الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٤٠٤) الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٤٠٤) الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: السيد جعفر مرتضى الحسيني العاملي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٩/٢١ المشاهدات المشاهدات: ٤١٣٧ التعليقات التعليقات: ٠

الفرق بين ما وقع وبين ما سيقع

السيد جعفر مرتضى العاملي

هناك حقيقة تقول: إن المعصومين (عليهم السلام) ما كانوا بإخباراتهم يريدون ربط الناس بما سيقع، من أجل أن يستغرقوا فيه. أو ليكون ذلك عذراً أو مبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج. إن لم يصبح عبئاً يثقل كاهل العمل المخلص والجاد، ويثقل خطب العاملين كذلك.
هذا كله.. عدا ما يمارسه الكثيرون ممن لديهم هذا الفهم من دور سلبي في مجال التثبيط، وإيجاد حالة من الفشل والإحباط. وقد يتعدى ذلك إلى إيجاد الانقسامات والاختلافات التي تستهلك الطاقات، وتستنفد الهمم والعزائم، ليصبح العدو - من ثَم - أقدر على توجيه الضربات الساحقة، والماحقة، لكل جهد مخلص، أساسي وبنّاء.
نعم.. إنهم (عليهم السلام) ما كانوا يريدون ربط الناس بما سيقع، وإنما بما وقع. أي أنهم يريدون للناس أن يستفيدوا مما وقع ومضى لينعش بهم الأمل، ويشحذ الهمم والعزائم ليمنحهم اليقين، ويهب لهم حالة السكون والركون إلى الحق، والارتباط العاطفي والشعوري بقائد المسيرة ورائدها، بعد الانتهاء من مرحلة الارتكاز العقائدي المستند إلى القناعات الناشئة من وسائل الإثبات للأصول والمنطلقات الأوليّة في مسائل الإمامة على صعيد مفاهيمها الأساسية من جهة، وعلى صعيد التجسيد الحي في المثل الحي للإمامة الحاضرة، من جهة أخرى.
ولا شك في أن هذا الارتباط العاطفي والشعوري، وذلك السكون والركون يصبح ضرورة ملحة، حينما يبدو أن الناس قد بدأوا يتعاملون مع قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) باعتبارها مرتكزاً عقائدياً، لا يملك من الروافد الشعورية والعاطفيّة إلا القليل القليل، الذي لا أثر له في موقع الحركة، وتسجيل الموقف.
فالمطلوب إذن، هو أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الإحساس، والشعور والارتباط بالقائد وبالقيادة إلى مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية، فيه الكثير من الجدّية، والمزيد من العطاء. ويعمق في الإنسان المسلم المزيد من الشعور بالمسؤولية، والإحساس بالرقابة، ليعيش في رحاب الإمامة بكل ما فيها من معان، وكل ما تمثله من عطاء، في مجال الحركة والعمل والسلوك والموقف، وفي جميع مفردات حياته التي يعيشها.
وبعد هذا التوضيح الذي ذكرناه نقول:
إن الأمر يتلخص في إعطاء ضابطة عامة للأحاديث التي تتحدث عن المستقبل، وعن علامات الظهور للإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، والتي تشير إلى أنها جميعاً - حتى ما صح سنده منها - إنما تتحدث عن أمور ليست بأجمعها حتمية الوقوع، فمن الجائز أن لا يقع بعض منها، ولكن هذا البعض لا يمكن لنا تحديده بالدقة.
والسبب في ذلك هو: أن الإمام (عجّل الله فرجه) أو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إنما يتحدث ويخبر عن تحقق المقتضي لوجود ظاهرة، أو حدث مّا وفق ما هو مخزون في علم الغيب. بحيث لو سارت الأحداث على طبيعتها لتحقق ذلك المقتضي.
ولكنه (عليه السلام) لم يخبر عن شرائط تأثير تلك المقتضيات، وهل سوف توجد أم لا؟ كما أنه لم يخبر عن الموانع التي قد تعرض للمقتضي، وتمنعه من التأثير.
وإذن.. إذا تحقق شيء مما أخبر عنه (عليه السلام)، فإن ذلك يكشف عن تحقق شرائطه، وفقد موانعه، وتمامية عناصر علته، وإذا لم يتحقق، فإن ذلك يكشف عن عروض مانع، أو فقد شرط تأثير ذلك المقتضي.
فهو (عليه السلام) إذن إنما يخبر عن أمور قد تختلف في المآل والنتيجة، ولكنها متحدة، وذات طبيعة واحدة، وفي نسق واحد من حيث تحقق مقتضياتها.
وهذا بالذات هو ما تعنيه الروايات التي نصت على حتمية بعض علامات الظهور، وأوضحت أن سائر ما يُذكَر في الروايات مما عدا ذلك قد لا يقع بعض منه، اما لاحتمال أن لا يوجد شرط تأثير مقتضيه، أو لوجود المانع من التأثير.
وذلك يعني: أن يصبح ضعيف السند وصحيحه من تلك الروايات بمنزلةٍ واحدة، من حيث عدم إمكانية التنبؤ بحتمية حصوله في المستقبل، فإن كل ما أخبرت عنه تلك الروايات يصبح في معرض أن لا يتحقق ولا يكون. وإن كان احتمال الحصول في الروايات الصحيحة أقوى منه في غيرها.
فلا مجال بعد لرسم خريطة للأحداث المستقبلية، ولا يصح صرف الجهد في التعرف على ما سيحدث، ومحاولات من هذا القبيل لن يكون لها الأثر المطلوب في ترغيب الناس، أو ترهيبهم، ما دام أنه لم يعد ثمة مجال للاستفادة من الأخبار -صحيحها وسقيمها- إلاّ بعد وقوع الحدث. فيأتي حينئذ دور المقارنة بين ما هو مذكور في الرواية، وبين ما وقع فعلاً ويكون الإيمان به أو عدمه على هذا الأساس.
ومن هذه الروايات:
- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن من الأمور أموراً موقوفة، وأموراً محتومة، وأن السفياني من المحتوم الذي لابد منه.
- عن معلى بن خنيس، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من الأمر محتوم، ومنه ما ليس بمحتوم ومن المحتوم خروج السفياني في رجب.
- عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ فقال (عليه السلام): إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف. فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال (عليه السلام): الذي لله فيه مشيئة. قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف. فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا والله، إنه لمن المحتوم.
- وجاء عن محمد بن همام، عن محمد بن أحمد بن عبد الله الخالنجي، عن داود بن القاسم: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يبدو لله في المحتوم؟
قال (عليه السلام): نعم. قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم. قال (عليه السلام): إنّ القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد.

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016