذا لو يُلتفَت إليها طُبِعَ الجزء الأوَّل من هذا الكتاب وهو ما يخصُّ علماء جبل عامل في سنة (١٤٠٦هـ) في قم المقدَّسة بإشراف مكتبة السيِّد المرعشي (رحمه الله)، وبتحقيق السيِّد أحمد الحسيني (دامت بركاته)، وبقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يُطبَعا ولأنَّ ابن نما من غير علماء جبل عامل فمن المؤكَّد أنَّ هذه العبارة موجودة في الأجزاء الباقية لهذا الكتاب.
وأمَّا ابن هيكل: فهو الشيخ الجليل عليُّ بن فضل الله بن هيكل الحلِّي، تلميذ الشيخ أبي العبَّاس أحمد بن فهد الحلِّي الذي تُوفِّي سنة (٨٤١هـ)، له كتاب الأدعية والأوراد والختوم.
أقول: إنَّني من خلال كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) استقصيت كُتُب ابن هيكل (رحمه الله)، والموجودة في مكتبة السيِّد حسن الصدر (رحمه الله) في الكاظميَّة حتَّى يتسنَّى لي معرفة مصدر قوله الذي نقله عنه (أي قول ابن هيكل)، فظهر لي أنَّ لابن هيكل في هذه المكتبة عدَّة مخطوطات، وجميعها بخطِّ يده فبعضها له (أي من تآليفه)، وبعضها لأُستاذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤) من أراد التفصيل عن ترجمته وكُتُبه ومكتبته فعليه بكتاب (المسلسلات في الإجازات) لجامعه الحجَّة السيِّد محمود المرعشي (ج ٢/ ص ١٠٠ - ١٠٦).

↑صفحة ٣١↑

(أي ابن فهد)، وبعضها لعلماء الإماميَّة وخدمةً للتاريخ والمذهب فأنا ذاكرها لعلَّ الله يختار من يُحيي تلك الآثار القيِّمة التي لم ترَ النور إلى الآن، فالتي له وبخطِّ يده:
١ - كتاب الأدعية والأوراد. راجع: الذريعة (ج ١/ ص ٣٩٣).
٢ - مقالة في فضل صلاة الجماعة. راجع: الذريعة (ج ٢١/ ص ٤٠٣).
والتي لأُستاذه الشيخ أحمد بن فهد الحلِّي (رحمه الله) وبخطِّ يده، هي:
١ - المسائل الشاميَّة في فقه الإماميَّة (الأُولى). راجع: الذريعة (ج ٥/ ص ٢٢٣).
٢ - المسائل الشاميَّة في فقه الإماميَّة (الثانية). راجع: الذريعة (ج ٥/ ص ٢٢٤).
٣ - التواريخ الشرعيَّة عن الأئمَّة المهديَّة. راجع: الذريعة (ج ٤/ ص ٤٧٥).
٤ - الخلل في الصلاة. راجع: الذريعة (ج ٧/ ص ٢٤٧).
٥ - رسالة في كثير الشكِّ. راجع: الذريعة (ج ١٧/ ص ٢٨٢).
٦ - الأدعية والختوم.
٧ - رسالة في فضل صلاة الجماعة.
والتي لغيره من العلماء (رحمهم الله)، وبخطِّ يده:
١ - مسار الشيعة، للشيخ المفيد (رحمه الله).
٢ - واجبات الصلاة الثمانية، لفخر المحقِّقين (رحمه الله).

↑صفحة ٣٢↑

٣ - الآداب الدِّينيَّة للخزانة المعينيَّة، لأمين الإسلام أبي عليٍّ الطبرسي (ت ٥٤٨هـ)(٢٥).
أقول: وأمَّا الشيخ محمّد بن نما المذكور فهو الشيخ نجيب الدِّين أبو إبراهيم محمّد بن جعفر بن أبي البقاء الرئيس العفيف هبة الله بن نما بن عليِّ بن حمدون الربعي الحلِّي الشهير بابن نما هو من مشايخ سديد الدِّين يوسف بن المطهَّر والمحقِّق الحلِّي، ويروي عنه أيضاً رضي الدِّين عليٌّ وأبو الفضائل أحمد ابنا موسى بن طاوس والشيخ نجيب الدِّين يحيى (جامع الشرائع)، وولداه جعفر وأحمد ويروي عنه شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن صالح القسيني بإجازات آخرها جمادى الأُولى سنة (٦٣٧هـ)، ويروي هو عن والده جعفر بن عليٍّ في شوَّال سنة (٥٥٦هـ) الصحيفة السجَّادية، فظهر أنَّ بين سماع المترجَم له للصحيفة سنة (٥٥٦هـ) وبين إجازته للقسيني (٦٣٧هـ) إحدى وثمانين سنة، وهذا يستلزم عمراً طويلاً(٢٦).
المخطوطة الثانية: (سنة ٦٧٧ هـ/ ١٢٥٦م): نهج البلاغة:
إنَّ أهمَّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة أنَّها كُتِبَت في داخل مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) سنة (٦٧٧هـ)، كما صرَّح به جمع من العلماء وسوف نأتي على ذكر كلامهم. ولتسليط الضوء على هذه النسخة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥) اُنظر: الذريعة في أجزائها.
(٢٦) اُنظر: الأنوار الساطعة (ص ١٥٤).

↑صفحة ٣٣↑

نأتي على ذكر أصل الكتاب، وجامعه، وأحوال الناسخ، ومواصفات تلك النسخة، ومكانها وهذا المطلب يتطلَّب ذكر عدَّة أُمور، فلنأتِ على ذكرها.
في أصل الكتاب وجامعه:
نهج البلاغة: كتاب عربي اشتهر في مملكة الأدب الأُمَمي اشتهار الشمس في الظهيرة وهو صدف لآلئ من الحِكَم النفيسة ضمَّ بين دفَّتيه (٢٤٢) خطبة وكلاماً، و(٧٨) كتاباً ورسالةً، و(٤٩٨) كلمة من يواقيت الحكمة وجوامع الكَلِم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ويُعَدُّ الكتاب الوحيد الذي جُمِعَ بأُسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره وبديع كلامه (عليه السلام)، والذي وُصِفَ بأنَّه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين والذي حظي عبر القرون استنساخاً وشرحاً وتعليقاً من قِبَل أعلام البلاغة والأدب وحملة العلم والحديث، جيلاً بعد جيل، وتمَّ شرحه شروح عديدة تربو على السبعين وأُلِّفت عنه مؤلَّفات كثيرة.
الجامع لنهج البلاغة: السيِّد محمّد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، المشهور بالشريف الرضي (رحمه الله) (٣٥٩ - ٤٠٦هـ) الذي جمعه خلال (١٧) عاماً تقريباً(٢٧).
أحوال الناسخ: السيِّد نجم الدِّين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمّد الطبري الآبدارآبادي(٢٨)، من تلاميذ نجيب الدِّين يحيى بن أحمد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧) اُنظر: مجلَّة تراثنا (العدد ٦٥) كذلك طبقات أعلام الشيعة (القرن الخامس).
(٢٨) ضبطه الشيخ آغا بزرك في الأنوار الساطعة (ص ٢): (آبداراوادي)، وضبطه السيِّد أحمد الحسيني في تراجم الرجال (ص ١٦٢): (الأندراوذي).

↑صفحة ٣٤↑

يحيى بن سعيد الحلِّي (ت ٦٩٠هـ)، كتب له إجازة على نسخة (نهج البلاغة) في (٦٧٧هـ) وصفه فيها بـ: (السيِّد الأجلّ الأوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدِّين أبو عبد الله الحسين...)(٢٩)، كما كتب نسخة من كتاب (النهاية) للشيخ الطوسي (رحمه الله) وأتمَّها في يوم الثلاثاء (١٥) شهر ربيع الأوَّل سنة (٦٨١هـ) وقرأ الكتاب على العلَّامة الحلِّي فأجازه بإجازتين في شهر ربيع الآخر وجمادى الآخرة من سنة (٦٨١هـ)، وقال في الإجازة الأُولى: (قرأ عليَّ الشيخ العالم الفقيه الفاضل الكبير الزاهد المحقِّق العلَّامة نجم الملَّة والدِّين عزُّ الإسلام والمسلمين... قراءةً مهذَّبة تدلُّ على فضله وتُنبئ عن علمه)(٣٠).
تاريخ النسخ: يوم السبت من أواخر شهر صفر سنة (٦٧٧هـ).
مكان النسخ: مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة السيفيَّة.
مواصفات النسخة: النسخة مقروءة أكثر من مرَّة على غير واحد من أعلامنا، وعليها إنهاءاتهم وإجازاتهم ورواياتهم للكتاب بأسانيدهم عن مؤلِّفه الشريف الرضي (رحمه الله).
ثمّ بعد ذلك هي مقابلة ومصحَّحة بخطوط العلماء:
ففي نهاية المخطوط:
(تمَّ الكتاب بعون الله وحسن توفيقه... يوم السبت من [أ]واخر صفر سنة سبع وسبعين وستّمائة، فرغ من نقله الحسين بن أردشير الطبري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩) اُنظر: الأنوار الساطعة (ص ٤٦).
(٣٠) تراجم الرجال (ج ١/ ص ١٦٧).

↑صفحة ٣٥↑

الأندراوذي بالحلَّة السيفيَّة في مقام صاحب الزمان (عليه السلام))، والتاريخ يصلح أنْ يُقرَأ سبع وسبعين كما قرأه صاحب (رياض العلماء)، حيث رأى هذه النسخة في أصفهان وترجم لكاتبها في رياض العلماء (ج ٢/ ص ٣٦)، كما قرأها الأُستاذ دانش پژوه وتحدَّث عنها في نشرة المكتبة المركزيَّة لجامعة طهران (ج ٥/ ص ٤٢١).
ورآها شيخنا صاحب الذريعة (رحمه الله) في مكتبة العلَّامة الأديب الشيخ محمّد السماوي (رحمه الله)، وترجم لكاتبها في أعلام القرن السابع من طبقات أعلام الشيعة، وقرأ تاريخ النسخة: (سبع وستِّين)، وهذه المخطوطة قرأها كاتبها على الشيخ نجيب الدِّين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلِّي (٦٠١ - ٦٨٩هـ)، فكتب له الإنهاء في آخرها: (أنهاه أحسن الله توفيقه قراءةً وشرحاً لمشكله وغريبه نفعه الله وإيَّانا به وبمحمّد وآله، وكتب يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلِّي بالحلَّة حماها الله في صفر سنة سبع وستِّين (وسبعين) وستّمائة).
وكتب له أيضاً بأوَّل النسخة إجازة برواية الكتاب عن مؤلِّفه الشريف الرضي (رحمه الله)، ونصُّها: (قرأ عليَّ السيِّد الأجلُّ الأوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدِّين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمّد الطبري - أصلح الله أعماله وبلَّغه آماله بمحمّد وآله - كلَّ هذا الكتاب من أوَّله إلى آخره فكمل له الكتاب كلُّه وشرحت له في أثناء قراءته وبحثه مشكله وأبرزت له كثيراً من معانيه وأذنت له في روايته عنِّي عن السيِّد الفقيه العالم المقرئ المتكلِّم محي الدِّين أبي حامد محمّد بن عبد الله بن عليِّ بن

↑صفحة ٣٦↑

زهرة الحسيني الحلبي (رضي الله عنه) عن الشيخ الفقيه رشيد الدِّين أبي جعفر محمّد ابن عليِّ بن شهرآشوب المازندراني عن السيِّد أبي الصمصام ذي الفقار بن [محمّد بن](٣١) معد الحسني المروزي عن أبي عبد الله محمّد بن عليٍّ الحلواني عن السيِّد الرضي أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى بن محمّد الموسوي.
وعنه، عن الفقيه عزِّ الدِّين أبي الحارث محمّد بن الحسن بن عليٍّ الحسيني البغدادي عن قطب الدِّين أبي الحسين الراوندي، عن السيِّدين المرتضى والمجتبى ابني الداعي [الحسني](٣٢)، عن أبي جعفر الدوريستي، عن السيِّد الرضي. فليروه [عنِّي متى شاء وأحبَّ...]، سنة سبع وسبعين وستّمائة)، وقد حصل في هذا الموضع طمس وتلف ذهبا بتوقيع المجيز لكن الظاهر أنَّه هو نجيب الدِّين يحيى بن سعيد الحلِّي، لتشابه خطِّ الإجازة والإنهاء ولأنَّ الشيوخ المذكورين في الإجازة هم من مشايخه (رحمهم الله)جميعاً.
ثمّ انتقلت المخطوطة من الحلَّة إلى النجف الأشرف، فقُرِئَت على السيِّد محمّد بن أبي الرضا العلوي فإمَّا أنَّ كاتبها قرأها أو قرأها غيره، وهو الأظهر، وقد كتب الآوي بخطِّه: (أنهاه أدام الله بقاه قراءةً مهذَّبة، وكتب محمّد بن أبي الرضا).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١) زيادة عمَّا في رياض العلماء، وفيه: (معد الحسيني) وليس (الحسني)، والذي عليه الكثير أنَّه ذو الفقار بن معبد. وذكر صاحب كتاب (عمدة الطالب) في أولاد موسى الجون بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنَّى بن الإمام الحسن (عليه السلام)، وهو المعروف لكن الشيخ منتجب الدِّين رفع نسبه في الفهرست إلى إسماعيل بن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، ونقل كلامه المعلِّق على (العمدة) في عقب إسماعيل.
(٣٢) في رياض العلماء: (الحلبي).

↑صفحة ٣٧↑

ثمّ قوبلت النسخة في النجف الأشرف بنسخة صحيحة من نهج البلاغة بالحضرة الغرويَّة مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسُجِّل بهوامشها كثير من فوائد شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني وكان الفراغ من المقابلة وكتابة الحواشي أواخر شهر رمضان سنة (٧٢٦هـ).
ثمّ رجعت إلى الحلَّة، إذ كان على مخطوطتنا هذه سوى ما تقدَّم من الميزات إجازة من الشيخ حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي بخطِّه في ذي الحجَّة سنة (٧٢٨هـ) بالحلَّة، ولكن أصابها تلف منذ عهد صاحب (الرياض)، فلم يُسجِّل لنا منه في رياض العلماء (ج ٢/ ص ٣٧) إلَّا أوَّل الإجازة، وهو:
(قرأ عليَّ هذا الكتاب المسمَّى بنهج البلاغة المولى المعظَّم مَلِك الصلحاء سيِّد الزُّهَّاد والعُبَّاد...)، كما كُتِبَ في آخرها: (... وما توفيقي إلَّا بالله، عليه توكَّلنا وهو حسبنا نعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير، وذلك في رجب من سنة أربعمائة)، وهذا يدلُّ أنَّ النسخة منقولة من على نسخة المؤلِّف الشريف أو من نسخة كُتِبَت على عهده.
وكانت هذه المخطوطة الثمينة في مكتبة العلَّامة السماوي، وانتقلت بعد وفاته إلى مكتبة آية الله الحكيم العامَّة في النجف الأشرف، ورقمها هناك (١٣٩).
عدد الورقات: ٣٣٢.
حجم الورق: قطع وزيري سميك (١٦ × ٢٤).
نوع الخطِّ: نستعليق جيِّد.

↑صفحة ٣٨↑

عدد السطر: ١٨.
طول السطر: (١١.٥سم).
مكان النسخة: مكتبة آية الله الحكيم، رقم (١٣٩).
يقول كاتب السطور: إنَّني بفضل الله ومنِّه عليَّ رأيت نسخة مصوَّرة عن النسخة الأصليَّة في هذه المكتبة، ولم أرَ النسخة الأصليَّة، لأنَّها محفوظة فيها وبحقٍّ هي من نفائس مخطوطاتنا.
ملاحظة: توجد نسخة أُخِذَت عن النسخة الأصليَّة أوردناها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.
راجع عن هذه النسخة:
١ - من نوادر مخطوطات مكتبة آية الله الحكيم العامَّة (ص٨٧ - ٨٩)، وتصوير نماذج منها في نهايته.
٢ - الذريعة إلى تصانيف الشيعة (ج ٢٤/ ص ٤١٣).
٣ - طبقات أعلام الشيعة (القرن ٧/ ص ٤٦).
٤ - رياض العلماء (ج ٢/ ص ٣٦ و٣٧).
٥ - أعيان الشيعة (ج ٥/ ص ٤٥١/ الطبعة الحديثة).
٦ - مصادر نهج البلاغة (ج ١/ ص ١٩٢ و١٩٣).
٧ - نشرة المكتبة المركزيَّة لجامعة طهران (ج ٥/ ص ٤٢١).
٨ - مجلَّة تراثنا (عدد ٥/ ص ٧٩ - ٨١).
المخطوطة الثالثة: (في بداية القرن الثامن الهجري): الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة:
إنَّ أهمَّ ما يرشدنا إلى تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنَّها كُتِبَت

↑صفحة ٣٩↑

مجاور مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة السيفيَّة ولكن وللأسف الشديد لم يُذكَر في النسخة تأريخ صريح لأنَّ نسخة الكتاب مخرومة الآخر.
ولتسليط الضوء على هذه النسخة نأتي على ذكر أصل الكتاب ومؤلِّفه، وأحوال الشارح للكتاب، ومواصفات تلك النسخة ومكانها وهذا المطلب يتطلَّب ذكر عدَّة أُمور فلنأتِ على ذكرها:
الأمر الأوَّل: في أصل الكتاب ومؤلِّفه:
أقول: إنَّ أصل الكتاب هو (الأبحاث المفيدة في تحقيق العقيدة)، وهو في علم الكلام وهو مختصر لكتاب (منهاج الهداية ومعراج الدراية)(٣٣)، وهو من تآليف آية الله العلَّامة الشيخ جمال الدِّين أبي منصور الحسن ابن الشيخ سديد الدِّين يوسف ابن زين الدِّين عليِّ بن المطهَّر الحلِّي المولود في (٢٩) من شهر رمضان سنة (٦٤٨هـ)، والمتوفَّى في يوم السبت الحادي والعشرين من المحرَّم سنة (٧٢٦هـ) ولم نرَ موجباً لذكر ترجمة له (رحمه الله) لأنَّ الكُتُب الرجاليَّة والفقهيَّة والحديثيَّة وغيرها تعطَّرت بأريج ذكره ومثلي لا يستطيع وصف مثله.
الأمر الثاني: في ذكر عدَّة فوائد تخصُّ هذه النسخة الخطّيَّة:
الفائدة الأُولى: في اسم المخطوطة:
(الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة)، أقول: إنِّي لم أرَ من سمَّى هذا الكتاب بهذا الاسم سوى ثلاثة أعلام، وهم:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣) هذا ما صرَّح به مؤلِّفه العلَّامة (أعلى الله مقامه) في إجازته للسيِّد مهنَّا بن سنان (رحمه الله) عند سرد مؤلِّفاته، وهي ضمن المسائل المهنَّائيَّة. اُنظر: بحار الأنوار (ج ١٠٤/ ص ١٤٨).

↑صفحة ٤٠↑

١ - مؤلِّف الكتاب: وهو الناسخ له، وهذا ما صرَّح به في مقدَّمة الكتاب.
٢ - الواقف للنسخة: وهو الشيخ أسد الله بن محمّد مؤمن الخاتوني العاملي المشهدي، وهو ما كتبه على ظهر النسخة.
٣ - السيِّد محسن الأمين العاملي (رحمه الله): في كتابه (أعيان الشيعة)، وهو الذي رأى تلك النسخة بعينه وقرأ ما صرَّح به المؤلِّف والواقف على ظهر النسخة عِلماً أنَّ جميع من كتب عن هذه النسخة سمَّاها بـ (شرح الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة) دون ذكر الاسم.
الفائدة الثانية: في أحوال الشارح: وهو الناسخ للمخطوطة.
أقول: هو الشيخ عزُّ الدِّين أبو محمّد الحسن بن ناصر بن إبراهيم الحدَّاد العاملي وانفرد السيِّد الأمين في أعيانه بتسميته بمحمّد حسن.
في ثناء العلماء عليه:
قال الميرزا الأفندي (رحمه الله): (الفاضل الكامل العالم الكافل المعروف بابن حدَّاد العاملي وله من المؤلَّفات كتاب (طريق النجاة)، وينقل عن كتابه هذا الكفعمي (رحمه الله) في حواشي المصباح، والعجب أنَّ الشيخ المعاصر لم يورده في الأمل ووصفه بمكان آخر بالشيخ الجليل... ولم أعثر على عصره إلى الآن واعلم أنَّه قد يُتوهَّم أنَّ ابن الحدَّاد العاملي هذا هو بعينه الحدَّاد الحلِّي وهو غلط فاحش لأنَّ اسمه الشيخ جمال الدِّين أحمد بن محمّد بن الحدَّاد الحلِّي تلميذ العلَّامة أعلى الله مقامه) (٣٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤) اُنظر: رياض العلماء (ج ١/ ص ٣٢٢ و٣٤٦)، وأراد (رحمه الله) بـ (المعاصر): الشيخ محمّد بن الحسن الحرَّ العاملي (ت ١١٠٤هـ) صاحب كتاب (أمل الآمل)، وهو صاحب كتاب (وسائل الشيعة).

↑صفحة ٤١↑

وقال الخاتوني (وهو الواقف للنسخة): (الشيخ الإمام الفاضل الكامل أُنموذج السلف بقيَّة الخلف عين أعيان الزمان عزُّ الملَّة والدِّين أبو محمّد حسن ابن ناصر الدِّين إبراهيم الحدَّاد العاملي (قدّس سرّه))(٣٥).
الفائدة الثالثة: في عصر المؤلِّف والنسخة:
أقول: قرأ بعض عليه كتاب (قواعد الأحكام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، فكتب له إنهاءً في الخامس من جمادى الآخرة سنة (٧٢٥هـ)(٣٦).
كما قرأ عنده محمّد بن الحسن بن محمّد الغزنوي كتاب (شرائع الإسلام)، فكتب له إنهاءً في آخر الجزء الأوَّل منه بتاريخ (٢١) محرَّم سنة (٧٣٩هـ)(٣٧).
وقرأ عليه محمّد بن إبراهيم كتاباً للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) سنة (٧٢٥هـ)، فكتب له في آخره: (أنهاه أيَّده الله تعالى وأبقاه قراءةً وبحثاً واستشراحاً وحفظاً وضبطاً لما... فصل في معانيه نفعه الله تعالى وإيَّانا بذلك بمحمّد وآله الطاهرين وذلك في عدَّة مجالس آخر(ها) خامس جمادى الآخرة سنة (٧٢٥هـ)، كتبه العبد... حسن بن ناصر بن إبراهيم العاملي)(٣٨)، كما كُتِبَ على نسخة (قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥) اُنظر: أعيان الشيعة (ج ٩/ ص ١٧٨).
(٣٦) اُنظر: تراجم الرجال (ج ١/ ص ١٦٠).
(٣٧) اُنظر: المصدر السابق (ص ١٤٦).
(٣٨) اُنظر: مكتبة العلَّامة الحلِّي (ص ١٢٩)، (ها) زيادة يقتضيها السياق.

↑صفحة ٤٢↑

وهي نسخة عصر المصنِّف إنهاء الحسن بن ناصر بن إبراهيم العاملي في سنة (٧٢٥هـ)(٣٩).
ولا يبعد أنْ يكون الشارح من تلاميذ العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) (ت٧٢٦هـ) بل هو المؤكَّد حسب التواريخ المذكورة آنفاً، وعلى هذا ثبت لدينا أنَّ عصر كتابة النسخة هو الربع الأوَّل من القرن الثامن الهجري.
الفائدة الرابعة: في توهُّم البعض بأنَّ شرح الأبحاث المفيدة لغير ابن الحدَّاد العاملي (رحمه الله):
أقول: إنَّ البعض توهَّم في نسبة الشارح لهذا الكتاب فقد نسب هذا الشرح إلى الشيخ ناصر بن إبراهيم البويهي الأحسائي العاملي المتوفَّى بالطاعون في سنة (٨٥٣هـ)، والمجاز من قِبَل العلَّامة البياضي (رحمه الله) صاحب كتاب (الصراط المستقيم) وهو من علماء المائة التاسعة، وهو صاحب الحاشية على القواعد للعلَّامة وحواشٍ كثيرة على كُتُب الفقه، ووقع هذا الاشتباه في كلٍّ من الكُتُب التالية:
١ - الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني (ج ٣/ ص ٥٧).
٢ - معجم المؤلِّفين لعمر كحالة (ج ١٣/ ص ٦٧).
٣ - مقدَّمة تحقيق كتاب قواعد الأحكام للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)/ تحقيق: مؤسَّسة النشر الإسلامي (ص ٤٩/ ط ١/ ١٤١٢هـ/ قم المقدَّسة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩) اُنظر: الذريعة (ج ١٧/ ص ١٧٦)، وقد أورده الشيخ صاحب الذريعة باسم (الحسين) والأصحّ كما أثبتناه ولعلَّ الحسين تصحيف، وكثيراً ما يحدث بين اسمي الحسن والحسين أو لعلَّه من خطأ النُّسَّاخ.

↑صفحة ٤٣↑

٤ - فهرس الكُتُب الخطّيَّة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) (آستان قدس رضوي) (فارسي)/ تحقيق: سيِّد عليّ أردلان جوان (ج ١٣/ ص ١٣٢/ الرقم ١٤١/ ط ٢).
والظاهر أنَّ أصل الاشتباه من هذا الكتاب لاعتماد الجميع على اعتقاد صحَّة ما في الفهرست.
الفائدة الخامسة: في مواصفات النسخة:
بداية النسخة: بعد البسملة: (الحمد له والصلاة على نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)... فقد سألني بعض أصحابي الكريم لديَّ والواجب الحقُّ عليَّ المفتخر بأعظم جرثومة والمنتسب إلى أكرم أُرومة إملاء شرح المباحث المفيدة في تحصيل العقيدة من تصنيف شيخنا الإمام(٤٠)... بكتاب موسوم بالدُّرَّة النضيدة...).
نهاية النسخة: النهاية وللأسف الشديد مخرومة الآخر ولكن يظهر أنَّ الذاهب منها شيء قليل، لأنَّ فيها قبل الآخر بورقتين: (الفصل الثامن: في المعاد).
ما كُتِبَ على ظهر النسخة:
خطُّ المؤلِّف: (ابتدأت في تصنيفه ثامن عشرين شعبان، وفرغت في أربع عشرين رمضان، فكان مجموع المدَّة ستَّة وعشرين يوماً، وذلك في الحلَّة مجاور مقام صاحب الزمان على ساكنه أفضل الصلاة والسلام)(٤١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٠) ثمّ أخذ بنعت العلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، وكلمة شيخنا تدلُّ على أنَّه من تلامذة العلَّامة الحلِّي (رحمه الله).
(٤١) قال السيِّد محسن العاملي (رحمه الله): (ولكنَّه مع الأسف لم يذكر التاريخ، وهذا الشرح بهذه السرعة يدلُّ على كمال فضله).

↑صفحة ٤٤↑

خطُّ الواقف: (كتاب (الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) تصنيف الشيخ الإمام الفاضل الكامل أُنموذج السلف بقيَّة الخلف عين أعيان الزمان عزُّ الملَّة والدِّين أبو(٤٢) محمّد حسن بن ناصر الدِّين إبراهيم الحدَّاد العاملي (قدّس سرّه)).
الواقف للنسخة: الشيخ أسد الله بن محمّد مؤمن الخاتوني.
سنة الوقف: (١٠٦٧هـ).
كاتب النسخة: بخطِّ يد المؤلِّف نفسه.
نوع الخطِّ: نستعليق تحريري.
عدد الورقات: (٤٩) ورقة.
حجم الورقة: (٢٠ × ١١سم).
عدد الأسطر: (٣٠) سطر في الورقة الوحدة.
لون الغلاف: بنِّي (دارسيني).
مكان النسخة: مشهد/ مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) (آستان قدس رضوي)/ رقم (١٤١).
أقول: لا يبعد أنْ يكون المؤلِّف كتب هذه النسخة في مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) الواقعة بجانب هذا المقام، كما صرَّحنا به في المخطوطة الأُولى من هذا الباب.
يقول كاتب هذه السطور: إنَّ من فضل الله ومِنَنه السابغة عليَّ أنْ وفَّقني لرؤية تلك النسخة، وذلك في خلال زيارتي الرابعة لسيِّدي ومولاي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٢) كذا في الأصل وصوابها: (أبي محمّد).

↑صفحة ٤٥↑

الإمام عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، وفي الأوَّل من شهر جمادى الآخرة من سنة (١٤٢٥هـ)، وذلك بفضل الجهود المشكورة من قِبَل إدارة المكتبة الرضويَّة (على المنسوبة إليه أفضل الصلاة والسلام) وقبَّلت النسخة ووضعتها على عيني تبرُّكاً بها لكن في البداية لم أرَ ما رآه صاحب الأعيان على ظهر النسخة من خطِّ المؤلف والواقف، وبعد تفحُّصي للنسخة ظهر أنَّ ورقة وُضِعَت على ظهر النسخة في أثناء تجليدها، فأخفت ما كُتِبَ على ظهر النسخة فأخبرت إدارة المكتبة بأهمّيَّة ما كُتِبَ على ظهرها فقامت إدارة المكتبة بجهود مشكورة وبدون تلف لما كُتِبَ على ظهر النسخة برفع تلك الورقة التي أخفت تلك المعالم وطلبوا منِّي أنْ أُصحِّح ما وقع من الاشتباه عند صاحب الفهرست عن هذه النسخة فكتبت في ورقة معزولة اسم النسخة ومؤلِّفها الأصلي وعصره، وأُرفقت الورقة التي كتبتها مع النسخة الأصليَّة، وهذا بمنِّه وفضله سبحانه عليَّ، والحمد لله ربِّ العالمين.
راجع عن هذه النسخة الخطّيَّة:
١ - أعيان الشيعة للعاملي (ج ٤٤/ ص ٨٦/ طبعة قديمة) و(ج ٩/ ص ١٧٨/ طبعة حديثة).
٢ - فهرست مكتبة الإمام الرضا (آستان قدس رضوي) (فارسي)/ تحقيق: سيِّد عليّ أردلان جوان (ج ١٣/ ص ١٣٢/ الرقم ١٤١/ ط ٢).
ملاحظة: توجد صورة لتلك النسخة أُخِذَت عن النسخة الخطّيَّة أوردتها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.

↑صفحة ٤٦↑

المخطوطة الرابعة: (في سنة ٧٢٣ هـ/ ١٣٠٢م): تحرير الأحكام الشرعيَّة على مذهب الإماميَّة:
إنَّ أهمَّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة، هي أنَّها كُتِبَت في داخل المقام سنة (٧٢٣هـ)، ولتسليط الضوء على النسخة نأتي على ذكر اسم النسخة ومؤلِّفها، وأحوال الناسخ، ومواصفات تلك النسخة ومكانها، وهذا المطلب يتطلَّب عدَّة أُمور، فلنأتِ على ذكرها:
الأمر الأوَّل: في اسم الكتاب ومؤلِّفه:
(تحرير الأحكام الشرعيَّة على مذهب الإماميَّة)، تأليف: العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) الشيخ جمال الدِّين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهَّر الأسدي (٦٤٨ - ٧٢٦هـ)، من المتون الفقهيَّة المهمَّة للعلَّامة (رحمه الله) صاحب الموسوعات الفقهيَّة والمصنَّفات الأُصوليَّة والكلاميَّة، وهو دورة كاملة من الطهارة إلى الديات، يشتمل على معظم المسائل الفقهيَّة، مع إيراد أكثر المطالب التكليفيَّة الشرعيَّة الفرعيَّة، من غير تطويل بذكر حجَّة ودليل، مقتصراً على مجرَّد الفتوى، تاركاً الاستدلال، مستوعباً الفروع والجزئيَّات، مستخرجاً لفروع لم يُسبَق إليها، مرتَّباً على ترتيب كُتُب الفقه في أربع قواعد في: العبادات، المعاملات، الإيقاعات، الأحكام، صنَّفه العلَّامة في (١٠) ربيع الأوَّل من سنة (٦٩٠هـ)(٤٣).
الأمر الثاني: في اسم الناسخ وأحواله:
اسم الناسخ: محمود بن محمّد بن بدر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣) اُنظر: مجلَّة تراثنا (العدد ٦٨)، وكتاب الذريعة (ج ٣/ ص ٣٧٨).

↑صفحة ٤٧↑

أقول: وأحتمل أنَّه محمود بن محمّد بن بدر الرازي الغزِّي المجاور بالحرم الشريف الغروي الناسخ لكتاب (مختلف الشيعة في أحكام الشريعة) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، وفرغ من نسخه يوم الأربعاء (٢٤) شوَّال سنة (٧٣٧هـ)، ونسخة الكتاب المذكور هي الموجودة في مكتبة الآخوند في همدان وتحت رقم (٤٥٩١)(٤٤).
أقول: ويظهر منها أنَّه انتقل إلى الغريِّ بعد وفاة العلَّامة (رحمه الله).
مكان النسخ: في مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) بالحلَّة.
تأريخ النسخ: فرغ منها يوم الثلاثاء سادس رجب سنة (٧٢٣هـ)، (وهي نسخة عصر المؤلِّف).
مواصفات النسخة: (تحتوي على القاعدة الأُولى والثانية)، وبها سقط في أوَّلها وآخرها، استنساخها غير جيِّد، ويوجد في (نهاية القاعدة الأُولى) تاريخ النسخ، وفي حاشيتها توجد تصحيحات، كما يُوجَد عليها إنهاء المؤلِّف للكتاب في (٢٦) جمادى الآخرة سنة (٧٢٤هـ).
عدد الورقات: ٢٦١.
عدد الأسطر: ٢٦ سطر.
حجم الورقة: (٢٣ × ١٦سم).
لون الغلاف: أحمر، العطف بنِّي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤) اُنظر: مكتبة العلَّامة الحلِّي (ص ١٧٧)، علماً أنَّني كتبت (همدان) بالدال المهملة مع أنَّ حقَّها أنْ تُكتَب بالمعجمة (همذان) وبفتح الميم، لكن جرينا على شائع الاستعمال عند المتأخِّرين. و(همدان) بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة اسم قبيلة يمانيَّة (قحطانيَّة) كانت من شيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

↑صفحة ٤٨↑

مكان النسخة: قم المقدَّسة، مكتبة السيِّد المرعشي (رحمه الله)، رقم (٦٧٣٢).
يقول كاتب هذه السطور: إنَّ من فضل الله ومِنَنه السابغة عليَّ أنْ وفَّقني لرؤية تلك النسخة، وذلك في خلال زيارتي الخامسة لسيِّدي ومولاي عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، في آخر شهر شعبان من سنة (١٤٢٥هـ) وذلك بفضل الجهود المشكورة من قِبَل إدارة مكتبة السيِّد المرعشي (رحمه الله) في بلدة قم المقدَّسة المحروسة بالعلم والعلماء وبخصوص جهود الحجَّة السيِّد محمود المرعشي (دامت بركاته) وهي من نفائس مخطوطات تلك المكتبة بحيث إنَّني رأيت النسخة محفوظة في صندوق زجاجي مفرَّغ من الهواء في معرض نفائس مخطوطات تلك المكتبة.
أقول: والآن نأتي على وصف ما رأيته في آخر تلك النسخة:
(تمَّت القاعدة الأُولى وهي العبادات من كتاب التحرير، ويتلوه الجزء الثاني منه، وهي القاعدة الثانية في المعاملات، وفرغ من تسويد مصنِّفه حسن بن يوسف بن مطهَّر ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأوَّل من سنة تسعين وستّمائة، والحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيِّدنا محمّد النبيِّ وآله الطاهرين).
وكتب الناسخ: (هذه صورة خطِّ المصنِّف (دام ظلُّه وأبقاه)، وفرغ العبد الأصغر من كتابته، وهو محمود بن محمّد بن بدر، وقد... يوم الثلاثاء سادس من شهر رجب الأصمّ عام ثلاثة وعشرين وسبعمائة في...(٤٥)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٥) وللأسف الشديد قد سقطت كلمة (مقام) من أثر تلف وقع على النسخة بسبب حشرة الأرضة.

↑صفحة ٤٩↑

صاحب الزمان بالحلَّة المحروسة حماها الله، اللَّهُمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات بحقِّ محمّد وآله الأخيار الأبرار بلغت المقابلة بنسخة الأصل).
خطُّ المؤلِّف: (أنهاه... الله تعالى... مجالس آخرها سادس عشرين جمادى الآخر من سنة أربع وعشرين وسبعمائة، كتبه حسن يوسف المطهَّر (كذا) الحلِّي... حامداً مسلِّماً مستغفراً)، (علماً أنَّ خطَّ العلَّامة عليها بدون نقط).
أقول: لعلَّ إنهاء العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) على هذه النسخة في مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، ونسخ كُتُبه من قِبَل تلامذته أو النُّسَّاخ في عصره في هذا المقام دليل على أنَّ المقام كان موضع درسه فإذا كان موضع درسه فهو بعينه موضع درس ولده فخر المحقِّقين (رحمه الله)(٤٦).
راجع عن هذه النسخة:
١ - مكتبة العلَّامة الحلِّي للمحقِّق السيِّد عبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) (ص ٩٧).
٢ - فهرست مكتبة السيِّد المرعشي (رحمه الله) (ج ١٧/ ص ٢٨٥/ رقم ٦٧٣٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦) كما صرَّح به ولده محمّد فخر المحقِّقين (ت ٧٧١هـ) حينما أجاز الشيخ زين الدِّين عليِّ ابن عزِّ الدِّين حسن بن مظاهر فكتب بخطِّ يده في آخر إجازته لهذا الشيخ ما صورته: (وكتب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهَّر في عاشر ربيع الأوَّل لسنة خمس وخمسين وسبعمائة ببلدة الحلَّة بمجلس والدي الذي كان في حياته يُدرِّس به، والحمد لله وحده...).
اُنظر: بحار الأنوار (ج ١٠٧/ ص ١٨١).

↑صفحة ٥٠↑

ملاحظة: توجد صورة لتلك النسخة أُخِذَت عن النسخة الخطّيَّة أوردتها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.
المخطوطة الخامسة: (سنة ٧٧٦ هـ/ ١٣٥٥م): قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام:
وأهمُّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة أنَّها كُتِبَت في مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في سنة (٧٧٦هـ)، وهذا ما نطلبه نحن في بحثنا هذا، ولمعرفة الأُمور التي تخصُّ تلك النسخة نأتي على ذكر عدَّة أُمور مهمَّة، منها:
الأمر الأوَّل: وقفة مع الكتاب ومؤلِّفه:
(قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام) هو كتاب في الفقه ومسائل الحلال والحرام، من تصانيف آية الله العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) المتوفَّى سنة (٧٢٦هـ) وهو أجلُّ ما كُتِبَ في الفقه الجعفري بعد كتاب (شرائع الإسلام)، فهو حاوٍ لجميع أبواب الفقه وقد لخَّص مؤلِّفه فتاواه وألَّفه بالتماس ولده فخر الدِّين، وختمه بوصيَّة غرَّاء لولده فخر الدِّين وقد اعتمد عليه كافَّة المتأخِّرين، وعلَّقوا عليه الحواشي، وشُرِحَ شروحاً كثيرة(٤٧).
اسم الناسخ: جعفر بن محمّد العراقي، وأخوه الحسين بن محمّد العراقي.
تاريخ النسخ: هناك اختلاف يسير بين صاحب فهرست مكتبة الآخوند في همدان وبين السيِّد المحقِّق عبد العزيز الطباطبائي (رحمه الله) في كتابه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٧) اُنظر: الذريعة (ج ١٤/ ص ١٧).

↑صفحة ٥١↑

(مكتبة العلَّامة الحلِّي) حول تاريخ بداية ونهاية نسخ النسخة وأظنُّ من كلام السيِّد الطباطبائي في وصفه النسخة أنَّه رآها فلنأتِ على قولهما:
قال صاحب الفهرست (ما ترجمته بالعربيَّة): (البداية في يوم السبت أوَّل جمادى الآخرة (٧٧٦هـ) (خمسين سنة بعد وفاة المؤلِّف)، قام كاتب هذه النسخة بعد إتمام كتابتها بمقابلتها وتصحيحها، وكتب في آخرها: قمت بمقابلة وتصحيح هذه النسخة مع نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان بمدينة الحلَّة في فصلٍ حارٍ وبتعب شديد حتَّى أتممت المقابلة في (١٢) جمادى الأوَّل سنة (٧٨٦هـ)، ثمّ يضيف: فرغت من قراءة وحلِّ الكلمات المشكلة في (١٨) شهر رمضان (٧٨٦هـ)).
وقال الطباطبائي (رحمه الله) في كتاب (مكتبة العلَّامة الحلِّي): (فرغ منها يوم السبت غرَّة جمادى الآخرة، ثمّ قابلها وصحَّحها على نسخة مصحَّحة معتمدة في مقام صاحب الزمان بالحلَّة سنة (٧٧٦هـ)، جزءان في مجلَّد)(٤٨).
مواصفات النسخة: الحجم وزيري يوجد في عدَّة مواضع عبارة: (بلغت المقابلة)، وكذلك توجد حواشٍ عديدة من الكاتب في هذه النسخة وفي أوَّل الكتاب توجد بعض الفروع تمَّ نقلها من (الرسالة الحائريَّة)، وتوجد بعض الأوراق ساقطة في أوَّل الكتاب.
أقول: قال السيِّد الطباطبائي (رحمه الله) بعد إيراد الكلام عن هذه النسخة: (مخطوطة أُخرى (أي من كتاب قواعد الأحكام)، كتبها حسين بن محمّد العراقي لابنه سعد الدِّين محمّد وانتهى في غرَّة جمادى الآخرة سنة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨) اُنظر: مكتبة العلَّامة الحلِّي (ص ١٤٤).

↑صفحة ٥٢↑

(٧٧٦هـ) في الحلَّة في مدرسة صاحب الزمان قابله جعفر بن محمّد العراقي (وأظنُّه أخا الكاتب) في (١٨) رمضان سنة (٧٨٦هـ)).
كما كتب المحقِّق الحجَّة آية الله العظمى السيِّد محمّد مهدي الخرسان (دام ظلُّه) في بعض إفاداته الخطّيَّة ونقلته عنه في منزله، قائلاً: (أو ثَمَّة مدرسة باسم صاحب الزمان قد اندثرت وقد كتب الأخوان جعفر والحسين ابنا محمّد كتاب (قواعد الأحكام) للعلَّامة، كتب كلٌّ منهما مجلَّداً في سنة (٧٧٦هـ) وصحَّحاه على نسخة صحيحة في مدرسة صاحب الزمان بالحلَّة والنسخة لا تزال موجودة في مكتبة غرب بهمدان).
مكان النسخة: مكتبة الآخوند في همدان في إيران، وبرقم (٩٢٧).
راجع عن هذه النسخة:
١ - فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه ها رشت وهمدان (فارسي) (ج ١٧/ ص ١٣٤٦/ رقم ٩٢٧).
٢ - مكتبة العلَّامة الحلِّي للمحقِّق الطباطبائي (رحمه الله) (ص ١٤٤).
المخطوطة السادسة: (سنة ٩٥٧ هـ/ ١٥٣٧م): المختصر النافع:
وأهمُّ ما يرشدنا في تاريخ المقام في هذه النسخة وجوده بوجود المدرسة التي بجانبه، والتي سوف نتحدَّث عنها فيما بعد حيث تاريخ هذه النسخة سنة (٩٧٥هـ) فلنأتِ على أهمّ ما يخصُّنا عن هذه النسخة:
أقول: (المختصر النافع) لنجم الدِّين أبي القاسم جعفر بن الحسن بن

↑صفحة ٥٣↑

يحيى بن سعيد الحلِّي المشهور بالمحقِّق على الإطلاق وحيد عصره كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجَّة وأسرعهم استحضاراً تُوفِّي شهر ربيع الآخر سنة (٦٧٦هـ) وهو خال العلَّامة الحلي (رحمه الله)، وكتابه هذا لخَّصه من كتابه (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام)، وهو مرتَّب على أربعة أقسام: العبادات، والعقود، والإيقاعات، والأحكام.
تاريخ النسخ: (١٦) شهر ربيع الأوَّل سنة (٩٥٧هـ).
مكان النسخ: مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة السيفيَّة.
مكان النسخة: إيران - مشهد (خراسان) في مكتبة عبد الحميد مولوي الشخصيَّة.
هذا ما نقلته من بعض إفادات آية الله السيِّد الحجَّة محمّد مهدي نجل المحقِّق السيِّد آية الله حسن الخرسان وذلك في شهر رمضان سنة (١٤٢٥هـ) بعد حضورنا مجلس العزاء والدرس وتلقِّي ما يلقيه علينا من دُرَر التحقيق والتدقيق في الروايات الحديثيَّة والتاريخيَّة، والحمد لله ربِّ العالمين.
أقول: هذا آخر ما حصلت عليه من ذكر مخطوطات تتعلَّق في تاريخ مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة.

* * *

↑صفحة ٥٤↑

الباب الثالث: في ذكر تاريخ مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من خلال الحكايات

↑صفحة ٥٥↑

ورد في كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان)(٤٩) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام (عجَّل الله فرجه) في القرن الثامن الهجري لم تقترن الحكاية الأُولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح فلنورد الحكاية الأُولى ثمّ الثانية والثالثة تباعاً.
وقبل أنْ ننقل الحكايات الثلاث نذكر ترجمة صاحب الكتاب وثناء العلماء عليه حتَّى يتبيَّن لنا صدقه في النقل.
أقول: إنَّ مؤلِّف كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان) هو السيِّد بهاء الدِّين عليُّ ابن السيِّد غياث الدِّين عبد الكريم بن عبد الحميد ابن عبد الله بن أحمد بن حسن بن عليِّ بن محمّد بن عليٍّ غياث الدِّين(٥٠) ابن السيِّد جلال الدِّين عبد الحميد(٥١) بن عبد الله بن أُسامة(٥٢) بن أحمد بن عليِّ بن محمّد بن عمر(٥٣) بن يحيى (القائم بالكوفة) ابن الحسين (النقيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٩) نقلاً عن بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (أعلى الله مقامه).
(٥٠) الذي خرج عليه جماعة من العرب بشطِّ سوراء بالعراق، وحملوا عليه وسلبوه، فمانعهم عن سلب سراويله، فضربه أحدهم فقتله، وكان عالماً تقيًّا.
(٥١) الذي يروي عنه محمّد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير، وقال فيه: (أخبرني السيِّد الأجلُّ العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أُسامة العلوي الحسيني (رضي الله عنه) في ذي القعدة من سنة ثمانين وخمسمائة قراءةً عليه بحلَّة الجامعين).
(٥٢) متولِّي النقابة بالعراق.
(٥٣) الرئيس الجليل الذي ردَّ الله على يده الحجر الأسود لـمَّا نهبت القرامطة مكَّة في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وأخذوا الحجر، وأتوا به إلى الكوفة، وعلَّقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنَّه قال ذات يوم بالكوفة: «لا بدَّ أنْ يُسلَب في هذه السارية - وأومى إلى السارية السابعة -»، والقصَّة طويلة، وبنى قبَّة جدِّه أمير المؤمنين (عليه السلام) من خالص ماله.

↑صفحة ٥٧↑

الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدِّث) ابن أبي عليٍّ عمر بن أبي الحسين يحيى(٥٤) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين(٥٥) بن زيد الشهيد ابن عليٍّ زين العابدين ابن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام) النيلي(٥٦) النجفي النسَّابة.
وهو من مشايخ العلَّامة أبي العبَّاس أحمد بن فهد المجاز منه في (٧٩١هـ)، أدرك أواخر عهد فخر المحقِّقين (ت ٧٧١هـ)، والسيِّدين العَلَمين عميد الدِّين وضياء الدِّين والشهيد محمّد بن مكِّي العاملي، ويروي عنهم جميعاً كما يروي عن الشيخ المقرئ والحافظ شمس الدِّين محمّد بن قارون وغيرهم.
وأمَّا كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن بن سليمان الحلِّي (من علماء القرن التاسع) في كتابه مختصر بصائر الدرجات (ص ١٧٦) والعلَّامة المجلسي (رحمه الله) في (بحار الأنوار) والميرزا الأفندي (رحمه الله) في (رياض العلماء)، والبهبهاني (رحمه الله) في (الدمعة الساكبة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٤) من أصحاب الكاظم (عليه السلام) المقتول سنة خمسين ومائتين الذي حُمِلَ رأسه في قوصرة إلى المستعين.
(٥٥) الملقَّب بذي الدمعة الذي ربَّاه الإمام الصادق (عليه السلام) وأورثه علماً جمًّا.
(٥٦) النيل: بلدة تقع على نهر النيل وهو يتفرَّع من نهر الفرات العظمى، احتفره الحجَّاج بن يوسف الثقفي سنة (٨٢هـ)، وهي مركز الإمارة المزيديَّة قبل تأسيس الحلَّة.

↑صفحة ٥٨↑

ويظهر من بعض حكايات الكتاب أنَّ تاريخ كتابته سنة (٧٨٩هـ)(٥٧).
وللسيِّد هذا كُتُب أُخرى لا أرى بإيراد أسمائها هنا بأساً:
أ - كتاب الأنوار المضيَّة في الحِكَم الشرعيَّة.
ب - كتاب الغيبة.
جـ - كتاب الدُّرُّ النضيد في تعازي الحسين الشهيد.
د - سرور أهل الإيمان.
هـ - كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشَّاف.
و - كتاب الإنصاف في الردِّ على صاحب الكشَّاف.
ز - كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.
ي - كتاب الرجال (يُنسَب إليه).
في الثناء عليه:
قال تلميذه ابن فهد الحلِّي (رحمه الله) (ت ٨٤١هـ): (حدَّثني المولى السيِّد السعيد الإمام بهاء الدِّين...).
وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلِّي (رحمه الله): (وممَّا رواه لي ورويته عنه السيِّد الجليل السعيد الموفَّق الموثَّق بهاء الدِّين...).
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله): (السيِّد النقيب الحسيب بهاء الدِّين...).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٧) وللأسف الشديد أنَّ هذا الكتاب لم يُطبَع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطّيَّة في المكتبات العامَّة، فمن قلمنا هذا ندعو مؤسَّسات النشر والتأليف إلى إخراجه للطبع، وطبع كُتُب هذا السيِّد الجليل وتحقيقها، خدمةً للمذهب الإمامي، وإحياءً لآثار هذا السيِّد الجليل.

↑صفحة ٥٩↑

وقال الميرزا الأفندي (رحمه الله): (السيِّد المرتضى النقيب الحسيب النسَّابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدَّس الله روحه الشريفة، كان من أفاضل عصره...).
وقال الميرزا النوري (رحمه الله): (السيِّد الأجلُّ الأكمل الأرشد المؤيَّد العلَّامة النحرير)(٥٨)، كان حيًّا سنة (٨٠٠هـ).
الحكاية الأولى: حكاية أبي راجح الحمَّامي الشيخ الذي أصبح شابًّا:
نقل العلَّامة المجلسي (١٠٣٧ - ١١١١هـ) في (بحار الأنوار) عن كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان) تأليف العامل الكامل السيِّد عليِّ ابن عبد الحميد النيلي النجفي، أنَّه قال:
فمن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع، وشهد بالعيان أبناء الزمان، وهو قصَّة أبي راجح الحمَّامي بالحلَّة، وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق الأفاضل منهم الشيخ الزاهد العابد المحقِّق شمس الدِّين محمّد بن قارون (سلَّمه الله تعالى)، قال:
كان الحاكم بالحلَّة شخصاً يُدعى مرجان الصغير، فرُفِعَ إليه أنَّ أبا راجح هذا يسبُّ الصحابة، فأحضره وأمر بضربه، فضُرِبَ ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه، حتَّى إنَّه ضُرِبَ على وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٨) اُنظر: رياض العلماء (ج ٤/ ص ٨٨ و١٢٤ - ١٣٠)، خاتمة المستدرك (ص ٤٣٥/ ط ح)، سفينة البحار (ج ٢/ ص ٢٤٨/ ط ح)، الذريعة في أجزائها، وطبقات أعلام الشيعة.

↑صفحة ٦٠↑

لسانه فجعل فيه مسلَّة من الحديد، وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر وشدَّ فيها حبلاً، وسلَّمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أنْ يدوروا به أزقَّة الحلَّة، والضرب يأخذه من جميع جوانبه، حتَّى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك، فأُخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنَّه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميِّت لما به، فاتركه وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلَّد بدمه، وبالغوا في ذلك حتَّى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدٌ أنَّه يموت من ليلته.
فلمَّا كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يُصلِّي على أتمّ حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته ولم يبقَ لها أثر، والشجَّة قد زالت من وجهه!
فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره، فقال: إنِّي لـمَّا عاينت الموت ولم يبقَ لي لسان أسأل الله تعالى به فكنت أسأله بقلبي واستغثت إلى سيِّدي ومولاي صاحب الزمان (عليه السلام).
فلمَّا جنَّ عليَّ الليل فإذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا بمولاي صاحب الزمان (عليه السلام) قد أمرَّ يده الشريفة على وجهي وقال لي: «اُخرج وكدّ على عيالك، فقد عافاك الله تعالى»، فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدِّين محمّد بن قارون المذكور، قال: وأُقسم بالله تعالى أنَّ هذا أبو راجح كان ضعيفاً جدًّا، ضعيف التركيب، أصفر اللون، شين الوجه، مقرَّض اللحية، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.

↑صفحة ٦١↑

فلمَّا أصبحت كنت ممَّن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدَّت قوَّته، وانتصبت قامته، وطالت لحيته، واحمرَّ وجهه، وعاد كأنَّه ابن عشرين سنة، ولم يزل على ذلك حتَّى أدركته الوفاة.
ولـمَّا شاع هذا الخبر وذاع، طلبه الحاكم وأحضره عنده، وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة، وهو الآن على ضدِّها كما وصفناه، ولم يرَ لجراحاته أثراً، وثناياه قد عادت، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم، وكان يجلس في مقام الإمام (عليه السلام) في الحلَّة ويُعطي ظهره القبلة الشريفة، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها، وعاد يتلطَّف بأهل الحلَّة، ويتجاوز عن مسيئهم، ويحسن إلى محسنهم، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك إلَّا قليلاً حتَّى مات(٥٩).
أقول: روحي وأرواح العالمين لك الفداء.
إيه أيَّتها الجوهرة المحفوفة بالأسرار كم جهلناك؟! وكم بخسناك حقَّك؟!
كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك؟! كم سرَّحنا أفكارنا بعيداً عنك؟!
أتراك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمَّام (العمومي)، فتمسح قلوبنا بذاك الإكسير؟!... فنحن في هذا الحمى.
بحث حول الحكاية:
أقول: إنَّ هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلِّف السيِّد بهاء الدِّين وتناقلها علماء الحلَّة، اُنظر إلى قول السيِّد في بداية الحكاية: (فمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٧١)، النجم الثاقب (ج ٢/ ص ٢١٩).

↑صفحة ٦٢↑

ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان... وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل).
في أحوال راوي الحكاية وعصرها:
أقول: إنَّ راوي الحكاية هو شمس الدِّين محمّد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كُتُب الرجال، فللفائدة والاستدراك على الكُتُب الرجاليَّة نذكر ترجمته:
قال السيِّد بهاء الدِّين: (إنَّه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل) وقال عنه أيضاً: (الشيخ الزاهد العابد المحقِّق شمس الدِّين محمّد بن قارون...)(٦٠)، (المحترم العامل الفاضل...)(٦١)، (الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ المحمود المعتمر شمس الحقِّ والدِّين محمّد بن قارون)(٦٢).
وكما قال عنه الشيخ شمس الدِّين محمّد بن قارون السيبي(٦٣)، وكما وصفه أيضاً الشيخ عزُّ الدِّين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ: (الشيخ الصالح محمّد بن قارون)(٦٤)، كان حيًّا سنة (٧٥٩هـ).
فهو يُعَدُّ من مشايخ السيِّد بهاء الدِّين، يعني أنَّ شمس الدِّين كان بالقطع معاصراً للشهيد الأوَّل (٧٣٤ - ٧٨٦هـ)، فإذن وجود شمس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٠) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٧١).
(٦١) اُنظر: المصدر السابق (ص ٧٢).
(٦٢) اُنظر: جنَّة المأوى (ص ٢٠٢).
(٦٣) نسبة إلى (السِّيْب) بكسر أوَّله وسكون ثانيه وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلَّة وعليه بلد يُسمَّى باسمه.
(٦٤) كتاب الدُّرُّ النضيد في تعازي الحسين الشهيد، نقلاً عن رياض العلماء (ج ٢/ ص ١١).

↑صفحة ٦٣↑

الدِّين محمّد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حيًّا وروايته لهذه الحكاية يدلُّ على أنَّ الحكاية وقعت في النصف الأوَّل من هذا القرن السالف الذكر، والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية، والتي يرويها أيضاً شمس الدِّين محمّد بن قارون، والحاصلة في سنة (٧٤٤هـ).
وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدِّين محمّد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني تلميذ السيِّد فخَّار بن معد الموسوي المجاز منه سنة (٦٣٠هـ) (وهي سنة وفاة السيِّد فخَّار)، وهو صغير لم يبلغ الحلم، وأجازه الشيخ والده أحمد سنة (٦٣٥هـ)، وأجازه الشيخ محمّد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة (٦٣٦هـ)، والمجيز لنجم الدِّين طومان بن أحمد العاملي سنة (٧٢٨هـ)، فإنَّ هذا الشيخ متقدِّم على الشيخ شمس الدِّين محمّد بن قارون السيبي(٦٥).
تنبيه لكلِّ نبيه:
قال ابن بطوطة في رحلته: (سافرنا من البصرة، فوصلنا إلى مشهد عليِّ ابن أبي طالب (رضي الله عنه) وزرنا ثمّ توجَّهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك، ثمّ إلى الحلَّة حيث مشهد صاحب الزمان، واتَّفق في بعض الأيَّام أنْ وليها بعض الأُمراء فمنع أهلها من التوجُّه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك، ومنع عنهم الدابَّة التي كانوا يأخذونها كلَّ ليلة من الأمير، فأصابت ذلك الوالي علَّة مات منها سريعاً، فزاد ذلك في فتنة الرافضة، وقالوا: إنَّما أصابه ذلك لأجل منعه الدابَّة، فلم تُمنَع بعد)(٦٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٥) اُنظر: الذريعة (ج ١/ ص ٢١٩ و٢٢٠).
(٦٦) اُنظر: رحلة ابن بطوطة (ج ٢/ ص ١٧٤).

↑صفحة ٦٤↑

أقول: إنَّ كلام ابن بطوطة المتقدِّم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلَّة فابن بطوطة مرَّ في الحلَّة مرَّتين: الأُولى كانت سنة (٧٢٥هـ) في عهد الوالي (حسن الجلايري)، والثانية بعد عودته من بلاد الهند والصين والتتر، وبينهما عدَّة سنين وأظنُّ أنَّ الوالي المذكور في حكاية أبي راجح الحمَّامي والمذكور في زيارة ابن بطوطة الثانية واحد، باعتبار أنَّ عصر الحكايتين واحد، وأنَّ الوالي المذكور في الحكايتين كان يُؤذي أهل الحلَّة، (فالأمر ليس أمر انتظار صاحب الزمان ولا أمر الدابَّة) وقد مات بفعله هذا، وهذا عن أهل الحلَّة ليس ببعيد، ففيهم يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «يظهر بها قوم أخيار لو أقسم أحدهم على الله لأبرَّ قسمه»(٦٧).
الحكاية الثانية: حكاية ابن الخطيب وعثمان والمرأة العمياء التي أبصرت:
ونقل من ذلك الكتاب عن الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدِّين محمّد بن قارون المذكور، قال:
كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يُسمَّى مذوّر، يضمن القرية المعروفة ببرس، ووقف العلويِّين، وكان له نائب يقال له: ابن الخطيب، وغلام يتولَّى نفقاته يُدعى عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان بالضدِّ من عثمان، وكانا دائماً يتجادلان، فاتَّفق أنَّهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) بمحضر جماعة من الرعيَّة والعوامِّ، فقال ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٧) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٦/ ص ١٢٢).

↑صفحة ٦٥↑

الخطيب لعثمان: يا عثمان، الآن اتَّضح الحقُّ واستبان، أنا أكتب على يديَّ من أتولاه، وهم عليٌّ والحسن والحسين، واكتب أنت من تتولَّاه أبو بكر وعمر وعثمان، ثمّ تشدُّ يديَّ ويدك، فأيُّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل، ومن سلمت يده كان على الحقِّ، فنكل عثمان، وأبى أنْ يفعل، فأخذ الحاضرون من الرعيَّة والعوامِّ بالعياط عليه، هذا وكانت أُمُّ عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم، فلمَّا رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يُعيِّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهدَّدت وبالغت في ذلك، فعُمِيَت في الحال! فلمَّا أحست بذلك نادت إلى رفقائها، فصعدن إليها، فإذا هي صحيحة العينين! لكن لا ترى شيئاً، فقادوها وأنزلوها، ومضوا بها إلى الحلَّة، وشاع خبرها بين أصحابها وقرائبها وترائبها، فأحضروا لها الأطبَّاء من بغداد والحلَّة، فلم يقدروا لها على شيء، فقال لها نسوة مؤمنات كنَّ أخدانها: إنَّ الذي أعماكِ هو القائم (عليه السلام)، فإنْ تشيَّعتي وتولَّيتي وتبرَّأتي (كذا)(٦٨) ضمنَّا لكِ العافية على الله تعالى، وبدون هذا لا يمكنكِ الخلاص، فأذعنت لذلك ورضيت به، فلمَّا كانت ليلة الجمعة حملنها حتَّى أدخلنها القبَّة الشريفة في مقام صاحب الزمان (عليه السلام)، وبتن بأجمعهنَّ في باب القبة، فلمَّا كان ربع الليل فإذا هي قد خرجت عليهنَّ وقد ذهب العمى عنها! وهي تقعدهنَّ واحدة بعد واحدة وتصف ثيابهنَّ وحليّهنَّ، فسررن بذلك، وحمدن الله تعالى على حسن العافية، وقلن لها: كيف كان ذلك؟! فقالت: لما جعلتننَّي في القبة وخرجتنَّ عنِّي أحسست بيد قد وضعت على يديَّ، وقائل يقول: «اُخرجي قد عافاكِ الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٨) كذا ورد في المطبوع، والأصحّ: (تشيَّعتِ وتولَّيتِ وتبرَّأتِ).

↑صفحة ٦٦↑

تعالى»، فانكشف العمى عنِّي، ورأيت القبَّة قد امتلأت نوراً، ورأيت الرجل، فقلت له: من أنت، يا سيِّدي؟ فقال: «محمّد بن الحسن»، ثمّ غاب عنِّي، فقمنَ وخرجنَ إلى بيوتهنَّ، وتشيَّع ولدها عثمان وحسن اعتقاده واعتقاد أُمِّه المذكورة، واشتهرت القصَّة بين أُولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الإمام (عليه السلام)، وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة(٦٩).
أقول: حدثت هذه الكرامة سنة (٧٤٤ هـ/ ١٣٢٣م)، وراويها محمّد ابن قارون المتقدِّم ذكره، وترجمته في الحكاية الأُولى من هذا الباب.
وبرس - بضمِّ الباء وسكون الراء والسين المهملة -: ناحية من أرض بابل، وهي بحضرة الصرح (صرح نمرود بن كنعان)، وهي الآن قرية معروفة بقبل الكوفة، ويُنسَب إليها الحافظ رجب البرسي (رحمه الله).
ومقام إبراهيم الخليل (عليه السلام): موجود إلى زماننا هذا، ويقع بالحلَّة في تلك القرية، (تشرَّفت بزيارته أنا عدَّة مرَّات).
الحكاية الثالثة: حكاية شفاء الشيخ جمال الدِّين الزهدري:
وذكر هناك أيضاً: أي في كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان):
ومن ذلك بتأريخ صفر سنة سبعمائة وتسع وخمسين، حكى لي المولى الأجلُّ الأمجد، العالم الفاضل، القدوة الكامل، المحقِّق المدقِّق، مجمع الفضائل ومرجع الأفاضل، افتخار العلماء في العالمين، كمال الملَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٩) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٧٢)، النجم الثاقب (ج ٢/ ص ٢٢٠).

↑صفحة ٦٧↑

والدِّين، عبد الرحمن ابن العُماني (كذا)، وكتب بخطِّه الكريم، عندي ما صورته:
قال العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الرحمن بن إبراهيم القبائقي(٧٠): إنِّي كنت أسمع في الحلَّة السيفيَّة (حماها الله تعالى) أنَّ المولى الكبير المعظَّم جمال الدِّين ابن الشيخ الأجلّ الأوحد الفقيه القارئ نجم الدِّين جعفر ابن الزهدري كان به فالج، فعالجته جدَّته لأبيه بعد موت أبيه بكلِّ علاج للفالج فلم يبرأ، فأشار عليها بعض الأطبَّاء ببغداد فأحضرتهم فعالجوه زماناً طويلاً فلم يبرأ، وقيل لها: ألَا تُبيِّتينه تحت القبَّة الشريفة بالحلَّة المعروفة بـ (مقام صاحب الزمان (عليه السلام))، لعلَّ الله تعالى يعافيه ويبرأه، ففعلت وبيَّتته تحتها، وأنَّ صاحب الزمان (عليه السلام) أقامه وأزال عنه الفالج.
ثمّ بعد ذلك حصل بيني وبينه صحبة حتَّى كنَّا لم نكد نفترق، وكان له دار المعشرة، يجتمع فيها وجوه أهل الحلَّة وشبابهم وأولاد الأماثل منهم، فاستحكيته عن هذه الحكاية، فقال لي:
إنِّي كنت مفلوجاً وعجز الأطبَّاء عنِّي...، وحكى لي ما كنت أسمعه مستفاضاً في الحلَّة من قضيَّته، وأنَّ الحجَّة صاحب الزمان (عليه السلام) قال لي (وقد أباتتني جدَّتي تحت القبة): «قم»، فقلت: يا سيِّدي، لا أقدر على القيام منذ سنتي، فقال: «قم بإذن الله تعالى»، وأعانني على القيام، فقمت وزال عنِّي الفالج (أي شلل الأعضاء).
وانطبق عليَّ الناس حتَّى كادوا يقتلونني، وأخذوا ما كان عليَّ من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٠) هكذا ورد في الأصل، والصحيح: (العتائقي).

↑صفحة ٦٨↑

الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرَّكون فيها، وكساني الناس من ثيابهم، ورحت إلى البيت، وليس بيَّ أثر الفالج، وبعثت إلى الناس ثيابهم، وكنت أسمعه يحكي ذلك للناس ولمن يستحكيه مراراً حتَّى مات (رحمه الله)(٧١).
بحث حول الحكاية:
تاريخ الحكاية:
أقول: إنَّ تاريخ نقل هذه الحكاية هو سنة (٧٥٩ هـ/ ١٣٣٨م).
راوي الحكاية:
الشيخ العالم الفاضل المحقِّق المدقِّق الفقيه المتبحِّر كمال الدِّين عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهيم ابن العتايقي(٧٢) الحلِّي الإمامي كان معاصراً للشهيد الأوَّل (رحمه الله) وبعض تلامذة العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) وقال البعض: إنَّه أدرك العلَّامة وتلمَّذ على يد نصير الدِّين عليِّ بن محمّد الكاشي (ت ٧٥٥هـ) وكان من مشايخ السيِّد بهاء الدِّين عليِّ بن عبد الحميد النجفي ويروي عن جماعة، منهم: جمال الدِّين الزهدري توفَّى بعد سنة (٧٨٨هـ) التي ألَّف فيها كتابه (الإرشاد في معرفة الأبعاد)، وهو صاحب التصانيف الكثيرة والموجود بعضها في الخزانة الغرويَّة ولا أرى بأساً بإيراد أسمائها هنا، فله:
١ - كتاب (شرح على نهج البلاغة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧١) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٧٣).
(٧٢) العتائقي نسبة إلى العتائق قرية بقرب الحلَّة المزيديَّة وليس بالقبائقي كما في نُسَخ البحار المطبوعة فإنَّه تصحيف كما أنِّي لم أرَ مِن الرجاليِّين مَن ذكره بـ(ابن العماني)، بل المشهور أنَّه (ابن العتائقي)، ولعلَّها تصحيف أيضاً، أو من خطأ النُّسَّاخ.

↑صفحة ٦٩↑

٢ - وكتاب (مختصر الجزء الثاني من كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري).
٣ - وكتاب (الأعمار).
٤ - وكتاب (الأضداد في اللغة).
٥ - وكتاب (الإيضاح والتبيين في شرح منهاج اليقين).
٦ - وكتاب (اختيار حقائق الخلل في دقائق الحيل).
٧ - وكتاب (صفوة الصفوة).
٨ - وكتاب (اختصار كتاب بطليموس).
٩ - وكتاب (الشهدة في شرح معرف الزبدة).
١٠ - وكتاب (الايماقي).
١١ - وكتاب (في التفسير وهو مختصر تفسير القمِّي).
١٢ - وكتاب (الإرشاد).
١٣ - و(الرسالة المفيدة لكلِّ طالب مقدار أبعاد الأفلاك والكواكب).
١٤ - و(شرح على الجغميني).
١٥ - و(شرح التلويح).
وغيرها من الكُتُب في شتَّى أنواع العلوم وللأسف الشديد أنَّ كُتُبه لم ترَ النور إلى الآن مع كثرتها سوى كتابه (الناسخ والمنسوخ)، فمن قلمنا هذا ندعو دور النشر والتأليف لإخراج كُتُبه خدمةً للمذهب الإمامي وإحياءً لآثار هذا الشيخ الجليل.

↑صفحة ٧٠↑

وصرَّح جمع من العلماء كالسيِّد محسن الأمين (رحمه الله)، والشيخ عبَّاس القمِّي (رحمه الله)، والشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله) بمشاهدة كُتُبه في الخزانة الغرويَّة، وكُتُب أُخرى لغيره بخطِّ يده ذكر فيها نسبه، وتأريخه من (٧٣٨ - ٧٨٨هـ)(٧٣).
صاحب الحكاية:
الشيخ جمال الدِّين بن نجم الدِّين جعفر الزهدري لم أجد له ذكراً في كُتُب الرجال، وإنَّما وقفت على ترجمة والده الأجلّ الشيخ جعفر الزهدري صاحب كتاب (إيضاح تردُّدات الشرائع)(٧٤)، ويظهر من ثناء ابن العتائقي عليهما عظيم منزلتهما وجلالتهما.
وبهذه الحكاية انتهى ما أردنا نقله من حكايات كتاب (السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان).
الحكاية الرابعة: حكاية ابن أبي الجواد النعماني:
قال العالم الفاضل المتبحِّر النقَّاد الآميرزا عبد الله الأصفهاني الشهير بالأفندي في المجلَّد الخامس من كتاب (رياض العلماء وحياض الفضلاء)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٣) اُنظر: رياض العلماء (ج ٣/ ص ١٠٣)، سفينة البحار (ج ٢/ ص ١٥٧/ ط ج) كذلك الذريعة في أجزائها.
(٧٤) وقد طُبِعَ الكتاب في زماننا هذا بجهود العلَّامة الحجَّة السيِّد محمود المرعشي في قم المقدَّسة، وقد رأيت نسخته المطبوعة.

↑صفحة ٧١↑

في ترجمة الشيخ ابن أبي الجواد النعماني(٧٥): إنَّه ممَّن رأى القائم (عليه السلام) في زمن الغيبة الكبرى وروى عنه (عليه السلام) ورأيت في بعض المواضع نقلاً عن خطِّ الشيخ زين الدِّين عليِّ بن الحسن بن محمّد الخازن الحائري تلميذ الشهيد أنَّه قد رأى ابن أبي جواد النعماني مولانا المهدي (عليه السلام)، فقال له: يا مولاي، لك مقام بالنعمانيَّة ومقام بالحلَّة فأين تكون فيهما؟
فقال له: «أكون بالنعمانيَّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلَّة، ولكن أهل الحلَّة ما يتأدَّبون في مقامي وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدَّب ويُسلِّم عليَّ وعلى الأئمَّة وصلَّى عليَّ وعليهم اثني عشر(٧٦) مرَّة ثمّ صلَّى ركعتين بسورتين وناجى الله بهما المناجاة، إلَّا أعطاه تعالى ما يسأله أحدها المغفرة».
فقلت: يا مولاي، علِّمني ذلك.
فقال: «قل: اللَّهُمَّ قد أخذ التأديب منِّي حتَّى مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين وإنْ كان ما اقترفته من الذنوب أستحقُّ به أضعاف أضعاف ما أدَّبتني به وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثير حتَّى يسبق عفوك ورحمتك عذابك».
وكرَّرها عليَّ ثلاثاً حتَّى فهمتها(٧٧)(٧٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٥) النعمانيَّة: بليدة بناها النعمان بن المنذر، وتقع بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة، معدودة من أعمال الزاب الأعلى.
(٧٦) هكذا ورد في المطبوع، والأصحّ: (اثنتي عشرة).
(٧٧) قال المؤلِّف (رحمه الله): (يعني حفظتها).
(٧٨) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٣٨).

↑صفحة ٧٢↑

بحث حول الحكاية:
راوي الحكاية:
زين الدِّين عليُّ بن أبي محمّد الحسن بن محمّد الخازن الحائري تلميذ الشهيد الأوَّل (٧٣٤ - ٧٨٦هـ)، وقد أجازه الشهيد الأوَّل سنة (٧٨٤هـ)، وهو من مشايخ العلَّامة أبي العبَّاس أحمد بن فهد الحلِّي ويروي عنه وأجازه في سنة (٧٩١هـ)، ويُعبِّر عنه بالشيخ عليٍّ الخازن الحائري وهو من علماء المائة الثامنة.
قال عنه الشهيد الأوَّل (رحمه الله) في إجازته له: (المولى الشيخ العالم التقي الورع المحصِّل العالم بأعباء العلوم الفائق أُولي الفضائل والفهوم زين الدِّين أبو عليٍّ...)(٧٩).
صاحب الحكاية:
ابن أبي الجواد النعماني لم أجد له ترجمة في كُتُب الرجال سوى ما ترجمه ناقل الحكاية الأفندي (رحمه الله) في كتابه (رياض العلماء) الذي فُقِدَ معظم مجلَّداته ويظهر من راوي الحكاية الشيخ عليٍّ الخازن الذي هو من تلاميذ الشهيد الأوَّل (رحمه الله) أنَّ ابن أبي الجواد من طبقة الشهيد الأوَّل، أي من تلامذة العلَّامة الحلِّي (رحمه الله).
أقول: ولا يبعد اتِّحاده بالشيخ الفاضل العالم المتكلِّم عبد الواحد بن الصفي النعماني صاحب كتاب (نهج السداد في شرح رسالة واجب الاعتقاد) الذي نسبه إليه الكفعمي (رحمه الله) في حواشي مصباحه، ويُؤيِّد ما قلناه آنفاً قول المتبحِّر الخبير الأفندي (رحمه الله) في كتاب رياض العلماء (ج ٣/ ص ٢٧٩)، قال: (وأظنُّ أنَّه من تلامذة الشهيد أو تلامذة تلامذته)، فلاحظ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٩) اُنظر: رسائل الشهيد الأوَّل (ص ٣٠٤)، وطبقات أعلام الشيعة للطهراني (رحمه الله).

↑صفحة ٧٣↑

أقول: ومن خلال هذه الحكاية نستدلُّ على شهرة المقام في ذلك القرن، إذ الرجل من النعمانيَّة ويسأله عن مقامه (عليه السلام) في الحلَّة. ويُستدَلُّ أيضاً على استحباب زيارة المقام الشريف في الحلَّة في ليلة الجمعة ويومها لوجود الإمام به، وربَّما ينفي الزائر للمقام هذا الكلام، فنقول له: إنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) ليس بغائب ولكن هو غائب عمَّن هو غائب عن الله.
وعلى أهل الحلَّة وغيرهم أنْ يتأدَّبوا بمقامه جلّ التأدب (فلا لاختلاط الرجال بالنساء في المصلَّى، ولا لتبرُّج النساء، ولا...) ممَّا يصل إلى سوء الأدب بمحضر نائب المَلِك العلَّام، فإنَّ أهل الحلَّة أشاد بهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وأيّ إشادة، فليكونوا دائماً مصداق حديث مولاهم ومولاي عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام).
فقد ذكر الشيخ عبَّاس القمِّي في كتابه وقائع الأيَّام (ص ٣٠٢):
روى أصبغ بن نباتة، قال: صحبت مولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) عند وروده صفِّين، وقد وقف على تلٍّ ثمّ أومأ إلى أجمة ما بين بابل والتلِّ، قال: «مدينة وأيّ مدينة».
فقلت له: يا مولاي، أراك تذكر مدينة، أكان هناك مدينة وانمحت آثارُها؟
فقال (عليه السلام): «لا، ولكن ستكون مدينة يقال لها: الحلَّة (السيفيَّة)، يُمدِّنها رجل من بني أسد، يظهر بها قوم أخيار، لو أقسم أحدهم على الله لأبرَّ قسمه»(٨٠).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٠) اُنظر: بحار الأنوار (ج ٦/ ص ١٢٢/ ح ٥٥).

↑صفحة ٧٤↑

الباب الرابع: في ذكر من زار مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة

↑صفحة ٧٥↑

أقول قبل الشروع في ذكر من زار المقام: إنَّ الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات فمنهم العلماء المؤلِّفون ومنهم النُّسَّاخ ومنهم الأُمراء ومنهم الولاة ومنهم الرحَّالة ومنهم من شاهد كرامة وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم:
١ - في آخر شهر صفر سنة (٦٧٧ هـ/ ١٢٥٦م):
زار المقام السيِّد نجم الدِّين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمّد الطبري، وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب (نهج البلاغة) للسيِّد الرضي (أعلى الله مقامه)(٨١).
٢ - في سادس رجب سنة (٧٢٣ هـ/١٣٠٢م):
زار المقام محمود بن محمّد بن بدر، وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب (تحرير الأحكام الشرعيَّة) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في داخل المقام وأنهى العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) تأليفه هذا في (٢٦) جمادى الآخرة سنة (٧٢٤هـ)، ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأُولى في مخطوطته(٨٢).
٣ - في سنة (٧٢٥ هـ/ ١٣٠٤م):
زار المقام الرحَّالة ابن بطوطة وسوف نأتي على ذكر كلامه في آخر هذا الباب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨١) اُنظر: أعيان الشيعة (ج ٥/ ص ٤٥٥/ الرقم ٩٨٥) بتصرُّف.
(٨٢) اُنظر: مكتبة العلَّامة الحلِّي (ص ٧٩) بتصرُّف.

↑صفحة ٧٧↑

وابن بطوطة هو: شمس الدِّين أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد ابن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي، وُلِدَ سنة (٧٠٣هـ) بطنجة وتقلَّب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند ودخل مدينة دهلي واتَّصل بمَلِكها وساح في الأقطار الصينيَّة والتتريَّة وأواسط إفريقية وبلاد السودان والأندلس ثمّ انقلب إلى المغرب واتَّصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مدين وزار ضريح أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة (٧٢٥هـ) واستغرقت رحلته (٢٧) سنة، وكان معاصراً لفخر المحقِّقين ابن العلَّامة الحلِّي، وألَّف كتابه (تحفة النُّظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) المعروف بـ (رحلة ابن بطوطة) ومات في مراكش سنة (٧٧٩هـ)(٨٣).
٤ - في ثامن عشر شعبان سنة... (بداية القرن الثامن الهجري):
زار المقام أبو محمّد الحسن الحدَّاد العاملي وصنَّف في هذا التاريخ كتابه (الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان وذلك في الحلَّة مجاوراً مقام صاحب الزمان (على ساكنه أفضل الصلاة والسلام) علماً أنَّ هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي ولكن مصنِّفه كان حيًّا سنة (٧٣٩هـ)(٨٤).
٥ - في بداية القرن الثامن الهجري:
زار المقام حاكم الحلَّة المسمَّى بمرجان الصغير وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الإماميَّة وكان كلَّما يدخل في هذا المقام يُعطي ظهره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٣) اُنظر: تاريخ الكوفة للبراقي (رحمه الله)/ تحقيق: ماجد العطيَّة (ص ٣٩) بالهامش.
(٨٤) اُنظر: أعيان الشيعة (ج ٩/ ص ١٧٩/ الرقم ٣٦٣) بتصرُّف.

↑صفحة ٧٨↑

القبلة الشريفة إذا جلس فيه وعندما شاهد قضيَّة أبي راجح الحمَّامي تغيَّرت عقيدته وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه(٨٥).
٦ - في سنة (٧٤٤ هـ/ ١٣٢٣م):
زارت المقام أُمُّ عثمان المرأة العمياء التي كُشِفَ بصرها في داخل المقام وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات وكانت أُمُّ عثمان هذه سُنّيَّة فتشيَّعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها ببركة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)(٨٦).
٧ - في سنة (٧٥٩ هـ/ ١٣٣٨م):
زار المقام المولى الكبير المعظَّم جمال الدِّين بن نجم الدِّين جعفر الزهدري وبات فيه وكان مصاباً بالفالج، فشُفِيَ من ليلته(٨٧).
٨ - في غرَّة جمادى الآخرة سنة (٧٧٦ هـ/ ١٣٥٥م):
زار المقام جعفر بن محمّد العراقي وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب (قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في داخل هذا المقام(٨٨).
٩ - في سنة (٩٦١ هـ/ ١٥٤٠م):
زار المقام سيِّد عليّ رئيس، وكان هذا السيِّد مرسَلاً من قِبَل سلطان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٥) اُنظر: حكاية أبو راجح التي أوردناها في الباب الثالث.
(٨٦) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ٢٢٢).
(٨٧) اُنظر: المصدر السابق (ص ٢٢٣).
(٨٨) اُنظر: مكتبة العلَّامة الحلِّي (ص ١٤٣/ الرقم ٢٤) بتصرُّف.

↑صفحة ٧٩↑

مصر وكان أمير قبطانيَّته وأرسله إلى العراق لغرض إحضاره السُّفُن الموجودة في ميناء البصرة إلى مصر، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل أخي الإمام عليٍّ (عليه السلام) في الحلَّة، ثمّ عاد إلى بغداد(٨٩).
أقول: قد وعدنا القارئ الكريم بنقل كلام ابن بطوطة المشار إليه آنفاً على نحو الإجمال، وهذا موضع ذكره قال في رحلته الموسومة (تحفة النُّظَّار):
(... ونزلنا برملاحة وهي بلدة حسنة بين حدائق نخل ونزلت بخارجها وكرهت دخولها، لأنَّ أهلها روافض، ورحلنا منها الصبح فنزلنا مدينة الحلَّة وهي مدينة مستطيلة مع الفرات وهو بشرقيها، ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات، وهي كثيرة العمارة وحدائق النخل منظمة بها داخلاً وخارجاً ودورها بين الحدائق، ولها جسر عظيم معقود على مراكب متَّصلة منتظمة في ما بين الشاطئين إلى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل وأهل هذه المدينة كلُّهم إماميَّة اثنا عشريَّة وهم طائفتان: أحداهما تُعرَف بالأكراد والأُخرى تُعرَف بأهل الجامعين والفتنة بينهم متَّصلة والقتال قائم أبداً وبمقربة من السوق الأعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يُسَمُّونه: مشهد صاحب الزمان ومن عادتهم أنْ يخرج في كلِّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة، فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلة كذلك، ويضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابَّة يتقدَّمها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٩) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ص ١١٥) بتصرُّف.

↑صفحة ٨٠↑

خمسون منهم ويتبعها مثلهم ويمشي آخرون عن يمينها وشمالها، ويأتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب ويقولون: باسم الله يا صاحب الزمان باسم الله اُخرج قد ظهر الفساد وكثر الظلم وهذا أوان خروجك فيفرق الله بك بين الحقِّ والباطل.
ولا يزالون كذلك وهم يضربون الأبواق والأطبال والأنفار إلى صلاة المغرب، وهم يقولون: إنَّ محمّد بن الحسن العسكري دخل ذلك المسجد وغاب فيه وإنَّه سيخرج، وهو الإمام المنتظَر عندهم)(٩٠).
أقول بعد قوله هذا: يا لله من تلك الأعاجيب ويا غوثاه من هذه الأكاذيب أفلا يليق بهذا الشيخ المؤرِّخ أنْ ينطق صدقاً؟ أم هو على ما ألفى عليه السلف؟ فإنْ أردت أنْ أنطق بردِّ كلامه يكفيني كلامه أنَّه كره دخول برملاحة (قضاء ذي الكفل) قبل الحلَّة لأنَّ أهلها روافض فما الذي جعله يدخل مدينة الحلَّة وأهلها بقوله كلُّهم إماميَّة اثنا عشريَّة؟ فليته لم يدخلها ولم يرَها كسابقتها (برملاحة). ونحن نسأل ابن بطوطة: أيجوز دخول بلاد الكفر والأصنام ولا يجوز دخول بلد الروافض الإسلام؟ والحال أنَّ رحلته طفحت بذكر دخوله إلى بلاد الكفر.
وأمَّا إذا أردنا الردَّ على كلامه أقول:
أوَّلاً: أنَّه لا يخفى على أحد أنَّه لم يُعهَد لأحد من الأئمَّة الاثني عشر ولم يُعرَف لهم مكث في الحلَّة ولا سكنى ولا دار ولا سرداب اختفى فيه الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، بل لم تكن الحلَّة في زمانهم موجودة! وتعلم يا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٠) اُنظر: رحلة ابن بطوطة (ص ١٣٩).

↑صفحة ٨١↑

عزيزي القارئ أنَّ الإمام (عجَّل الله فرجه) وُلِدَ في سامرَّاء سنة (٢٥٥هـ)، والحلَّة مصرت سنة (٤٩٥هـ) على يد سيف الدولة صدقة المزيدي الأسدي.
وثانياً: أنَّ ابن بطوطة انفرد في كلامه هذا كما انفرد بأشياء كثيرة في رحلته هذه فمثلاً سمَّى مَلِك الإيلخانيِّين (خدابنده) ناصر الشيعة الذي تشيَّع على يد العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) ومعربها عبد الله بـ (خر بنده) ومعربها عبد الحمار، وما كلامه هذا إلَّا لحقد على مذهب الإماميَّة وقد قدَّمنا ذكر من زار هذا المقام من العلماء والنُّسَّاخ وعامَّة الناس في عصره فهلَّا ذكر أحدهم ما رآه ابن بطوطة؟ وهلَّا ذكر لنا ابن جبير في رحلته ما رآه ابن بطوطة في الحلَّة وهو أسبق منه؟ ومع ذلك فإنَّ تاريخ الحلَّة في تلك الفترة كان حافلاً بأعلام عظام كالعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) وولده فخر المحقِّقين (رحمه الله) والمقداد السيوري (رحمه الله)، وأحمد بن فهد (رحمه الله)، والحافظ رجب البرسي وأضرابهم فهل يُعقَل ويُقبَل أنْ يجري ما ذكره ابن بطوطة بتفاصيله غير المضبوطة ولا يُنكِره أحد منهم؟
وثالثاً: أنَّ كذبه ظاهر من عبارته: (ومن عادتهم أنْ يخرج في كلِّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر)، فما لهم يخرجون في كلِّ ليلة ويأتون أميرهم لطلب الفرس بعد صلاة العصر؟ أمَا كان الأجدر أنْ يطلبوا الفرس بعد صلاة المغرب؟ أليس هذا ممَّا يُضحِك الثكلى؟
ورابعاً: أنَّه لم يرد في كُتُب الشيعة قطُّ ما يُؤيِّد كلامه وكلُّهم متَّفقون على أنَّ خروجه بأبي هو وأُمِّي من مكَّة المكرَّمة المعظَّمة فهذه كُتُبهم طفحت بحديث خروجه من مكَّة.

↑صفحة ٨٢↑

وخلاصة القول: أرى أنَّه رأى كثرة العلماء والطلبة على مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) المتَّصلة بالمقام والتي موقعها في ظهر المقام وبني على آثارها مسجد لإخواننا السُّنَّة وهو جامع الحلَّة الكبير، وبالخصوص أنَّ سنة وروده للحلَّة هي آخر سنة من حياة العلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، فبدلاً من أنْ يمدح علماء الشيعة وتوافدهم على معاهد العلم والعلماء حسد القوم ولم يُبيِّن لنا صدق ما رآه، فأخذ يصف لنا النخيل والحدائق والأنهار ويدع ذكر علمائها الأبرار وأهلها الأخيار كعادته عندما دخل إلى بغداد وصف لنا قبر أبي حنيفة وقبور أحمد بن حنبل والجنيد وبشر الحافي ولم يذكر إلَّا شيئاً يسيراً من الذكر عن قبري الإمامين الهمامين موسى بن جعفر ومحمّد بن عليٍّ الجواد (عليهما أفضل الصلاة والسلام)، فهل يخفى القمر في الليلة الظلماء؟ ولكن أبى الشيخ المؤرِّخ إلَّا ما وجد عليه الآباء «شنشنة أعرفها من أخزم».
وممَّا لا يخفى على المتتبِّع أنَّ رحلة ابن بطوطة طفحت بكثير من الأغلاط والأخطاء الخططيَّة والتأريخيَّة، حتَّى إنَّه أخطأ في تعيين قبور جماعة من المشاهير كبشر الحافي مثلاً فقد جعل قبره في الجانب الشرقي من بغداد مع أنَّه مدفون في مقبرة باب حرب في أعلى الجانب الغربي من بغداد (في الشمال الغربي من مقابر قريش مدينة الكاظميَّة الحالية).
ومهما يكن فلم أقف على ما ذكره ابن بطوطة عند غيره ممَّن ذكر الحلَّة من قبل ومن بعد وهذا دليل ضعف الخبر ولو كان له أثر لاشتهر.

* * *

↑صفحة ٨٣↑

الباب الخامس: في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة

↑صفحة ٨٥↑

إنَّ الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة يجد أنَّ تأريخ هذا المقام ظلَّ متواكباً مع تاريخ الحلَّة من إبَّان بزوغ عصرها العلمي فهو فيها كالقلب من الجسد فتجد فيه العالم والمتعلِّم والوالي والرعيَّة والمعافى والسقيم حتَّى إنَّه ما مرَّ بالحلَّة من وافد إلَّا وتشرَّف بمشهد صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) فذاك ابن بطوطة وذا سيِّد عليّ رئيس المصري وغيرهم ولولا حقد المتعصِّبين لذكر لنا التاريخ عدَّة من الزائرين لهذا المقام الشريف وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها:
١ - في القرن السادس الهجري:
لا علم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن إلَّا أنَّها كانت موجودة وبحسب التواريخ التالية وللأسف الشديد فُقِدَ كتاب (المناقب المزيديَّة في أخبار الدولة الأسديَّة)(٩١) للمؤلِّف أبي البقاء هبة الله بن نما فإنَّ البلاد الإسلاميَّة خلت من هذه النسخة سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم (٢٣٠٢٩٦)، ولا بدَّ من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب، لأنَّ مؤلِّفه كان من رجال ذلك القرن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩١) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ج ٢/ ص ٥٠)، علماً أنَّ هذا الكتاب لم يُذكَر في كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) للشيخ آغا بزرك الطهراني (رحمه الله)، فهو ممَّا يُستدرَك عليه.

↑صفحة ٨٧↑

٢ - في القرن السابع الهجري:
كانت العمارة موجودة ومنذ بدأ هذا القرن، وهذا ما نجده في ما كتبه الشيخ الفاضل عليُّ بن فضل الله بن هيكل الحلِّي تلميذ أبي العبَّاس ابن فهد الحلِّي ما صورته:
حوادث سنة (٦٣٦هـ): فيها عمر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدِّين محمّد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلِّي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) بالحلَّة السيفيَّة وأسكنها جماعة من الطلبة(٩٢).
سنة (٦٧٧هـ): في داخل المقام نسخ السيِّد الحسين الطبري (رحمه الله) كتاب (نهج البلاغة)(٩٣).
٣ - في القرن الثامن الهجري:
كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلَّة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قِبَل الخاصِّ والعامِّ، ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمّد حسن بن ناصر الحدَّاد كتابه (الدُّرَّة النضيدة)(٩٤).
وفي سنة (٧٢٣هـ): في داخل المقام نسخ محمود بن محمّد بن بدر كتاب (تحرير الأحكام الشرعيَّة) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)(٩٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٢) اُنظر: لؤلؤة البحرين (ص ٢٧٢).
(٩٣) اُنظر: الباب الثاني من كتابنا هذا.
(٩٤) اُنظر: الباب الثاني من كتابنا هذا.
(٩٥) اُنظر: المصدر السابق.

↑صفحة ٨٨↑

في سنة (٧٧٦هـ): في داخل المقام نسخ جعفر بن محمّد العراقي كتاب (قواعد الأحكام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)(٩٦).
وأمَّا وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري، فعلى ما يلي:
محراب المقام:
ورد ذكر المحراب على لسان الراوي لحكاية (أبي راجح الحمَّامي)، وهو الشيخ محمّد بن قارون والحاصلة في هذا القرن، قائلاً: (وكان يجلس في مقام الإمام (عليه السلام) في الحلَّة ويُعطي ظهره القبلة الشريفة فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها)(٩٧) والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.
باب المقام:
ورد ذكر باب المقام على لسان (ابن بطوطة) في رحلته الحاصلة في سنة (٧٢٥هـ)، قائلا: (وبمقربة من السوق الأعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يُسَمُّونه: مشهد صاحب الزمان)(٩٨).
قبَّة المقام:
ورد ذكر لقبَّة المقام في هذا القرن أربع مرَّات في حكاية (ابن الخطيب وعثمان) الحاصلة في سنة (٧٤٤هـ)، قائلاً (أي الراوي للحكاية): (فلمَّا كانت ليلة الجمعة حملنها حتَّى أدخلنها القبَّة الشريفة في مقام صاحب الزمان (عليه السلام)... وبتن بأجمعهنَّ في باب القبَّة... لما جعلتننَّي في القبَّة وخرجتنَّ... ورأيت القبَّة قد امتلأت نوراً)(٩٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٦) اُنظر: المصدر السابق.
(٩٧) اُنظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.
(٩٨) اُنظر: الباب الرابع من كتابنا هذا.
(٩٩) اُنظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.

↑صفحة ٨٩↑

وذُكِرَت القبَّة ثانيةً في هذا القرن في حكاية (جمال الدِّين الزهدري) الحاصلة في سنة (٧٥٩هـ) على لسان الراوي لها مرَّتين قائلاً: (وقيل لها: ألَا تبيِّتينه تحت القبَّة الشريفة بالحلَّة المعروفة بمقام صاحب الزمان (عليه السلام)... وقد أباتتني جدَّتي تحت القبَّة)(١٠٠).
وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ما جرى على لسان (ابن أبي الجواد النعماني حينما سأل الإمام القائم (عجَّل الله فرجه) قائلاً: (يا مولاي، لك مقام بالنعمانيَّة ومقام بالحلَّة، فأين تكون فيهما؟)(١٠١).
٤ - في القرن التاسع الهجري:
وفي سنة (٨٧٣ هـ/ ١٤٥٢م): قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة: (أرسل حسن عليّ - أمير بغداد - جيشاً إلى الحلَّة للقضاء على حكومة شاه عليّ بن اسكندر فلمَّا وصل الجيش إلى قلعة بابل رأى قراغول (حُرَّاس) فجرت معركة بين الطرفين ثمّ اصطلحوا وعاب القرغول أميرهم وقالوا لهم: الجسر منصوب نمضي على غفلة وساروا وعبروا الجسر والناس يظنُّونهم القرغول الذين أُرسلوا ومضوا إلى أنْ وصلوا إلى دار السلطان وأحاطوا بها، وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة، فأخذوهما عريانين، وقتلوا ابن قرا موسى وأمَّا ابن اسكندر فألقى بنفسه إلى صاحب الزمان وقال: كنت درويشاً وجاء بي ابن قرا موسى قهراً وطلب الأمان...)(١٠٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٠) اُنظر: المصدر السابق.
(١٠١) اُنظر: الباب الثالث من كتابنا هذا.
(١٠٢) اُنظر: تأريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١١٠).

↑صفحة ٩٠↑

أقول: هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي، والظاهر أنَّ المقصود بعبارة: (فألقى بنفسه إلى صاحب الزمان) أنَّه ألقى بنفسه إلى مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) داخلاً بذمَّته، آملاً منه أنْ يتركوه لأنَّه احتمى بصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه). ويُؤيِّد كلامنا هذا أنَّه لا يوجد شيء يُنسَب إلى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة سوى هذا المقام الشريف فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إمَّا أنْ تكون من سهو النُّسَّاخ أو إنَّما وردت على سبيل المجاز والاتِّساع بحذف المضاف وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم، وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ(١٠٣) الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ (يوسف: ٨٢)، والتقدير على ما أجمع عليه المفسِّرون: أهل القرية وأهل العِير. كما أنَّه شائع في لغتنا اليوم فيقول أحدنا: زرت عليًّا (عليه السلام)، وزرت الحسين (عليه السلام)، يريد أنَّه زار كلًّا من مشهدهما.
٥ - في القرن العاشر وما بعده:
ذُكِرَت عمارة المقام عندما زاره سيِّد عليّ رئيس المرسَل من قِبَل سلطان مصر سنة (٩٦١هـ)(١٠٤).
وفي عهد الدولة الصفويَّة (٩٣٠ - ١١٢٠هـ) ذُكِرَت عمارة المقام أيضاً حينما عيَّنت تلك الدولة (آل القيِّم) لسدانة المقام(١٠٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٣) العِير: القافلة.
(١٠٤) اُنظر: الباب الرابع من كتابنا هذا.
(١٠٥) اُنظر: الباب الثامن من كتابنا هذا.

↑صفحة ٩١↑

٦ - في القرن الرابع عشر:
في سنة (١٣١٧ هـ/ ١٨٩٦م)(١٠٦)، سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلَّة العلَّامة الكبير السيِّد محمّد ابن السيِّد مهدي ابن السيِّد حسن ابن السيِّد أحمد القزويني (١٢٦٢ - ١٣٣٥هـ) الذي كان يهتمُّ بعمارة الآثار التأريخيَّة.
أقول: بقيت هذه العمارة إلى سنتنا هذه، وهي سنة (١٤٢٥هـ)، وقد أرَّخ تلك العمارة الشيخ محمّد الملَّا(١٠٧) (ت ١٣٢٢هـ) في آخر قصيدة له، قائلاً:

محمّداً فيك العلا قسمت(١٠٨)* * * آخيت(١٠٩) اسمك اشتُقَّ من الحمدِ
بأنَّك الحائز علماً به * * * تهدي إلى الإيمان والرشدِ
شيَّدت للقائم من هاشم * * * مقام قدسٍ شامخ المجدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٦) ذكر السيِّد محسن أمين العاملي (رحمه الله) في كتابه أعيان الشيعة (ج ٤٧/ ص ٧٢) أنَّ تاريخ عمارة المقام سنة (١٣١٥هـ)، والحال أنَّها حصلت في سنة (١٣١٧هـ) حسب ما أرَّخه الشاعر محمّد الملَّا في قصيدته وهو ما كُتِبَ على باب المقام أيضاً.
(١٠٧) هو الشيخ محمّد بن حمزة بن حسين بن نور عليّ التستري الأهوازي الحلِّي المعروف بالملَّا أديب كبير وخطيب مفوَّه ومربِّي ممتاز، هاجر جدُّه الأعلى من تستر إلى الحلَّة قبل قرنين من الزمن وذكره صاحب الحصون المنيعة في (ج ٢/ ص ٣٣)، فقال: (كان شاعراً ماهراً أديباً طريفاً نظم الشعر في صباه، فأعاد إلى الفيحاء عهد الصفي الحلِّي في تحرِّي البديع والفنِّ فيه حتَّى أصبح عَلَماً من أعلام هذا الفنِّ).
(١٠٨) الأصحّ: (محمد)، ورد في شعراء الحلَّة: (محمّد فيك العلا أُقسمت).
(١٠٩) هكذا ورد في الأصل، والذي يقتضيه السياق: (حيث)، وورد في شعراء الحلَّة: (إنَّ اسمك...).

↑صفحة ٩٢↑

فلم يزل تهتف فيك العلى(١١٠)* * * على لسان الحرِّ والعبدِ
ذا خلف المهدي قد(١١١) أرّخوا * * * (شاد مقام الخلف المهدي)(١١٢)

والشعر هذا موجود ومكتوب إلى الآن على باب المقام، كُتِبَ بالقاشي الأزرق ولم يتغيَّر إلى الآن، وأنا نقلته هنا على ما كُتِبَ على باب المقام، وقد أورد الشيخ الخاقاني (رحمه الله) في كتابه شعراء الحلَّة (ج ٥/ ص ٢٤٢) هذا الشعر باختلاف يسير أوردته بالهامش.
كما أنَّ الحاجَّ عبد المجيد العطَّار (١٢٨٢ - ١٣٤٢هـ) أرَّخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمَّنهما بـ (٢٨) تاريخاً، قائلاً:

توقع جميل الأجر في حرم البنا * * * بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا
بفتحك بالنصر العزيز رواقا * * * نجد اقتراباً ما أجار وراقا(١١٣)(١١٤)

٧ - في القرن الخامس عشر الهجري:
سنة (١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠١م): سعى المرجع الدِّيني الأعلى آية الله العظمى السيِّد عليٌّ الحسيني السيستاني (دام ظلُّه الوارف) بتجديد عمارة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٠) ورد في شعراء الحلَّة: (فلم يزل يهتف فيك الثنا).
(١١١) ورد في شعراء الحلَّة: (ذا خلف المهدي مذ أرَّخوا).
(١١٢) اُنظر: شعراء الحلَّة (ج ٥/ ص ٢٤٢)، وكذلك أعيان الشيعة (ج ٤٧/ ص ٧٢).
(١١٣) ويلحق هنا في تأريخ المقام في هذا القرن قول المرحوم الشيخ جعفر آل محبوبة (ت ١٣٧٧هـ) في كتابه ماضي النجف وحاضرها (ج ١/ ص ٩٥): (حدَّثني بعض الثقات المتتبِّعين للآثار والأخبار أنَّه وجد في بعض الكُتُب المؤلَّفة في غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه) أنَّ للحجَّة (عجَّل الله فرجه) مقاماً في النعمانيَّة وفي الحلَّة وفي مسجد السهلة وفي النجف).
(١١٤) اُنظر: البابليَّات (ج ٣/ ق ٢/ ص ٧٠).

↑صفحة ٩٣↑

المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيِّرين بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيُّع من قِبَل حزب البعث الحاكم آنذاك.
وتضمَّن هذا التجديد:
١ - تغليف القبَّة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاشي الأزرق.
٢ - تغليف أرضيَّة المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.
٣ - تزيين سقف المقام والقبَّة من الداخل بالمرايا.
٤ - تغيير الآيات التي كُتِبَت على واجهة المقام.
٥ - تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والثريَّا.
ولقد أرَّخ هذه العمارة الشاعر السيِّد عصام الحسيني السويدي، قائلاً:

يا حجَّة الله التي * * * في أرضهِ للعبدِ
شُدنا مقامكَ علَّنا * * * نحظى بنيلِ السَّعدِ
أرواحنا قبل الحجا * * * رةِ سابقت والأيدي
بالحمدِ تمَّ مؤرّخاً * * * (اُنظر مقام المهدي)

(١٤٢٢هـ)

والشعر هذا مكتوب على لوحة وُضِعَت فوق باب المقام من الداخل.
أقول: وفي تلك السنة (أي سنة ١٤٢٢هـ)، وفي حكم حزب البعث الظالم جاءت بعثة من بغداد من دائرة الأوقاف والشؤون الدِّينيَّة وكان بنيَّتها دراسة هدم المقام كلّيًّا بحجَّة توسعة جامع الحلَّة الكبير وأنَّ المقام لا قيمة له فأجابهم أحد الموظَّفين في دائرة الأوقاف والشؤون الدِّينيَّة في الحلَّة بأنَّ أصل الجامع هو من المقام فولُّوا مدبرين، وأبى الله إلَّا أنْ يُتِمَّ نوره ولو كره المشركون.

↑صفحة ٩٤↑

وهذا ممَّا اشتهر عند أهل الحلَّة وسمعته منهم وهو أيضاً ما أخبرني به أحد موظَّفي دائرة الوقف الشيعي وكان هذا الموظَّف هو الرادُّ على تلك البعثة وقال ما مضمونه: (على أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) أنطقني في أنْ أقول: إنَّ الجامع هو أصلاً من المقام).
علماً أنَّني احتفظت ببعض الأوراق التي تخصُّ تلك العمارة الأخيرة، وسوف أُوردها في الباب الثاني عشر من كتابنا هذا.
ومن الذين قالوا شعراً بمناسبة هذه العمارة أيضاً الأُستاذ (عبد العظيم الحاجّ رحيم الصفَّار الخفاجي) أحببت إيراده هنا، قائلاً:

في الحلَّة أثرٌ يتجدَّد * * * من آثارِ آلِ محمّدْ
يتوارثه أهل بلادي * * * أبناءً آباءً عن جدْ
حتَّى يرث الأرض جميعاً * * * الصالح من آل محمّدْ
قد شيَّده مَنْ قد سلفوا * * * وبأيدي الأبناء تجدَّدْ
رحم الله الماضي منهم * * * والحاضر يحفظه الأوحدْ
والقادم يتَّصل بهم * * * وسيبقى البنيان مشيَّدْ
قف واخلع نعليك وصلِّ * * * في هذا المحراب الأمجدْ
واهتف (يا ابن الحسن المهدي * * * يا غائباً جُدَداً جَدّدْ)

وتتميماً للفائدة في آخر هذا الباب نذكر ترجمة السيِّد العلَّامة الكبير محمّد القزويني (رحمه الله) للتبرُّك بذكره الشريف وقد حفلت بترجمته العاطرة كثير من كُتُب التراجم ونحن نختصر ما ورد في (الكنى والألقاب) للشيخ المرحوم عبَّاس القمِّي (رحمه الله) (ج ٣/ ص ٥١)، قائلاً:

↑صفحة ٩٥↑

(سلالة الفقهاء، وسلافة الأُدباء، أبو المعزِّ السيّد محمّد ابن السيِّد مهدي حسن ابن السيِّد أحمد الذي هو أوَّل من انتقل من قزوين إلى العراق وقطن النجف الأشرف ابن محمّد بن الحسين ابن الأمير أبي القسم أمير الحاجّ في الدولة الصفويَّة، ينتهي نسبه إلى محمّد بن زيد الشهيد بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وُلِدَ في الحلَّة سنة (١٢٦٢هـ)، وأخذ في التعلُّم إلى أنْ راهق البلوغ، فهاجر هو وأخويه الأعلام، وهم: الميرزا جعفر، والسيِّد حسين المتوفِّي سنة (١٣٢٥هـ) إلى النجف مقرِّ العلم والعلماء ومنتدى الأدب والأُدباء، فأتقن العلوم العقليَّة والنقليَّة على كثير من الأساتذة العظام والفضلاء الفخام، وكان بعكس أبيه قليل التأليف والتصنيف لا يكاد يرتضي ما صنَّفه حتَّى يُغيِّره بعد الملاحظة والمراجعة، فظهر له منظومة في المواريث، ورسالة في علم التجويد، ومنسك في الحجِّ، وديوان شعره، وله آثار إصلاحيَّة كإصلاح نهر الحلَّة، وتعمير قبور العلماء في الحلَّة كقبر المحقِّق وآل طاوس وابن إدريس والشيخ ورَّام وغيرهم، ومقام الغيبة، وتجديد مقام مشهد الشمس، ولـمَّا خلت الحلَّة من أعلام هذه الأُسرة واستأصل الموت شأفتهم كتب إليه الحلّيُّون وحثّوه على المجئ، فلبَّى دعوتهم، فهاجر إلى الحلَّة سنة (١٣١٣هـ)، فاستقبله جمهورهم على مسافة ميلين، وكان يوماً مشهوداً كيوم وفاته، وأخذت العلماء والشعراء يفدون عليه لتهنئته، وكان في الحلَّة إلى أنْ باغتته المنيَّة وأنشبت فيه أظفارها، وذلك في أوَّل سنة (١٣٣٥هـ)، ونُقِلَ إلى النجف الأشرف، ودُفِنَ في مقبرة آل قزوين (قدّس سرّه)).

* * *

↑صفحة ٩٦↑

الباب السادس: في ذكر المساحة الأصليَّة للمقام، وتاريخ الجامع الكبير المجاور للمقام

↑صفحة ٩٧↑

هذا الباب من أبواب كتابنا يتضمَّن فوائد مهمَّة تتعلَّق بأُمور تأريخيَّة كادت أنْ تنسج عليها عناكب النسيان، وكشف حقائق حاولت طمسها والتضبيب عليها أيدي العبث والتمويه. ولتسليط الضوء على هذه الأُمور لا بدَّ من جمع حقائق تخصُّ مساحة المقام الأصليَّة التي صارت تتضاءل جيلاً بعد جيل، فالمساحة الكلّيَّة للمقام اليوم هي نحو (٣٥) متراً مربَّعاً، ولقد علمت أنَّه في سنة (١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠١م) أرادوا هدم المقام بحجَّة جعله بيتاً خاصًّا لإمام وخطيب أهل السُّنَّة في جامع الحلَّة الكبير المجاور للمقام، لكن أبى الله إلَّا أنْ يُتِمَّ نوره، حيث إنَّ النقول التاريخيَّة المبثوثة في المصادر المعتبرة تُثبِت سعة مساحة المقام الشريف، كما يظهر ذلك ممَّا جمعناه من شوارد متناثرة وموارد مشتَّتة في بطون الكُتُب وطيَّات الآثار، وقد استعنا الله تعالى في جمعها وتصنيفها أوَّلاً فأوَّلاً، ودونك التفصيل:
أوَّلاً: في مساحة المقام الأصليَّة، وأنَّ الجامع الكبير المجاور له تابع للمقام الشريف:
أ - أنَّ اسم جامع الحلَّة الكبير عند أهل الحلَّة مشهور بـ (جامع الغيبة)، وقد أخذوا هذا الاسم والشهرة على جهة التسالم يداً عن يد وخلفاً عن سلف.
ب - أنَّ مقام الغيبة الآن يحتوي على القبَّة فقط دون منارة، والحال أنَّ

↑صفحة ٩٩↑

مقامات الأئمَّة (عليهم السلام) ومشاهدهم على كثرتها في العراق لم نرَها خالية من المنارة، وهذا ممَّا يدلُّ على أنَّ الجامع الذي يحتوي على المنارة وهو بدون قبَّة والمقام الذي يحتوى على القبَّة وبدون منارة مكان واحد.
جـ - أنَّ جامع الحلَّة الكبير يحتوي على المنارة فقط دون القبَّة، والحال أنَّ المساجد الإسلاميَّة على كثرتها في العالم الإسلامي صغيرها وكبيرها تحتوي على منارة وقبَّة، وهذا يدلُّ على أنَّ الجامع الذي يحتوي على منارة بدون قبَّة والمقام الذي يحتوي على قبَّة بدون منارة مكان واحد، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ الكتابة التي كانت على المنارة (أي حولها من الأعلى) كانت تحتوي على لفظ الجلالة واسم الرسول وأهل بيته الاثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين)، وفي عام (١٣٩٥ هـ/ ١٩٧٥م) هُدِّمَت تلك المنارة وكتابتها ضاعت علينا، وجُعِلَ بدلها منارة جديدة وكُتِبَ عليها سورة الإخلاص لتغيير تلك المعالم والخصائص التاريخيَّة.
حدَّثني بذلك أقدم موظَّف في دائرة الوقف الشيعي (وقد رغب بعدم ذكر اسمه)، وكان مشرفاً على بناء تلك المنارة الجديدة، وذكر لي أنَّه رأى تلك الكتابة القديمة التي على المنارة السابقة الذكر وكان باني المنارة الجديدة من أهالي الديوانيَّة، وكان القاشي المكتوب عليه أسماء الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) محفوظاً لمدَّة في دائرة الأوقاف وطلبت منه تصويره فوتوغرافيًّا، فقال: لا أعلم أين هو الآن.
وكذلك سألنا الوجيه الشاعر عبد الأمير محمود الجبوري صاحب كتاب (صرخة الثقلين) في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام)، وهو رجل كبير السنِّ أنَّه هل رأى تلك الكتابة؟ قال: نعم.

↑صفحة ١٠٠↑

وسألنا الوجيه أمجد هلال مبارك، وهو من مواليد (١٩٣٥م)، ومحلُّه قريب من الجامع الكبير فقال: أنا رأيت تلك المنارة وما هو مكتوب عليها سابقاً وإنَّها هُدِّمَت في سنة (١٩٧٥م)، وبُنِيَ على أُسِّها منارة جديدة، وذلك لتغيير معالم ذلك الجامع منكراً ما قاله لي موظَّف من دائرة الوقف الشيعي بأنَّ المنارة القديمة كانت آيلة للسقوط فقال الحاجّ أمجد: إنَّه لم تكن آيلة للسقوط وإنَّها هُدِّمَت بسبب ما عليها من الأسماء الطاهرة. كما ذكر لي هذا الرجل أنَّ مقام الغيبة كان في وسط الجامع الكبير وبقرب المنارة التي في الجامع، ولكثرة زائري المقام من الرجال والنساء وبغية عدم اختلاطهم جُعِلَ مقام رمزي للإمام (عليه السلام) خاصٌّ بالنساء في جنوب الجامع، ومن ثَمَّ اختُزِلَ هذا المقام الذي كان خاصًّا بالنساء واغتُصِبَ المقام الأصلي الذي هو في الجامع من قِبَل الدولة العثمانيَّة. ثمّ قال: هذا ما سمعته من والدي هلال عبُّود، وهو من مواليد (١٨٩٨م)، ومن أهل السوق القدماء.
أقول: وهذا لا يبعد ممَّا عرفناه من أفعال الدولة العثمانيَّة، وما نُثبِته تأريخيًّا بعد هذه الأسطر كافٍ، وكان سبب تدويني لأقوال هذا الرجل لقربه من الجامع ولكبر سنِّه ولعلاقة أجداده بتاريخ هذا الجامع كما ستعرف.
كما ذكر لي السيِّد حيدر آل وتوت صاحب كتاب (المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء) أنَّ رجلاً من آل القيِّم - وهم من سدنة المقام لقرون - رأى تلك الكتابة.
وممَّا يُؤيِّد هذا الكلام قرب المسافة بين المنارة والقبَّة وهذا ما تراه في

↑صفحة ١٠١↑

الصورة الفوتغرافيَّة التي نوردها في آخر الكتاب إذ المسافة بينهما تبعد نحو (٢٥) متراً.
حـ - ما ذكره الشيخ محمّد عليّ اليعقوبي (رحمه الله) في كتابه البابليَّات (ج ٢/ ص ١٠٥) في ترجمة الملَّا محمّد القيِّم قال: (أبو الحسن محمّد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي وكان جدُّه هذا سادناً وقيِّماً على مقام الإمام المهدي (عليه السلام) الواقع في سوق الهرج في الحلَّة المسمَّى بالغيبة، وهو المقام الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته وابن خلدون في مقدَّمته وكان السادن المذكور يتولَّى أيضاً أوقاف الجامع الكبير الذي يجاور مقام الغيبة جنوباً، وذلك قبل أربعة قرون تقريباً كما تحكيه الصكوك والوثائق التي بأيدي هذه الأُسرة من الحكومتين الصفويَّة والعثمانيَّة ومن ثَمَّ عُرِفُوا بـ (آل القيِّم)، وهم حتَّى اليوم يستغلُّون ثمرة تلك الأوقاف الواقعة شمالي الحلَّة في الموضع المعروف بـ [الزوير]).
أقول: إنَّ هذا الكلام يدلُّ على أنَّ أوقاف الجامع والمقام - وهي الواقعة في الموضع المعروف بـ (الزوير) - كانت واحدة كما أنَّ الرجل المتولِّي عليها واحد وهذا ممَّا يُؤيِّد أنَّ المكان (أي المقام والجامع) كان واحداً.
ز - قول الرحَّالة ابن بطوطة في رحلته في أثناء زيارته الأُولى للحلَّة في سنة (٧٢٥هـ): (وبمقربة من السوق الأعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يُسَمُّونه: مشهد صاحب الزمان ومن عادتهم أنْ يخرج في كلِّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم سيوف مشهورة، فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرساً ملجماً أو بغلةً

↑صفحة ١٠٢↑

كذلك، ويضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابَّة تتقدَّمها خمسون منه ويتبعها مثلهم ويمشي آخرون عن يمينها وشمالها، ويأتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب...)(١١٥).
وقوله في زيارته الثانية: (ثمّ إلى الحلَّة حيث مشهد صاحب الزمان، واتَّفق في بعض تلك الأيَّام أنْ وليها بعض الأُمراء فمنع أهلها من التوجُّه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان...)(١١٦).
فلنستخرج من كلامه ما يهمُّنا:
١ - قوله عن موضع المقام: (وبمقربة من السوق الأعظم مسجد على بابه حرير مسدول، وهم يُسَمُّونه: مشهد صاحب الزمان)، اُنظر قوله: (من السوق الأعظم) ولم يقل: إنَّ موضعه خارج السوق، كما هو الآن وخصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ السوق كان أضيق من الآن بكثير، فلقد وُسِّع مرَّتين: مرَّة في أواخر العهد العثماني (في عهد الوالي عمر باشا)، وفي عهد الستِّينات الميلاديَّة من عصرنا هذا.
٢ - وصف المقام ومساحته: مرَّةً ذكره بأنَّه مسجد صاحب الزمان، ومرَّةً مشهد صاحب الزمان، وأنَّه من السوق، وأنَّه يسع لنحو مائة رجل فهذا الوصف الذي قال عنه ابن بطوطة لا يشبه وصف المقام الحالي، وذلك لمساحته الصغيرة التي لا تزيد على (٣٩) متراً مربَّعاً فإنَّ المقام الآن لا يسع لعشرين رجلاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٥) اُنظر: رحلة ابن بطوطة (ص ١٣٩).
(١١٦) اُنظر: المصدر السابق (ص ١٧٤).

↑صفحة ١٠٣↑

ثمّ لو أنَّ المقام على موضعه الحالي في ظهر السوق ومساحته الصغيرة لو كان هكذا في عصر ابن بطوطة لما التفت إليه ابن بطوطة، ولما نوَّه عنه أصلاً، لما عرفت من تعصُّبه لأهل السُّنَّة، ولو كان الجامع الذي بظهر المقام وهو لأهل السُّنَّة الآن موجوداً في عصر ابن بطوطة لأشاد به وتبجَّح بذكره أيّ تبجُّح.
ط - موضع الشبَّاك الحالي في داخل المقام: دأب الشيعة أنْ يضعوا في مقامات أئمَّتهم (شبَّاكاً) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة، فهذا مسجد السهلة ومقاماته، وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته، وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة لكن ما نراه الآن أنَّ شبَّاك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلِّي في داخل المقام، وهذا يخالف القاعدة.
وممَّا يُؤيِّده قول الشيخ محمّد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمَّامي التي أوردناها في الباب الثالث: (كان حاكم الحلَّة المسمَّى مرجان الصغير كلَّما يدخل هذا المقام يُعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه، وعندما شاهد قضيَّة أبي راجح الحمَّامي تغيَّرت عقيدته وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه) انتهى.
والحال أنَّ في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأوَّل لأنَّ القبلة الشريفة كناية عن هذا الشبَّاك الموضوع في جهة القبلة.
ظ - قول الراوي في حكاية ابن الخطيب التي أوردناها في الباب الثالث: (وبتنَ بأجمعهنَّ بباب القبَّة)، أي مجموعة النساء اللواتي كنَّ يرافقنَ

↑صفحة ١٠٤↑

أُمَّ عثمان والحال أنَّ من يبيت الآن بباب القبَّة ينام في وسط السوق، لضيق المحلِّ.
م - قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هذا: (وانطبق عليَّ الناس حتَّى كادوا أنْ يقتلونني وأخذوا ما كان عليَّ من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرَّكون فيها وكساني الناس من ثيابهم ورجعت إلى البيت)، والحال أنَّ مساحة المقام الحاليَّة لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثير منهم كما وصفهم ابن الزهدري.
و - قول السيِّد حيدر آل وتوت في كتابه (المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء): (إنَّ هناك من أخبرني أنَّ مساحة مقام الإمام المهدي (عليه السلام) المشار إليها قد تمَّ اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلَّة الكبير الذي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند إخواننا السُّنَّة حيث انضمَّ قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع).
وهذا يكفي لإثبات المساحة الأصليَّة للمقام.
ثانياً: في تأريخ الجامع الكبير في الحلَّة، وأنَّ أصله للشيعة لا لأهل السُّنَّة:
أقول: أرجو أنْ لا يتصوَّر القارئ في كلامي هذا أنَّني أُريد أنْ أُثير نعرات طائفيَّة، فالإخوان إخوان، ونحن متأدِّبون بآداب أئمَّتنا (عليهم السلام) وعلمائنا الأعلام، وخصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ فقيه عصره آية الله العظمى السيِّد عليّ الحسيني السيستاني (دام ظلُّه) أفتى في الظروف الحالية بعدم جواز أخذ جوامع أهل السُّنَّة منهم والحال هنا يختلف لأنَّ أصل الجامع هذا

↑صفحة ١٠٥↑

للشيعة وأُخِذَ منهم قسراً من قِبَل الحكومات الظالمة الحاكمة للعراق. والآن فلنتعرَّض لذكر تأريخ هذا الجامع:
الأمر الأوَّل: في تشيُّع أهل الحلَّة:
١ - قال ابن بطوطة عند دخوله الحلَّة في سنة (٧٢٥هـ): (وأهل هذه المدينة كلُّهم إماميَّة اثنا عشريَّة)(١١٧).
٢ - قال السيوطي (ت ٩١١هـ) في البغية (ص ١٥١) حاكياً عن الذهبي في ترجمة (أحمد بن عليِّ بن معقل الأزدي المهلبي الحمصي الأديب الغالي في التشيُّع): (إنَّه وُلِدَ سنة (٥٦٧هـ)، وهاجر من حمص إلى الحلَّة، وتعلَّم الرفض هناك عن أهلها)(١١٨).
٣ - قال السيِّد محسن الأمين العاملي (رحمه الله) (ت ١٣٧١هـ): (وتشيُّع أهل الحلَّة مشهور معروف من قديم الزمان، وكانت دار العلم للشيعة في القرن الخامس وما بعده، وإليها الهجرة، وخرج منها جماعة من أجلَّاء علماء الشيعة وفقهائهم وأُدبائهم)(١١٩).
٤ - وذكر آية الله العظمى الشيخ المجتهد الأكبر الإمام محمّد حسين آل كاشف الغطاء (رحمه الله) في مقدَّمة كتاب (البابليَّات) للشيخ اليعقوبي (رحمه الله): (إنَّ للحلَّة مميِّزات أربعاً: ومنها تشيُّعها من أوَّل تأسيسها إلى عصرنا هذا).
وهذه الأقوال الأربعة تدلُّ على أنَّ الحلَّة لم تعرف التسنُّن إلَّا في أواخر الدولة العثمانيَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٧) اُنظر: المصدر السابق (ص ١٣٩).
(١١٨) اُنظر: الأنوار الساطعة (ق ٧/ ص ٨).
(١١٩) اُنظر: أعيان الشيعة (ج ١/ ص ٢٠١).

↑صفحة ١٠٦↑

الأمر الثاني: في تأريخ الجامع الكبير في الحلَّة:
التاريخ الأوَّل:
قلنا سابقاً: إنَّ آل القيِّم كانوا هم المتولِّين على أوقاف الجامع والمقام معاً، وكانت هذه الأوقاف في موضع يقال له: (الزوير)، ولدى هذا البيت صكوك ووثائق تُثبِت توليتهم من قِبَل الحكومتين الصفويَّة والعثمانيَّة منذ أربعة قرون وكان من مشاهير هذا البيت الملَّا محمّد القيِّم (ت١٢٩٣هـ)(١٢٠).
التاريخ الثاني: في تأريخ الاستحواذ على الجامع:
ذكر الشيخ عليٌّ الخاقاني (رحمه الله) في كتابه شعراء الحلَّة (ج ٤/ ص ٢٨٠) في ترجمة الملَّا مبارك الحلِّي المتوفَّى سنة (١٢٧٠هـ) قائلاً: (هو ملَّا مبارك بن محمّد صالح بن مبارك بن محمود بن أحمد بن حاجّ حسين الزبيدي الحلِّي...(١٢١)، كان من الشخصيَّات المرموقة في وسطه، ثريُّ الجاه والمال، ثقة في النفوس، قويُّ الإرادة والنفوذ وأُسرته وعلى رأسهم هو كثيراً ما خرجت على طاعة الحكومة التركيَّة وناضلتها، وقد أقلقتها ردحاً من الزمن إلى أنْ قست معها بمصادرة أملاك المترجَم له وأوقاوفه، ومنها الجامع الواقع في السوق الكبير في الحلَّة بمحلَّة جبران، فقد غصبته الحكومة من ملَّا مبارك، وجعلت فيه إماماً، وغيَّرت لونه وشعاره (أي من التشيُّع إلى التسنُّن)، وكانت له أراضي واسعة (أي الجامع) في الزراعة تُدعى (الزوير) ودور كثيرة، فصادرتها أيضاً).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٠) اُنظر: البابليَّات (ج ٢/ ص ١٠٥)، وشعراء الحلَّة (ج ٤/ ص ٤١٧).
(١٢١) أقول: إنِّي رأيت من أحفاد أخيه وسألته عن تأريخ الجامع ومنارته، وهو الوجيه أمجد بن هلال ابن عبُّود بن مهدي بن محمّد صالح... إلخ وهم يرجعون إلى آل صيَّاد فخذ من عشيرة آلبو سلطان من زبيد.

↑صفحة ١٠٧↑

أقول: إنَّ الظاهر من التاريخ الأوَّل للجامع الوارد أعلاه أنَّ الملَّا مباركاً كان متولّياً على الجامع وأوقافه من قِبَل آل القيِّم حسب ما ورد أعلاه، وذلك لاطمئنان النفس إليه وثقته، ويدلُّ على هذا رعايته لأملاك ومصالح الفقيه الكبير السيِّد مهدي القزويني (ت ١٣٠٠هـ)، وأنَّ الاستحواذ على الجامع كان قبل وفاة الملَّا مبارك سنة (١٢٧٠ هـ/ ١٨٥٠م).
التاريخ الثالث: سنة (١٢٩٢هـ):
مات في هذه السنة متصرِّف الحلَّة شبلي باشا العريان، ودُفِنَ في هذا الجامع(١٢٢).
التاريخ الرابع: في حادثة عاكف التركي (١٣٣٥هـ):
فرَّق عاكف عسكره في طُرُقات الحلَّة وسورها ودوائر الحكومة طلباً للفارِّين من ساحات القتال من الحلّيِّين وجعل بعضاً من الجنود على منارة الجامع الكبير لارتفاعها على دور البلد وهذا من استهتار عاكف، لأنَّ بيوت الله يجب أنْ تكون بعيدة عن الأغراض الحربيَّة(١٢٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٢) تولَّى أمر الحلَّة في آخر أيَّام عمر باشا وهو من دروز سوريا، وكانت توليته الحلَّة سنة (١٢٧٥هـ)، وقد شغل هذا المنصب عدَّة سنين وكان له نفوذ كبير حارب به الخزاعل وخضد شوكتهم، ثمّ نُقِلَ من الحلَّة إلى بغداد، وذلك أثر شكوى تقدَّم بها أهالي محلَّة التعيس، لأنَّه أجبرهم على دفع مبلغ مقابل موادٍّ مسروقة من كنيسة لليهود في تلك المحلَّة ثمّ تولَّى متصرّفيَّة الحلَّة من (١٢٩٠) إلى (١٢٩٢هـ)، ثمّ مات أثر مرض الطاعون، وفي رواية أنَّه مات مسموماً أثر خلاف مع والي بغداد. راجع: تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٦٤) بتصرُّف.
(١٢٣) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٦٤) بتصرُّف.

↑صفحة ١٠٨↑

التاريخ الخامس: في شهر رمضان سنة (١٣٣٨هـ):
نادى منادٍ في أسواق الحلَّة أنَّ الليلة يقام اجتماع في الجامع الكبير يُتلى فيه كتاب العلَّامة الشيرازي وما أنْ حلَّ الوقت المضروب حتَّى هرع الناس إلى الجامع، فغصَّ الجامع على اتِّساعه بالحاضرين وارتقى الخطيب الشيخ محمّد الشهيب وتلا رسالة الشيرازي وكانت تتضمَّن حثُّ العراقيِّين على المطالبة بحقوقهم المشروعة بالطُّرُق السلميَّة ثمّ أُلقيت بعض الخُطَب والقصائد الحماسيَّة، فالتهبت نفوس الجماهير بالحماس الوطني(١٢٤).
التاريخ السادس: سنة (١٣٥١هـ):
في هذه السنة من أواخر صفر الخير دُفِنَ في هذا الجامع السيِّد عبد السلام ابن السيِّد عبد الله بن السيِّد عبد الحافظ(١٢٥).
التاريخ السابع: (١٣٨٧ هـ/ ١٩٦٧م):
جُدِّدت عمارة الجامع، وهناك من حدَّثني أنَّ الجامع كان بمستوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٤) اُنظر: المصدر السابق (ص ١٧٤).
(١٢٥) وُلِدَ المترجَم سنة (١٢٩٢هـ) في محلَّة الأكراد بالحلَّة، كان قد جاء جدُّه عبد الحافظ المذكور إلى الحلَّة بانتقاله من بلدة هيت، وقرأ على بعض علماء السُّنَّة، وبعد أنْ حصل على علم جمٍّ عُيِّن مدرِّساً وخطيباً وإماماً وواعظاً في الحلَّة، وهو رجل فاضل، وله مؤلَّفات، منها كتاب دُرَّة الواعظين، وله كشكول، وله مجاميع أُخرى، وقد رثاه قاسم بن محمّد الملَّا. راجع: لبُّ الألباب لمحمّد صالح السهروردي (ص ١٤٤).
أقول: سمعت حكاية ينقلها أكثر أهل الحلَّة، وهي أنَّ السيِّد عبد السلام المذكور صعد المنبر يوماً وقال: لا يدخل رجل الجنَّة إلَّا بصكٍّ من أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام)، وذكر استدلالاً لحديثه، فبعد هذه الحادثة قامت الدولة بطرده من الجامع، فقامت الشيعة بتعهُّد أمره فأوصى أنْ يُدفَن بالنجف، لكن الوصيَّة لم تُنفَّذ، ودُفِنَ بهذا الجامع المذكور.

↑صفحة ١٠٩↑

منخفض عن أرض السوق، عليه آثار القدم، وأرضيَّته من الحصا والتراب، ومنارته تعلوها أسماء أهل البيت (عليهم السلام)، فاقتُطِعَت مساحة من أرضه في عمارته الأخيرة على يسار الداخل إليه وجُعِلَت سوقاً يُسمَّى بـ (سوق الأوقاف)، وهو الآن مشهور عند أهل الحلَّة بـ (سوق وحودي شعيلة)، وعلى يمين الداخل إليه هُدِّمَت (المرافق العامَّة) قديماً وجُعِلَت بمكانها سوق أُخرى، وبالجملة جعلت الأوقاف السُّنّيَّة دكاكين وأسواقاً حول الجامع تربو على المائة ومن أرضيَّة الجامع هذا، يذهب ريعها إلى دائرة الوقف السُّنِّي من ذلك الزمن إلى هذا الزمن، فهذه دعوى إلى دائرة الوقف الشيعي في بغداد والحلَّة لتتبُّع هذا الأمر، خصوصاً بعد ما أوضحنا الأمر حول أصل ملكيَّة الجامع. وجُدِّد باب الجامع أيضاً في هذه العمارة.
أقول: وفي (٨) شوَّال من سنتنا هذه سنة (١٤٢٥هـ) زرت الجامع، وسجَّلت ما كُتِبَ على بابه، وهو باب كبير من خشب الساج، كُتِبَ في أعلاه قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ...﴾ الآية (التوبة: ١٨).
ثمّ كُتِبَ شعر تحت هذه الآية نصُّه:

تقدَّست يا جامع المسلمين * * * وعطر محرابك المنبرُ
أراك تنير طريق الصلاح * * * لمن هلَّلوا فيك أو كبَّروا
وبابك تاريخه (فوقه * * * فهذا هو الجامع الأكبرُ)

جدَّدت (كذا) عمارته ديوان الأوقاف (١٣٨٧هـ).
وطلبت من إمام وخطيب الجامع الشيخ عبد الستَّار محمود الدليمي أنْ أقف على قبر السيِّد عبد السلام، فأجابني إلى ذلك، وفتح لي حجرة قديمة في آخر الجامع، رأيت فيها أربعة قبور، فعلى اليمين قبر مرتفع عن

↑صفحة ١١٠↑

الأرض بنحو متر أو أكثر، تعلوه صخرة من المرمر الأبيض، كُتِبَ عليها اسم صاحب القبر، وهو عبد السلام الحافظ، وعليها قصيدة رثاء فيها تاريخ وفاته وفي الوسط قبران يرتفعان عن الأرض نحو شبر واحد وبدون اسم، وأظنُّ أنَّ أسماءهما طُمِسَا لقِدَمهما، ومن المحتمل أنَّ أحد هذه القبور قبر متصرِّف الحلَّة شبلي باشا كما ذكرنا وعن اليمين قبر مرتفع نحو متر أو أكثر لكن لوحته البيضاء (نوع مرمر) مخلوعة، وقد جُعِلَت على جانب من القبر، وكُتِبَ عليها: هذا قبر (محمّد المعصوم بجلي بك)، لكن تاريخ وفاته قد عدت عليه عوادي الدهر فمحت رسومه.
التاريخ الثامن: سنة (١٣٩٥ هـ/ ١٩٧٥م):
هُدِّمت منارة الجامع القديمة التي يعلوها اسم الجلالة واسم النبيِّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الاثني عشر، واستُبدِلَت بها منارة مرتفعة أيضاً تعلوها سورة الإخلاص.
أقول: فبعد أنْ أثبتنا مساحة المقام الأصليَّة يظهر لنا موضع مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) المجاورة للمقام، فإمَّا أنْ تكون هي المقتطعة من أرض الجامع، أو مقابل باب الجامع على الجانب الآخر من السوق الذي هو الآن سوق الصاغة، لأنَّ هذا السوق بُنِيَ في الثمانينات من عصرنا هذا على آثار مدرسة دينيَّة قديمة فيها بعض القبور لسادة أجلَّاء وعلماء أفاضل. هذا ما حدَّثني به من رأى تلك المدرسة، وهم أكثر من واحد.
ولا يخفى على القارئ اللبيب مغزى اختيار هذا المكان جامعاً لأهل السُّنَّة دون غيره من الأماكن في الحلَّة.

* * *

↑صفحة ١١١↑

الباب السابع: في ذكر مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) المجاورة للمقام

↑صفحة ١١٣↑

ممَّا يعرفه كلُّ باحث في تاريخ الحلَّة وتراجم علمائها أنَّ أُولئك العلماء الأعلام لا بدَّ أنْ يكون لهم مدارس ومعاهد علميَّة يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم وينسخون فيها كُتُبهم ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس والمعاهد العلميَّة فلا بدَّ أنْ تكون مدرسة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضمُّ طلبة العلوم الدِّينيَّة في الحلَّة الفيحاء وقد دلَّت الآثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات (كما أشرنا إليها سابقاً في الباب الأوَّل من كتابنا هذا) على وجود مدرسة تُعرَف بـ (مدرسة صاحب الزمان)، ولا يختلج في نفس المتتبِّع ريب أنَّ مشاهير أعلام الحلَّة كابن إدريس وآل نما وآل طاوس والمحقِّق والعلَّامة كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة لبركتها وكونها متَّصلة بمقام بقيَّة الله الخلف المهد (عجَّل الله فرجه).
والآن نأتي على ما عثرنا عليه من التواريخ التي تخصُّ تلك المدرسة المباركة(١٢٦):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٦) أقول: إنَّني وجدت في كتاب (ديوان الشيخ يعقوب) للشيخ محمّد عليّ اليعقوبي (رحمه الله) (ص ١٠٦) بالهامش أنَّ دبيس بن سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي (ت ٥٢٩هـ) شيَّد أبوه من عمارات الحلَّة وتوسيع نطاق مدارسها ومعاهدها العلميَّة والأدبيَّة. (انتهى). وباعتبار أنَّ المقام ومدرسته الدِّينيَّة من تلك المعاهد العلميَّة والأدبيَّة ربَّما شملتها رعاية ذلك الأمير علماً أنَّ الشيخ يوسف كركوش (رحمه الله) في كتابه (تاريخ الحلَّة) والسيِّد هادي كمال الدِّين (رحمه الله) في كتابه (فقهاء الفيحاء) لم يذكرا هذه المدرسة بتاتاً.

↑صفحة ١١٥↑

التاريخ الأوَّل:
قال ابن هيكل (رحمه الله) في حوادث سنة (٦٣٦هـ): (فيها عمر الشيخ محمّد بن نما الحلِّي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) بالحلَّة السيفيَّة، وأسكنها جماعة من الطلبة)(١٢٧).
أقول: يظهر من العبارة المذكورة آنفاً:
أوَّلاً: أنَّ المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ، أي (٦٣٦هـ)، وأنَّ الشيخ الجليل محمّد بن جعفر بن نما لم يكن هو المؤسِّس بل كان المعمر لها والساعي بتجديدها.
ثانياً: اهتمام العلماء الأجلَّاء أمثال الشيخ ابن نما بتلك المدرسة المباركة.
ثالثاً: يظهر من عظيم منزلتها أنَّه لا يسكنها إلَّا الفقهاء من الطلبة.
التاريخ الثاني:
في بداية القرن الثامن صرَّح أبو محمّد الحسن بن ناصر الحدَّاد العاملي - وهو من تلاميذ العلَّامة الحلي (رحمه الله) - بكتابة كتابه (الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) مجاور مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) بالحلَّة(١٢٨).
أقول: يظهر من عبارة التاريخ الأوَّل أنَّ ابن الحدَّاد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام، إذ إنَّ معنى كلمتي (جانب) و(مجاور) واحد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٧) اُنظر: الباب الأوَّل/ المخطوطة الأُولى.
(١٢٨) اُنظر: الباب الأوَّل/ المخطوطة الثالثة.

↑صفحة ١١٦↑

التاريخ الثالث:
في سنة (٧٧٦هـ) نسخ حسين بن محمّد العراقي لابنه سعد الدِّين محمّد كتاب (قواعد الأحكام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله)، وانتهى من نسخه غرَّة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)(١٢٩).
التاريخ الرابع:
في سنة (٧٨٦هـ) قابل جعفر بن محمّد العراقي نسخته من كتاب (قواعد الأحكام) للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) على نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)(١٣٠).
التاريخ الخامس:
في (١٦) شهر ربيع الأوَّل سنة (٩٥٧هـ) نُسِخَ بمدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) كتاب (المختصر النافع) للمحقِّق الحلِّي (رحمه الله)(١٣١).
أقول: وبعد سنة (٩٥٧هـ) ضاعت علينا أخبار تلك المدرسة العريقة التي كانت ماثلة لعدَّة قرون وبعد التحقيق يظهر أنَّ فترة ضياع ذكرها هي فترة الاحتلال العثماني للعراق (٩١٤ - ١٣٣٥هـ) يقابلها (١٥٣٥ - ١٩١٧م)، ذلك الحكم الذي جهد في طمس آثار مذهب الإماميَّة، وطبيعي أنَّ ذلك المحتلَّ العنصري المتزمِّت لا تطيب نفسه على أنْ تكون للمذهب الإمامي الشيعي مدرسة خاصَّة به، فعلى ما أحتمل أنَّ أرضيَّة بناية جامع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٩) اُنظر: الباب الأوَّل/ المخطوطة الخامسة.
(١٣٠) المصدر السابق.
(١٣١) اُنظر: الباب الأوَّل/ المخطوطة السادسة.

↑صفحة ١١٧↑

الحلَّة الكبير التابع لأبناء السُّنَّة، والذي يقع بظهر المقام مباشرةً، هي أصل تلك المدرسة. علماً أنَّ مساحة واسعة من تلك الأرضيَّة اقتُطِعَت منه في عام (١٣٨٧ هـ/ ١٩٦٧م) وجُعِلَت دكاكين وأسواقاً تنوف على المائة جُعِلَ ريعها لدائرة الوقف السُّنِّي من ذلك العصر، وذلك في عهد الزعيم عبد الرحمن عارف الذي كثر في عصره أعداء الإسلام من الشيوعيِّين والبعثيِّين وغيرهم، والذين توغَّلوا في عامَّة دوائر الدولة، وأكملوا لعب الكرة التي لعبها العثمانيُّون.
وحدَّثني رجل من موظَّفي دائرة الوقف الشيعي في الحلَّة أنَّه رأى مساحة الجامع قبل عمارته الأخيرة، عبارة عن مساحة تحوطها حُجَر قديمة على هيأة بيوت الدرس في المدارس الدِّينيَّة القديمة، وكذلك حدَّثني بذلك الوجيه أمجد ابن هلال بن مبارك وأنَّه رأى تلك الحُجَر فعظمت تلك المصيبة يوم هُدِّمَت تلك العمارة القديمة التابعة أصلاً للمقام من قِبَل السياسات الظالمة وجعلها محلَّات تجاريَّة، وأحسب أنَّ الحلَّة فقدت مادَّتها المعنويَّة يوم أُخِذَت تلك الأراضي المقدَّسة، كما تبع هذا الحكم حزب البعث الظالم، وأراد هدم قبر المحقِّق الحلِّي (رحمه الله) بحجَّة التوسعة، ولولا جهود الخيِّرين لهُدِّمَ كما هُدِّمَ حرم قبر الشيخ محمّد بن نما الحلِّي (رحمه الله)، وقبر السيِّد محمّد بن طاوس (رحمه الله)، وقبر السيِّد محمّد المنتجب (رحمه الله)، وغيرها من القبور بحجَّة التوسعة وتهديم المدارس الدِّينيَّة القديمة وجعلها أسواقاً كسوق الصاغة في السوق الكبير الذي كان أصله مدرسة دينيَّة ماثلة للعيان، وذلك في أواخر السبعينات الميلاديَّة وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

↑صفحة ١١٨↑

وبعد هذا التاريخ كلِّه فهذه دعوة حرَّة إلى كلِّ من يهمُّه الأمر وخاصَّةً دائرة الوقف الشيعي في التطلُّع على هذا الأمر، وخاصَّةً بعدما سهَّلنا لهم الأمر بجمع تلك الحقائق والمعلومات التي أوردنا فيها تاريخ المدرسة من خلال الكُتُب المطبوعة والمخطوطة.
أقول: ولا يتعجَّب المرء ويستغرب من قولي هذا، فسأذكر مثالاً واحداً يدلُّ على أفعال الدولة العثمانيَّة وفي الحلَّة خاصَّة، الدولة التي حاولت طمس آثارنا الشيعيَّة مدَّة أربعمائة سنة من الظلم والفقر والاضطهاد.
والمثال هذا حول المدرسة الزينبيَّة(١٣٢):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٢) أقول: قد ذُكِرَت هذه المدرسة في عدَّة مصادر بعدَّة أسماء كما يلي:
١ - المدرسة الزعيَّة. تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٠٥، ج ٢/ ص ٩٤ و٩٨).
٢ - المدرسة الشرعيَّة. تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٠٥).
٣ - المدرسة الزعنيَّة:
أ - فقهاء الحلَّة للسيِّد هادي كمال الدِّين (ج ١/ ص ٢٩٩).
ب - تتميم الرجال للسيِّد عليِّ بن عبد الحميد النيلي (المصدر السابق).
٤ - المدرسة الزينيَّة:
أ - الفوائد الرجاليَّة للسيِّد مهدي بحر العلوم (ج ٣/ ص ١٠٧).
ب - مجلَّة معهد المخطوطات العربيَّة (ج ٣/ ص ١٥٢).
٥ - المدرسة الزينبيَّة:
أ - مقدَّمة كتاب المهذَّب البارع/ تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي (ج ١/ ص ١١).
ب - تأريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٤٥).
وهذا ما اخترناه، لأنَّ هذا الاسم يوحي أنَّ المدرسة سُمّيت تبرُّكاً باسم السيِّدة زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام)، ولا وجه بتسميتها بالزعنيَّة أو الزعيَّة أو غيرها، فإنَّه تصحيف لـ (الزينبيَّة)، أو من خطأ النُّسَّاخ.

↑صفحة ١١٩↑

كانت هذه المدرسة في الحلَّة تضمُّ فئة من رجال العلم والأدب والفلسفة ولم تكن بغداد في ذلك الوقت تضاهيها من هذه الناحية فقد هاجر عنها العلماء ورجال الفكر إلى أنحاء أُخرى وكان أكبر مدرِّسي هذه المدرسة الشيخ جمال الدِّين أبو العبَّاس أحمد بن فهد الحلِّي (٨٤١هـ/ ١٧٥٧م)، وقد تخرَّج منها على يديّ ابن فهد (رحمه الله) جماعة من العلماء الأفاضل، منهم: عزُّ الدِّين المهلبي، والشيخ عبد الشفيع بن فيَّاض الأسدي الحلِّي صاحب كتاب (تحفة الطالبين في أُصول الدِّين) وكتاب (الفرائد الباهرة)، والسيِّد محمّد بن فلاح المشعشع وأضرابهم من علماء ذلك العصر.
وموقع تلك المدرسة في رأس سوق الهرج في الحلَّة وفي مدَّة حكم الوالي رؤوف باشا سنة (١٢٨٩هـ)، وتحت شعار نشر العلم (كلمة حقٍّ يُراد بها باطل)، قامت بتغيير اسم تلك المدرسة إلى المدرسة الرشيديَّة(١٣٣)، وجعل المدرسة من إنشاءات ومشاريع الدولة العثمانيَّة(١٣٤)، والحال أنَّ المدرسة الزينبيَّة من مدارس الحلَّة إبَّان نهضتها في القرون الوسطى، وآثارها إلى الآن باقية في عصرنا فمن خلال قلمنا هذا ندعو دائرة الآثار ودائرة الوقف الشيعي للاطِّلاع على هذا الأمر.
ملاحظة: كان الحديث عن المدرسة الزينبيَّة في الحلَّة في هذا الباب لسببين:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٣) أقول: إنَّ الظاهر اسم المدرسة (الرشديَّة) وليس (الرشيديَّة)، وذلك لما أحصيته من ذكر هذا الاسم على ثلاث مدارس في بغداد في تلك الفترة راجع: كتاب بغداد القديمة لعبد الكريم العلَّاف (ص ٢٥ و٢٦)، ومؤلِّف هذا الكتاب كان حيًّا في تلك الفترة.
(١٣٤) اُنظر: تاريخ الحلَّة (ج ١/ ص ١٤٥).

↑صفحة ١٢٠↑

أوَّلهما: الدعوة إلى إحياء ذكر تلك المدرسة التاريخيَّة والاهتمام بالمدارس العلميَّة وملاحظة طمس الآثار الشيعيَّة من قِبَل السياسات الحاكمة.
وثانيهما: حتَّى لا يشتبه الأمر على المتتبِّع لآثار مدرسة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) الواقعة جوار المقام في سوق الصفَّارين بالقرب من سوق الهرج فإنَّ آثار المدرسة الزينبيَّة (الرشديَّة) الآن في نهاية سوق الهرج كما صرَّح به صاحب كتاب تاريخ الحلَّة (الشيخ يوسف كركوش).

* * *

↑صفحة ١٢١↑

الباب الثامن: في ذكر سدنة وأوقاف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة

↑صفحة ١٢٣↑

الأمر الأوَّل: في ذكر سدنة المقام:
اهتمَّ الشيعة الإماميَّة بمشاهد العترة الطاهرة فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة إليهم بالعمارة بعد العمارة وفي كلِّ مشهد من تلك المشاهد المعظَّمة وضعوا طائفة وظيفتها أنْ تهتمَّ بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها واحترام زائريها وتقديم الخدمات لهم وسمُّوا تلك الطائفة بـ (السدنة).
ومن تلك المشاهد مشهد صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة فإنَّ مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة، لكن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء من تلك الطائفة إلَّا ما وجدته من اسم واحد وبيت واحد وهو بيت (آل القيِّم) وأكرم به من بيت فبخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي وقد نال هذا البيت الحظَّ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تُقدَّر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر يستلمها خلف عن سلف وكابر عن كابر فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني (رحمه الله) في كتابه (شعراء الحلَّة) قائلاً:
(إنَّ صاحب كتاب (ديوان القيِّم) الذي جمعه الشيخ محمّد عليّ اليعقوبي (رحمه الله) هو حسن بن الملَّا محمّد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، وكان جدُّه هذا سادناً على مقام الغيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب، ومن هنا جاءهم لقب (القيِّم)، وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويِّين في العراق (٩٣٠ - ١١٢٠هـ)، وهم حتَّى اليوم

↑صفحة ١٢٥↑

يستغلُّون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلَّة وُلِدَ المترجَم له أي الشاعر سنة (١٢٧٦هـ)(١٣٥).
أقول: ربَّما أنَّ أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلَّة هي ممَّا وقفه الحُكَّام الصفويُّون للمقام الشريف وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.
ومن ثَمَّ انتقلت السدانة إلى بيت آخر من بيوتات الحلَّة ولمدَّة قصيرة ومن بعد تحوَّلت إلى بيت آخر ثالث يُدعى بـ (آل الصفَّار)، وكان السادن الأوَّل منهم الحاجّ حميد حسين الظاهر الصفَّار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود، وكان معروفاً بتديُّنه وورعه، وتُوفِّي هذا السادن سنة (١٤٠٨هـ)، ثمّ استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد عليّ اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأُخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللَّائق وببعض جهود الخيِّرين (دامت توفيقاتهم).
وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفَّار عن كرامة رآها بأُمِّ عينيه أحببت تدوينها هنا، وهي من إملائه عليَّ، قال:
في سنة (١٤٠٨ هـ/ ١٩٨٨م) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام، وهي: كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السنِّ، وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود (أبو إبراهيم الصفَّار)، أُمِرَ هذا الرجل من قِبَل سدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدَّة بفتح وغلق باب المقام،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٥) اُنظر: شعراء الحلَّة (ج ١/ ق ١/ ص ٥٠) بتصرُّف. وذكر لي بعض أهل العلم الثقات أنَّه سأل الحاجَّ خليلاً القيِّم حفيد الحاجِّ حسن القيِّم المذكور عن نسبهم، فأجابه أنَّهم ينتمون إلى بني أسد.

↑صفحة ١٢٦↑

وعندما أغلق الباب ليلة الجمعة أغفل أمراً مهمًّا، وهو أنَّ بعضاً من النساء وضعن بعض الشموع ومباشرةً على كرسي خشب قديم كان داخل المقام، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون (البلاستك)، لأنَّ الموسم كان صيفاً، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وُضِعَت على الكرسي مباشرةً، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام، فوجد أمراً عجيباً قد حدث! وهو أنَّ الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبقَ إلَّا رماد، ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم، والحصير لم يحترق، فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة، وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرُّك، فببركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير، ولو احترق الحصير لحرق المقام بأكمله، لكن أبى الله إلَّا أنْ يُتِمَّ نوره ولو كره المشركون.
أقول: لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الإلهي، تواضعاً منه لذلك النور المقدَّس، فخمدت تلك النيران ببركات يمن وجوده (عجَّل الله فرجه)، كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جدِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الأمر الثاني: في ذكر الأوقاف الخاصَّة بالمقام:
دأبت الشيعة الإماميَّة (أنار الله برهانهم) بجعل وقف من الأراضي أو المشاريع الخيريَّة، وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير، وقد قدَّمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلَّة التي من المحتمل أنْ تكون خاصَّة بهذا المقام والآن نأتي على ما تبقَّى من الذكر.
أقول: إنَّني زرت في سنة (١٤٢٥هـ) دائرة الوقف الشيعي في الحلَّة، فعثرت في طيَّات مخزوناتها على أوراق عثمانيَّة يُدَّعى فيها وجود مقام للإمام

↑صفحة ١٢٧↑

المهدي (عجَّل الله فرجه) في منطقة المدحتيَّة التابعة للحلَّة، ورقم المقاطعة المدَّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة (١١٤ و١١) أو (١٤ و١٥) العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي/ مدحتيَّة.
كما عثرت في أوراق عثمانيَّة أُخرى على ادِّعاء وجود مقام آخر للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في قضاء الكفل التابع للحلَّة، ورقم المقاطعة المدَّعى فيها وجود هذا المقام هو (٥ و٦م ٢) هور الشوك/ كفل جار ابن الجباوي.
والذي أعتقده أنَّ الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، لعدم وجود عين ولا أثر لهما، ولو كان لهما وجود لما طُمِسَت آثارهما ودُرِسَت معالمهما، وأغلب الظنِّ أنَّهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه. وقد لا يبعد أنْ يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانيَّة المتعصِّبة على الشيعة تعصُّباً لا هوادة فيه، (وتوظيفاً) لهذا التعصُّب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل.

* * *

↑صفحة ١٢٨↑

الباب التاسع: في موقع ووصف مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة

↑صفحة ١٢٩↑

يقع المقام في مركز مدينة الحلَّة السيفيَّة، في منطقة تُدعى (السنيَّة)، وفي سوق الصفَّارين، على يمين الداخل إلى هذا السوق، ويقع على يسار الداخل للسوق الكبير، وخلف جامع الحلَّة الكبير بالضبط.
والمشهور عند أهل الحلَّة (مقام الغيبة) مشتقَّة من الغائب الذي هو اسم من أسمائه (عجَّل الله فرجه).
وفي يوم (٢) من شهر ربيع الأوَّل من سنة (١٤٢٥هـ) تشرَّفت بزيارة المقام، كما كنت أتردَّد عليه كثيراً، وخاصَّة عند نزولي في الحلَّة، وهي البلدة التي وُلِدْتُ فيها في سنة (١٣٩١هـ)، في منزل يقع بالقرب من قبر المحقِّق الحلِّي صاحب كتاب (شرائع الإسلام)، ثمّ انتقلت إلى الأرض المقدَّسة التي حوت جسد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعشت بجواره متنعِّماً مدَّة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلَّة أوائل عمري.
وعوداً إلى بدء أقول: إنَّ المقام يطلُّ على السوق بمساحة قدرها (٩.٥م)، والمساحة الكلّية للمقام بنحو (٣٥ م٢)، ويتوسَّط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه (٢م)، ويعلو الباب شعر يُؤرِّخ عمارة السيِّد القزويني (١٣١٧هـ)، ويعلو واجهة المقام آية التطهير جُدِّدت عام (١٤٢٢هـ)، وزيارة مختصرة للإمام (عجَّل الله فرجه)، وزُيِّنت واجهة المقام بالزخارف الإسلاميَّة، ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء.
وعند الدخول للمقام ترى أمامك شبَّاك مصنوع من خشب الساج،

↑صفحة ١٣١↑

علوُّه (١.٧٥م)، وعرضه (١م)، تعلوه زيارة للإمام (عجَّل الله فرجه)، وهي الزيارة المعروفة بـ «السلام على الحقِّ الجديد»(١٣٦)، كُتِبَت بالقاشي الأزرق.
وعند توجُّهك إلى جهة القبلة يكون الشبَّاك خلفك، وباب المقام أمامك، وكُتِبَ على لوح فوق الباب من الداخل شعر يُؤرِّخ العمارة الأخيرة، وهي في سنة (١٤٢٢هـ)، ثمّ يعلو الباب الدعاء المعروف: «يا من أظهر الجميل» (دعاء أهل البيت المعمور)، وعليه تأريخ كتابته عام (١٤١٧هـ/ ١٩٩٦م)، وكُتِبَ بالقاشي الأزرق.
والقبَّة من الداخل مزيَّنة، وكُتِبَ فيها آية النور وأسماء أهل البيت (عليهم السلام)، يعلوها لفظ الجلالة، وتتوسَّطها ثريَّا جميلة وفاخرة.
وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبَّة الشريفة السامية المنيفة، فرأيتها قد جُدِّد تغليفها حديثاً، وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين (عليهم السلام)، وهي شامخة ظاهرة للعيان من بُعد.
ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام ودائرة الوقف الشيعي والإخوة المؤمنين والمؤسَّسات الخيريَّة الذين يريدون أنْ يُعظِّموا شعائر الله أنْ يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا يتجاوز مساحته سوى (٣٥ م٢)، وذكرنا أنَّ المقام كان أوسع بكثير ولكن...، فإنَّ مساحته لا تليق وعمره التأريخي، وذلك بضمِّ بعض المحلَّات إلى مساحته حتَّى تشملهم رعاية الإمام (عجَّل الله فرجه) ولطفه.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٦) هذه الزيارة موجودة في كتاب (مفاتيح الجنان)، وهي زيارة مطلقة يزار بها في كلِّ الأزمنة والأمكنة، نقلها السيِّد ابن طاوس في كتابه (مصباح الزائر)، ولم أوردها هنا خوف الإطالة.

↑صفحة ١٣٢↑

الباب العاشر: في ذكر عدَّة أُمور تتعلَّق بزيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام

↑صفحة ١٣٣↑

الأمر الأوَّل: في أنَّ هذا المقام بيت من بيوت الله تعالى يجب تعظيمه:
قال المحدِّث النوري (رحمه الله): (وليس خفيًّا أنَّ من جملة الأماكن المختصَّة المعروفة بمقامه (صلوات الله عليه) مثل: وادي السلام، ومسجد السهلة، والحلَّة ومسجد جمكران في خارج قم وغيرها والظاهر أنَّه تشرَّف في تلك المواضع بعض من رآه (أرواحنا فداه) أو ظهرت هناك معجزة، ولهذا دخلت في الأماكن الشريفة المباركة وأنَّ هناك محلَّ أُنس وهبوط الملائكة وقلَّة الشياطين وهي أحد الأسباب المقرِّبة لإجابة الدعاء وقبول العبادة.
وجاء في بعض الأخبار: أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يُحِبُّ أنْ يُعبَد في الأماكن التي هي أمثال هذه الأماكن، مثل المساجد ومشاهد الأئمَّة (عليهم السلام) ومقابر أولاد الأئمَّة والصالحين والأبرار في أطراف البلاد وهي من الألطاف العينيَّة (الغيبيَّة خ. ل) الإلهيَّة للعباد الضالِّين والمضطرِّين والمرضى والمستدينين والمظلومين والخائفين والمحتاجين ونظائرهم من أصحاب الهموم وموزِّعي القلوب ومشتِّتي الظاهر ومختلِّي الحواسِّ فإنَّهم يلجئون إلى هناك ويتضرَّعون ويتوسَّلون إلى الله (عزَّ وجلَّ) بصاحب ذلك المقام ويطلبون علاج أوجاعهم وشفاءهم ودفع شرِّ الأشرار، وكثيراً ما يُجابون فيعود الذي ذهب إلى هنا مريضاً مشافياً ويذهب المظلوم فيرجع بظلامته ويذهب المضطرب

↑صفحة ١٣٥↑

فيرجع هادئ البال وبالطبع فكلَّما يسعى أنْ يكون هناك أكثر أدباً واحتراماً فسوى يرى خيراً أكثر.
ويحتمل أنَّ جميع تلك المواضع داخلة في جملة بيوت الله تعالى التي أمر أنْ تُرفَع ويُذكَر فيها اسم الله (عزَّ وجلَّ)، ومدح من سبَّح الحقِّ تعالى بكرةً وأصيلاً، ولا يسع المقام تفصيلاً أكثر من هذا)(١٣٧).
الأمر الثاني: في استحباب زيارة مولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في كلِّ زمان ومكان:
قال العلَّامة المجلسي (رحمة الله عليه): (اعلم أنَّه يُستحَبُّ زيارته (صلوات الله عليه) في كلِّ مكانٍ وزمانٍ وفي السرداب المقدَّس وعند قبور أجداده الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) أفضل وفي الأزمنة الشريفة لاسيّما ليلة ميلاده وهي النصف من شعبان على الأصحّ وليلة القدر التي تنزل عليه فيها الملائكة والروح أنسب)(١٣٨).
نذكر الآن رواية يُستفاد منها هذا المطلب:
روى سليمان بن عيسى عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف أزورك إذا لم أقدر على ذلك؟
قال: قال لي: «يا عيسى إذا لم تقدر على المجيء فإذا كان يوم الجمعة فاغتسل أو توضَّأ واصعد إلى سطحك وصلِّ ركعتين وتوجَّه نحوي فإنَّه من زارني في حياتي فقد زارني في مماتي ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٧) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٣٩).
(١٣٨) اُنظر: بحار الأنوار (ج ١٠٢/ ص ١١٩).

↑صفحة ١٣٦↑

بيان: هذا الخبر يدلُّ على أنَّ زيارة الإمام الحيِّ أيضاً تجوز بهذا الوجه فهذا مستند لزيارة القائم (صلوات الله عليه) في أيِّ مكانٍ أراد(١٣٩).
وقال الشيخ الجليل تقي الدِّين إبراهيم الكفعمي: (يُستحَبُّ زيارة المهدي (عليه السلام) في كلِّ مكانٍ وزمانٍ والدعاء بتعجيل فرجه (صلوات الله عليه) عند زيارته)(١٤٠).
الأمر الثالث: في استحباب زيارته (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام ليلة الجمعة ويومها:
أقول: روي لنا - كما نقلناه في الباب الثاني من كتابنا هذا - عن ابن أبي الجواد النعماني ما مضمونه: أنَّ الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) موجود في هذا المقام ليلة الجمعة ويوم الجمعة.
وليعلم القارئ العزيز أنَّ يوم الجمعة هو أصلاً يومه وباسمه ويُستحَبُّ فيه زيارته، إذ هو اليوم المتوقَّع فيه ظهوره فلا بأس بأنْ يُزار الإمام (عجَّل الله فرجه) بما يُزار به يوم الجمعة، وهي:
«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ اللهِ فِي خَلْقِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ الَّذِي يَهْتَدِي بِهِ المُهتَدونَ، وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ المُؤْمِنِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّها المُهَذَّبُ الخَائِفُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّها الوَليُّ النَّاصِحُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَفِينَةَ النَّجَاةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا عَيْنَ الحَيَاةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، السَّلَامُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٩) اُنظر: بحار الأنوار (ج ١٠١/ ص ٣٦٦).
(١٤٠) اُنظر: البلد الأمين (ص ٤٣٢).

↑صفحة ١٣٧↑

عَلَيْكَ، عَجَّلَ اللهُ لَكَ مَا وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الْأمْرِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ، أَنا مَوْلَاكَ عَارِفٌ بِأُولَاكَ وأُخْرَاكَ، أَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ تَعَالَى بِكَ وَبِآلِ بَيْتِكَ، وَأَنْتَظِرُ ظُهُورَكَ وَظُهُورَ الحَقِّ عَلَى يَدَيْكَ، وَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مِنَ المُنْتَظِرِينَ لَكَ، وَالتَّابِعِينَ وَالنَّاصِرِينَ لَكَ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْكَ فِي جُمْلَةِ أَوْلِيَائِكَ، يَا مَوْلَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمانِ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ بَيْتِكَ، هَذَا يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَهُوَ يَوْمُكَ المُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ، وَالْفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى يَدَيْكَ، وَقَتْلُ الْكَافِرِينَ بِسَيْفِكَ، وَأَنَا يَا مَوْلَايَ فِيهِ ضَيْفُكَ وَجَارُكَ، وَأَنْتَ يَا مَولَايَ كَرِيمٌ مِنْ أَوْلَادِ الْكِرَامِ، وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَأَضِفْنِي وَأَجِرْنِي، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ الطَّاهِرِينَ».
قال السيِّد الأجلُّ رضي الدِّين عليُّ بن طاوس: وأنا أتمثَّل بعد هذه الزيارة بهذا الشعر وأُشير إليه (عليه السلام) وأقول:

نزيلك حيث ما اتَّجهت ركابي * * * وضيفك حيث كنت من البلاد(١٤١)

الأمر الرابع: في زيارة خاصَّة للإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام:
أقول: نقل ابن أبي الجواد النعماني زيارة خاصَّة لهذا المقام، وهي ممَّا رواه عنه (عجَّل الله فرجه).
قال الإمام القائم (عجَّل الله فرجه): «وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدَّب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤١) اُنظر: مفاتيح الجنان (ص ١٤٣).

↑صفحة ١٣٨↑

ويُسلِّم عليَّ وعلى الأئمَّة، وصلَّى عليَّ وعليهم اثني عشر(١٤٢) مرَّة، ثمّ صلَّى ركعتين بسورتين وناجى الله بهذا المناجاة إلَّا أعطاه الله تعالى ما يسأله، أحدها المغفرة».
فقال النعماني: يا مولاي، علِّمني ذلك (أي المناجاة).
فقال: «قل: اللَّهُمَّ قد أخذ التأديب منِّي حتَّى مسَّني الضرُّ وأنت أرحم الراحمين، وإنْ كان ما اقترفته من الذنوب أستحقُّ به أضعاف ما أدَّبتني به، وأنت حليم ذو أناة، تعفو عن كثير حتَّى يسبق عفوك ورحمتك عذابك»(١٤٣).
الأمر الخامس: في علَّة اشتهار زيارته (عجَّل الله فرجه) في مقاماته المنسوبة إليه في ليلة الأربعاء:
أقول: لم أجد رواية صريحة تنصُّ على استحباب زيارته (عجَّل الله فرجه) في ليلة الأربعاء خاصَّة سوى قول السيِّد ابن طاوس (رحمه الله) في (مصباح الزائر)، قال: (إذا أردت أنْ تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء وهو أفضل من غيره)(١٤٤).
ولعلَّ اشتهار زيارة أوليائه من شيعته ومحبِّيه في تلك الليلة أصلها من هذا القول وذلك لمنزلة القائل به عندهم (حفظهم الله وأيَّدهم).
ومن عادة أهل الحلَّة النجباء أنَّهم خصَّصوا يوم الثلاثاء بأكمله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٢) هكذا ورد في أصل المطبوع، والأصحّ: (اثنتي عشرة).
(١٤٣) اُنظر: رياض العلماء، عن النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٣٨).
(١٤٤) اُنظر: مصباح الزائر (ص ٥٤).

↑صفحة ١٣٩↑

للنساء فقط فهنَّ يجتمعن في هذا المقام الشريف وفي هذا اليوم لبثِّ شكواهنَّ إلى إمام زمانهنَّ (عجَّل الله فرجه).
الأمر السادس: في تأكيد الدعاء بالفرج لإمامنا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام:
قال الميرزا محمّد تقي الأصفهاني (رحمه الله) في كتابه (مكيال المكارم) عند ذكر الأمكنة التي يتأكَّد فيها الدعاء له (عجَّل الله فرجه): (ومنها: المقامات المنسوبة إليه ومشاهده ومواقفه المباركة بيمن وقوفه (عليه السلام) فيها كمسجد الكوفة ومسجد السهلة ومسجد صعصعة ومسجد جمكران وغيرها لأنَّ عادة أهل المودَّة جارية على أنَّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكَّروا أخلاقه وتألَّموا لفراقه ودعوا في حقِّه بل يأنسون بمواقفه ومنزله حبًّا له كما قيل:

أمرُّ على الديار ديار ليلى * * * أُقبِّل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الديار شغفن قلبي * * * ولكن حبّ من سكن الديارا

وقيل أيضاً في هذا المعنى:

ومن مذهبي حبُّ الديار لأهلها * * * وللناس فيما يعشقون مذاهب

فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة(١٤٥) أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرَّفة أنْ يتذكَّر صفات مولاه من صفات الجمال والجلال والكمال وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال ويتفجَّع غاية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٥) هكذا ورد في المطبوع من كتاب مكيال المكارم (ط ٤)، والأصحّ: (المبارك).

↑صفحة ١٤٠↑

التفجُّع من تصوُّر تلك الأحوال ويسأل من القادر المتعال أنْ يُسهِّل فرج مولاه ويُعطيه ما يتمنَّاه من دفع الأعداء ونصر الأولياء.
هذا مضافاً إلى أنَّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه (عليه السلام).
فينبغي للمؤمن المحبِّ التأسِّي به في ذلك فإنَّ الدعاء بتعجيل فرجه وكشف الكرب عن وجهه من أفضل العبادات وأهمّ الدعوات)(١٤٦).
الأمر السابع: في سرعة إجابة الدعاء في هذا المقام الشريف:
سألت أحد المجاورين للمقام وهو السيِّد عصام الحسيني السويدي: هل من كرامة رأيتها بالعيان حتَّى أُدوِّنها؟
قال: لم أرَ بالعيان ولكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدلُّ على سرعة الإجابة فيه وحدوثها عاجلة وهي ممَّا جُرِّب كثيراً.
أقول وأنا الفقير: إنَّ أهل الحلَّة يعتقدون اعتقاداً شديداً بهذا المقام وصاحبه (عجَّل الله فرجه) ولذلك يتوافدون عليه بكثرة وإنَّني ما زرت هذا المقام ووجدته فارغاً قطُّ حتَّى في وقت الظهيرة وحتَّى في أثناء عمارته وبدون انقطاع.
ومن عادة أهل الحلَّة من رجال ونساء أنْ يُفرِّقوا بعض الحلوى في المقام الشريف بعد إجابة دعواتهم حتَّى إنِّي في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوى التي تُفرَّق على زائري المقام الشريف.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٦) اُنظر: مكيال المكارم (ج ٢/ ص ٦٤).

↑صفحة ١٤١↑

الباب الحادي عشر: في ذكر من شاهد الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) من أهل الحلَّة

↑صفحة ١٤٣↑

ورد في سِيَر كثير من أعلام الشيعة الإماميَّة (أنار الله برهانهم) أنَّهم تشرَّفوا بلقاء الإمام الحجَّة المهدي (عجَّل الله فرجه)، وقد دوَّن بعض العلماء الأعلام كالعلَّامة المجلسي (رحمه الله) والميرزا النوري (رحمه الله) في كُتُبهم تلك اللقاءات، وكان لعلماء مدينة الحلَّة من ذلك نصيب موفور وحظٌّ غير منقوص، ويمكن أنْ يستأنس أنَّ لقاء بعضهم وتشرُّفه به (عجَّل الله فرجه) في هذا المقام فاتَّصل خبر هذا اللقاء المبارك وهذا لا يمنع أنْ يكون الإمام (عجَّل الله فرجه) قد شرَّف هذا الموضع قبل هؤلاء الأجلَّاء وأنَّ الله تعالى جعل لهذا الموضع من القدسيَّة ما خصَّه بكثرة وجوده فيه ومعلوم أنَّ الله خصَّ بعض الأمكنة كما خصَّ بعض الأزمنة بخصائص تشريف وتعظيم فكان من موارد هذا التشريف والتعظيم هو هذا الموضع المبارك الشريف وقد حفظ لنا التاريخ أسماء جماعة من أعاظم علماء الحلَّة ولقد أسلفنا ذكر ثلاثة منهم في الباب الثالث من كتابنا هذا، وهم:
١ - أبو راجح الحمَّامي، (صاحب الحمَّام العمومي في الحلَّة).
٢ - وأُمُّ عثمان، (المرأة التي كُشِفَ بصرها برؤية طلعته المباركة).
٣ - والشيخ جمال الدِّين الزهدري، (الذي شفي من الفالج ببركة يده (عجَّل الله فرجه)).
والآن نأتي على من لم نذكرهم، وهم (وذكرهم في هذا الباب حسب التسلسل التاريخي):

↑صفحة ١٤٥↑

١ - السيِّد رضي الدِّين محمّد بن محمّد الآوي الحسيني (رحمه الله) (ت ٦٥٤هـ):
وأمَّا حكاية لقائه على ما نقله العلَّامة الحلِّي (رحمه الله) في كتاب (منهاج الصلاح)، قال:
نوع آخر من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدِّين يوسف ابن عليِّ بن المطهَّر (رحمه الله)، عن السيِّد رضي الدِّين الآوي الحسيني (رحمه الله)، عن صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه)، وهو:
أنْ يقرأ فاتحة الكتاب عشر مرَّات وأقلُّه ثلاث مرَّات والأدون منه مرَّة ثمّ يقرأ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ عشر مرَّات ثمّ يقرأ هذا الدعاء ثلاث مرَّات:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ لِعِلْمِكَ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَأَسْتَشِيرُكَ لِحُسْنِ ظَنِّي بِكَ فِي المَأْمُولِ وَالمَحْذُورِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ قَدْ نِيطَتْ بِالْبَرَكَةِ أَعْجَازُهُ وَبَوَادِيهِ، وَحُفَّتْ بِالْكَرَامَةِ أَيَّامُهُ وَلَيَالِيهِ، فَخِرْ لِي خِيَرَةً درك شَمُوسهُ ذَلُولاً، وَتقعص أَيَّامهُ سُرُوراً، اللَّهُمَّ إِمَّا أَمْرٌ فَأَأْتَمِرُ، وَإِمَّا نَهْيٌ فَأَنْتَهِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِرَحْمَتِكَ خِيَرَةً فِي عَافِيَةٍ».
ثمّ يقبض على قطعة من السبحة ويضمر حاجته ويُخرج إنْ كان عدد تلك القطعة زوجاً فهو: افعل وإنْ كان فرداً: لا تفعل أو بالعكس(١٤٧).
وقد نقل العلَّامة النوري (رحمه الله) لقاءً ثانياً لهذا السيِّد الآوي، نقل فيه السيِّد دعاء العبرات المشهور، ولم أنقله هنا خوفاً من الإطالة، ومن أراده

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٧) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٢٦)، وقد نقل الشهيد الأوَّل في الذكرى هذه الاستخارة عن السيِّد.

↑صفحة ١٤٦↑

فليراجع: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٢٧)، جنَّة المأوى (ص ٢٢١) كما نقل السيِّد رضي الدِّين ابن طاوس هذا الدعاء عن السيِّد نفسه في كتاب (مهج الدعوات).
٢ - السيِّد الأجلُّ صاحب الكرامات الباهرات السيِّد عليُّ بن موسى بن جعفر بن طاوس (ت ٦٦٤ هـ):
وقد صرَّح في مطاوي كُتُبه بتلك اللقاءات، ومن خلال فقرات من كتابه (كشف المحجَّة لثمرة المهجة) الذي كتبه لولده وكان عمره حينئذٍ سبع سنين استدلَّ شيخنا الميرزا حسين النوري (رحمه الله) صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) أنَّ باب لقائه إيَّاه (صلوات الله عليه) كان مفتوحاً دائماً وأبداً له.
قال العلَّامة الحلِّي في حقِّه في إجازته الكبيرة: (وكان رضي الدِّين عليٌّ (رحمه الله) صاحب كرامات، حكى لي بعضها، وروى لي والدي (رحمة الله عليه) البعض الآخر، وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه).
ولقد نقل العلَّامة النوري لهذا السيِّد عدَّة لقاءات، وسوف نذكر هنا لقاءين:
اللقاء الأوَّل: قال السيِّد الجليل القدر عليُّ بن طاوس في كتاب (مهج الدعوات): (وكنت أنا بسُرَّ من رأى، فسمعت سحراً دعاءه (عليه السلام)، فحفظت منه (عليه السلام) من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات: «وأبقهم - أو قال: وأحيهم - في عزِّنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا»، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستّمائة)(١٤٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٨) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٢٠).

↑صفحة ١٤٧↑

اللقاء الثاني: وذكر في ملحقات كتاب (أنيس العابدين) أنَّه نُقِلَ عن ابن طاوس (رحمه الله) أنَّه سمع سحراً في السرداب عن صاحب الأمر (عليه السلام) أنَّه يقول: «اللَّهُمَّ إنَّ شيعتنا خُلِقَت من شعاع أنوارنا وبقيَّة طينتنا، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتِّكالاً على حبِّنا وولايتنا، فإنْ كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خُمُسنا، وأدخلهم الجنَّة وزحزحهم عن النار، ولا تجمع بينهم وبين أعدائهم في سخطك»(١٤٩).
٣ - رجل اسمه عبد المحسن:
وهو من الزاهدين العابدين المتمسِّكين بحبل ولائه (عجَّل الله فرجه)، وأرسل الإمام (عجَّل الله فرجه) على يديه رسالة خاصَّة إلى السيِّد ابن طاوس.
وأمَّا حكاية لقائه بالإمام فلقد أوردها العلَّامة النوري في كُتُبه، ونحن نتبرَّك بذكرها (والكلام للسيِّد ابن طاوس):
... وتوجَّهنا من هناك لزيارة أوَّل رجب بالحلَّة، فوصلنا ليلة الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة، فعرَّفني حسن بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أنَّ شخصاً يقال له: عبد المحسن، من أهل السواد(١٥٠) قد حضر بالحلَّة، وذكر أنَّه قد لقيه مولانا المهدي (صلوات الله عليه) ظاهراً في اليقظة، وقد أرسله إلى عندي برسالة، فنفذت قاصداً وهو محفوظ بن قرا، فحضر ليلة السبت ثامن عشر من جمادى الآخرة المقدَّم ذكرها، فخلوت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٩) اُنظر: المصدر السابق.

(١٥٠) قال المؤلِّف (رحمه الله): يعني قرى العراق.

↑صفحة ١٤٨↑

بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته هو رجل صالح، لا يشكُّ النفس في حديثه، ومستغنٍ عنَّا، وسألته فذكر أنَّ أصله من حصن بشر، وأنَّه انتقل إلى الدولاب الذي بإزاء المحولة المعروفة بالمجاهديَّة، ويُعرَف الدولاب بابن أبي الحسن، وأنَّه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع، ولكنَّه تاجر في شراء غليلات وغيرها، وأنَّه كان قد ابتاع غلَّة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعيديَّة في المواضع المعروفة بالمحبر.
فلمَّا كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيديَّة، فخرج فقصد النهر، والنهر في جهة المشرق، فما أحسَّ بنفسه إلَّا وهو في تلِّ السلام في طريق مشهد الحسين (عليه السلام) في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادى الآخرة من سنة إحدى وأربعين وستّمائة التي تقدَّم شرح بعض ما تفضَّل الله عليَّ فيها وفي نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
فجلست أريق ماءً، وإذا فارس عندي ما سمعت له حسًّا ولا وجدت لفرسه حركةً ولا صوتاً، وكان القمر طالعاً، ولكن كان الضباب كثيراً.
فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صداءً(١٥١)، وعليه ثياب بيض، وهو متحنِّك بعمامة، ومتقلِّد بسيف.
فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: «كيف وقت الناس؟».
قال عبد المحسن: فظننت أنَّه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت: الدنيا عليه(١٥٢) ضباب وغبرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥١) أي أحمر غامق مائل للسواد.
(١٥٢) كذا ورد في المطبوع، والأصحّ: (عليها).

↑صفحة ١٤٩↑

فقال: «ما سألتك عن هذا، أنا سألتك عن حال الناس».
قال: فقلت: الناس طيِّبين مرخَّصين آمنين(١٥٣) في أوطانهم وعلى أموالهم.
فقال: «تمضي إلى ابن طاوس، وتقول له كذا وكذا»، وذكر لي ما قال (صلوات الله عليه)، ثمّ قال عنه (عليه السلام): «فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا».
قال عبد المحسن: فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنَّه مولانا صاحب الزمان (عليه السلام)، فوقعت على وجهي، وبقيت كذلك مغشيًّا عليَّ إلى أنْ طلع الصبح.
قلت له: فمن أين عرفت أنَّه قصد ابن طاوس عنِّي؟
قال: ما أعرف من بني طاوس إلَّا أنت، وما في قلبي إلَّا أنَّه قصد بالرسالة إليك.
قلت: أيّ شيء فهمت بقوله (عليه السلام): «فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا»؟ هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره (صلوات الله وسلامه عليه)؟
فقال: بل قد دنا وقت ظهوره (صلوات الله عليه).
قال: فتوجَّهت ذلك الوقت إلى مشهد الحسين (عليه السلام)، وعزمت أنَّني ألزم بيتي مدَّة حياتي أعبد الله تعالى، وندمت كيف ما سألته (صلوات لله عليه) عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها.
قلت له: هل عرَّفت بذلك أحداً؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٣) هكذا ورد في النصِّ، والأصحّ بالرفع، أي (طيِّبون مرخَّصون آمنون).

↑صفحة ١٥٠↑

قال: نعم، عرَّفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيديَّة، وتوهَّموا أنِّي قد ظللت وهلكت بتأخيري عنهم، واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنَّهم كانوا يروني طول ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه (عليه السلام).
فوصَّيته أنْ لا يقول ذلك لأحد أبداً، وعرضت عليه شيئاً، فقال: أنا مستغنٍ عن الناس وبخير كثير.
فقمت أنا وهو، فلمَّا قام عنِّي نفذت له غطاءً، وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي هي مسكني الآن بالحلَّة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن(١٥٤) في خلوة، فنزلت لأنام، فسألت الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا.
فرأيت كأنَّ مولانا الصادق (عليه السلام) قد جاءني بهديَّة عظيمة، وهي عندي، وكأنَّني ما أعرف قدرها، فاستيقظت وحمدت الله، وصعدت الروشن لصلاة نافلة الليل وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادى الآخرة، فأصعد فتح(١٥٥) الإبريق إلى عندي، فمددت يدي، فلزمت عروته لأفرغ على كفِّي، فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عنِّي ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة.
فقلت: لعلَّ الماء نجس فأراد الله أنْ يصونني عنه فإنَّ لله (عزَّ وجلَّ) عليَّ عوائد كثيرة أحدها مثل هذا وأعرفها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٤) الروشن: الكوة.
(١٥٥) فتح: اسم غلامه.

↑صفحة ١٥١↑

فناديت إلى فتح، وقلت: من أين ملأت الإبريق؟
فقال: من المصبَّة.
فقلت: هذا لعلَّه نجس فاقلبه وطهِّره(١٥٦) واملأه من الشطِّ.
فمضى وقلبه وأنا أسمع صوت الإبريق وشطفه، وملأه من الشطِّ، وجاء به، فلزمت عروته وشرعت أُقلب منه على كفِّي، فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عنِّي ومنعني منه.
فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الإبريق، وجرى مثل ذلك، فعرفت أنَّ هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، وقلت في خاطري: لعلَّ الله يريد أنْ يجري عليَّ حكماً وابتلاءً غداً، ولا يريد أنْ أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك.
فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي (يعني عبد المحسن الذي جاء بالرسالة): كان ينبغي أنْ تمشي بين يديه.
فاستيقظت ووقع في خاطري أنَّني قد قصَّرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلى الله (جلَّ جلاله)، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يُمسَك أبداً فم الإبريق وتُرِكْتُ على عادتي، فتطهَّرت وصلَّيت ركعتين، فطلع الفجر، فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنَّني ما قمت بحقِّ هذه الرسالة، فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن وتلقَّيته وأكرمته، وأخذت له من خاصَّتي ستَّة دنانير ومن غير خاصَّتي خمسة عشر ديناراً ممَّا كنت أحكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٦) قال المؤلِّف (رحمه الله): في نسخة الفاضل الهندي: فاشطفه، وهي الأصحّ لغةً، وبقرينة ما يأتي.

↑صفحة ١٥٢↑

فيه كمالي، وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه، فامتنع من قبول شيء أصلاً.
وقال: إنَّ معي مائة دينار، وما آخذ شيئاً، اعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع.
فقلت: إنَّ رسول مثله (عليه الصلاة والسلام) يُعطى لأجل الإكرام لمن أرسله لا لأجل فقره وغناه، فامتنع.
فقلت له: (مبارك) أمَّا الخمسة عشر فهي من غير خاصَّتي، فلا أُكرهك على قبولها، وأمَّا هذه الستَّة دنانير فهي من خاصَّتي فلا بدَّ أنْ تقبلها منِّي.
فكاد أنْ يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها وعاد تركها، فألزمته فأخذها، وتغدَّيت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما أُمرت في المنام إلى ظاهر الدار، وأوصيته بالكتمان، والحمد لله، وصلَّى الله على سيِّد المرسَلين محمّد وآله الطاهرين(١٥٧).
٤ - إسماعيل بن الحسن الهرقلي(١٥٨):
وأمَّا حكاية لقائه بالإمام (عجَّل الله فرجه) نقلاً عن كتاب (كشف الغمَّة)، قال العالم الفاضل عليُّ بن عيسى الإربلي:
... وحدَّثني بهما جماعة من ثقات إخواني، كان في البلاد الحلّيَّة شخص يقال له: إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها: هرقل، مات في زماني

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٧) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ١٠٥).
(١٥٨) هرقل: قرية من قرى الحلَّة.

↑صفحة ١٥٣↑

وما رأيته، حكى لي ولده شمس الدِّين، قال: حكى لي والدي أنَّه خرج فيه (وهو شباب) على فخذه الأيسر توثة(١٥٩) مقدار قبضة الإنسان، وكانت في كلِّ ربيع تشقَّق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله، وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلَّة يوماً، ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدِّين عليِّ بن طاوس (رحمه الله) وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أُريد أنْ أُداويها.
فأحضر له أطبَّاء الحلَّة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل، وعلاجها خطر، ومتى قُطِعَت خيف أنْ ينقطع العرق فيموت.
فقال له السعيد رضي الدِّين (قدَّس الله روحه): أنا متوجِّه إلى بغداد، وربَّما كان أطبَّاؤها أعرف وأحذق من هؤلاء، فاصحبني. فأُصعد معه وأُحضر الأطبَّاء، فقالوا كما قال أُولئك، فضاق صدره.
فقال له السعيد: إنَّ الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تُغرِّر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله.
فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجَّه إلى زيارة المشهد الشريف بسُرَّ من رأى (على مشرِّفه السلام)، ثمّ أنحدر إلى أهلي.
فحسَّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدِّين وتوجَّه.
قال: فلمَّا دخلت المشهد وزرت الأئمَّة (عليهم السلام) ونزلت في السرداب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٩) التوثة: بثرة متقرِّحة.

↑صفحة ١٥٤↑

واستغثت بالله تعالى وبالإمام (عليه السلام) وقضيت بعض الليل في السرداب وبتُّ في المشهد إلى الخميس، ثمّ مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أُريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم، فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابَّين أحدهما عبد مخطوط، وكلُّ واحدٍ منهم متقلِّد بسيف، وشيخاً منقَّباً بيده رمح، والآخر متقلِّد بسيف وعليه فرجية(١٦٠) ملوَّنة فوق السيف وهو متحنِّك بعذبته، فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق، ووضع كعبه في الأرض، ووقف الشابَّان عن يسار الطريق، وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثمّ سلموا عليه، فردَّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: «أنت غداً تروح إلى أهلك؟».
فقال: نعم.
فقال له: «تقدَّم حتَّى أبصر ما يوجعك؟».
قال: فكرهت ملامستهم، وقلت في نفسي: أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول. ثمّ إنِّي بعد ذلك تقدَّمت إليه، فلزمني بيده ومدَّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أنْ أصابت يده التوثة فعصرها بيده، فأوجعني، ثمّ استوى في سرجه كما كان.
فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٠) الفرجية: نوع من أنواع الملابس.

↑صفحة ١٥٥↑

فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم إنْ شاء الله.
فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.
قال: فتقدَّمت إليه فاحتضنته وقبَّلت فخذه.
ثمّ إنَّه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: «ارجع».
فقلت: لا أُفارقك أبداً.
فقال: «المصلحة رجوعك».
فأعدت عليه مثل القول الأوَّل، فقال الشيخ: يا إسماعيل، ما تستحي يقول لك الإمام مرَّتين: «ارجع» وتخالفه؟
فجبهني بهذا القول فوقفت، فتقدَّم خطوات والتفت إليَّ وقال: «إذا وصلت بغداد فلا بدَّ أنْ يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر (رحمه الله))، فإذا حضرت عنه وأعطاك شيئاً فلا تأخذه، وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى عليِّ بن عوض، فإنَّني أُوصيه يُعطيك الذي تريد».
ثمّ سار وأصحابه معه، فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أنْ غابوا عنِّي، وحصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلى الأرض ساعة، ثمّ مشيت إلى المشهد.
فاجتمع القوَّام حولي وقالوا: نرى وجهك متغيِّراً أوجعك شيء؟
قلت: لا.
قالوا: أخاصمك أحد؟
قلت: لا، ليس عندي ممَّا تقولون خبر، لكن أسألكم: هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟

↑صفحة ١٥٦↑

فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.
فقلت: لا، بل هو الإمام (عليه السلام).
فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية؟
فقلت: هو صاحب الفرجية.
فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟
فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني. ثمّ كشفت رجلي، فلم أرَ لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشكُّ من الدهش، فأخرجت رجلي الأُخرى فلم أرَ شيئاً، فانطبق الناس عليَّ ومزَّقوا قميصي، فأدخلني القوَّام خزانة ومنعوا الناس عنِّي، وكان ناظراً بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجَّة وسأل عن الخبر فعرَّفوه، فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني: منذ كم خرجت من بغداد؟ فعرَّفته أنِّي خرجت في أوَّل الأُسبوع، فمشى عنِّي، وبتُّ في المشهد وصلَّيت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أنْ بعدت عن المشهد، ورجعوا عنِّي، ووصلت إلى أوانا(١٦١)، فبتُّ بها وبكَّرت منها أُريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرَّفتهم، فاجتمعوا عليَّ ومزَّقوا ثيابي، ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرَّفهم الحال، ثمّ حملوني إلى بغداد وازدحم الناس عليَّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦١) أوانا: بلدة كثيرة البساتين، نزهة من نواحي دجيل بغداد، بينها وبين بغداد عشرة فراسخ.

↑صفحة ١٥٧↑

القمِّي (رحمه الله) قد طلب السعيد رضي الدِّين (رحمه الله)، وتقدَّم أنْ يُعرِّفه صحَّة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدِّين ومعه جماعة، فوافينا باب النوبى(١٦٢)، فردَّ أصحابه الناس عنِّي، فلما رآني قال: أعنك يقولون؟
قلت: نعم.
فنزل عن دابَّته وكشف عن فخذي فلم يرَ شيئاً، فغشي عليه ساعة، وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا، هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي.
فسألني الوزير عن القصَّة، فحكيت له، فأحضر الأطبَّاء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دواؤها إلَّا القطع بالحديد، ومتى قطعها مات.
فقال لهم الوزير: فبتقدير أنْ تُقطَع ولا يموت في كم تبرأ؟
فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.
فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟
قالوا: منذ عشرة أيَّام.
فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أُختها ليس فيها أثر أصلاً.
فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.
فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٢) باب النوبى: من أبواب دار الخلافة العبَّاسيَّة في الجانب الشرقي من بغداد.

↑صفحة ١٥٨↑

ثمّ إنَّه أُحضر عند الخليفة المستنصر (رحمه الله)، فسأله عن القصَّة، فعرَّفه بها كما جرى، فتقدَّم له بألف دينار، فلمَّا حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.
فقال: ما أجسر آخذ منه حبَّة واحدة.
فقال الخليفة: ممَّن تخاف؟
فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: «لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً».
فبكى الخليفة وتكدَّر، وخرج من عنده ولم يأخذ شيئاً.
قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته عليُّ بن عيسى (عفا الله عنه): كنت في بعض الأيَّام أحكي هذه القصَّة لجماعة عندي، وكان هذا شمس الدِّين محمّد ولده عندي وأنا لا أعرفه، فلمَّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه.
فعجبت من هذا الاتِّفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟
فقال: لا، لأنِّي أصبو عن ذلك، ولكنِّي رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر.
وسألت السيِّد صفي الدِّين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، ونجم الدِّين حيدر بن الأيسر (رحمهما الله)، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحَّة هذه القصَّة، وأنَّهما رأياها في حال مرضها وحال صحَّتها.
وحكى لي ولده هذا أنَّه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه (عليه السلام)، حتَّى إنَّه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كلَّ أيَّامه يزور سامرَّاء ويعود إلى بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرَّة طمعاً أنْ يعود له الوقت الذي مضى، أو يقضي له الحظُّ فيما قضى، ومن الذي أعطاه دهره

↑صفحة ١٥٩↑

الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضا، فمات (رحمه الله) بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغصَّته، والله يتولَّاه وإيَّانا برحمته بمنِّه وكرامته(١٦٣).
أقول: ولقد نظم لقاء إسماعيل الهرقلي بالإمام (عجَّل الله فرجه) الشيخ محمّد السماوي (رحمه الله) في أُرجوزته (وشائح السرَّاء في شأن سامرَّاء) فأحببت إيرادها هنا، قال:

وذكر الوزير فخر الأُمَّه * * * فيما أفاده بكشف الغمَّه
بأنَّ إسماعيل بن الحسن * * * الهرقلي نسبة للوطن
قد آلمته توثة تقيح * * * في رجله فليس يستريح
وأشغلته عن مجاري العادة * * * في الصوم والصلاة والعبادة
فجاء للرضيِّ(١٦٤) يشكو العلَّه * * * إذ لم يفد شيئاً طبيب الحلَّه
فأصعد الشاكي إلى بغداد * * * مستحضراً أطبَّة البلاد
فقال كلٌّ هي ذات رجع * * * وليس تنفكُّ بغير القطع
قال فلا لكنَّني أستشفع * * * سادة سامرَّاء ثمّ أرجع
فسار ثمّ زارهم وراحا * * * لدجلة يغسل ما قد قاحا
وعاد فاستقبله فوارس * * * يقدمهم فتى لهم موانس
وخلفه شيخ وراه اثنان * * * مرتَّبو السير على عنان
فصد عنهم بغية احتياط * * * وجار على لاحبة الصراط

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٣) اُنظر: كشف الغمَّة (ج ٢/ ص ٤٩٣ - ٤٩٧).

(١٦٤) هو السيِّد الرضي عليُّ بن طاوس المتوفَّى سنة (٦٦٤هـ).

↑صفحة ١٦٠↑

فعارضوه والفتى ترجَّلا * * * يمسح بالراحة منه الأرجلا
وقال لا تمضِ غداً بل بعد غد * * * ولا تنل جدوى خليفة البلد
واذهب إلى عليِّ بن عوضِ * * * يُعطيك من دراهمي ما يقتضي
ثمّ ارتقى متن الجواد ووثب * * * ولحظه ترنو إليَّ عن كثب
قال فقال الشيخ وهو متَّكي * * * على القنا أفلحت فيما تشتكي
قلت فمن ذا قال لي الإمام * * * فساق شوق وحدا التزام
فقال لي ارجع قلت لا والمحيي * * * فقال لي الشيخ ألَا تستحي
ترد قول صاحب الزمان * * * وأنت ذو هدي وذو إيمان
فعدت حتَّى أنْ مضت تلك الغُرَر * * * نظرت في رجلي فلم أجد أثر
ثمّ شككت فنظرت الثانية * * * فكانت الأُولى لها مساويه
فرحت في نهجي فابتداني * * * بعض يسألون عن الفرسانِ
قالوا أكان منهم تعدِّي * * * فقلت فيهم الإمام المهدي
ونظروا رجلي فمزَّقوا الردا * * * تبرُّكاً وسار من سار غدا
فسلبتهم في الطريق جمهره * * * وصار للرضيِّ من قد أخبره
وسرت بعدهم فصادفت الرضي * * * مستقبلاً مستخبراً عن عرضي
فقبَّل الرجل وقال بأبي * * * موضع كفِّ الحاضر المغيَّبِ
ثمّ مضى بي للوزير القمِّي * * * فأحضر الأُولى أتو في سقمي
وسألهم عنِّي فقالوا يُقطَع * * * قال انظروا فضاع ذاك الموضع

↑صفحة ١٦١↑

فقال قائل بلا تلويح * * * هذا وربِّي عمل المسيح
ثمّ مضوا بي للقا المستنصرِ * * * وكان طالب اللقا من خبري
حتَّى إذا استخبر قال يتبع * * * بألف دينار فقلت قد منع
فلامني الرضيُّ في كفافي * * * فقلت لم أجسر على الخلافِ
ثمّ ذهبت لعليِّ بن عوض * * * في الحلَّة الفيحا فأعطى ما فرض
قال الوزير ونقلت ذا الخبر * * * في مجلسي يوماً لبعض من حضر
فقال بعض الحاضرين قبلي * * * أنا محمّد بن إسماعيلِ
وقد رأيته على الحالين * * * وكان ما قلت بغير مين
فزدت إعجاباً بنقلي المعجزة * * * إلى ابن من أدركه وانتهزه
وبشهادة ابنه المنادي * * * بصحَّة المعجز والإسنادِ(١٦٥)

٥ - العلامة الحلِّي (٦٤٨ - ٧٢٦ هـ):
الحسن بن سديد الدِّين، ومقامه أشهر من أنْ يُذكَر، وللعلَّامة الحلِّي (رحمه الله) على ما نقله العلماء (رحمهم الله) لقاءان مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
وأمَّا حكاية لقائه الأوَّل بالإمام (عجَّل الله فرجه) على ما نقله لنا السيِّد حسن الأبطحي في كتابه اللقاء مع الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص ١٥٧)، قال:
كان في عصر العلَّامة الحلِّي (رضوان الله تعالى عليه) أحد المخالفين لأهل بيت العصمة والطهارة، وكان قد كتب كتاباً في الردِّ على الشيعة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٥) اُنظر: وشائح السراء في تأريخ سامرَّاء (ص ١١ - ١٣).

↑صفحة ١٦٢↑

وكان ينتفع به في المجالس الخاصَّة والعامَّة، كما أنَّه لم يسمح بإعطاء الكتاب لأيِّ فردٍ كان حتَّى لا يقع في أيدي المعارضين ويستفيدون منه للردِّ عليه، لكن العلَّامة الحلِّي (عليه الرحمة) مع ما كان عليه من العظمة والجلال والعلم الوفير فكَّر في طريقة للحصول على هذا الكتاب، فتقدَّم إلى ذلك الرجل صاحب الكتاب، وقدَّم نفسه باعتباره طالب علم لديه، وبقي مدَّة يدرس على يديه حتَّى وثق به وأصبح من أقرب أصدقائه، وفي أحد الأيَّام طلب العلَّامة الحلِّي منه ذلك الكتاب، ولـمَّا كانت له تلك المكانة المحمودة لديه لم يستطع أنْ يردَّه وقال: لكنَّني لن ولم أسمح لنفسي أنْ أعطي هذا الكتاب لأحد أكثر من ليلة واحدة.
فرضي العلَّامة الحلِّي بهذا الشرط وأخذ الكتاب، وفور وصوله للدار بدأ ينقل محتويات الكتاب بكلِّ سرعة حتَّى يتمكن من إتمامه في تلك الليلة، ولـمَّا انتصف الليل شعر العلَّامة بضغط السهر عليه ولم يستطع مغالبة الكرى، وفي هذه الأثناء دخل عليه ضيف نوراني جليل ملأ الغرفة برائحة زكيَّة وأنوار متلألئة، وقال له: «نم يا حلِّي ودع كتابة بقيَّة المحتويات عليَّ»، فيغطُّ العلَّامة (رضوان الله تعالى عليه) في نوم عميق دون أنْ يجادل أو يستفسر الأمر، وعندما استيقظ في الصباح هرع إلى الكتاب ليرى ما جرى له، وإذا به يجده منقولاً نقلاً كاملاً، وفي نهاية الكتاب كُتِبَت العبارة التالية: «كتبه الحجَّة»(١٦٦).
أقول وأنا الفقير: حتَّى إنَّني كنت أظنُّ أنَّ منشأ هذا المقام ربَّما نشأ من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٦) اُنظر: اللقاء مع الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) (ص ١٥٧).

↑صفحة ١٦٣↑

هذا اللقاء، أي إنَّ أصل المقام هو دار العلَّامة الحلِّي، ومن ثَمَّ استبعدته بالتأريخ الذي قدَّمناه في الباب الثاني والذي يحكي عن وجود المقام في سنة (٦٣٦هـ)، وهذا التأريخ قبل ولادة العلَّامة الحلِّي باثنتي عشرة سنة.
حكاية اللقاء الثاني للعلَّامة الحلِّي (رحمه الله):
كان العلَّامة الحلِّي في إحدى ليالي الجمعة قد تشرَّف بزيارة سيِّد الشهداء (عليه السلام)، وكان لوحده راكباً على حماره وبيده سوط وفي أثناء الطريق صاحبه شخص عربي وكان راجلاً ثمّ تكلَّما في المسائل العلميَّة والعلَّامة يسأله عن مشكلاته في العلوم واحدة تلو الأُخرى وكان هذا الشخص يجيب عليها ويقوم بحلِّها حتَّى انجرَّ الحديث إلى إحدى المسائل فأفتى ذلك الشخص بخلاف ما يراه العلَّامة الحلِّي وقال: لن يرد حديث عندنا يُؤيِّد هذه الفتوى.
فقال الرجل: «إنَّ حديثاً في هذا الباب قد ذكره الشيخ الطوسي في (التهذيب) فتصفَّح كتاب التهذيب وفي الصفحة الفلانيَّة والسطر الفلاني تجده مذكوراً».
فأخذت العلَّامة الحيرة: من يكون هذا الشخص؟
فسأل الرجل وقال: هل يمكن في زمان الغيبة الكبرى أنْ نرى صاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) أو لا؟
وفي هذه الأثناء سقط السوط من يد العلَّامة فأخذ الرجل السوط من الأرض ووضعه بيد العلَّامة وقال: «وكيف لا يمكن أنْ يرى صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) والحال أنَّ يده في يدك؟».

↑صفحة ١٦٤↑

فسقط العلَّامة وبدون اختيار من حماره إلى الأرض وهو يُقبِّل قدمي الإمام (عجَّل الله فرجه) وأُغمي عليه ولـمَّا انتبه لن يرَ أحداً وبعد أنْ رجع إلى البيت تصفَّح كتاب (التهذيب)، فوجد الحديث المذكور في تلك الصفحة وذلك السطر كما دلَّه عليه.
وبعد ذلك كتب العلَّامة بخطِّه على حاشية (التهذيب): وهذا الحديث هو الذي أرشدني إليه صاحب الأمر(١٦٧).
٦ - السيِّد مهدي ابن السيِّد حسن القزويني الحلِّي (ت ١٣٠٠هـ):
نقل العلَّامة النوري (رحمه الله) في كُتُبه (خاتمة المستدرك)، (النجم الثاقب)، (جنَّة المأوى) لهذا السيِّد ثلاث حكايات للقائه بحجَّة الله في أرضه أعني صاحب الأمر والزمان (عجَّل الله فرجه)، ونحن نتبرَّك هنا بذكرها.
حكاية اللقاء الأوَّل في إظهار قبر أبي يعلى (الحمزة العلوي العبَّاسي)(١٦٨):
قال العلَّامة النوري (رحمه الله) نقلاً عن السيِّد محمّد ابن السيِّد مهدي القزويني المذكور:
وحدَّثني الوالد (أعلى الله مقامه)، قال: لازمت الخروج إلى الجزيرة مدَّة مديدة لأجل إرشاد عشائر بني زبيد إلى مذهب الحقِّ، وكانوا كلُّهم على رأي أهل التسنُّن، وببركة هداية الوالد (قدّس سرّه) وإرشاده رجعوا إلى مذهب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٧) اُنظر: أُسوة العارفين (ص ٢٨٥).
(١٦٨) وقبره في الحلَّة في قضاء المدحتيَّة مشهور، ويُعرَف بالحمزة الغربي.

↑صفحة ١٦٥↑

الإماميَّة كما هم عليه الآن، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس، وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة، وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريباً.
قال (قدّس سرّه): فكنت أستطرق الجزيرة وأمرُّ عليه ولا أزوره، لما صحَّ عندي أنَّ الحمزة بن الكاظم مقبور في الريِّ مع عبد العظيم الحسني، فخرجت مرَّةً على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية، فتوقَّعوا منِّي أنْ أزور المرقد المذكور، فأبيت وقلت لهم: لا أزور من لا أعرف.
وكان المزار المذكور قلَّت رغبة الناس فيه لإعراضي عنه، ثمّ ركبت من عندهم وبتُّ تلك الليلة في قرية المزيديَّة عند بعض ساداتها، فلمَّا كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيَّأت للصلاة، فلمَّا صلَّيت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر، وأنا على هيأة التعقيب، إذ دخل عليَّ سيِّد أعرفه بالصلاح والتقوى، من سادة تلك القرية، فسلَّم وجلس.
ثمّ قال: «يا مولانا بالأمس تضيَّفت أهل قرية الحمزة وما زرته؟».
قلت: نعم.
قال: «ولِـمَ ذلك؟».
قلت: لأنِّي لا أزور من لا أعرف، والحمزة بن الكاظم مدفون بالريِّ.
فقال: «رُبَّ مشهور لا أصل له، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وإنِ اشتهر أنَّه كذلك، بل هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العبَّاسي أحد علماء الإجازة وأهل الحديث، وقد ذكره أهل الرجال في كُتُبهم، وأثنوا عليه بالعلم والورع».

↑صفحة ١٦٦↑

فقلت في نفسي: هذا السيِّد من عوامِّ السادة، وليس من أهل الاطِّلاع على الرجال والحديث، فلعلَّه أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء.
ثمّ قمت لأرتقب طلوع الفجر، فقام ذلك السيِّد وخرج، وأغفلت أنْ أسأله عمَّن أخذ هذا لأنَّ الفجر قد طلع، وتشاغلت بالصلاة، فلمَّا صلَّيت جلست للتعقيب حتَّى طلعت الشمس، وكان معي جملة من كُتُب الرجال، فنظرت فيها وإذا الحال كما ذكر، فجاءني أهل القرية مسلِّمين عليَّ وفي جملتهم ذلك السيِّد، فقلت: جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة أنَّه أبو يعلى حمزة ابن القاسم العلوي، فمن أين لك هذا وعمَّن أخذته؟
فقال: والله ما جئتك قبل الفجر، ولا رأيتك قبل هذه الساعة، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية - في مكان سمَّاه - وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك.
فقلت لأهل القرية: الآن ألزمني الرجوع إلى زيارة الحمزة فإنِّي لا أشكُّ في أنَّ الشخص الذي رأيته هو صاحب الأمر (عليه السلام).
قال: فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تامًّا على وجه صار بحيث تُشَدُّ الرحال إليه من الأماكن البعيدة.
قلت: في (رجال النجاشي): حمزة بن القاسم بن عليِّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، أبو عليٍّ، ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث، له كتاب (من روى عن جعفر بن

↑صفحة ١٦٧↑

محمّد (عليهما السلام) من الرجال). ويظهر من كلمات العلماء والأساتذة أنَّه من علماء الغيبة الصغرى، وكان معاصراً للصدوق عليِّ بن بابويه(١٦٩).
حكاية اللقاء الثاني:
أحببت إيرادها هنا لما فيها من رعاية الإمام (عجَّل الله فرجه) لزائري الإمام الحسين (عليه السلام).
قال السيِّد محمّد القزويني (رحمه الله) وسمعت أيضاً مشافهة وبالسند المذكور المؤيَّد المتقدِّم ذكره وسمعت أيضاً مشافهةً عن نفس المرحوم (قدّس سرّه) أنَّه قال:
خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلَّة أُريد زيارة الحسين (عليه السلام) ليلة النصف منه فلمَّا وصلت إلى شطِّ الهنديَّة وعبرت إلى الجانب الغربي منه وجدت الزوَّار الذاهبين من الحلَّة وأطرافها والواردين من النجف ونواحيه جميعاً محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهنديَّة ولا طريق لهم إلى كربلاء، لأنَّ عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق وقطعوه عن المارَّة ولا يدعون أحداً يخرج من كربلاء ولا أحد يلج إلَّا انتهبوه.
قال: فنزلت على رجل من العرب، وصلَّيت صلاة الظهر والعصر وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوَّار وقد تغيَّمت السماء ومطرت مطراً يسيراً فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوَّار بأسرها من البيوت متوجِّهين نحو طريق كربلاء فقلت لبعض من معي: اُخرج واسأل: ما الخبر؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٩) اُنظر: النجم الثاقب (ج ٢/ ص ٣١٩ - ٣٢١).

↑صفحة ١٦٨↑

فخرج ورجع إليَّ وقال لي: إنَّ عشيرة بني طرف قد خرجوا بالأسلحة الناريَّة وتجمَّعوا لإيصال الزوَّار إلى كربلاء ولو آل الأمر إلى المحاربة مع عنزة.
فلمَّا سمعت قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له لأنَّ بني طرف لا قابليَّة لهم على مقابلة عنزة في البرِّ وأظنُّ هذه مكيدة منهم لإخراج الزوَّار عن بيوتهم، لأنَّهم استثقلوا بقائهم عندهم وفي ضيافتهم.
فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوَّار إلى البيوت فتبيَّن الحال كما قلت، فلم تدخل الزوَّار إلى البيوت وجلسوا في ضلالها والسماء متغيِّمة فأخذتني لهم رقَّة شديدة وأصابني انكسار عظيم وتوجَّهت إلى الله بالدعاء والتوسُّل بالنبيِّ وآله وطلبت إغاثة الزوَّار ممَّا هم فيه.
فبينما أنا على هذا الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع(١٧٠) كريم لم أرَ مثله، وبيده رمح طويل، وهو مشمر عن ذراعيه فأقبل يخب به جواده حتَّى وقف على البيت الذي أنا فيه وكان بيتاً من شعر مرفوع الجوانب فسلَّم فرددنا عليه السلام، ثمّ قال: «يا مولانا - يُسمِّيني باسمي - بعثني من يُسلِّم عليك وهم كنج محمّد آغا وصفر آغا - وكانا من قوَّات العساكر العثمانيَّة -، يقولان: فليأتِ بالزوَّار فإنَّا قد طردنا عنزة عن الطريق، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانيَّة على الجادَّة».
فقلت له: وأنت معنا إلى عرقوب السليمانيَّة؟
قال: نعم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٠) لعلَّه: (رائع)، وكان القدماء يُخفِّفون الهمزة فيكتبونه: (رايع).

↑صفحة ١٦٩↑

فأخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريباً فقلت: بخيلنا.
فقُدِّمت إلينا، فتعلَّق بي ذلك البدوي الذي نحن عنده وقال: يا مولاي، لا تخاطر بنفسك وبالزوَّار وأقم الليلة حتَّى يتَّضح الأمر.
فقلت له: لا بدَّ من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة.
فلمَّا رأتنا الزوَّار قد ركبنا تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب، فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنَّه الأسد الخادر ونحن خلفه حتَّى وصلنا إلى عرقوب السليمانيَّة، فصعد عليه وتبعناه في الصعود ثمّ نزل وارتقينا على أعلى العرقوب، فنظرنا ولم نرَ له عيناً ولا أثراً فكأنَّما صعد في السماء أو نزل في الأرض، ولم نرَ قائداً ولا عسكراً.
فقلت لمن معي: أبقي شكٌّ في أنَّه صاحب الأمر؟
فقالوا: لا والله.
وكنت - وهو بين أيدينا - أُطيل النظر إليه كأنِّي رأيته قبل ذلك لكنَّني لا أذكر أين رأيته، فلمَّا فارقنا تذكَّرت أنَّه هو الشخص الذي زارني بالحلَّة وأخبرني بواقعة السليمانيَّة.
وأمَّا عشيرة عنزة فلم نرَ لهم أثراً في منازلهم ولم نرَ أحداً نسأله عنهم سوى أنَّا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البرِّ فوردنا كربلاء تخب بنا خيولنا، فوصلنا إلى باب البلاد، وإذا بعسكر على سور البلد، فنادوا: من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟
ثمّ نظروا إلى سواد الزوَّار، ثمّ قالوا: سبحان الله، هذه البرّيَّة قد امتلأت من الزوَّار أجل أين صارت عنزة؟

↑صفحة ١٧٠↑

فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكَّة ربٌّ يرعاها.
ثمّ دخلنا البلد، فإذا أنا بكنج محمّد آغا على تخت قريب من الباب فسلَّمت عليه، فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخراً أنَّك ذُكِرْتَ باللسان.
فقال: ما الخبر؟ فأخبرته بالقصَّة.
فقال لي: يا مولاي، من أين لي علم بأنَّك زائر حتَّى أُرسل لك رسولاً؟ وإنَّ عسكري منذ خمسة عشر يوماً محاصرون في البلد لا نستطيع أنْ نخرج خوفاً من عنزة ثمّ قال: فأين صارت عنزة؟
فقلت: لا علم لي سوى أنِّي رأيت غبرة شديدة في كبد البرِّ كأنَّها غبرة الظعائن، ثمّ أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف فكان مسيرنا كلُّه في ساعة، وبين منازل بني طرف وكربلاء ثلاث ساعات.
ثمّ بتنا تلك الليلة في كربلاء فلمَّا أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلَّاحين الذين في بساتين كربلاء قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهَّم وبيده رمح طويل فصرخ فيهم بأعلى صوته: «يا معاشر عنزة، قد جاء الموت الزؤام، عساكر الدولة العثمانيَّة تجبَّهت عليكم بخيلها ورجلها وها هم على أثري مقبلون، فارحلوا وما أظنُّكم تنجون منهم».
فألقى الله عليهم الخوف والذلَّ حتَّى إنَّ الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالاً بالرحيل فلم تمضِ ساعة حتَّى ارتحلوا بأجمعهم وتوجَّهوا نحو البرِّ.
فقلت له: صف لي الفارس؟

↑صفحة ١٧١↑

فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه وهو الفارس الذي جاءنا، والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين(١٧١).
٧ - حكاية اللقاء الثالث للسيِّد القزويني (رحمه الله) وتشرَّف معه (رحمه الله) رجل اسمه عليٌّ وجماعة من أهل الحلَّة:
والحكاية على ما نقلها العلَّامة النوري (رحمه الله) عن السيِّد محمّد ابن السيِّد مهدي القزويني (رحمه الله)، قال:
بسم الله الرحمن الرحيم، حدَّثني بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلَّة، قال: خرجت غدوة من داري قاصداً داركم لأجل زيارة السيِّد (أعلى الله مقامه)، فصار ممرِّي في الطريق على المقام المعروف بقبر السيِّد محمّد ذي الدمعة، فرأيت على شبَّاكه الخارج إلى الطريق شخصاً بهيّ المنظر يقرأ فاتحة الكتاب، فتأمَّلته فإذا هو غريب الشكل، وليس من أهل الحلَّة.
فقلت في نفسي: هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد، ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب، ونحن أهل البلد نمرُّ ولا نفعل ذلك.
فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد، فلمَّا فرغت سلَّمت عليه، فردَّ السلام، وقال لي: «يا عليُّ، أنت ذاهب لزيارة السيِّد مهدي؟».
قلت: نعم.
قال: «إنَّي معك».
فلمَّا صرنا ببعض الطريق قال لي: «يا عليُّ، لا تحزن على ما أصابك من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧١) اُنظر: جنَّة المأوى (ص ٢٨٨).

↑صفحة ١٧٢↑

الخسران وذهاب المال في هذه السنة، فإنَّك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤدّياً للحقِّ وقد قضيت ما فرض الله عليك، وأمَّا المال فإنَّه عرض زائل يجيء ويذهب».
وكان قد أصابني خسران في تلك السنة لم يطَّلع عليه أحد مخافة الكسر، فاغتممت في نفسي وقلت: سبحان الله، كسري قد شاع وبلغ حتَّى إلى الأجانب، إلَّا أنِّي قلت له في الجواب: الحمد لله على كلِّ حالٍ.
فقال: «إنَّ ما ذهب من مالك سيعود إليك بعد مدَّة، وترجع كحالك الأوَّل، وتقضي ما عليك من الديون».
قال: فسكتُّ وأنا مفكِّر في كلامه حتَّى انتهينا إلى باب داركم، فوقفت ووقف، فقلت: اُدخل يا مولاي فأنا من أهل الدار.
فقال لي: «اُدخل أنت، أنا صاحب الدار».
فامتنعت، فأخذ بيدي وأدخلني أمامه، فلمَّا صرنا إلى المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوساً ينتظرون خروج السيِّد (قدّس سرّه) من داخل الدار لأجل البحث، ومكانه من المجلس خالٍ لم يجلس فيه أحد احتراماً له، وفيه كتاب مطروح.
فذهب الرجل، وجلس في الموضع الذي كان السيِّد (قدّس سرّه) يعتاد الجلوس فيه، ثمّ أخذ الكتاب وفتحه، وكان الكتاب شرائع المحقِّق (قدّس سرّه)، ثمّ استخرج من الكتاب كراريس مسودَّة بخطِّ السيِّد (قدّس سرّه)، وكان خطُّه في غاية الضعف لا يقدر كلُّ أحدٍ على قراءته، فأخذ يقرأ في تلك الكراريس ويقول للطلبة: «ألَا تعجبون من هذه الفروع وهذه الكراريس؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الأفهام في شرح شرائع الإسلام»، وهو

↑صفحة ١٧٣↑

كتاب عجيب في فنِّه لم يبرز منه إلَّا ستُّ مجلَّدات من أوَّل الطهارة إلى أحكام الأموات.
قال الوالد (أعلى الله درجته): لـمَّا خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالساً في موضعي، فلمَّا رآني قام وتنحَّى عن الموضع، فألزمته بالجلوس فيه، ورأيته رجلاً بهيّ المنظر، وسيم الشكل في زيٍّ غريب، فلمَّا جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة، وسؤال عن حاله، واستحييت أنْ أسأله من هو وأين وطنه؟
ثمّ شرعت في البحث، فجعل الرجل يتكلَّم في المسألة التي نبحث عنها بكلام كأنَّه اللؤلؤ المتساقط، فبهرني كلامه، فقال له بعض الطلبة: اُسكت ما أنت وهذا؟ فتبسَّم وسكت.
قال (رحمه الله): فلمَّا انقضى البحث قلت له: من أين كان مجيئك إلى الحلَّة؟
فقال: «من بلد السليمانيَّة».
فقلت: متى خرجت؟
فقال: «بالأمس خرجت منها، وما خرجت منها حتَّى دخلها نجيب باشا فاتحاً لها عنوة بالسيف، وقد قبض على أحمد باشا الباباني المتغلِّب عليها، وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا»، وقد كان أحمد باشا المتقدِّم قد خلع طاعة الدولة العثمانيَّة وادَّعى السلطنة لنفسه في السليمانيَّة.
قال الوالد (قدّس سرّه): فبقيت مفكِّراً في حديثه، وأنَّ هذا الفتح وخبره لم يبلغ إلى حُكَّام الحلَّة، ولم يخطر لي أنْ أسأله: كيف وصلت إلى الحلَّة وبالأمس خرجت من السليمانيَّة؟ وبين الحلَّة والسليمانيَّة ما تزيد على عشرة أيَّام للراكب المجدِّ.

↑صفحة ١٧٤↑

ثمّ إنَّ الرجل أمر بعض خدمة الدار أنْ يأتيه بماء، فأخذ الخادم الإناء ليغترف به ماء من الجبِّ، فناداه: «لا تفعل! فإنَّ في الإناء حيواناً ميِّتاً»، فنظر فيه، فإذا فيه سامّ أبرص ميِّت، فأخذ غيره وجاء بالماء إليه، فلمَّا شرب قام للخروج.
قال الوالد (قدّس سرّه): فقمت لقيامه، فودَّعني وخرج، فلمَّا صار خارج الدار قلت للجماعة: هلَّا أنكرتم على الرجل خبره في فتح السليمانيَّة؟
فقالوا: هلَّا أنكرت عليه؟
قال: فحدَّثني الحاجُّ عليٌّ المتقدِّم بما وقع له في الطريق وحدَّثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودَّة، وإظهار العجب من الفروع التي فيها.
قال الوالد (أعلى الله مقامه): فقلت: اُطلبوا الرجل، وما أظنُّكم تجدونه، هو والله صاحب الأمر (روحي فداه).
فتفرَّق الجماعة في طلبه، فما وجدوا له عيناً ولا أثراً، فكأنَّما صعد في السماء أو نزل في الأرض.
قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن فتح السليمانيَّة، فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلَّة بعد عشرة أيَّام من ذلك اليوم، وأُعلن ذلك عند حُكَّامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر عند ذوي الدولة العثمانيَّة(١٧٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٢) اُنظر: المصدر السابق (ص ١٠٤ - ١٠٨).

↑صفحة ١٧٥↑

تنبيه لكلِّ نبيه: عن أحوال السيِّد محمّد ذي الدمعة ونسبه وموضع قبره:
قال العلَّامة النوري (رحمه الله) بعد إيراد هذه الحكاية: الموجود فيما عندنا من كُتُب الأنساب أنَّ اسم ذا(١٧٣) الدمعة حسين، ويُلقَّب أيضاً بذي العبرة، وهو ابن زيد الشهيد ابن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، ويُكنَّى بأبي عاتقة، وإنَّما لُقِّب بذي الدمعة لبكائه في تهجُّده في صلاة الليل، وربَّاه الصادق (عليه السلام)، فأرَّثه علماً جمًّا، وكان زاهداً عابداً، وتُوفِّي سنة خمس وثلاثين ومائة، وزوَّج ابنته بالمهدي الخليفة العبَّاسي، وله أعقاب كثيرة، ولكنَّه (سلَّمه الله) أعرف بما كتب (أي القزويني).
قال الشيخ محمّد حرز الدِّين (رحمه الله): أبو دميعة محمّد بن عليِّ بن الحسين ذي الدمعة الساكبة ابن زيد الشهيد ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)، مرقده في الحلَّة بالقرب من مرقد الشيخ الجليل نجيب الدِّين أبي زكريَّا المشهور بابن سعيد الهذلي الحلِّي في الجهة الغربيَّة له. وقد اشتهر في مدينة الحلَّة اشتهاراً يُعتَدُّ به عند الحلِّيِّين بأنَّ صاحب هذا القبر هو السيِّد محمّد أبو دميعة، وقيل: إنَّ هذه البقعة هي موضع قبر الحسين بن زيد الملقَّب بذي الدمعة الساكبة.
وقال حفيده محمّد حسين حرز الدِّين: يقع قبره بـ (محلَّة الطاق) على الشارع العامِّ في السوق، مشيَّد، عليه آثار القِدَم، يقع في غرفة صغيرة في وسطها شبَّاك خشبي هو رسم القبر، وكان عليه ستار أخضر، فوق القبر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٣) هكذا ورد في الأصل، والصحيح: (ذي الدمعة).

↑صفحة ١٧٦↑

لوحة مكتوب عليها: (هذا مرقد السيِّد محمّد بن السيِّد عليِّ بن الحسين الملقَّب بذي الدمعة ابن زيد الشهيد).
عليه قبَّة بيضاء متوسِّطة الحجم والارتفاع، أمام القبر صحن دار صغير فيه نخلة وسدرة، وكان قبره عندما زرناه مزدحماً بالزائرين، وكانت زيارتنا له عصر يوم الجمعة (١٠) شوَّال سنة (١٣٨٧هـ)، (وتوجد صورة لهذا المرقد في كتاب مراقد المعارف)(١٧٤).
أقول: أمَّا نسبه الصحيح على ما ضبطه صاحب كتاب (المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء) لمؤلِّفه السيِّد حيدر بن السيِّد موسى وتوت الحسيني، (ومؤلِّف هذا الكتاب يرجع لصاحب القبر):
العلَّامة الجليل والفقيه العابد السيِّد محمّد الملقَّب بالمنتجب بن السيِّد عليِّ ابن السيِّد الحسين (صاحب لقب وطوط) بن العلَّامة الفقيه السيِّد مراد صاحب كتاب (خير الزاد في الرحلة إلى العباد) بن السيِّد حسن بن خميس ابن يحيى بن هزال بن عليِّ بن محمد بن أبي عبد الله(١٧٥) الحسن الأطروش بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٤) اُنظر: مراقد المعارف (ص ٩٨ - ١٠١).
(١٧٥) هكذا ورد بالكنية في كتاب (المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء)، لكن الصحيح والذي حقَّقه العلَّامة النسَّابة السيِّد مهدي الوردي الكاظمي ونقله عن العلَّامة الدكتور حسين عليّ آل محفوظ في (موسوعة العتبات المقدَّسة) قسم الكاظمين (ج ٣/ ص ٦٦) أنَّه عبد الله الملقَّب بالبهائي بن أبي القاسم بن أبي البركات بن القاسم بن عليِّ بن شكر بن أبي محمّد الحسن الأسمر ابن النقيب شمس الدِّين أبي عبد الله أحمد بن النقيب أبي الحسن عليِّ بن أبي طالب محمّد بن الشريف الجليل أبي عليٍّ عمر... إلى آخر النسب المذكور أعلاه.
والذي نقلناه من الموسوعة هو الثابت والمتواتر في كُتُب الأنساب من مشجَّر ومبسوط.

↑صفحة ١٧٧↑

النقيب الفقيه أبي الحسن عليِّ بن الفقيه أبي طالب محمّد نقيب العلويِّين بن نقيب النقباء أبي عليٍّ الفقيه عمر بن النقيب الفقيه يحيى بن النقيب الحسين النسَّابة (أوَّل نقيب للعلويِّين) بن الفقيه العالم أحمد المحدِّث بن الفقيه الشريف عمر بن الفقيه يحيى بن قدوة الفقهاء ذي الدمعة الساكبة بن زيد الشهيد بن الإمام عليٍّ السجَّاد بن الحسين بن عليِّ بن أبي طالب (عليهم السلام).
موقع قبره السابق:
يقع في الحلَّة في محلَّة الطاق مقابل مرقد دبيس بن عليٍّ المزيدي، وكان هناك في السابق سوق صغير بالقرب من مرقده يُعرَف بـ (سوق المنتجب) يعرفه كافَّة الحلّيِّين، ولكن بسبب التوسُّع الذي حصل في الشارع المعروف اليوم بشارع الإمام عليٍّ (عليه السلام) فقد تمَّ نقل رفاته، وقد تهدَّم القبر وضاعت كلُّ معالمه وضاع معه السوق واندثر بعد تهدُّم القبر ونقله واشتهر هذا السيِّد (رحمه الله) بالمنتجب لكثرة طهارته.
موقع قبره الحالي:
يقع في منطقة الحيِّ الجمهوري قرب مقام الإمام الصادق (عليه السلام)، وبالقرب من مرقد السيِّد عبد الله الفارس في ساحة دار مسيجة، يقع الضريح في ركنها الخارجي، وهو عبارة عن دكَّة القبر فقط، ولا يعلوه شبَّاك أو أيُّ بناءٍ آخر، وبالقرب منه قبور تُنتسَب لبعض العلويِّين لا أعرف شيئاً عنها(١٧٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٦) اُنظر: كتاب المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء للسيِّد حيدر آل وتوت.

↑صفحة ١٧٨↑

أقول: إنَّ هذا القبر وللأسف الشديد هُدِّم في عصر حزب البعث الكافر بحجَّة التوسعة (وعداء هذا الحزب لدين الإسلام ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مشهور). وبُنِيَ في مكان هذا القبر سينما تُدعى (سينما بابل) وهي قائمة إلى الآن، وأهل الحلَّة يعرفون أنَّ صاحب السينما أثر هذا الفعل يقع بالنكبة بعد النكبة، وهناك من حدَّثني من أهل الحلَّة عن سوء عاقبة كلِّ من أمر بهدم القبر ونقل رفاة هذا السيِّد بحيث أصبحوا يسألون الناس، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
فمن قلمنا هذا ننادي الشرفاء والخيِّرين من أهل الحلَّة لبناء هذا القبر من جديد، وخصوصاً بعدما عرفنا وقوف الحجَّة (عجَّل الله فرجه) على قبره وقراءته الفاتحة لصاحب هذا القبر، وعجباً لأهل الحلَّة كيف تركوا هذا السيِّد مدَّة ثلاثين عاماً من غير إقامة مشهد عليه؟
٨ - السيِّد حيدر ابن السيِّد سليمان الحلِّي (رحمه الله):
الحسيب الأديب خرِّيت صناعة الشعر الذي ما اختلف أحد في تقواه، ولقاؤه مع الإمام (عجَّل الله فرجه) مشهور ومتداول على ألسن الخطباء وأهل المنابر، ومضمون حكايته(١٧٧):
أنَّ السيِّد حيدر الحلِّي كان من عادته في كلِّ سنة أنْ يُنشئ قصيدة رثاء للإمام الحسين (عليه السلام)، وينشدها أمام قبره في يوم عاشوراء، وعندما نظم قصيدته العينيَّة (التي يستنهض بها الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)) سرًّا بينه وبين المولى (عزَّ وجلَّ)، إذ لم يطَّلع عليها أحد بعد، فذهب إلى كربلاء في يوم عاشوراء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٧) الحكاية لم أجدها أنا مدوَّنة، فهي عن لسان أهل المنابر، وكتبتها هنا بتعبيري الخاصِّ.

↑صفحة ١٧٩↑

لينشد قصيدته العينيَّة الجديدة عند الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي الطريق رافقه سيِّد أعرابي وقال له بعد السلام: «يا سيِّد حيدر، أنشدني قصيدتك العينيَّة»، فأنشده قصيدة عينيَّة سابقة أُخرى (للسيِّد نفسه) غير التي في خاطره، فقال: «لا أُريد هذه، أُريد قصيدتك التي أنت ذاهب من أجلها»، فقرأها له والتي مطلعها:

مات التصبُّر في انتظارك * * * أيُّها المحي الشريعه
فانهض فما أبقى التحمُّل * * * غير أحشاء جزوعه
أترى تجيء فجيعةٌ بأمضّ * * * من تلك الفجيعه
حيث الحسين على الثرى * * * خيل العدا طحنت ضلوعه
ورضيعه بدم الوريد * * * مخضَّبٌ فاطلب رضيعه(١٧٨)

فأخذ السيِّد الأعرابي بالبكاء وقال: «يا سيِّد حيدر، كفى كفى، والله إنَّ الأمر ليس بيدي»، واختفى عن أنظار السيِّد، فعرف السيِّد أنَّه الإمام (عجَّل الله فرجه)، إذ لم يطَّلع أحد على قصيدته، وناداه باسمه بدون سابق معرفة، وكلامه له بـ: «كفى كفى».
وهناك ندبة شجيَّة أنشأها السيِّد حيدر الحلِّي (رحمه الله) بأمر سيِّد الفقهاء السيِّد مهدي القزويني (رحمه الله) النزيل في الحلَّة في السنة التي صار عمر باشا والياً على أهل العراق، وشدَّد عليهم وأمر بتحرير النفوس لإجراء القرعة، وأخذ العسكر من أهل القرى والأنصار سواء الشريف فيه والوضيع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٨) اُنظر: ديوان السيِّد حيدر الحلِّي (ج ١/ ص ٨٨).

↑صفحة ١٨٠↑

والعالم فيه والجاهل، والعلويُّ فيه وغيره، والغنيُّ فيه والفقير، فاشتدَّ عليهم الأمر وعظم البلاء وضاقت الأرض ومُنِعَت السماء، فأنشأ السيِّد هذه الندبة المشجية، فرأى واحد من صلحاء المجاورين في النجف الأشرف الحجَّة المنتظَر (عجَّل الله فرجه)، فقال له ما معناه: «قد أقلقني السيِّد حيدر، قل له: لا يؤذيني فإنَّ الأمر ليس بيدي»، ورفع الله عنهم القرعة في أيَّامه وبعده بسنين، وهي هذه:

يا غمرة من لنا بمعبرها * * * موارد الموت دون مصدرها
يطفح موج البلا الخطير بها * * * فيغرق العقل في تصوُّرها
ضاقت ولم يأتِها مفرِّجها * * * فجاشت النفس من تحيُّرها
لِـمَ صاحب الأمر عن رعيَّته * * * أغضى فغضت بجور أكفرها
ما عذره نصب عينه أُخِذَت * * * شيعته وهو بين أظهرها
سيفك والضرب إنَّ شيعتكم * * * قد بلغ السيف حزَّ منحرها
مات الهدى سيِّدي فقم وأمت * * * شمس ضحاها بليل عيثرها
فالنُّطَف اليوم تشتكي وهي في * * * الأرحام منها إلى مصوِّرها
فالله يا ابن النبيِّ في فئة * * * ما ذخرت غيركم لمحشرها
ماذا لأعدائها تقول إذا * * * لم تنجها اليوم من مدمرها
ماتت شعار الإيمان واندفنت * * * ما بين خمر العدى وميسرها
مهلاً فللّه من بريَّته * * * عوائد جلَّ قد أيسرها
فدعوة الناس إنْ تكن حُجِبَت * * * لأنَّها ساء فعل أكثرها

↑صفحة ١٨١↑

فرُبَّ جرى حشى لواحدها * * * شكت إلى الله في تصوُّرها
توشك أنفاسها وقد صعدت * * * أنْ تحرق القوم في تسعُّرها(١٧٩)

لقد ذكر العلَّامة النوري (رحمه الله) في كتابه (جنَّة المأوى) هذه الندبة بخمسة وثلاثين بيتاً، واقتصرنا نحن على خمسة عشر بيتاً خوف الإطالة، من أرادها فليراجع: جنَّة المأوى (ص ١٦١ و١٦٢).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٩) اُنظر :جنَّة المأوى (ص ١٠٥).

↑صفحة ١٨٢↑

ملحق للباب الحادي عشر: في ذكر جملة من مشاهد الحلَّة وقبور أعلامها

↑صفحة ١٨٣↑

عدت عوادي الأيَّام وصروف الزمان، وما فتئت تفعل ذلك على كثير من الآثار الجليلة والمشاهد المشرَّفة، ولا يختصُّ هذا ببقعة دون أُخرى على ما لا يخفى على الباحث المتتبِّع، وممَّا شمله الضياع والاندثار قبور كثير من علماء الإماميَّة وانطماس مشاهدهم، ولم يبقَ لها عين ولا أثر، ورُبَّ قبرٍ لأحد أُولئك الأعاظم عُرِفَ في زمان ثمّ دَرَسَ في زمان آخر وجُهِلَ موضعه، ثمّ أخذت الآراء تتباين في تحديد موضع قبره.
وممَّا يُرجِّح العناية والاهتمام بهذا الجانب عدَّة أُمور:
منها: ما ورد من ثواب زيارة أولاد الأئمَّة (عليهم السلام) والمشاهير من محدِّثي الشيعة وعلمائهم الحافظين لآثار الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام) فقد روى الثقة الجليل الشيخ جعفر بن قولويه القمِّي، عن عمرو بن عثمان الرازي، قال: سمعت أبا الحسن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول: «من لم يقدر أنْ يزورنا فليزر صالحي موالينا يُكتَب له ثواب زيارتنا ومن لم يقدر على صلتنا فليصل موالينا يُكتَب له ثواب صلتنا»(١٨٠).
ومنها: أنَّه إذا أراد الداخل إلى مدينة الحلَّة أنْ يزور الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) في مقامه المشهور بها ربَّما يتسنَّى له زيارة بعض تلك المشاهد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٠) اُنظر: مفاتيح الجنان (ص ٩١٤).

↑صفحة ١٨٥↑

ومنها: أنَّه يتسنَّى للقارئ العزيز معرفة بقاء عمارة مقام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) ببقاء عمارة تلك المشاهد المشرَّفة.
ومنها: معرفة القارئ العزيز بمنزلة مدينة الحلَّة من خلال معرفة من دُفِنَ فيها من عظماء الإماميَّة الأجلَّاء.
ولهذه الأُمور مجتمعة رأيت من المناسب هنا أنْ أُذيِّل ما كتبته عن مقام سيِّدنا ومولانا صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) بهذا الملحق الذي أحصيت فيه نحو خمسين مشهداً في مدينة الحلَّة، توثيقاً لها وتعميماً للفائدة ولم نسلك خطَّة التفصيل، ومن رامَ الوقوف على تمام الكلام عليها فليراجع كتاب (المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء) للأُستاذ الباحث السيِّد حيدر ابن السيِّد موسى آل وتوت الحسيني (سلَّمه الله ونفع به) وقد التزمت في ذكر هاتيك المشاهد بالتسلسل الهجائي، والله المستعان.
١ - إبراهيم القطيفي (رحمه الله):
هو الشيخ الجليل العلَّامة إبراهيم بن سليمان القطيفي الأصل الغروي الحلِّي المسكن والمدفن يقع مرقده في (محلَّة الطاق) بالقرب من مرقد العلَّامة ابن فهد الأحسائي، (من علماء القرن العاشر).
٢ - إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):
هو السيِّد إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، يقع المرقد المنسوب إليه في منطقة تُعرَف اليوم بـ (الحيِّ الجمهوري) قرب باب المشهد.
٣ - إبراهيم بن أحمد الموسوي (رحمه الله):
يقع مرقده في (سرداب تحت جامع الإمام عليٍّ (عليه السلام)) الواقع في محلَّة الطاق، مطلًّا على شارع الإمام عليٍّ (عليه السلام)، وصاحب القبر مجهول.

↑صفحة ١٨٦↑

٤ - إبراهيم بن محمّد (رحمه الله) (سيِّد إبراهيم):
ويقع مرقده في (محلَّة التعيس) خلف بناية بلديَّة مدينة الحلَّة واحتمل السيِّد حيدر آل وتوت من أنَّه (الشيخ إبراهيم بن محمّد بن أحمد بن صالح الحلِّي) الذي يروي عن السيِّد الجليل عليِّ بن موسى بن طاوس (رحمه الله).
٥ - الشيخ أحمد بن إدريس الحلِّي (رحمه الله):
يقع في (حيّ راغب) بالقرب من مرقد الشيخ محمّد بن إدريس الحلِّي (رحمه الله)، مطلًّا على الشارع العامِّ، وصاحب هذا القبر مجهول.
٦ - أحمد بن الحسن المثنَّى بن الحسن السبط (عليه السلام):
يقع مرقده في (محلَّة جبران) على مقربة من مرقد الشيخ إبراهيم القطيفي (رحمه الله).
٧ - أحمد بن فهد الأحسائي (رحمه الله):
هو الشيخ العلَّامة شهاب الدِّين أحمد بن فهد بن حسن بن محمّد بن إدريس بن فهد الأحسائي (رحمه الله) مولداً، الحلِّي مدفناً يقع مرقده في (محلَّة الطاق) في شارع الكوازين سابقاً المعروف في هذه الأيَّام بـ (سوق الحطابات)، (تُوفِّي في أوائل القرن التاسع).
٨ - السيِّد جمال الدِّين أبو الفضائل أحمد بن سعد الدِّين موسى بن جعفر بن طاوس الحسني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) في حجرة داخل مسجد يُعرَف باسمه (مسجد أبي الفضائل)، (ت ٦٧٣هـ).

↑صفحة ١٨٧↑

٩ - السيِّد أحمد ابن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):
يقع مرقده في (محلَّة التعيس) قرب شارع المحافظة القديمة، وفي نهاية ممرٍّ ضيِّق.
١٠ - جلال الدِّين أحمد ابن الفقيه (رحمه الله):
السيِّد العلَّامة الفقيه الزاهد نقيب العلويِّين جلال الدِّين أبو القاسم الطاهر أحمد بن الفقيه يحيى بن أبي طاهر...، يقع مرقده ضمن مرقد الشيخ الجليل محمّد بن إدريس (رحمه الله) صاحب (السرائر).
١١ - نبيُّ الله أيُّوب (عليه السلام):
يقع مرقده الشريف على يسار الطريق المؤدِّي إلى ناحية القاسم (عليه السلام)، وعلى مقربة من مركز المدينة، ويبعد عن الطريق العامِّ نحو (١كم).
١٢ - بكر بن الإمام عليٍّ (عليه السلام):
يقع مرقده خارج مدينة الحلَّة على يمين الذاهب إلى النجف الأشرف.
١٣ - الشيخ جعفر بن الحسن الهذلي (رحمه الله) (المحقِّق الحلِّي):
هو الشيخ الجليل والعلَّامة الكبير إمام الطائفة وزعيمها المطلق في عصره نجم الدِّين أبو القاسم جعفر بن أبي يحيى الحسن ابن نجيب الدِّين يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المعروف بـ (المحقِّق الحلِّي) يقع مرقده في محلَّة (الجباويِّين)، وعلى واجهة الشارع الذي يُعرَف باسمه شارع (أبو القاسم) (ت (٦٧٦هـ).
١٤ - الشيخ جعفر بن نما الحلِّي (رحمه الله):
نجم الدِّين جعفر بن نجيب الدِّين محمّد بن جعفر بن هبة الله أبي

↑صفحة ١٨٨↑

البقاء محمّد بن نما الحلِّي الربعي، يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) على الشارع العامِّ مقابل حديقة عامَّة تُعرَف بـ (متنزّه الشعب).
١٥ - الجومرد:
يقع مرقده في (محلَّة الطاق)، وبالقرب من مرقد الشيخ أحمد بن فهد في شارعٍ مطلٍّ على السوق الكبير، (مجهول).
١٦ - الشيخ حسن الدمستاني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) على مسافة قريبة من مرقد السيِّد أبي الفضائل ابن طاوس الحلِّي (رحمه الله)، وفاته (٢٣) شهر ربيع الأوَّل سنة (١١٨١هـ).
١٧ - الحسن بن موسى الكاظم (عليه السلام):
يقع مرقده خلف (سوق الخضار القديم) في ساحة لوقوف السيَّارات، وبالقرب من بداية سوق الحلَّة الكبير (السوق المسقَّف).
١٨ - الأمير دبيس بن عليٍّ المزيدي:
من أُمراء الحلَّة والنيل، يقع مرقده في (محلَّة الطاق) مطلًّا على شارع الإمام عليٍّ (عليه السلام)، ضمن مرقد يحيى بن أحمد بن سعيد الهذلي (رحمه الله).
١٩ - شبَّر وشبير ابنا طاوس:
يقع مراقدهما(١٨١) ضمن (جامع السنيَّة) بالقرب من جسر سعد بن أبي وقَّاص (جسر الهنود)، مجهولان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨١) لا تكاد العرب في لغتها العالية تضيف المثنَّى إلى المثنَّى إلَّا مجموعاً، قال تعالى في سورة (التحريم: ٤): ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ فأضاف كلمة (قلوب) إلى المثنَّى. فلاحظ.

↑صفحة ١٨٩↑

٢٠ - ابن العرندس (رحمه الله):
الشيخ الجليل صالح بن عبد الوهَّاب المعروف بـ (ابن العرندس)، يقع مرقده في (محلَّة جبران) شارع المفتي.
٢١ - السيِّد نظام الدِّين الحلِّي (رحمه الله):
العلَّامة الجليل السيِّد نظام الدِّين عبد الحميد بن مجد الدِّين أبي الفوارس محمّد الأعرجي (رحمه الله)، يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) على ملتقى شارعين خلف مرقد محمّد بن نما (رحمه الله).
٢٢ - صفي الدِّين عبد العزيز بن سرايا الحلِّي (رحمه الله):
الشاعر العلَّامة والأديب الفهَّامة الشيخ صفي الدِّين عبد العزيز بن سرايا الحلِّي الطائي الملقَّب بـ (صفي الدِّين الحلِّي)، يقع مرقده في (محلَّة الشاوي) على مقربة من مرقد السيِّد عليِّ بن طاوس (رحمه الله).
٢٣ - السيِّد الجليل عبد الكريم بن طاوس (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الشاوي) خلف مرقد عمِّه.
٢٤ - السيِّد عبد الله الفارس المشهور بـ (الفارسي):
يقع مرقده في نهاية (منطقة الحيِّ الجمهوري).
٢٥ - السيِّد عبد الله العتائقي الحسني (رحمه الله):
يقع مرقده في (قرية العتائق).
٢٦ - علاء الدِّين الشفهيني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة المهديَّة).
٢٧ - ابن حمَّاد الليثي كمال الدِّين عليُّ بن حسين الواسطي الحلِّي (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجامعين) بالقرب من مرقد الشاعر الخليعي (رحمه الله).

↑صفحة ١٩٠↑

٢٨ - عليُّ بن الحسين بن القاسم بن حمزة العلوي (رحمه الله):
يقع مرقده في (المحاويل) التابع لمدينة الحلَّة وفي نسبة هذا القبر إليه خلاف.
٢٩ - الشيخ جمال الدِّين الخليعي (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجامعين) على مقربة من مرقد ابن حمَّاد الليثي (رحمه الله).
٣٠ - الشيخ عليٌّ الشافيني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الطاق) مطلًّا على شطِّ الحلَّة.
٣١ - السيِّد الجليل العابد عليُّ بن طاوس الحسني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجامعين).
٣٢ - السيِّد عليٌّ الحديدي (رحمه الله):
عليُّ بن يحيى بن حديد الحسيني، يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) (من علماء القرن الحادي عشر).
٣٣ - الشيخ عليُّ بن محمّد السكوني (رحمه الله):
العالم النحوي، يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) في شارع موازي لشارع (أبو القاسم).
٣٤ - السيِّد عمران ابن الإمام عليٍّ (عليه السلام):
يقع مرقده على يسار الذاهب إلى مدينة بغداد في قرية (جمجمة).
٣٥ - قاسم بن أحمد الحسيني (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجامعين).
٣٦ - الشيخ محمّد بن إدريس الحلِّي (رحمه الله):
صاحب السرائر، وقبره في الحلِّة مشهور في (حيّ راغب).

↑صفحة ١٩١↑

٣٧ - الشيخ نجيب الدِّين محمّد بن نما الحلِّي (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الجباويِّين) في جامع يُعرَف باسمه.
٣٨ - السيِّد محمّد بن زيد الشهيد (عليه السلام):
يقع مرقده في (محلَّة الطاق) خلف شارع الجسر ولا تصحُّ نسبته إليه، وقد يكون من البطون النازلة من السادات العلويِّين.
٣٩ - الشيخ محمّد بن شجاع الأنصاري الحلِّي (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة المهديَّة).
٤٠ - السيِّد محمّد المنتجب (رحمه الله):
يقع مرقده قرب مقام الإمام الصادق (عليه السلام) بالقرب من مرقد السيِّد عبد الله الفارس.
٤١ - السيِّد محمّد أبو عربيد (رحمه الله):
يقع مرقده في حيّ (مصطفى راغب) على الشارع، مقابل مرقد الشيخ محمّد بن إدريس (رحمه الله).
٤٢ - السيِّد شرف الدِّين محمّد بن طاوس (رحمه الله):
دُفِنَ جوار السيِّد أحمد أبي الفضائل (رحمه الله).
٤٣ - الشيخ ورَّام الحلِّي ابن أبي الفوارس (رحمه الله):
يقع مرقده الشريف في (محلَّة التعيس) بالقرب من مدرسة الزهراء (عليها السلام) الابتدائيَّة.
٤٤ - الشيخ يحيى بن أحمد بن سعيد الهذلي (رحمه الله):
يقع مرقده في (محلَّة الطاق) مطلًّا على الشارع العامِّ المسمَّى بشارع الإمام عليٍّ (عليه السلام).

↑صفحة ١٩٢↑

هذا إضافة إلى المقامات المشهورة في الحلَّة والمنسوبة إلى الأئمَّة (عليهم السلام):
فمنها:
١ - مقام الإمام عليٍّ (عليه السلام) المعروف بمشهد الشمس، وموقعه في مدينة الحلَّة مشهور.
٢ - ومقام الإمام عليٍّ (عليه السلام) الثاني في (محلَّة الشاوي)(١٨٢).
٣ - ومقام الإمام الصادق (عليه السلام) في منطقة الحيِّ الجمهوري.
٤ - ومقام الخضر (عليه السلام) في (محلَّة التعيس).
وأنا أضع اللمسات الأخيرة على هذا المجهود المتواضع الذي هو باكورة أعمالي في مجال التأليف أجدني ملزماً بأسمى آيات الشكر والثناء لكلِّ من أخذ بعضدي وشجَّعني في هذه المهمَّة وأخصُّ بالذكر الإخوة العاملين في المكتبات العامَّة، ومنها:
- مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، النجف الأشرف.
- مكتبة الإمام الحكيم (قدّس سرّه)، النجف الأشرف.
- مكتبة الإمام الأكبر محمّد الحسين آل كشف الغطاء (قدّس سرّه).
- مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) (آستانه رضوي)، مشهد.
- مكتبة السيِّد شهاب الدِّين المرعشي (قدّس سرّه)، قم المقدَّسة.
و(كذا) أشكر كلَّ من قدَّم لي معلومة كانت نقطة إضاءة في طريق البحث، وأخصُّ بالذكر أعضاء (هيأة خدمة أهل البيت (عليهم السلام)) - الحلَّة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٢) في المقام الأوَّل رُدَّت الشمس على مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد قفوله من حرب الخوارج (النهروان)، وأحسب أنَّ في المقام الثاني مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) أهل الحلَّة الذي أشرنا إليه في الباب الثالث من كتابنا هذا.

↑صفحة ١٩٣↑

وفَّق الله الجميع لما يُحِبُّه ويرضاه.
وأخيراً تمَّ بحمد الله ونعمته ومِنَنه عليَّ كتاب الدُّرَّة البيضاء الذي هو أوَّل تأريخ كُتِبَ في حقِّ مقام الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الحلَّة الفيحاء، فأرجو أنْ تغفر زلَّاتي في كتابة هذه السطور، فإنَّها أوَّل محاولة لي، ومن المعلوم أنَّ الجواد يكبو، وعَلِمَ الله أنِّي جمعت هذا التاريخ حتَّى لا يضيع حقُّه في بطون الكُتُب، راجياً من ربِّي أنْ يعفو عن زللي، ومن إمامي (عجَّل الله فرجه) أنْ يقبل هذا القليل.
كتبه بيده الداثرة أحمد بن عليِّ بن مجيد بن سلمان بن سدخان العنزي الحلِّي النجفي في (١٥) من شهر شوَّال سنة (١٤٢٥هـ)، وهو اليوم الذي رُدَّت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) في الحلَّة.

* * *

↑صفحة ١٩٤↑

الباب الثاني عشر: في ذكر صور فوتغرافيَّة وصور لمخطوطات تخصُّ المقام

↑صفحة ١٩٥↑

m-mahdi.com
صورة رقم (١) المقام من الخارج

↑صفحة ١٩٧↑

m-mahdi.com
صورة رقم (٢) باب المقام

↑صفحة ١٩٨↑

m-mahdi.com
صورة رقم (٣) شعر محمّد الملَّا فوق باب المقام

↑صفحة ١٩٩↑

m-mahdi.com
صورة رقم (٤) شبَّاك المقام من الداخل

↑صفحة ٢٠٠↑

m-mahdi.com
صورة رقم (٥) جانب من القبَّة الشريفة من الداخل

↑صفحة ٢٠١↑

m-mahdi.com
صورة رقم (٦) تابع (صفحة ٩٩) يظهر فيها أنَّ القبَّة والمنارة لمكان واحد

↑صفحة ٢٠٢↑

m-mahdi.com
الصفحة الأُولى من المخطوطة الثانية نهج البلاغة سنة (٦٧٧ هـ/ ١٢٥٦م)
مكتبة آية الله الحكيم (رقم ١٣٩)

↑صفحة ٢٠٣↑

m-mahdi.com
الصفحة الأخيرة من المخطوطة الثانية
تابع (صفحة ٣٣)

↑صفحة ٢٠٤↑

m-mahdi.com
ظهر النسخة من المخطوطة الثالثة (الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة)
بداية القرن الثامن الهجري
مشهد / مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام) (آستان قدس رضوي) (رقم ١٤١)
تابع (صفحة ٣٩)

↑صفحة ٢٠٥↑

m-mahdi.com
الصفحة الأُولى من المخطوطة الثالثة

↑صفحة ٢٠٦↑

m-mahdi.com
الصفحة الأخيرة من المخطوطة الرابعة
(تحرير الأحكام الشرعيَّة على المذهب الإماميَّة)
سنة (٧٢٣هـ/ ١٣٠٢م)
ويظهر في آخرها على جهة يمين الصفحة خطُّ العلَّامة الحلِّي (وهو بدون نقاط)
مكان النسخة: قم المقدَّسة/ مكتبة السيِّد المرعشي (رحمه الله)/ رقم (٦٧٣٢)

↑صفحة ٢٠٧↑

m-mahdi.com
وثيقة رقم (١) تخصُّ العمارة الأخيرة للمقام في سنة (١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠١م)
برعاية آية الله العظمى السيِّد عليٍّ الحسيني السيستاني (دام ظلُّه)
تابع (صفحة ٩٣)

↑صفحة ٢٠٨↑

m-mahdi.com
وثيقة رقم (٢) تخصُّ العمارة الأخيرة للمقام في سنة (١٤٢٢ هـ/ ٢٠٠١م)
برعاية آية الله العظمى السيِّد عليٍّ الحسيني السيستاني (دام ظلُّه)
تابع (صفحة ٩٣)

↑صفحة ٢٠٩↑

استدراك:
قال المبشِّر الإنكليزي الدكتور (دوايت دونالدسون) نقلاً عن كتاب (موسوعة العتبات المقدَّسة):
(... هذا وأنَّ السماح للطائفة الشيعيَّة بأنْ تجعل مقرَّها - بعد سقوط البويهيِّين - فيما يقرب من الحلَّة حيث يتسنَّى لهم أنْ يفاوضوا هولاكو خان بعد استيلائه على بغداد للمحافظة على العتبات، قد أدَّى إلى نشوء فكرة أنَّ الإمام المنتظَر سيظهر في تلك المدينة (الحلَّة)...)(١٨٣).
أقول لهذا الدكتور المؤرِّخ المحترم! بأنَّه لو ترك التأريخ لأهل الإسلام المتمسِّكين به كان أفضل له من هذا الهراء، إذ المعلوم أنَّ أهل مكَّة أدرى بشعابها، وأهل الدار أدرى بالتي فيها! فليعلم المبشِّر أنَّ الدولة البويهيَّة ظهرت في سنة (٣٢٢هـ) وانقرضت سنة (٤٣٨هـ)، ثمّ جاءت بعدها دولة السلاجقة، ثمّ دولة الخوارزمشاهيَّة التي انتهت على يد جنكيزخان وهولاكو، وأنَّ الحلَّة مُصرت سنة (٤٩٥هـ) وعلى يد سيف الدولة صدقة، فكان بين انقراض دولة آل بويه وبين تمصير الحلَّة (٥٧) سنة! وإنَّ أقدم تأريخ عثرنا عليه للمقام كان سنة (٦٣٦هـ) حسب ما ذكرناه في الباب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٣) موسوعة العتبات المقدَّسة (ج ١٢/ ص ٢٦٦)، نقلاً عن كتاب دونالدسون:
in Donaldson Dwight M. The Shi ite Religion Ashort History of Islam Persia & Irak. (Luzac London).

↑صفحة ٢١١↑

الأوَّل من كتابنا هذا، ودلَّ هذا التأريخ الذي ذكرناه على أنَّ المقام كان موجوداً قبل تلك السنة أي سنة (٦٣٦هـ)، بينما دخول هولاكو إلى بغداد وسقوطها على يديه كان سنة (٦٥٦هـ)، فبين هذا التأريخ وهذا عشرون سنة، فبعد هذا العرض التأريخي فما يكون؟ أوَليس كان من الأحرى أنْ يترك التأريخ لأهله، فإذا كانت هذه الأغلاط التأريخيَّة والعقائديَّة التي نطق بها قلم المبشِّر المذكور بعدَّة أسطر، فكيف بمن تتبَّع كتابه وقرأه؟ أوَليس هذه من المصائب التي ابتلي بها الإسلام وأهله؟

* * *

↑صفحة ٢١٢↑

المصادر والمراجع

١ - القرآن الكريم.
٢ - أُسوة العارفين: إعداد وترجمة: محمود البدري/ الطبعة الثانية/ ١٤٢٤هـ/ مكتبة فدك/ قم.
٣ - أعيان الشيعة: السيِّد محسن أمين العاملي/ ط بيروت الجديدة، وكذلك ط بيروت القديمة.
٤ - الأنوار الساطعة في المائة السابعة: الشيخ آغا بزرك الطهراني/ ١٩٧٢م/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
٥ - البابليَّات: محمّد عليّ اليعقوبي/ ١٣٧٠هـ/ الزهراء/ النجف.
٦ - بحار الأنوار: محمّد باقر المجلسي/ ١٣٨٥هـ/ مطبعة حيدري/ طهران.
٧ - بغداد القديمة: عبد الكريم العلَّاف/ الدار العربيَّة للموسوعات.
٨ - البلد الأمين: الشيخ إبراهيم الكفعمي/ إيران.
٩ - تاريخ الحلَّة: الشيخ يوسف كركوش الحلِّي/ الطبعة الأُولى/ ١٣٨٥هـ/ منشورات الشريف الرضي.
١٠ - تاريخ الغياثي: تحقيق: طارق نافع الحمداني/ ١٩٧٥م/ مطبعة أسعد/ بغداد.

↑صفحة ٢١٣↑

١١ - تاريخ الكوفة: السيِّد حسين البراقي/ تحقيق: ماجد العطيَّة/ الحيدريَّة.
١٢ - تراجم الرجال: السيِّد أحمد الاشكوري الحسيني/ قم.
١٣ - تكملة أمل الآمل: السيِّد حسن الصدر/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ قم.
١٤ - جنَّة المأوى: المطبوع مع البحار (ج ٥٣)/ مطبعة حيدري/ طهران.
١٥ - الدُّرُّ النضيد في تعازي الحسين الشهيد: السيِّد عليُّ بن عبد الكريم الحلِّي/ نقلاً عن كتاب دار السلام للعلَّامة النوري.
١٦ - الذريعة: آغا بزرك الطهراني/ طبعات مختلفة.
١٧ - رحلة ابن بطوطة: ابن بطوطة/ ١٣٧٧هـ/ مصر.
١٨ - رياض العلماء وحياض الفضلاء: الميرزا عبد الله الأفندي الأصفهاني/ تحقيق: السيِّد أحمد الحسيني/ ١٤٠١هـ/ الخيَّام.
١٩ - سفينة البحار: الشيخ عبَّاس القمي/ طبعة حجريَّة/ ١٣٥٥هـ/ المطبعة العلميَّة/ النجف الأشرف.
٢٠ - السلطان المفرِّج عن أهل الإيمان: السيِّد عليُّ بن عبد الكريم النيلي/ نقلاً عن كتاب بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي.
٢١ - شعراء الحلَّة: عليٌّ الخاقاني/ ١٣٧٢هـ/ الحيدريَّة/ النجف.
٢٢ - فقهاء الفيحاء: هادي كمال الدِّين/ ١٩٦٢م/ المعارف/ بغداد.

↑صفحة ٢١٤↑

٢٣ - فهرس الكُتُب الخطّيَّة في مكتبة الإمام الرضا (عليه السلام): آستان قدس رضوي/ تحقيق: عليّ أردلان/ ج ١٣.
٢٤ - فهرس مكتبة السيِّد المرعشي: فارسي/ ج ١٧/ قم.
٢٥ - فهرس مكتبتي رشت وهمدان: فارسي/ ج ١٧.
٢٦ - الفوائد الرجاليَّة: السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم/ تحقيق: السيِّدين محمّد صادق والحسين آل بحر العلوم/ النجف.
٢٧ - كشف الغمَّة في معرفة الأئمَّة: عليُّ بن عيسى الإربلي/ ١٣٨١هـ/ العلميَّة/ قم.
٢٨ - كشف المحجَّة: السيِّد عليُّ بن طاوس/ ط النجف.
٢٩ - اللقاء مع الإمام صاحب الزمان (عليه السلام): السيِّد حسن الأبطحي/ بيروت.
٣٠ - لؤلؤة البحرين: الشيخ يوسف البحراني/ تحقيق: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ ١٣٨٦هـ/ النعمان/ النجف.
٣١ - مجلَّة تراثنا: الأعداد ٥ و٦٥ و٦٨/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام).
٣٢ - المختار من الصحيفة المهديَّة: السيِّد مرتضى المجتهدي/ دار الثقلين/ قم.
٣٣ - مراقد المعارف: الشيخ محمّد حرز الدِّين/ الطبعة الأُولى/ ١٣٨٩هـ/ الآداب.
٣٤ - المزارات ومراقد العلماء في الحلَّة الفيحاء: السيِّد حيدر آل وتوت/ قيد الطبع.

↑صفحة ٢١٥↑

٣٥ - مستدرك الوسائل: الميرزا حسين بن محمّد تقي النوري/ ط ح/ ١٣١٦هـ/ إيران.
٣٦ - المسلسلات في الإجازات: الجامع: السيِّد محمود المرعشي/ الطبعة الأُولى/ قم.
٣٧ - مصباح الزائر: السيِّد عليُّ بن طاوس/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.
٣٨ - مفاتيح الجنان: الشيخ عبَّاس القمِّي/ مطبعة دار الأضواء/ بيروت.
٣٩ - مكتبة العلَّامة الحلِّي: السيِّد عبد العزيز الطباطبائي/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ قم.
٤٠ - مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم (عليه السلام): الميرزا محمّد تقي الموسوي الأصفهاني/ الطبعة الرابعة/ ١٤٢٢هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي.
٤١ - من نوادر مخطوطات مكتبة آية الله الحكيم العامَّة: محمّد هادي الأميني/ النجف الأشرف.
٤٢ - موسوعة العتبات المقدَّسة: جعفر الخليلي/ ج ١٢.
٤٣ - النابس في القرن الخامس: الشيخ آغا بزرك الطهراني/ ١٣٩١هـ/ دار الكتاب العربي/ بيروت.
٤٤ - النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب: الميرزا حسين النوري/ ترجمة وتحقيق: السيِّد ياسين الموسوي/ الطبعة الأُولى/ ١٤١٥ هـ/ أنوار الهدى.

↑صفحة ٢١٦↑

٤٥ - وشايح السرَّاء في شأن سامرَّاء: الشيخ محمّد السماوي/ الطبعة الأُولى/ مطبعة دار النشر والتأليف/ النجف الأشرف.
٤٦ - وقائع الأيَّام: الشيخ عبَّاس القمِّي/ بيروت.
المخطوطات:
١ - الدُّرَّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة: الحسن بن ناصر الحدَّاد العاملي.
٢ - نهج البلاغة: بخطِّ الحسين بن أردشير الطبري.
٣ - بعض إفادات: آية الله العظمى السيِّد محمّد مهدي الخرسان (دام ظلُّه).

* * *

اللقاءات:
- الأُستاذ مدير الوقف الشيعي في الحلَّة، وبعض من موظَّفي تلك الدائرة.
- الوجيه أمجد بن هلال آل مبارك الزبيدي.
- الشاعر عبد الأمير محمود الجبوري.
- سادن المقام عبد الله الصفَّار.
- أعضاء من هيأة خدمة أهل البيت (عليهم السلام) في الحلَّة.

* * *

↑صفحة ٢١٧↑

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٢ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016