الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
شعور الإنسان أحياناً بخفوت إيمانه أو بانحسار حالته المعنوية بين فترة وأخرى وزمان وآخر هو أمر يعرض ويطرأ على الكثير من المؤمنين، ولا داعي للقلق أو الخشية منه ما لم يستبد ويطغى على كيان الإنسان فيخرجه من إيمانه وأداء تكاليفه الشرعية، فالإنسان بلا شك تمر عليه حالات متنوعة وأحداث كثيرة قد تؤثر على شعوره الإيماني قوة أو ضعفاً وتبعاً لطبيعة تعامله مع تلك الأحداث وتفاعله معها فيصبح تدينه بين مدّ وجزر، ولذا ترى البعض يرتفع عندهم منسوب الإيمان تارة وتارة يصيبهم الوهن والخمول، لا سيما أن الانشغال بالدنيا والاستغراق في أمورها إنما يكون على حساب ضدها النوعي، وهو الآخرة، وهي بعد هذا وذاك ليست حالة نادرة أو غريبة في الإحساس بها أو التوجس منها، فقد اشتكى من ذلك أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كما اشتكاها أصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) من قبلهم، فقد روى الكليني عن سلام بن المستنير قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء فلما هم حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرك أطال الله بقاءك وأمتعنا بك، إنا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدنيا ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدنيا. قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنما هي القلوب مرة تصعب ومرة تسهل، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): أما إن أصحاب محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) قالوا: يا رسول الله نخاف علينا النفاق قال: فقال لهم: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والاهل يكاد أن نحول عن الحالة التي كنا عليها عندك وحتى كأنا لم نكن على شيء، أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، والله لو تدومون على الحال التي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء، ولولا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله تعالى خلقا حتى يذنبوا ثم يستغفروا الله فيغفر لهم، إن المؤمن مفتن تواب، أما سمعت قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ﴾. [الكافي للشيخ الكليني: ج٢، ص٤٢٣]، والسبب في ذلك كما أشارت الروايات قد يكون بسبب الانشغال بأمور الدنيا أو من تسويلات الشيطان ووساوسه وحيله، فإن كان ذلك من الشيطان فعلاجه قهره ودفعه بتحصين الإنسان نفسه منه بكل ما يقدر عليه، ورد عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لأصحابه: إلّا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ قالوا: بلى قال: الصوم يسود وجهه والصدقة تكسر ظهره والحب في الله والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه. [الكافي للشيخ الكليني:ج٤، ص٦٢]
وإن كان من الدنيا فلا بد أن نعلم أن الدنيا والآخرة على طرفي نقيض لا يرضي الإنسان احداهما إلّا بسخط الأخرى، ولا يقبل على هذه إلّا بالأدبار عن تلك، وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماشٍ بينهما كلما قرب من واحد بعُد من الآخر، وهما بعدُ ضرتان. [نهج البلاغة: ج٤، ص٢٣]
ولا يخفى أن الدنيا التي تكون عدوة للآخرة وضرّة لها إنما هي الدنيا التي تكون في عرض الآخرة وعلى النقيض منها، أما التي تكون مقدمة لها وسبب للتكامل فيها فإنها كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام): نعم العون على الآخرة الدنيا. [الكافي للشيخ الكليني:ج٥، ص٧٢]، وقد تكون محطة ووسيلة لبلوغ أعلى درجات القرب والزلفى، يقول تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَة وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ فكل ما نملكه في الدنيا من بيت كبير ومال وفير ونعمة عظيمة يمكننا أن نوظفه في طاعة الله تعالى ورضا إمام زماننا (عجّل الله فرجه)، ومن الروايات الجميلة ما رواه ابن أبي يعفور: قال رجل لأبي عبد الله (عليه السلام): والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتاها، فقال: تحب أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي وأصل بها وأتصدق بها وأحج وأعتمر فقال (عليه السلام): ليس هذا طلب الدنيا هذا طلب الآخرة. [الكافي للشيخ الكليني: ج٥، ص٧٢]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)