الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٥٣٥) حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأحكامه
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٥٣٥) حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأحكامه

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: الدكتور محمد حسين علي الصغير تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٤/١٤ المشاهدات المشاهدات: ٤٠٩٢ التعليقات التعليقات: ٠

حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأحكامه

الدكتور محمد حسين علي الصغير

من مؤشّرات آخر الزمان سيطرة الحكم الطاغوتي على العالم، وضياع الإسلام في البلاد الإسلامية وقلب مفاهيمه، وتفسير أحكامه تبعاً للهوى والمصالح السياسية، حتى يعود الدين غريباً كما بدأ غريباً، فحدوده معطّلة وسننه لا يعمل بها، والقرآن لا يبقى إلّا رسمه، ومؤدّى هذه الظواهر أنّ المناخ الجاهلي هو المنتشر بالآفاق، وأنّ رياح الردّة عن الإسلام بواقعه الحقيقي هي التي تعصف بالأجواء، وحين ذاك تكون ثورة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على العرف السائد حدثاً غريباً في المبادئ المتوارثة عند الشعوب، إذ ينادي بقيم ومثل جديدة، تقلب فيها الموازين المتناحرة في الاتّجاهات والمبادئ، وتتأكد بقوة مفاهيم أخرى لا عهد لهم بها في ذلك العصر، فيدعو إلى الإسلام كما دعا رسول الله (صّلى الله عليه وآله وسلم)، ويبعث الإسلام حياً نابضاً بعد أنْ رثّت معالمه، وينادي به شريعة ومنهاجاً حين اندرست آثاره، فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: إنّ قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غربياً فطوبى للغرباء.
وفي توجه الإمام الجديد، ندرك ما سيلاقيه من العنت والعداء كما لاقى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من الجاهلين أوّل الدعوة، وهذا ما تفرضه طبيعة الظروف المنحرفة عن الإسلام لدى الظهور المبارك.
فيقابل الإمام (عجّل الله فرجه) ذلك الزيغ بالعمل المضني والنضال الدامي، فيجعل القرآن أمامه في معارفه وتعاليمه وتشريعه، ويحيي السنة بثوابتها التي لا تتحول، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي، ويريهم كيف يكون عدل السيرة، ويحيي ميت الكتاب والسنّة.
ويبعث الحركة في تشريعات القرآن بعد خمودها، ويطبق منهجه الأسمى في ضوئه، ويبدأ بتعليمه كما أنزل أول مرة، فعن جابر عن أبي جعفر الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: إذا قام قائم آل محمد (عليهم السلام)، ضرب فساطيط، ويعلّم القرآن على ما أنزل الله (عزَّ وجل)، فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم، لأنّه يخالف فيه التأليف (المألوف).
فإذا توافر التعليم الصحيح بأبهى مظاهره بدأ العمل تطبيقاً بأحكامه وفروضه كما عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال: ...إنّ الدنيا لا تذهب حتى يبعث الله (عزَّ وجل) رجلاً من أهل البيت (عليهم السلام)، يعمل بكتاب الله، لا يرى فيكم منكراً إلّا أنكره.
ويكون تعليم القرآن بأصوله قائماً على قدم وساق في حواضر الإسلام لاسيما في مسجد الكوفة، إذ تتشكل هيئات تعليمية في دورات منظمّة تعنى بتعليم القرآن، وقد تكون من التأهيل بحيث يوفد المتعلمون لاحقاً إلى الأقطار لأداء هذه المهمّة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنّه قال: كأنّي انظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة قد ضربوا الفساطيط يعلّمون القرآن كما أنزل.
ويبدو أنّ تطبيق القرآن كما أراد الله ديناً ودولة، يكون شديداً على الناس فيختلفون فيه كما اختلف في الكتاب الذي أنزل على موسى (عليه السلام) فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ
قال الإمام (عليه السلام): اختلفوا كما اختلفت هذه الأمّة في الكتاب، وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم (عليه السلام) الذي يأتيهم به ينكره ناس كثير، فيقدمهم فيضرب أعناقهم.
والقرآن هو القرآن، فلماذا ينكره الناس في عهد صاحب الأمر، المرجّح في هذا الموضوع أنّه (عليه السلام) يأتي بالتنزيل مع التأويل الصحيح فينكرون ذلك، لما يطلعون في التأويل من عوالم أهل البيت (عليهم السلام) المجهولة لدى أغلب الناس.
وتعلل رواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) سبب تسمية صاحب الأمر بالمهدي بأنه يهدي إلى القرآن، وهو أمر مضلول عنه كأحد المصاديق التي تشير إليها الرواية، فعن محمد بن عجلان عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر، فضل عنه الجمهور، وإنّما سمّي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مضول عنه، وسمي بالقائم لقيامه بالحق.
ولهذا فإنّ معاناة الإمام في تطبيق أحكام القرآن والعود بالناس اليه ستكون شديدة الأثر في الدعوة إليه، لأنه (عجّل الله فرجه) سيكون صارماً في تنفيذ المهمات الشرعية دون تردد وبكل جدية معاملة الواثق الجريء، فلا يعطيهم إلا السيف، ففي رواية عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال: ومن لم يسلم ضرب عنقه، حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلّا وحدّ الله.
والملفت للنظر في الروايات شدّة الإمام في أحكامه الصارمة مع قريش، وقد يكون المراد من قريش السائرين بركاب قريش، والمنتمين إلى كبريائهم وجبروتهم، والحاملين لأفكارهم تعنتاً وجاهلية، وقد يكون بهؤلاء وبقريش خاصة، إذ يقابل الإمام بالتّسفيه والتّكذيب والعناد كما قوبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فقد ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، أنه قال: لو يعلم الناس ما يصنع القائم (عليه السلام) إذا خرج لأحبّ أكثرهم أنّ لا يروه مما يقتل من الناس، أما أنه لا يبدأ إلّا بقريش، فلا يأخذ منها إلّا السيف، ولا يعطيها إلّا السيف، حتى ليقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرحم.
ولسائل أنْ يسأل عن شدة هذه الأحكام لدى الإمام (عجّل الله فرجه) في حكومته: دليلها، شرعيتها، كيفيتها!
وللإجابة عن هذا السؤال، يرى البحث أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في قضائه على الفجرة والكفرة إنّما يتبع في ذلك الحكم الواقعي الذي يلهمه الله إياه فيسير في ضوئه، فللإمام ما ليس لغيره، وله أنْ يحكم بعلمه، فقد روى عبد الله بن عجلان عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إذا قام قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، حكم بين الناس بحكم داوود (عليه السلام)، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه، ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليّه من عدوّه بالتوسّم، قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ﴾.
وفي ذلك روايات كثيرة تحمل هذا المضمون، في كون الإمام (عجّل الله فرجه) يحكم بحسب علمه، كما حكم بذلك داوود (عليه السلام)، فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، أنّه قال: إذ قام قائم آل محمد حكم بحكم داوود، ولا يسأل البيّنة.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منّي، يحكم بحكومة آل داوود، ولا يسأل البيّنة، يعطي كل نفس حقّها.
وذلك أنّ الحقائق تتجلّى للإمام (عجّل الله فرجه) كما هي، وتكشف له خبايا الضمائر والسرائر، فيغربل حسيكة النفاق، فيلتقط المنافقين على حين غرة منهم، وقد يكون بعضهم ممن هو في أعوانه بالفعل، فيقيم عليه حكم الله بهذا التجلي الفريد، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: بينا الرجل على رأس القائم يأمره وينهاه، إذ قال: أديروه، فيديرونه إلى قدّامه، فيأمر بضرب عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلّا خافه.
إنّ هذا النوع من الأحكام والقضاء الفصل جزء من ذلك العلم اللدني الذي وهبه الله للإمام (عجّل الله فرجه)، فهو ينظر بنور الله تعالى، ويسير وفق خطة مرسومه لا يحيد عنها، وهي بعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام): إنّ المهدي يقوم إليه رجل من صلب أبيه معترضاً على أحكام القتل من المجرمين قائلاً للإمام (عليه السلام): يا هذا ما تصنع؟ فو الله انك لتجفل الناس إجفال النعم!!
أفبعهد من رسول الله؟ أم بماذا؟
فيقول القائم... إي والله إنّ معي عهداً من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)... فيقرأ العهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيقول الرجل: جعلني الله فداك: اعطني رأسك اقبله، فيعطيه رأسه، فيقبل ما بين عينيه، ثم يقول: جعلني الله فداك، جدد لنا بيعة، فيجدد لهم بيعة.
وهذا الموقف من قبل أقرب الناس إليه، يمكن أنْ يؤّول بأحد أمرين:
الأول: أنْ يكون الغرض استراتيجياً لإشعار الناس: أن ما يقوم به الإمام إنّما هو من صميم تكليفه الشرعي الذي لا مناص منه، وهو مأذون أو مأمور بإجرائه بعهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وعليهم التسليم المطلق بمثل هذا الواقع، ذلك لئلا يشك احد منهم بماهية هذا القضاء أو شرعية تلك الأحكام.
الثاني: إنّ الرجل مع صلابة إيمانه قد اعترته الدهشة وأخذه الاضطراب النفسي وهو يرى الإمام يستأصل المئات قتلاً وتنكيلاً، فأراد الاطّلاع على حقيقة الأمر بنفسه، ليدرأ عنها الشك والارتياب، وحينما يرى العهد المعهود للإمام من الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ينعطف على الإمام فيقبّل ما بين عينيه اعتذاراً واعتزازاً بوقت واحد، ويطلب تجديد البيعة لئلا تكون هذه المداخلة مما يتقاطع مع طاعة الإمام.
وهذا العهد من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذو شهرة واسعة في أحاديث قضاء الإمام الذي لا يستتيب أحداً من ذوي العقوبات المقررة، وهو ما يصرح به الإمام محمد الباقر (عليه السلام) بما روي أنه قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) (بعث) في أمّته باللّين والمنّ، وكان يتألّف الناس، والقائم يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً!! بذلك أمر في الكتاب الذي معه، ويل لمن ناوأه.
وفي ضوء ما تقدّم ندرك جزءاً يسيراً من فلسفة الإمام (عجّل الله فرجه) في حكومته وأحكامه، حتى تعلو كلمة الله في الأرض.

التقييم التقييم:
  ٣ / ٤.٧
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016