الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٤٥) الانتظار وبناء القوة
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٤٥) الانتظار وبناء القوة

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الشيخ محمد حسن الحبيب تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٦/٠٢ المشاهدات المشاهدات: ٤٠١٠ التعليقات التعليقات: ٠

الانتظار وبناء القوة

الشيخ محمد حسن الحبيب

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال: ٦٠).
ربما يرى البعض أن الانتظار لا دخل له ببناء القوة، فهو في نظرهم يمثل حالة من السكون والركود في انتظار الفرج على يد المخلص، وربما دعموا هذه النظرية ببعض الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة كقول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَفْضَلُ العِبَادَةِ انْتِظَارُ الفَرَجِ» (١)، وقول الإمام السجاد (عليه السلام): «انْتِظَارُ الفَرَجِ مِنْ أَعْظَمِ الفَرَجِ» (٢)، وما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) في رسالته إلى علي بن بابويه القمي، وقد جاء فيها: «وَعَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَانْتِظَارِ الفَرَجِ فَإِنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الفَرَجِ، وَلا تَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، فَاصْبِرْ يَا شَيْخِي يَا أَبَا الحَسَنِ عَلَى أَمْرِ جَمِيعِ شِيعَتِي بِالصَّبْرِ، فَإِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى جَمِيعِ شِيعَتِنَا وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ» (٣).
وهذه الروايات وغيرها لا تدعوا إلى السكون والجمود والتخلي عن المسؤولية وإنما تحث على الصبر وترقب الفرج، وعدم التجاوز إلى الفعل إلّا بالعلم.
وقد جاء في معنى الانتظار: يقال: نَظَرْتُ فلاناً وانْتَظَرْتُه بمعنى واحد، فإِذا قلت: انْتَظَرْتُ فلم يُجاوِزْك فعلك فمعناه وقفت وتمهلت، ويقال: نَظَرتُه وانْتَظَرْتُه إِذا ارْتَقَبْتَ حضورَه (٤).
ومعلوم أن ترقب الفرج لا يعني السكون وإنما الاستعداد، والتجاوز مصيره التخبط، ولذا أمر الإمام شيعته بالرجوع إلى الفقهاء في المستجد من تطور المجتمع وحركته.
جاء في التوقيع الوارد عن مولانا صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه): «وَأَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللهِ عَلَيْهِم» (٥).
ولقائل أن يقول إن النظرة إلى مفهوم الانتظار بهذه العين قد تلاشت، فبعد تنامي الوعي والصحوة بين المسلمين وتكاثر النجاحات المنبعثة من النهضات الحضارية ذات الأصول الدينية؛ أصبح الإيمان بها محدوداً بفئة ليست بالكثيرة في المجتمع الإسلامي.
وهذا وإن كان صحيحاً في الجملة إلّا أنه منحصر في البعد النظري منه، أمّا البعد العملي فإنه لا يزال متأثراً بآثار الماضي، ولعل بعض حالات اللامبالاة والفرار من تحمل المسؤولية والخشية من التغيير وآثاره جزء من الواقع العملي المتأثر بما تبقى من تأثيرات تلك النظرة للانتظار.
بينما المتجاوز في البعدين يخترق ظلمات اليأس والإحباط والتواكل والتبرير بحركة رشيدة نحو ما به نجاته ونجاة من معه، وخلاص مجتمعه وأُمته.
وواضح أن الإنسان إذا عرف وآمن أن النجاة والخلاص له ولمن معه تتوقف على الحركة والعمل وبذل الجهد فإنه سيقوم بكل ذلك، بل إذا تطلب ذلك التضحية بالحقير في سبيل الحصول على الخطير فإنه سيضحي بشجاعة وثقة واطمئنان.
والحركة الواعية الرشيدة للإنسان نحو الخلاص تفرض عليه بناء القوة باعتبارها من المقدمات الضرورية التي تهيئ الأجواء لانتظار الُمخلص.
مفهوم الانتظار:
الانتظار الإيجابي أو الموجه أو البناء هو الذي يحمل المُنتَظِر مسؤولية التغيير في الواقع من حال سيئ إلى آخر حسن بحيث تكون حالة التغيير منسجمة مع قيم ونهج القائد المُنتَظَر أو الجهة المنتظرة.
وهذا يعني أن على الإنسان أن يقوم بأمر هام وخطير جداً في أيام الانتظار يتلخص بالتأهيل والترقي نحو قيم الحق، وصولاً إلى حسن الحال المرضي عند الخالق جل وعلا.
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اللَّهُمَّ غَيِّرْ سُوءَ حَالِنَا بِحُسْنِ حَالِك» (٦).
وعملية التأهيل هذه يجب أن تتنوع لتشمل جميع الجهات العقدية والثقافية والسلوكية، وغيرها، كي يحظى بشرف النصرة للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) في إنقاذ العباد والبلاد من الظلم والجور، واستبدالها بالقسط والعدل كما نصَّت عليه الروايات المتكاثرة والمروية عن الفريقين.
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلّا يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يُخْرِجَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَمْلأُ الأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً» (٧).
ويمكن ملاحظة أهمية التأهيل في حياة المنتظرين من خلال التأمل في الدعاء المأثور والمروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) والذي يهتم المؤمنون بالمواظبة عليه بعد صلاة الفجر من كل يوم.
ولك أن تتأمل في هذا المقطع من الدعاء:
أولاً: البيعة للإمام والالتزام بما تتضمن من مفاهيم عقدية، ومنها الاعتقاد بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو من يقود البشرية لاجتثاث جذور الظلم والجور والطغيان عنهم، وهو من يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
«اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَمَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنْهَا وَلا أَزُولُ أَبَداً» (٨).
ثانياً: نصرة الإمام والاستعداد النفسي للتفاني في أهداف الإمام (عجّل الله فرجه) والتضحية بالغالي والنفيس في سبيلها.
«اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ وَالمُسَارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَالمُحَامِينَ عَنْهُ وَالسَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَالمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ» (٩).
ولا يقتصر ذلك في حال الحياة، بل يحمله معه بعدها، بالطلب من الله العودة إلى دار الدنيا للحظوة بشرف النصرة.
«اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ المَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الحَاضِرِ وَالبَادِي» (١٠).
ثالثاً: الالتزام الكامل بمنهج الإمام (عجّل الله فرجه) وهذا يعني اتساق السلوك بما ينسجم مع منهج الدين الحنيف، وحينها يكون مؤهلاً للدخول في عملية الإصلاح الكبرى تحت راية الإمام (عجّل الله فرجه).
«اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَالغُرَّةَ الحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، فَأَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَاشْدُدْ أَزْرَه» (١١).
بناء القوة:
حث الإسلام أتباعه على إعداد القوة منعاً للتطاول عليهم وعلى منجزاتهم على مختلف الصعد، ولتبوء موقع التأثير في العالم مما يسهل على العاملين في حقل الدعوة عملية التبشير بقيم الرسالة السماوية ونشرها بين الناس.
ومع أن القيم المنسجمة مع الفطرة والعقل عادة ما تنفذ إلى قلوب وعقول الناس، إلّا أنها قد تصطدم بعقبات وموانع يذللها في الغالب صدورها من القوي أو الأُمة القوية.
﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال: ٦٠).
وهذه الآية وإن كانت في سياق الإعداد العسكري إلّا أن بعض المفسرين تعدى ذلك معتبراً أن البعد العسكري مصداقاً من مصاديق القوة وليس كل القوة، ويمكن الاستفادة من الروايات التي عدت الخضاب مصداقاً من مصاديق القوة أيضاً. ومنها ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية، قوله (عليه السلام): «مِنْهُ الخِضَابُ بِالسَّوَادِ» (١٢)، بل ربما يقال إن التفريق بين القوة ورباط الخيل يوحي بأن الأولى تشير إلى مطلق القوة التي يتقوى بها في الحرب وغيرها، والثانية تخص البعد العسكري وآلاته.
ويرى العلامة الطباطبائي في ميزانه أن السر في توجيه (الخطاب إلى الناس بعد ما كان الخطاب في الآيات السابقة موجهاً إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كقوله: ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ﴾ (الأنفال: ٥٧)، وقوله: ﴿فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ...﴾ وقوله: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ﴾ وكذا في الآيات التالية كقوله: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا...﴾ إلى غير ذلك. وذلك أن الحكومة الإسلامية حكومة إنسانية بمعنى مراعاة حقوق كل فرد وتعظيم إرادة البعض واحترام جانبه، أي من كان من غير اختصاص الإرادة المؤثرة بفرد واحد أو بأكثر الأفراد. فالمنافع التي يهددها عدوهم هي منافع كل فرد، فعلى كل فرد أن يقوم بالذب عنها، ويعد ما استطاع من قوة لحفظها من الضيعة، والإعداد وإن كان منه ما لا يقوم بأمره إلّا الحكومات بما لها من الاستطاعة القوية والإمكانات البالغة، لكن منها ما يقوم بالأفراد بفرديتهم) (١٣).
وواضح أن أبناء الأُمة يمكنهم أن يعملوا بجد على بناء القوة العلمية من خلال التوجه لبناء العلماء في مختلف العلوم، الطب والهندسة والتربية والقرآن والفقه والحديث والفضاء وغيرها، وكذلك القوة الاقتصادية، والقوة الصناعية، والقوة في مجال السياحة، والقوة في السياسية والإعلام وغيرها.
معنى القوة:
يتفق أهل اللغة على أن القُوَّةَ نقيض الضعف، وقال بعضهم إنها الطاقة، ومرادهم الطاقة التي يرتفع الضعف بامتلاكها واستعمالها على الوجه الصحيح، فالعلم والمال والاتحاد والصناعة والإعلام وغيرها موارد تتشكل من خلالها الطاقة التي تزيل الضعف وتمكن مالكها من التأثير والنفوذ والسلطة.
والقوة محايدة لا تتصف بالسوء أو الحسن إلّا حين الاستخدام وإن كانت تأثيراتها على المحيط تبرز من لحظة الامتلاك، وبالتالي يصنفها المحيط وفقاً لنوع العلاقة التي تربطه بمالكها.
ونظراً للتداخل الشديد بين مفهوم القوة ومعناها مع عدّة مفاهيم أخرى مثل السلطة والنفوذ والتأثير، بل مع الظلم والقهر والكبت والإرهاب، وأيضاً الإغراء وشراء الضمائر، لذا ينبغي إخضاع القوة إلى ميزان القيم وتعاليم الدين ونور العقل، وإلّا تتحول إلى ما يؤول إلى الضعف كالدمار والخراب، وفي قصة فرعون وغرقه العبرة والعظة.
﴿وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذابَ الأَلِيمَ * قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ البَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ * الآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ المُفْسِدِينَ﴾ (يونس: ٨٨-٩١).
القوة الناعمة:
المتبادر إلى الأذهان من كلمة القوة هو الوسائل القمعية التي تبعث في النفس الخوف والاستسلام، والصحيح كما بينا أنها أوسع من ذلك بكثير، وعليه فإن التأثير المستفاد منها لا يكون بالمعنى المتبادر، بل بمعان أخرى تدخل في مفهوم القوة، ومنها الحكمة والحوار والعلم والأخلاق والمال... إلخ.
وقد وجه الدين الحنيف أتباعه إلى امتلاك هذه الأدوات واستخدامها في نشر الإسلام في العالم أجمع.
﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينَ﴾ (النحل: ١٢٥).
وروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قوله: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ خَدِيجَة» (١٤).
ومعلوم أنه لم ينفقه في الترف والرفاهية لنفسه وإنما أنفقه في سبيل الدعوة للدين.
هذه رؤية الدين التي حث أبناءه لامتلاكها والتعامل مع الآخرين من خلالها، أمّا غيرهم فقد أفرطوا كثيراً في امتلاك القوة واحتكارها واستخدامها، ولكنهم وبعد مراجعات كثيرة تبين لهم التراجع الكبير في تأثيرهم على هذا العالم فاتجهوا نحو نظرية القوة الناعمة، وهذه النظرية تقسم القوة إلى قوتين: الصلبة أي الآلات العسكرية، والناعمة وتعني العلم والإعلام والثقافة... إلخ.
وصاحب هذه النظرية هو (جوزيف س. ناي)، وقد سطر نظريته في كتابه (القوة الناعمة - طرق النجاح في السياسة الدولية) والذي صدر في العام ٢٠٠٤م باللغة الإنجليزية، وترجم إلى العربية وطبع في العام ٢٠٠٧م.
وفي هذا الكتاب يبين الأمور التي تندرج تحت هذا المفهوم الجديد ويحث الساسة على اعتمادها في مجال التأثير على الشعوب والدول.
ويركز على تعليم أبناء المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية وإعداد المتفوقين منهم لأدوار يؤدونها في بلادهم في المستقبل، والإعلام المرئي والمسموع بكل الألوان الثقافية والسياسية والفنية.
وفي هذا الطريق دخلت الصين على الخط فقد خصصت مبلغ ٦،٦ بلايين دولار لتوسيع نطاق قنواتها الإعلامية، ومن خطتها إضافة اللغة الروسية والعربية إلى إعلامها.
ونحن بإمكاننا أن نعمل في زمن الانتظار على بناء القوة الناعمة التي تسهم في نشر الدين الإسلامي وقيمه العادلة في ربوع العالم.
ختاماً:
المؤمن المنتظر لإمام الزمان (عجّل الله فرجه) والطامح في العيش بسلام في دولة كريمة توفر العزة للإسلام والمسلمين يجب عليه أن يستثمر كل ما يمكنه في بناء القوة الناعمة على مختلف الصعد.
«اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ القَائِمِ المُؤَمِّلِ وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ احْفُفْهُ بِمَلَائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلَى كِتَابِكَ وَالقَائِمَ بِدِينِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْناً، يَعْبُدُكَ لَا يُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً.
اللَّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً عَظِيماً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَمِلَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الإِسْلامَ وَأَهْلَهُ وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ وَتَجْعَلُنَا فِيهَا مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى طَاعَتِكَ وَالقَادَةِ إِلَى سَبِيلِكَ وَتَرْزُقُنَا بِهَا كَرَامَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (١٥).

الهوامش:
(١) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٥٢ ص ١٢٥.
(٢) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٣٦ ص ٣٨٧.
(٣) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٥٠ ص ٣١٨.
(٤) لسان العرب، ابن منظور ج ٥ ص ٢١٩.
(٥) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٥٣ ص ١٨٠.
(٦) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٩٥ ص ١٢٠.
(٧) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٥١ ص ٧٤.
(٨) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ٥٣ ص ٩٦.
(٩) المصدر السابق.
(١٠) المصدر السابق.
(١١) المصدر السابق.
(١٢) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق ج ١ ص ١٢٣.
(١٣) تفسير الميزان، العلامة السيد الطباطبائي ج ٩ ص ١١٥.
(١٤) بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج ١٩ ص ٦٣.
(١٥) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي ج ٣ ص ١١١.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016