الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
القول بأن شخصية السفياني معنى رمزي أو كناية عن ظاهرة اجتماعية عامة فضلاً عن مخالفته للكثير من الأخبار والروايات، سوف يفقد هذه الشخصية دلالتها التعريفية على ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، باعتبار أن ظهور هذه الشخصية على ساحة الأحداث سوف تشكل منعطفاً حاداً في تأريخ الغيبة الكبرى واتجاه تعاطينا مع القضية المهدوية في فعلية التكليف الشرعي على المؤمنين بوجوب التحرك لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه) وفي جزء زماني محدد.
وهو المعنى الذي يتعارض بوضوح مع الامتداد غير المنضبط الذي يترشح ويتفرع كلازم عن المبنى الذي يقول بالرمزية والذي يحاول تفسير شخصية السفياني كظاهرة للفساد في المناخ الإسلامي بمعناها العام، باعتبار أن كل ظاهرة اجتماعية إنما تحصل وفق مخطط تراكمي تصاعدي يصعب جداً تحديدها وتقييدها في نقطة معينة، فلا تعود تمثل علامة فاصلة لحصول أمر معين كظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، وهذه الصعوبة بطبيعة الحال تعرض على المختصين وأهل الخبرة في تشخيصها فضلاً عن عامة الناس، وبالتالي سوف تفقد هذه العلامة أشارتها الجوهرية المفصلية التي استهدفتها الروايات الشريفة والتي أكدت على سرعة حركة المؤمنين للنصرة تبعاً لطبيعة الأحداث المتسارعة آنذاك، وبدل أن تكون هذه العلامة نقطة اتفاق وانطلاق للمؤمنين سوف تصبح نقطة اختلاف ونزاع بينهم في كونها تحققت فعلاً أو لم تتحقق بعدُ.
وهذا المعنى يخالف نصوص الروايات المعتبرة والتي أخذت خروج السفياني بمثابة (نقطة صفر) غير قابلة للإجمال واللبس، ولذا جاء في الحديث المعتبر عن سدير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا سدير الزم بيتك وكن حلساً من أحلاسه واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك. [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٢٦٤]
وجاء أيضاً عنه (عليه السلام) في سند معتبر آخر: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثا -، وهو من المحتوم. [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٢٧٤]
وأما ما ذكرتموه عن الشهيد الصدر الثاني (رحمه الله) في موسوعته المهدوية فلا يخفى أن المنهجية التي اعتمدها السيد في كتابه تقوم على تعدد القراءات في تفسير ما ورد في الروايات والأخبار وطرح جميع المحتملات على مائدة البحث والنقاش، وقد ينتهي إلى فكرة الرمزية والكناية كما في تفسيره لظاهرة (الأعور الدجال)، وقد يكتفي بالإثارة العلمية فقط للمبنى دون أن يجزم به كلّاً أو بعضاً، وهذا ما نفهمه منه حينما بحث شخصية (السفياني) فلم نجد له رأياً جازماً في التفسير الرمزي إن لم يكن الظاهر من كلامه هو العكس من ذلك، لا سيما أنه اشترط في كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) تحقق شرطين لكي يثبت المعنى الرمزي، وأول الشرطين: أن يكون العمل بظاهر الأخبار مُتعذِّراً، والشرط الثاني: أن يكون الفهم الرمزي أقرب ما يمكن إلى الظواهر، ثم صرح بعد ذلك بقوله: غير أنَّ مفهوم السفياني فاقد للشرط الأول. [تاريخ ما بعد الظهور للسيد الصدر الثاني (رحمه الله): ص١٧٣]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)