الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
ليس من شرائط الظهور أن يبلغ المجتمع الإنساني مرحلة العصمة فلا دليل على ذلك، كما أن امتلاء الأرض بالظلم والجور هو الآخر ليس من شرائط الظهور.
نعم الذي ورد أن إمكانية التواصل مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة الكبرى أو رؤيته من قبل شيعته يحتاج إلى التنزه وترك المعاصي والذنوب واجتماع القلوب على الولاء لأهل البيت (عليهم السلام) كما ورد في التوقيع الشريف: ولو أنّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج٢، ص٣٢٥]
والبعض فهم من هذا التوقيع أن ذلك جاء في سياق ما يتوقف عليه ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والقيام بدولته المباركة وهذا فهم خاطئ لأن التوقيع لم يكن بصدد ذلك، وإنما هو بصدد بيان شرط التواصل مع الإمام (عجّل الله فرجه) واللقاء به في أيام غيبته الكبرى، وأمّا ظهوره (عجّل الله فرجه) وقيامه بالأمر فله شروط أخرى أوضحناها في إجابات سابقة ليس منها أن يبلغ الناس مرحلة العصمة وإلّا لامتنع ظهوره (عجّل الله فرجه) لاستحالة هذا الشرط بحسب الواقع الخارجي.
نعم قد تُشكل الذنوب والمعاصي سبباً في تغيير طبيعة مجريات الأحداث التي تسبق الظهور المقدس، فإن هناك مسارين يمكن أن يسلكهما المجتمع في وصوله إلى الدولة المهدوية، المسار الصعب الذي تكتنفه الفتن والأزمات وكل ما ذكرته الروايات من المحن والآلام، والمسار السهل واليسير الذي يخلو من المشقة والمحن الشديدة، والمجتمع الإنساني هو مخيّر بحسب أعماله (طاعة أو عصياناً) في سلوك أحد هذين الطريقين واللذيْنِ يؤديان في نهاية المطاف على كل حال بقيام الدولة المهدوية باعتبارها من الميعاد الذي هو آتٍ لا محالة، فإن الناس إذا أطاعوا الله تعالى وتركوا التمرد على أوامره وشريعته جاءتهم الدولة المهدوية وهم في عافية من أمرهم، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرضِ﴾، وأمّا إذا كان غير ذلك فإن البلاء والمصائب ستكون النتيجة اللازمة لأعمالهم السيئة لتُشكل سوطاً من سياط السماء لإيقاظ الناس وتنبيههم على سوء أعمالهم ولكي يرتقي عندها الوعي الإنساني إلى مرحلة يتيقن أن خلاصه ونجاته لا تتم إلّا على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهي سُنة إلهية جرت في الأمم السابقة، ويمكن أن تجري في هذه الأمة أيضاً إن لم يرعوا ويعودوا إلى رشدهم وصوابهم، يقول تعالى: ﴿فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّـرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَـرَّعُونَ﴾ على أن تلك النتائج الوخيمة والمؤلمة ليست هي اختياراً إلهياً ابتدائياً منه تعالى ولكنها هي نتيجة تراكمات الفعل البشري وسلوكياته، ولأجل ذلك فإن الإنسان مخير في طريقة وصوله للدولة المهدوية، ومن هنا نفهم كذلك عقيدة البداء والمحو والإثبات، وأن أكثر العلامات التي تسبق ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) والتي حكت عن الأوضاع المأساوية للإنسانية قبل الظهور هي في معرض البداء والتغيير تبعاً لخيارات البشرية، فإن أغلب الأحداث المؤلمة والمحن الكبيرة قبل الظهور بالإمكان عدم وقوعها فيما لو تغير سلوك الناس واستقامت أخلاقهم وتضرعوا إلى الله تعالى برفع المحنة عنهم كما ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): لما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً فأوحى الله إلى موسى وهارون أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومائة سنة. قال: وقال أبو عبد الله (عليه السلام): هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأمّا إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج٢، ص١٥٤]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)