الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب الإمام القائم (عجّل الله فرجه) وأنصاره الذين يجاهدون بين يديه لن يكونوا بمنزلة واحدة أو مقام واحد، بل هم درجات ومراتب، والذي يظهر من الروايات أن بعضهم كقدر متيقن باختيار إلهي مصطفون على سائر الخلق لهذه المهمة يمثلون النخبة التي يستعين بهم في عملية إرساء قواعد حكومة العدل الإلهي، والذي يمكن رصده من الأحاديث أنهم على عدّة فئات وأصناف ينقسمون إليها تبعاً لإيمانهم وشدة ولائهم للإمام (عجّل الله فرجه) فأعلاهم شأناً ومقاماً هم الذين عبّرت عنهم الروايات بالنقباء (الاثني عشر) وهم خاصة الخاصة من أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه) وأقرب الأنصار إليه وأول المبايعين له عند قيامه (عجّل الله فرجه) وأكثر الناس معرفةً وفهماً بالإمامة وشؤونها، يدل على ذلك ما ورد في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) من الثناء لهم والمدح الكبير: حتى يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيجفلون عنه إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلّا الوزير وأحد عشر نقيباً. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٧٣]
ومن القريب جداً أن هؤلاء النقباء هم الذين يذيعون خبر ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) تمهيداً لظهوره العام في المرحلة التي تسبق ذلك، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): لا يقوم القائم حتى يقوم اثنا عشر رجلاً كلهم يجمع على قول إنهم قد رأوه فيكذبونهم. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٨٥]
وعلى كل حال فالمستفاد من الروايات أن هؤلاء النقباء هم جزء من الأنصار المعروفين بـ(٣١٣) مع ميزة لهم بالخصوص على بقيتهم ويشتركون جميعاً في كونهم مختارين منتخبين من قبل السماء، وهو المعنى الذي يرشّح من عدة روايات تدل عليه، فقد جاء في مختصر البصائر عن المفضل فيما رواه عن الإمام الصادق (عليه السلام) في سياق حديثه عن النداء الذي يطلقه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في أول ظهوره في مكة: ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول: يا معشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، ائتوني طائعين، فترد صيحته (عليه السلام) عليهم وهم في محاربهم وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيئون نحوها ولا يمضى لهم إلّا كلمحة بصر، حتى يكون كلهم بين يديه (عليه السلام) بين الركن والمقام فيأمر الله (عزَّ وجلَّ) النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت (عليهم السلام)، ثم يصبحون وقوفاً بين يده (عليه السلام) وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدة أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر. [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص١٨٢]
ولا يخفى أن عبارة (ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض) مؤشر واضح على هذا المعنى من الاجتباء والاختيار الخاص من الله (عزَّ وجلَّ) لهم، ويؤيد ذلك ما رواه الكليني في الكافي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسيره لقوله تعالى: ﴿أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ قوله: يعني أصحاب المقام الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، وهم واللهِ الأُمة المعدودة، يجتمعون والله في ساعة واحدة، قزعٌ كقزعِ الخريف. [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٣١٣]
وكذلك ما رواه النعماني في الغيبة عنه (عليه السلام): إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله له بأصحابه، وهم الذين قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ﴾. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٠]
وكذلك ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يبعث الله رجلاً في آخر الزمان، وكلب من الدهر، وجهل من الناس، ويؤيّده بملائكتهِ ويعصم أنصاره. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج٢، ص١١]
ولا يخفى أن هذه المضامين الواردة في الروايات من قبيل (الأمة المعدودة) أو كقوله تعالى ﴿وَكَّلْنا بِها قَوْماً﴾ أو عبارة (أتى الله بأصحابه) أو عبارة (محفوظة له أصحابه)، وكذلك ما ذكر في الرواية الأخيرة (يعصم أنصاره) والتي تدل على أن لهم درجة من درجات العصمة والعناية الإلهية، وهي بلا شك تحكي أيضاً عن الاختيار والاجتباء انسجاماً مع بقية تلك الفقرات الظاهرة في هذا المعنى.
ومضافاً لما تقدم يمكن أيضاً أن نجد هذا المعنى ثابتاً أيضاً لغير الأنصار الـ(٣١٣) ممن هم أيضاً في دائرة أنصاره والخاصين به، كما ورد ذلك في حق أنصار طالقان والذين يرفعون شعار (يا لثارات الحسين (عليه السلام))، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): ويحاً للطالقان، فإن الله (عزَّ وجلَّ) بها كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أيضاً أنصار المهدي في آخر الزمان. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥١، ص٨٧]
فإن توصيفهم بالكنز المنسوب إلى الله تعالى ظاهر أيضاً في كونهم مدخرين مختارين من قبله (عزَّ وجلَّ) وبإرادة منه تعالى، يُضاف إلى ذلك الأنصار الذين يكرون في الرجعة لنصرة الإمام (عجّل الله فرجه)، والاختيار في هؤلاء يكون أوضح وأجلى لعودتهم بعد الموت وليس ذلك بطبيعة الحال إلّا لكونهم ممن شملتهم العناية الإلهية بهذا التشريف والتكريم، فقد ذكر السيد الجزائري في فصل (الرجعة وكيفيتها) من كتابه (أحوال الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)) عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا ظهر القائم ودخل الكوفة، بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صدّيق، فيكونون في أصحابه وأنصاره. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٣٩٠]
وبعد كل ما تقدم لابد أن نلتفت أن السبب في اختيار هؤلاء الأنصار وانتخابهم دون غيرهم ليس أمراً عفوياً أو عابراً، بل لملاكات توفرت في هؤلاء الأنصار أدّت بهم إلى هذه الحظوة وهذه المزية، نتيجة الهمة العالية والنجاح الكبير الذي حققوه في جميع مراحل التمييز والتمحيص والغربلة في انتظار اليوم الموعود، ولا يخفى أن سبيل النصرة المهدوية والالتحاق به لم يُغلق بابه بعد، بل ما زال طريقه مشروعاً لكل طالب وراغب فيما لو وفر المنتظرون الشروط اللازمة لتلك النصرة والتي يأتي في أولوياتها الاستعداد والتهيؤ مع النية الصادقة مضافاً إلى الالتزام بطاعة الإمام القائم (عجّل الله فرجه) فيما أمر به أو نهى عنه في زمن الغيبة، فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): ليعدّن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله إذا علم ذلك من نيته رجوت لأن ينسئ في عمره حتى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٣٥]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)