الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٦٤٩) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقبول التوبة
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٦٤٩) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقبول التوبة

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: نصرت الله آيتي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٣/١٢ المشاهدات المشاهدات: ٤٩٢٣ التعليقات التعليقات: ٠

الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقبول التوبة

نصرت الله آيتي

المصطلحات الأساسيّة:
التوبة، قبول التوبة، الظهور، الهداية، علائم العذاب، طلب التوبة.
المقدّمة:
يُعتبَر الانحطاط الأخلاقي، وتدنّي مستوى السلوك العملي للبشـر، من أهمّ شواخص دور آخر الزمان، ففي هذا العصـر تبتعد البشريَّة عن هويَّتها الحقيقيَّة لمسافات كبيرة، وتودِّع انتسابها إلى بواطن وجودها والقيم المنبثقة منها، طيَّ النسيان.
إنَّ إثبات اضطراب أوضاع البشـر في عصـر الغيبة، وابتعادها عن جادَّة السعادة، لا يحتاج إلى الاستدلال عليه بآية أو رواية، مع أنَّ الآيات الكثيرة والروايات المتعدِّدة قد وردت في ذلك، وذلك لأنَّ تاريخ عصـر الغيبة شاهدٌ حاضر على ذلك، مضافاً إلى أنَّنا نلاحظ ذلك ظاهراً للعيان في كلِّ شارع وزقاق، في كلِّ يوم ولحظة من زماننا المعاصر.
والسؤال المهمّ هنا هو: كيف سيتعامل الإمام المهدي (عليه السلام) مع كلِّ هذه الجموع الغفيرة من بشر عصر الغيبة التي تورَّطت في الضلال والانحلال؟ وكيف سيجازيهم على أفعالهم؟
فهل سيتَّخذ سبيل الهداية والتربية والإصلاح معهم، أم سيقوم بتصفيتهم وتطهير الأرض من شرِّهم؟
وهنا رؤيتان في القضيّة، رؤية ترى بأنَّ الإمام المهدي (عليه السلام)، ولهمَّته العالية في الإصلاح، سيحتضن هؤلاء البشـر الذين ضاقوا ذرعاً من ضياعهم، واليائسين من المناهج الوضيعة، وسيقوم بتهيئة كلّ أسباب بثِّ روح الأمل فيهم، وإعادتهم إلى حياة سليمة. فالتعليم والتزكية هي من أهمّ أُسس رسالة الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن أُصول أساليبه للوصول إلى مجتمع المبادئ والقيم السامية.
واستناداً إلى هذه الرؤية، سيكون عصـر الظهور عصـر الرشد والتربية والتهذيب، وعصـر ترميم الكسور النفسيّة وجبران النواقص البشريّة، فرسالة الإمام المهدي (عليه السلام) ليست رسالة قمع وقلع الملوَّثين، بل هي رسالة محو التلوّث ومحاربته وإزالته.
والرؤية الثانية ترى بأنَّ عصـر الغيبة هو عصـر الفُرص واغتنامها، فالبشريّة في هذا الدور مأمورة باستثمار الألطاف الإلهيّة على أحسن وجه، وأن توصل نفسها إلى ساحل الأمان في خضم المحيط المتلاطم بفتن آخر الزمان، ومع انتهاء عصـر الغيبة، ينتهي وقت اغتنام الفرص أيضاً، ويُسلَب الإنسان حقَّ العودة وجبران النواقص، إذ لا يستحقُّ العيش في دولة العدل المهدوي إلَّا أُولئك الذين اغتنموا الفرصة في عصر الغيبة بالنحو الصحيح والأفضل.
واستناداً إلى هذه الرؤية، لن يكون ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بمنزلة بداية التعليم والتهذيب لأفراد البشـر، بل سيكون بمثابة انتهاء دورة تحصيل الإنسان وتخرّجه من المدرسة، ولا يكون للإمام المهدي (عليه السلام) إلَّا دور منح هذا التلميذ شهادة التحصيل.
والظاهر من بعض الروايات أنَّها تُؤيّد الرؤية الثانية. وعلى أساس هذه الروايات يكون باب التوبة مسدوداً لغير المؤمنين، فلا نفع من إظهار ندمهم يومئذٍ.
كما أنَّ الظاهر من البعض الآخر من الروايات أنَّ مائدة الرشد والكمال في عصـر دولة الحقِّ المهدويّة ستبقى ممدودة للبشريّة جمعاء، فيمكن للجميع أن ينحرفوا عن مسير الضلال الذي كانوا عليه في زمن الغيبة، ويعودوا إلى جادَّة الحقِّ والحقيقة والهدى، وأن يضعوا أقدامهم على صراط السعادة ليخطوا خطوات راسخة في ظل هداية الإمام المهدي (عليه السلام).
تُرى، أيُّ الرؤيتين هي الصحيحة؟ وأيُّهما الخاطئة؟ وهل ستنتهي الفرص حقّاً، وينسدُّ باب التوبة في عصـر الظهور، أم أنَّ المجالات ستتعدَّد وتتَّسع، وستفتح آفاق جديدة في وجه البشـريّة لطيِّ مراحل الكمال؟
إنَّ سيرة وسُنَّة الإمام المهدي (عليه السلام) بشكل عامٍّ، وقضيّة قبول التوبة في عصـر الظهور بشكل خاصّ، هي من جملة الأبعاد المهمَّة في الفكر المهدوي، فالرؤية القائلة بانسداد باب التوبة في عصر الظهور، قد تكون داعياً ومحفِّزاً للمنتظرين لإصلاح نفوسهم وتهذيبها في زمن الغيبة، ولكنَّها في نفس الوقت قد تصير سبباً في تخوّف هؤلاء من عصـر الظهور ممَّا يؤدّي إلى إمكان التقليل من اشتياقهم لدرك ذلك العصـر الشـريف، وهذا ما قد يُؤدّي إلى ابطاء عمليّة التمهيد للظهور، مضافاً إلى نشوء الاحساس باليأس وفقدان الأمل بالمستقبل المشرق.
ومن هنا، ونظراً لوجود جذور لهذه الرؤية في بعض الروايات الشـريفة، كان لا بدَّ من التحقيق العلمي الجامع والدقيق في صحَّة وسقم هذه الرؤية، وهذا التلقّي الفكري.
أضف إلى ذلك، إذا كانت رؤية قبول التوبة في عصـر الظهور الشـريف صحيحة، فإنَّ تبيين عدم صحَّة الرؤية الثانية أمرٌ ضروريٌّ أيضاً.
وأمَّا إذا كانت الرؤية الثانية هي الصحيحة، كان لا بدَّ من دقِّ نواقيس الخطر وإذاعة ذلك وإشاعته في المجتمعات البشـريّة، لتحذيرهم من مغبَّة إضاعة الفرص في عصـر الغيبة، فإنَّ انتهاء عصـر الغيبة سيكون بمثابة بداية شقائهم الأبدي.
ولكن، ومن جهة أُخرى لا بدَّ من الإجابة عن إشكالية عدم انسجام انسداد باب التوبة مع شخصيّة الإمام المهدي (عليه السلام) العطوفة الرؤوفة.
ولذا، فإنَّ التحقيق الدقيق والشامل لبيان صحَّة كلِّ فرضية من الفرضيتين الآنفتين، مطلوب جدّاً، بل هو ضروري.
الضابطة الكلّية للتوبة في القرآن الكريم:
قبل الدخول في أصل البحث وتحليل الروايات الموافقة والمخالفة، لا بدَّ من التعرّف الإجمالي على رأي القرآن الكريم في خصوص التوبة، والذي يمكننا اعتباره ضابطة كلّية في باب التوبة وقبولها أو عدمه، وسيكون المعيار في تشخيص الصحيح من الروايات عن سقيمها.
يضاف إلى ذلك، أنَّ الاعتماد على هذه الضابطة الكلّية يُمكِّننا من الفهم الصحيح للروايات وتفسيرها تفسيراً مقبولاً.
لقد تطرَّق القرآن الكريم في العديد من الآيات الشـريفة إلى التوبة وحقيقتها، وجزاء التائبين، وجزاء من يخرج من الدنيا قبل توبته من المعاصي والذنوب.
والذي يهمّنا في المقام، ويتناسب مع مورد البحث هو شرائط قبول التوبة في القرآن الكريم.
وفي هذا المجال، توجد طائفتان من الآيات الكريمة:
الطائفة الأولى:
آيات تُبشِّـر - بشكل مطلق - أُولئك الذين يندمون على اقترافهم الذنوب والمعاصي، وعلى سلوكهم المنحرف عن الشـرع، وأنَّ الله تعالى يغضُّ الطرف عن ذنوبهم بعد توبتهم، ويقبل توبتهم بسعة رحمته.
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى بعض تلك الآيات المباركات:
قال تعالى:
١ - ﴿فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (المائدة: ٣٩).
٢ - ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام: ٥٤).
٣ - ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر: ٥٣).
ففي بعض هذه الآيات، اعتبرت التوبة مشـروطة بالعمل الصالح، ولكن وبحسب تعبير العلَّامة الطباطبائي قدس سره، فإنَّ الأعمال الصالحة لا هي مقدَّمة للتوبة، ولا هي ركن من أركانها، وما هي إلَّا نتيجة من نتائج التوبة الحقيقيّة(١)، أي إنَّ التوبة إذا كانت حقيقيّة فإنَّ قبولها ليس مشـروطاً بأيِّ شرط، نعم إنَّ التوبة الحقيقيّة تستتبع القيام بالأعمال الصالحة، وقيد (أصلح) في الآية الشـريفة ناظرٌ إلى حقيقيّة التوبة لا أنَّه شرطٌ فيها(٢).
الطائفة الثانية:
وفي طائفة أُخرى من الآيات الشـريفة، اعتبر الباري (عزَّ وجلَّ) بعض الشـروط لقبول التوبة، ومن جملة تلك الشروط:
١ - عدم نزول أو ظهور بوادر العذاب الإلهي، أي إنَّ زمان التوبة لأهل العناد والمتمرِّدين الذين استحقّوا العذاب، ينتهي وينسدُّ بابها عند ظهور علامات العذاب الإلهي، فلا تُقبَل لهم توبة حينئذٍ.
قال تعالى:
﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْـرِكينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتي‏ قَدْ خَلَتْ في‏ عِبادِهِ وَخَسِـرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ﴾ (غافر: ٨٤ و٨٥).
ومن ثَمَّ، لم تُقبَل توبة فرعون عند نزول العذاب بالغرق.
قال تعالى:
﴿حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ (يونس: ٩٠ و٩١).
٢ و٣ - أن لا يكون الذنب أو المعصية صادرة عن عنادٍ وإصرار، وأن لا تظهر على العاصي علامات الموت.
وهذان الشـرطان، يستفادان من هذه الآية الشـريفة، والتي يعتبرها العلَّامة الطباطبائي (قدس سره) (٣) مبيّنة للضابطة الكلّية لقبول التوبة وعدم قبولها، وهي قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَـرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ (النساء: ١٧ و١٨).
يقول العلَّامة الطباطبائي (قدس سره) في تفسير مصطلح (الجهالة)، والتي تُعتَبر الشـرط الثاني لقبول التوبة:
(فتبيَّن بذلك أنَّ الجهالة في باب الأعمال إتيان العمل عن الهوى وظهور الشهوة والغضب من غير عناد مع الحقِّ، ومن خواصِّ هذا الفعل الصادر عن جهالة أنَّه إذا سكنت ثورة القوى وخمد لهيب الشهوة أو الغضب باقترافٍ للسيِّئة أو بحلول مانع أو بمرور زمان أو ضعف القوى بشيب أو مزاج عاد الإنسان إلى العلم وزالت الجهالة، وبانت الندامة بخلاف الفعل الصادر عن عناد وتعمّد ونحو ذلك، فإنَّ سبب صدوره لـمَّا لم يكن طغيان شـيء من القوى والعواطف والأميال النفسانية، بل أمراً يُسمّى عندهم بخبث الذات ورداءة الفطرة، لا يزول بزوال طغيان القوى والأميال سريعاً أو بطيئاً، بل دام نوعاً بدوام الحياة من غير أن يلحقه ندامة من قريب إلَّا أن يشاء الله)(٤).
وبطبيعة الحال، فإنَّ ذلك لا يعني أنَّ معانداً لو رجع عن عناده، وتاب توبة حقيقيّة نصوحاً، فإنَّ توبته لا تُقبَل، بل إنَّ مثل هذا الشخص إذا تاب فإنَّه سيظهر أنَّ معصيته إنَّما كانت عن جهلٍ لا عن عناد(٥).
والشرط الآخر لقبول التوبة هو عدم تأخير التوبة إلى زمان حلول أجل الموت، يقول العلَّامة الطباطبائي (قدس سره) في خصوص هذا الشرط الثالث:
(والدليل على أنَّ المراد بالقريب في الآية هو ما قبل ظهور آية الموت قوله تعالى في الآية التالية: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَـرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً﴾ (النساء:١٨) (٦).
هذا ويمكننا التمسّك بالروايات لتأييد قبول التوبة إلى ما قبل حلول أجل الموت، ففي الرواية المعتبرة عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السلام، قال:
«إِنَّ آدَمَ قَالَ: يَا رَبِّ، سَلَّطْتَ‏ عَلَيَّ الشَّيْطَانَ‏، وَأَجْرَيْتَهُ مِنِّي مَجْرَى الدَّمِ، فَاجْعَلْ لِي شَيْئاً، فَقَالَ: يَا آدَمُ، جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْـراً، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي، قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ سَيِّئَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لَهُ غَفَرْتُ لَهُ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي، قَالَ: جَعَلْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ، أَوْ قَالَ: بَسَطْتُ لَهُمُ التَّوْبَةَ حَتَّى تَبْلُغَ النَّفْسُ هَذِه»(٧).
وعليه، واستناداً إلى الآيات والروايات الآنفة، والروايات المماثلة، فإنَّ حقَّ التوبة محفوظ لأفراد الإنسان حتَّى تتبيّن علامات الموت، فأمَّا الذين يبقون مصـرّين على تمرّدهم ومعصيتهم حتَّى تظهر فيهم علامات الموت، فلن تُقبَل منهم توبتهم حينئذٍ، ولا ينفعهم ندمهم.
وبما تقدَّم، يتَّضح أنَّ قبول التوبة - من جهة الزمان - يتحدَّد بوقتين اثنين:
الأوَّل: وقت ظهور علامات الموت.
الثاني: وقت ظهور علامات العذاب.
وبطبيعة الحال، فإنَّ زمان ظهور علامات العذاب غالباً ما يكون مقارباً لظهور علامات الموت، إذ أنَّ نزول العذاب الإلهي يستتبع موت العاصين غالباً، ولذا فإنَّ الآيات (١٧ و١٨) من سورة النساء اعتبرت الموت ضابطة زمانيّة لقبول ورفض التوبة، وزمن انتهاء الفرصة المتاحة للإنسان للندم والرجوع عن معاصيه.
والسـرُّ في عدم قبول التوبة حين ظهور علامات الموت، هو أنَّ مثل هذه التوبة ليست توبة حقيقيّة، فإنَّ توبة من يرى علامات الموت، ويرى ملائكة العذاب الذين جاؤوا لقبض روحه، مع أنَّه لم يكن نادماً إلى ما قبل عدَّة لحظات، بل كان مصـرّاً على هتك حرمة الأحكام الإلهيّة، ليست توبة نابعة عن ندم على ارتكاب المعاصي، بل هي نابعة من الاضطرار والخوف من العذاب الإلهي وللفرار من الجزاء الذي ينتظره جراء ارتكاب الذنوب.
ومن أجل ذلك، نجد أنَّ القرآن الكريم يُصـرِّح بأنَّ أمثال هؤلاء لو منحوا فرصة للتوبة لعادوا إلى ما نهوا عنه، وكرَّروا نفس السيرة التي كانوا عليها، قال تعالى:
﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ﴾ (الأنعام: ٢٨).
وبهذا يظهر لنا أنْ لا تنافي بين إطلاق الآيات التي يظهر منها أنَّ باب التوبة والرجوع إلى الله الرؤوف، مفتوح للجميع وليس مقيّداً بأيِّ قيد أو شرط، وبين الآيات التي تعتبر التوبة مشـروطة بأن تكون صادرة قبل ظهور علامات الموت أو العذاب، وذلك لأنَّ الطائفة الأُولى من الآيات ناظرة إلى التوبة والإنابة الحقيقيّة، وأنَّ الله تعالى أرحم وأرفق بالنادمين ندماً حقيقياً على أفعالهم السيّئة، فلا يحتمل في حقِّه تعالى أن يرفض احتضانهم واستقبالهم بدون شرط أو قيد، وأمَّا الطائفة الثانية من الآيات فهي في صدد بيان مصاديق التوبة الحقيقيّة، لا التوبة الصادرة عن خوف واضطرار ووحشة من العذاب الإلهي، وللفرار عن الجزاء والعقاب.
وخلاصة الكلام هي أنَّه، واستناداً إلى آيات القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، فإنَّ الضابطة والأصل الكلّي في باب قبول التوبة وردّها هي أنَّ التوبة الحقيقيّة ليست مقيّدة أو مشـروطة بأيِّ قيد أو شرط إلَّا عدم ظهور علامات العذاب أو الموت، فإنَّ مثل هذه التوبة ليست توبة حقيقيّة، وباب التوبة مفتوح للجميع وفي كلِّ مكانٍ وزمانٍ.
وبعد اتِّضاح الضابطة الكلّية لقبول التوبة، نحاول استطلاع الروايات المعالجة لهذا الموضوع.
إنَّ بعض الروايات التي رسمت إطار عصـر العصور، تتوافق مع هذه الضابطة الكلّية.
وقسمٌ آخر من الروايات والأحاديث تتنافى في ظاهرها مع هذه الضابطة الكلّية.
وعليه، توجد رؤيتان، طبقاً لظواهر الروايات، في خصوص مسألة التوبة في عصر الظهور.
الرؤية الأولى: قبول الإمام المهدي (عليه السلام) التوبة:
النظريّة الأُولى ترى أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) سيقبل توبة التائبين، وأنَّ سيرته مع المنحرفين، هي سيرة الانفتاح عليهم واحتضانهم.
فقسم من الروايات يُصـرِّح باتِّساع رقعة التوبة في عصـر الظهور، ويشير إلى قبول الإمام المهدي (عليه السلام) توبة النادمين على معاصيهم، فهذه الروايات تنفي فرضيّة انسداد باب التوبة بكلِّ وضوح، ويمكننا في هذا الصدد الإشارة إلى الرواية التي ورد فيها أنَّ عبد الحميد الواسطي سأل الإمام الباقر (عليه السلام) قائلاً:
... أَصْلَحَكَ اللهُ إِنَ‏ هَؤُلَاءِ المُرْجِئَةَ يَقُولُونَ:‏ مَا عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ عَلَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ‏ حَتَّى إِذَا جَاءَ مَا تَقُولُونَ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءً، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الحَمِيدِ، صَدَقُوا مَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُرْغِمُ اللهُ إِلَّا بِأَنْفِه...‏»(٨).
وفي حديث آخر، رواه النعماني بثلاثة أسانيد مختلفة، أحدها معتبر، عن بشير النبّال، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«... وَيْحَ‏ هَذِهِ‏ المُرْجِئَةِ إِلَى مَنْ يَلْجَئُونَ غَداً إِذَا قَامَ قَائِمُنَا؟»، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُنَّا وَأَنْتُمْ فِي الْعَدْلِ سَوَاءٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُبْعِدُ اللهُ غَيْرَه‏...»(٩).
ويمكننا استفادة عدَّة أُمور من خلال هذه الروايات، وهي:
١ - إنَّ عدالة الإمام المهدي (عليه السلام) لا تختصُّ بفكرٍ أو فئة مذهبيّة معيّنة، بل هي عامَّة وشاملة لکلِّ البشريّة.
٢ - إنَّ من مظاهر عدالة الإمام المهدي (عليه السلام) العامَّة، سعة فضاء التوبة للجميع، بلا قيد أو شرط.
وبناءً على ذلك، فإنَّ الفرصة متاحة في عصـر الظهور حتَّى لغير الشيعة لإصلاح أوضاعهم السابقة على عصر الظهور.
وطبقاً لظاهر طائفة أُخرى من الروايات، فإنَّ دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) ستكون عامَّة. ولا شكَّ في أنَّ نفس الدعوة تعني وجود إمكان للردِّ الإيجابي، وتطمين الطرف المقابل، إذ لولا وجود احتمال القبول لكانت الدعوة لغواً بلا طائل.
فالدعوة العامَّة بدون إمكان إجابة الدعوة شبيه بدعوة الأعمى إلى الرؤية، ومثل دعوة الكسيح إلى الركض والمشي، فهي بلا معنى وغير معقولة.
وعلى هذا الأساس، فإنَّ الروايات إذا كانت ترى شمول الدعوة لعموم أفراد الإنسان، المسلم وغير المسلم، فإنَّ لازم ذلك إمكان استجابة هؤلاء لدعوة المهدي (عليه السلام)، وتوفير الفرصة والأرضيّة المناسبة للاستجابة من قِبَلهم، وهذا مساوق لفتح باب التوبة لهم. والروايات الواردة في هذا السياق كثيرة، منها:
١ - قال الإمام الصادق (عليه السلام) في وصف جيش الإمام المهدي (عليه السلام):
«... لَا يَأْتُونَ‏ عَلَى‏ أَهْلِ‏ دِينٍ‏ إِلَّا دَعَوْهُمْ إِلَى اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ)، وَإِلَى الْإِسْلَامِ، وَالْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ، وَالتَّوْحِيدِ، وَوَلَايَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ. فَمَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ تَرَكُوه...»(١٠).
٢ - عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، قال:
«... إذا خرج‏ باليهود والنصارى‏ والصابئين‏ والزنادقة وأهل الردَّة والكفّار في شرق الأرض وغربها، فعرض (عليهم السلام)، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة...»(١١).
ومضافاً إلى هذه الروايات، فإنَّ أوَّل خطبة يخطبها الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي في المسجد الحرام بمكّة، يظهر لنا عنصـر الدعوة الشاملة جليّاً. وقد وردت مضامين هذه الخطبة في عدَّة أحاديث عن الأئمَّة (عليهم السلام)، منها:
٣ - عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في رواية معتبرة في الخطبة التي يخطبها الإمام المهدي (عليه السلام) عند ظهوره:
«... يَا أَيُّهَا النَّاسُ،‏ إِنَّا نَسْتَنْصِـرُ اللهَ‏ فَمَنْ‏ أَجَابَنَا مِنَ النَّاسِ...، فَأَنْشُدُ اللهَ مَنْ سَمِعَ كَلَامِي الْيَوْمَ لَـمَّا بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ اللهِ... إِلَّا أَعَنْتُمُونَا وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا...»(١٢).
وفي رواية أُخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام) أيضاً، أنَّ المهدي (عليه السلام) يقول في خطبته:
«إِلَّا أَنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ‏ الْيَوْمَ‏ وَكُلَّ‏ مُسْلِمٍ»(١٣).
٤ - وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا المضمار:
«إِذَا أَذِنَ اللهُ (عَزَّ اسْمُهُ) لِلْقَائِمِ‏ فِي‏ الخُرُوجِ‏ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَدَعَا النَّاسَ إِلَى نَفْسِه»(١٤).
٥ - وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في حقِّ المهدي (عليه السلام):
«فَيَدْعُو النَّاسَ‏ إِلَى‏ كِتَابِ‏ اللهِ‏ وَسُنَّةِ نَبِيِّه‏»(١٥).
وهناك روايات عديدة أُخرى تشير إلى دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) العامَّة، لا فقط في خطبته الأُولى في المسجد الحرام، بل وحتَّى على طول مسيرته وحركته المباركة. وكنموذج على ذلك، خذ هذا الخبر المرويّ عن الإمام الباقر (عليه السلام):
«... ثمّ ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه والولاية لعليِّ بن أبي طالب»(١٦).
٦ - وفي رواية أُخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام)، يصف اهتمام الإمام المهدي (عليه السلام) بالدعوة، بقوله:
«ما من‏ معجزة من‏ معجزات‏ الأنبياء والأوصياء إلَّا ويُظهِر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجَّة على الأعداء»(١٧).
ولا بدَّ، لتوضيح الروايات أعلاه، من بيان عدَّة نكات:
١ - فيما عدا الروايات الأُولى، والتي صُرِّح فيها بالدعوة العامَّة من قِبَل الإمام المهدي (عليه السلام) لكلِّ الناس، فإنَّ الروايات الأخيرة عُبِّر فيها عن المدعوّين بمفردات مثل (الناس)، وهي أيضاً تدلُّ على عموميّة الدعوة المهدويّة بوضوح.
فإذا ما اعتبرنا أنَّ خطاب الإمام المهدي (عليه السلام) عامٌّ لكلِّ البشـريّة، يثبت بذلك مطلوبنا، وهو عدم انسداد باب التوبة على أحدٍ.
وكذلك إذا قلنا بأنَّ المخاطبين بذلك الخطاب هم الحاضرون في المسجد الحرام، وهم المشافهون به مباشرةً، فعلى أقلّ التقادير يثبت بعضُ مطلوبنا أيضاً، إذ لا يُتصوَّر انحصار الحاضرين في المسجد الحرام بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) فقط، فمن الطبيعي أن يكون بين الحضور في ذلك الزمان - كما في سائر الأزمنة -، عموم المسلمين من ذوي العقائد والأفكار والآراء المختلفة من سائر المذاهب الإسلاميَّة، فيكون خطاب الإمام المهدي (عليه السلام) موجَّهاً لهم أيضاً.
٢ - إنَّ المهمَّ في الأمر، والذي يُثبِت مطلوبنا، هو أصل وجود الدعوة العامَّة من قِبَل الإمام المهدي (عليه السلام)، وإن كانت بعض الروايات (كالرواية السابعة) تشير إلى دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) على طول حرکته العالميّة وعدم انحصار الدعوة العامَّة من قِبَله (عليه السلام) بأوَّل الظهور، ممَّا يدلُّ بوضوح على أنَّ فرصة التوبة والرجوع إلى مسير السعادة تحت رايته، محفوظ ليس فقط في أوَّل وبداية الظهور، وإنَّما هو محفوظ أيضاً في مقاطع أُخرى في زمان الظهور.
وعلى هذا، لا يمكن اعتبار بداية الظهور نهاية للفرص وانسداد باب التوبة عن الجميع.
٣ - ومن خلال الروايات الأخيرة، والدالَّة على إظهار الإمام المهدي (عليه السلام) بعض المعجزات لدعم دعوته وهدايته الناس، يمكننا استفادة عدم انتهاء الفرصة وانسداد باب التوبة في زمن المعجزات، فإنَّ إظهارها إنَّما هو لإقناع أُولئك الذين أداروا أظهرهم لفطرتهم النقيّة ولعقولهم السليمة، من أجل إرجاعهم إلى صراط السعادة، وكذلك هو لإلقاء الحجَّة وسلب العذر من أُولئك الذين تمرَّدوا على الفضيلة وأصرّوا على العناد واللجاجة، عند الله سبحانه وتعالى.
هذا مضافاً إلى الروايات التي تضمَّنت بصـراحة دعوة عامَّة أفراد الإنسان من قِبَل الإمام المهدي (عليه السلام) في خطاباته، فإنَّ عدداً من الأحاديث تضمَّن ذكر أسماء أفراد أو جماعات خاصّين بعينهم في خطب الإمام (عليه السلام)، في حين أنَّ هؤلاء الأفراد أو الجماعات المعيّنين مشمولون بانسداد باب التوبة عليهم في روايات الفرضيّة الثانية، أعني فرضيّة انسداد باب التوبة مطلقاً. وهؤلاء الأفراد هم:
١ - النواصب:
ففي الرواية المعتبرة المرويّة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«إِذَا قَامَ‏ الْقَائِمُ‏ عَرَضَ‏ الْإِيمَانَ‏ عَلَى كُلِّ نَاصِبٍ، فَإِنْ دَخَلَ فِيهِ بِحَقِيقَةٍ وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ، أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ كَمَا يُؤَدِّيهَا الْيَوْمَ أَهْلُ الذِّمَّة»(١٨).
٢ - السفياني:
ويقول (عليه السلام) في هذا الخصوص:
«ثمّ‏ يقول‏ لأصحابه‏: سيروا إلى هذه الطاغية، فيدعوه إلى كتاب الله وسُنَّة نبيِّه»(١٩).
وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام):
«إِذَا بَلَغَ‏ السُّفْيَانِيَ‏ أَنَ‏ الْقَائِمَ‏ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ يَتَجَرَّدُ بِخَيْلِهِ حَتَّى يَلْقَى الْقَائِمَ، فَيَخْرُجُ فَيَقُولُك أَخْرِجُوا إِلَيَّ ابْنَ عَمِّي، فَيَخْرُجُ عَلَيْهِ السُّفْيَانِيُّ، فَيُكَلِّمُهُ الْقَائِمُ فَيَجِيءُ السُّفْيَانِيُّ فَيُبَايِعُه‏»(٢٠).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، أيضاً:
«يَقْدَمُ الْقَائِمُ حَتَّى يَأْتِيَ النَّجَفَ، فَيَخْرُجُ‏ إِلَيْهِ‏ مِنَ‏ الْكُوفَةِ جَيْشُ‏ السُّفْيَانِيِّ وَأَصْحَابُهُ وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ، فَيَدْعُوهُمْ وَيُنَاشِدُهُمْ حَقَّه»(٢١).
فإذا كان الإمام المهدي (عليه السلام)، يدعو السفياني وهو ألدُّ أعداء الإمام (عليه السلام)، والذي يقود أعتى جبهة منحرفة ضالّة تقف ضدّ حركة الإمام المهدي (عليه السلام)، فكيف يمكننا إذن قبول انسداد باب التوبة والرجوع إلى طريق السعادة بوجه ملايين البشـر، الذين عادةً ما تكون ضلالتهم وانحرافهم عن الحقِّ نتيجة موانع لا اختياريَّة أبعدتهم عن جادَّة الحقِّ والهُدى؟! وكيف يُتصوَّر عدم دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) هؤلاء، فضلاً عن عدم قبول توبتهم إذا ما أقدموا هم بأنفسهم على التوبة والإنابة؟!
وهناك رواية صحيحة أُخرى تعنون بشكل أوضح وأكثر شفافيَّة مسألة دعوة الإمام المهدي (عليه السلام) البشـريّة قاطبة إلى الحقيقة، وعناية الإمام المهدي (عليه السلام) بهدايتهم وإرشادهم، وتُبيّن اشتياق وإصرار الإمام (عليه السلام) لتحقيق هذه المهمَّة، وأنَّ رسالة الإمام (عليه السلام) ليست إفناء وقتل الخاطئين، بل هي رسالة إصلاحيّة، وبناء دنياً ملؤها الروحانيّات والفضائل، عن طريق الإرشاد والهداية، وإتاحة الفرصة للقابليات والكفاءات المعنويَّة كي تتفتَّق وتُثمِر السعادة للإنسانيَّة. ففي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى:
﴿عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَـرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: ١٥٦ و١٥٧).
قال (عليه السلام):
«﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾ يَعْنِي النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وَالْوَصِيَّ وَالْقَائِمَ، ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾‏ إِذَا قَامَ، ﴿وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وَالمُنْكَرُ مَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ الْإِمَامِ وَجَحَدَهُ، ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ﴾‏ أَخْذَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِهِ، ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ﴾‏ وَالخَبَائِثُ قَوْلُ مَنْ خَالَفَ، ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾‏ وَهِيَ الذُّنُوبُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا قَبْلَ مَعْرِفَتِهِمْ فَضْلَ الْإِمَامِ، ﴿وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾‏ وَالْأَغْلَالُ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِمَّا لَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِهِ مِنْ تَرْكِ فَضْلِ الْإِمَامِ، فَلَمَّا عَرَفُوا فَضْلَ الْإِمَامِ وَضَعَ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ، وَالْإِصْرُ الذَّنْبُ، وَهِيَ الْآصَارُ، ثُمَّ نَسَبَهُمْ فَقَالَ: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ﴾‏ يَعْنِي بِالْإِمَامِ ﴿وَعَزَّرُوهُ وَنَصَـرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢).
فطبقاً لمضمون هذه الرواية الشـريفة وقول الإمام الباقر (عليه السلام)، فإنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفتح أبواب العلم والمعرفة الحقَّة والتعريف بالطيّبات وحليَّتها، والتعريف بالخبائث وتحريمها، وحثِّ الذنوب التي كانوا يقترفونها قبل معرفتهم بالإمام المهدي (عليه السلام)، وفكِّهم من أسر الأغلال والقيود الفكريّة، هي من التحف المهدويّة التي سينالها المسيحيّون واليهود في زمان الظهور.
فهذه الرواية الصحيحة السند، تفتح باب التوبة لأهل الكتاب، وتعتبر أنَّ رسالة الإمام المهدي (عليه السلام) ليست رسالة قمع وقلع، وإنَّما هي رسالة تربية وتهذيب وإصلاح وتعليم، التعليم الذي لا يتحدَّد بحدود الدعوة إلى الفضائل والإنذار من الرذائل، بل ويتعدّاه إلى إيجاد الأرضيّة المناسبة للرشد والتزكية من جهة، وإلى رفع موانع التكامل من جهة أُخرى.
فالإمام المهدي (عليه السلام) مضافاً إلى ما تقدَّم، يقوم بوضع البلسم للجروح الروحيّة، ويتعامل مع الناس تعامل البستاني الذي يرعى الأزهار التي هي في حالة ذبول إثر عوامل البيئة المضطربة، ويُحرِّر العقول والأذهان من أسر الحيرة والضياع والتيه وأغلال العقائد الفاسدة والعادات والرسوم السيّئة.
وبشهادة الآيات القرآنيَّة الشـريفة وحديث الإمام الباقر (عليه السلام)، فإنَّ كلَّ ذلك مشروط بإطاعة ذلك القائد الملهم والإمام الهمام (عليه السلام)، وبالرحمة الإلهيَّة الخاصَّة، كما سيحصل أهل الكتاب، وتحت ظلِّ راية الإمام الرؤوف (عليه السلام)، على الفلاح الحقيقي ببركة الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام) ونصرته واتِّباع النور الذي معه.
حقّاً ما أكبر التفاوت بين هذه الرؤية المنفتحة الشفّافة، مع تلك الرؤية التي تعتبر أنَّ ظهور الإمام (عليه السلام) هو بداية وضع الأقفال على باب التوبة والإصلاح.
كما أنَّ هناك طائفة من الروايات تدلُّ بوضوح على بطلان الفكر القائل بانسداد باب التوبة زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وهي الأحاديث التي تتضمَّن إثمار جهود الإمام المهدي (عليه السلام) الإصلاحيّة بهداية وإقبال أتباع الأديان والمذاهب المنحرفة إلى الإسلام الأصيل واعتناقهم له.
ففي الرواية المعتبرة عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في تفسير قوله تعالى:
﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْأَياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (الحديد: ١٧).
قال (عليه السلام):
«يُحْيِيهَا اللهُ‏ (عَزَّ وَجَلَّ)‏ بِالْقَائِمِ‏ بَعْدَ مَوْتِهَا بِمَوْتِهَا كُفْرَ أَهْلِهَا وَالْكَافِرُ مَيِّتٌ»(٢٣).
فبحسب تفسير الإمام الباقر (عليه السلام)، فإنَّ موت الأرض إنَّما هو بكفر أهلها، وبطبيعة الحال، فإنَّ إحياءها إنَّما يكون بإيمان أهلها بعد كفرهم، وإحياء الأرض على يد الإمام المهدي (عليه السلام)، هو بمعنى اتِّخاذ التدابير المؤدّية إلى إيمان الكافرين.
فهذه الرواية الشـريفة، مضافاً إلى دلالتها على دعوة الكافرين إلى قبول منهج الحقِّ الذي يدعو إليه الإمام (عليه السلام) وأنَّ طريق السعادة سالك أمام الضالّين والتائهين في وادي الضلالة، تكشف بوضوح عن أنَّ الكافرين سيستجيبون لدعوة الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّه أنفاسه المباركة ستُحيي هؤلاء الأموات فكرياً وروحيّاً.
وهذا المضمون، مؤيَّد في هذه الروايات الشريفة:
عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، قال:
«يَدِينُ‏ لَهُ‏ عَرْضُ‏ الْبِلَادِ وَطُولُها، لَا يَبْقَى كَافِرٌ إِلَّا آمَنَ، وَلَا طَالِحٌ إِلَّا صَلَح»(٢٤).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام):
«فلا يبقى يهوديّ ولا نصـرانيّ ولا أحد ممَّن يعبد غير الله إلَّا آمن به وصدَّقه ويکون الملَّة واحدة ملَّة الإسلام»(٢٥).
ويقول (عليه السلام) في موضع آخر:
«إِنَ‏ عِيسَى‏ يَنْزِلُ‏ قَبْلَ‏ يَوْمِ‏ الْقِيَامَةِ إِلَى الدُّنْيَا، فَلَا يَبْقَى أَهْلُ مِلَّةِ يَهُودِيٍّ وَلَا نَصْـرَانِيٍّ إِلَّا آمَنَ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيُصَلِّي خَلْفَ المَهْدِي‏»(٢٦).
وقال (عليه السلام) أيضاً:
«يكون‏ أن‏ لا يبقى‏ أحد إلَّا أقرَّ بمحمّد»(٢٧).
فالمضمون المشترك لمجموع الروايات المذكورة، والذي يتناغم منسجماً مع الضابطة الكلّية للتوبة في القرآن الكريم، هو أنَّ أرضيَّة التوبة وتغيير السلوك المنحرف لكلِّ الضالّين والمنحرفين ستكون مهيّأة ومعدَّة في عصـر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنَّ طريق السعادة سيبقى مفتوحاً وسالكاً لكلِّ أفراد البشريّة جميعاً.
الرؤية الثانية: عدم استتابة الإمام المهدي (عليه السلام) للمنحرفين:
وقبل أن نطرح مستندات الرؤية القائلة بانسداد باب التوبة في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بنحو التفصيل، لا بدَّ من بيان قضيّة لا يخلو ذكرها من فائدة، وهي أنَّ بعض الأحاديث دلَّت على أنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لا يستتيب المجرمين والمنحرفين.
وهذه الطائفة من الروايات تمتاز بلحنٍ أكثر ليونة وملائمة من الروايات التي يستدلُّ بها على انسداد باب التوبة في زمن الظهور.
ومن الواضح، أنَّ هناك فرقاً كبيراً بين عدم طلب التوبة والاستتابة، وبين عدم قبول التوبة إذا صدرت من الشخص.
وتوضيحه هو، أنَّه وبطبيعة الحال فإنَّ ردَّة فعل المنحرفين على منهج الإمام المهدي (عليه السلام) في عصـر الظهور، ستتَّخذ أشكالاً وألواناً متعدِّدة، فقسم من هؤلاء سيندمون على أفعالهم الطالحة، وسيتطوَّعون بالندم ويطلبون العفو من الإمام (عليه السلام)، والبعض الآخر منهم، والذين لم يصلوا إلى الرشد والوعي الذي وصلت إليه المجموعة الأُولى، فلن يبادروا إلى التوبة وإعلان ندمهم. ومن هنا فإنَّهم سيحتاجون إلى استتابة الإمام (عليه السلام) لهم ودعوتهم إلى الرجوع عن طريق الضلال إلى جادَّة الحقِّ والسعادة، ولا شكَّ أنَّ جزءاً من هؤلاء سيتوبون ويندمون، ويخطون خطوات في وادي الإنابة والأوبة.
وطبقاً للروايات المشار إليها، فإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) لن يدعو هؤلاء إلى التوبة. ولكنَّ هذه الروايات غير ناظرة إلى مسألة قبول التوبة وعدم قبولها من الطائفة الأُولى من المنحرفين الذين يتطوَّعون للتوبة بأنفسهم، فهي ساكتة عن ذلك.
وعليه، فإنَّ هذه الروايات ليست نافية لقبول التوبة في زمن الظهور بنحو الإطلاق.
وكما تقدَّم منّا، فإنَّ الرؤيتين المذكورتين متفاوتتان مع بعضهما، ولكنَّ عدم طلب التوبة من هؤلاء يعتبر درجة متدنّية من عدم قبول التوبة، ولذا كان من المناسب بداية دراسة ونقد هذه الرؤية النافية لقبول التوبة بشيءٍ من التفصيل.
والروايات الدالّة على هذا المطلب عديدة، منها:
الأُولى:
ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«يَقُومُ‏ الْقَائِمُ‏ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَكِتَابٍ جَدِيدٍ، وَقَضَاءٍ جَدِيدٍ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ، لَيْسَ شَأْنُهُ إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يَسْتَتِيبُ أَحَداً، وَلَا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِم»(٢٨)‏.
الثانية: وعنه (عليه السلام) أيضاً:
«... يَقُومُ‏ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَسُنَّةٍ جَدِيدَةٍ، وَقَضَاءٍ جَدِيدٍ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ، لَيْسَ شَأْنُهُ إِلَّا الْقَتْلَ، وَلَا يَسْتَتِيبُ أَحَداً، وَلَا تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ»(٢٩).
الثالثة: أيضاً عن الباقر (عليه السلام)، قال:
«إِنَّ رَسُولَ اللهِ سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالمَنِّ، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَالْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَاكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ، أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ، وَلَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاه»(٣٠).
وعبارة (لا يستتيب) ليست بمعنى (عدم قبول التوبة) كما فهمه البعض، بل هي بمعنى (لا يدعوهم إلى التوبة). جاء في كتب الصحاح، ولسان العرب، والقاموس المحيط(٣١)، في معنى الاستتابة: (سأله أن يتوب)، وفي تاج العروس: (استتابه: عرض عليه التوبة)(٣٢).
هذا وقد ورد في سند الرواية الأُولى والثانية، محمّد بن حسّان الرازي ومحمّد بن علي الكوفي، وقد صـرَّح النجاشي في وصف محمّد بن حسّان الرازي بضعفه حيث قال: (يُعرَف ويُنكَر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً)(٣٣).
كما أنَّ ابن الغضائري ضعَّف محمّد بن حسّان هذا(٣٤).
وقال النجاشي في توصيف محمّد بن علي الكوفي: (إنَّه ضعيف جدّاً، وفاسد العقيدة، ولا يُعتَمد عليه في شـيء)(٣٥).
وقال الشيخ الطوسي، نقلاً عن الفضل بن شاذان رحمه الله، في محمّد بن علي الكوفي: (إنَّه أشهر الوضّاعين)(٣٦).
هذا مضافاً إلى أنَّ اثنين من رواة الحديث الثاني غير موثَّقين، الأوَّل منهما يوسف بن كليب، حيث لم يرد اسمه في الكتب الرجاليّة، فهو مهمل بحسب المصطلح الحديثي.
والثاني منهما الحسن بن علي بن أبي حمزة، والذي عدَّه النجاشي من رؤوس الواقفة، واعتبره ضعيفاً نقلاً عن علي بن الحسن بن فضّال(٣٧). كما عدَّه الشيخ الطوسي (كذّاباً ملعوناً) نقلاً عن علي بن الحسن بن فضّال(٣٨).
مضافاً إلى ضعف أسانيد الروايات التي يُستَدلُّ بها على عدم الاستتابة، فإنَّ هذه الروايات معارضة بروايات وأحاديث كثيرة، وسيأتي بيان هذا التعارض عند مناقشة الرؤية الثانية.
وبناءً على ذلك، فإنَّ الرؤية المذكورة فاقدة للمستند المعتبر، وهي مردودة.
أمَّا الروايات الدالّة على انسداد باب التوبة في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، والتي تمتاز بلحن أشدّ من طائفة الروايات الدالّة على عدم الاستتابة، هي:
الأُولى: ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨).
قال (عليه السلام):
«الْآيَاتُ‏ هُمُ‏ الْأَئِمَّةُ، وَالْآيَةُ المُنْتَظَرَةُ هُوَ الْقَائِمُ، فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلِ قِيَامِهِ بِالسَّيْفِ، وَإِنْ آمَنَتْ بِمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ آبَائِه‏»(٣٩).
الثانية: عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية الآنفة، قال:
«يَعْنِي‏ خُرُوجَ‏ الْقَائِمِ‏ المُنْتَظَرِ مِنَّا»، ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «يَا أَبَا بَصِيرٍ، طُوبَى لِشِيعَةِ قَائِمِنَا المُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ فِي غَيْبَتِهِ، وَالمُطِيعِينَ لَهُ فِي ظُهُورِهِ، أُولَئِكَ أَوْلِيَاءُ اللهِ الَّذِينَ‏ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون‏»(٤٠).
الثالثة: عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى:
﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ (السجدة: ٢٩).
قال (عليه السلام):
«يَوْمُ‏ الْفَتْحِ‏ يَوْمٌ‏ تُفَتَّحُ‏ الدُّنْيَا عَلَى‏ الْقَائِمِ‏ لَا يَنْفَعُ أَحَداً تَقَرَّبَ بِالْإِيمَانِ مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُؤْمِناً، وَبِهَذَا الْفَتْحِ مُوقِناً، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ، وَيَعْظُمُ عِنْدَ اللهِ قَدْرُهُ وَشَأْنُهُ»(٤١).
الرابعة: ورد في التوقيع الشـريف الصادر عن الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد رحمه الله:
«فإنَّ أمرنا بغتةً فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة»(٤٢).
ومضافاً إلى الروايات المذكورة، ذات المضمون العامّ، توجد روايتان تدلّان على عدم قبول توبة جمعٍ خاصٍّ بعينه من الناس، وفي وضع خاصٍّ أيضاً. والروايتان هما:
الأُولى: عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«... فَإِذَا جَاءَ إِلَى‏ الْبَيْدَاءِ يَخْرُجُ‏ إِلَيْهِ‏ جَيْشُ‏ السُّفْيَانِيِّ، فَيَأْمُرُ اللهُ الْأَرْضَ فَتَأْخُذُ أَقْدَامَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * وَقالُوا آمَنَّا بِهِ﴾‏ يَعْنِي بِالْقَائِمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (عليه السلام)، ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ...﴾ إلى قوله: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ يعني أن لا يُعذَّبوا ﴿كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾ يعني من كان قبلهم من المكذِّبين هلكوا، ﴿إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ (سبأ: ٥١ - ٥٤)»(٤٣).
الثانية: وعنه (عليه السلام) أيضاً:
«يَخْرُجُ‏ الْقَائِمُ‏ فَيَسِيرُ حَتَّى‏ يَمُرَّ بِمُرِّ، فَيَبْلُغُهُ أَنَّ عَامِلَهُ قَدْ قُتِلَ، فَيَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، فَيَقْتُلُ المُقَاتِلَةَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئاً، ثُمَّ يَنْطَلِقُ فَيَدْعُو النَّاسَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْبَيْدَاءِ، فَيَخْرُجُ جَيْشَانِ لِلسُّفْيَانِيِّ، فَيَأْمُرُ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) الْأَرْضَ أَنْ تَأْخُذَ بِأَقْدَامِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ (عَزَّ وَجَلَ): ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ * وَقالُوا آمَنَّا بِهِ﴾‏ يَعْنِي بِقِيَامِ الْقَائِمِ ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ يَعْنِي بِقِيَامِ قَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٤٤).
والروايتان الأخيرتان تدلّان على عدم قبول توبة جيش السفياني وإظهار ندمهم حين نزول العذاب الإلهي، وهذا المضمون، أي انسداد باب التوبة حين نزول العذاب، ينسجم مع الضابطة الكلّية في باب التوبة.
ومن ثَمَّ، فإنَّ هاتين الروايتين متفاوتتان مع الروايات الأربع الأُوَل، والدالّات على عدم قبول التوبة حين ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، من غير نزول العذاب الإلهي، فلا يمكن اعتبارها من طائفة واحدة.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن استنتاج انسداد باب التوبة في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال قبول انسداد باب التوبة عن جيش السفياني حين تحقّق الخسف في البيداء.
التحقيق السندي في الروايات:
الرواية الرابعة من بين الروايات الأربع الآنفة الذكر، توقيع منسوب إلى الإمام الحجَّة (عليه السلام)، صادر في حقِّ الشيخ المفيد (قدس سره).
وأوَّل من تطرَّق لهذا التوقيع بشكل مفصَّل، هو العلَّامة الطبرسي، من علماء القرن السادس الهجري، يقول (رحمه الله) بأنَّ الذي جاء بالتوقيع، الذي وصل إلى يد الشيخ المفيد في الأيام الأخيرة من شهر صفر لسنة (٤١٦هـ)، يقول بأنَّه استلمه من الناحية المتَّصلة بأرض الحجاز(٤٥).
ثمّ ينقل المرحوم الطبرسي متن التوقيع بدون إشارة إلى سنده، على الرغم من وجود فاصلة زمانية بينه وبين الشيخ المفيد تُقدَّر بحدود قرنين من الزمن.
وأمَّا فيما يخصُّ الرواية الثانية، فلا بدَّ من القول بأنَّ مصدر هذه الرواية هو كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) من تأليفات السيد شرف الدين الاسترآبادي، وهو من علماء القرن العاشر، وقد نقله عن كتاب (ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السلام)، تأليف محمّد بن عبّاس، المعروف بابن الحجّام.
هذا، مضافاً إلى عدم معرفة طريق المرحوم الاسترآبادي إلى كتاب ابن الحجّام.
وأمَّا محمّد بن سنان، وهو من رواة الحديث، فهو مضعَّف عند علماء الرجال(٤٦).
وعليه، فإنَّ هذه الرواية ضعيفة، وفاقدة لما يستَند إليه من الحجية.
هذا وقد وثَّق علماء الرجال كلَّ رواة الرواية الثانية(٤٧) ما عدا علي بن أبي حمزة البطائني والمظفَّر جعفر بن المظفر العلوي وعلي بن محمّد بن شجاع.
ورواية يونس بن عبد الرحمن، وهو من أجلّاء أصحاب الإمامية، عن علي بن أبي حمزة، وهو من أركان الواقفية(٤٨)، يدلُّ على أنَّ هذه الرواية قد رواها البطائني قبل انحرافه عن الحقِّ. ولذا فإنَّه يظهر عدم إمكان الخدشة برواية علي بن أبي حمزة.
وأمَّا جعفر بن المظفَّر، فعلى الرغم من كونه يعدُّ من مشايخ الصدوق، فلم يرد تصـريح بوثاقته، ولكن وطبقاً لمبنى بعض الأعاظم كالعلَّامة المامقاني، فإنَّ ترحّم الشيخ الصدوق على ابن المظفَّر، يمكن أن يكون دليلاً على حسن حاله(٤٩).
ومع ذلك، فإنَّ المشكلة الأساسية في هذه الرواية تكمن في وجود علي بن محمّد بن شجاع(٥٠) في سندها، حيث لم يرد توثيق في حقِّه.
وأمَّا الرواية الأُولى، فإنَّ الشيخ الصدوق (رحمه الله) ينقلها بسندين(٥١) مختلفين عن الحسن بن محبوب(٥٢)، عن علي بن رئاب(٥٣)، عن الإمام الصادق (عليه السلام). وفي أحد السندين - وهو ما نقله في (ص ٣٠) - أحمد بن زياد بن جعفر الحمداني(٥٤)، علي بن إبراهيم(٥٥)، إبراهيم بن هاشم(٥٦)، محمّد بن أبي عمير(٥٧)، والحسن بن محبوب.
وفي السند الثاني، علي بن الحسين بن بابويه(٥٨) [الصدوق الأوَّل]، سعد بن عبد الله(٥٩)، محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب(٦٠)، والحسن بن محبوب.
وهذه الرواية معتبرة بكلا طريقيها، وقد صُرِّح بوثاقة كلِّ رواتها.
وممَّا تقدَّم اتَّضح أنَّ الرواية الأُولى من بين الروايات الأربع لا شكَّ في اعتبار سندها، وأمَّا الرواية الثانية والثالثة والرابعة، فليست معتبرة سنداً.
وبعد دراسة أسانيد هذه الروايات، لا بدَّ من البحث في متونها ومضامينها وكيفية دلالتها على الفرضية التي نحن في صدد دراستها.
ولتوضيح محتوى هذه الروايات، لا بدَّ بداية من ذكر عدَّة أُمور:
١ - إنَّ حديثين اثنين واردان في تفسير الآية الشريفة:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨).
وعلى أساس هذه الآية الشـريفة، فإنَّ إيمان طائفتين من الناس لا يقبَل عند ظهور بعض الآيات الإلهية، وبعبارة أُخرى فإنَّ باب التوبة موصودٌ بوجه هؤلاء:
الطائفة الأُولى هم أُولئك الذين لم يكونوا مؤمنين ولكنَّهم أظهروا الإيمان بعد ظهور تلك الآيات الإلهية.
والطائفة الثانية هم أُولئك الذين كانوا مؤمنين قبل إتيان الآيات الإلهية، ولكنَّ صحيفة أعمالهم كانت خالية من الأعمال الصالحة.
فإيمان مثل هاتين الطائفتين لا ينفعهما بعد ظهور تلك الآيات الإلهية.
والسؤال المهمّ هنا هو: ما هي تلك الآيات الإلهية التي ينسدُّ باب التوبة حين مجيئها؟
وللإجابة عن هذا السؤال يمكننا الاستفادة من بعض الآيات القرآنية الشـريفة، ومن الروايات أيضاً.
ذكر العلَّامة الطباطبائي (قدس سره)، واستناداً إلى تفسير القرآن بالقرآن، ثلاثة مصاديق لـ ﴿بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾، وهي:
١ - الآيات التي تقترن بتبدّل نشأة الحياة، كالموت.
٢ - الآيات المقترنة باستقرار مَلَكَة الكفر والإنكار في النفوس، بنحوٍ يمنعها من قبول الحقِّ.
٣ - العذاب الإلهي(٦١).
وقد ورد في الروايات ذكر بعض المصاديق لهذا المصطلح، مثل طلوع الشمس من المغرب(٦٢)، خروج (دابَّة الأرض)(٦٣) و... الخ.
مضافاً إلى هذه الموارد، واستناداً إلى الروايتين الآنفتي الذكر عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو من مصاديق ﴿بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾، وبظهوره ينسدُّ باب التوبة.
٢ - لم يصـرَّح في الرواية الأُولى بمتعلَّق الإيمان، أي لم يبين أنَّ الإيمان الذي لا يقبَل في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، هو إيمانٌ بأيِّ شـيء؟ هل هو الإيمان بالله تعالى، أو بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو بالإمام المهدي (عليه السلام)، أو ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾ قيامه بالسيف؟ ولكن، وإضافةً إلى دلالة السياق، بقرينة ذيل الرواية «وإن آمنت بمن تقدَّمه من آبائه عليهم السلام» يظهر أنَّ المراد من الإيمان في صدر الرواية هو الإيمان بالإمام المهدي (عليه السلام)، إذ حينما يقال بأنَّ إيمان الشخص غير المؤمن وإن كان مؤمناً بآباء المهدي (عليه السلام) لا فائدة منه بعد ظهوره، فإنَّه من الواضح أنَّ هذا الإيمان لا بدَّ أن يكون منسجماً مع الإيمان بآباء المهدي. (عليهم السلام)، ولا شكَّ في أنَّ عدم الإيمان بالله وبرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا يجتمع مع الإيمان بآباء الإمام المهدي (عليه السلام)، فلا يعقَل أن يؤمن شخصٌ بآباء المهدي (عليهم السلام) ولا يؤمن بالله وبرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وبناءً على ذلك، فإنَّ الإمام المهدي (عليه السلام) هو متعلَّق الإيمان في هذه الرواية، أي إنَّ الإيمان به بعد ظهوره لمن لم يكن مؤمناً به قبل ظهوره لا فائدة منه، حتَّى لو كان مؤمناً بآبائه الكرام (عليهم السلام) جميعاً، ومن هنا فإنَّ ظهور الإمام (عليه السلام) يعني انسداد باب التوبة في وجه طائفتين من الناس:
الأُولى: من لم يكن مؤمناً بالإمام المهدي (عليه السلام) حتَّى لو كان مؤمناً بآبائه (عليهم السلام) ومعتقداً بإمامتهم ووصايتهم.
الثانية: من كان مؤمناً بالإمام المهدي (عليه السلام)، ولكنَّه لم يعمل الصالحات طبقاً لهذا الإيمان.
وبناءً على هذا التفسير، فإنَّ الشيعة المؤمنين بإمامة حضـرة صاحب الأمر (عليه السلام)، والذين يوجد في صحيفة أعمالهم ما هو خيرٌ وصلاح وما هو غير الصلاح والخير، وبتعبير القرآن الكريم: ﴿خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ (التوبة: ١٠٢)، لا يكونون مشمولين بهذه الرواية، فتُقبَل توبتهم في زمن الظهور أيضاً.
والنتيجة هي أنَّ باب التوبة سيكون مسدوداً بوجه ثلاث طوائف من الناس:
١ - غير المسلمين.
٢ - غير الشيعة.
٣ - الشيعة الذين لم يكن لهم أعمال صالحة.

وأمَّا في الحديث الثاني، والذي هو على خلاف الحديث الأوَّل الذي توسَّع في متعلَّق الإيمان بالقياس إلى القرآن، فقد سكت عن بيان متعلَّق الإيمان، ولذا فإنَّ متعلَّق الإيمان في هذا الحديث هو نفس متعلَّق الإيمان الوارد في الآية المباركة، والذي يظهر أنَّه الإيمان بالله تعالى. وبطبيعة الحال، فإنَّ الإيمان بالله تعالى بدون الإيمان بالنبوَّة والمعاد، لا معنى له.
وعليه، وطبقاً لهذا الحديث فإنَّ إيمان الكافرين والمؤمنين غير العاملين في زمن الظهور لن يجديهم نفعاً، وسيكون معنى الرواية هو أنَّه يوم يأتي بعض آيات ربِّك، أي القائم المنتظر (عليه السلام) عندما يخرج، لن ينفع نفساً إيمانها، إذ لم تكن مؤمنة بالله من قبل، أو كانت مؤمنة ولم تأتِ بعمل صالح منبثق من إيمانها.
والفارق بين هذه الرواية وسابقتها، في انتفاع المؤمنين من غير الشيعة، فطبقاً للحديث الأوَّل لن يكون لإيمان هؤلاء يوم الظهور نفع وفائدة تُرتجى، وأمَّا طبقاً للحديث الثاني فإنَّ إيمان هؤلاء سينفعهم ما دامت صحيفة أعمالهم تحوي على الأعمال الصالحة، فيكون باب الإيمان مفتوحاً لهم، إذ لم يكونوا من الكافرين، ولا من المؤمنين غير العاملين.
وأمَّا الحديث الثالث فهو كالحديث الثاني، غير أنَّ الآية التي ورد هذا الحديث في تفسيرها ناظرة إلى الكفّار لا إلى المؤمنين غير العاملين.
وعليه، واستناداً إلى هذه الرواية سيكون باب التوبة مسدوداً زمن الظهور بوجه الكافرين فقط، فلا ينفعهم إيمانهم.
وفي الحديث الرابع، لم يرد كلامٌ في عدم نفع الإيمان، فلا تصل النوبة إلى تحليل متعلق الإيمان حينئذٍ، فهي سالبة بانتفاء الموضوع، بل ورد الكلام فيها صراحةً بانسداد باب التوبة زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، والذنب مطلق في الرواية، وهو يشمل الكفر والشرك وغيرها من الذنوب.
وعليه، فمن مجموع الروايات المذكورة يظهر أنَّ هناك اتِّفاقاً على عدم قبول إيمان الكافرين في عصر الظهور.
وفي الحديث الأوَّل والثاني والرابع أُضيف إلى الكفر، الإيمان غيرُ المقترن بالعمل الصالح، كما أنَّ الحديث الأوَّل يتضمَّن مضموناً مختصّاً به وهو عدم فائدة إيمان المؤمنين من غير الشيعة. كما أنَّ الحديث الرابع يتضمَّن هو الآخر مضموناً مختصّاً به وهو عدم فائدة التوبة وقبولها، حتَّى لو كان المذنب شيعياً وخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً.
والنتيجة هي قبول الأحاديث الثلاثة بدليل تكرار مضامينها ووثاقة رواتها، مع غضِّ النظر عن الإشكالات التي سنذكرها لاحقاً، وعدم قبول المضمون الاختصاصي للحديث الآخير لضعف سنده.
٣ - والأمر الآخر الذي سيساعدنا بيانه على الفهم الأكبر لمعنى الحديث، هو مفهوم عدم قبول الإيمان، أو بتعبير آخر: انسداد باب التوبة.
فكما تقدَّم آنفاً، فإنَّ الروايتين الأُولتين كانتا في صدد تفسير قوله تعالى:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨).
ففي هذه الآية الشـريفة، وعلى الرغم من التصـريح بانسداد باب التوبة لغير المؤمنين وللمؤمنين غير العاملين حين ظهور ومجيء بعض الآيات الإلهية، إلَّا أنَّه لم يصرَّح بمصير هؤلاء الأفراد.
ولكن وعلى الرغم من عدم وجود مثل هذا التصـريح، وعلى الرغم من أنَّ انسداد باب التوبة يختلف عقلاً عن نزول العذاب، إلَّا أنَّ هذين الأمرين جُعلا متلازمين في الآية الشـريفة، فكأنَّ انسداد باب التوبة يلازم نزول العذاب وقلع جذور غير المؤمنين والمؤمنين غير العاملين من على وجه الأرض.
وبتعبير آخر: عندما يتحدَّث القرآن الكريم عن عدم نفع مثل هذا الإيمان الحاصل زمن الظهور، فإنَّ ذلك لا يعني أن يترك هؤلاء الأشخاص يمارسون حياتهم اليومية كما يشاؤون وإنْ لم تُقبَل توبتهم، لأنَّ هذه الآية نازلة في مقام التهديد، ومجرَّد عدم قبول إيمانهم بالمبدأ والمعاد لا يعتَبر تهديداً حقيقياً مؤثّراً فيهم، فلابدَّ أن يكون هناك أمر وراء عدم قبول الإيمان من هؤلاء المؤمنين غير العاملين ومن غير المؤمنين بعد ظهور بعض العلامات والآيات الإلهية، وليس ذلك إلَّا نزول العذاب الإلهي العظيم واقتلاعهم من على وجه الأرض وتطهيرها منهم.
يقول العلَّامة الطباطبائي (قدس سره) في هذا السياق:
(ومن هنا يظهر أنَّ الآية تتضمَّن تهديداً جدّياً لا تخويفاً صورياً...)(٦٤).
وكما جاء في الرواية الثالثة في تفسير هذه الآية الشتريفة، من أنَّ انسداد باب التوبة وإنزال العذاب يحصلان معاً جنباً إلى جنب:
﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ (السجدة: ٢٩).
وعليه، واستناداً إلى الروايات المذكورة، فإنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) هو من مصاديق ﴿بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ وإنَّ ﴿يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ هو يوم ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ولذا فإنَّ غير المؤمنين والمؤمنين غير العاملين لا ينفعهم إيمانهم يوم الظهور، وسيصيبهم العذاب الإلهي على يد جيش الإمام المهدي (عليه السلام).
٤ - وفي قبال فرضية انسداد باب التوبة في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) توجد إثارة وإشكالية تقول: استناداً إلى آيات القرآن الكريم وإلى كلمات الأئمَّة المعصومين (عليهم السلام)، وطبقاً للأصل العقلي القائل بـ (قبح العقاب بلا بيان)، فإنَّ العذاب الإلهي لن يصيب أحداً إلَّا بعد إظهار الحقيقة له وبعد إتمام الحجَّة عليه، وتمرّده عن عنادٍ أو إصرار.
يقول القرآن الكريم في هذا السياق:
﴿وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ (الإسراء: ١٥).
ويقول في موضع آخر:
﴿وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً﴾ (طه: ١٣٤).
وعلى هذا الأساس، إنَّما يصحُّ اعتبار ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) نهاية لأمد الفرصة المتاحة لمعتقدي الأديان المنسوخة، والنحل والملل المنحرفة، فيما لو حصل في عصـر الغيبة ما يلقي الحجَّة عليهم، ووصول نداء الإسلام الحقيقي إلى أسماع كلِّ العالم، فهل أنَّ مثل هذا الإبلاغ وإتمام الحجَّة على كلِّ أفراد البشر قد تمَّ قبل الظهور؟
وللإجابة عن هذا السؤال يمكن القول:
نظراً للتطوّر العلمي والقفزة الكبيرة في عالم التكنولوجيا والإعلام، ونفوذ وسائل الإعلام الحديثة في كلِّ أنحاء العالم، والإقبال الواسع على هذه الوسائل من جهة، وبداية النهضة العلمية في عالم الإسلام والاقتناع بضـرورة استغلال الفرص المناسبة المتاحة في عصـر انفجار المعلومات لترويج وتبيين المعارف الإسلامية الأصيلة من جهة أُخرى، لا يبعد أن يقال بأنَّ أصل إمكان قيام الحجَّة على جميع أفراد البشـر بات متاحاً في المستقبل القريب، خاصَّة وأنَّ التطوّر العلمي في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ينمو يوماً بعد يوم، فاختراع وإنتاج التقنية المتطوّرة بشكل متسارع أصبح من سمات عالمنا المعاصر، ممَّا ييسِّر للجميع التعرّف على الحقائق يوماً بيوم، إلى درجة يصعب معها تصوّر ما سيطالعنا في الغد القريب من وسائل متطوّرة وحديثة، فقد نصحوا ذات يوم لنشاهد بعض وسائل الإبلاغ والإعلام التي لم نكن نتخيلها، قد تحقَّقت وهي في متناول أيدينا.
إذن، فواقعيات عالمنا المعاصر لا تنفي الإمكان الثبوتي لسماع نداء الإسلام الأصيل من قِبَل كلِّ فردٍ فردٍ من أفراد البشرية في كلِّ أنحاء العالم، ممَّا يعني إمكان إقامة الحجَّة عليهم.
أضف إلى ذلك، أنَّ بعض الروايات والأحاديث قد تطرَّقت إلى تحقُّق هذا الأمر في آخر الزمان، وهذه الأحاديث حتَّى لو كانت قابلة للخدشة في أسانيدها - وهو ما يجب دراسته بشكل مستقلّ في محلِّه - ولكنَّها كافية لقبول ذلك الإمكان الثبوتي الذي يؤيد الدعوى محلّ النزاع.
ومن جملة هذه الأحاديث ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«سَتَخْلُو كُوفَةُ مِنَ المُؤْمِنِينَ، وَيأزر عَنْهَا الْعِلْمُ كَمَا تأزر الحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا، ثُمَ‏ يَظْهَرُ الْعِلْمُ‏ بِبَلْدَةٍ يُقَالُ‏ لَهَا: قُم، وَتَصِيرُ مَعْدِناً لِلْعِلْمِ وَالْفَضْلِ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مُسْتَضْعَفٌ فِي الدِّينِ حَتَّى المُخَدَّرَاتُ فِي الْحِجَالِ، وَذَلِكَ عِنْدَ قُرْبِ ظُهُورِ قَائِمِنَا، فَيَجْعَلُ اللهُ قُمَّ وَأَهْلَهُ قَائِمِينَ مَقَامَ الحُجَّةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَسَاخَتِ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ، فَيُفِيضُ الْعِلْمُ مِنْهُ إِلَى سَائِرِ الْبِلَادِ فِي المَشْـرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَيَتِمُّ حُجَّةُ اللهِ عَلَى الخَلْقِ، حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَبْلُغْ إِلَيْهِ الدِّينُ وَالْعِلْمُ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْقَائِمُ، وَيَسِيرُ (يصير ن.خ) سَبَباً لِنَقِمَةِ اللهِ وَسَخَطِهِ عَلَى الْعِبَادِ، لِأَنَّ اللهَ لَا يَنْتَقِمُ مِنَ الْعِبَادِ إِلَّا بَعْدَ إِنْكَارِهِمْ حُجَّةً»(٦٥).
كان ما تقدَّم بياناً لنظرية انسداد باب التوبة عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، حيث ذكرنا مستندات هذا الرأي مع التحقيق السنديّ في الروايات، وحاولنا بيان هذه النظرية بأحسن وجه ممكن.
وهنا تصل النوبة إلى نقد هذه النظرية، فنقول:
على الرغم من أنَّ عدداً من الروايات تؤيد فرضية انسداد باب التوبة في عصـر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، إلَّا أنَّ الأدلَّة الكثيرة قائمة على تضعيف هذه الفرضية، وهذه الأدلَّة هي:
١ - ورد في عدد كثير من الروايات ما يدلُّ على بقاء باب التوبة مفتوحاً في عصـر الظهور، وهذه الروايات التي ذكرناها مفصَّلاً، في دراستنا للفرضية الأُولى، تعارض صراحةً نظرية انسداد باب التوبة في عصر الظهور.
٢ - إنَّ هذه الفرضية تعارض الآيات القرآنية والروايات التي تُحدِّد الضابطة الكلّية لقبول وعدم قبول التوبة، والتي على أساسها مُنِحَت الفرصة وحقّ التوبة للجميع ما لم ينزل العذاب الإلهي أو تظهر علامات الموت.
ولحلِّ هذا التعارض يمكن ادِّعاء التخصيص، بأن يقال بإستثناء أُناس عصـر الظهور من ذلك العموم القائل ببقاء فرصة التوبة وقبول الإيمان ما لم ينزل العذاب الإلهي أو تظهر أمارات الموت.
ولكن هذه الآيات هي في مقام بيان الضابطة الكلّية لشـرائط قبول التوبة، أي إنَّها تُبين المعيار في كلِّ الموارد، فهي شاملة لأُناس عصـر الظهور أيضاً، ومن هنا - وبحسب الإصطلاح - فإنَّ هذه الآيات تأبى التخصيص، بل لا يمكن إبداء توجيه معقول ومنطقي لفرضية بقاء حقِّ التوبة محفوظاً لكلِّ البشـر ما لم تظهر علامات الموت أو ينزل العذاب الإلهي ما عدا التائبين في عصـر الظهور فيحرَمون من هذا الحقّ.
ولعلَّ هذا هو الذي دعا العلَّامة الطباطبائي قدس سره، على الرغم من كونه يميل إلى انسداد باب التوبة حين طلوع الشمس من المغرب، إلى القول بأنَّ انسداد باب التوبة في زمن ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) غير واضح(٦٦).
٣ - الإشكال الآخر على هذه الفرضية مورد البحث، هي أنَّها معارضة للروايات التي تدلُّ على انسداد باب التوبة عند طلوع الشمس من مغربها.
وتوضيح ذلك بأن نقول: ورد في كثير من الروايات المنقولة في المصادر المعتبرة عند الشيعة والسُّنَّة على حدٍّ سواء، بأنَّ الشمس ستشـرق من مغربها في آخر الزمان، فإذا تحقَّقت هذه الظاهرة لم ينتفع بإيمانه من لم يكن مؤمناً قبل تحقُّقها، أي إنَّ باب التوبة سينسدُّ عند تحقّق هذه الآية.
ومن جملة الروايات الدالَّة على ذلك، ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنَّه قال:
«بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ، ثَلَاثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ، فَلَا تُغْمَدُ حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزارَها، وَلَنْ‏ تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزارَها حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَيَوْمَئِذٍ ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨)...»(٦٧).
وروى مسلم النيشابوري عن النبيِّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، قال:
«ثلاث إذا خرجن ﴿لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾: طلوع الشمس من مغربها، والدجّال، ودابَّة الأرض»(٦٨).
يقول العلَّامة الطباطبائي في هذا الخصوص:
(أقول: والظاهر أنَّ الرواية من قبيل الجري، وكذا ما تقدَّم من الروايات، ويمكن أن يكون من التفسير، وكيف كان فهو يوم تظهر فيه البطشة الإلهية التي تُلجئ الناس إلى الإيمان ولا ينفعهم. وقد ورد طلوع الشمس من مغربها في أحاديث كثيرة جدّاً من طرق الشيعة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) ومن طرق أهل السُّنَّة عن جمع من الصحابة... و إن اختلفت في مضامينها اختلافاً فاحشاً.
والأنظار العلمية اليوم لا تمنع تبدّل الحركة الأرضية على خلاف ما هي عليه اليوم من الحركة الشـرقية أو تبدّل القطبين بصيرورة الشمالي جنوبياً وبالعكس إمَّا تدريجاً كما يُبيِّنه الأرصاد الفلكية أو دفعةً لحادثة جوّية كلّية، هذا كلّه إن لم يكن الكلمة رمزاً أُشير بها إلى سـرٍّ من أسرار الحقائق)(٦٩).
وبيان التعارض الظاهري بين هاتين الطائفتين من الروايات هو أن يقال:
أوَّلاً:
بالأدلَّة التي ذُكِرَت في محلِّها، فإنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يختلف عن طلوع الشمس من المغرب، فلا يمكننا اعتبارهما ظاهرة واحدة.
ثانياً: أنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) سابق على طلوع الشمس من المغرب، لأنَّ طلوع الشمس من مغربها هو أحد علامات قيام الساعة.
وعلى هذا الأساس، إذا قلنا بانسداد باب التوبة حين ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) لم يكن هناك معنى لانسداد باب التوبة فيما بعد، أي حينما تطلع الشمس من المغرب، وإن كانت الفرصة باقية لتوبة الناس حتَّى طلوع الشمس من المغرب، فإنَّ ذلك يعني بقاء هذا الباب مفتوحاً من حين الظهور إلى حين طلوع الشمس من مغربها.
إذن، فلا يمكن قبول القول بانسداد باب التوبة في عصـر الظهور وحين طلوع الشمس من المغرب معاً.
وللجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات، قد يقال بأنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) سيكون بداية انسداد باب التوبة للمنحرفين إبّان عصـر الغيبة، وفي ظلِّ حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) ورجعة الأئمَّة (عليهم السلام) سيكلَّف الناس بتكاليف وأحكام، وسيكون هناك ثواب وعقاب، وسيكون هناك متمرِّدون ومطيعون، فيكون باب التوبة مفتوحاً للمنحرفين منهم حتَّى تطلع الشمس من المغرب، فينسدُّ باب التوبة على هؤلاء العاصين في زمن الظهور والرجعة.
ولكنَّ قبول مثل هذه الرؤى يعني قبول التمييز بين من يكون في عصـر الغيبة الكبرى وبين من يكون في زمن الظهور فيكون الأمر أشدّ على أُناس عصـر الغيبة، مع أنَّهم لا يرون إمام زمانهم، وأمَّا أُولئك الذين يكونون في عصـر الظهور ويشاهدون أئمَّتهم ويلتقون بهم ويستمعون إليهم فسيكون حالهم أقلّ وطأةً ومشقَّةً.
وتوضيح ذلك هو: أنَّ الأشخاص الذي يعيشون في عصـر الغيبة ولا يرون إمامهم ولا تشملهم ألطاف هدايته وتربيته بصورة ظاهرة، سيكون حكمهم أشقّ وأصعب من أُولئك الذين يولدون في عصر الظهور والرجعة ويعيشون في الظلِّ الظاهري لإمام زمانهم وأئمَّتهم، فإذا انسدَّ باب التوبة على المنحرفين من الطائفة الأُولى حين الظهور، وبقي مفتوحاً للطائفة الثانية عند الظهور، حتَّى لو كانوا من المعاندين لإمامهم ومن المصـرّين على الذنوب والمعاصي، فهذا يعني أنَّ الحكم على الطائفة الأُولى أشقّ من الحكم على الثانية، مع أنَّ العكس هو الأنسب، بسبب وجود الإمام (عليه السلام) ظاهراً فيهم.
ولذا، فإنَّ الروايات التي تذهب إلى انسداد باب التوبة عند طلوع الشمس من المغرب تعارض الروايات القائلة بانسداد باب التوبة حين ظهور الإمام المهدي (عليه السلام).
٤ - ونقدنا الأخير لهذه الفرضية، هو أنَّ سدَّ باب التوبة يلازم رفع التكليف عن هؤلاء، إذ لا يعقَل تكليف الإنسان بأداء التكاليف كطاعة الأوامر الإلهية وترك المحرَّمات، ومن جملة التكاليف التكليف بالتوبة وإصلاح ما فات، ثمّ يقال له: إنَّ توبتك مردودة وغير مقبولة.
ومن جملة القرائن على التلازم بين انسداد باب التوبة وبين رفع التكاليف، هو أنَّ السـرَّ في انسداد باب التوبة عند نزول العذاب أو ظهور أمارات الموت، هو أنَّ هذا الإيمان عن اضطرار وخوف وبدون إرادة حقيقية، لذا فهو إيمانٌ غير نافع ولا قيمة له، ومع خروج الإنسان عن حالة الاختيار والإرادة ينتهي التكليف.
يقول العلَّامة الطباطبائي في تفسيره للآية (١٧ و١٨) من سورة النساء:
(التوبة هي رجوع العبد إلى الله سبحانه بالعبودية، فيكون توبته تعالى أيضاً قبول هذا الرجوع، ولا معنى للعبودية إلَّا مع الحياة الدنيوية التي هي ظرف الاختيار وموطن الطاعة والمعصية، ومع طلوع آية الموت لا اختيار تتمشّى معه طاعة أو معصية)(٧٠).
وحاصل الكلام هو أنَّ انسداد باب التوبة يلازم رفع التكاليف، وهذا يؤول بنا إلى القول بأنَّ الذين يتوبون في زمن الظهور فلا تُقبَل توبتهم تسقط عنهم التكاليف الشرعية.
ومن جهة أُخرى، وبشهادة عدد من الروايات، فإنَّ غير الشيعة الذين ينسدُّ عليهم باب التوبة وتسقط عنهم التكاليف الشـرعية، سيكونون موجودين في عصـر الظهور وحكومة الإمام المهدي (عليه السلام)، أي إنَّ الكثير من الناس في عصـر الظهور، وعلى الرغم من سقوط التكاليف عنهم سينعمون بنعمة العيش الطبيعي في ظلِّ حكومة العدل الإلهي المهدوية، والحال وطبقاً لأُصول الشـريعة المسلَّمة، أنَّ أفراد البشـر لا بدَّ أن يكونوا مكلَّفين بأداء الفرائض وترك المحرَّمات ما داموا على قيد الحياة.
وعليه، فإنَّ الروايات إذا كانت تتحدَّث عن وجود أفراد البشـر الفاجرين من غير الشيعة في دور حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)، فإنَّ ذلك يعني أنَّ باب التوبة ليس مسدوداً عليهم في زمن ظهور الإمام (عليه السلام)، وهذه الروايات هي:
١ - في رواية صحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«... كُلُّ‏ مَا فِي‏ أَيْدِي‏ شِيعَتِنَا مِنَ‏ الْأَرْضِ‏، فَهُمْ فِيهِ مُحَلَّلُونَ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا، فَيَجْبِيَهُمْ طَسْقَ‏ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَيَتْرُكَ الْأَرْضَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ كَسْبَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا، فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَيُخْرِجَهُمْ صَغَرَة»(٧١).
٢ - وفي رواية معتبرة، عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«... الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا، فَمَنْ‏ أَحْيَا أَرْضاً مِنَ‏ المُسْلِمِينَ‏ فَلْيَعْمُرْهَا، وَلْيُؤَدِّ خَرَاجَهَا إِلَى الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَلَهُ مَا أَكَلَ مِنْهَا... حَتَّى‏ يَظْهَرَ الْقَائِمُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي بِالسَّيْفِ، فَيَحْوِيَهَا، وَيَمْنَعَهَا، وَيُخْرِجَهُمْ مِنْهَا كَمَا حَوَاهَا رَسُولُ اللهِ وَمَنَعَهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي شِيعَتِنَا»(٧٢).
وهذه الأحاديث ناظرة إلى نحو مواجهة الإمام المهدي (عليه السلام) للشيعة في زمان تثبيت حكومته، لأنَّ تنظيم وترتيب الأُمور الاقتصادية للمجتمع، واسترداد الأراضي المغصوبة، وفرض الضـرائب المالية والغرامات، غير ممكن للحكومة المتزلزلة الفاقدة للقدرة والصلابة والاستحكام، فالروايات ليست ناظرة إلى أوائل عصـر الظهور ونهضة الإمام المهدي العالمية، بل هي في صدد بيان تقرير شامل عن إنجازات الإمام المهدي (عليه السلام) بعد تثبيت أركان حكومته العالمية.
ومنه نستنتج أنَّ هذه الروايات تدلُّ على وجود غير الشيعة، وعلى أقلّ التقادير في بعض مقاطع زمن ثبات حكومة الإمام المهدي (عليه السلام)، ومن هنا لا يمكننا اعتبار زمان ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بداية انسداد باب التوبة وزمان اقتلاع جذور المنحرفين.
ورُوي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قال:
«يجمع[أ ي عيسى] الكتب‏ من‏ أنطاكية حتَّى يحكم بين أهل المشـرق والمغرب، ويحكم بين أهل التوراة في توراتهم، وأهل الإنجيل في إنجيلهم، وأهل الزبور في زبورهم، وأهل الفرقان بفرقانهم‏»(٧٣).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال:
«إِنَّمَا سُمِّيَ‏ المَهْدِيُ‏ مَهْدِيّاً لِأَنَّهُ‏ يُهْدَى‏ إِلَى‏ أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَيَسْتَخْرِجُ التَّوْرَاةَ وَسَائِرَ كُتُبِ اللهِ (عَزَّ وَجَلَّ) مِنْ غَارٍ بِأَنْطَاكِيَةَ، وَيَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ بِالْإِنْجِيلِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الزَّبُورِ بِالزَّبُورِ، وَبَيْنِ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآن‏»(٧٤).
وهاتان الروايتان تدلّان أيضاً على وجود غير المسلمين في عصـر تثبيت أركان الدولة المهدوية المباركة، لأنَّ الحكم بين أهل المشـرق والمغرب، يعني وجود حكومة تسيطر على شرق وغرب العالم، كما أنَّ حكم الإمام المهدي (عليه السلام) في معتقدي الأديان الأُخرى، لايتاح إلَّا في ظلِّ تشكيل حكومة عالمية شاملة يذعن الجميع لسلطانها.
وممّا تقدَّم يتَّضح وجود رؤيتين في خصوص ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، وطبقاً للرؤية الأُولى، والتي تتطابق مع الضابطة الكلّية للتوبة في القرآن الكريم، فإنَّه مع ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، تبدأ خطوات السير في طريق السعادة، ويبدأ زمن جبران النواقص الروحية عند أفراد البشـر التائهين الضالّين عن الحقيقة.
والرؤية الثانية، ترى أنَّ ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) يكون بداية لانسداد باب التوبة وانتهاء زمن الفرصة التي كانت متاحة للبشرية قبل الظهور.
وهاتان الرؤيتان، اللّتان ورد مضمونهما في الروايات المعتبرة متعارضتان، فمضمون كلِّ منهما ينفي مضمون الأُخرى.
فماذا نفعل لحلِّ هذا التعارض الموجود في هاتين الطائفتين من الروايات؟
هناك طريقان لحلِّ هذا التعارض:
الطريق الأوَّل:
جاء في الحديث الأوَّل، والذي يمتاز بسند أفضل من أسانيد الروايات الثلاث الأُخريات: أنَّ إيمان الذين لم يؤمنوا قبل قيام الإمام المهدي (عليه السلام) بالسيف، والذين لم يكسبوا خيراً في إيمانهم، لا نفع فيه ولا فائدة لهم منه.
ويمكن توضيح هذا الحديث بأن يقال: إنَّ هناك فرقاً بين مرحلة ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ومرحلة قيامه بالسيف، فمرحلة الظهور، وهي مرحلة الهداية وتنوير الأفكار وإقامة الحجج، متقدِّمة على مرحلة القيام بالسيف.
﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ (الأنفال: ٤٢).
وعليه، ففي مرحلة التنوير ستتمركز كلُّ جهود الإمام المهدي (عليه السلام) حول الدعوة والهداية، وفي نهاية هذه المرحلة تبدأ مرحلة التصنيف وفصل أتباع الحقِّ عن أتباع الباطل ومرحلة المواجهة بين هذين الخطّين.
وفي هذه المرحلة سيشهِر الإمام المهدي (عليه السلام) سيفه على أُولئك الذين لم تنفع معهم أساليب التنوير والهداية لإرجاعهم إلى جادَّة الحقِّ. فيرتدعون حينما يشاهدون بريق سيف المهدي (عليه السلام) فيظهِرون الإيمان. وهذا الإيمان هو إيمان غير واقعي، ناتج عن خوف حدِّ السيف، فهو مجرَّد تظاهر بالإيمان، لأنَّ سبل الهداية في عصـر الظهور ومرحلة الهداية والتنوير قد استنفذت لإفهامهم الحقائق، فإصرارهم على الباطل مع وجود هذه الأرضية المناسبة ثمّ انقلابهم وإظهار الإيمان حينما لاحت لهم مشهورات السيوف، يدلُّ على أنَّ هذا الانقلاب ليس انقلاباً واقعياً، وأنَّ توبتهم ليست توبة حقيقية.
ومن الواضح أنَّ عدم قبول تظاهرهم بالإيمان وعدم قبول توبتهم الظاهرية الاضطرارية، هو من خصائص وميزات عصـر ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ومرحلة القيام بالسيف، فمنذ عصـر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإلى نهاية زمن الغيبة، كان التعامل مع أُولئك الذين يظهِرون الإسلام والإيمان، كالتعامل مع المسلمين، فتكون أحوالهم وأنفسهم مصانة وليست مهدورة.
ومضافاً إلى الرواية المذكورة، فإنَّ هناك أدلَّة أُخرى يمكن إقامتها لإثبات هذا المطلب، منها الرواية المعتبرة عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث جاء فيها:
«وَيْحَ‏ هَذِهِ‏ المُرْجِئَةِ إِلَى‏ مَنْ‏ يَلْجَؤُونَ غَداً إِذَا قَامَ قَائِمُنَا؟»، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْعَدْلِ سَوَاءٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُبْعِدُ اللهُ غَيْرَه‏»(٧٥).
يقول العلَّامة الطباطبائي، بعد بيان فلسفة الجهاد، والذي هو في الواقع يعود إلى الدفاع عن حقِّ الحياة للإنسانية، وأنَّ الشرك بالله يعتَبر هلاك الإنسانية وموت الفطرة:
(ومن هناك يستشعر الفَطِن اللبيب: أنَّه ينبغي أن يكون للإسلام حكم دفاعي في تطهير الأرض من لوث مطلق الشـرك وإخلاص الإيمان لله سبحانه وتعالى، فإنَّ هذا القتال الذي تذكره الآيات المذكورة إنَّما هو لإماتة الشـرك الظاهر من الوثنية، أو لإعلاء كلمة الحقِّ على كلمة أهل الكتاب بحملهم على إعطاء الجزية، مع أنَّ آية القتال معهم تتضمَّن أنَّهم لا يؤمنون بالله ورسوله ولا يدينون دين الحقِّ، فهم وإن كانوا على التوحيد لكنَّهم مشـركون بالحقيقة مستبطنون ذلك، والدفاع عن حقِّ الإنسانية الفطري يوجب حملهم على الدين الحقِّ.
والقرآن وإن لم يشتمل من هذا الحكم على أمر صريح لكنَّه يبوح بالوعد بيوم للمؤمنين على أعدائهم لا يتمُّ أمره إلَّا بإنجاز الأمر بهذه المرتبة من القتال، وهو القتال لإقامة الإخلاص في التوحيد قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُونَ﴾(التوبة: ٣٣)، وأظهر منه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(الأنبياء: ١٠٥)، و أصرح منه قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضـى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْـرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾(النور: ٥)، فقوله تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ يعني به عبادة الإخلاص بحقيقة الإيمان، بقرينة قوله تعالى: ﴿لا يُشْـرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾، مع أنَّه تعالى يعدُّ بعض الإيمان شركاً، قال تعالى: ﴿وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْـرِكُونَ﴾ (يوسف: ١٠٦)، فهذا ما وعده تعالى من تصفية الأرض وتخليتها للمؤمنين يوم لا يُعبَد فيه غير الله حقّاً»(٧٦).
وبناءً على هذه التوضيحات المذكورة، فإن قلنا بأنَّ انسداد باب التوبة إنَّما يكون في مرحلة القيام بالسيف، لا في مرحلة الهداية والتنوير، فإنَّ التعارض بين الروايات سيزول، وستحظى رؤية انسداد باب التوبة بالجواب المناسب، وذلك:
١ - إنَّ مجموعة الأحاديث التي تدلُّ على بقاء باب التوبة مفتوحاً في عصـر الظهور وسعي الإمام المهدي (عليه السلام) لهداية أفراد الإنسان، ستكون ناظرة إلى مرحلة الهداية والتنوير، وأمَّا انسداد باب التوبة فسيكون من شؤون مرحلة القيام بالسيف، فلا تعارض بين الطائفتين من الروايات.
٢ - طبقاً للضابطة الكلّية للتوبة في القرآن الكريم، فإنَّ التوبة الحقيقية ستكون مقبولة بلا قيد أو شرط، وعدم قبول التوبة حين ظهورعلامات العذاب الإلهي أو علامات الموت، إنَّما هو بسبب عدم كون التوبة توبة واقعية حقيقية.
والروايات التي تذهب إلى انسداد باب التوبة في عصـر الظهور، تنسجم مع هذا المعيار، وذلك لأنَّ سيف الإمام المهدي (عليه السلام) الذي سيشهَر لمجازاة العاصين، هو من مصاديق العذاب الإلهي، فطبقاً للضابطة الكلّية لن تقبل التوبة حينما يشهِر الإمام (عليه السلام) سيفه.
كما أنَّ الدليل على عدم قبول الإيمان والتوبة في حال الكون في مثل هذا الحال، هو كون هذه التوبة والإيمان ليسا حقيقيين، بل هما ظاهريان.
٣ - وفي معرض الإجابة عن الإشكال الثالث، الذي أُثير على سدِّ باب التوبة، يمكننا أن نقول بأنَّ هذا الإشكال كان مبتنياً على أنَّ القول بانسداد باب التوبة في وجه المنحرفين في عصـر الغيبة، والذين كانوا محرومين من هداية الإمام المهدي الظاهرية، يستلزم كون حال هؤلاء أشقّ من حال أفراد الإنسان الذين يعيشون في عصـر الظهور حيث يتنعمون بهداية الإمام (عليه السلام) الظاهرية وإرشاداته، والحال وطبقاً للتفسير المطروح لحلِّ التعارض، فإنَّ انسداد باب التوبة الظاهرية والمصطنعة، إنَّما هي للأشخاص الذين يعيشون في عصـر الظهور وقد أدركوا الإمام (عليه السلام) وهدايته الظاهرية.
أضف إلى ذلك، فإنَّ باب التوبة قد انسدَّ على قوم عاد وثمود بظهور علامات العذاب الإلهي ونزل عليهم العذاب، وهذا لا يتعارض مع انسداد باب التوبة عند طلوع الشمس من المغرب.
فكذلك لا تعارض أيضاً بين انسداد باب التوبة على الكافرين والظالمين عند قيام الإمام المهدي (عليه السلام) بالسيف، حيث يعتَبر عذاباً إلهياً، وبين انسداد باب التوبة عند طلوع الشمس من المغرب.
٤ - ويمكننا الإجابة عن الإشكال الرابع أيضاً بأن يقال: إنَّ حضور غير الشيعة في دولة الإمام المهدي (عليه السلام) إنَّما هو فقط في مرحلة الهداية وتنوير الأفكار وإقامة الحُجج، لا في مرحلة القيام بالسيف.
وما قيل في رفع التعارض، هو تفسير آخر للحديث الأوَّل من الأحاديث الأربعة التي دلَّت على انسداد باب التوبة عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، والحديث الأوَل منها فقط هو الذي تعرَّض صراحةً لبيان انسداد باب التوبة في مرحلة القيام بالسيف فقط.
وأمَّا الأحاديث الثلاثة فلم يرد فيها هذا التخصيص.
وعليه، يمكننا أن نجعل الحديث الأوَّل معياراً - خاصّةً وأنَّ سنده أقوى من أسانيد الأحاديث الثلاثة الباقية -، فنحمل الأحاديث الثلاثة عليه من باب حمل المطلق على المقيد.
ولا بدَّ هنا من التذكير بأمرٍ، وهو أنَّ انسداد باب التوبة في مرحلة قيام الإمام المهدي (عليه السلام) بالسيف، لا يعني بحالٍ من الأحوال تصوير هذه المرحلة بأنَّها مرحلة إراقة وسفك الدماء، وذلك:
أوَّلاً: كما ثبت في محلِّه، فإنَّ مرحلة الهداية والتنوير التي يمارسها الإمام المهدي (عليه السلام) وأصحابه المخلصين المستمرَّة ستؤتي أُكُلها ويستجيب لها أكثر سكّان العالم الذين لم تتلوَّث فطرتهم السليمة، فيلبّون دعوة الإمام الحقَّة، وينهلون من صافي نميره المهدويِّ زلال الهداية والرشاد، وما ورد في الروايات من تعبيرات مثل: «لا يبقى كافرٌ إلَّا آمن ولا طالح إلَّا صلح»(٧٧) تؤيد هذا المطلب.
ثانياً: أنَّ انسداد باب التوبة سيكون بوجه عدَّة قليلة من أفراد المجتمع البشـري، وهم الذين أصرّوا واستكبروا على الحقِّ، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها أجهزة حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) في الإرشاد والهداية، وتوفّر الأرضية المناسبة جدّاً للصلاح، فهؤلاء هم الذين سيظهِرون التوبة والإيمان ويخفون في قلوبهم الكفر والضلالة.
ومن الواضح أنَّ وجود مثل هؤلاء الذين يخفون الخبث والضلال في صدورهم، قد يشكِّلون في المستقبل خطراً يزلزل أركان الدولة المهدوية كما زلزل أركان الحكومات العادلة على مرِّ التأريخ، والتي لم تكن قادرة على اقتلاع جذور أمثال هؤلاء المنافقين لعدم وجود الأرضية المناسبة لذلك.
تُرى أيهما أكثر حكمةً، عدم قبول التوبة الظاهرية الكاذبة لعدد من المتمرّدين على الحقِّ والحقيقة، أم ترك هؤلاء وشأنهم وتعريض المجتمع البشـري الفاضل، الذي كان ولا زال كعبة آمال الأنبياء والأولياء وطلّاب الحقِّ في العالم إلى التزلزل؟
الطريق الثاني لرفع التعارض بين الروايات المذكورة، هو أن يقال بأنَّ الروايتين الأُولى والثانية اللّتين دلَّتا على انسداد باب التوبة، وكانت إحداهما أكثر اعتباراً من جهة السند، هما في مقام تفسير قوله تعالى:
﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً﴾ (الأنعام: ١٥٨).
ولا شكَّ في أنَّ القرآن الكريم عندما يتحدَّث عن سدِّ باب التوبة حين مشاهدة بعض الآيات الإلهية، لا يريد بذلك المنحرفين الذين انحرفوا لجهلهم بالحقيقة، وبتعبير أدقّ: المستضعفين الذين سلكوا طريقاً منحرفاً لا عن إصرار وقصد، بل إنَّ موضوع الآية الكريمة مختصٌّ بأُولئك الذين قامت عليهم الحجَّة وكُشِفَت لهم الحقيقة ولكنَّهم استكبروا على الحقيقة ولم يقبلوا الحجَّة عناداً، وبقوا على معتقداتهم المنحرفة وضلالهم.
وبناءً على ذلك، فإنَّ الرواية الواردة في تفسير هذه الآية الشـريفة ناظرة فقط إلى الأشخاص الذين ينكرون الإمام المهدي (عليه السلام)، على الرغم من اطِّلاعهم على حقّانيته، أو الذين يتورَّطون في التقلُّب في أوحال الرذائل.
وحينئذٍ، ومع ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ينسدُّ باب التوبة في وجه غير الشيعة الذين ينكرون إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) في زمن الغيبة، مع أنَّهم كانوا واقفين على وضوح دلائل إمامته كوضوح الشمس في رابعة النهار، وذلك لعنادهم وتعصّبهم.
وأمَّا الشيعة الذين كانوا يقبلون الإمام المهدي (عليه السلام)، ولكنَّ صحائف أعمالهم خالية من العمل الصالح، فكذلك حالهم، حيث إنَّ مثل هؤلاء الذين يشكِّلون قلَّة في المجتمع لا يستحقّون العيش في دولة المهدي الكريمة، وأمَّا أُولئك الذين لم يكن انحرافهم عن عمد وإصرار، بل أنكروا الحقَّ جهلاً، أو الذين تلوَّثت أخلاقهم ببعض النواقص، فهؤلاء يمكنهم الاستفادة من الفرصة التي ستتاح لهم في أوائل الظهور، حيث مرحلة التنوير والهداية لتغيير سلوكهم وتزيين صحائف أعمالهم بالصالحات، فينهلون من نبع الفيوضات المهدوية الرائقة.
النتيجة:
إذا ما قبلنا الحلول المتقدِّمة للجمع بين الطائفتين من الروايات فإنَّ التعارض المتصوَّر بينهما سيرتفع، ويمكننا حينئذٍ الالتزام بكلا الطائفتين.
وأمَّا إذا لم يقبَل ذلك الجمع، وبقي التعارض قائماً بينهما، فإنَّ الترجيح سيكون للروايات المتضمِّنة لعدم انسداد باب التوبة في عصـر الظهور، ويوكل علم الروايات الدالّة على الانسداد إلى أهله، وذلك لأنَّ فرضية انسداد باب التوبة مستندة إلى أربع روايات، سند ثلاثة منها غير معتبر، وسند الرابعة وإن كان معتبراً، ولكنَّ الفرضية المقابلة، مضافاً لكونها موافقة للمعيار العامّ والضابطة الكلّية في التوبة في القرآن الكريم، مؤيدة ومستدلٌّ عليها بخمس طوائف من الروايات وهي: الروايات المصـرِّحة بقبول الإمام المهدي (عليه السلام) لتوبة التائبين، الروايات القائلة باستجابة الناس إلى دعوة الإمام المهدي (عليه السلام)، الروايات المتضمِّنة لدعوة الإمام المهدي (عليه السلام) كافَّة الناس إلى الإيمان، روايات طلوع الشمس من المغرب، والروايات التي تدلُّ على وجود غير الشيعة في المرحلة المتوسِّطة من حكومة الإمام المهدي (عليه السلام).
فهذه المجموعة، والتي تشتمل على عشرات الروايات، تُقدَّم على رواية الفرضية المقابلة، باعتبارها أكثر عدداً، وباعتبار إشتمالها على عدد أكبر من الروايات المعتبرة سنداً.
 

 


المصادر:
* القرآن الكريم.
* الكافي: الشيخ الكليني/ ت علي أكبر الغفاري/ ط ٥/ ١٣٦٣ش/ مط حيدري/ دار الكتب الإسلاميَّة/ طهران.
* تفسير الميزان: السيِّد الطباطبائي/ منشورات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية/ قم المقدَّسة.
* كتاب الغيبة: محمّد بن إبراهيم النعماني/ ت فارس حسّون/ ط ١/ ١٤٢٢هـ/ مط مهر/ أنوار الهدى/ قم المقدَّسة.
* الفهرست: الشيخ الطوسي/ ت الشيخ جواد القيّومي/ ط ١/ ١٤١٧هـ/مط مؤسَّسة النشر الإسلامي/ الناشر: مؤسَّسة نشر الفقاهة.
* رجال النجاشي: النجاشي/ ط ٥/ ١٤١٦هـ/ مؤسَّسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
* معجم رجال الحديث: السيِّد أبو القاسم الخوئي/ ط ٥/ ١٤١٣هـ.
* قاموس الرجال: الشيخ محمّد تقي التستري/ ط ١/ ١٤١٩هـ/ مؤسَّسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
* مختصـر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلّي/ ط ١/ ١٣٧٠هـ/ منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف.
* بصائر الدرجات: محمّد بن الحسن الصفّار/ ت الحاج ميرزا حسن كوچه باغي/ ١٤٠٤هـ/ مط الأحمدي/ منشورات الأعلمي/ طهران.
* تفسير العيّاشي: محمّد بن مسعود العيّاشي/ ت الحاج السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلمية الإسلاميَّة/ طهران.
* رجال الطوسي: الشيخ الطوسي/ ت جواد القيّومي الأصفهاني/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
* الإرشاد: الشيخ المفيد/ ت مؤسَّسة آل البيت/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد للطباعة والنشـر والتوزيع/ بيروت.
* بحار الأنوار: العلَّامة المجلسـي/ ط ٢ المصحَّحة/ ١٤٠٣هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
* معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام): الشيخ علي الكوراني العاملي/ ط ١/ ١٤١١هـ/ مط بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
* كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ ت علي أكبر الغفاري/ ١٤٠٥هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
* تفسير القمّي: علي بن إبراهيم القمّي/ ت السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط ٣/ ١٤٠٤هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب للطباعة والنشر/ قم.
* الصحاح: الجوهري/ ت أحمد عبد الغفور العطّار/ ط ٤/ ١٤٠٧هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
* لسان العرب: ابن منظور/ ١٤٠٥هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
* تاج العروس: الزبيدي/ ت علي شيري/ ١٤١٤هـ/ دار الفكر/ بيروت.
* خلاصة الأقوال: العلَّامة الحلّي/ ت الشيخ جواد القيّومي/ ١٤١٧هـ/ مط مؤسَّسة النشـر الإسلامي/ الناشر: مؤسَّسة نشر الفقاهة.
* تأويل الآيات الظاهرة: شرف الدين الحسيني/ ط ١/ ١٤٠٧هـ/ مطبعة أمير/ مدرسة الإمام المهدي عليه السلام/ قم.
* الاحتجاج: الشيخ الطبرسي/ ت السيِّد محمّد باقر الخرسان/ ١٣٨٦هـ/ دار النعمان للطباعة والنشر/ النجف الأشرف.
* التوحيد: الشيخ الصدوق/ ت السيِّد هاشم الحسيني الطهراني/ منشورات جماعة المدرِّسين في الحوزة العلمية في قم المقدَّسة.
* صحيح مسلم: مسلم النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
* طرائف المقال: السيِّد علي البروجردي/ ت السيِّد مهدي الرجائي/ ط ١/ ١٤١٠هـ/ مط بهمن/ مكتبة آية الله العظمى المرعشي/ قم.

الهوامش:
(١) تفسير الميزان ٣: ٣٤٠، قال ما نصّه: (وأمَّا الإتيان بالأعمال الصالحة فهو وإن كان ممَّا يتفرَّع على ذلك...، غير أنَّه ليس بمقوِّم لهذه التوبة ولا ركناً منها...).
(٢) المصدر السابق ٧: ١٠٥.
(٣) المصدر السابق ٤: ٢٤١.
(٤) المصدر السابق ٤: ٢٣٩.
(٥) المصدر السابق ٤: ٢٤٠.
(٦) المصدر السابق.
(٧) الكافي للكليني ٢: ٤٤٠.
(٨) الكافي ٨: ٨٠/ ح ٣٧.
(٩) الغيبة للنعماني: ٢٣٨/ باب ١٥/ ح ١ و٢. السند المعتبر لهذا الحديث: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد ابن عقده، قال: حدَّثنا عليّ بن الحسن التيملي من کتابه، حدَّثنا العبّاس بن عامر بن رباح الثقفي، عن موسى بن بکر، عن بشير النبّال.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن محمّد بن سعيد راجع: الفهرست للطوسي: ٧٣.
للتحقيق في وثاقة عبّاس بن عامر وهو الشيخ الصدوق راجع: رجال الطوسي: ٢٥٧/ الرقم ٦٧٦.
للتحقيق في وثاقة موسى بن بكر راجع: معجم رجال الحديث ٢٠: ٣٣.
للتحقيق في وثاقة بشير النبّال راجع: قاموس الرجال ٢: ٣٥٦؛ تنقيح المقال ١٢: ٣٦٨.
(١٠) مختصر بصائر الدرجات لحسن بن سليمان الحلّي: ١١.
(١١) تفسير العيّاشي ١: ١٨٣/ ح ٨٢.
(١٢) الغيبة للنعماني: ٢٩٠/ باب ١٤/ ح ٦٧. سند هذا الحديث: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، عن هؤلاء الرجال الأربعة (محمّد بن المفضَّل، وسعدان بن إسحاق بن سعيد، وأحمد بن الحسين بن عبد الملك، ومحمّد بن أحمد بن الحسن)، عن ابن محبوب. وأخبرنا محمّد بن يعقوب الکليني أبو جعفر، قال: حدَّثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، قال: وحدَّثني محمّد بن عمران، قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى. قال: وحدَّثني عليّ بن محمّد وغيره، عن سهيل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب. وحدَّثنا عبد الواحد بن عبد الله الموصلي، عن أبي علي أحمد بن محمّد بن أبي ناشر، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر بن يزيد الجعفي.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن محمّد راجع: الفهرست: ٧٣/ الرقم ٨٦.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن حسين بن عبد الملك راجع: الفهرست: ٦٧/ الرقم ٧١.
للتحقيق في وثاقة الحسن بن محبوب راجع: رجال الطوسي: ٣٣٤/ الرقم ٤٩٧٨.
للتحقيق في وثاقة جابر بن يزيد الجعفي راجع: معجم رجال الحديث ٤: ٣٣٦/ الرقم ٢٠٣٣.
(١٣) تفسير العيّاشي ١: ٦٥/ ح ١١٧.
(١٤) الإرشاد للمفيد ٢: ٣٨٢.
(١٥) تفسير العيّاشي ٢: ٥٧.
(١٦) المصدر السابق ٢: ٥٨.
(١٧) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) للكوراني ٣: ٣٨٠.
(١٨) الكافي ٨: ٢٢٧/ ح ٢٨٨. سند هذه الرواية: عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن الأحول، عن سلام المستنير.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن محمّد راجع: رجال الطوسي: ٣٣٢/ الرقم ٤٩٣٨.
للتحقيق في وثاقة الحسن بن محبوب راجع: رجال الطوسي: ٣٣٤/ الرقم ٤٩٧٨.
للتحقيق في وثاقة الأحول راجع: رجال النجاشي: ٣٥/ الرقم ١٠٧.
للتحقيق في وثاقة سلام بن المستنير راجع: معجم رجال الحديث ٩: ١٨١/ الرقم ٥٢٨٦.
(١٩) تفسير العيّاشي ٢: ٦٠.
(٢٠) بحار الأنوار ٥٢: ٣٨٨/ ح ٢٠٦.
(٢١) المصدر السابق ٥٢: ٣٨٨/ ح ٢٠٥.
(٢٢) أُصول الكافي ١: ٤٢٩/ ح ٨٣. سند هذه الرواية: عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصـر، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذّاء.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن محمّد راجع: الفهرست: ٦١/ الرقم ٦٣.
للتحقيق في وثاقة حمّاد بن عثمان راجع: رجال النجاشي: ١٤٣/ الرقم ٣٧١.
للتحقيق في وثاقة أبي عبيدة الحذّاء وهو زياد بن عيسى راجع: رجال النجاشي: ١٧٠/ الرقم ٤٤٩.
(٢٣) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ٦٦٨/ ح ١٢. سند هذا الحديث: أخبرني علي بن حاتم، قال: حدَّثنا حميد بن زياد، عن الحسن بن علي بن سماعة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن الحسن بن محبوب، عن مؤمن الطاق، عن سلام بن المستنير.
للتحقيق في وثاقة علي بن حاتم راجع: رجال الطوسي: ٤٣٢/ الرقم ٦١٩٠.
للتحقيق في وثاقة حميد بن زياد راجع: رجال النجاشي: ١٣٢/ الرقم ٣٣٩.
للتحقيق في وثاقة حسن بن سماعة راجع: رجال النجاشي: ٤٠/ الرقم ٨٤، وهو الحسن بن محمّد بن سماعة.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن حسن راجع: رجال النجاشي: ٧٤/ الرقم ١٧٩، وهو أحمد بن الحسن بن إسماعيل.
للتحقيق في وثاقة الحسن بن محبوب راجع: رجال الطوسي: ٣٣٤.
للتحقيق في وثاقة مؤمن الطاق راجع: رجال النجاشي: ٣٢٥/ الرقم ٨٨٦، وهو محمّد بن علي بن النعمان.
للتحقيق في وثاقة سلام بن مستنير راجع: معجم رجال الحديث ٩: ١٨١/ الرقم ٥٢٨٦.
(٢٤) بحار الأنوار ٥٢: ٢٨٠/ ح ٦.
(٢٥) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) ٥: ١٧٦.
(٢٦) تفسير القمّي ١: ١٥٨.
(٢٧) تفسير العيّاشي ٢: ٨٧.
(٢٨) الغيبة للنعماني: ٢٣٨/ باب ١٣/ ح ١٩. سند هذه الرواية: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدَّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن حسّان الرازي، عن محمّد بن عليّ الکوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي بصير.
(٢٩) المصدر السابق: ٢٤٠/ باب ١٣/ ح ٢٢. سند هذه الرواية: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا يحيى بن زکريا بن شيبان، قال: حدَّثنا يوسف بن کليب، قال: حدَّثنا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن عاصم بن حميد الحنّاط، عن أبي حمزة الثمالي.
(٣٠) المصدر السابق: ٢٣٦/ باب ١٣/ ح ١٤. سند هذه الرواية: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدَّثني محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن حسّان الرازي، عن محمّد بن علي الکوفي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الله بن بکير، عن أبيه، عن زرارة.
(٣١) الصحاح للجوهري ١: ٩٢؛ لسان العرب لابن منظور ١: ٢٣٣؛ القاموس المحيط للفيروزآبادي ١: ٤٠.
(٣٢) تاج العروس للزبيدي ١: ٣٢٩.
(٣٣) رجال النجاشي: ٣٣٨.
(٣٤) أُنظر: خلاصة الأقوال للعلَّامة الحلّي: ٤٠١، قال: (قال ابن الغضائري: محمّد بن حسّان الرازي، أبو جعفر، ضعيف).
(٣٥) رجال النجاشي: ٣٣٢، ذكر ذلك في ترجمة (محمّد بن علي بن إبراهيم الملقَّب أبا سمينة).
(٣٦) أُنظر: اختيار معرفة الرجال ٢: ٨٢٣.
(٣٧) رجال النجاشي: ٣٦.
(٣٨) اختيار معرفة الرجال ٢: ٨٢٧.
(٣٩) كمال الدين: ١٨.
(٤٠) المصدر السابق: ٣٥٧/ باب ٣٣/ ح ٥٤.
(٤١) تأويل الآيات الظاهر للاسترآبادي ٢: ٤٤٥. سند هذا الحديث: قال محمّد بن العبّاس: حدَّثنا الحسين بن عامر، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن ابن درّاج.
(٤٢) الاحتجاج للطبرسي ٢: ٣٣٤.
(٤٣) تفسير القمّي ٢: ٢٠٥.
(٤٤) تأويل الآيات الظاهرة ٢: ٤٧٨.
(٤٥) الاحتجاج ٢: ٣١٨.
(٤٦) معجم رجال الحديث ١٧: ١٦٩. على أنَّ الرجل مختلف فيه بين من ضعَّفه ووثَّقه، وهذا خاضع لرؤية وتمامية ما يوجب التضعيف والتوثيق عند الشخص؛ هذا والمؤلِّف ينسب الضعف إلى المعجم وبعد التتبّع والبحث رأينا أنَّ السيِّد يقبل رواية محمّد بن سنان.
(٤٧) سند هذا الحديث: حدَّثنا المظفَّر بن جعفر بن المظفَّر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن جعفر بن مسعود وحيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي جميعاً، عن محمّد بن مسعود العياشي، قال: حدَّثني عليّ بن محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير.
للتحقيق في وثاقة حيدر بن محمّد بن نعيم راجع: رجال الطوسي: ٤٢٠/ الرقم ٦٠٧٣.
للتحقيق في وثاقة محمّد بن مسعود راجع: رجال النجاشي: ٣٥٠/ الرقم ٩٤٤.
للتحقيق في وثاقة محمّد بن عيسى راجع: رجال النجاشي: ٣٣٣/ الرقم ٨٩٦.
للتحقيق في وثاقة يونس بن عبد الرحمن راجع: رجال النجاشي: ٤٤٦/ الرقم ١٢٠٨.
للتحقيق في وثاقة أبي بصير راجع: رجال النجاشي: ٤٤١/ الرقم ١١٨٧.
(٤٨) رجال النجاشي: ٢٤٩/ الرقم ٦٥٦.
(٤٩) أُنظر: قاموس الرجال ١: ٧١.
(٥٠) معجم رجال الحديث ١٣: ١٥٨/ الرقم ٨٤٤٣.
(٥١) كمال الدين: ١٨ و٣٠.
(٥٢) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال الطوسي: ٣٣٤/ الرقم ٤٩٧٨.
(٥٣) للتحقيق في وثاقته راجع: الفهرست: ١٥١/ الرقم ٣٧٥.
(٥٤) للتحقيق في وثاقته راجع: خلاصة الأقوال: ٧٠/ باب ٧/ الرقم ٣٧.
(٥٥) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال النجاشي: ٢٦٠/ الرقم ٦٨٠.
(٥٦) للتحقيق في وثاقته راجع: خلاصة الأقوال: ٤٩/ باب ١/ الرقم ٩.
(٥٧) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال النجاشي: ٣٢٦/ الرقم ٨٨٧.
(٥٨) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال النجاشي: ٢٦١/ الرقم ٦٨٤.
(٥٩) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال النجاشي: ١٧٦/ الرقم ٤٧٦.
(٦٠) للتحقيق في وثاقته راجع: رجال النجاشي: ٣٣٤/ الرقم ٨٩٧.
(٦١) تفسير الميزان ٧: ٣٨٦ و٣٨٧.
(٦٢) التوحيد للصدوق: ٢٦٦.
(٦٣) كمال الدين: ٥٢٧.
(٦٤) تفسير الميزان ٧: ٣٨٨.
(٦٥) بحار الأنوار ٥٧: ٢١٣/ ح ٢٣.
(٦٦) تفسير الميزان ٧: ٣٩٢.
(٦٧) أُصول الكافي ٥: ١٠/ ح ٢.
(٦٨) صحيح مسلم: ٢١.
(٦٩) تفسير الميزان ٧: ٣٩١.
(٧٠) تفسير الميزان ٤: ٢٤١.
(٧١) الكافي ١: ٤٠٨/ ح ٣. سند هذا الحديث: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد.
للتحقيق في وثاقة محمّد بن يحيى راجع: رجال النجاشي: ٣٥٣/ الرقم ٩٤٦.
للتحقيق في وثاقة أحمد بن محمّد راجع: رجال النجاشي: ٨١ و٨٢/ الرقم ١٩٨.
للتحقيق في وثاقة ابن محبوب راجع: رجال الطوسي: ٣٣٤/ الرقم ٤٩٧٨.
للتحقيق في واقة عمر بن يزيد راجع: رجال الطوسي: ٣٣٩/ الرقم ٥٠٤٦.
(٧٢) الكافي ١: ٤٧. سند هذا الحديث: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي خالد الکابلي.
للتحقيق في وثاقة هشام بن سالم راجع: رجال النجاشي: ٤٣٤/ الرقم ١١٦٥.
للتحقيق في وثاقة أبي خالد الکابلي راجع: طرائف المقال ٢: ٤٥/ الرقم ٦٩٥٠.
(٧٣) معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السلام) ١:٥٣١.
(٧٤) الغيبة للنعماني: ٢٣٧/ باب ١٣/ ح ٢٦.
(٧٥) المصدر السابق: ٢٣٨/ باب ١٥/ ح ١.
(٧٦) تفسير الميزان ٢: ٦٦.
(٧٧) بحار الأنوار ٤٤: ٢١.

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016