الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٧٦٤) شبهات المستشرقين عن المهدوية
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٧٦٤) شبهات المستشرقين عن المهدوية

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: مجتبى السادة تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٧/٠١ المشاهدات المشاهدات: ٥٢٣٨ التعليقات التعليقات: ٠

شبهات المستشرقين عن المهدوية

مجتبى السادة

عند استقراء وتتبع دراسات وبحوث المستشرقين بصورة شاملة، نجد ان كتاباتهم الموضوعية والمنصفة تتركز في تاريخ العلوم التجريبية عند المسلمين وتاريخهم الحضاري، أما العلوم الدينية فلا نكاد نجد لها منصفاً في دراساتهم إلّا قليلا جداً جداً، لأنها مرتبطة بالإسلام والدعوة إليه.. وباعتبار أن القضية المهدوية من أعمق العقائد الإسلامية، وخاصة دورها في الوقت الحاضر والمتوقع في المستقبل، لذا نجد الاتجاه العام للمستشرقين غير منصف للمهدوية ومزيف لحقائقها، ومن جهة أخرى نجد القليل جداً جداً من اتسمت بحوثهم بالموضوعية والأمانة، وخلت أعمالهم من آثار التعصب، ومع ذلك لا يعني خلو كتاباتهم من الزلات والأخطاء.
تعد أزمة (المزاعم والشبهات التي يثيرها المستشرقون) من الأزمات التي تعتري معظم الكتابات الاستشراقية الدينية بصورة عامة وبالخصوص حول العقيدة المهدوية، وسوف نشير إلى بعض تلك المزاعم المختلقة والتخرصات المبتدعة التي ذكرت في دراسات المستشرقين، وبالتأكيد فأنه يقف خلف هذه الشبهات والإشكالات دوافع دينية (التبشير) أو دوافع سياسية (الاستعمار).. علماً بأن من يلم بأبسط معارف الدين الإسلامي، ويطلع على أطروحة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) يجد أن هذه المزاعم هشة، ولا تصمد على طاولة البحث العلمي والدراسة والنقاش، وتفتقر للأدلة والبراهين العقلية والنقلية التي تثبتها أو تؤكدها.
إن رؤية الاستشراق للمهدوية تعكس اهتمامات الغرب ودوافعه التي لا تتطابق مع الحقائق والواقع، وهذه الأفكار عرضة للنقد، ومن هذه الرؤى والمواقف الذي تناقلها المستشرقون واحداً عن آخر، ولاقت رواجاً بينهم بمرور الوقت (الافتراءات والمزاعم التي سنشير لها)، وسنحاول مناقشته هذه الشبهات بشكل سريع وموجز، وذلك للوقوف على رؤيتهم وإيضاح مدى ابتعادهم عن الحقيقة، ومجانبتهم لقواعد البحث العلمي:
الشبهة (١): أن فكرة المنقذ والمخلص موجودة قبل الإسلام عند ديانات سابقة، فأخذ المسلمون الفكرة من الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والزرادشتية)، كما ذكر ذلك المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر)،(١) بمعنى أن عقيدة المسلمين في المهدوية غير أصيلة، وقد أكد هذا الزعم أيضاً المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) الذي كتبه في دائرة المعارف الكاثوليكية الأمريكية حيث يقول: إن المهدي عند الشيعة ما هو إلّا انعكاس للمعتقد اليهودي والمسيحي.(٢)
ج (١): إن الأسباب والدوافع لمثل هذا الزعم واضحة جداً، بالإضافة لما يشعرون به من خطر ازاء العقيدة المهدوية مستقبلاً، فعملوا كل ما في وسعهم من أجل تشويه صورتها أمام شعوبهم وأمام كل من يؤمن بها.. ولذا نقول ونؤكد: إن العقل السليم والمنطق العلمي قد يسمح ويقبل بهذا التوهم والافتراء لو كانت اطروحات المخلص للديانات السابقة أغنى وأقدر من الاطروحة المهدوية الإسلامية، لكن إذا كانت المهدوية التي انبثقت على يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) أوسع وأكمل وأحكم وأرحب آفاقا مما سبقه، فكيف يتصور ان يأخذ الغني من الفقير، وان يستعين العالم بالبسيط، ولكن الحقيقة أنه التعصب الديني والعداء التاريخي للإسلام.
الشبهة (٢): التشكيك بأن المهدي (المنقذ والمخلص) آخر الزمان من المسلمين أو من احفاد محمد - الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) - أو كما يدعي المسلمين بأن المهدي من وِلَّدْ محمد، ولكن التاريخ يثبت أنه قد مات ولم يترك أحد من الأبناء الذكور، إذن فكرة المهدي الإسلامي مشكوك بها.. وقد صرح بهذه الفكرة كثير من المستشرقين ومنهم المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر).(٣)
ج (٢): طرح غريب يتجاوز ظاهرة (حكايات العجائز)، فمن المؤكد دخول وِلَّدْ البنات في ذرية الرجل،(٤) وإن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من نسل النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) من أولاد ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما هو متفق عليه عند جميع المسلمين، فهو من صلب الإمام الحسين (عليه السلام) كما تؤكد الأطروحة المهدوية الإمامية، أو من نسل الإمام الحسن (عليه السلام) كما يقول أهل السنة، ففي كلتا الأطروحتين هو من نسل النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، هذا هو الحق الذي عمي عنه المستشرقون أو أغمضت عيونهم عنه.. أما إذا قلنا أن المهدي ليس من احفاد الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأنه ليس من وِلَّدْ أحد الذكور، فعلى هذا الأساس بحسب قول أو زعم المستشرقين أنفسهم يكون النبي عيسى (عليه السلام) ليس من وِلَّدْ النبي إبراهيم (عليه السلام)، ولا معنى لأن يتشبث المسيحيون بأنه من نسل يعقوب (عليه السلام)، فأن عيسى إنما ينسب إلى بني إسرائيل بأمه مريم، فإنه لا أب له، ولكن (جده والد مريم) من وِلَّدْ سليمان بن داود (عليه السلام).
لقد تجرأ المستشرقون على هذا الغمز والطعن في المهدوية، لأنهم وجدوا جذور هذه المطاعن والمزاعم في تراث المسلمين، وأرادوا بذلك تشويه وتقويض المهدوية من محتواها، وسلخها من محوريتها الإسلامية، فليس هناك أي مسوغ للشبهة أو مبرر لهذا الافتراء، ولكن الحقيقة هي ادعاءات لا تستند إلّا لرغبتهم في فرضها.
الشبهة (٣): مدعوا المهدوية في كل البلاد الإسلامية إذا نجح أحد منهم، فهذا يعني أن تنبؤات محمد صادقة، ولكن إلى الآن لم يبرهن أحد على نجاح مهمته السماوية، مما يدعونا للتشكيك في صدق محمد.(٥)
ج (٣): كيف استدل المستشرقون على هذا الزعم والافتراء؟ ومن أين فُهِمَ ان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يقصد وقتنا الحالي، وليس آخر الزمان؟ ومن أين عُرِفَ إننا في آخر الزمان كما كان يقصده (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ وهل تحققت شروط ومسوغات خروج المهدوية؟ ومن قال أن هؤلاء المدعين للمهدوية في التاريخ والحاضر، هم من كان يقصدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حتى نطالب بتحقيق كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ علماً بأن أي من العلامات المحتومة الذي قالها (صلّى الله عليه وآله وسلم) لخروج المهدي (عجّل الله فرجه) لم يتحقق منها شيء، أي حسب منطق واخبار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يحن موعد خروجة، فكيف نشكك في صدقه!، أم هي إرادة الطعن في النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتشويه صورة المهدوية الحقة.
الشبهة (٤): التشكيك في العقيدة المهدوية من الأساس، واستغلال الكثير من الملابسات والفجوات الفكرية الموجودة في تراث المسلمين للتشكيك في مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) ونسفها من الأصل، كما ذكر ذلك المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) حيث يقول: إن هناك رواية تشير إلى كون عيسى هو المهدي نفسه،(٦) أو الاستهزاء بالمهدوية وذكر فرية السرداب كما ذكر ذلك المستشرق رونلدسن في كتابه (عقيدة الشيعة) (٧) والاستشهاد بكلام ابن بطوطة وأهل العامة.
ج (٤): إن خبر (لا مهدي إلّا عيسى ابن مريم) (٨) خبر أحاد، ويعده المحدثيين من الأخبار الضعيفة.. ولما كان الخبر ضعيفاً لا يمكن تقديمه وحتى لو كان صحيحاً على الأخبار المتواترة، حيث استفاضت الأخبار بكثرة رواتها في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنه من عترة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) من ولد فاطمة (عليها السلام) وأنه ينزل في زمنه عيسى بن مريم (عليهما السلام) فيصلي خلفه ويساعده على قتل الدجال، هذا مضافاً إلى تواتر الأخبار بأن اسمه (م ح م د)، فلا يصح حينئذ تقديم الخبر الواحد الثقة، عدا عن الضعيف، على الأخبار المتواترة.. بكل تأكيد إن أصحاب هذه الشبهة لم يحكموا المعايير العلمية في نقد الحديث، ولو طبقوا المنهج العلمي لبدأ لهم هذا الحديث الغريب اليتيم (متهافتاً جداً)، ووضح لهم أن التناقض والتعارض لا يكون قوياً ومستحكماً إلّا إذا تكافأت الروايات المتعارضة، وأين هذا التكافؤ بين الأحاديث المتواترة الواردة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحديث واحد ضعيف تفرد بروايته شخص مجهول.. فلا ندري! هل المستشرق فيليب هيتي يعلم بطرق الحديث ومتونه أم يجهلها؟ حتى يستشهد بهذا الحديث الوحيد الغريب الضعيف في نفيه للمهدوية الإسلامية، ومن هنا نعرف حرص المشككين للتمسك بهذا الخبر، وذلك لقلة ما بأيدهم من أدلة.
 إن هذا الكلام والزعم والافتراء وراءه ما خفي من أغراض ودوافع، فالتركيز على القول (بمهدوية عيسى) يدل على أن هناك طريقة انتقائية مغرضة (في منهجية البحث) تهدف إلى افراغ المهدوية من أصولها ونسبتها إلى مصادر أخرى، وزعزعة مكانتها العالية في نفوس المؤمنين.. وكذلك هناك خطأ (منهجي كبير)، حيث الاعتماد في المصادر على مدرسة واحدة من المسلمين، دون معرفة الفروق المذهبية أو إدراك الدوافع والأهداف.
الشبهة (٥): تزييف حقيقة المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) وذلك بالادعاء أنه الدجال المنبوذ في كل الأديان السماوية، كما يقول الكاتب الأمريكي المعاصر: جويل ريتشاردسون في كتابه (المسيح الدجال الإسلامي حقائق صادمة) حيث ذكر: إن المسلمين ينتظرون المسيح الدجال لا ليرفضوه بل ليقبلوه، وزعم أيضاً إن المهدي يتشابه تماماً مع المسيح الدجال (٩).. وقد أكد هذه الافتراءات أيضاً المستشرق (جون ولفوورد) في كتابه (المسيح الدجال) بقوله: أن المسيح الدجال هو نفسه المهدي الذي ينتظره المسلمون.. وأكد هذا الزعم أيضاً الكاتب الأمريكي المعاصر: مايكل يوسف في كتابه (نهاية الزمان وسر المهدي).. ودائماً وتكراراً يتم ربط المهدوية بالدجال أو بالنبي الكاذب في كتابات المستشرقين المتأخرين.
ج (٥): هذا الزعم والادعاء محض افتراء، وليس هناك أي دليل من مصدر إسلامي يؤكد هذا التخرص، والغريب جداً أن يتهم هؤلاء نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأن الدجال من ذريته، في حين أن المصادر الإسلامية تؤكد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) حذر أمته من فتنة الدجال، وفي الوقت نفسه مدح المهدي وحث المسلمين على إتباعه، فلا ندري لماذا المستشرقون لم يتطرقوا إلى أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) حول حقيقة المهدي وحقيقة الدجال إجمالاً لإيضاح الرؤية.. ولكن موقف المستشرقين خاضع لافتراضات لا تقوم على دليل، ومحاولة جعلها في مستوى الحقائق، مما يعكس صورة للقارئ أن المهدوية (منبع للشر)، وهذا منهج خطير في اطار قلب الحقيقة والواقع.
الشبهة (٦): الزعم أن فكرة مهدي المسلمين ليست سماوية أو من قبل الوحي، بل هي نفسية اجتماعية بسبب الظلم الذي تعرض له الشيعة في التاريخ، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): الاخفاق الذي أصاب الحكومة الأموية في توطيد أركان العدل هو المنشأ لظهور فكرة المهدي،(١٠) وأكد على الفكرة نفسها المستشرق (جولدتسيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) حيث يقول: لابد من تأسيس فكرة الآمال الصامتة لتهدئة روع الناس، ومن أجلى مظاهر فكرة الآمال الصامتة مسألة المهدي،(١١) وكذلك المستشرق (فان فلوتن) في كتابه (السيادة العربية) حيث قال: ولا يفوتنا أن نذكر أولاً أن ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة قد ظل وهماً من الأوهام، حتى إن حاجة الشرقيين اليوم إلى مهدي يملأ الأرض عدلاً لم تكن أقل منها في عهد بني أمية.. ولم يكن جور النظام العباسي وعسفه منذ قيام الدولة العباسية بأقل من النظام الأموي المختل، فحفز النفوس إلى التمسك بعقيدة المهدي والتطلع إلى ظهوره لتخليصها من قسوة ذلك النظام الجديد وجوره.(١٢)
ج (٦): إن العقيدة المهدوية أصلها وجذورها انبثقت من ركني الإسلام (القرآن الكريم والسنة الشريفة)، ومنبع الفكرة عند المسلمين هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية، فالفكرة ليست شيعية وليس لها علاقة باضطهاد الشيعة، فأكابر علماء العامة اخرجوا أحاديث المهدي حيث بلغت فوق الأربعمائة خبر وبطرق متعددة، إضافة إلى ذلك قام الإجماع بين المسلمين وتصافقت عليه الأخبار المتواترة والتي بلغت المئات، وكلها دلت على أن خروج المهدي من المحتوم، وأن تاريخ صدور هذه الأخبار كان قبل نشوء الدولة الأموية عام ٤١ ه.. فلا ندري من أي عباءة اخرج دونالدسن وغيره من المستشرقين هذا التوهم، وبكل تأكيد يهدفون من هذا الموقف والتحليل والاستنتاج أضعاف البعد الغيبي للمهدوية، وإحالة الفكرة إلى أسباب من صنع البشر، وهذا فيه إسقاط متعمد للجانب العقائدي والبعد الروحي فيها.
الشبهة (٧): إن فكرة مهدي المسلمين مختلقة من الخيال، وليست هناك أدلة تثبت المهدي لا من القرآن ولا من السنة، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): إن روايات المهدي موضوعة في عصر ما قبل تدوين السنة النبوية، وان الكتب الروائية السُنّية قد خلت من هذه الروايات .. وقال أيضاً: إن سر وضع الحديث عند الشيعة هو أن القرآن لم يذكر الإمام فاستغلوا السنة لذلك.(١٣)
ج (٧): نؤكد ونقول: لا تقتصر البشارة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة فقط، بل إن الأديان والكتب السماوية التي سبقت الإسلام قد بشرت به أيضاً، ولإيضاح منبع فكرة المهدوية بالنسبة للمسلمين نذكر:
- بالنسبة للقرآن الكريم: من قال كل ما لم يذكر في القرآن ليس له وجود، ثم من قال ان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم يرد له ذكر في القرآن، فإن هناك آيات وإشارات عديدة (بالعشرات) فسرتها الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر.. وإن من يطلع على المعارف القرآنية يدرك أن كتاب الله قد تطرق إلى القضية المهدوية بطرق وأساليب شتى، ويمكن تلخيص منهج القرآن الكريم بالآتي:
أولاً: تحدث القرآن عن وجود إمام لكل زمان وبعنوان (الإمامة)، والمهدي إمام الزمان الحالي. (١٤)
ثانياً: بشر القرآن بوعد إلهي بنشر العدل في كافة بقاع الأرض، على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (عجّل الله فرجه).(١٥)
ثالثاً: ذكر القرآن بعض الحوادث المرافقة لقيام الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).(١٦)
من هنا نؤكد أن لفظة أو مصطلح (المهدي) لم يذكر في القرآن صراحة، ولكن هناك بعض الآيات الكريمة مفسرة ومؤولة في المهدي المنتظر.. ويمتلك التراث الشيعي الاثني عشري مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في القرآن الكريم، فنجد مثلا في كتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) لهاشم البحراني، حيث ذكر ١٢٠ آية كريمة فسرت أو أُولت في المهدي.
- بالنسبة للسنة الشريفة:(١٧) قد تحدث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) بما لا يدع مجالاً للشك من أن وجود المهدي في الأمة ثابت، فقد وردت أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في العديد من الكتب المعتبرة عند أهل السنة، منها على سبيل المثال مسند أحمد وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي، أما بالنسبة للشيعة الإمامية فقد اتفقت كلمتهم وتوحدت كتبهم في ذكر أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).. إن النصوص والروايات الشريفة قد تواترت حول المهدي وأخباره وعلامات ظهوره، ويمكن القول إن موضوع المهدي قد احتل مساحة واسعة من الحديث والرواية، فنجد مثلا في موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي) ما مجموعه ١٨٦١ حديثاً متعلقة بالمهدي، استخرجت من مصادر مختلفة.
فهذه الإحصائيات تعطي فكرة عامة عن مكانة المهدوية عند المسلمين، ومصدر انبثاق وجذور الفكرة لديهم.
الشبهة (٨): مهدي المسلمين هو الذي يشكل الكثير من المشاكل والمتاعب للعالم، فمغامرات مدعي المهدوية في التاريخ الماضي والحاضر خير دليل، وكذلك المستقبل المنظور والمحتمل للمهدي لن يختلف عن الوضع الحالي.. وقد صرح بهذه الفكرة بعض من المستشرقين ولعل أولهم جيمس دارمستيتير في مقدمة كتابه (المهدي الماضي والحاضر).(١٨)
ج (٨): إن رؤية معظم المستشرقين للمهدوية من الناحية الفلسفية تقوم على أساس صراع الحضارات ومعارضة الثقافات، وهذه الرؤية تأصلت في إطار فكري لا ينسجم مع روح ومبادئ وأهداف المهدوية، المبنية على أسس نشر القسط والعدل لكل البشرية، ومصداقيتها أنها من وحي السماء وليس من صنع البشر.. ولكن الكتابات والابحاث الاستعمارية لا تقبل هذا الكلام: لأن المهدوية تتعارض مع مصالحهم ولابد من محاربتها والقضاء عليها.. علماً بأن الكثير من مدعي المهدوية انطلقوا في مهمتهم بتدبير ودعم ومساندة من المخابرات الأجنبية، وأوضح مثال على ذلك: البهائية والقاديانية والبابية.
سلك المستشرقون الذين تناولوا العقيدة المهدوية منهجاً واحداً يكاد لا يختلف، وما ذكرنا لمثل هذه المزاعم والاختلاقات التي اقتبسناها من بعض كتب المستشرقين إلّا عرض صورة توضيحية لمواقفهم ونظرتهم ورؤيتهم للمهدوية الإسلامية.. وليس هناك شك من أنهم قد غالوا في آرائهم وبالغوا في إظهار الشبهات إلى حد كبير بهدف التقليل من أصالة العقيدة المهدوية، وتقويض مبادئها، والقضاء عليها من الأساس.
وبعد أن أشرنا بشكل موجز إلى رؤية المستشرقين للمهدوية، يمكننا الخروج بالنقاط التالية:
- إن معظم الآراء والاستنتاجات الاستشراقية التي صدرت بحق المهدوية، تدل على أنها كانت أحكاماً مبنية على أفكار مسبقة.
- أطلق المستشرقون مصطلحات (كالخرافة والأسطورة وبلغة الاستهزاء) بحق المهدوية، وهذا لا يمت إلى منهج البحث العلمي بأية صلة، ولكنه دلالة واضحة على الأهداف والدوافع التي ينطلقون منها.
- ركز المستشرقون على بعض الروايات والأخبار الضعيفة عند المسلمين، وكان الهدف منها النيل من أصالة المهدوية ومكانتها والتشكيك فيها.
- إشكالات وأخطاء منهجية عديدة في بحوثهم عن المهدوية - مقصودة -، أبعدتهم عن الموضوعية العلمية والمنطق العقلي، ولكنها في الأساس تخدم أغراضهم.
- التشكيك في أصالة المهدوية الإسلامية وإضفاء صفة التبعية، أو أنها مقتبسة من ديانات سابقة، أو إن الفكرة ليست سماوية (من قبل الوحي) بل نتيجة لظلم واضطهاد سياسي.
- الصاق الفكرة بالطائفة الشيعية فقط، وأخذ ما كتب من طعن وتشويه بالمهدوية في كتب وتراث المدارس الإسلامية الأخرى أخذ المسلمات بلا أدنى تحليل أو نقاش.
بنظرة كلية شاملة وبتتبع دقيق نلحظ ان المستشرقين لهم مواقف ورؤى ثابتة من المهدوية، فتكرار المزاعم والشبهات واجترارها باستمرار، ومن دون أي تجديد أو تطوير فيها، يدل على عدم علمية أو منطقية هذه الإشكالات، إنما للتشكيك والتشويه والرغبة في فرض الافتراءات.
إننا مطالبون بتصحيح الرؤية عن مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) لدى الشعوب والرأي العام (الآخر)، وطرحها بصورتها الحقيقية وشكلها الحضاري، وإيضاح المستقبل المتألق الذي ينتظر البشرية على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).. فلو أحسنا عرض المهدوية وأوضحنا أهدافها، وعملنا على الترويج لها، وكان ذلك بحكمة وبأساليب علمية وحضارية، فسيتم حينها دحض كل الشبهات والمزاعم التي ينشرها المستشرقون بيسر وسهولة.

الهوامش:

(١) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, ١st Chapter, Pages ١١-١٥ , ١٨٨٥, NY- USA
(٢) See (al-Mahdi) in New Catholic Encyclopedia, Second Edition, Volume ٩ – Page ٤٨, ٢٠٠٢, USA
 دائرة المعارف الكاثوليكية الأمريكية – لفظة (المهدي)، المجلد ٩، ص ٤٨ .. كتب بواسطة: فيليب هيتي.
(٣) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, ٢nd Chapter, Page ١٦ , ١٨٨٥, NY- USA
(٤) قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ۚ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، سورة الأنعام: آية ٨٤-٨٦.
(٥) The Mahdi Past and Present: Translator’s Preface – Ada S. Ballin , Page ٤
(٦) دائرة المعارف الكاثوليكية الأمريكية – لفظة (المهدي)، المجلد ٩، ص ٤٨ .. كتب بواسطة: فيليب هيتي.
(٧) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت رونلدسن، تعريب ع.م. الطبعة الأولى ١٩٤٦م – القاهرة، ص ٢٤٧ و ٢٤٨.
(٨) ذكر الحديث ابن ماجه في سننه ج٢ ص٣٤٠ حديث ٤٠٣٩، ولقد ضعف جمع من علماء أهل العامة هذا الحديث الغريب، وقد قدحوا بمحمد بن خالد الجندي من سلسلة سند الرواة، وقالوا عنه مجهول.
(٩) The Islamic Antichrist – Joel Richardson , ٢٠٠٩ , Pages ٨٠ , ٩٤ & ١٨٧
(١٠) كتاب: العقيدة والشريعة في الإسلام، أجناس جولدتسيهر (١٨٥٠م -١٩٢١م)، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون، الطبعة الأولى ١٩٥٩م – القاهرة، الناشر: المركز القومي للترجمة، ص ٨٥.
(١١) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت دونالدسن، تعريب ع.م. الطبعة الأولى ١٩٤٦م – القاهرة، ص ٢٣١.
(١٢) كتاب: السيادة العربية، ج. فان فلوتن، ص ١٣٢ .. وكتاب : السيطرة العربية، ج. فان فلوتن، ص ١١٨.
(١٣) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت دونالدسن، الطبعة الأولى ١٩٤٦م – القاهرة، ص ٢٣١.
(١٤) قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، سورة الإسراء : آية ٧١.
(١٥) قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾، سورة النور : آية ٥٥.
(١٦) قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾، مصداق لعلامة الصيحة السماوية، سورة ق : آية ٤١-٤٢.
(١٧) الأحاديث الشريفة: هي وحي يوحى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ سورة النجم: آية ٣ و ٤ .. وقد قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه﴾ سورة النساء : آية ٨٠.
(١٨) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, Page ٥ , ١٨٨٥, NY- USA

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016