الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
الدفاع عن النفس أمر مشروع بضرورة الدين ومجاهدة أعداء الله تعالى هو الآخر واجب إسلامي إذا تم وفق الضوابط الشرعية والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر كما في قوله تعالى: ﴿لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾، ومن الواضح أن الآية الكريمة استثنت صورتين من مسألة الفرار، ظاهرهما أنهما من صورة الفرار، غير أنهما في الحقيقة والواقع صورتان للقتال والجهاد.
الصورة الأولى: عبر عنها بـ(متحرفاً لقتال) والمقصود أن المقاتلين يقومون بتكتيك قتالي إزاء الأعداء، فيفرون من أمامهم نحو الأطراف ليلحقهم الأعداء: ثم يغافلوهم في توجيه ضربة قوية إليهم وهذا من استخدام فن الهجوم والانسحاب المتتابع وكما يقول العرب: (الحرب كر وفر).
الصورة الثانية: أن يرى المقاتلون أنفسهم في قلة لا تسمح لهم بالمواجهة فيكون قرارهم الالتحاق بفئة أخرى تتعاضد لهزيمة الأعداء، وهذه الصورة هي التي حثت عليها الروايات وأرشدت إليها عند مواجهة السفياني بعد أن أكدت أن هذا الطاغية سوف يختص بقوة كبيرة وراية لا تُهزم حتى يصل المدينة المنورة، كما جاء ذلك في خبر أمير المؤمنين (عليه السلام): لا ترد له راية حتى ينزل المدينة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٢٧٣]
ومن هنا كان الحكم الإرشادي الوارد في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن يلتحق جميع المؤمنين بالإمام (عجّل الله فرجه) في مكة لغرض التعبئة والمواجهة مع السفياني، فقد روى محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: فأبشروا ثم أبشروا! ما الذي تريدون؟ ألستم ترون أعداءكم يقتلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضاً على الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنين في عزلة عنهم وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه، لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيب الرجل منكم عنه، فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا، وأمّا النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج، يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة؟ وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم، وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣١٢]
وكذلك هو مفاد ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا خرج السفياني، يبعث جيشاً إلينا، وجيشاً إليكم، فإذا كان كذلك فأتونا على صعب وذلول. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣١٨]
وإنما أكدنا على أن هذه الروايات بصدد بيان الحكم الإرشادي حتى لا يُفهم أن من يتصدى للسفياني وجيشه قد خالف أمراً مولوياً يسلبه شرعية المواجهة والشهادة في سبيل الله تعالى، فقد ورد في بعض الروايات أن هناك من أهل النجف من يقاتل السفياني ويُرزق الشهادة في سبيل ذلك، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا يكون ذلك حتى يخرج خارج من آل أبي سفيان يملك تسعة أشهر كحمل المرأة، ولا يكون حتى يخرج من ولد الشيخ، فيسير حتى يقتل ببطن النجف، فوالله كأني أنظر إلى رماحهم وسيوفهم وأمتعتهم إلى حائط من حيطان النجف يوم الاثنين، ويستشهد يوم الأربعاء. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٢٧١]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)