الأمل يخفف ثقل الابتلاء
الشيخ كاظم القره غولي
إنّ الأمر المرتبط بقيام دولة الحق التي ستبسط فيها يد المعصوم (عليه السلام) على جميع أرجاء الدنيا، وانتشار العدل وسيادته، بنحو ساغ أن يعبر في الروايات الشريفة أنّه (عجّل الله فرجه): «يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، فشدت النفوس للمساهمة في صياغة المشروع الإلهي الكبير وصنع مفرداته، وأبعد الناس عن استثقال ضريبة الدفاع عن الحق والثبات عليه، حيث لم يجعل الاستجابة لأوامر الحق تعالى مما يرتبط بتحمّل المسؤولية تجاه هذا المشروع الكبير الذي تساق له كل التجمعات البشرية سوقاً, حيث إنّه يشكّل معلماً شاخصاً في تاريخ كل البشرية ومحطّة أساسية في مسيرة الأُمم في طريق التكامل على المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي, بل هي المحطة الأهم من كل المحطات.
لم تجعل الاستجابة لأوامر الحق مقتصرة على التعبّد المحض الذي لا دافع له إلّا الأمر الشرعي مهما كانت النتائج، حيث إنّ انحصار الدافع بذلك يسقط الأكثرية الساحقة من المكلفين في هذا البلاء لشدته وثقله الكبير على النفوس، والتاريخ حافل بأمثلة لذلك، ففي معركة أُحُد حيث إن المسلمين كانوا يعيشون لذة الدين الجديد ولم تجر عليهم بعد سنة طول الأمد لتقسو القلوب وتبتعد عن الطاعة والالتزام بأوامر الشريعة.
﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد: ١٦].
وذاقوا قبل ذلك لذة النصر الكبير في بدر وما نتج عنه من كسر الأعداء وغنم الأموال، وما أفرزه من الهيبة لهم والعزة، في زمن كانت تبذل الأرواح رخيصة لأجل الحصول على مثل هذه الحيثية, وقد أخبروا سلفاً أنهم سيخسرون في معركة أُحُد إذا اختاروا بعد واقعة بدر أنْ يأخذوا الفدية من الكفار الأسرى بعد أن خيّرهم النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين ذلك على أن يخسروا في معركة أخرى سبعين شهيداً، وبين أن يقتل أسرى بدر فيحرموا من الفداء الذي كانوا يحتاجونه، ومع كل ذلك حين رأوا القتل بأصحابهم من سرية خالد بن الوليد التي فتكت بهم من خلفهم ولّوا فراراً وتركوا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده إلّا علي (عليه السلام) الذي وقف يدفع الكتائب واحدة بعد أخرى.
ومثل ذلك حصل في حنين حيث اعتمدوا على كثرتهم يوم أعجبوا بها ومع أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان قد وعدهم النصر فيها إلّا أنهم لمجرد استبطائهم النصر.
﴿يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ﴾ [البقرة: ٢١٤].
تركوا النبي وارتّدوا القهقوى إلّا عشرة، تسعة منهم من بني هاشم، وأيمن ابن أُم أيمن. فكيف يصبر منتظرو ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) على الثبات في طريق الحق إذا استبعدوا ظهور وانتصار الحق على يديه، خصوصاً إذا لاحظنا كثرة المحن التي واجهت وتواجه الناس في الأزمنة المختلفة، وقد وصفت بعض الروايات الشريفة حال المتدينين بأوصاف تكشف عمق المأساة التي تواجههم وقساوة الامتحان كقولهم (عليهم السلام): «الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر». ومن منا يصبر على جمرة في يده بل يقبضها باختياره؟