الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٩) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتكامل الإنساني
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٩) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتكامل الإنساني

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: السيد فاضل الجابري تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/٠٦/٠١ المشاهدات المشاهدات: ٤٧٦٢ التعليقات التعليقات: ٠

الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتكامل الإنساني

السيد فاضل الجابري

تمهيد:
من المعلوم عند أهل البصائر أن العقيدة ليست أمراً هامشياً في حياة الإنسان ,بل لها الدور المحوري في تشكيل الرؤية الفكرية والابستومولوجية عنده والمعبر عنها بالاصطلاح الكلامي (الرؤية الكونية) وهي التي تشكل المعالم النظرية لكل سلوك أو منهج أو طقوس أو غير ذلك, أي هي التي تحدد حركة الإنسان ونظرته للمحاور الثلاثة الأساسية في حياة الإنسان أي (الله) و(العالم) و(الإنسان).
فالإنسان لا زال متفكراً في هذه الموجودات الثلاثة ويعتبر الموقف منها أساس العقيدة أو الرؤية الكونية المعرفية. ثم يتفرع على هذه الأمور الثلاثة الأسئلة المحورية في حياة الإنسان بحسب علم الانتربولوجيا وهي: أنه من اين؟ والى اين؟ ولماذا خلق؟
وسوف يختلف الجواب عن هذه الأسئلة باختلاف تحديد الموقف من المحاور الثلاثة السابقة, فهل يوجد خالق لهذا الكون أم لا وإنما وجد صدفة محضة؟ وما هو دور الإنسان في هذا الوجود, هل له امتياز عن بقية الموجودات ام هو كغيره من الموجودات؟ وهل الوجود الذي يحيط بالإنسان مادي صرف, أم يوجد وراء هذه المادة موجودات غير مادية؟ ومن أين جاء الإنسان, ولماذا جاء, وإلى أين يكون؟
هنا تتحدد قيمة الإنسان ومقامه في الوجود. وهنا يكون الوجود بكل موجوداته اما أمرا عبثيا لا هدفية له أو يكون له هدف وغاية وجد لأجلها؟ يكون الإنسان فيها محور هذا الوجود باعتباره سيد الموجودات وان كل الموجودات الاخرى سخرت له أما بشكل مباشر أو غير مباشر.
مبدأ الغائية في الوجود:
هناك سؤال جوهري يطرح نفسه على ضوء ما قدمنا وهو هل ان الإنسان خلق لأجل غاية وهدف أم خلق صدفة وعبث؟
الجواب: لا شك بأننا لو قلنا بان لهذا العالم خالق عليم حكيم, وان من المستحيل وجود كل هذه الموجودات صدفة بدليل العقل والفطرة والتجربة.
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ (سورة ص آية ٢٧)
إذن لابد لهذا الوجود من خالق, ويجب أن يكون لهذا الخالق هدف وغاية في خلقه لهذه الموجودات.
وإذا أردنا أن نترك شأن بقية الموجودات ونركز الكلام على الإنسان فحسب لأنه محور هذا العالم كما أسلفنا, فمن المؤكد انه داخل تحت نظام الغائية, لأنه مبدأ لا يمكن رفع اليد عنه بأي حال من الأحوال.

وهنا نريد أن نسأل عن غاية وجود الإنسان ما هي؟
الجواب: إن غاية وجود الإنسان ترتبط بالتكامل الوجودي بحيث يتدرج في مدرج الوجود حتى يصبح إنسانا كاملا ينطبق عليه قوله (عزَّ وجل): ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (سورة البقرة ٣٠)، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ (سورة النجم آية ٩), وهو ما وصل إليه الوجود المقدس لسيد الخلق محمد المصطفى
(صلى الله عليه واله), وهو المعبر عنه بلسان العرفاء بـ(الإنسان الكامل). قال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (سورة التين آية ٤). فوصول الإنسان إلى مرحلة الإنسان الكامل هو نهاية الحركة التكاملية في عالم الوجود لان تلك المرتبة هي أعلى مراتب الوجود الإمكاني.
والإنسان الكامل هذا يتصف بأنه: قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَأَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَلَطُفَ غَلِيظُهُ وَبَرَقَ لَهُ لَامِعٌ كَثِيرُ الْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ وَسَلَكَ بِهِ السَّبِيلَ. (نهج البلاغة خ ٢١٨).

فهو الكامل من حيث الإدراك والعقل, والكامل من حيث تهذيب النفس والسيطرة عليها من جميع القوى. وهو الكامل من حيث بذل الجهد في القرب من كمال الوجود المطلق حتى أصبح يتشبه به كما قال (صلى الله عليه واله): (تخلقوا بأخلاق الله) بحار الأنوار ٥٨/١٢٩.
ومن الجدير بالذكر أن نقول: بان الغائية تنقسم إلى قسمين:
الأولى هي: الغائية الفردية, والأخرى هي: الغائية العامة الاجتماعية (النوعية).
أما الغائية الأولى, فقد عرفت أن الإنسان كفرد خلق لأجل الوصول إلى حالة النضوج الإنساني الكامل على جميع المستويات, من خلال السير والسلوك إلى الله تعالى, وتطبيق الأوامر الإلهية سواء بالعبادات أو المعاملات, وهو الانقياد الكامل وتمحض العبودية لله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (سورة الذاريات آية ٥٦). فالإنسان من خلال ذلك يصبح مظهرا لأسماء الله تعالى ومحلا لتجلياته, وكلما ازداد علما وعملا ارتفعت درجته الوجودية حتى يبلغ الدرجة الأقصى.
الغاية الاجتماعية (النوعية):
وأما القسم الثاني وهي الغائية الاجتماعية النوعية فهي تتعلق بالأمة والنوع البشري ككل وليس بالفرد بالخصوص, كما في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (سورة آل عمران ١٠٤) وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (سورة البقرة آية ١٤٣), وقوله: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء آية ٩٢).
فهذه الغاية لا ترتبط بالفرد بما هو فرد وإنما بالأمة والنوع أجمع, أي إن الله تعالى يريد من النوع بما هو نوع أن يصل إلى مرتبة الكمال النوعي أو قل المجتمع الكامل. فكما عندنا فرد كامل لابد ان يكون عندنا مجتمع كامل.
ثم هناك اختلاف في عوامل وعناصر كل واحد من الفرد والنوع.
فلابد من توفير كل المستلزمات لتكامل المجتمع البشري وفق القوانين الإلهية والسنن الربانية التي هي بمثابة العلل الفاعلية لتحقق ذلك التكامل المنشود.
إن المشروع الإلهي في إرسال الرسل وإنزال الكتب والتعاليم الإلهية لم يقتصر على الغائية الفردية, وإنما عمل على تحقيق وبناء الغائية النوعية بشكل متواز تماما, لوجود الترابط الصميمي بين الفرد والمجتمع. كما قال (صلى الله عليه واله): مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى. (صحيح البخاري ح ٦٠١١).
وهذا الترابط الصميمي بين الفرد والمجتمع يجعل الإنسان في موضع المسؤولية عن بقية الأفراد في كل المجالات.
قال (صلّى الله عليه واله): كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ. (بحار الأنوار: ٧٢/٣٨)، ولذا نجد أن الشريعة الإسلامية أولت اهتماما كبيراُ لمسألة مراعاة المجتمع ولأوجبت اهتمام الأفراد بأبناء النوع البشري ككل من دون استثناء, لأنهم صنفان: أما أخٌ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق. (نهج البلاغة).
إذن التكامل والرفاه, والتطور الاجتماعي لجميع النوع البشري غاية أساسية من غايات الدين, واحد علل بعثة الأنبياء كما يؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (سورة الأنبياء ١٠٧), وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سورة سبأ ٢٨), فمقتضى الرحمة للعالمين والبشرى لهم بالنعيم والإنذار لهم بالعذاب والجحيم يقتضي كون غاية الرسالة الإلهية إصلاح المجتمع وإيصاله إلى مرحلة النضوج والتكامل من جميع الجهات.
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتكامل البشري:
من المعلوم أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف يحقق غاية كل الرسالات الإلهية, وأمنيات الأنبياء والأوصياء والمصلحين على طول تاريخ البشرية. فهو الذي سوف يملئ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً, وفي حكومته الزكية سوف يتكامل النوع الإنساني, وهذا التكامل الإنساني سوف يتجلى بعده مستويات:
المستوى الأول: التكامل العلمي
إذا كانت الحداثة هي إتباع كل أمر حديث ومحاولة الوصول إلى أرقى المستويات العلمية والتكنولوجية, فان دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرج) سوف تكون دولة حداثوية بامتياز, فالأمام سوف يأتي للناس بعلوم لم يعهدها ويطور العلم إلى درجة لا يمكن تخيلها حالياً.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان, فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين, فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً. (مختصر بصائر الدرجات ١١٧).
طبعا المقصود من الحرف هو وحدة قياسية لمستوى العلم, مثل أي وحدة قياسية أخرى. وحينما يبث الإمام هذه الدرجات الكثيرة التي تعادل أضعاف ما عند الناس من علم فلاشك بان ذلك سوف يؤدي إلى طفرة علمية هائلة جداً.
وهذا التقدم العلمي الذي يصاحب دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف يكون على جميع الأصعدة التي يحتاجها الإنسان, ومن المؤكدان ذلك يشمل الجانب الطبي والحياتي من الإنسان, ولذا وردت الروايات لتؤكد بان الإنسان في ذلك الزمان يعيش ألف عام, أي يكون متوسط عمر الإنسان هو ألف سنة, وما ذلك إلا بسبب وسائل الطب والوقاية من الأمراض وصناعة الأدوية النافعة وإزالة كل موجبات تلف الخلايا الذي يؤدي إلى الهرم أو الخلل في الأجهزة الأساسية لبقاء صحة الإنسان, ولذا ورد عنهم (عليهم السلام): من أدرك قائم أهل البيت من ذي عاهة برأت ومن ذي ضعف قوي. (بحار الأنوار ج٥٢)
وهكذا الحال في كل مجالات الحياة الإنسانية حيث تتبدل الحياة بشكل عجيب بل وسوف لن تقتصر حياة الإنسان على هذا الكوكب وإنما سوف تكون هناك مستعمرات ضخمة في الكواكب الأخرى, وسوف يكتشف الإنسان المجرات المجاورة وما فيها من نجوم وكواكب.
المستوى الثاني: التطور العقلي
من المؤكد أن قيمة الإنسان بعقله لا بشيء آخر, فبه تميز عن بقية الموجودات, وهذا العقل بطبيعته عامل فعّال وقادر على إدراك كل مفردات الواقع وإيصال الإنسان إلى أعلى المستويات, ولكن بسبب سوء التربية والتعليم والظروف المختلفة يتراجع العقل حتى يصبح الإنسان في بعض الأحيان أدنى مستوى من البهيمة, ولذا جاءت الرسل الإلهية لأجل إزالة كل المسببات الموجبة لغياب العقل تحت تراب وظلام الجهل والتخلف. ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في علة إرسال الأنبياء (عليهم السلام): فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَهُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ. (نهج البلاغة).
فالعقول فيها دفائن أي كنوز مدفونة بسبب العوامل السلبية التي تمر على الإنسان, فيأتي المشروع الإلهي لكي يعيد للإنسان عقله الكامل, وبذلك يستطيع إدراك الواقع بكل تفاصيله فيصل إلى غاياته وأمنياته.
والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يبدأ بتنفيذ هذه المهمة على أرض الواقع بشكل عملي, حتى ينطلق الإنسان في دولته وهو يملك اكبر سلاح يواجه به الحياة وهو العقل, ولذا يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم. (الكافي ج١ ص ٢٥)
فعبارة (رؤوس العباد) فيها دلالة واضحة على أن هذا التطور العقلي سوف يشمل جميع النوع الإنساني. ومن المؤكد إن قوله: (وضع يده) ليس المقصود به اليد الجارحة لعدم إمكان ذلك من الناحية العلمية وإنما المقصود به القدرة والقوة, أو النعمة, بمعنى إن الإمام (عجّل الله فرجه) له قدرة اعجازية على فعل ذلك, أو من خلال وسائل طبيعية وتطور في الصحة العامة الأمر الذي يؤدي إلى تلك النتيجة, لاسيما وان من معاني اليد هو النعمة كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ﴾ (سورة ص آية ١٧) أي ذي النعمة, فيكون المعنى ان الناس في ظل دولته المباركة تعيش حالة الرخاء والصحة الجسمية والنفسية والعقلية بحيث تكتمل العقول والأحلام.
ولا ريب بان ذلك يؤدي إلى نتائج مذهلة على جميع الأصعدة, فلا تجد ذكراً للشرك ولا للنزاع ولا للعصبية ولا للطمع ولا لغير ذلك من الأمور التي تؤدي بالإنسان إلى السقوط والظلم والجور الكفران, ومن نتائج ذلك ان الناس تعبد إلهاً واحداً لا شريك له, وتؤمن بجميع الأنبياء والمرسلين, وتؤدي كل الواجبات الشرعية, وتترك كل المعاصي والمحرمات, وبذلك يتحقق الكمال النوعي للإنسان.
المستوى الثالث: التكامل الاجتماعي
ويترتب ويتمخض عن التكامل العلمي والعقلي نوع من التماسك الاجتماعي والوحدة الاجتماعية ,لان المجتمع آنذاك سوف يخلو من كل الأمراض الاجتماعية المؤدية إلى تفككه وانتشار الحقد والحسد والكراهية فيه. فلا جور ولا ظلم في زمانه (عجّل الله فرجه), يصبح الأخ يحب أخيه, والجار لا يحسد جاره, وتسد كل عوامل الفساد والانحراف. وهو المعبر عنه بالمجتمع الصالح الذي سوف يستخلف الأرض ويرثها, قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء ١٠٥), قال الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية: القائم (عليه السلام) وأصحابه.
فالمجتمع الصالح هو المجتمع المؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر, المؤدي للتكاليف الإلهية والمتجنب للحرمات السابق بالخيرات العامل للصالحات, وهذه المواصفات كلها تنطبق على مجتمع عصر الظهور المبارك.
إن وجود المجتمع الفاضل كان حلم جميع الأنبياء والفلاسفة, بل هو حلم كل البشرية حتى الطالحون منهم, ولذا كتب افلاطون في المدينة الفاضلة وبين أن أهلها يكونوا من
الحكماء والصلحاء, ولا شك بان ذلك ينطبق على دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه), لأن أهلها سوف تكتمل عقولهم فهم حكماء, وسوف يصبحوا في غاية الإيمان والتقوى فهم صلحاء.
المستوى الرابع: التكامل الاقتصادي
لا شك بان للجانب الاقتصادي والمالي الدور الأساس في رفاهية الإنسان وسعادته لتحقيق أمنياته وراحته, ومشكلة الفقر والعوز عصفت بالإنسان على طول التاريخ وجعلت منه سلعة تباع وتشترى, بل إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (كاد الفقر إن يكون كفراً) فحينما يجوع الإنسان سوف لن يتمكن من ممارسة اي عمل, فلابد من إشباع حاجة الإنسان وسدها بشكل جيد حتى نستطيع أن نقول له: اتق الله, ولذا ورد عنهم (عليهم السلام): اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر. ويقول أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه): عجبت لمن لم يجد قوت يومه، كيف لا يخرج للناس شاهرا ً سيفه. هذا من جهة, ومن جهة أخرى فان الله تعالى جعل في هذه الأرض كل الإمكانات والخيرات التي يستطيع الإنسان- إذا ما استثمرها- أن يعيش أفضل الحياة, لان فيها الكفاية وفوق الكفاية, إلا إن الإنسان أما انه يستأثر بما يخرج منها فيشبع بعض ويجوع آخرون, وأما انه يجهل بكيفية الاستفادة منها, وهنا يأتي دور الإمام وحكومته الراشدة لكي يستفيد الإنسان من كل خيرات الأرض, حيث سوف يكون العدل هو السائد ويتم توزيع الثروة بشكل عادل بحيث لا يكون هناك فقير أبدا, ويتفاضل الناس اقتصاديا ً بأمور زائدة عن الحاجة, بل سوف يرتفع مستوى الإدراك بحيث يصبح الإنسان لا يأخذ إلا بمقدار ما يحتاج إليه.
روي عن أبي جعفر (عليه السلام): القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض وتظْهرُ له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ويُظهرُ الله به دينه ولو كره المشركون فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمّر. (كمال الدين ص٣٣٠), وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله): أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً. فقال رجل :ما صحاحاً؟ قال(صلى الله عليه وآله): بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب أمتي محمد (صلوات الله عليه) غنى، ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً ينادي يقول: من له في المال حاجة؟
فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول: ائت السدان -يعني الخازن- فقل له: إن المهدي (عليه السلام) يأمرك أن تعطيني مالاً. فيقول له: أُحث, حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم... الخ. (دلائل الإمامة: ص ٢٤٩)
إذن في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تطور اقتصادي وثروة كبيرة ورفاه اقتصادي وعدالة اجتماعية عامة لا تدع فقيرا ومحتاجا أبداً.
الخلاصة:
من خلال ما مضى ومن خلال هذه المستويات وغيرها سوف يصبح المجتمع الإنساني في زمان وعصر الظهور المقدس مجتمعاً متكاملاً, قد وصل إلى غائية خلقته ويصبح النوع البشري خليفة لله في أرضه كما أراده الله تبارك وتعالى.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016