الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٥٩٣) تلازميّة العلم والصبر عند الأصفياء
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٥٩٣) تلازميّة العلم والصبر عند الأصفياء

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: محمد حسن عبد الخاقاني تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٦/٢٩ المشاهدات المشاهدات: ٤٠٥٢ التعليقات التعليقات: ٢

تلازميّة العلم والصبر عند الأصفياء

محمد حسن عبد الخاقاني

يقول تعالى مخاطباً خير النبيين (صلّى الله عليه وآله وسلم): ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الاحقاف ٣٥].
تبين هذه الآية المباركة أنّ من اصطفاهم الله (عزَّ وجل) إلى الخلق مبعوثين مرشدين، مبشرين ومنذرين قد اتصفوا بالصبر، وأنّ الصبر صفة قد ندبهم الله تعالى لأنْ يتصفوا به، ويثبتوا عليها.
وهنا نقول: إنهم رسل وأنبياء، وإنّ منهم أولو عزم وإرادة، فهل بعد كل هذا يحتاجون إلى الإيصاء بالصبر، وهم أصحاب المثابرة والثبات على مهامهم وأداء رسالاتهم السماوية وتكاليفهم الإلهيّة، الماضون في سبيل تطبيقه، وإنهم يتحملون ما يتحملون من أجل ذلك، لتأتي الوصية السماوية لهم بعد ذلك لكي يتحلّوا بالصبر! فلمَ الصبر؟ ومن أين يأتيهم؟
سؤال يلوح أمام المطّلع والباحث، ومن الضروري الإجابة عليه استكمالاً للبحث.
يتبين مما كانت عليه السيرة المباركـة لهؤلاء الذين اصطفوا من قبل الباري (عزَّ وجل)، أنّ الصبر والمداومة عليه أمر واضح في إيصال ما كلفوا به إلى نهايته ومبتغاه. مع أنّ هذا الصبر لا ينحصر في فعل الأصفياء، بل يشمل عمل كل عامل يقصد بلوغ قصده ومنتهاه.
وهاك مثالاً بسيطاً على ذلك صبر الأم على تربية وليده، وما تلاقيه في ذلك وما تعانيه من مصاعب ومتاعب.
وينطبق هذا المثال على صبر الفلاح على فعل قد يبدو لأول وهلة، وبنظرة ساذجة، أنه أمر عقيم لا رجاء منه. فإيداع بذرة جافّة يابسة، في موضع من الأرض، لا يعني لغير هذا الفلاح شيئ، ولكنه لدى غيره يعني البداية لكثير وكثير.
إنّه لأمر مفعم بالصبر؛ حتى تدّب الحياة بهذه البذرة لكي تنبت، فترسل تباشير ذلك الإنبات بريعمات بسيطة، فيتعهد الفلاح ذلك الإنبات بالسقي والعناية، رعايةً وعزقاً وتسميداً وحراسة، حتى تكتمل نبتة كما أراد لها الله، ثم تؤتي أوكلها خيراً ليس لذلك الفلاح فقط بل للجميع.
فمن الذي أودع الصبر لدى هذا الفلاح المثابر، وقبله عند تلك الأُم المضحية، ومن أين جاءهما هذا الصبر الدؤوب المضني؟ أليس هو من معرفةٍ وعلمٍ بما سيكون من تلك البذرة، وما سيكون من أمر ذلك الصبي من مآل، وفي كل ذلك لا يعدو أنْ يكون هذا علماً بشرياً بدائياً أوّلي، عند أُناس بسطاء، هم من عامّة الناس.
أمّا إذا انتقل بنا شريط الذاكرة إلى حيث الأصفياء فماذا نقول؟ حيث صبر هؤلاء وتحملوا ما تحملوه، في سبيل الدعوة إلى ما كلفهم الله به، فلم الصبر عندهم؟ ومن أين توفر لديهم؟
لم صبر نبي الله هارون (عليه السلام)، على ما فعلهُ به وبدين الله بنو إسرائيل بعد ذهاب صاحب الشريعة - موسى (عليه السلام) إلى ميقات ربّه - رغم أنّ القوم قد عبدوا عجلاً جسد، بدل ما كان يدعوهم لعبادته موسى وهرون (عليهما السلام)، فما صبر نبي الله؟ أليس ذلك إلاّ لمعرفته بما يكون لدين الله رغم ما فعله الجاهلون؟
وما يماثل هذا الدور، وفي نفس سياقه، لا يخرج عنه، ما كان لصفي الله ووصي رسوله علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وما حدث له ولدين الله الإسلام، ولكنه صبر (عليه السلام) وفي الحلق شجى وفي العين قذى، وذلك ما عبّر عنه (عليه السلام) بالقول: فوجدت الصبر على هاتا أحجى فصبرت... .
فكيف صبر (عليه السلام) - وهو المعروف بشجاعته الفائقة - على التحدي وعلى الاعتداء على داره وحرق بابه، وما تعرض له شخصه الكريم، وشخص بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وفي بيت هو في حقيقته أحد بيوت أذن الله أنْ ترفع ويذكر فيها اسمه، وكيف تحمّل (عليه السلام) غصب حق أحقه الله تعالى على لسان رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
كيف صبر صفي الله على هذا الحادث الجلل؟ هل إلا لعلمه بما سيؤول إليه أمر دين الله، وأنّ الله سيظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
إذن ما كان صبر الوصي إلّا خطوة فاعلة في سبيل هذا الإظهار المتحقق لا محالة.
فهذه سُنّة الله في الصالحين، وأمره في الأولين، ولنا في قصة نبيي الله يعقوب ويوسف (عليه السلام) لخير مثال على ذلك، فقد كان يعقوب (عليه السلام) يعلم ما سيكون لابنه يوسف، وأنه - أي يعقوب (عليه السلام) - قادر على قطع المسافة من فلسطين إلى مصر، وهي مسافة غير طويلة حتى في تلك الأيام، ولكنه صبر على أمر الله رغم حزنه على فراق ولده، ذلك الصبر الذي كلّفه بريق عينيه، بل بصره كليّاً.
كذلك هو أمر نبي الله يوسف (عليه السلام)، فرغم علمه بحزن أبيه (عليه السلام)، وقدرته على إرسال من يخبره بمكانه، ليذهب حزنه، إلّا أنه لم يفعل ذلك، وأنّه رغم قدرته على إخبار إخوته حين قدومهم إلى مصر، بحاله والتعريف بشخصه، ولكن صبر، ولم يفعل إلّا في الوقت المناسب، منتظراً من الله أمراً سيتحقق، وذلك بما علمّه تعالى إيّاهُ.
إذن الأمر أكبر من عذابات هذين النبيين الكريمين (عليهما السلام)، وما تعرضا له وما يقاسيانه، مع أنها ليست بهينةٍ على الله، ولكنّه أمر الله الذي يُنتظر أنْ يتحقق خير، ليس لهما فقط، وإنما للكثير من بني البشر، بل للبشرية جمعاء.
نعم كان من الأنبياء والأوصياء صبرٌ، وأنه لصبر ما جاء إلاّ لعلمهم - وهو من وحي الله طبعاً - بعاقبة الأمور، أي لعلم هؤلاء الأصفياء بنهاية صبر كل منهم وعاقبة ذلك الصبر، وما قدّره الله تعالى لهذا الصبر من نتيجة عظيمة كبرى.
إنّ صبر الأنبياء ليس صبراً بسيط، مآله إلى مصلحة شخصية، ومنفعة فردية، بل هو صبر عظيم ثابت مستقر، مطمئن إلى سر الهي سماوي، فيه وله مصلحة أعدّها الله تعالى هدفاً لبني البشر، وتأسيساً لمستقبلهم في استكمال عبادتهم لله الواحد الأحد، وسيراً بهم نحو تكاملهم الإنساني.
وهنا يأتي السؤال فيقول: هل أن إمامنا صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) وبعدما تعرض له دين الله والمؤمنون به ببعيد عن صبر بقية الأصفياء، وهل أنّ ما تعرض له أجداده وآباؤه، واعتباراً من جده خاتم الرسل (صلّى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يؤذ نبي كما أوذيَ ومروراً ببقية آبائه الكرام، وما أصابهم من شتى أنواع العذابات، من ترويع ومضايقات، وغصب حقوق، وسلب إرادة، وسجن وإبعاد وتغريب، بل قتل وأسر وسبي، كما حصل لسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، وعيالات رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أكل هذا لم يؤثر فيه (عليه السلام)؟ ولم يحركه ويدفعه للقيام بالتصحيح، معاذ الله.
إننا نجد صاحب العصر صابراً ولم يعلن ظهوره لإصلاح الكون، ونشر دين الله الحق على ربوع المعمورة، فلم كل هذا الصبر من قبل ولي الله وصفيه، المكلّف، ولِمَ كل هذا التحمل؟ أليس كل ذلك هو لما في سر الإمامة بما سيكون عليه حال الكون، واستحقاقية التغيير، وإنها مرهونة بزمانية البدء والتنفيذ، ما لم يحن حينه بعد.
إذن هو صبر، وصبر، وصبر، وتحمّل على مضض، رغم المآسي والمصائب والأحزان، ولكنه علم بعمق، وتأكّد برسوخ، مما سيؤول إليه هذا الصبر من مستقبل راقٍ مشرق، وحال ما سيكون عليه دين الله الإسلام بعد كل ما حصل لهذا الدين وأهله.
هذا ما جرى على الأنبياء والأوصياء، فثبتوا وصبرو، وما صبرهم هذا - كما ثبت - إلّا عن علم.
فمنشأ صبرهم هو العلم، فهو صبر مستند إلى علم، وعلم مآله إلى صبر، فهي تلازمية مؤدّاها صبرٌ استحق أنْ يكون به الأنبياءُ أنبياءً، والأوصياءُ أوصياءً، فهم بذلك أصفياء الله.
قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾، وما ذلك إلاّ لأنهم ﴿لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.

التقييم التقييم:
  ١ / ٥.٠
 التعليقات
الدولة:
الإسم: براق
العراق
النص: اللهم صــــــــــــل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ...♥
تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٦/٢٩ ٠٩:٥٠ م
إجابة التعليق

الدولة:
الإسم: um tayaf
usa
النص: اللهم صــــــــــــل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٧/٠٧ ٠٥:٤٥ ص
إجابة التعليق

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016