من مفاهيم الانتظار في رؤية المرجعية الدينية
قراءة في آراء آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي النجفي (دامت بركاته)
السيد محمود الغريفي
تبقى المرجعية الدينية من أبرز العناوين الشاخصة والمسلمة في زماننا على الهوية المرادة والمطلوبة في حركة الأمة، وهي شخوص الهدف من العلاقة مع الغائب المنتظر عليه السلام ، ذلك لأنها تحمل عنوان النيابة العامة للإمام المهدي عليه السلام في زمن غيبته، وهو أمر لم يأت من فراغ بل من توقيع الناحية المقدسة المتمثّلة في هذا النصّ: (أمّا من كان من الفقهاء....).
وبعيداً عن الجدل الدائر من المراد بهذا النصّ وما يرمي له من بيان صفات المجتهد أو القاضي، فإنه في كلّ الأحوال يكون المرجع الديني الذي تتوافر فيه تلك الشروط والصفات هو المعتبر عنده عليه السلام في الدلالة على أهداف وجوده المقدس وإن لم تكن الدلالة من هذا النص فمن غيره من النصوص والأخبار الكثيرة، وهو أمر جرى الحديث مفصلاً حوله في الكثير من دوائر البحث والمناقشة.
وعند ذلك تأتي الحاجة إلى مراجعة كلمات الفقهاء المتسمين بتلك الصفات المذكورة في هذا الخبر وبقية الأخبار لتشخيص هوية العمل المطلوب والأدب المرسوم في التعاطي مع قضية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، وإن كانت الأحاديث المعتبرة قد كفت الموضوع مؤونته إلا أنه لا يزال الطريق صعباً على عامّة الناس في فهم الأحاديث الشريفة فهماً صحيحاً يمكّنهم من العمل بها بصورة تطابق المراد فيها، والفقيه أمكن من غيره على فهمها لأنه يملك بصيرة المعرفة الكاملة.
ومن هنا اخترنا في هذا المقال نصوص أحد الفقهاء ومراجع التقليد في عصرنا ممّن اعتزلوا الدنيا وراموا الدين وكان وجه الحجّة المنتظر عليه السلام مقصدهم المأمول، وهو الآية العظمى الميرزا جواد التبريزي(دام ظله) الذي تخرج من مدرسة النجف الأشرف ونال الفضل والمقام الرفيع فيها بعد أن تتلمذ على جملة من أعلامها وفي طليعتهم الفقيه الراحل آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قده ، واشتغل ــ كما غيره من الفقهاء ـ على صنع البصيرة للناس بأمر الحجة المنتظر عليه السلام ، ومروراً عند بعض الكلمات سيتّضح سبك البنان في بيان أمر الإمام عليه السلام .
١ـ معرفة الإمام عليه السلام:
يرى سماحته أن من أبرز مفاهيم الانتظار وأوّلها معرفته عليه السلام المعرفة الكاملة، وذلك يحتاج إلى بذل الجهد، لأنه ليس من السهل معرفة المعصوم عليه السلام، وذلك ابتلاء الله لعباده بالامتحان. الأنوار الإلهية ص: ٩١.
٢ـ تنزيهه عليه السلام عن الغلوّ:
في رؤية الشيخ أنه لا يمكن أن تلتقي ثقافة الغلوّ في الإمام المهدي المنتظر عليه السلام مع مبدأ انتظاره، وأن الذي ينسجم مع المبدأ هو القول بأنه عليه السلام الواسطة والوسيلة إلى الله، وطريق لوصول النعم الإلهية إلى الخلق، وأنه عليه السلام البركة التي بسببها حلّت النعمة على العباد ورفع عنهـــم الشرّ، وصحيح أنه عليه السلام له مقام لا يبلغـــه مَلَك مقرّب ولا نبي مُرسَل إلاّ أن حدّ هذا المقام مرسوم في الزيارة الجامعة التي ينبغي التثقّف بها والإيمان بكلماتها لتحقيق مفهومية الإنتظار بالاعتقاد بمواصفات الإمام عليه السلام . (الأنوار الإلهية: ص ٩٠)
٣ـ الدعاء له بالفرج:
هناك دعاء مخصوص يحمل هذا العنوان (الفرج) يرى فضيلة الشيخ أنّه من الادعية المعتبرة التي تحقّق مفهومية الانتظار. (الأنوار الالهية: ص ١١٣)
٤ـ الاعتقاد بأفضليّته عليه السلام :
ولابدّ في مفهومية الانتظار من الاعتقاد بأفضليته عليه السلام على سائر الخلق، ويرى فضيلته أنه لا يجوز شرعاً إنكار هذا الاعتقاد لأنه يتنافى مع الهوية الايمانية التي تمثّل صورة النصرة للإمام الغائب عليه السلام حال غيبته وحال حضوره.
(الأنوار الإلهية: ص ١٦٤).
٥ـ الالتزام بدعاء الندبة:
يرى سماحته ضرورة الالتزام بدعاء الندبة للإمام الحجّة عليه السلام والوارد قراءته صباح كلّ جمعة، وهو من الأدعية المعتبرة التي تتضمّن مضامين عالية وصحيحة. الأنوار الالهية: ص ١٦٩.
٦ـ التولي للإمام عليه السلام :
ومن ضرورات مفهومية الانتظار في رؤية فضليته أنّه لابد من موالاة الإمام عليه السلام بالتولّي الذي يجعل كلّ أعمال الانسان صحيحة، فولايتهم عليهم السلام شرط في صحّة الأعمال، ومن لم يحقّق الولاية لهم عليهم السلام بكلّ ما يتضمنّه هذا المصطلح من دلالة والتزام لا يمكنه الانتظار وليس اللقاء، لذا لابد لمنتظر المهديّ عليه السلام أن يكون موالياً لهم عليهم السلام، وذلك يتأتى بدراسة الموضوع من جميع جوانبه ومعرفة التزاماته. (الانوار الالهية: ص ١٧٤)
٧ـ التبرّي من الاعداء:
ولأجل تكامليّة مفهومية الانتظار لابد من استكمال التولّي الواجب لهم بالتبرّي من أعدائهم والملازم للتولّي، فلا تولّي دون تبرّي، وهذا حدّه في الالزام كبير. (الانوار الالهية: ص ٢٥٩)
٨ ـ اتّباع الفقهاء:
ولأن الإمام المنتظر عليه السلام قد أوعز في زمن غيبته الكبرى أنّ أمر التصدّي لشؤون الناس من شأن الفقهاء الذين تتوافر فيهم الشروط التي بها يستحقّون هذا الشرف، وهم وحدهم الطريق إلى التزام خطّ الإمام عليه السلام والذي يمثل مفهومية الانتظار، لذا على الأمة أن تتّبع الفقهاء دون غيرهم من أهل المعرفة والعلم، وذلك لكي يلتزم الإنسان الجادّة والطريق بلا انحراف. (الأنوار الإلهية: ص ٧٧)
٩ـ الدفاع عن مظلومية الزهراء عليها السلام :
وقع على سيّدة نساء العالمينe من الظلم ما لم يقع على أحد في تأريخ المظلوميّات، بحيث أنه كان بداية الجرأة على المعصومين عليهم السلام وأهل البيت والشيعة، وكان قلب مولانا الإمام المنتظر عليه السلام حفيد سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام يعتصر ألماً لهذه المظلومية والظلامة، ولا يشفي غليله إلا تأكيد الأمة المنتظرة على ظلاماتها والتبرّي من ظالميها وغاصبي حقّ محمد وآل محمد عليهم السلام، كما يؤكّد فضيلته أنّ لهذا الأمر ارتباطاً تاماً بالولاية. (الأنوار الإلهية: ص ١٥٤)
١٠ـ العهد بالثأر لسيد الشهداء عليه السلام:
واحدة من المصائب العظمى في تأريخنا هو ما جرى على سيدنا ومولانا الإمام الحسين عليه السلام وصحبه في كربلاء يوم العاشر من المحرم، وممّا ورد في الأثر أنه: <لا يوم كيومك يا أبا عبد الله> وعند ذلك ورد التأكيد في الكثير من الأحاديث والأخبار أن صاحب الأمر عليه السلام سيثأر عند ظهوره لدم المقتول بكربلاء، ولأنه ورد في أكثر الزيارات المختصّة بالإمام الحسين عليه السلام أن المؤمن يعطي العهد لصاحب الأمر عليه السلام بالثأر معه لظلامات آل محمد عليهم السلام، فقد كانت هذه النقطة مناسبة لمفاهيمية الإنظار. (الأنوار الإلهية: ص ١٨٨)
هذا وتبقى هناك مفاهيم أخرى لانتظار بقية الله عليه السلام ثبّتنا الله وجميع المؤمنين والمؤمنات على الحقّ الذي لابدّ منه، وجعلنا الله من المنتظرين، على أمل أن نكرم بلقائه عليه السلام.