الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة هي الآيات القرآنية التي فسرتها الأحاديث الشريفة بدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْـرِكُونَ﴾ قوله: إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقى أحد إلّا أقر بمحمد (صلّى الله عليه وآله). [تفسير مجمع البيان للطبرسي: ج٥، ص٤٥]، وكذلك جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبق كافر بالله العظيم... . [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٠]
بل إن الآية ظاهرة في هذا المعنى وصريحة في قيام دولة العدل الإلهي، فإن المراد بدين الحق لا شك هو دين الإسلام لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾، وأمّا معنى ظهوره على الدين كله فهي النصر والغلبة، فإن مادة (الإظهار) استعملت قرآنياً في القدرة الظاهرة والغلبة المادية كما جاء في قصة أصحاب الكهف ﴿إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ أو كما جاء في شأن المشركين ﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً﴾.
وهذا ما فهمه علماء السنة أيضاً لوضوح المقصود من الآية الكريمة، يقول الرازي في تفسيره: واعلم أن ظهور الشيء على غيره قد يكون بالحجة، وقد يكون بالكثرة والوفور، وقد يكون بالغلبة والاستيلاء، ومعلوم أنه تعالى بشَّر بذلك، ولا يجوز أن يبشِّر إلّا بأمر مستقبل غير حاصل، وظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة. [تفسير الرازي: ج١٦، ص٤٠]
والآية الثانية قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ وهي واضحة أيضاً بأن مآل الأرض وآخر أمرها يكون بيد المؤمنين يملكهم الله تعالى إياها، وعداً منه وبشارة لهم، وهو مفاد ما روي أيضاً عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في تفسيرها، فقد جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج١٤، ص٣٣]
ولفظ الإرث، يعني انتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلط وانتصار قوم صالحين على قوم ظالمين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم كما في شأن بني إسرائيل: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرضِ وَمَغارِبَهَا﴾.
الآية الثالثة قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضـى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْـرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾.
فإنها ظاهرة في أن الله سبحانه وتعالى قد وَعَدَ المؤمنين الصالحين من هذه الأمة بأن يجعلهم المستخلفين لمن كان قبلهم، أي يجعلهم بدل الذين كانوا من قبلُ في هذه الأرض، والله تعالى يورث المؤمنين الأرض ويجعلهم يتصرفون فيها حيث يشاؤون، ويحكمون فيها بدين الله، بعد إعطائهم القدرة والسلطة وتوفير جميع الإمكانيات، ويجعل الله خوفهم أمناً، ولا يخافون لومة لائم، فلا يخافون أحداً إلّا الله، وقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية الكريمة قوله: نزلت في القائم وأصحابه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٤٧]
الآية الرابعة قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ﴾ وهي أيضاً ظاهرة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقيام دولته، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): هم آل محمد، يبعث الله مهديهم بعد جَهدهم، فيعزهم ويذل عدوهم. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص١٨٤]، ولا يضر دلالتها في المقصود ورودها في سياق الحديث عن بني إسرائيل، فإن في الآية الكريمة قرائن واضحة أنها تتكلم عن حدث مستقبلي وبشارة قادمة، فإن الإرادة والتمكين في قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ﴾ جاء بصيغة المضارع، ولو أراد القرآن الكريم أن يتحدث عن قضية وقعت في الزمن الماضي لقال (وأردنا أن نمن) أو (مننا على الذين استضعفوا) كما ورد في قوله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً﴾، أو كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ﴾، أمّا هذه الآية فجاءت بلفظ المستقبل ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ﴾ وقوله: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ﴾ و﴿نُمَكِّنَ﴾ فقد جاءت جميع هذه الألفاظ بصيغة المستقبل وليس الماضي وهو ما يرشد إلى دلالة لا تتقاطع مع سبب نزول الآية الكريمة.
وهناك آيات كثيرة قرآنية وردت مفسرة أو مؤولة في دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لو أردنا استقصاءها لطال بنا الكلام، فهي قد تزيد على الأربعمائة آية، وقد تم إحصاء هذه الآيات في بعض الكتب كما في (معجم أحاديث الإمام المهدي: ج٧).
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)