فوائد طلب الانتظار
الشيخ كاظم القره غولّي
١- تحقق المعرفة:
إنّ الأمر بانتظار الفرج منبثق من جملة من المصالح أهمها تحقق لازمه من المعرفة بالإمام (عجّل الله فرجه)، وإلّا كيف يطلب منا الانتظار ما لم نعلم بوجوده؟ والعلم بالإمام (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة أمر في غاية الصعوبة لاعتبارات:
- منها أنّ طول الأمد أحد عوامل قلة التعامل النفسي مع ما تعتقد أنّه سيتحقق. وهذا ما أشارت إليه الآية الشريفة: ﴿فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحديد:١٦].
وقد جاء في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا, ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم.
- ومنها: أن وقع مشاهدة المعصوم والأخذ منه أكثر من مجرد السماع بالواسطة كما في زمن الغيبة. ومن هنا استحق المؤمن في زمن غيبة المعصوم أنْ يصفه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بصفة الأخوّة.
فعن أبي الجارود, عن أبي بصير, عن أبي جعفر (عليه السلام), قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقّني اخواني، مرتين, فقال من حوله من أصحابه: أما نحن اخوانك يا رسول الله؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا إنكم أصحابي, واخواني قوم من أخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أنْ يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم, لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء, أو كالقابض على جمر الغضا, أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة.
والروايات في هذا المعنى متعددة.
- ومنها: أن طول غيبته (عجّل الله فرجه) يثير الشبهات مما يجعل احتمال التراجع عن المعتقد أمراً وارداً.
إن البقاء على المعتقد يحتاج إلى ركوز المعرفة في النفس لتتمكن من مقاومة هذه الشبهات ووساوس الشيطان, وهذا يدعو إلى السعي لتركيز المعرفة واستيضاح المعتقد كمقدمة لا بد منها للثبات على الحق مثل هذا المخاض الذي تمر به النفوس نتيجة للموانع من البقاء على المعتقد.
وانعكاس ذلك المعتقد على العمل المتمثل بالانتظار ولوازمه يحتاج لتركيز تلك المعرفة بنحو آكد، مضافا إلى تفعيل ذلك المعتقد بالنحو الذي تنساق له النفس في مقام العمل، فليس كل من علم عمل. ولا تنعكس كل معلومة على السلوك ما لم تضم لها عناصر أخرى تدعمها, من أهمها ركوزها في النفس مع تربية النفس للانصياع لما علمته. فالانتظار المطلوب شرعاً يستدعي أموراً هي بمثابة مقدمات له، أولها انقياد النفس له, والانقياد فرع العلم, فهو يستدعي العلم, بل وتفعيله في صقع النفس. فاستيقان المعلومة نظرياً لا يستلزم الانصياع والانقياد والمتابعة علمياً. ومن هنا جاء قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل:١٤]. مضافاً إلى أن المعلومة قد تغيب عن الحضور أمام النفس ويلفها النسيان فيمتنع تأثيرها على النفس. وهذا قد يشكل وبالا على النفس، إذ أنّ الحجة تتم على العالم أكثر من تماميتها على الجاهل, والسعي لتجسيد تلك المعلومة أو آثارها عملا بشكل متكرر يعني أبعادها عن النسيان أو الغفلة عنها. ولعل أحد الوجوه في طلب تكرار العبادة طوال العمر هو لذلك. فطلب الانتظار يحقق المعرفة أولاً أو يساهم في ذلك, ويساهم في تفعيلها من جهة تأثيرها على النفس ثانياً, ويدفع النسيان عنها والغفلة، من خلال إبقائها حاضرة أمام النفس، إذ من غير المعقول أنْ تمارس النفس وتفعّل ما يقتضيه الانتظار دون أن تستحضر من هو المنتظر وما هو مشروعه.
٢- الأمل:
ومن فوائد انصباب الأمر ظاهراً على الانتظار للفرج هو تحقّق لازمه من الأمل الذي يبعث على التحرك. وهذا ما تحدثت عنه بعض الروايات بشكل صريح. ففي (غيبة الشيخ الطوسي (قدس سره) روى عن علي بن يقطين, قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): يا علي, إنّ الشيعة تربى بالأماني منذ مائتي سنة.
ومن هنا قال يقطين لابنه علي: ما بالنا قيل لنا فكان, وقيل لكم فلم يكن؟ فقال له علي: إنّ الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد غير أنّ أمركم حضر فأعطيتم محضه, فكان كما قيل لكم, وإنّ أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني. ولو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب ولرجع عامة الناس عن الإسلام, ولكن قالوا: ما أسرعه وما أقربه, تألّفاً لقلوب الناس وتقريباً للفرج.
وهذا ما استفاده علي من الكاظم (عليه السلام) حين قال له: ما بال ما روي فيكم من الملاحم ليس كما روي, وما روي في أعاديكم قد صح؟ فقال (عليه السلام): إنّ الذي خرج في أعدائنا كان من الحق فكان كما قيل, وأنتم عللتم بالأماني فخرج إليكم كما خرج.
٣- لجم الأتباع:
ثم إن من فوائد ذلك لجم الأتباع عن التحرك المتسرّع الذي غالبا ما يتسبب في خسائر كبيرة لأتباع المذهب الحق. ويظهر من الروايات العديدة أنّ الأئمة (عليهم السلام) كانوا بصدد معالجة هذه المشكلة من خلال الحث على الصبر مرة, والكون أحلاساً للبيوت حتى يطلع نجمهم مرة أخرى, والتحذير أنْ يكونوا من المتمنين ثالثة, وأن يقوموا قبل الأوان وهكذا.
٤- التكامل المعنوي:
وقد قدمنا أنّ من فوائده أيضا السعي لتحقيق ما يقتضيه الانتظار من السعي للتكامل وتزكية النفس, ليكون الانسان مؤهلا لمواكبة حركة الإمام (عجّل الله فرجه). ومن رجا شيئاً طلبه، والطلب يستدعي رفع الموانع والسعي لتحمل ما يؤهله لنيل المطلوب, وهذا ما يعني بذل الجهد لنيل الكمالات التي قد يساهم وجودها في اقترابه من المطلوب.