الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٤٣١) التوقيعات الشريفة بين تداعيات الكتمان وضرورة الإعلان
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٤٣١) التوقيعات الشريفة بين تداعيات الكتمان وضرورة الإعلان

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: السيد محمد القبانجي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٣/١٠/٠٨ المشاهدات المشاهدات: ٣٤٨٧ التعليقات التعليقات: ٠

التوقيعات الشريفة بين تداعيات الكتمان وضرورة الإعلان

السيّد محمّد القبانجي

في مقال سابق لنا تحت عنوان (ضياع التّراث المهدوي) تمَّ استعراض حجم التراث المهدوي في عالم الحقيقة والواقع ومدى ضخامته ووفرته، مع ملاحظة التراث الواصل إلينا وضآلته وقلَّة مقداره، ومن خلال عالم الأرقام والنسَب اتَّضح أنَّ التواقيع الواصلة إلينا لم تتجاوز (٨٥) توقيعاً من مجموع تواقيعه (عجّل الله فرجه) التي تبلغ (٢٨٨٠٠) توقيعاً على أقلّ التقادير والحسابات لكلّ الوكلاء العشرين مع السفراء الأربعة خلال سبعين عاماً حسب الإحصائية المتوقّعة التي بيَّناها هناك.
وهنا نحاول بيان العلل والأسباب، للإخفاء تارةً، والإعلان أخرى مع ذكر بعض النماذج من كليهما.
وبداية نذكر نموذجاً للإخفاء منصوص عليه، فعن أبي علي المتيلي أنَّه قال: جاءني أبو جعفر - أي النائب الثاني محمّد بن عثمان (رضي الله عنه) - فمضى بي إلى العبّاسية وأدخلني خربة وأخرج كتاباً فقرأه عليَّ فإذا فيه شرح جميع ما حدث على الدار وفيه: أنَّ فلانة - يعني اُمّ عبد الله - تؤخذ بشعرها وتخرج من الدار ويحدر بها إلى بغداد، فتقعد بين يدي السلطان - وأشياء ممَّا يحدث - ثمّ قال لي: احفظ، ثمّ مزَّق الكتاب وذلك من قبل أنْ يحدث ما حدث بمدَّة.
ونموذج الإعلان ما ورد في التوقيع الشريف الصادر إلى محمّد بن علي بن هلال الكرخي: ...وأُشهدكم أنَّ كلّ من نبرأ منه فإنَّ الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياءه، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أنْ لا يكتمه لأحد من مواليّ وشيعتي حتَّى يظهر على هذا التوقيع الكلّ من الموالي لعلَّ الله (عزَّ وجل) يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحقّ، وينتهون عمَّا لا يعلمون منتهى أمره، ولا يبلغ منتهاه... .
ونموذج آخر للإعلان ما ورد في التوقيع الشريف الصادر إلى أبي علي بن همام: عرّف من تثق بدينه وتسكن إلى نيَّته من إخواننا أسعدكم الله جميعاً بأنَّ محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني قد ارتدَّ عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادَّعى ما كفر معه بالخالق جلَّ وتعالى، وافترى كذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً...، قال هارون: وأخذ أبو علي هذا التوقيع ولم يدع أحداً من الشيوخ إلاَّ وأقرأه إيّاه، وكوتب من بَعُدِ منهم بنسخته في سائر الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه.
ومن خلال دراسة فاحصة لواقع الحياة الأمني والسياسي والعسكري الذي كان يعيشه أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، والتقيّة المكثَّفة التي يستعملها الشيعة لأنَّ السيف يقطر دماً كما هو تعبير بعض الروايات، فإنَّ من الواضح جدّاً أنْ تكون القاعدة الأصلية في مجمل تحرّكهم هو الكتمان والتستّر وعدم الإفشاء والكشف لكلّ ما يدلّ أو يشير إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بل حتَّى إلى وكلائه ونوّابه الخاصّين الأربعة أو غيرهم حتَّى ورد النهي عن ذكر اسمه وغُلّظ النهي والتحريم حتَّى وصل إلى رتبة التكفير، فقد ورد في الحديث الشريف (من ذكر اسمي في محفل من الناس فقد كفر)، ومن الواضح أيضاً أنَّ التوقيعات من أيسر الأمور التي تكشف عن مصدرها وصاحبها، من خلال تطابق الخطوط وغيرها كما هو متعارف اليوم في بصمة الإبهام، فإنْ لم يظفروا به فسوف يحصل التنكيل بحَمَلَة التوقيع والرسل الموصلة والمسلمة، ومن خلاله تنكشف الشبكات العاملة في مجال الترابط بين الإمام والأمّة، ممَّا يعني ضياع التشيّع بل ربَّما محوه، وهذا ما أشارت إليه بعض الروايات أيضاً بصراحة، لولا تحذير الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ورعايته الدائمة للشيعة كما في رواية علي بن محمّد، قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحائر، فلمَّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطائي فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا يزوروا مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقَّد كل من زار فيقبض عليه.
إذن فالقاعدة الأساس هي عدم نشر التوقيع، بل ربَّما تمزيقه إذا اقتضى الأمر أو على الأقلّ عدم تسليمه وإعارته لغير صاحب التوقيع بل يسمح للآخر فقط بالإراءة للاطّلاع عليه ثمّ إرجاعه كما في لسان رواية أبي غالب أحمد بن محمّد بن سليمان الزراري، قال: ... فوجَّه إليَّ أبو جعفر الزجوزجي قدس سره يوماً من الأيّام، فصرت إليه، فأخرج إليَّ فصلاً من رقعة، وقال لي: هذا جواب رقعتك فإن شئت أن تنسخه فانسخه وردّه، فقرأته فإذا فيه: (والزوج والزوجة فأصلح الله بينهما)، ونسخت اللفظ ورددت عليه الفصل...
ومن خلال معرفتنا بالقاعدة يتَّضح أنَّ الأمر بنشر التوقيع وتوزيعه أو استنساخه لا بدَّ أن تكون له دواع قويَّة جدّاً، ممَّا يضطرّ الإمام (عجّل الله فرجه) بمخالفة المنهجية العامّة المتَّبعة في التقيّة، ويمكن أن نجمل ذلك بأمر واحد هو الخشية على الدين من الانهيار والانحراف، ممَّا يعني وجود خطوط حمراء ترتفع فيها ضرورة العمل بالتقيّة ويأتي دور ضرورة العمل بالنشر لنفس الملاك، فكما أنَّ التقيّة شُرعت لحفظ الهوية على مستوى الفرد والمجتمع كذلك عدمها أيضاً يُشرَّع في ظرف التقيّة في حالات استثنائية إذا خيف على الهوية الشيعية من الانحراف، أو قد تكون هناك مصالح ثانوية أخرى.
ومن هنا نعلم سبب الأمر بنشر توقيعات شريفة لما لها من أثر حاسم في قلع جذور الفتنة التي تهدّد الهوية الشيعية بالانحراف عن المسير، وذلك بعد انجراف بعض الشيعة إلى أمثال الشلمغاني وغيره، فكان لا بدَّ من التصدّي الصريح والواضح والإعلان بكلّ الوسائل المتاحة عن خطورة هذه المدَّعيات وجعل العالم الشيعي على معرفة ودراية بما يحاك ضدّه من دسائس، وما يراد له من مكائد.
فاتَّضح أنَّ الملاك واحد في إخفاء التوقيع أو نشره والإعلان عنه، وهو الحفاظ على الهوية الشيعية.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016