فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند أهل السُنَّة (المجلّد الثاني)
 كتب أخرى

الكتب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند أهل السُنَّة (المجلّد الثاني)

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: العلامة الشيخ مهدي فقيه إيماني تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢٠/١٠/١٩ المشاهدات المشاهدات: ٩٣٠٣ التعليقات التعليقات: ٠

الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند أهل السُنَّة (المجلّد الثاني)
يتضمّن رسائل مفردة وفصولا وأبحاثاً اقتطفناها من مؤلّفات أئمّة الحديث وأعلام التّاريخ ورجالات العلم من أهل السّنّة خلال اثني عشر قرناً

رتّبها وقدّم لها مهدي الفقيه إيماني

الطبعة الثانية ١٤٠٢هـ

المحتويات

لوائح الأنوار الإلهية لشمس الدين السفاريني (١١٨٨)..................٥
اسعاف الراغبين لمحمد الصبان الشافعي (١٢٠٦)..................٢٥
نور الابصار للسيد مؤمن الشبلنجي بعد (١٢٩٠)..................٤١
فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤف المناوي (١٣٠١)..................٤٩
مشارق الأنوار للشيخ حسن الخمراوي المصري (١٣٠٣)..................٥٥
الإذاعة لما كان وما يكون... للسيد محمد صديق القنوجي (١٣٠٧)..................٦٧
القطر الشهدي في أوصاف المهدي لشهاب الدين الحلواني (١٣٠٨) ..................١٠٩
العطر الوردي في شرح القطر... لمحمد البلبيسي الشافعي (١٣٠٨)..................١١١
غالية المواعظ لخير الدين الالوسي الحنفي (١٣١٧)..................١٥٥
عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي المتولد (١٢٧٣)..................١٦٣
نظم المتناثر لمحمد بن جعفر الكتاني (١٣٤٥)..................١٩١
تحفة الأحوذي لمحمد عبد الرحمن المباركفوري (١٣٥٤)..................١٩٩
نظرة في أحاديث المهدي لشيخ الأزهر محمد الخضر حسين (١٣٧٧)..................٢٠٧
التاج الجامع للأصول للشيخ منصور على ناصف بعد (١٣٧١)..................٢١٥
إبراز الوهم المكنون لأحمد بن صديق المغربي (١٣٨٠)..................٢٢٣
حول المهدي للشيخ ناصر الدين الألباني المعاصر (...)..................٣٨٣
عقيدة اهل السنة... للشيخ عبد المحسن العباد المعاصر (...)..................٣٩٣
الرد على من كذّب بالاحاديث المهدي للشيخ عبد المحسن العباد المعاصر (...)..................٤٣٧

لوائح الأنوار الالهية شمس الدين محمد بن أحمد بن سالم السفاريني النابلسي (١١١٤ - ١١٨٨)

فقيه، حنبلي، صوفي، برع في الحديث والتاريخ.
ولد بسفارين من قرى نابلس فلسطين، ونشأ بها ثم رحل الى دمشق ينهل العلم منها، ثم عاد الى نابلس، فدرس وأفتى وتوفي فيها.
له قرابة ثلاثين مصنفا منها:
«الدرر المصنوعات في الاحاديث الموضوعات» و«غذاء الألباب، شرح منظومة الآداب» و«تحبير الوفا في سيرة المصطفى» و«البحور الزاخرة في علوم الآخرة» و«شرح ثلاثيات مسند احمد» في مجلد ضخم.

↑صفحة ٥↑

و«لوائح (او لوامع) الانوار البهية، لشرح منظومة الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية» طبع بمصر في جزئين.
وخص قسما وافرا من جزئه الثاني بالبحث حول احاديث المهدي المنتظر (عليه السلام)، وأكثر عنه النقل العلامة القنوجي في «الاذاعة» من أجزاء المجموعة هذه كما ترى.

↑صفحة ٦↑

سلك الدرر للمرادي ٤/٣١، الاعلام للزركلي ٦/٢٤٠، المنجد في الاعلام ص ٣٥٧، معجم المؤلفين ٨/٢٦٢، ايضاح المكنون في مواضع عديدة، معجم المطبوعات ١٠٢٨، فهرس التيمورية ٢/٣٠ - ٩٨ و٣/١٣٦ - ١٣٧، فهرس الفهارس ٢/٣٤٦ - ٣٤٨ - ، مختصر طبقات الحنابلة للشطي ص ١٢٧ - ١٣٠.
هوية الكتاب
كتاب * (لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الاثرية) *
لشرح
* (الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية) *
تأليف
العالم الطويل الباع الواسع الاطلاع صاحب البرهان الحلي الشيخ محمد بن أحمد السفّاريني الأثري الحنبلي رحمه الله تعالى
الجزء الثّاني طبع عن نسخة يظهر انها كتبت عن نسخة المؤلف في عصره وعلى هو امشها تصحيح لبعض العلماء وقد ذهب ورقات من آخرها فاكملت حديثا بخط جديد
وقد وقف هذا الكتاب طابعه على أهل العلم والدين فلا يجوز لمن وقع في يده شيء من نسخه أن يبيعه
[الطبعة الاولى]
* (بمطبعة مجلة المنار الاسلامية بمصر سنة ١٣٢٤ هجرية)

↑صفحة ٧↑

(منها الامام الخاتم الفصيح * * * محمد المهدي والمسيح)

(منها) أي من أشراط الساعة التي وردت بها الاخبار وتواترت في مضمونها الآثار أي من العلامات العظمى وهي أولها ان يظهر (الامام) المقتدى بأقواله وأفعاله (الخاتم) للائمة فلا امام بعده كما أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده (الفصيح) اللسان لأنه من صميم العرب أهل الفصاحة والبلاغة والفصاحة في اصطلاح أهل المعاني والبيان خلوص الكلام من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيد مع فصاحة مفرداته والفصاحة في المفرد خلوصه عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر معها على التعبير المقصود بلفظ فصيح والبلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته وفي المتكلم ملكة يقتدر بها على تأليف كلام بليغ وقوله (محمد المهدي) هذا اسمه وأشهر أوصافه فأما اسمه فمحمد جاء ذلك في عدة أخبار وفي بعضها أن اسمه أحمد واسم أبيه عبد الله فقد صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال «يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ولفظه أنه (صلى الله عليه وسلم) قال «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم

↑صفحة ٨↑

أبيه اسم أبي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضا لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما أخرجه الطبراني في معجمه الصغير وأخرجه الترمذي ولفظه حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي وقال حديث حسن صحيح وكذلك أخرجه أبو داود في سننه وروى ابن مسعود أيضا رضي الله عنه رفعه اسم المهدي محمد وفي مرفوع حذيفة محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله ومن أسماله ايضا أحمد بن عبد الله كما في بعض الروايات.
وأما زعم الشيعة ان اسمه محمد بن الحسن وانه محمد بن الحسن العسكري فهذيان فان محمد بن الحسن هذا قد مات وأخذ عمه جعفر ميراث أبيه الحسن قلت هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ومحمد بن الحسن العسكري هذا ثاني عشر الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الامامية ويعرف بالحجة وهو الذي تزعم الشيعة انه المنتظر والقائم والمهدي وهو صاحب السرداب عندهم وأقاويلهم فيه كثيرة وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسرّ من رأى كانت ولادته في منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين والشيعة تزعم انه دخل السرداب في دار أبيه وأمه تنظر اليه فلم يعد يخرج اليها وذلك في سنة خمس وستين ومائتين ومره يومئذ تسع سنين وقيل غير ذلك وكل ذلك ضرب من الجنون والهذيان واما ذاك فقد مات رضوان الله عليه وعلى آبائه.
واما تسميته ووصفه بالمهدي فقد ثبتت له هذه الصفة في عدة أخبار وعن كعب الاحبار قال انما سمي المهدي لأنه يهدي الى أمر خفي وسيخرج التوراة والانجيل من أرض يقال لها انطاكية أخرجه أبو نعيم في كتاب الفتن وفي بعض رواياته عن كعب قال انما سمي مهديا لأنه يهدي الى أسفار التوراة فيستخرجها من جبال الشام يدعو اليها اليهود فيسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة وذكر الامام أبو عمرو الداني قال انما سمي المهدي لأنه يهدي الى جبل من جبال الشام يستخرج منها أسفار

↑صفحة ٩↑

التوراة يحاج بها اليهود فيسلم على يده جماعة منهم واما لقبه فالجابر لأنه يجبر قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ولأنه يجبر أي يقهر الجبارين والظالمين ويقصمهم واما كنيته فأبو عبد الله واما نسبه فانه من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم ان الروايات الكثيرة والاخبار الغزيرة ناطقة انه من ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول (صلى الله عليه وسلم) ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين وجاء في بعض الاحاديث انه من ولد العباس والاول أصح قال ابن حجر في كتابه القول المختصر واماما روي «ان المهدي من ولد العباس عمي» فقال الدارقطني حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم قال ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا «الا ابشرك يا عم ان من ذريتك الاصفياء ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي في آخر الزمان به ينشر الله الهدى ويطفئ نيران الضلالة ان الله فتح بنا هذا الامر وبذريتك يختم» وخبر هشيم بن كلب وابن عساكر عن ابن عباس ورجاله ثقات «اللهم انصر العباس وولد العباس ثلاثا يا عم أما علمت ان المهدي من ولدك موفقا راضيا» وخبر أبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه «الا أبشرك با أبا الفضل ان الله (عزَّ وجلَّ) افتتح بي هذا الامر وبذريتك يختم» وخبر الديلمي عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انه قال «لن تزال الخلافة في ولد عمي وصنو أبي حتى يسلموها الى الدجال» وخبر الخطيب عن ابن عباس عن أمه أم الفضل رضي الله عنهم «يا عباس أنت عمي وصنو أبي وخير من أخلف بعدي من أهلي اذا كانت خمس وثلاثون ومائة فهي لك ولولدك منهم السفاح ومنهم المنصور ومنهم المهدي» وخبر الخطيب وابن عساكر عن علي رضي الله عنه انه (صلى الله عليه وسلم) قال للعباس يا عم «الا أخبرك ان الله افتتح هذا الامر بي ويختمه بولدك» فهذه الاخبار كلها لا تنافي ان المهدي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ولد فاطمة الزهراء لان الاحاديث التي ان المهدي من ولدها أكثر وأصح بل قال بعض حفاظ الامة وأعيان الأئمة ان كون المهدي من ذريته (صلى الله عليه وسلم) مما تواتر عنه ذلك فلا يسوغ العدول ولا الالتفات الى غيره وقال ابن حجر يمكن الجمع بأن يكون من ذريته (صلى الله عليه وسلم) وللعباس

↑صفحة ١٠↑

فيه ولادة من جهة ان في أمهاته عباسية والحاصل ان للحسن في المهدي الولادة العظمى لان أحاديث كونه من ذريته أكثر وللحسين فيه ولادة أيضا وللعباس فيه ولادة أيضا ولا مانع من اجتماع ولادات متعددات في شخص واحد من جهات مختلفة وبالله التوفيق
(فوائد)
(منها) في حليته وصفته قال ابن عباس رضي الله عنهما المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الامة كل كرب ويصرف بعدله كل جور وعن حذيفة ابن اليمان رضي عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم اسرائيلي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضي في خلافته أهل الارض وأهل السماء والطير في الجو يملك عشرين سنة» أخرجه أبو نعيم في مناقب المهدي والطبراني في معجمه وأخرج أبو داود والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الانف يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين» واخرج أبو نعيم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «ليبعثن الله في عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الارض عدلا ويفيض المال فيضا» وفي مرفوع عمران بن حصين انه حين ذكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يا رسول الله كيف لنا بهذا حتى نعرفه قال «هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني اسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان كان في وجهه الكوكب الدري في اللون في خده الايمن خال اسود ابن أربعين سنة» اخرجه الامام أبو عمرو الداني في سننه واخرج أبو نعيم من حديث أبي امامة رضي الله عنه مرفوعا «المهدي من ولدى ابن أربعين سنة كان وجهه كوكب دري في خده الايمن خال اسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني اسرائيل يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الترك» وفي حديث أبي وائل عن علي رضي الله عنه قال نظر الى الحسن وقال ان ابني هذا سيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يخرج على

↑صفحة ١١↑

حين غفلة من الناس واماتة الحق واظهار الجور يفرح بخروجه أهل السماء وسكانها وهو رجل أجلى الجبين أقنى الانف ضخم البطن أزيل الفخذين بفخذه الايمن شامة أفلج الثنايا يملأ الارض عدلا كما ملئت ظلما وجورا وعن أبي جعفر محمد الباقر قدس الله سره قال سئل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عن صفة المهدي قال هو شاب مربوع حسن الوجه يسيل شعره على منكبيه يعلو نور وجهه سواد شعره ولحيته ورأسه وفي رواية أخرى عن علي رضي الله عنه ان المهدي كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا في وجهه خال أقنى أجلى في كتفه علامة النبي (صلى الله عليه وسلم) وفي بعض الروايات المهدي أرج أبلج أعين يجيء من الحجاز حتى يستوي على مسجد دمشق أخرجه أبو نعيم وفي رواية لابي نعيم بكتفه اليمنى خال وفي حديث علي مرفوعا انه كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا في وجهه خال وفي كتفه علامة وقال كعب الاحبار اني لأجد المهدي مكتوب(١) في أسفار الانبياء ما في حكمه ظلم ولا عيب أخرجه أبو عمرو المقري في سننه ونعيم بن حماد واخرج أبو نعيم عن طاووس قال علامة المهدي انه يكون شديدا على العمال جوادا بالمال رحيما بالمساكين. ورأيتني قد وصفته في كتابي البحور الزاخرة بأنه آدم أي أسمر ضرب من الرجال أي خفيف اللحم ممشوق مستدق ربعة أي لا بالطويل ولا بالقصير أجلى الجبهة أي خفيف شعر النزعتين عن الصدغين وهو الذي انحسر الشعر عن جبهته أقنى الانف أي طويله مع دقة أرنبته اشم أي رفيع العرنين أزج أي حاجبه فيه تقويس مع طول في طرفه أو امتداده أبلج أعين أكحل العينين واسع العين(٢) والكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة من غير اكتحال براق الثنايا أي لثناياه بريق ولمعان أفرقهما أي ليست متلاصقة أزيل الفخذين أي منفرج الفخذين متباعدهما وفي رواية في لسانه ثقل واذا أبطأ عليه ضرب فخذه الايسر بيده اليمنى ابن أربعين سنة وفي رواية ما بين ثلاثين الى أربعين خاشع لله خشوع النسر بجناحيه عليه عباءتان قطوانيتان قال في النهاية هي عباءة بيضاء قصيرة الخمل والنون زائدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كذا في الأصل.
(٢) لعل الصواب واسع الفم أو الجبهة والا لقال واسعهما.

↑صفحة ١٢↑

(الفائدة الثانية في سيرته)
قال أهل العلم يعمل بسنة النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يوقظ نائما ويقاتل على السنة لا يترك سنة الا أقامها ولا بدعة الا رفعها يقوم بالدين آخر الزمان كما قام به النبي (صلى الله عليه وسلم) أوله يملك الدنيا كلها كما ملك ذو القرنين وسليمان بن داود (عليهما السلام) يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرد الى المسلمين الفتهم ونعمتهم يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يحثو المال حثوا ولا يعده عدا يقسم المال صحاحا بالسوية يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض والطير في الجو والوحش في القفر والحيتان في البحر يملأ قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) غنى حتى انه يأمر مناديا ينادي الا من له حاجة في المال؟ فلا يأتيه الا رجل واحد فيقول انا فيقول ائت السادن أي الخازن فقل له المهدي يأمرك ان تعطيني ما لا فيقول له احث حتى اذا جعله في حجره وابرزه ندم فيقول كنت اجشع أي أحرص أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) أعجز عني ما وسعهم قال فيرده فلا يقبل منه فقال له انا لا نأخذ شيئا أعطيناه الامة تنعم أمة محمد برها وفاجرها في زمانه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط وترسل السماء عليهم مدرارا لا تدخر شيئا من قطرها وتؤتي الارض أكلها لا تدخر عنهم شيئا من بذرها تجري على يديه الملاحم يستخرج الكنوز ويفتح المدائن ما بين الخافقين يؤتى اليه ملوك الهند مغللين وتجعل خزائنهم لبيت المقدس حليا، يأوي اليه الناس كما يأوي النحل الى يسعوبه حتى يكون الناس على مثل أمرهم الاول يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه مخالفيه وأدبارهم جبريل على مقدمته وميكائيل على ساقته ترعى الشاة والذئب في زمانه في مكان واحد وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا تضرهم شيئا ويزرع الانسان مدا فيخرج له سبعمائة مد ويرفع الربا والزنا وشرب الخمر وتطول الاعمار وتؤدى الامانة وتهلك الاشرار ولا يبقى من يبغض آل محمد (صلى الله عليه وسلم)، محبوب يعني المهدي في الخلائق يطفئ الله به الفتنة العمياء وتأمن الارض حتى أن لمرأة تحج في خمس نسوة ما معهن رجل ولا يخفن شيئا الا الله مكتوب في شعائر الانبياء ما في حكمه ظلم ولا عيب.

↑صفحة ١٣↑

(الثالثة في علامات ظهوره)
قال العلامة الشيخ مرعي في كتابه (فوائد الفكر في المهدي المنتظر) اعلم ان لظهور المهدي علامات جاءت بها الآثار ودلت عليها الأحاديث والاخبار فمن علامات ظهوره على ما ورد كسوف الشمس والقمر ونجم الذنب والظلمة وسماع الصوت برمضان وتحارب القبائل بذي القعدة وظهور الخسف والفتن معه قميص رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيفه ورايته من مرط مخملة معلمة سوداء فيها حجر لم تنشر منذ توفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا تنشر حتى يخرج المهدي مكتوب على رأسها «البيعة لله» كذا في الاشاعة للعلامة السيد محمد البرزنجي المدني ويغرس قضيبا يابسا في أرض يابسة فيخضر ويورق ويطلب منه آية فيومي الى طير في الهواء بيده فيسقط على يده وينادي مناد من السماء أيها الناس ان الله قطع عنكم الجبارين والمنافقين واشياعهم وولاكم خير أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) فالحقوه بمكة فانه المهدي واسمه محمد بن عبد الله وتخرج الارض افلاذ كبدها مثل الاسطوانات من الذهب ويخرج كنز الكعبة المدفون فيها فيقسمه في سبيل الله رواه أبو نعيم عن علي رضي الله عنه ويستخرج تابوت السكينة من غار انطاكية أو من بحيرة طبرية فيخرج حتى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس فاذا نظر اليه يهود اسلموا الا قليلا منهم وتأتيه الرايات السود من خراسان فيرسلون اليه البيعة وتنشف الفرات فتحسر عن جبل من ذهب وذكروا أنه ينكسف القمر أول ليلة من رمضان والشمس ليلة النصف ونظر في هذا الشيخ مرعي بان العادة انكساف القمر ليالي الابدار والشمس أيام الاسرار ولكن من الممكن ان يكون ذلك آية لظهوره وفيها خرق للعادة وروى أبو نعيم في الفتن قال شريك بلغني ان القمر قبل خروجه ينكسف مرتين برمضان وذكر الكسائي عن كعب الاحبار ان القمر ينكسف ثلاث ليال متواليات وروى عن كعب الأحبار يطلع نجم بالمشرق وله ذنب يضيء كما يضيء القمر ينعطف حتى يلتقى طرفاه أو يكاد وفي الديلمي مرفوعا تكون هذه في رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان ومن وجه آخر يكون صوت في رمضان في نصف الشهر يصعق منه سبعون ألفا ويعمى مثلها (ش ٢ عقيدة السفاريني - ١٠).

↑صفحة ١٤↑

يخرس مثلها ويصم مثلها وينفتق من الابكار مثلها ومن علامات المهدي أيضا خسف قرية ببلاد الشام يقال لها حرستا كما في الاشاعة وغيرها.
(الرابعة) «في الاشارة الى بعض الفتن الواقعة قبل خروج المهدي وخروج خوارج قبل ذلك»
(منها) ما ذكره في الاشاعة انه يحسر الفرات عن جبل من ذهب كما تقدم فاذا سمع به الناس ساروا اليه واجتمع عليه ثلاثة كلهم ابن خليفة يقتتلون عنده ثم لا يصير الى أحد منهم فيقول لكل واحد والله لئن تركت الناس يأخذون منه ليذهبن بكله فيقتتلون عليه حتى يقتل من كل مائة تسعة وتسعون وفي رواية فيقتل تسعة اعشارهم وفي رواية من كل تسعة سبعة فيقول لكل رجل لعلي أكون انا أنجو وقد قال (صلى الله عليه وسلم) «من حضر فلا يأخذ منه شيئا» وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا كلهم يقول انا نبي» وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذا بون قريبا من ثلاثين كلهم بزعم انه رسول الله» رواه مسلم في صحيحه ورواه البخاري بمعناه وتمام الحديث في مسلم «وحتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج» وهو القتل الحديث وهو في صحيح البخاري الا ان قوله وتكثر الزلازل في البخاري دون مسلم وفي مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول «ان بين يدي الساعة كذا بين» زاد في طريق أخرى قال جابر فاحذروهم وقال جعفر الصادق بن محمد الباقر لا يظهر المهدي الا على خوف شديد من الناس وزلزال وفتنة وبلاء يصيب الناس والطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد في الناس وتشتت في دينهم وتغيير في حالهم حتى يتمنى المتمني الموت صباحا ومساء من عظيم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضا فحينئذ يخرج فيا طوبى لمن أدركه وكان من انصاره والويل كل الويل لمن خالفه وخالف أمره وقال محمد بن الصامت قلت للحسين بن علي رضي الله عنهما أما من علامة بين يدي هذا الامر يعني ظهور المهدي

↑صفحة ١٥↑

قال بلى قلت وما هي قال هلاك بني العباس وخروج السفياني والخسف بالبيداء قلت جعلت فداك أخاف ان يطول هذا الامر فقال انما هو كنظام يتبع بعضه بعضا وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال تكون في الشام رجفة يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذابا على المنافقين فاذا كان كذلك فانظروا الى أصحاب البراذين الشهب والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحل بالشام وذلك عند الجوع الاكبر والموت الاحمر فاذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من قرى دمشق يقال لها حرستا فاذا كان ذلك خرج ابن آكلة الاكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق فاذا كان ذلك فانظروا خروج المهدي.
ومن أقوى علامات خروج المهدي خروج من يتقدمه من الخوارج السفياني والابقع والأصهب والاعرج والكندي.
أما السفياني فاسمه عروة واسم أبيه محمّد وكنيته أبو عنبة قال العلامة الشيخ مرعي في فوائد الفكر وفي عقد الدران السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان ملعون في السماء والارض وهو أكثر خلق الله ظلما قال علي رضي الله عنه السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان رجل ضخم الهامة بوجهه أثر جدري بعينه نكتة بياض يخرج من ناحية دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان ويخرج اليه رجل من أهل بيتي في الحرم فيبلغ السفياني فيبعث اليه جندا من جنده فيهزمهم فيسير اليه السفياني بمن معه حتى اذا جاز بيداء من الارض خسف بهم فلا ينجو الا المخبر عنهم أخرجه الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح الاسناد على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.
والأبقع يخرج من مصر والاصهب يخرج من بلاد الجزيرة ثم يخرج الجرهمي من الشام قال كعب الاحبار أول من يخرج ويغلب على البلاد الأصهب يخرج من بلاد الجزيرة ثم يخرج من بعده الجرهمي من الشام ويخرج القحطاني من بلاد اليمن قال كعب فبينما هؤلاء الثلاثة قد تغلبوا على مواضعهم واذا قد خرج السفياني من دمشق من واد يقال له وادي اليابس يؤتى في منامه فيقال

↑صفحة ١٦↑

له قم فاخرج فيقوم فلا يجد أحدا ثم يؤتى الثانية ثم الثالثة ويقال له فيها فانظر الى باب دارك فينحدر في الثالثة الى باب داره فاذا بسبعة أنفار أو تسعه معهم لواء فيقولون نحن أصحابك ومع رجل منهم لواء معفود لا يرى ذلك اللواء أحد الا انهزم فيخرج اليه صاحب دمشق ليقاتله فاذا نظر الى رايته انهزم فيدخل دمشق الشام في ثلاثمائة وستين راكبا وما يمضي عليه شهر حتى يجتمع عليه ثلاثون ألفا من كلب وهم اخواله وعلامة خروجه خسف بقرية حرستا ويسقط جانب مسجدها الغربي ثم يخرج الأبقع والاصهب فيخرج السفياني من الشام والابقع من مصر والاصهب من جزيرة العرب ويخرج الاعرج الكندي بالمغرب ويدوم القتال بينهم سنة ثم يعلب السفياني على الابقع والاصهب ويسير صاحب الغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء ثم يرجع حتى ينزل الجزيرة في قيس الى السفياني فيظهر السفياني عليه ويجوز ما جمعوا من الاموال ويظهر على الرايات الثلاث ثم يقاتل الترك فيظهر عليهم ثم يفسد في الارض ويدخل الزوراء فيقتل من أهلها.
ثم يخرج وراء النهر خارج يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له المنصور يمكن لآل محمد واجب على كل مؤمن نصره وهذا الرجل يحتمل ان يكون هو الهاشمي الآتي ذكره ويلقب الحارث كما يلقب المهدي بالجابر ويحتمل ان يكون غيره. ويثور أهل خراسان بعساكر السفياني فتكون بينهم وقعات فاذا طال عليهم قتاله بايعوا رجلا من بني هاشم بكفه اليمنى خال سهل الله أمره وطريقه هو أخوه المهدي من أبيه أو ابن عمه وهو حينئذ بآخر المشرق بأهل خراسان وطالقان ومعه الرايات السود الصغار وهي غير رايات بني العباس على مقدمته رجل من بني تميم الموالي ربعة أصفر قليل اللحية كوسج واسمه شعيب ابن صالح التميمي يخرج اليه في خمسة آلاف فاذا بلغه خروجه صيره على مقدمته لو استقبلته الجبال الرواسي لهدها يمهد الارض للمهدي فيلتقي الهاشمي بخيل السفياني فيقتل منهم مقتلة عظيمة ببيضاء اصطخر حتى تطأ الخيل الدماء الى ارساغها ثم تأتيه جنود من قبل سجستان عليهم رجل من بني عدي فيظهر الله انصاره وجنوده ثم يجتمع مع المهدي ويبايعه وبالله التوفيق.

↑صفحة ١٧↑

(الخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك)
أخرج نعيم بن حماد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) واسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس وفي مرفوع عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عند أبي نعيم وأبي بكر بن المقري في معجمه يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة.
واما بيعته فيبايع بمكة المشرفة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء واذا هاجر المهدي من المدينة الى بيت المقدس تخرب المدينة بعيد هجرته وتصير مأوى للوحوش وقد ورد عمران بيت المقدس خراب يثرب وفي حديث قتادة يخرج المهدي من المدينة الى مكة وفي حديث ابن عباس ستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا وفي خبر أبي جعفر يظهر المهدي بمكة عند العشاء وفي الخبر يبعث السفياني جيشا الى مكة فيأمر بقتل من كان فيها من بني هاشم فيقتلون ويتفرقون هاربين الى البراري والجبال حتى يظهر أمر المهدي بمكة فاذا ظهر اجتمع كل من شذ منهم اليه بمكة ويأتي سبعة علماء من أفق ٧ شتى على غير ميعاد قد بايع لكل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر فيجتمون بمكة ويقول بعضهم لبعض ما جاء بكم فيقولون جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي ان تهدأ على يديه الفتن وتفتح له قسطنطينية قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه: ولم نقف على اسم أم المهدي بعد الفحص والتتبع ولعلهم يعرفون اسم أمه بالكشف كما ذكره في الاشاعة فيقف السبعة على ذلك فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون أنت فلان فيقول بل أنا رجل من الأنصار فينفلت منهم فيصفونه لأهل الخبرة والمعرفة به فيقولون هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم الى مكة وهكذا ثلاث مرات فيصيبونه بمكة في الثالثة عند الركن فيقولون اثمنا عليك ودماؤنا في عنقك ان لم تمديدك نبايعك وقد أقبل عسكر السفياني في طلبنا فيجلس بين الركن والمقام فيمديده فيبايع له فيلقي الله محبته في قلوب الخلق فيصير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل أخرجه نعيم بن حماد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأخرج

↑صفحة ١٨↑

أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يبعث المهدي بعد أياس حتى يقول الناس لا مهدي وأنصاره من أهل الشام عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلا عدد أصحاب بدر يسيرون اليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعوه كرها فيصلي بهم ركعتين عند المقام وأخرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال يبايع المهدي بين الركن والمقام لا يوقظ نائما ولا يهريق دما والله أعلم.
وقد تكاثرت الروايات والآثار بأمر المهدي وقد ذكر العلماء ان أول ظهوره يكون شابا ثم يخاف على نفسه من القتل فيفر الى مكة مختفيا ثم يرجع الى مكة فيرونه بالمطاف عند الركن فيقهرونه على المبايعة بالإمامة ثم يتوجه الى المدينة ومعه المؤمنون ثم يسيرون الى جهة الكوفة ثم يعود منهزما من جيش السفياني فيخرج الله على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي فيهزم السفياني الى الشام فيقصده المهدي فيذبحه عند عتبة بيت المقدس كما تذبح الشاة ويغنمه ومن معه من اخواله الذين هم جنده من بني كلب ولا أكثر من تلك الغنيمة وفي رواية انه يخرج رجل من كلب يقال له كنانة يعينه كوكب في رهط من قومه حتى يأتي الصخري يعني السفياني فيبعث اليه المهدي راية وأعظم راية في زمانه مائة رجل فتصف كلب خيلها ورجلها وابلها وغنمها فاذا تسامتت الخيلان ولت كلب أدبارها فيقتلونهم ويسبونهم حتى تباع العذراء منهم بثمانية دراهم ويؤخذ الصخري فيؤتي به أسيرا الى المهدي فيذبح على الصخرة المعترضة على وجه الارض عند الكنيسة التي ببطن الوادي على درج طور زيتا المقنطرة التي على الوادي كما تذبح الشاة وفي رواية ثم يؤخذ عروة السفياني على أعلا شجرة على بحيرة طبرية قال (صلى الله عليه وسلم) «والخائب يومئذ من خاب من قتال كلب ولو بكلمة أو بتكبيرة أو بصيحة والخائب من خاب يومئذ من غنيمة كلب ولو بعقال» فقال حذيفة يا رسول الله كيف يحل قتلهم وتغنم أموالهم وهم مسلمون فقال (صلى الله عليه وسلم) «يكفرون باستحلالهم الخمر والزنا «وفي الحديث لا تحشر أمتى حتى يخرج المهدي يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة ويخرج اليه الابدال من الشام والنجباء من مصر وعصائب أهل الشرق حتى يأتوا مكة فيبايع له بين الركن والمقام ثم يتوجه الى الشام وجبريل على مقدمته

↑صفحة ١٩↑

وميكائيل على يساره ومعه أهل الكهف أعوان له فيفرح به أهل السماء والارض والطير والوحش والحيتان في البحر وتزيد المياه في دولته وتمتد الانهار وتضعف الارض أكلها فيقدم الى الشام فيأخذ السفياني فيذبح تحت الشجرة التي أغصانها الى بحيرة طبرية والذى يظهر في الجمع بين روايات ذبح السفياني انه يذبح تحت الشجرة هو أو وزيره والذى يذبح على العتبة هو نفسه ان كان المذبوح تحت الشجرة وزيره أو وزيره ان كان هو المذبوح ثم تمهد الارض للمهدي ويدخل في طاعته ملوك الارض كلهم ويبعث بعثا الى الهند فتفتح ويؤتي بملوك الهند اليه مقفلين وتنقل خزائنها الى بيت المقدس فتجعل حلية لبيت المقدس ويمكث في ذلك سنين.
وقد اختلفت الروايات في مدة ملك المهدي ففي بعضها يملك خمسا أو سبعا أوستا بالترديد وفي بعضها تسعة عشر سنة وأشهرا وفي بعضها عشرين وفي بعضها ثلاثين وفي بعضها أربعين منها تسع سنين يهادن الروم فيها ويمكن الجمع على تقدير صحة الكل بأن ملكه متفاوت الظهور والقوة فيحمل الاكثر باعتبار جميع مدة الملك منذ البيعة والاقل على غاية الظهور والاوسط على الاوسط قال في الاشاعة وهذا الذي تقتضيه بشارة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالمهدي وان الله تعالى يعوضهم عن الظلم والجور قسطا وعدلا واللائق بكرم الله تعالى أن تكون مدة ذلك بقدر ما ينسون فيها الظلم والجوز والفتن والسبع والتسع أقل من ذلك مع انه في مدته تفتح الدنيا كلها كما فتحها ذو القرنين وسليمان ويدخل جميع الآفاق كما في بعض الروايات ويبني المساجد والبلدان ويحلي بيت المقدس وهذا يقتضي مدة طويلة مع ماوردان الأعمار تطول في زمانه فطولها مستلزم لطول مدته والتسع ونحوها ليست من الطول في شيء ولا سيما مهادنته للروم تسع سنين ثم فتح القسطنطينية ورومية المدائن وغيرهما وهذا يقتضي طول مدته وبالله التوفيق.
(تنبيه)
قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي الا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وانه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك

↑صفحة ٢٠↑

بين علماء السنة حتى عدمن معتقداتهم وقد روى الامام الحافظ ابن الاسكاف بسند مرضي(٣) الى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدى فقد كفر» وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) «يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الاسلام ولا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب» أخرجه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني وأخرج نحوه أبو عمرو المقرى من حديث أبى هريرة مرفوعا ومن حديث قيس بن جابر عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه «ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا» رواه أبو نعيم في فوائده وأخرجه الطبراني في معجمه ومن حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو نعيم ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن الجوزي في تاريخه ومن حديث على أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في سننهم وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير ما ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة وكذا عند أهل الشيعة أيضا لكنهم زعموا انه محمد بن الحسن العسكري كما نقدم وزعمت الكيسانية أن المهدي هو محمد بن الحنفية وانه حي مقيم بجبل رضوى وانه بين أسدين يحفظانه وعنده عينان نضاختان يجريان بماء وعسل فزعموا انه دخل اليه ومعه أربعون من أصحابه ولم يوقف لهم على خبر قالوا وهم أحياء يرزقون ويقولون انه يعود بعد الغيبة ويملأ الارض عدلا كما ملئت جورا قالوا وانما عوقب بهذا الحبس لخروجه الى عبد الملك بن مروان وقيل الى يزيد بن معاوية والى هذا الاعتقاد أشار كثير عزة بقوله:

وسبط لا يذوق الموت حتى * * * يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا * * * برضوى عنده عسل وماء

وكان السيد الحميري على هذا المذهب والقائل:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣) اذا كان هذا السند مرضيا للمصنف فهو لم يكن مرضيا لأئمة الحديث قبله.

↑صفحة ٢١↑

الا قل للإمام فدتك نفسي * * * أطلت بذلك الجبل المقاما

وجبل رضوى بفتح الراء وبعدها ضاد معجمة وبعد الواو ألف كسكرى هو جبل جهينة في عمل الينبع بينهما مسيرة يوم واحد وهو من المدينة على سبع مراحل ميامنه طريق المدينة ومياسره طريق البر لمن كان مصعدا الى مكة وهو على ليلتين الى البحر وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي الخبيث المشهور يدعو الى امامه محمد بن الحنفية رضي الله عنه وعن أبيه علي بن أبي طالب وكان المختار يزعم ان محمدا هذا هو المهدي قال الجوهري في الصحاح كيسان لقب المختار المذكور واقتصر عليه في القاموس أيضا وقال غيرهما كيسان مولى علي رضوان الله عليه وقيل ان كيسان تلميذ علي وهؤلاء الكيسانية أحد فرق الضلال كما مر في تعداد الفرق فعلى عقولهم الدمار وعلى أفهامهم البوار ما أضل علومهم وأبلد فهومهم وبالله التوفيق.
(تتمة) جاء عن ابن سيرين ان المهدي خير من أبي بكر وعمر قد كاد يفضل الانبياء وجاء عنه أيضا لا يفضل عليه أبو بكر وعمر وهو وان كان أخف من الاول فليس بصحيح فان الامة مجتمعة على أفضليتهما ما عليه بل وعلى جميع الصحابة خلافا للرافضة خذلهم الله تعالى كما سيأتي بيان ذلك بل غيرهما من الصحابة أفضل من المهدي ثم يستمر سيدنا المهدي حتى يسلم الامر لروح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) ويصلي المهدي بعيسى (عليه السلام) صلاة واحدة وهي صلاة الفجر ثم يستمر المهدي على الصلاة خلف سيدنا عيسى (عليه السلام) بعد تسليمه الامر اليه ثم يموت المهدي ويصلي عليه روح الله عيسى ويدفنه في بيت المقدس وبمقتضى ما مر يعلم قدر سنه لأنه يخرج ويبايع له وهو ابن أربعين أو خمسة وثلاثين سنة وتقدم الخلاف في مدة ملكه والله تعالى أعلم.
(خاتمة) أخرج نعيم عن الوليد بن مسلم قال سمعت رجلا يحدث قوما فقال المهديون ثلاثة مهدي الى الخير عمر بن عبد العزيز ومهدي الدم وهو الذي يسكن على يديه الدماء ومهدي الدين عيسى بن مريم (عليه السلام) وأخرج أيضا عن كعب قال مهدي الخير بعد السفياني وأخرج أيضا عن ارطاة قال بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاما ثم يموت على فراشه ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب (ش ٢ عقبدة السفاريني - ١١)

↑صفحة ٢٢↑

الاذنين على سيرة المهدي بقاؤه عشرون سنة ثم يموت قتلا بالسلاح ثم يخرج رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) مهدي حسن السيرة يغزو مدينة قيصر وهو آخر أمير من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) يخرج في زمانه الدجال وينزل عيسى بن مريم ونقل العلامة الشيخ مرعي في كتابه فوائد الفكر عن أبي الحسن محمد بن الحسين انه قال قد تواترت الاحاديث واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بمجيء المهدي وانه من أهل بيته (صلى الله عليه وسلم) وانه يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلا وانه يخرج مع عيسى فيساعده على قتل الدجال بباب لد بارض فلسطين وانه يؤم هذه الامة وعيسى يصلى خلفه يعني صلاة واحدة وهي الفجر كما مر وبالله التوفيق.

↑صفحة ٢٣↑

إسعاف الراغبين محمد بنت علي الصبان المصري الشافعي، أبو العرفان (١٤٠٦)

من مشاهير علماء مصر وأعلام المشاركين في فنون الأدب وغيره، كاللغة والنحو والعروض والبلاغة والمنطق والسيرة والحديث والهيئة وما سوى ذلك ولد بالقاهرة وتوفي بها.
له مؤلفات كثيرة منها:
«الكافية الشافية في العروض والقافية» وهو شرح على منظومة له أيضا وحاشية على «الشرح الصغير» للملوي على «السلم في المنطق» و«الرسالة البيانية» و«حاشية على شرح الأشموني» في النحو.

↑صفحة ٢٥↑

ومنها إسعاف الراغبين، في سيرة المصطفى وفضائل أهل البيت الطاهرين» طبع كرارا في حاشية «نور الأبصار في مناقب آل البيت النبي المختار».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عجائب الأثار لجبرتي ٢/٢٢٧ - ٢٢٣، تاريخ آداب اللغة لجرجي زيدان ٢٨٩ - ٢٩٠، اكتفاء القنوع لفنديلك. ٢٦٠، ٤٧٦، هدية العارفين للبغدادي ٢/٣٤٩؛ معجم المطبوعات ١١٩٤، معجم المؤلفين ١١/١٨ - ١٩.

↑صفحة ٢٦↑

هوية الكتاب
مشارق الانوار في فوز أهل الاعتبار تأليف العلم الشهير والعلامة النحرير الحبر الذي هو للفضائل حاوى الهمام الشيخ حسن العدوى الحمزاوي نفع الله به ومتعه مع أهل قربه آمين
(وبهامشه كتاب اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل اهل)
(بيته الطاهرين تأليف من لا يدرك شأو تحقيقه فارس في ميدان)
(الامام العلامة الشيخ محمد الصبان أفاض الله عليه سحائب الاحسان)
(ومتعنا واياه بالنظر الى وجهه الكريم في فراديس الجنان)

↑صفحة ٢٧↑

(ومنها) أن منهم مهدى آخر الزمان
اخرج مسلم وابو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وآخرون المهدي من عترتي من ولد فاطمة واخرج احمد وابو داود والترمذي وابن ماجه لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله فيه رجلا من عترتي وفي رواية رجلا من

↑صفحة ٢٨↑

أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا وفي رواية لمن عدا الاخير لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى وفي رواية لأبي داود والترمذي لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما* واخرج الطبراني المهدي منا يختم الدين به كما فتح بنا* واخرج الحاكم في صحيحه يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء اشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلا من عترتي اهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يحبه ساكن الارض وساكن السماء وترسل السماء قطرها وتخرج الارض نباتها لا يمسكن شيئاً يعيش فيهم سبع سنين او ثمانياً او تسعا يتمنى الاحياء الاموات مما صنع الله بأهل الارض من خيره، وروى الطبراني والبزار نحوه وفيه يمكث فيهم سبعا او ثمانياً فان أكثر فتسعا* وفي رواية لأبي داود والحاكم يملأ سبع سنين أو تسعا فيجيء اليه الرجل فيقول له يا مهدى أعطني أعطني فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمله* واخرج احمد ومسلم يكون في آخر الزمان خليفة يحثى المال حثيا ولا يعده عدا* واخرج ابو نعيم ليبعثن الله رجلا من عترتي أفرق الثنايا اجلى الجبهة أي انحسر الشعر عن جبهته يملأ الارض عدلا يفيض المال فيضا* واخرج الروياني.

↑صفحة ٢٩↑

والطبراني وغيرهما المهدي من ولدى وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي أي طويل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السماء واهل الارض* وورد أيضا في حليته انه شاب اكحل العينين ازج الحاجبين اقنى الانف كث اللحية على خده الايمن خال وعلى يده اليمنى خال وتقدم تفسير غريب ذلك في الكلام على حليته (صلى الله عليه وسلم)* واخرج الطبراني مرفوعا يلتفت المهدي وقد نزل عيسى (عليه السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم فصل بالناس فيقول عيسى انما اقيمت الصلاة لك فيصلى خلف رجل من ولدى الحديث* وفي صحيح ابن حبان في امامة المهدي نحوه وصح مرفوعا ينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا انما بعضكم ائمة على بعض تكرمة الله لهذه الامة* وصح انه (صلى الله عليه وسلم) قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هاربا الى مكة فيأتية ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث اليهم بعث من الشأم فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فاذا رأى الناس ذلك أتاه ابدال أهل الشام وعصائب اهل العراق فيبايعونه الحديث فعلم منه ومن احاديث اخر انه يخرج من المشرق من بلاد الحجاز والقول بأنه يخرج من المغرب لا أصل له كما نبه عليه العلقمي واخرج

↑صفحة ٣٠↑

ابن ماجه انه (صلى الله عليه وسلم) قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من اهل بيتي يملك جبل الديلم والقسطنطينية زاد في روايات ورومية ومروية* واخرج ابو نعيم عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ان تهلك امة انا اوّلها وعيسى بن مريم آخرها والمهدى وسطها والمراد بالوسط ما قبل الا آخر* واخرج احمد والماوردي انه (صلى الله عليه وسلم) قال ابشروا بالمهدى رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ويقسم المال بالسوية ويملأ قلوب امة محمد غنى ويسعهم عدله حتى انه يأمر مناديا فينادى من له حاجة الى فما يأتيه احد الا رجل واحد يأتيه فيسأله فيقول ائت السادن حتى يعطيك فيأتيه فيقول انا رسول المهدي أرسلني اليك لتعطيني فيقول احث فيحثى ما لا يستطيع أن يحمله فيلقى حتى يكون قدر ما يستطيع ان يحمله فيخرج به فبندم فيقول انا كنت اجشع امه محمد نفسا كلهم دعى الى هذا المال فتركه غيرى فيرد عليه فيقول انا لا نقبل شيئاً اعطيناه فيلبث في ذلك ستا وسبعا او ثمانيا او تسع سنين ولا خير في الحياة بعده وروى ابو داود في سننه انه من ولد الحسن وكان سره ترك الخلافة لله (عزَّ وجلَّ) شفقة على الامة فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة إليه

↑صفحة ٣١↑

من ولده ليملأ الارض عدلا ورواية كونه من ولد الحسين واهية* وجاء في روايات انه عند ظهوره ينادى فوق راسه ملك هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه فتذعن له الناس ويشربون حبه وانه يملك الارض شرقها وغربها وان الّذين يبايعونه اوّلا بين الركن والمقام بعدد اهل بدر ثم يأتيه ابدال الشأم ونجباء مصر وعصائب اهل المشرق واشباههم ويبعث الله اليه جيشا من خراسان برايات سود ثم يتوجه الى الشام وفي رواية الى الكوفة والجمع ممكن وان الله تعالى يمده بثلاثة آلاف من الملائكة وان اهل الكهف من اعوانه قال السيوطي وحينئذ فسر تأخيرهم الى هذه المدة اكرامهم بشرف دخولهم في هذه الامة اهـ أي واعانتهم للخليفة الحق وان على مقدمة جيشه رجلا من تميم خفيف اللحية يقال له شعيب بن صالح وان جبريل على مقدمة جيشه وميكائيل على ساقته وان السفياني يبعث اليه من الشأم جيشا فيخسف مهم بالبيداء فلا ينجو منهم الا المخبر فيسير اليه السفياني بمن معه وبسير الى السفياني بمن معه فتكون النصرة للمهدى ويذبح السفياني وهو كما في المسائل الظريفة للشيخ المجدولي رجل من ولد خالد بن يزيد بن ابى سفيان ضخم الهامة بوجهه اثر الجدري وبعينه نكتة بيضاء يخرج من ناحية دمشق وعامة من يتبعه من كلب يفعل الأفاعيل ويقتل قبيلة قيس وان

↑صفحة ٣٢↑

المهدي يستخرج تابوت السكينة من غار انطاكية واسفار التوراة من حبل بالشام يحاج بها اليهود فيسلم كثير منهم وانه يكون بعد موت المهدي القحطاني رجل من اهل اليمن يعدل في الناس ويسير فيهم يسير المهدي يمكث مدة ثم يقتل* وجاء في رواية تفضيل المهدي على ابى بكر وعمر بل على بعض الانبياء (قال) في العرف الوردي في اخبار المهدي وتأويله بمثل ما اوّل به حديث ان من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه اجر خمسين شهيدا منكم وحاصله ان افضليته من جهة زيادة صبره في شدة الفتن وزيادة الكروب لاتفاق الروم عليه ومحاصرة الدجال له لا من جهة زيادة الثواب والرفعة عند الله تعالى اهـ* واما حديث انه (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزداد الأمر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الاشحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم فتكلم فيه وعلى تقدير صحنه يحمل على ان المراد لا مهدى على الاطلاق سواه لوضعه الجزية واهلاكه الملل المخالفة لملتنا كما صحت به الاحاديث أولا مهدى معصوما الا هو وخبر ابن عدى المهدي من ولد العباس عمى في اسناده وضاع* وما صح عند الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما منا اهل البيت اربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي المراد بأهل البيت فيه ما يشمل جميع بنى هاشم وتكون الثلاثة الاوّل من نسل العباس والاخير من نسل

↑صفحة ٣٣↑

فاطمة فلا اشكال وعلى تقديران المرادان الاربعة من ولد العباس يحمل المهدي في كلامه على ثالث خلفاء بنى العباس لأنه فيهم كعمر ابن عبد العزيز في بنى امية لما اوتيه من العدل التام والسيرة الحسنة ولأنه صح ان اسم المهدي يوافق اسمه (صلى الله عليه وسلم) واسم ابيه اسم ابيه والمهدى هذا كذلك قال في الصواعق الاظهر ان خروج المهدي قبل نزول عيسى وقبل بعده وقد تواترت الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بخروجه وأنه من اهل بيته وأنه يملأ الارض عدلا وانه يساعد عيسى على قتل الدجال بباب لدّ بأرض فلسطين وانه يؤم هذه الامة ويصلى عيسى خلفه واكثر الروايات متفقة على تحقق ملكه سبع سنين والشك في الزيادة الى تمام تسع وفي رواية تحقق ست كما تقدم كل ذلك* وفي بعض الآثار انه يخرج في وترمن السنين سنة احدى او ثلاث أو خمس او سبع او تسع وأنه بعد ان تعقد له البيعة بمكة يسير منها الى الكوفة ثم يفرق الجنود الى الامصار وان السنة من سنينه تكون مقدار عشر سنين وانه يبلغ سلطانه المشرق والمغرب وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الارض خراب الا يعمره*قال مقاتل ابن سليمان ومن تبعه من المفسرين في قوله تعالى ﴿وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ انها نزلت في المهدي اهـ وجاء في رواية أخرى زيادة مدته على ما ذكر

↑صفحة ٣٤↑

ففي رواية انها اربعون سنة وفي رواية انها احدى وعشرون سنة وفي رواية انها اربع عشرة سنة وروى غير ذلك ايضا قال ابن حجر في رسالته القول المختصر في علامات المهدي المنتظر روايات سبع سنين اكثر واشهر ويمكن الجمع على تقدير صحة جميع الروايات بأن ملكه متفاوت بين الظهور والقوّة فالأربعون مثلا باعتبار جملة ملكه والسبع ونحوها باعتبار غاية ظهور ملكه وقوته والعشرون ونحوها باعتبار الامر الوسط اهـ* وفي الكشف للحافظ السيوطي عن جعفر وغيره ان المهدي يقوم سنة مائتين* وعن ابى قبيل ان الناس يجتمعون عليه سنة اربع ومائتين اهـ وفي كلام المجدولي ان ظهوره يكون في يوم عاشوراء وقال سيدى عبد الوهاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر المهدي من ولد الامام حسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو باق الى ان يجتمع بعيسى بن مريم هكذا اخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة عن الامام المهدي حين اجتمع به ووافقه على ذلك سيدى على الخواص رحمهما الله تعالى* وقال الشيخ محيى الدين في الفتوحات اعلموا انه لا بد من خروج المهدي (عليه السلام) لكن لا يخرج حتى تمتلئ الارض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٣٥↑

من ولده فاطمة رضي الله تعالى عنها جده الحسين بن على بن أبى طالب ووالده الامام حسن العسكري ابن الامام علي النقي بالنون ابن الامام محمد التقى بالتاء ابن الامام على الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين ابن على بن الحسين ابن الامام على بن طالب رضي الله تعالى عنهم يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها اذ لا يكون احد مثل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أخلاقه اسعد الناس به اهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل به في الرعية يمشى الخضر بين يديه يعيش خمسا او سبعا او تسعا يقفو اثر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يخطئ له ملك يسدده من حيث لا يراه يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين الفا من المسلمين يشهد الملحمة العظمى مأدية الله بمرج عكا بعز الله به الاسلام بعد ذله ويحييه بعد موته ويضع الجزية ويدعو الى الله تعالى بالسيف فمن ابى قتل ومن نازعه خذل يحكم بالدين الخالص عن الرأي ويخالف في غالب احكامه مذاهب العلماء فينقبضون منه لذلك لظنهم ان الله تعالى لا يحدث بعد ائمتهم مجتهدا وطال في ذكر وقائعه معهم ثم قال واعلم ان المهدي اذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم

↑صفحة ٣٦↑

وله رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ويعينونه على ما قلده الله ينزل الله عليه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فيصلى فينتحى له الامام عن مقامه فيتقدم فيصلى بالناس يؤم الناس بسنة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض الله اليه المهدي طاهرا مطهرا وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته* وقال في محل آخر من فتوحاته قد استوزر الله المهدي طائفة خبأهم الله تعالى له في مكنون غيبه اطلعهم كشفا وشهودا على الخالق وما هو امر الله في عباده فلا يفعل المهدي شيئا الا بمشاورتهم وهم على اقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا ما عهدوا الله عليه وهم من الاعاجم ليس فيهم عربي لكن لا يتكلمون الا بالعربية لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى الله قط هو اخص الوزراء ثم قال وهؤلاء الوزراء لا يزيدون عن تسعة ولا ينقصون عن ثلاثة لان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شك في مدة اقامته خليفة من خمس الى تسع للشك الذي وقع في وزرائه فلكل وزير معه اقامة سنة فان كانوا خمسة عاش خمسا وان كانوا سبعة عاش سبعا وان كانوا تسعا عاش تسعا ولكل

↑صفحة ٣٧↑

سنة احوال مخصوصة وعلم مختصّ به وزيرها ويقتلون كلهم الا واحدا في مرج عكا في المأدبة الإلهية التي جعلها لله مائدة للسباع والطبور والهوام وذلك الواحد الذي يبقى لا أدرى هل هو ممن استثنى الله في قوله ونفح في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله أو هو يموت في تلك النفخة وانما شككت في مدة اقامة المهدي اماما في الدنيا لأني ما طلبت من الله تحقيق ذلك ادبا معه تعالى أن اساله في شيء من ذات نفسى ولما سلكت معه هذا الادب قبض الله تعالى واحدا من اهل الله (عزَّ وجلَّ) فدخل على وذكر لي عدد هؤلاء الوزراء ابتداء وقال لي هم تسعة فقلت له ان كانوا تسعة فان بقاء المهدي لا بد ان يكون تسع سنين وأطال في بيان ذلك* وقال في محل آخر من فتوحاته انه يحكم بما القى اليه ملك الالهام من الشريعة وذلك انه يلهم الشرع المحمدي فيحكم كما اشار اليه حديث المهدي يقفو اثرى لا يخطئ فعرفنا (صلى الله عليه وسلم) انه متبع لا مبتدع وانه معصوم في حكمه فعلم انه يحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله اياها على اساس ملك الالهام بل حرم بعض المحققين القياس على جميع اهل الله لكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مشهودا لهم فاذا شكوا في صحة حديث او حكم رجعوا اليه في ذلك فأخبرهم بالأمر الحق يتظة ومشافهة وصاحب هذا المشهد لا يحتاج الى تقليد احد من الائمة

↑صفحة ٣٨↑

غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اهـ ولا يخفى ان ما ذكره من كون جده الحسين مناف لما مر من ترجيح رواية كون جده الحسن وان ما ذكره من كون والده حسنا العسكري مناف لما مر في بعض الروايات من كون اسم ابيه يواطئ اسم اب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وان ما ذكره من كون المحقق في مدة اقامته اماما خمس سنين مناف لما مر عن الصواعق اخذا من الاحاديث السابقة من كون المحقق ست سنين وان ما ذكره من كونه يضع الجزية ويقتل من لم يسلم مناف لما مر من كون ذلك لعيسى وان ما ذكره من كون عيسى هو الذي يصلى بالناس حسين ينزل مناف لما مر من كون الذي يصلى بهم حينئذ هو المهدي ثم ما ذكره من ان عيسى ينزل والناس في صلاة العصر مناف لما في السيرة الحلبية من انه ينزل والناس في صلاة الفجر وفيها انه يتزوج بامرأة من جذام قبيلة باليمن ويولد له ولدان يسمى احدهما محمدا والآخر موسى وان مدة مكثه سبع سنين على ما في مسلم وبها يكون مدة حياته في الارض اربعين سنة وهو ابن ثلاثين سنة ورفعته وهو ابن ثلاث وثلاثين وانه يدفن عند نبينا (صلى الله عليه وسلم) وان ظهور المهدي بعد ان يكسف القمر في اول ليلة من رمضان وتكسف الشمس الى النصف منه فان مثل ذلك لم يوجدا منذ خلق الله السموات والارض اهـ (وفى) الكشف للحافظ السيوطي من طرق

↑صفحة ٣٩↑

عديدة ان عيسى يمكث بعد نزوله اربعين سنة* وفي الاعلام له ان؟؟؟محمد (صلى الله عليه وسلم) كما نص عليه العلماء ووردت به الاحاديث وانعقد عليه الاجماع وانه لا يصح ان يكون مقلدا في حكمه مذهبا من المذاهب ثم ذكر لمعرفته الشريعة المحمدية شرحا عنها انه يمكن ان يفهم جميع أحكام الشريعة من القرآن من غير احتياج الى الحديث كما فهمها منه نبينا (صلى الله عليه وسلم) لانطوائه على جميعها وان قصرت أفهام الامة عن فهم ما يفهمه صاحب النبوّة ويدل على فهم نبينا (صلى الله عليه وسلم) جميعها منه قول الشافعي رضي الله تعالى عنه جميع ما حكم به النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو مما فهمه من القرآن بل قوله (صلى الله عليه وسلم) انى لا احل الا ما احل الله في كتابه ولا احرم الا ما حرم الله في كتابه* ومنها ان عيسى اذا نزل يجتمع به (صلى الله عليه وسلم) فلا مانع من ان يأخذ عنه ما يحتاج اليه من احكام شريعته وكم من ولى ثبت انه اجتمع به يقظة واخذ عنه فعيسى اولى ثم ذكر انه بعد نزوله يوحى اليه بجبريل وحيا حقيقيا وأطال في الاحتجاج لذلك والرد على منكره هذا ويجوزان يكون طريق معرفته للأحكام الالهام نظير ما مر عن ابن عربي في المهدي والله اعلم

↑صفحة ٤٠↑

نور الأبصار (المتوفى بعد ١٢٩٠) سيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي

تربى في حجر والده بقرية شبلنجا من قرى مصر وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين وقدم الجامع الأزهر واشتغل بالعلم على جهابذة الوقت كالشيخ محمد الخضري الدمياطي والشيخ محمد الأشموني والشيخ محمد الأنبابي والشيخ ابراهيم الشرقاوي والشيخ محمد المرصفي المدعو بأبي سليمان وغيرهم حتى برع واشتهر وصار من العلماء المبرزين في الحديث والأدب والتاريخ.
له «نور الأبصار، في مناقب آل بيت النبي المختار» طبع مرات عديدة ببولاق والقاهرة، وفيه شطر وافر حول «المهدي المنتظر» تحت عنوان «فصل في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص..» كما ترى.
تاريخ آداب اللغة لجرجي زيدان ٤/٢٩٤ معجم المؤلفين ٤/٢٨٨.

↑صفحة ٤١↑

هوية الكتاب
كتاب نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المحتار للعالم الفاضل الشيخ الشبلنجى المدعوّ بمؤمن نفع الله به آمين
(وبهامشه كتاب اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل)
(أهل بيته الطاهرين تأليف علامة زمانه الأستاذ)
(الشيخ محمد الصبان عليه الرحمة والرضوان)

اذا استعرت كتابي وانتفعت به * * * فاحذر وقيت الردى من أن تغيره
واردده لي سالما انى شغفت به * * * لو لا مخافة كتم العلم لم تره

(هذه الطبعة قوبلت على نسخة المؤلف بخطه)

↑صفحة ٤٣↑

(فصل في ذكر مناقب محمد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنهم)
أمه أم ولد يقال لها نرجس وقيل مقبل وقيل سوسن وكنيته أبو القاسم ولقبه الامامية بالحجة والمهدى والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدي (صفته رضي الله عنه) شاب مرفوع القامة حسن الوجه والشعر يسيل شعره على منكبيه أقنى الانف أجلى الجبهة (بوابه) محمد بن عثمان (معاصره) المعتمد وهو آخر الائمة الاثني عشر على ما ذهب اليه الامامية وفي الفصول المهمة قيل انه غاب في السرداب والحرس عليه وذلك في سنة ست وستين ومائتين وفي الصواعق ويسمى القائم المنتظر قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعلم أين ذهب اهـ ذكر العلامة الشيخ محمد بن بطوطة في رحلته ما نصه ثم وصلت الى مدينة الحلة

↑صفحة ٤٤↑

وهي مستطيلة مع الفرات وأهلها كلهم امامية اثنا عشرية وبها مسجد على بابه ستر حرير يقولون ان محمد بن الحسن العسكري دخل هذا المسجد وغاب فيه وهو عندهم الامام المهدي المنتظر فيهم كل يوم يلبس آلة الحرب مائة منهم ويأتون باب المسجد ومعهم دابة مسرجة ملجمة ومعهم الطبول والبوقات ويقولون أخرج يا صاحب الزمان فقد كثر الظلم والفساد وهذا أوان خروجك ليفرق الله بك بين الحق والباطل ويقفون الى الليل ثم يعودون كذلك دأبهم أبدا اهـ وفي تاريخ ابن الوردي ولد محمد بن الحسن الخالص سنة خمس وخمسين ومائتين وتزعم الشيعة أنه دخل السرداب في دار أبيه بسر من رأى وأمه تنظر اليه فلم يعد اليها وكان عمره تسع سنين وذلك في سنة خمس وستين على خلاف فيه اهـ قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان من الادلة على كون المهدي حيا باقيا بعد غيبته والى الآن وانه لا امتناع في بقائه بقاء عيسى بن مريم والخضر والياس من أولياء الله تعالى وبقاء الاعور الدجال وابليس اللعين من أعداء الله تعالى وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة أما عيسى (عليه السلام) فالدليل على بقائه قوله تعالى ﴿وإِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتَابِ إِلّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ ولم يؤمن به مذ نزول هذه الآية الى يومنا هذا أحد فلا بد أن يكون في آخر الزمان ومن السنة ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال فينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين وأما الخضر والياس فقد قال ابن جرير الطبري الخضر والياس باقيان يسيران في الارض وأما الدجال فقد روى مسلم في صحيحه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا أن قال يأتي وهو محرم عليه أن يدخل عتبات المدينة فينتهى الى بعض السباخ التي تلى المدينة فيخرج اليه رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقول الدجال ان قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في الامر فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة منى الآن قال فيريد الدجال أن يقتله فلن يسلط عليه قال ابراهيم بن سعيد يقال ان هذا الرجل هو الخضر وهذا لفظ صحيح مسلم وأما الدليل على بقاء اللعين ابليس فالكتاب وهو قوله تعال انك من المنظرين وأما بقاء المهدي فقد جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى اَلدِّينِ كُلِّهِ ولَوْ كَرِهَ اَلْمُشْرِكُونَ﴾ قال هو المهدي من ولد فاطمة رضي الله عنها وأما من قال انه عيسى فلا منافاة بين القولين اذ هو مساعد للمهدى وقد قال مقاتل بن سليمان ومن تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالى ﴿وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ قال هو المهدي يكون في آخر الزمان وبعد خروجه تكون أمارات الساعة وقيامها اهـ وفي درر الاصداف ما نصه وزعمت الشيعة أن المنتظر هو محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب كرم الله وجهه وهم يقولون بالرجعة ولهم في ذلك أشعار وروايات منها قولهم لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي وهو محمد بن على رضي الله عنهما فيملؤها عدلا كما ملئت جورا ويحيى موتاهم فيرجعون الى الدنيا ويكون الناس أمة واحدة وفي ذلك يقول شاعرهم:

ألا ان الأئمة من قريش * * * ولاة العدل أربعة سواء
على والثلاثة من بنيه * * * هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط ايمان وبر * * * وسبط ضمنته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى * * * يقود الخيل يقدمها اللواء

أراد بالأسباط الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهم وهو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بزعمهم وكان على هذا المذهب السيد الحميري وله من أبيات:

امام الهدى قل لي متى أنت آيب * * * فمنّ علينا يا امام برجعة
مللنا وطال الانتظار فجدلنا * * * بحقك يا قطب الوجود بزورة
فأنت لهذا الامر قدما معين * * * كذلك قال الله أنت خليفتي

قال وفي كتاب جامع الفنون في مبحث الجبال جبل رضوى هو من المدينة على سبع مراحل وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية وهو أخضر يرى من بعيد وبه أشجار ومياه زعم الكيسانية أن محمد بن الحنفية رضي الله عنه حي وهو مقيم به وانه بين أسدين يحفظانه وعنده عينان نضاختان تجريان بماء وعسل وانه يعود بعد الغيبة ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو المهدي المنتظر وانما عوقب بهذا الحبس لخروجه الى عبد الملك وقيل الى يزيد بن معاوية قال وكان السيد الحميري على هذا المذهب وهو القائل:

↑صفحة ٤٥↑

ألا قل للوصى فدتك نفسى * * * أطلت بذلك الجبل المقاما

وهذه كلها أقوال فاسدة وبضائع كاسدة ليس بها فائدة فان محمد بن الحنفية رضي الله عنه توفى بالمدينة المنورة وقيل بالطائف كما تقدم وانما الخليفة المنتظر هو محمد بن عبد الله المهدي القائم في آخر الزمان وهو يولد بالمدينة المنورة لأنه من أهلها كما أخبر به وبعلاماته النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى ان هو إلّا وحى يوحا اهـ (تتمة) في الكلام على أخبار المهدي واعلم أنهم اختلفوا فيه هل هو من ولد الحسن السبط رضي الله عنهما وهو ما رواه أبو داود في سننه وذهب اليه المناوي في كبيره وكان سره تركه الخلافة لله (عزَّ وجلَّ) شفقة على الأمة أو من ولد الحسين السبط رضي الله عنه قال بعضهم وهو الصحيح واسمه أحمد أو محمد بن عبد الله قال القطب الشعراني في اليواقيت والجواهر المهدي من ولد الامام الحسن العسكري بن الحسين ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الالف وهو باق الى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام) هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة ووافقه على ذلك سيدى على الخواص اهـ (صفته) شاب أكحل العينين أزج الحناجبين أقنى الانف كث اللحية على خده الايمن خال وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدى وجهة كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي (أي طويل) يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا قال الشيخ محيى الدين في الفتوحات واعلم أن المهدي اذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم وله رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ويعينونه على ما قلده الله ينزل عليه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام بالمنارة البيضا شرقي دمشق متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فيتنحى له الامام من مكانه فيتقدم فيصلى بالناس يؤم الناس بسنة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض الله اليه المهدي طاهرا مطهرا وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق ويخسف بجيشه في البيداء فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرها يحشر على نيته اهـ (وهذه نبذة) من الاحاديث الواردة في حقه*عن على بن أبى طالب رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لو لم يبق الا يوم لبعث الله تعالى رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا أخرجه أبو داود في سننه وأخرج أبو داود والترمذي عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول المهدي منى أجلى الجبهة أقنى الانف يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما زاد أبو داود يملك سبع سنين وقال الترمذي حديث ثابت صحيح ورواه الطبراني في معجمه وغيره وأخرج بن شيرويه في كتاب الفردوس في باب الالف واللام عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المهدي طاووس أهل الجنة وعنه بإسناده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال المهدي ولدى وجهه كالقمر الدري واللون منه لون عربي والجسم جسم إسرائيلي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السموات والارض والطير في الجو يملك عشر سنين وأخرج الحافظ أبو نعيم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فان فيها خليفة الله المهدي وأخرج أبو نعيم أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج المهدي من قرية يقال لها كريمة وأخرج الحافظ أبو عبد الله محمد بن ماجه القزويني في حديث طويل في نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) عن أبى امامة الباهلي رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذكر الدجال فقال فيه ان المدينة تنفى خبثها كما ينفى الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص قالت أم شريك بنت أبى العسكر فأين العرب يومئذ قال (صلى الله عليه وسلم) هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وامامهم المهدي وقد تقدم ليصلى بهم الصبح اذ نزل عيسى بن مريم فرجع ذلك الامام ينكص عن عيسى القهقرى ليتقدم عيسى يصلى بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون

↑صفحة ٤٦↑

على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول ألا ان بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة أخرجه مسلم في صحيحه عن أبى هرون العبدى وفي صحيح مسلم عن أبى سعيد وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده عدا (وروى) الامام أحمد في مسنده عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبشركم بالمهدى يملأ الارض قسطا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه سكان السماء والارض يقسم المال صحاحا فقال رجل ما معنى صحاحا قال بالسوية بين الناس ويملأ قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناد يا ينادى يقول من له بالمال حاجة فليقم فما يقوم من الناس الا رجل واحد فيقول أنا فيقول له ائت السادن يعنى الخازن فقل له ان المهدي يأمرك أن تعطيني ما لا فيحثو له في ثوبه حثوا حتى اذا صار في ثوبه يندم ويقول كنت أجشع أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسا أعجز عما وسعهم فيرده الى الخازن فلا يقبل منه ويقول انا لا نأخذ شيئاً مما أعطيناه فيكون المهدي كذلك سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا ثم لا خير في العيش بعده أو قال ثم لا خير في الحياة بعده* وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هينا أخرجه أبو نعيم في الرد على من زعم أن الهدى هو المسيح وعن على بن أبى طالب رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أ منا آل محمد المهدي أو من غيرنا فقال (صلى الله عليه وسلم) لا بل منا يختم الله به الدين كما افتتح بنا وبنا ينقذون من الفتنة كما انقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة اخوانا في دينهم قال بعض أهل العلم هذا حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم أما الطبراني فقد ذكره في المعجم الاوسط وأما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء وأما عبد الرحمن بن حماد فقد ساقه في عواليه وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة فيها ملك ينادى هذا خليفة الله المهدي فاتبعوه أخرجه أبو نعيم والطبراني وغيرهما وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية وجبل الديلم ولو لم يبق الا يوم طول الله ذلك اليوم حتى يفتحها هذا سياق الحافظ أبى نعيم وقال هذا هو المهدي بلا شك وفقا بين الروايات وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيكون بعدى خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الامراء ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا رواه أبو نعيم في فوائده والطبراني في معجمه وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال تتنعم أمتى في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدع الارض شيئاً من نباتها الا أخرجته رواه الطبراني في معجمه الكبير وروى أبو داود عن ذر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى وفي رواية واسم أبيه اسم أبى (فوائد) الاولى*قال في الصواعق الاظهر أن خروج المهدي قبل نزول عيسى وقيل بعده الثانية) تواترت الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه من أهل بيته وانه يملأ الارض عدلا (الثالثة) تواترت الاخبار على انه يعاون عيسى على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين بالشام (الرابعة) جاء في بعض الآثار انه بخرج في وتر السنين سنة احدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع (الخامسة) انه بعد أن تعقد له البيعة بمكة يسير منها الى الكوفة ثم يفرق الجند الى الامصار (السادسة) أن السنة من سنيه مقدار عشر سنين (السابعة) ان سلطانه يبلغ المشرق والمغرب وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الارض خراب الا عمره وهذه علامات قيام القائم مروية عن أبى جعفر رضي الله عنه قال اذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال وركبت ذوات الفروج السروج وأمات الناس الصلوات واتبعوا الشهوات واستخفوا بالدماء وتعاملوا بالربا وتظاهروا بالزنا وشيد والبناء واستحلوا الكذب وأخذوا الرشا واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا وقطعوا الارحام وضنوا بالطعام وكان الحلم ضعفا والظلم فخرا والأمراء فجرة والوزراء كذبة والأمناء خونة والاعوان ظلمة والقراء فسقه وظهر الجور وكثر الطلاق وبدا الفجور وقبلت شهادة الزور وشرب الخمور وركبت الذكور الذكور واستغنت النساء بالنساء واتخذ الفيء

↑صفحة ٤٧↑

مغنما والصدقة مغرما واتقى الاشرار مخافة ألسنتهم وخرج السفياني من الشام واليماني من اليمن وخسف بالبيداء بين مكة والمدينة وقتل غلام من آل محمد (صلى الله عليه وسلم) بين الركن والمقام وصاح صائح من السماء بأن الحق معه ومع أتباعه قال فاذا خرج أسند ظهره الى الكعبة واجتمع اليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أتباعه فأوّل ما ينطق به هذه الآية بقية الله خير لكم ان كنتم مؤمنين ثم يقول أنا بقية الله وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم عليه أحد الا قال السلام عليك يا بقية الله في الارض فاذا اجتمع عنده العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى يهودي ولا نصراني ولا أحد ممن يعبد غير الله تعالى الا آمن به وصدقه وتكون الملة واحدة ملة الاسلام وكل ما كان في الارض من معبود سوى الله تعالى تنزل عليه نار من السماء فتحرقه والله أعلم.

↑صفحة ٤٨↑

فيض القدير، شرح الجامع الصغير محمد، عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين، الحدادي المناوي الشافعي، زين الدين القاهري (٩٥٢ - ١٠٣١)

من اعلام المحدثين، مشارك في مختلف العلوم، وله آثار كثيرة في الحديث والكلام والفقه والتاريخ وغيره.
منها: «الروض الباسم في شمائل المصطفى ابي القاسم»، «الصفوة في مناقب آل بيت النبوة»، ومنها «فيض القدير شرح الجامع الصغير» للسيوطي.
وفي هذا الكتاب شطر خاص حول احاديث المهدي (ع) في الجزء

↑صفحة ٤٩↑

السادس من ص ٢٧٧ الى ٢٧٩ وأدرجناه في المجموعة هذه لسهولة المراجعة(٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) البدر الطالع ١/٣٥٧، خلاصة الأثر ٢/٤١٢، كشف الظنون في أكثر من عشرين موضعا وكذا ايضاح المكنون، هدية العارفين ١/٥١٠-٥١١ فهرست مخطوطات الظاهرية بالشام ٦/٦٣، ٢٩١ ←

↑صفحة ٥٠↑

هوية الكتاب
فيض القدير شرح الجامع الصّغير للعلاّمة المناوي
وهو شرح نفيس للعلامة المحدث محمد المدعو بعبد الرؤف المناوي على كتاب «الجامع الصغير» من أحاديث البشير النذير للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي نفعنا الله بعلومهما
الجزء السّادس صحت هذه الطبعة وقوبلت على عدة نسخ من أهمها نسخة نفيسة مخطوطة في سنة ١٠٩٢ هـ وعلق عليها تعليقات قيمة نخبة من العلماء الأجلاء
جميع حقوق التعليق والنقل محفوظة
تنبيه: قد جعلنا متن الجامع الصغير بأعلى الصفحات، والشرح بأسفلها مفصولا بينهما بجدول ولتمام الفائدة قد ضبطنا الأحاديث بالشكل الكامل ١٣٩١ هـ - ١٩٧٢ م
الطبعة الثانية ودر المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان

↑صفحة ٥١↑

المهدى من ولد فاطمة
٩٢٤١ - المهدي من عترتي، من ولد فاطمة - (د ه ك) عن أم سلمة - (صحـ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ (المهدى من عترتي من ولد فاطمة) لا يعارضه ما يجيء عقبه أنه من ولد العباس لحمله على أنه شعبة منه (تنبيه) قال العارف البسطامي في الجفر هذه الدرة اليتيمة والحكمة القديمة ستدخل في باب السبب إلى مكتب الأدب ليقرأ لوح الوجود ثم يخرج منه ويدخل إلى مكتب التسليم ليطالع لوح الشهود وقيل يولد في فارس وهو خماسي القد عقيقي الخد وقد آتاه الله في حال الطفولية المحكمة وفصل الخطاب وأما أمه فاسمها نرجس من أولاد الحواريين وقيل يولد بجزيرة العرب وقيل يخرج من المغرب فأول من يشم رائحته طائفة من أرباب القلوب المطلعين على أسرار الغيوب وأول من يبايعه أبدال الشام عند قبة الإسلام وأهل مكة بين الركن والمقام ثم عصائب العراق ولا يخرج حتى تخرب خوز وكرمان وروم ويونان ولا يظهره حتى تظهر الهوارج والاشرار والخوارج ومن أمارات خروجه يكون المطر قيظا والولد غيظا ومن أكبر أمارات خروجه انتشار علم الحرف وقيل علم التصوف وقيل اختلاف الأقوال وقيل: ←

↑صفحة ٥٢↑

٩٢٤٢ - المهديّ من ولد العبّاس عمّى - (قط) في الأفراد عن عثمان - (ض)
٩٢٤٣ - المهديّ منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة - (حم ه) عن على - (ح)
٩٢٤٤ - المهديّ منّى: أجلى الجبهة، أقنى الأنف؛ يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يملك سبع سنين - (د ك) عن أبى سعيد - (صحـ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ علم النحو وقيل كثرة الفتاوى وقيل كثرة المساجد وقيل ركوب الفروج على السروج وقيل كثرة السراري وقيل ارتفاع البنيان وقيل ولاية الصبيان قال وإذا خرج هذا الامام المهدي فليس له عدو مبين إلا الفقهاء خاصة وهو والسيف اخوان ولو لا السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله لكن الله يظهره بالسيف والكرم فيطيعونه ويخافونه ويقبلون حكمه من غير إيمان بل يضمرون خلافه، إلى هنا كلامه بنصه وحروفه (د ه ك) في الفتن (عن أم سلمة) وفيه على بن نفيل قال في الميزان عن العقيلي لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وقال أبو حاتم لا بأس به.
(المهدى من ولد العباس عمى) حاول بعضهم التوفيق بينه وبين ما قبله وبعده بأنه من ولد فاطمة لكنه يدلى إلى بعض بطون بنى العباس (غريبة) قال البسطامي في الجفر قال على كرم الله وجهه إذا نفد عدد حروف «بسم الله الرحمن الرحيم» يكون أوان ولادة المهدى؛ قال:

إذا نفد الزمان على حروف * * * ببسم الله فالمهدي قاما
ودوران الخروج عقيب صوم * * * ألا بلغه من عندي سلاما

(قط في الافراد) والديلمي في مسنده (عن عثمان) بن عفان قال ابن الجوزي فيه محمد بن الوليد المقري قال ابن عدى يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الأسانيد والمتون وقال ابن أبى معشر هو كذاب وقال السمهودي ما بعده وما قبله أصح منه وأما هذا ففيه محمد بن الوليد وضاع مع أنه لو صح حمل على المهدي ثالث العباسيين وعليه يحمل أيضا خبر الرافعي ألا أبشرك يا عم أن من ذريتك الأصفياء ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي إلى آخر الزمان، به ينشر الهدى وبه يطفأ نيران الضلال إن الله فتح بنا هذا الأمر وبذريتك يختم.
(المهدى منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) وقيل إنه يصير متصرفا في عالم الكون والفساد بأسرار الحروف قال البسطامي ومن فهم سرّ العين اطلع على سر اسرار العلوم الحرفية والمعارف الإلهية ولهذا كان جد المهدي عليّ كرم الله وجهه من أعلم الصحابة بدقائق العلوم ولطائف الحكم وكان من أجل علومه علم أسرار الحروف ألا ترى أن العين قد وقعت في مفتاح اسمه (حم ه عن علىّ) أمير المؤمنين رمز لحسنه وفيه ياسين العجلي قال في الميزان عن البخاري فيه نظر ثم ساق له هذا الخبر.
(المهدى منى أجلى الجبهة) بالجيم أي منحسر الشعر من مقدم رأسه (أقنى الأنف) أي طويله (يملأ الأرض قسطا وعدلا) القسط بكسر القاف الجور والعدل وليس المراد هنا إلا العدل فالجمع للإطناب والعطف تفسيري (كما ملئت جورا وظلما) فسروا الجور بأنه الظلم والظلم وضع الشيء في غير موضعه فهو من عطف الرديف كما بينه ما قبله (يملك سبع سنين) زاد في رواية أو ثمان أو تسع وفي رواية أخرى يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفه وأدبارهم يبعثه ما بين الثلاثين إلى الأربعين قال البسطامي ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون وما أقل مدته وأحقرها بين الستين يتممها تميم الذي هو من البؤس سليم عزيز على القلوب مليح الشروق والغروب شيخ فإن يعرفه أهل العرفان ظهر الحق خمس عشرة سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام فالإمام المهدي أبو الحق والدجال أبو الباطل والمهدى أبو الأخيار والدجال أبو الأشرار والمهدى سيف إدريس والدجال سيف إبليس والمهدى حبيب العشاق والدجال حبيب الفساق. ←

↑صفحة ٥٣↑

٩٢٤٥ - المهديّ رجل من ولدى: وجهه كالكوكب الدري - الروياني عن حذيفة - (صحـ)
٩٢٤٦ - الموت كفّارة لكلّ مسلم - (حل هب) عن أنس - (صحـ)
٩١٤٧ - الملائكة شهداء الله في السّماء، وأنتم شهداء الله في الأرض - (ن) عن أبى هريرة - (صحـ)
٩٢٤٨ - الميّت يبعث في ثيابه التي يموت فيها - (ه حب ك) عن أبى سعيد - (صحـ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ والمهدى سيف الكتاب والدجال سيف الخراب والمهدى لباسه أخضر والدجال لباسه أصفر والدجال قد حال عند أرباب الحال والمسيح قد شاخ عند أرباب القال والمهدى قد سل السيف فافهم بالوصف وحسن الصف (د ك) في الفتن (عن أبى سعيد) الخدري قال الحاكم صحيح ورده الذهبي بأن فيه عمران القطان ضعيف ولم يخرج له مسلم.
(المهدى رجل من ولدى وجهه كالكوكب الدري) قال في المطامح حكى أنه يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر اهـ. وأخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف قال السمهودي ويتحصل مما ثبت في الأخبار عنه أنه من ولد فاطمة وفي أبى داود أنه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الأمة فجعل القائم بالخلافة بالحق عند شدة الحاجة وامتلاء الأرض ظلما من ولده وهذه سنة الله في عباده إنه يعطى لمن ترك شيئا من أجله أفضل مما ترك أو ذرّيته، وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه، وما روى من كونه من ولد الحسين فواه جدا اهـ (تنبيه) أخبار المهدي لا يعارضها خبر لا مهدى إلا عيسى بن مريم لأن المراد به كما قال القرطبي لا مهدى كاملا معصوما إلا عيسى (الروياني) في مسنده (عن حذيفة) قال ابن الجوزي: قال ابن حمدان الرازي حديث باطل اهـ، وفيه محمد بن إبراهيم الصوري قال في الميزان عن ابن الجلاب روى عن رواد خبرا باطلا أو منكرا في ذكر المهدي ثم ساق هذا الخبر، وقال هذا باطل.

↑صفحة ٥٤↑

مشارق الأنوار الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المصري (١٢٢١ - ١٣٠٣)

متكلم، محدث، فقيه، مالكي، مولده بعدوة من قرى مصر، تعلم ودرس بالأزهر وتوفي بالقاهرة.
له آثار منها:
«تبصرة القضاة والأخوان، في وضع اليد وما يشهد له البرهان» ط، «إرشاد المريد في خلاصة علم التوحيد»، «المدد الفياض» ط، «النور الساري من فيض صحيح البخاري» ط، «مشارق الأنوار، في فوز اهل الاعتبار» طبع أكثر من مرة بمصر

↑صفحة ٥٥↑

وقدمنا لقرّاء هذه المجموعة القسم المختص بالمهدي المنتظر من طبعة ١٣٠٧ وبهامشه «اسعاف الراغبين»، في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين»(٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥) اكتفاء القنوع ٥٠٠، الاعلام لزركلي ٢/٣١٤، ايضاح المكنون ٢/٤٨٤، هدية العارفين ١/٣٠٣، معجم المؤلفين ٣/٢٤٤-٢٤٥.

↑صفحة ٥٦↑

هوية الكتاب
(الطبعة الاولى) مشارق الانوار في فوز أهل الاعتبار تأليف العلم الشهير والعلامة النحرير الحبر الذي هو للفضائل حاوى الهمام الشيخ حسن العدوى الحمزاوي نفع الله به ومتعه مع أهل قربه المتوفى آمين ١٣٠٣
(وبهامشه كتاب اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين تأليف الامام العلامة الشيخ محمد الصبان أفاض الله عليه سحائب الاحسان آمين)
بالمطبعة العثمانية سنة ١٣٠٧

↑صفحة ٥٧↑

(الفصل الثاني في المهدي وبيان انه هل هو من ولد الحسن أو الحسين ومن أين يخرج وفي علامة خروجه وأنه يبايع مرتين)
ففي كنوز الحقائق للمناوي عن الطبراني عنه (صلى الله عليه وسلم) المهدي منا يختم به الدين كما فتح بنا وفي جواهر العقدين في شرف النسبين للإمام المناوي أيضا قال وقال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين في قوله تعالى وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ قال هو المهدي يكون في آخر الزمان قال وربما يستشهد لهذا بما أخرجه النسائي من قوله (صلى الله عليه وسلم) لن تهلك أمة أنا أولها ومهديها وسطها والمسيح ابن مريم آخرها اهـ وفي القرطبي من حديث ابن مسعود وغيره أنه يخرج في آخر الزمان من المغرب الاقصى يمشى النصر من بين يديه أربعين ميلا راياته بيض وصفر فيها رقوم فيها اسم الله الاعظم مكتوب فلا تنهزم له راية فيبعث هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله لهم ميثاق النصر والظفر أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون الحديث بطوله وفيه فيأتي الناس من كل جانب ومكان فيبايعونه يومئذ بين الركن والمقام وهو كاره لهذه المبايعة الثانية بعد المبايعة الاولى بالمغرب اهـ وفي رسالة الشيخ الصبان قال يؤخذ من أحاديث أخر انه يخرج أي المهدي من المشرق من بلاد الحجاز والقول بأنه يخرج من المغرب لا أصل له كما نبه عليه العلقمى اهـ (قلت) ولعل الجمع ممكن عملا بالروايتين بأن يحمل أحاديث المشرق على الظهور التام بدليل المبايعة الثانية بين الركن والمقام بعد البيعة الأولى كما في رواية القرطبي وهذا من المحقق الصبان غير لائق بمقامه فان رواية القرطبي المفيدة للمبايعة مرتين قد وافقه فيها الامام ابن حجر وكذلك القطب الشعراني قد أفادها في مختصره ولفظه روى أنه يخرج في آخر الزمان رجل يقال له المهدي من أقصى المغرب يمشى النصر بين يديه أربعين ميلا راياته بيض وصفر فيها وقوم فيها اسم الله الاعظم مكتوب فلا تنهزم له راية وقيام هذه الرايات وانبعاثها من ساحل البحر بموضع يقال له ماسة من جبل المغرب فيبعث هذه الرايات مع قوم قد أخذ الله تعالى لهم ميثاق النصر والظفر أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون الى أن قال فيأتي الناس من كل جانب ومكان فيبايعونه بمكة بين الركن والمقام وهو كاره لهذه المبايعة الثانية بعد البيعة الأولى التي بايعه الناس بالمغرب عليها انتهى وحيث أمكن الوصل والجمع فسلوكه أولى لا سيما

↑صفحة ٥٨↑

والامام القرطبي من أكابر المحدثين مع الموافقة من الامامين المتقدم ذكرهما وهو من ولد فاطمة باتفاق الجمهور ففي مسلم وأبى داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وآخرين المهدي من عترتي من ولد فاطمة وفي رواية ابن عساكر عن على بن الحسين عن أبيه أبشري يا فاطمة المهدي منك قال في كنوز الحقائق وما ورد من قوله (صلى الله عليه وسلم) يا عباس ان الله بد أبى هذا الامر وسيختمه بغلام من ولدك يملؤها عدلا الخ يجمع بينه وبين رواية أنه من ذرية الحسن أو الحسين بأن يكون له نسبة الى كل واحد من هؤلاء فيكون رضي الله عنه نجل الحسن وسبط الحسين من جهة أمه وسبط العباس من جهة أبيه اهـ وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه لو لم يبق من الدهر الا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا من عترتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا وفي رواية لأبي داود والترمذي لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وأخرج الحاكم في صحيحه يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلا من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يحبه ساكن الارض وساكن السماء وترسل السماء قطرها وتخرج الارض نباتها لا تمسك شيئا يعيش فيهم سبع سنين أو ثمانيا أو تسعا يتمنى الاحياء الاموات مما صنع الله باهل الارض من خيره وأخرج أبو نعيم ليبعث الله رجلا من عترتي أفرق الثنايا أجلى الجبهة أي منحسر الشعر عن جبهته يملأ الارض عدلا يفيض المال فيضا وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدى وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي أي طويل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضى لخلافته أهل السماء وأهل الارض وورد أيضا في حليته انه شاب أكحل العينين أزج الحاجبين أقنى الانف كث اللحية على خده الايمن خال وقال الشيخ القطب الغوثي سيدى محيى الدين بن العربي في الفتوحات اعلموا أنه لا بد من خروج المهدي لكن لا يخرج حتى تملأ الارض جورا وظلما فيملؤها قسطا وعدلا وهو من عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ولد فاطمة رضي الله تعالى عنها جده الحسين بن على بن أبى طالب ووالده الامام حسن العسكري ابن الامام علي النقي بالنون ابن الامام محمد التقى بالتاء ابن الامام على الرضا ابن الامام موسى الكاظم ابن الامام جعفر الصادق ابن الامام محمد الباقر ابن الامام زين العابدين على ابن الامام الحسين ابن الامام على ابن أبى طالب رضي الله تعالى عنه يواطئ اسمه اسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخلق بفتح الخاء وقريبا منه في الخلق أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل به في الرعية يمشى الخضر بين يديه يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا يقفو اثر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) له ملك يسدده من حيث لا يراه يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين يعز الله به الاسلام بعد ذله ويحييه بعد موته ويضع الجزية ويدعو الى الله بالسيف فمن أبى قتل ومن نازعه خذل يحكم بالدين الخالص عن الرأي ويخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء فينقبضون لذلك لظنهم أن الله تعالى لا يحدث بعد أئمتهم مجتهدا وأطال في ذكر وقائعه معهم ثم قال واعلم أن المهدي اذا خرج يفرح به جميع المسلمين خاصتهم وعامتهم وله رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء له يتحملون أثقال المملكة عنه ويعينونه على ما قلده الله به ينزل عليه عيسى بن مريم (عليه السلام) بالمنارة البيضاء شرق دمشق متكئا على ملكين ملك عن يمينه وملك عن يساره والناس في صلاة العصر فيتنحى الامام من مقامه فيتقدم فيصلى بالناس يؤم الناس بسنة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقبض الله اليه المهدي طاهرا مطهرا وقال في محل آخر من فتوحاته قد استوزر الله للمهدى طائفة خبأهم الله تعالى في مكنون غيبه أطلعهم كشفا وشهود اعلى الحقائق وما هو الا أمر الله في عباده فلا يفعل المهدي شيئاً الا بمشاورتهم وهم على أقدام رجال من الصحابة الذين صدقوا الله ما دعاهم اليه وهم من الاعاجم ليس

↑صفحة ٥٩↑

فيهم عربي لكن لا يتكلمون الا بالعربية لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى الله قط هو أخص الوزراء ثم قال هؤلاء الوزراء لا يزيدون عن تسعة ولا ينقصون عن خمسة لان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شك في عددهم مدة اقامته من خمس الى تسع للشك الذي وقع في وزرائه فلكل وزير معه اقامة سنة فان كانوا خمسة عاش خمسة وان كانوا تسعا عاش تسعا ولكل سنة أحوال مخصوصة وعلم يختص به وزيره الى آخر ما قال وقال في محل آخر في فتوحاته أنه يحكم بما ألقى اليه ملك الالهام من الشريعة وذلك بان يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار اليه حديث المهدي يقفو أثرى لا يخطئ فعرفنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه متبع لا مبتدع وأنه معصوم في حكمه فعلم أنه يحرم عليه القياس مع وجود النصوص التي منحه الله اياها على لسان ملك الالهام بل حرم بعض المحققين القياس على أهل الله لكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مشهود الهم فاذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا اليه في ذلك فاخبرهم بالأمر الحق تعظيما ومشافهة وصاحب هذا الحال والمشهد لا يحتاج الى تقليد أحد من الأئمة غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال العلامة الصبان في رسالته لأهل البيت متعقبا للعارف ابن العربي في فتوحاته بقوله لا يخفى أن ما ذكره العارف ابن العربي من كون جده الحسين مناف لما مر من توجيه بعضهم ان جده الحسن وان ما ذكره العارف أيضا من كون والده الحسن العسكري مناف لما مر في بعض الروايات من كون اسم أبيه مواطئا لاسم أبى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما ذكره أيضا من كون مدته اما خمسا أو تسعا مخالف لما مرعن الصواعق أخذا من الاحاديث السابقة من كون المحقق سبع سنين وان ما ذكره أيضا من كونه يضع الجزية ويقتل من لم يسلم مناف لما مر من كون ذلك لعيسى وان ما ذكره من كون عيسى هو الذي يصلى بالناس حين ينزل مناف لما مر من كون الذي يصلى بهم المهدي وأن ما ذكره من أن عيسى ينزل والناس في صلاة العصر مناف لما في السيرة الحلبية من أنه ينزل والناس في صلاة الفجر اهـ (قلت) وهذا من مثل هذا الامام المحقق في غاية الغرابة لا سيما التورك على مثل هذا العارف وذلك لإمكان الجمع والاصلاح في جميع ما رده عليه فقوله لا يخفى أن ما ذكره العارف ابن العربي من كون جده الحسين مناف لما مر من توجيه بعضهم أن جده الحسن لا مانع من أن يراد بالحسن في كلام البعض الحسن العسكري وهو من أولاد الحسين وانما نسب اليه خاصة لكونه كان أشهر آبائه من قبل أبيه لأنه كان كما ذكره المعترض نفسه في مناقب سيدى الحسن من الأئمة الاخيار صاحب الشهرة العظيمة في العلم والمعارف ولم يكن في الحديث الحسن بن علي على أنه لو قيل ذلك لأمكن ما تقدّم أيضا لما علمت من تمام شهرته وهو وان كان بعيدا يتقوى برواية كونه من ولد الحسين والسنة يفسر بعضها بعضا وعلى تسليم ذلك فتوجيه البعض كونه من ولد الحسن لا يصلح أن يكون له حجة في الرد على مثل هذا العارف وقول المحقق ثانيا ما ذكره العارف أيضا من كون والده الحسن العسكري مناف لما مر في بعض الروايات من كون اسم أبيه مواطئا لاسم أبى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يصح من مثل هذا الامام وذلك أنه من المعلوم أنه يولد في آخر الزمان كما سيذكره العلامة المتعقب نقلا عن الشعراني ولفظه وقال سيدى عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت والجواهر المهدي من ولد الامام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بعد الالف وهو باق الى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام) هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة الرطل بمصر المحروسة ووافقه على ذلك سيدى على الخواص اهـ بلفظه اذا علمت ذلك النقل من هذا المحقق عن القطب الشعراني ظهر لك عدم المنافاة ضرورة وذلك لان الامام سيدى الحسن العسكري بينه وبين جده الحسين ستة من الآباء فيعلم من ذلك أن الامام المذكور ليس والد السيد المهدي مباشرة وان والده مباشرة عبد الله كما في بعض الروايات ويعلم أن تخصيصه الامام العسكري بالذكر لكونه أوّل المشاهير من قبل أبيه عبد الله المذكور وبذلك يتقوى الاحتمال الاوّل من دفع المنافاة وقول العلامة المحقق ثالثا وما ذكره أيضا من كون مدته اما خمسا أو سبعا

↑صفحة ٦٠↑

أو تسعا مخالف لما مر عن الصواعق أخذا من الاحاديث السابقة من كون المحقق سبع سنين فهو في غاية الغرابة أيضا وذلك أن العارف في المحل الاوّل من الفتوحات قال يعيش خمسا أو سبعا أو ثمانيا أو تسعا وقال في محل آخر له وزراء لا يزيدون عن تسعة ولا ينقصون عن خمسة فانت تراه في المحلين لم يقطع بواحد بعينه والشك في ذلك العدد لا ينافى القطع الذي عينه ابن حجر لان المقطوع به من أفراد المشكوك فيه غير أنه لم يعينه بخصوصه احتياطا لرواية الجميع ولعل الجزم بالسبع من ابن حجر لما ترجح عنده وهذا لا ينافى ما ذكره العارف على أن ابن حجر في الصواعق ذكر روايات متعددة موافقة لروايات العارف ابن العربي ولفظه روى الطبراني والبزار بعد أن ذكر حديثا طويلا وفيه يمكث فيهم سبعا أو ثمانيا فان أكثر فتسعا قال وفي رواية للترمذي ان في أمتى المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا فيجيء الرجل اليه فيقول يا مهدى أعطني فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ثم بعد أن ذكر هذه الاحاديث من غير تضعيف لها ذكر بعد ذلك ما يرجح عنده رواية سبع سنين بقوله الذي اتفقت عليه الاحاديث سبع سنين من غير شك وعلى تسليم ذلك فمثل هذا العارف لا يرد عليه بما في الصواعق وان كان من أكابر الحفاظ فلا يكون ما فيها حجة في الرد عليه وقول المحقق رابعا وما ذكره أيضا من كونه يضع الجزية ويقتل من لم يسلم مناف لما مر من كون ذلك لعيسى لا مانع من امكان الجمع فان اتصاف عيسى بذلك لا ينافى اتصاف المهدي به لان من المعلوم أن كلا منهما امام متبع ومقر لشريعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلا مانع من استوائهما في هذا الامر ويؤيد هذا ورود فتح الكنوز في وقته فلا نفع لأخذ الجزية حينئذ حتى يشرع أخذها لان الوسيلة اذا لم يترتب عليها مقصدها لا تشرع على أنه لا مانع من كون ذلك على لسان عيسى في آخر ظهور المهدي عند اجتماعه مع عيسى لما ورد من مساعدة المهدي لعيسى على قتل الدجال وهذا يفيده العارف الشعراني في مختصره جوابا عما رواه ابن ماجه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزداد الامر الا شدّة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس على الدنيا الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم قال العارف قال الامام القرطبي وهذا لا ينافى ما تقدم في أحاديث المهدي لان معناه تعظيم شأن عيسى لعصمته وكماله فلا ينافى وجود المهدي قال العارف ويؤخذ ذلك من حديث المهدي من أهل بيتي يملأ الارض عدلا وأنه يخرج مع عيسى (عليه السلام) يساعده على قتل الدجال بباب لدّ من أرض فلسطين وأنه يؤم هذه الامة ويصلى خلف عيسى بن مريم اهـ فانت تراه قد ذكر خروجه معه للمساعدة على الدجال فيكون لا مانع من نسبة ما تقدم اليهما جميعا وانما تخصيص عيسى في بعض الروايات بذلك تعظيما لشأنه كما سمعته عن الامام القرطبي وهذا وان كان تطفلا منا على مثل هذا الامام الا أن سلوك الاصلاح والوصل أولى بالاتباع وقول المحقق في الاعتراض الماروان ما ذكره من كون عيسى هو الذي يصلى بالناس حين ينزل مناف لما مر من كون الذي يصلى بهم المهدي لا مانع من امكان الجمع بإمكان تعدد الصلوات عملا بالروايتين فان الحين صادق بالزمن المتسع وان كان المتبادر من تقييده بالنزول عدم الاتساع لكن استعماله ظرفا متسعا لقرب ما بين الصلاتين يكون فيه عمل بالروايتين فيكون المصلى أوّلا حين النزول في صلاة الصبح هو المهدي وفي صلاة العصر عيسى ثم بعد كتبي لتسويد هذا الجواب الاخير رأيت العلامة ابن حجر ذكر ما يفيده بقوله ما ورد أن المهدي هو الذي يصلى بعيسى هو الذي دلت عليه الاحاديث قال وما صححه السعد التفتازاني من أن عيسى هو الامام بالمهدى لأنه أفضل فإمامته أولى فلا شاهد له فيما علل به لان القصد بإمامة المهدي بعيسى انما هو اظهار أنه نزل تابعا لنبينا بشريعته غير مستقل بشيء من شريعة نفسه واقتداؤه ببعض هذه الامة مع كونه أفضل من ذلك الامام الذي اقتدى به فيه من اذاعة ذلك واظهاره ما لا يخفى على أنه يمكن الجمع بأن يقال ان عيسى يقتدى بالمهدى أولا لإظهار ذلك الغرض ثم بعد ذلك يقتدى المهدي به على أصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل وبه يجتمع القولان وبهذا الجواب يجاب عن الاعتراض الأخير في دفع التنافي بين الصلاتين

↑صفحة ٦١↑

وقد تم بهذا الجمع بين كلام العارف واذا أمكن الجمع والوصل فلا ينبغي التورك لا سيما من مثل هذا المحقق على هذا العارف خصوصا وكلام العارفين حجة في التصحيح للحديث أو ضعفه وقد سبق للعلامة المعترض نقلا عن بعض المحققين أن المهدي يحرم عليه القياس وكذلك أهل الله العارفون لشهودهم للنبي يقظة ومشافهة فهم مطلعون على صحة الحديث وضعفه ولذلك قال سيدى أحمد بن المبارك في كتابه الابريز كنا معاشر العلماء نعرض كتب السنة على سيدى عبد العزيز الدباغ وهو أمي ويبين لنا الحديث الصحيح من غيره فكنا نجد ما يخبر بعدم صحته منصوصا كذلك للحفاظ اذا علمت ذلك في كلام الاستاد حجة لا يعارضه غيره وجاء في بعض الروايات أنه ينادى عند ظهوره فوق رأسه ملك هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه فتقبل عليه الناس ويشربون حبه وأنه يملك الأرض شرقها وغربها وأن الذين يبايعونه أوّلا بين الركن والمقام بعدد أهل بدر ثم تأتيه أبدال الشام ونجباء مصر وعصائب أهل الشرق وأشباههم ويبعث الله له جيشا من خراسان برايات سود نصرة له ثم يتوجه الى الشام وفي رواية الى الكوفة والجمع ممكن ان الله تعالى يؤيده بثلاثة آلاف من الملائكة وان أهل الكهف من أعوانه قال الاستاذ السيوطي وحينئذ فسرّ تأخيرهم الى هذه المدة اكرامهم بشرفهم بدخولهم في هذه الامة أي واعانتهم للخليفة الحق وأن على مقدمة جيشه جبريل وميكائيل على ساقته وأنه يكون بعد موت المهدي القحطاني وهو رجل من أهل اليمن يعدل في الناس ويسير سير المهدي أما حديث أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزداد الامر الاشدّة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا مهدى الا عيسى بن مريم فتكلم فيه وعلى تقدير صحته لا مهدى معصوم الا عيسى أو لا مهدى على الاطلاق سواه يأتي بعده قال ابن حجر في الصواعق الاظهر أن خروج المهدي قبل نزول عيسى وأن ظهوره بعد أن يكسف القمر في أوّل ليلة من رمضان وتكسف الشمس في النصف منه فان مثل ذلك لم يوحد منذ خلق الله السموات والارض اهـ صبان والله أعلم وفي شرح الشيخ الشرقاوي على ورد الاستاذ البكري ينزل عيسى في زمانه بالمنارة البيضاء شرق مسجد دمشق والناس في صلاة العصر فيتنحى له الامام فيتقدم فيصلى بالناس يؤم الناس بسنة محمد (صلى الله عليه وسلم) قال والمراد بالإمام أمير المهدي على دمشق وأما هو ففي بيت المقدس ثم يذهب عيسى الى بيت المقدس فيقتدى بالمهدى في صلاة الصبح قال وقيل ان مدّة المهدي أربعون سنة يجتمع مع عيسى في سبع سنين أو تسع ويتقدّم عليه بأكثر من ثلاثين سنة ويتأخر عنه عيسى ببضع وثلاثين سنة لان مدّة مكثه خمس وأربعون سنة قال وهذا لا يعارض ما تقدّم من أن غاية مكث المهدي تسع سنين قال لان التسع هي التي ينفرد فيها بملك الأرض كلها وان كان ملكه من ابتداء الأربعين ومولده بالمدينة وقيل ببلاد الغرب ثم يهاجر من المدينة الى بيت المقدس قال وأحاديثه بلغت مبلغ التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها قال وأماما ورد من أنه لا مهدى الا عيسى بن مريم فهو مع كونه ضعيفا عند الحفاظ مؤوّل بأن المعنى لا مهدى معصوم مطلقا الا عيسى أو المعنى لا قول للمهدى الا بمشورة عيسى بناء على أنه من وزرائه اهـ وقال في محل آخر وتدخل سائر الملوك في طاعته وعند مبايعته في المرة الأولى يكون عمره خمسا وعشرين سنة وقيل بل أكثر من سبعمائة سنة وقال في محل آخر بعد نقله عبارة العارف ابن العربي المتقدّمة وهى قوله يفرح به عامة المسلمين ويبايعه العارفون بالله من أهل الحقائق وله رجال الهيون يقيمون دعوته وينصرونه هم الوزراء الى أن قال وهم تسعة على أقدام رجال من الصحابة لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى الله قط هو أخص الوزراء وأفضل الامناء قال اهـ قال وذلك الحافظ هو عيسى فيكون هو وزيره الأخص في بعض المدة وان انفرد بعده وهو ليس من جنس الوزراء لانهم من الاعاجم يعنى الفرس وعيسى من بنى اسرائيل اهـ وللقطب الشعراني في كتابه بهجة النقوس والاسماء قال أخبرني سيدى حسن العراقي بأنه اجتمع بالإمام المهدي بجامع بنى أمية ولقنه الذكر وأمره بصيام يوم وافطار يوم وأن يصلى كل ليلة خمسمائة ركعة أبدا ما عاش وأمره أن يسيح في البلاد قال فخرجت بعد

↑صفحة ٦٢↑

الى الشام سائحا فسحت سبعا وخمسين سنة حتى وصلت سد اسكندر ذي القرنين ومسكت القفل بيدي الى أن قال وقال لي المهدي عمرى الآن مائة وسبع وثلاثون سنة اهـ فلينظر هذا مع الذي سبق نقله للعلامة الصبان في عمره وكذلك العلامة الشرقاوي.
(الفصل الثالث في الدجال)
(اعلم) أنهم اختلفوا في موضع خروج الدجال فقال قوم يخرج من المشرق من أرض خراسان وقالت طائفة يخرج من يهود أصفهان وقال قوم يخرج من أرض الكوفة واختلفوا في اتباعه فقيل اليهود والنساء المومسات وأولادهن أي أولاد الزنا وقيل أغلب أتباعه اليهود قال العارف الشعراني روى أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله أخبرني عن الدجال أ من ولد آدم هو أو من ولد ابليس قال هو من ولد آدم وأمه من ولد ابليس وهو على دينكم معشر اليهود وهذا يفيد أن السائل كان يهوديا وقال العارف أيضا قال بعضهم ان الدجال لم يولد وسيولد آخر الزمان قال القرطبي رحمه الله والاول أصح اهـ يعنى وجوده في زمنه عليه الصلاة والسلام وقال العارف أيضا وقد اختلف الناس في أمر الدجال اختلافا كثيرا لما يقع على يديه من الخوارق التي تنافى حال الكذابين مع أنه كذاب قال: قال بعض العلماء والذى عندي أنه فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين فيهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة وقد امتحن الله قوم موسى في زمانه بالعجل فافتتن به قوم فهلكوا ونجا من هداه الله وعصمه منهم هذا كله بناء على الاصح من وجوده في حياة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لا أنه يوجد آخر الزمان قال وهب علامة خروجه أن تهب ريح عاصفة كما هبت في أيام عاد وعلامة ذلك ترك الناس فعل الخير وتركهم الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وسفك الدماء واستحلال الزنا وشرب الخمر واشتغال الرجال بالرجال كفعل قوم لوط فعند ذلك يخرج الدجال على حمار مطموس العين مشوّه الوجه طويل الانف مكسور الطرف محدودب الظهر يخرج منه الحيات والعقارب معه جميع آلات السلاح ويمد يده تقرض السحاب ويخوض البحار من طوله ولا يتبعه من الدواب الا الحمار وأكثر جيشه أولاد الزنا وأهل الغضب والشقاوة والسحرة وأما المؤمنون فيصيرون في هم ونكد وحزن لتركهم المساجد ومكثهم في بيوتهم من أجل هذا الكافر والشمس تطلع في ذلك اليوم على ألوان مختلفة مرة حمراء ومرة بيضاء ومرة سوداء ومرة صفراء والارض تتزلزل والمسلمون صابرون حتى يسمعوا بقدوم المهدي فيستبشرون بقدومه * وفي رسالة الشيخ الصبان وفي مسند أحمد من حديث جابر يخرج الدجال في خفة من الدين وادبار من العلم أربعون ليلة يسيحها في الارض أوّل يوم منها كالسنة وثاني يوم كالشهر وثالث يوم منها كالجمعة وسائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس أنا ربكم وربكم ليس بأعور مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء ومنهل الا المدينة ومكة حرمهما الله تعالى عليه وقامت الملائكة بأبوابهما ومعه جبال من خبز والناس في جهد الا من اتبعه ومعه نهران أنا أعلم بهما منه نهر يقول الجنة ونهر يقول النار فمن أدخله الذي يسميه الجنة فهو في النار ومن أدخله الذي يسميه النار فهو في الجنة قال وتبعث معه شياطين تلكم ومعه فتنة عظيمة يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ويقتل نفسا ويحييها فيقول هل يفعل مثل هذا الا الرب فيفر الناس الى جبل الدخان بالشام فيحاصرهم فيشتد حصارهم وفي رواية أن الدجال يخرج من أصبهان ومعه تسعون ألفا من اليهود وهو أشد فتنة على الناس اسمه المسيح بالحاء المهملة لأنه يمسح الأرض في أربعين يوما والمسيخ بالخاء المعجمة لأنه ممسوخ احدى عينيه ولا يستقر عوره فتارة يكون في اليمنى وتارة يكون في اليسرى وله جبال من الحبوب حتى الفول ومعه صورة جنة ومعه صورة نار فناره جنة وجنته نار يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت يدخل سائر الأرض الا بيت المقدس ومكة والمدينة وجبل الطور

↑صفحة ٦٣↑

يخرج له رجل من المدينة فيقول له أتؤمن فيقول لا فيأمر بقتله ثم يحييه ويقول له أ تؤمن فيقول لا ما ازددت فيك الا يقينا فيلقيه في نار فتصير عليه جنة قيل ان ذلك الرجل هو الخضر والصحيح انه غيره ولم يسلط على غيره وأوّل يوم من أيامه كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وبقية أيامه كأيامنا هذه قالوا يا رسول الله ما نفعل في هذه الأيام الطوال قال اقدر والها أوقاتا باجتهاد كم لأجل العبادات وبالسند الى البغوي عن أسماء بنت يزيد الانصارية قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بيتي ذات يوم فذكر الدجال فقال ان بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء ثلث قطرها والارض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والارض ثلثي نباتها والسنة الثالثة تمسك السماء قطرها والارض نباتها كله فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات خف من البهائم إلّا هلكت وان من أشد فتنته أن يأتي الاعرابي فيقول له أرأيت ان أحييت لك ابلك أ لست تعلم أنى ربك فيقول بلى فيمثل له نحو ابله أحسن ما كانت ضروعا وسمنة ويأتي الرجل قد مات أخوه وأبوه فيقول أ رأيت ان أحييت لك إياك وأخاك أ لست تعلم أنى ربك فيقول بلى فتتمثل له الشياطين نحو أخيه وأبيه ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لحاجته ثم رجع والقوم في غم مما حدثهم به فقال ان يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه والا فان ربى خليفتي على كل مؤمن قالت أسماء فقلت يا رسول الله انا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين قال يجزيهم ما يجزى أهل السماء من التسبيح والتقديس اهـ واختلف في اسمه فقال قوم هو صائف بن صائد اليهودي ولد في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان أحيانا في مهده ينبو وينتفخ في بيته حتى يملأه* وروى أن اسمه عبد الله وكان يلعب مع الصبيان فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) أتشهد أنى رسول الله فقال أ تشهد أنى رسول الله* وقيل ان يهود يا اسمه صياد مكث أربعين سنة لا تلد زوجته فولد هذا الدجال فبلغ سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم) أمره فذهب عليه الصلاة والسلام اليه واستتر بجذوع النخل وتزاوى عنه هو ومن معه من أصحابه حتى وصل اليه فنادته أمه يا صائف هذا محمد عند رأسك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أ تؤمن بي فقال لا أنت رسول الاميين فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد خبأت لك خبأ أي أعددت لك أمرا فقال الدخ الدخ فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) اخسأ ولن تعد قدرك ومعناه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أضمر له في نفسه قوله تعالى ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ لدعواه علم الغيب فلم يعلم وانما قال الدخ وذلك اختطاف له من الشياطين لكونهم يلقون اليه بعض الكلام لكن ان قلت ان النبي معصوم من اطلاع الشياطين على ما في سره أجاب عن ذلك شراح الحديث بأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخبر الذين معه من الصحابة بأنه أضمر في نفسه له هذه لآية ففهم الشياطين من الصحب لا من النبي (صلى الله عليه وسلم) وألقوها عليه فلم يفهم الدجال الا قوله الدخ فلذلك قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) ما تقدم فقال عمر رضي الله تعالى عنه أ أقتله يا رسول الله فقال (صلى الله عليه وسلم) دعه ان يكنه فلن تسلط عليه والا يكنه فلا خير لك في قتله وفي حاشية العلامة السجاعي على ابن عقيل عند قول ابن مالك ومن مضارع لكان الخ قال وفي الكرماني أنه (صلى الله عليه وسلم) انما قال ان يكنه لأنه اذ ذاك لم يكن قد اتضح له أمره وفي القسطلاني ان هذا تزوّج وولد له ودخل مكة والمدينة وأسلم ومات مسلما بالطائف أي فهو غير الدجال الآتي آخر الزمان اهـ ثم دعا النبي الله سبحانه وتعالى أن يرفعه من الحجاز فرفعه الى جزيرة من جزائر البحر الى وقت خروجه ويدل لذلك ما روى عن فاطمة بنت قيس قالت ان تميما الداري حدّث النبي (صلى الله عليه وسلم) انه ركب سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من أهل الشام في نفر من لخم وجذام فلعب بهم الموج شهرا في البحر فأووا الى جزيرة فدخلوا فيها فلقيتهم دابة أهلب كثيرة الشعر لا يعرفون قبله من دبره من كثرة الشعر قالوا ويلك ما أنت قالت أنا الجساسة قالوا فاخبرينا قالت ما أنا بمخبرتكم ولكن ائتوا رجلا في هذا الدير فانه الى رؤيتكم بالأشواق قالوا فلما سمعت لنا رجلا فزعنا منها أن تكون شيطانة فانطلقنا حتى دخلنا الدير فاذا فيه انسان عظيم رأيناه خلقا في أشد وثاق مجموعة

↑صفحة ٦٤↑

يداه الى عنقه ما بين ركبتيه الى كعبيه بالحديد قلنا ويلك من أنت قال قد قدرتم على خبري فأخبروني من أنتم قالوا نحن ناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فلعب بنا الموج شهرا فدخلنا هذه الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب فقالت أنا الجساسة اعمدوا الى هذا الرجل الذي في الدير فأقبلنا اليك سراعا فقال أخبروني عن نخل شنان هل تثمر قلنا نعم قال أما انها سيوشك ان لا تثمر قال أخبروني عن بحيرة طبرية هل فيها ماء قلنا هي كثيرة الماء قال أما ان ماءها يوشك أن يذهب قال أخبروني عن عين زعر هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها قال أخبروني عن النبي الأمين ما فعل قلنا قد خرج من مكة ونزل بيثرب قال أقاتله العرب قلنا نعم قال كيف صنع بهم فأخبرناه انه قد ظهر على من يليه من العرب فأطاعوه قال اما ان ذاك خير لهم أن يطيعوه وأنى أخبركم عنى أنى المسيح يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج وأسيح في الأرض فلا أدع قرية الا أهبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمان عليّ انتهى* وقوله غير مكة وطيبة يدل له ما رواه الامام البخاري كما في المواهب عن أبى بكرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان قال الشارح أي يحميانها منه وفي المواهب اللدنية أيضا وقد استنبط العارف بالله ابن أبى جمرة من قوله عليه الصلاة والسلام المروى في البخاري ليس من بلد إلّا سيطؤه الدجال الا مكة والمدينة التساوي بين مكة والمدينة حيث قال وظاهر هذا الحديث يعطى التسوية بينهما في الفضل لان جميع الأرض يطؤها الدجال الاّ هذين البلدين فدل على تسويتهما في الفضل قال شارحها العلامة الزرقاني وقوله ليس من بلد قال الحافظ هو على ظاهره وعمومه قال وبقية الحديث ليس من نقابهما نقب الا عليه الملائكة صافين يحرسونهما الا ان قوله أخبروني عن بحيرة طبرية فأجابه الصحب بقولهم هي كثيرة الماء ينافيه ما ذكره شراح الهمزية وخلافهم من ذهاب مائها ببعثة النبي (صلى الله عليه وسلم) اللهم الا أن يقال لعل المراد بالذهاب ذهاب البعض والله أعلم بالحقيقة وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
(الفصل الرابع في نزول عيسى بن مريم (عليه السلام))
قال الامام المناري في جواهر العقدين وفي مسلم في حديث خروج الدجال فيبعث الله عيسى بن مريم فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو ايمان الا قبضته الحديث وقال أيضا وأخرج النسائي عنه (صلى الله عليه وسلم) لن تهلك أمة أنا اوّلها ومهديها وسطها والمسيح ابن مريم آخرها ونزول عيسى بن مريم من على المنارة البيضاء شرق دمشق آخر الليل ويأتيه المهدي فيجتمع عليه ويطلبه الناس وقت الصبح فيمتنع ويقول امامكم منكم فيتقدم المهدي ويصلى بعيسى تكرمة لهذه الامة ونبيها ثم يسير عيسى والمهدى في أثر الدجال فيفر منهم هاربا فيلحقه عيسى عند باب لد قريبا من الرملة فيضربه بحربة ويذبحه بسكين ويقتل من معه من اليهود حتى لا تبقى شجرة إلّا نادت يا مسلم خلفي يهودي ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ولا يقبل الجزية اذ هي مغياة بنزوله ويكثر الامن والامان في زمنه حتى تلعب الصبيان بالحيات والآفات فلا تضرها وتلعب الذئاب مع الغنم وتفتح كنوز الارض ويكثر الخصب والرخاء ويباع الثور بمائة دينار لكثرة الزرع والفرس بدينار واحد لقلة الجهاد وتخرج المرأة من المدينة الى الكوفة ومن مصر الى السويس لا تحمل زادا معها لكثرة ما تنبت الارض من الخير والبركة والقطف العنب يكفى عشرة أنفار والرمانة كذلك وفي رواية يأمر الله جبريل (عليه السلام) ان يهبط بعيسى بن مريم (عليه السلام) الى الارض وهو يومئذ في السماء الثانية فيأتي اليه ويقول يا روح الله وكلمته ربك يقرئك السلام ويأمرك بالنزول الى الارض فينزل ومعه سبعون ألفا من الملائكة وعلى رأسه عمامة خضراء وقيل سوداء وهو متقلد بسيف

↑صفحة ٦٥↑

راكب على فرس من الجنة وبيده حربة فاذا نزل الى الارض نادى مناد من السماء جاءكم الحق وزهق الباطل فأول من يسمع بذلك المهدي فيسير اليه ويسلم عليه ويذكر له الدجال فيسير عيسى (عليه السلام) اليه فاذا نظره الدجال يرعد كما ترعد السعفة في الريح العاصف فيأتيه عيسى (عليه السلام) وبيده الحربة فاذا رآها الدجال يذوب كما يذوب الرصاص فيقول له عيسى (عليه السلام) ألست أنك عملت اليوم عملا سيئاً فادفع اليوم عن نفسك القتل ثم يطعنه بالحربة فيخر ميتا ثم يضع المهدي وأصحابه السيف في أصحاب الدجال فيقتلونهم عن آخرهم ثم يضع عيسى (عليه السلام) العدل في الارض الى آخر ما تقدم وجاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال ان عيسى نازل فيكم وهو خليفتي عليكم فمن أدركه فليقرئه سلامى فانه يقتل الخنزير ويكسر الصليب ويحج في سبعين ألفا فيهم أصحاب الكهف فانهم يحجون ويتزوج امرأة من الأزد وفي النفراوي على الرسالة ان عيسى (عليه السلام) ينزل عند المنارة البيضاء شرق دمشق بين مهرودتين بالدال المهملة او الذال المعجمة ومعناه انه لا بس ثوبين مصبوغين بورس ثم قال واضعا كفيه على أجنحة ملكين اذا طاطا رأسه كبر واذا رفع رأسه تحدر منه الماء كاللؤلؤ في صفائه وانعقد الاجماع على ان عيسى (عليه السلام) متبع لهذه الشريعة المحمدية ليس بصاحب شريعة مستقلة عند نزوله لأنه (عليه السلام) لا ينقص عن رتبة الاجتهاد المطلق واستنباط أحكام من القرآن والسنة وفي بعض الآثار أنه يتزج ويولد له لتحقق التبعية ثم يموت ويدفن في روضة النبي (صلى الله عليه وسلم) والناس في زمانه في أمن وخصب روى مسلم أنه يقال للأرض أنبتي ثمرك لأوليائنا وتأكل العصابة من الرمانة ويتظللون بقحفها بكسر القاف وهو قشرها ويبارك الله في اللبن حتى ان الناقة لتكفي الجماعة الكثيرة من الناس ويقع الامن في زمانه حتى يرعى الاسد مع الابل والنمر مع البقر والذئب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات ولا يصاب أحد منهم ويتسلم الامر من المهدي ويكون المهدي مع أصحاب الكهف الذين هم من أتباع المهدي من جملة أتباعه ويصلى عيسى وراء المهدي صلاة الصبح وذلك لا يقدح في قدر نبوته ويسلم المهدي لعيسى الامر ويقتل الدجال ويموت المهدي ببيت المقدس وينتظم الامر كله لعيسى ويمكث في الارض بعد نزوله أربعين سنة ثم يموت ويصلى عليه المسلمون* وسئل الجلال السيوطي عن حياة عيسى ومقره فقال هو حي في السماء الثانية لا يأكل ولا يشرب ملازم للتسبيح كالملائكة قال العلامة النفراوي وسئل شيخنا الاجهوري هل ينزل عليه جبريل بعد نزوله من السماء فأجاب بانه ينزل عليه كما في حديث مسلم من قوله فأوحى الله الى عيسى أنى قد أخرجت عباد الخ فانه ظاهر في نزول جبريل اليه وأما حديث الوفاة من قوله (عليه السلام) هذا آخر وطأتي في الارض فضعيف ونقل بعض المحدثين أن عيسى نزل الى الارض بعد الرفع في حياة أمه وخالته ليسكنهما باخبارهما بحاله ثم رفع حتى ينزل الى آخر الزمان قال وسئلت عن حاله في السماء هل هو مكلف أم لا فأجبت بعدم تكليفه أخذا من قول السيوطي هو ملازم للتسبيح كالملائكة وحرر المسئلة والحكمة في نزول عيسى دون غيره من الانبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه فبين الله كذبهم انتهى نفراوي باختصار وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم وشرف وكرم وعظم.

↑صفحة ٦٦↑

الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة السيد محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني أبو الطيب البخاري القنوجي الهندي (١٢٤٨ - ١٣٠٧)

ولد في قنوج بالهند وتعلم في دلهي وسافر الى بهوبال طلبا للمعيشة، ففاز بثروة وافرة.
قال في ترجمة نفسه.
«ألقى عصا الترحال في محروسة بهوبال فأقام بها وتوطن وتمول، واستوزر وناب وألف وصنف».
وتزوج بملكة بهوبال وناب عنها ولقب بنواب عالي الجاه الأمير الملك بهادر، وجمع مكتبة نفيسة وصار من رجال النهضة الاسلامية المجددين.

↑صفحة ٦٧↑

له آثار قيمة حول العلوم والمعارف الاسلامية بالعربية والفارسية والهندية، منها:
«حسن الأسوة، فيما ثبت عن الله ورسوله في النسوة» «ابجد العلوم» «فتح البيان، في مقاصد القرآن» عشرة اجزاء في التفسير، «لف القماط» في اللغة، «حصول المأمول من علم الأصول»، «عون الباري، في الحديث»، «خلاصة الكشاف في اعراب القرآن»، «الاقليد في أدلة الاجتهاد والتقليد» وغيرها مما طبع أكثرا في الهند والقاهرة وبيروت.
ومنها:
«الاذاعة...» وهذا الكتاب كما يحكي اسمه عن محتواه مشتمل على الملاحم والفتن قبل القيامة عموما وعلى البحث وذكر قسم من الاحاديث الواردة حول ظهور القائم من آل محمد خصوصا، طبع أولا في بهوبال سنة ١٢٩٣ هـ وثانيا في ١٣٧٩ بالقاهرة في مطبعة مؤسسة السعودية، فانه عقد له فصلا من ص ١١٢ الى ص ١٦٤
وفي الحقيقة انه رد على ابن خلدون في تعرضه لموضوع المهدي وانكاره تواتر الاحاديث الواردة وعدم تسلمه لإفادة ظهور القائم (عليه السلام).
فكتب السيد محمد صديق هذا الفصل في اثبات صحة الاحاديث المربوطة بالمهدي المنتظر وتواتره بأحسن بيان.
 

قرة الاعيان ومسرة الاذهان، في مآثر محمد صديق حسن خان، آداب اللغة لجرجي زيدان ٤/٢٣٨، الاعلام للزركلي ٧/٣٦، فهرس الفهارس ١/٢٦٩، معجم المؤلفين ١٠/٩٠، معجم المطبوعات ٢/١٢٠١ - ١٢٠٥، ايضاح المكنون ١/١٠، واكثر من عشرين موضعا اخرى من الكتاب، هدية العارفين ٢/٣٨٨، اكتفاء القنوع ١٠٦ - ٣١٣ - ٤٩٧.

↑صفحة ٦٨↑

هوية الكتاب
الاذاعة لما كان وما يكون بين يدى السّاعة
تأليف السيّد محمّد صدّيق حسن القنوجى البخاري، رحمه الله ١٣٤٨ - ١٣٠٧
طبع على نفقة المكتبة العلية بالمدينة المنورة لصاحبها الشيخ: محمد بن سلطان النمنكاني
مطبعة المدني المؤسّسة السعوديّة بمصر ٢٩٥ ش رمسيس - القاهرة ت ٤٠٨٥١

↑صفحة ٦٩↑

باب في الفتن العظام والمحن التي تعقبها الساعة وهى أيضا كثيرة جدا
منها المهدي الموعود المنتظر الفاطمي، وهو أولها، والأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جدا، تبلغ حد التواتر، وهى في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد.
وقد أوضح القول فيها القاضي مؤيد الدين عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي المغربي في كتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر» حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون لذلك، وربما عارضوها ببعض الأخبار، وللمنكرين فيها من المطاعن فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأسانيد، بغفلة أو بسوء حفظ أو ضغط أو سوء رأى تطرق ذلك إلى صحة الحديث، وأوهن منها إلى آخر ما قال.
وليس كما ينبغي، فإن الحق الأحق بالاتباع، والقول المحقق عن المحدثين، المميزين بين الدار والقاع أن المعتبر في الرواة، ورجال الأحاديث أمران لا ثالث لهما، وهما الضبط والصدق، دون ما اعتبره عامة أهل الأصول من العدالة وغيرها، فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك، كيف ومثل ذلك يتطرق إلى رجال

↑صفحة ٧٠↑

الصحيحين، وأحاديث المهدي عند الترمذي، وأبى داود، وابن ماجه والحاكم، والطبراني، وأبى يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة فتعرض المنكرين لها ليس كما ينبغي.
والحديث يشد بعضه بعضا ويتقوى أمره بالشواهد والمتابعات وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولى على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدى.
ويكون خروج الدجال، وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدى في صلواته إلى غير ذلك.
وأحاديث الدجال، وعيسى أيضا بلغت حد التواتر والتوالي، ولا مساغ لإنكارها كما بين ذلك القاضي العلامة محمد بن على الشوكاني اليمنى رحمه الله تعالى في التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، والدجال، والمسيح.
قال: والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهى متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو

↑صفحة ٧١↑

دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة أيضا، لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك، انتهى.
وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير محمد بن اسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدى، وأنه من آل محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأنه يظهر في آخر الزمان، ثم قال: ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال، انتهى.
وتكلم في الإشاعة في المهدي في مقامات:
الأول: في اسمه ونسبه ومولده ومبايعته ومهاجره وحيلته وسيرته.
والثاني: في العلامات التي يعرف بها، والأمارات الدالة على قرب خروجه (عليه السلام).
والثالث: في الفتن الواقعة قبل خروجه.
ثم ذكر الفتن والملاحم الواقعة في زمنه (عليه السلام)، وهى من أشراطها العظام القريبة.
وأما نحن فنسوق الأحاديث الثابتة في المهدي هنا مساقا واحدا تقريبا إلى فهم العوام، لأنا قد قضينا الوطر من هذا المرام في كتابنا الكبير المسمى ب[حجج الكرامة في آثار القيامة]، فلا نعيد الكلام.

↑صفحة ٧٢↑

نعم نوضح في مطاوي سردها حال الرواية والراوي جرحا وتعديلا، تتميما للفائدة، وتكميلا للعائدة، فنقول وبالله أجول وأصول.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى تملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
وعنه أيضا بلفظ «يلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلى» وزاد أبو داود «حتى يبعث الله فيه رجلا من أمتى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى، وسكت عليه، وقال في رسالته المشهورة: إن ما سكت عليه فهو صالح. وكلاهما حديث حسن صحيح، ورواه أيضا من طريق موقوفا على أبى هريرة.
وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة، وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال: وطرق عاصم عن زر(٦) عن عبد الله بن مسعود كلها صحيحة على ما أصلت من الاحتجاج بأخبار عاصم، إذ هو إمام من أئمة المسلمين، انتهى.
وقال فيه أحمد بن حنبل: كان رجلا صالحا قارئا للقرآن، خيرا ثقة، والأعمش أحفظ منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦) هو زر بن حبيش.

↑صفحة ٧٣↑

وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث. وقال العجلى: كان يختلف عليه في زر وأبى وائل. يشير بذلك إلى ضعف روايته عنهما.
وقال محمد بن سعد: كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.
وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب.
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم، قلت لأبى: إن أبا زرعة يقول:
عاصم ثقة، فقال: ليس محله هذا، وقد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ.
وقال أبو حاتم: محله عندي محل الصدق صالح الحديث، ولم يكن بذاك الحافظ. واختلف فيه قول النسائي.
وقال ابن خراش: في حديثه نكرة. وقال أبو جعفر العقيلي:
لم يكن فيه إلا سوء الحفظ. وقال الدارقطني: في حفظه شيء.
وقال يحيى القطان: ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته رديء الحفظ، وقال أيضا: سمعت شعبة يقول: حدثنا عاصم بن أبى النجود، وفي الناس ما فيه.
وقال الذهبي: ثبت في القراءة، وهو في الحديث دون الثبت صدوق فهم، وهو حسن الحديث.
وأخرج الشيخان له مقرونا بغيره، ولم يزد في الخلاصة على قوله: عاصم بن أبى النجود في ابن بهدلة ورمز لإخراج السنة له.
وعن أم سلمة رضي الله عنها بلفظ «المهدى من عترتي، من ولد

↑صفحة ٧٤↑

فاطمة». رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم في المستدرك من طريق على بن نفيل، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، ولفظه سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يذكر المهدى، فقال: «هو حق، وهو من بنى فاطمة» ولم يتكلم عليه بتصحيح ولا عيره وقد ضعفه أبو جعفر العقيلي. وقال: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به.
وفي الخلاصة: على بن نفيل النهدي أبو محمد الحراني عن ابن المسيب، وعنه الثوري، وأبو المليح الرقى، قال أبو حاتم: لا بأس به، قال أبو عروبة: مات سنة خمس وعشرين ومائة، أخرج له أبو داود وابن ماجه.
وعن على بن أبى طالب رضي الله عنه بلفظ «المهدى من أهل البيت يصلحه الله في ليلة» أخرجه أحمد وابن ماجه من رواية ياسين العجلى، عن ابراهيم بن محمد ابن الحنفية، عن أبيه عن جده.
وفي رواية «يصلح الله به في ليلة».
والعجلى قال فيه ابن معين: ليس به بأس.
وقال البخاري: فيه نظر، ونحوه في الخلاصة، وزاد. أخرج له ابن ماجه، وأورد له بن عدى في الكامل، والذهبي في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار، وقال: هو معروف.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه

↑صفحة ٧٥↑

وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام، وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ثم ينشأ رجل من قريش أحواله كلب، فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم (صلى الله عليه وسلم) ويلقى الإسلام بحرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين».
وقال بعضهم: تسع سنين، ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون، أخرجه أحمد، ورواه أبو داود أيضا من رواية صالح بن الخليل عن صاحب له، عن أم سلمة، ثم رواه أبو داود من رواية ابن الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم سلمة. فبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيح، لا مطعن فيهم، ولا مغمز.
وقد يقال: إنه من رواية قتادة عن ابن الخليل، وقتاده مدلس، وقد عنعنه. والمدلس: لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع.
والحديث وان كان ليس فيه تصريح بذكر المهدى، إلا أن أبا داود ذكره في أبوابه، ورواه الحاكم في المستدرك أيضا.
قال الشوكاني: وفي الصحيح أيضا طرف منه، وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح.
وفي الخلاصة: صالح بن خليل في ابن أبى مريم أخرج له الستة،

↑صفحة ٧٦↑

وقتادة بن دعامة السدوسي ابن الخطاب البصرى أحد الأئمة الأعلام حافظ مدلس. قال ابن المسيب: ما أتاني عراقي أحفظ منه. وقال ابن سيرين: قتادة أحفظ الناس. وقال ابن مهدى: أحفظ من خمسين مثل حميه، وقد احتج به أرباب الصحاح.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يسير ملك المشرق إلى المغرب فيقتله، فيبعث جيشا إلى المدينة فيخسف بهم، فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطير الواردة المتفرقة، حتى يجمع إليه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا فيهم نسوة فيظهر على كل جبار، وابن جبار ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم، فيحيا سبع سنين، ثم ما تحت الأرض خير مما فوقها» أخرجه الطبراني في الأوسط، وفي إسناده ليث بن أبى سليم وبقية رجاله رجال الصحيح.
قال في الخلاصة: قال أحمد مضطرب الحديث. وقال الدارقطني: إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاووس ومجاهد.
وعن أم سلمة أيضا بنحو ألفاظ الحديث الأول باختصار وفي الصحيح طرف منه، ورواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفي إسناده عمران القطان، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح.
وعن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
«أبشركم بالمهدى، رجل من قريش من عترتي، يبعث على اختلاف

↑صفحة ٧٧↑

من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحا. فقال له رجل: ما صحاحا؟ قال: بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) غناء، ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادى، فيقول: من له في مال حاجة، فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيقول: أنا، فيقول: ائت السادن - يعنى الخازن - فقل له: إن المهدي يأمر أن تعطيني مالا، فيقول له:
احث، حتى إذا جعله في حجره ندم، فيقول: كنت أخشع أمة محمد، فيرده، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه، فيكون كذلك سبع سنين أو تسع سنين. ثم لا خير في العيش بعده» أخرجه أحمد في المسند وأبو يعلى ورجالهما ثقات، وقد أخرجه الترمذي مختصرا.
وعن أبى سعيد أيضا بلفظ «ليقومن على أمتى رجل من أهل بيتي يوسع الأرض عدلا، كما وسعت ظلما يملك سبع سنين» أخرجه أبو يعلى، وفيه عدى بن أبى عمارة: قال العقيلي: في حديثه اضطراب وبقية رجاله رجال الصحيح، قاله الشوكاني.
وعنه أيضا بلفظ: «المهدى منى، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين» أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو داود وسكت عليه واللفظ له، وهو من طريق عمران القطان عن قتادة عن أبى بصرة، وعمران مختلف في الاحتجاج به، إنما أخرج له البخاري استشهادا لا أصلا

↑صفحة ٧٨↑

وكان يحيى القطان لا يحدث عنه. وقال ابن معين: ليس بالقوى.
وقال مرة: ليس بشيء. وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث. وقال يزيد بن زريع: كان حروريا، وكان يرى السيف على أهل القبلة. وقال النسائي: ضعيف.
وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه، فقال: من أصحاب الحسن، وما سمعت الأخير أو سمعته مرة أخرى ذكره، فقال: ضعيف، أفتى في أيام ابراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة، فيها سفك الدماء، ولكن ذلك كله لا ينافى الضبط والصدق الذين عليهما مدار الصحة والقوة، والله أعلم.
وعنه أيضا قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
«يخرج رجل من أمتى يقول بسنتي، ينزل الله (عزَّ وجلَّ) له القطر من السماء، وتخرج له الأرض بركتها، وتملأ الأرض منه قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما، يعمل على هذه الأمة سبع سنين، وينزل بيت المقدس» أخرجه الطبراني في الأوسط، قال الشوكاني:
وفي إسناده من لم يعرف، ولكنه أخرجه الترمذي، وابن ماجه باختصار، انتهى.
قلت: قال الطبراني فيه: رواه جماعة عن أبى الصديق، ولم يدخل أحد منهم بينه وبين أبى سعيد أحدا إلا أبا الواصل، فإنه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبى سعيد، انتهى.
وهذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبى حاتم، ولم يعرفه بأكثر

↑صفحة ٧٩↑

مما في هذا الإسناد من روايته عن أبى سعيد، ورواية أبى الصديق عنه، وقال الذهبي في الميزان: إنه مجهول، لكن ذكره ابن حبان في الثقات، وأما أبو الواصل الذي رواه عن أبى الصديق فلم يخرج له أحد من الستة، ذكره بن حبان في الطبقة الثانية.
وقال فيه: يروى عن أنس، وروى عنه شعبة، وعتاب بن بشر، والله أعلم.
وعنه أيضا بلفظ: «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده» أخرجه أحمد في المسند، وليس فيه تصريح بالمهدى، ولكن يشهد له حديث جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يكون في آخر أمتى خليفة يحثى المال حثيا، ولا يعده عدا» وعن أبى سعيد أيضا من طريق أخرى، قال «من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا».
ولكن لم يقع في هذين الحديثين أيضا ذكر المهدي ولا دليل يقوم على أنه المراد منهما، والله أعلم.
وعن ثوبان، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلوهم قتلا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئا لا أحفظه فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدى» أخرجه ابن ماجه ورجاله رجال الصحيحين إلا أن فيه أبا قلابة الجرمي، ذكر الذهبي وغيره أنه مدلس.

↑صفحة ٨٠↑

وفيه سفيان الثوري وهو مشهور بالتدليس، وكل منهما عنعن، ولم يصرح بالسماع.
وفيه عبد الرزاق بن همام، وكان مشهورا بالتشيع، وعمى في آخر وقته فخلط، قال بن عدى: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد، ونسبوه إلى التشيع.
وأخرجه الحاكم أيضا في المستدرك، وفي لفظ من حديثه، أخرجه الديلمي «ستطلع عليكم رايات سود من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج، فإنه خليفة الله المهدى».
وقد حمل قوم من علماء الهند هذا الحديث على خروج السيد أحمد البريلوي بتكلفات باردة مع أن السيد كان رجلا صالحا، حج وجاهد وغزى، ولم يدع المهدوية قط، ولم تكن تنبغي له هذه الدعوى.
وعن قرة بن إياس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
«لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا من أمتى اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبى يملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا فلا يمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها يلبث فيهم سبعا أو ثمانيا وتسعا - يعنى سنين -» أخرجه البزار، والطبراني في الكبير، والأوسط من طريق داود بن المحبر عن أبيه، وكلاهما ضعيف جدا.
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):

↑صفحة ٨١↑

«يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدى سلطانه» أخرجه ابن ماجه، والطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن جابر الحضرمي، وهو كذاب قال الطبراني: تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف، وإن شيخه عمرو بن جابر أضعف منه.
قال في[الخلاصة]قال النسائي: ليس بثقة، وأخرج له الترمذي وابن ماجه.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: حدثني خليلي أبو القاسم (صلى الله عليه وسلم): «لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي، فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق. قال: قلت: وكم يملك؟ قال: خمسا واثنتين، قال قلت: وما خمسا واثنتين؟ قال: لا أدرى» أخرجه أبو يعلى، وفيه الرجا ابن الرجا، وثقه أبو زرعة، وضعفه ابن معين، وبقية رجاله ثقات، قاله الشوكاني: قلت: وفيه بشير ابن نهبك، قال فيه أبو حاتم: لا يحتج به، لكن احتج به الشيخان، ووثقه الناس، ولم يلتفتوا إلى قول أبى حاتم فيه نعم فيه رجاء اليشكري مختلف فيه، قال أبو زرعة: ثقة، وقال ابن معين:
ضعيف، وقال أبو داود مرة: صالح، ومرة ضعيف، وعلق له البخاري في صحيحه حديثا واحدا.
وعنه أيضا قال «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
«المحروم من حرم عليه كلب» أخرجه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة وهو لين، وعنه أيضا قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٨٢↑

المهدى فقال: «يكون في أمتى المهدى، إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع، يملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما» رواه البزار ورجاله ثقات، قاله الشوكاني.
وعنه أيضا كالذي قبله، وزاد فيه «تنعم أمتى فيها نعمة لم ينعموا بمثلها، ترسل السماء عليهم مدرارا، ولا تدخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول: يا مهدى أعطني، فيقول: خذ» أخرجه الطبراني في الأوسط، والبزار في مسنده، قال الشوكاني: ورجاله ثقات، انتهى.
أقول: قال الطبراني، والبزار: تفرد به محمد بن مروان العجلى، زاد البزار: ولا نعلم أنه تابعه عليه أحد، وهو وإن وثقه أبو داود وابن حبان أيضا لما ذكره في الثقات، وقال فيه ابن معين: صالح، وقال مرة: ليس به بأس، فقد اختلفوا فيه، وقال أبو زرعة: ليس عندي بذاك، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت العجلى حدث بأحاديث وأنا شاهد لم نكتبها، تركتها على عمد، وكتب بعض أصحابنا عنه كأنه ضعفه.
وعنه أيضا بلفظ «لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يلى رجل من أهل بيتي» أخرجه الديلمي.
وعنه أيضا بلفظ «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر البطون، ويقتل الصبيان فيجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج

↑صفحة ٨٣↑

رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جندا من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف به، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم» أخرجه الحاكم في المستدرك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يخرج في آخر أمتى المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطى المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانية» - يعنى حججا - أخرجه الحاكم في المستدرك ومن طريق سليمان بن عيينة عن أبى الصديق الناجي، ورواه عن أبى سعيد الخدري أيضا، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه مع أن سليمان لم يخرج له أحد من الستة، لكن ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو أن أحدا تكلم فيه.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يكون في أمتى خليفة يحثو المال في الناس حثيا لا يعده» أخرجه الدارقطني، قال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح، انتهى. وأصله في صحيح مسلم بلفظ «في آخر أمتى».
وعن طلحة بن عبيد الله، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «ستكون فتنة لا يسكن عنها جانب إلا تشاجر جانب حتى ينادى منادى من السماء أميركم فلان» أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه

↑صفحة ٨٤↑

مثنى بن الصباح، وهو متروك وضعيف جدا، ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه أيضا.
وليس في الحديث تصريح بذكر المهدى، وإنما ذكروه في أبوابه وترجمته استئناسا.
وعن على بن أبى طالب رضي الله عنه، أنه قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) «أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منا، بنا يختم الله كما بنا فتح الله، وبنا يستنقذون من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، قال على: أمؤمنون أم كافرون؟ قال مفتون وكافر» أخرجه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف معروف الحال وفيه عمرو بن جابر الحضرمي، وهو أضعف منه.
وقال الشوكاني: هو كذاب، وقال أحمد: روى عن جابر مناكير وبلغني أنه كان يكذب، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال:
كان ابن لهيعة شيخا أحمق ضعيف العقل، وكان يقول: على في السحاب، وكان يجلس معنا فيبصر سحابة، فيقول هذا على قد مر في السحاب.
وعنه أيضا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «تكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها، كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبقوا أهل الشام، ولكن سبوا أشرارهم فإن فيهم الأبدال، يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء فيغرق جماعتهم

↑صفحة ٨٥↑

حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم، فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات، المكثر يقول لهم: خمسة عشر ألفا والمقلل يقول: اثنا عشر، أمارتهم أمت أمت يلقون سبع رايات تحت كل راية رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا، ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعيمهم وقاصيهم ودانيهم» أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف قال الشوكاني: وبقية رجاله ثقات، انتهى. ورواه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وفي رواية «ثم يظهر الهاشمي، فيرد الله الناس إلى ألقتهم، وليس في هذا الطريق ابن لهيعة، وهو إسناد صحيح كما ذكر.
وعنه أيضا من رواية أبى الطفيل عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند على رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدى، فقال على: هيهات ثم عقد بيده سبعا، فقال: ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل، ويجمع الله له قوما قزع كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد، ولا يفرحون بأحد دخل فيهم، عدتهم على عدة أهل بدر، لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، قال أبو الطفيل: قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم، قال: فإنه يخرج من هذين الأخشبين، قلت: لا جرم والله لا أدعها حتى أموت، ومات بها، يعنى مكة، أخرجه الحاكم في المستدرك وقال:
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، انتهى.

↑صفحة ٨٦↑

وإنما هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمار الذهبي ويونس بن أبى إسحاق، ولم يخرج لهما البخاري، وفيه عمرو بن محمد العبقري، ولم يخرج له البخاري احتجاجا، بل استشهادا: ومع ما ينضم إلى ذلك من تشيع عمار الذهبي، وهو وإن وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم فقد قال على بن المديني عن سفيان أن بشر ابن مروان قطع عرقوبيه، قلت: في أي شيء؟ قال: في التشيع.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالسا في نفر من المهاجرين والأنصار، وعلى بن أبى طالب عن يساره، والعباس عن يمينه إذ تلاقى العباس ورجل فأغلظ الأنصاري للعباس، فأخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد العباس وبيد على، فقال: سيخرج من صلب هذا من يملأ الأرض قسطا وعدلا، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي، فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدى» أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة، وعبد الله بن عمر العمى، وهما ضعيفان. قال الهيثمي في [مجمع الزوائد]: ولكن الحديث منكر، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يستقبل أحد في وجهه شيئا يكرهه، وخاصة عمه العباس الذي قال فيه إنه صنو أبيه.
وعن أبى سعيد رضي الله عنه بلفظ «إن في أمتى المهدي يخرج ويعيش خمسا أو سبعا أو تسعا. فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدى أعطني أعطني، فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله»

↑صفحة ٨٧↑

أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن؛ وقد روى من غير وجه عن أبى سعيد عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأخرجه ابن ماجه والحاكم من طريق زيد العمى عن أبى الصديق الناجي.
وعن الحسين رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لفاطمة رضي الله عنها: «أبشري، المهدي منك». ذكره في كنز العمال، وقال فيه: موسى بن محمد البلعادي عن الوليد بن محمد الموقري، وهما كذابان.
وعن حذيفة بلفظ «المهدى رجل من ولدى وجهه كالكوكب الدري» أخرجه الروياني.
وعن الصدفي بلفظ «ستكون بعدى خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا، كما ملئت جورا يؤمر بعده القحطاني، فو الذي بعثني بالحق ما هو بدونه» أخرجه الطبراني في الكبير.
وعن ابن عباس بلفظ «لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدى في أوسطها» أخرجه أبو نعيم في أخبار المهدى.
وعن أبى سعيد بلفظ «منا الذي يسلى عيسى بن مريم خلفه» أخرجه أبو نعيم في كتاب[المهدى].
وعن على بن أبى طالب بلفظ «لو لم يبق من الدهر إلا يوم

↑صفحة ٨٨↑

لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا» أخرجه أحمد في المسند وأبو داود في السنن، وفيه قطن بن خليفة وإن وثقه أحمد ويحيى بن القطان وابن معين والنسائي وغيرهم إلا أن العجلى قال: حسن الحديث، وفيه تشيع قليل؛ وقال ابن معين مرة ثقة شيعي. وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: كنا نمر على قطن وهو مطروح لا نكتب عنه.
وقال مرة: كنت أمر به وأدعه مثل الكلب. وقال الدارقطني:
لا يحتج به؛ وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء دينه. وقال الجرجاني: زائغ غير ثقة.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يخيس الروم على وال من عترتي يواطئ اسمه اسمى فيقتتلون بمكان يقال له: العماق، فيقتل من المسلمين الثلث أو نحو ذلك، ثم يقتتلون اليوم الآخر، فيقتل من المسلمين نحو ذلك، ثم يقتتلون اليوم الثالث، فيكرون على أهل الروم فلا يزالون حتى يفتحون القسطنطينية، فبينما هم يقتسمون فيها بالأتراس إذ أتاهم صارخ أن الدجال قد خلفكم في ذراريكم، أخرجه الخطيب في المتفق، والمفترق.
وعنه أيضا بلفظ «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون من بعدى بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق

↑صفحة ٨٩↑

فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبى، فيملك الأرض فيملأها قسطا وعدلا، كما ملأها جورا وظلما، فمن أدرك ذلك منكم أو من أعقابكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج» أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك، هكذا ذكره الشوكاني في التوضيح، وأورده ابن خلدون في كتابه (العبر) من حديث ابن مسعود، عن طريق يزيد بن زياد، عن إبراهيم عن علقمة بلفظ قال: «بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إذ أقبل فتية من بنى هاشم، فلما رآهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذرفت عيناه وتغير لونه، قال: فقلت: ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه، فقال: إنا أهل البيت إلخ»، وهذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايات، ويزيد بن أبى زياد راويه، قال فيه شعبة: كان رفاعا، يعنى يرفع الأحاديث التي لا تعرف مرفوعة، وقال محمد بن الفضيل: كان من كبار أئمة الشيعة.
وقال أحمد بن حنبل: لم يكن الحافظ، وقال مرة: حديثه ليس بذاك، وقال يحيى بن معين: ضعيف، وقال العجلى: جائر الحديث وكان بآخره يلقن، وقال أبو زرعة يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقال أبو حاتم: ليس بالقوى، وقال الجرجاني: سمعتهم يضعفون حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه، وغيره أحب إلى منه.

↑صفحة ٩٠↑

وقال ابن عدى: هو من شيعة أهل الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه، وروى له مسلم لكن مقرونا بغيره، وبالجملة فالأكثرون على ضعفه وقد صرح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الذي رواه عن إبراهيم عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، وهو حديث الرايات، وقال وكيع بن الجراح فيه: ليس بشيء، وكذلك قال أحمد وقال أبو قدامة: سمعت أبا أسامة يقول في حديث يزيد عن إبراهيم في الرايات: لو حلف عندي خمسين يمينا قسامة ما صدقته، أهذا مذهب إبراهيم، أهذا مذهب علقمة، أهذا مذهب عبد الله؟ وأورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء. وقال الذهبي ليس بصحيح.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه أيضا بلفظ المهدي «يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى» ذكره في كنز العمال.
وعن أبى أمامة بلفظ «سيكون بينكم وبين الروم أربع هدن» الرابعة على يد رجل من آل هارون يدوم سبع سنين، قيل:
يا رسول الله، من إمام الناس يومئذ؟ قال: من ولدى، ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب درى، في خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بنى إسرائيل يملك عشر سنين يخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك» أخرجه الطبراني في الكبير.
وعن أبى سعيد بلفظ «ستكون بعدى فتن: منها فتنة الأحلاس يكون فيها هرب وحرب، ثم بعدها فتن أشد منها ثم تكون فتنة كلما قيل: انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت إلا دخله ولا مسلم

↑صفحة ٩١↑

إلا شكته حتى يخرج رجل من عترتي» رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن.
وعن عمرو بن سعيد عن أبيه، عن جده بلفظ «في ذي القعدة تجاذب القبائل وعامئذ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى حتى يهرب صاحبهم فيبايع بين الركن والمقام، وهو كاره يبايعه مثل عدة أهل بدر يرضى عنه ساكن السماء، وساكن الأرض» أخرجه أبو نعيم ابن حماد في الفتن والحاكم في المستدرك.
وعن ابن عباس بلفظ «منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدى» أخرجه البيهقي وأبو نعيم والخطيب.
وعن أبى سعيد الخدري «بلفظ منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح ومنا المهدى، فأما القائم فتأتيه الخلافة لم تهرق فيها محجمة بدم، وأما المنصور فلا تدركه راية، وأما السفاح فهو يسفح المال والدم، وأما المهدي فيملأها عدلا كما ملئت جورا» أخرجه الخطيب.
وعنه أيضا بلفظ «يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن وانقطاع من الزمن أمير أول ما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل فيحثى له في حجره، يهمه من يقبل منه صدقة ذلك اليوم لما يصيب الناس من الفرح» أخرجه العقيلي وابن عساكر.
وعن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي وهو بلفظ حديث الصدفي المتقدم، أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.

↑صفحة ٩٢↑

وعن شهر بن حوشب مرسلا بنحو حديث عمرو بن سعيد السابق، أخرجه نعيم بن حماد.
وعن عثمان بلفظ «المهدى من ولد عباس عمى» أخرجه الدارقطني في الإفراد، والسيوطي في الجامع الصغير.
وعن أبى هريرة بلفظ «يا عم، إن الله ابتدأ الإسلام بي وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم» أخرجه أبو نعيم في الحلية.
وعن عمار بن ياسر بلفظ «يا عباس إن الله بدأ بي هذا الأمر وسيختمه بغلام من ولدك يملأها عدلا كما ملئت جورا، وهو الذي يصلى بعيسى بن مريم» أخرجه الدارقطني في الإفراد، والخطيب وابن عساكر.
قال الشوكاني في التوضيح قلت: ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث وبين سائر الأحاديث المتقدمة بأنه من ولد العباس من جهة أمه فإن أمكن الجمع بهذا وإلا فالأحاديث أنه من ولد النبي (صلى الله عليه وسلم) أرجح وأما حديث أنس الذي أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك بلفظ «لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدبارا ولا الناس إلا سيئا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدى إلا عيسى بن مريم» فيمكن أن يقال في تأويله لا مهدى كامل، ولا شك أن عيسى أكمل من المهدي لأنه نبي الله.
وهذا التأويل متحتم لمخالفة ظاهرة للأحاديث المتواترة كما

↑صفحة ٩٠↑

سردناها انتهى، قلت حديث «لا مهدى إلا عيسى» أخرجه محمد ابن خالد الجندي عن أنس أيضا، وسنده مختلف عليه، وفيه راو مجهول وضعفه الحفاظ، وفيه اضطراب وانقطاع كما قال الحافظ ابن القيم، وأحاديث المهدي أصح إسنادا منه.
وفي الباب روايات عن جماعة من الصحابة، قال السفاريني:
الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى، وأنه يخرج قبل نزوله (عليه السلام)، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عد من معتقداتهم.
وعن على بن على الهلالي، وهو حديث طويل، والذى يتعلق بما نحن بصدده «يا فاطمة والذى بعثني بالحق إن منها - يعنى الحسنين - مهدى هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا مرجا، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا، ولا صغير يوقر كبيرا، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به أول الزمان، ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا» أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بطوله، وفيه الهيثم بن حبيب، قال أبو حاتم منكر الحديث: وهو متهم بهذا الخبر، كذا نقله الهيثمي في فضائل أهل البيت من كتابه[مجمع الزوائد]فلينظر هنا لك.

↑صفحة ٩٤↑

وعن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «من كذب بالمهدى فقد كفر، ومن كذب بالدجال فقد كذب، وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك وفيما أحسب» أخرجه أبو بكر بن خيثمة في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي على ما نقله السهيلي، ورواه أبو بكر الإسكاف في[فوائد الأخبار]مستندا إلى مالك بن أنس، عن محمد بن المنكدر عن جابر قال السفاريني: وسنده مرضى.
قال ابن خلدون: وحسبك هذا غلوا والله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنس على أن أبا بكر الإسكاف عندهم متهم وضاع.
وعن أبى أسحق النسفي قال: قال على ونظر إلى ابنه الحسن إن ابنى هذا سيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا» أخرجه أبو داود عن طريق مروان ابن المغيرة عن عمر بن أبى قيس عن شعيب بن أبى خالد عن النسفي.
وقال هارون حدثنا عمر بن أبى قيس عن مطرف بن طريف عن أبى الحسن عن هلال بن عمر سمعت عليا يقول: قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له: منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجب على كل مؤمن نصره أو قال:
لمهابته، وسكت عليه أبو داود، وقال في موضع آخر في هارون:
هو من ولد الشيعة.

↑صفحة ٩٥↑

وقال سليمان: فيه نظر. وقال أبو داود في عمر بن أبى قيس لا بأس به، في حديثه خطأ، وقال الذهبي: صدوق له أوهام، وأما أبو اسحاق النسفي، وإن خرج عنه في الصحيحين، فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره ودولته عن على منقطعة، وكذلك رواية أبى داود عن هارون بن المغيرة، وأما السند الثاني ففيه أبو الحسن وهلال بن عمر وهما مجهولان، ولم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه. انتهى.
وعن أبى سعيد بلفظ «المهدى منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، يعيش هكذا وبسط يساره وأصبعين من يمينه - السبابة والإبهام - وعقد ثلاثة» أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، انتهى وفيه عمران القطان، عن قتادة عن أبى بصرة وعمران مختلف في الاحتجاج به، إنما أخرج له البخاري استشهادا لا أصلا كما تقدم.
وعنه أيضا نحو حديث أبى هريرة المتقدم الذي فيه ذكر كدوس، أخرجه ابن ماجه والحاكم من طريق زيد العمى، عن أبى الصديق الناجي وزيد العمى وإن قال فيه الدارقطني وأحمد وابن معين: إنه صالح وزاد أحمد أنه فوق يزيد الرقاشي وفضل بن عيسى.
إلا أنه قال فيه أبو حاتم ضعيف يكتب حديثه، ولا يحتج به.

↑صفحة ٩٦↑

وقال ابن معين في رواية أخرى: لا شيء، وقال الجرجاني:
متماسك، وقال أبو زرعة: ليس بقوى واهي الحديث ضعيف.
وقال أبو حاتم أيضا: ليس بذاك، وقد حدث عنه شعبة.
وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدى: عامة من يروى عنهم وما يرويه ضعفاء، على أن شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه.
وعنه أيضا بلفظ «إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا أو تسعا فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» أخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وإنما جعله على شرط مسلم، لأنه أخرجه عن حماد بن سلمة عن شيخه مطر الوراق، وأما شيخه الآخر وهو أبو هارون العبدى فلم يخرج له، وهو ضعيف جدا متهم بالكذب، ولا حاجة إلى بسط القول عن الأئمة في تضعيفه.
وأما الراوي له عن حماد بن سلمة وهو أسد بن موسى يلقب «أسد السنة» وإن قال البخاري: مشهور الحديث، واستشهد به في صحيحه، واحتج به أبو داود والنسائي إلا أنه قال مرة أخرى: ثقة لو لم يصنف كان خيرا له، وقال فيه محمد بن حزم: منكر الحديث.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: نحن ولد عبد المطلب، سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلى وجعفر والحسن والحسين والمهدى» أخرجه ابن

↑صفحة ٩٧↑

ماجه من طريق سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن على بن زياد اليماني عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله عن أنس وعكرمة بن عمار، وإن أخرج له مسلم فإنما أخرج له متابعة، وقد ضعفه بعض ووثقه آخرون. وقال أبو حاتم الرازي: هو مدلس فلا يقبل لا أن يصرح بالسماع.
وعلى بن زياد قال الذهبي في الميزان: لا ندرى من هو؟ ثم قال: الصواب فيه: عبد الله بن زياد، وسعد بن عبد الحميد، وإن وثقه يعقوب بن أبى شيبة، وقال فيه ابن معين: ليس به بأس، فقد تكلم فيه الثوري، قالوا: لأنه رآه يفتى في مسائل ويخطئ فيها، وقال ابن حبان: كان ممن فحش خطاؤه فلا يحتج به، وقال أحمد:
سعد يدعى أنه سمع عرض كتب مالك، والناس ينكرون عليه ذلك، وهو هاهنا ببغداد لم يحج فكيف سمعها؟ وجعله الذهبي ممن لم يقدح فيه كلام من تكلم فيه.
وعن ابن عباس موقوفا عليه، قال مجاهد «قال لي ابن عباس لو لم أسمع أنك مثل أهل البيت ما حدثنك بهذا الحديث، قال: فقال مجاهد: فإنه في ستر لا أذكره لمن يكره قال: فقال ابن عباس: منا أهل البيت أربعة: منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي قال: فقال مجاهد: بين لي هؤلاء الأربعة؟ فقال ابن عباس: أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه، وأما المنذر أراه قال:
إنه يعطى المال الكثير، ولا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من

↑صفحة ٩٨↑

حقه، وأما المنصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويرهب منه عدوه على مسيرة شهرين، والمنصور يرهب منه عدوه على مسيرة شهر. وأما المهدي فالذى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وتأمن البهائم والسباع وتلقى الأرض أفلاذ أكبادها، قال: قلت: وما أفلاذ أكبادها؟ قال أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة» أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن أبيه، وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه، وإن خرج له مسلم، فالأكثرون على تضعيفه.
وعن جعفر عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أبشروا أبشروا إنما مثل أمتى مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم أوله، أو كحديقة أطعم فيها فوج عاما ثم أطعم فيها موج عاما لعل آخرها فوجا أن يكون أعرضها عرضا، وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا كيف تهلك أمة أنا أولها، والمهدى وسطها، وعيسى بن مريم آخرها، ولكن بين ذلك فيج أعوج ليسوا منى ولا أنا منهم» أخرجه رزين وأبو نعيم.
وعن ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «إذا رأيتم الرايات السود جاءت من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدى»

↑صفحة ٩٩↑

رواه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة، وسنده صحيح، وتقدم نحوه عن ثوبان مطولا برواية ابن ماجة.
وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: «ستكون بعدى بعوث كثيرة، فكونوا في بعث خراسان» رواه ابن عدى وابن عساكر والسيوطي في الجامع الصغير وليس فيه ذكر المهدى.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنتصب بإيليا» رواه الترمذي، وحمله بعض علماء الهند من أهل المشرق على المهدي الأوسط، ثم حمله على السيد أحمد البريلوي، لأنه جاهد في الناحية الغربية من الهند، وجاءت راياته من قبل خراسان، وفي هذا الاستدلال نظر واضح، بل ليس عليه أثارة من علم، والسيد قد غزى واستشهد فرحمه الله تعالى، ولم يدع المهدوية قال السفاريني: إن الواجب اعتقاده من ذلك ما دلت عليه الأخبار الصحيحة، والآثار الصريحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال، وينزل عيسى (عليه السلام) في زمانه، وهو المراد حيث أطلق المهدي وأما المذكورون قبله فلم يصح فيهم شيء، والذين من بعده فأمراء صالحون، لكن ليسوا مثله فهو آخرهم في الوجود وإمامهم وخيرهم وأفضلهم في الحقيقة.
والمراد غير عيسى بن مريم فإنه رسول كريم من أولى العزم وهو آية وعلامة وحده، فيجب الإيمان بخروج المهدي ونزوله

↑صفحة ١٠٠↑

وخروج الدجال اللعين، انتهى. وهذا القول صريح في نفى المهديين قبل المهدي الموعود، وأن من ادعى ذلك فإنه دعوى لا تصح ولا توافقه الأدلة والله أعلم.
وعن أبى سعيد الخدري، قال: «ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي وأهل بيتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدع السماء من قطرها شيئا إلا صبته، ولا تدع الأرض من نباتها شيئا إلا أخرجته حتى يتمنى الأحياء الأموات، يعيش في ذلك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين» أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، وقد تقدم نحوه، قال القرطبي:
ويروى هذا من غير وجه عن أبى سعيد الخدري.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «العجب أن أناسا من أمتى يؤمنون البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسفهم، فيهم المنتفر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم» رواه مسلم وليس في ذلك تصريح بالمهدى.
وعن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «لا تزال طائفة من أمّتى يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال:
فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا،

↑صفحة ١٠١↑

إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة» رواه مسلم.
وليس فيه أيضا ذكر المهدى، ولكن لا محمل له ولأمثاله من الأحاديث إلا المهدي المنتظر، لما دلت على ذلك الأخبار المتقدمة والآثار الكثيرة.
هذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدى، وهى كما رأيت يقوى بعضها بعضا، وفيه ثمانية وعشرون أثرا عن الصحابة الكبار عند أهل العلم بالحديث، ومثله لا يقال بالرأي.
وقد امتلأت كتب المتأخرين من المتصوفة والمشائخ في أمر الفاطمى المنتظر، ولم يكن المتقدمون منهم يخوضون في شيء من هذا، إنما كان كلامهم في المجاهدة بالأعمال، وما يحصل منها من نتائج المواجد، والأحوال، حتى أكثر القول فيه، وفي شأنه كله ابن العربى الحاتمي، في كتاب[عنقاء مغرب] وابن قبى في كتاب [خلع النعلين] وعبد الحق بن سبعين وابن أبى، وأطال تلميذه في شرحه لكتاب[خلع النعلين] وأغلب كلماتهم في شأنه ألغاز وأمثال وربما يصرحون في الأقل أو يصرح مفسروا كلامهم وكأنه كله مبنى على أصول واهية، وربما يستدل بعضهم بكلام المنجمين في القرانات، وهو من نوع الكلام في الملاحم ومذاهب الصوفية، وأقوالهم ليست من غرضنا في هذا الكتاب، ولا في غيره، فإنا لا نتمسك في الدين إلا بالقرآن والحديث ولا ندين الله إلا بهما.
و قد بسط القول في ذلك القاضي بن خلدون في كتابه[العبر]

↑صفحة ١٠٢↑

ورد عليهم في هذا ردا مشبعا، ثم قال: والحق الذي ينبغي أن يتقرر لديك أنه لا يتم دعوة من الدين والملك، إلا بوجود شوكة عصبية تظهره وتدافع عنه حتى يتم أمر الله، وقد قررنا ذلك من قبل بالبراهين القطعية التي أريناك هناك وعصبية الفاطميين، بل وقريش أجمع قد تلاشت من جميع الآفاق، ووجد أمم آخرون قد استعملت عصبيتهم على عصبية قريش، إلا ما بقى بالحجاز في مكة، وينبغ بالمدينة من الطالبين من بنى حسن وبنى حسين، وبنى جعفر، منتشرون في تلك البلاد، وغالبون عليها، وهم عصائب بدوية متفرقون في مواطنهم وأمارتهم وآرائهم، يبلغون آلافا من الكثرة، فإن صح ظهور هذا المهدى، فلا وجه لظهور دعوته إلا بأن يكون منهم، ويؤلف الله بين قلوبهم في أتباعه حتى تتم له شوكة وعصبية وافية بإظهار كلمته، وحمل الناس عليها، وإما على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا الأمر في أفق من الآفاق من غير عصبية، ولا شوكة إلا مجرد نسبة في أهل البيت، فلا يتم ذلك، ولا يمكن لما أسلفناه من البراهين الصحيحة، انتهى. أقول: لا شك في أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الأخبار في الباب، واتفق عليه جمهور الأمة سلفا عن خلف، إلا من لا يعتد بخلافه.
وليس القول بظهوره بناء على أقوال الصوفية ومكاشفاتهم، أو أهل التنجيم، أو الرأي المجرد، بل إنما قال به أهل العلم لورود

↑صفحة ١٠٣↑

الأحاديث الجمة في ذلك، فقول ابن خلدون: فإن صح ظهوره، لا يخلو عن مسامحة ونوع إنكار من خروجه، وتلك الأحاديث واردة عليه، وليست بدون من الأحاديث التي ثبتت بها الأحكام الكثيرة المعمول بها في الإسلام، وما ذكر من جرح الرواة وتعديلهم يجرى في رجال الأسانيد الأخرى أيضا بعينه أو بنحو، فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة إلى حد التواتر، وإما أنه لا تتم شوكة أحد إلا بالعصبية فنعم، ولكن الله تعالى قادر على خرق العادة، ويؤيد دينه كيف يشاء.
وهذا الاحتمال وإن كان مطابقا لما في الخارج فلا يصلح لأن ترد به الأحاديث النبوية، فهذا زلة صدرت من ابن خلدون رحمه الله تعالى، وليست من التحقيق في صدر ولا ورد فلا تغتر به واعتقد ما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفوض حقائقه إليه تعالى تكن على بصيرة من أمر دينك.
قال الشيخ العلامة محمد بن أحمد السفاريني الحنبلى في كتابه:
[لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضيئة في عقد الفرقة المرضية] وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير ما ذكر منهم بروايات متعددة، وعن التابعين ومن بعدهم ما يفيد مجموعة العلم القطعي. فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو

↑صفحة ١٠٤↑

مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة، ونقل العلامة الشيخ المرعى في كتابه[فوائد الفكر]عن محمد بن الحسين أنه قال: قد تواترت الأحاديث واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته (صلى الله عليه وسلم). انتهى.
وجملة القول في المهدي أنه من ولد فاطمة من أولاد الحسن (عليه السلام) وقيل من نسل الحسين، وقيل من ولد عباس، والأول أصح، وقال بعض حفاظ الأمة وأعيان الأئمة: أن كون المهدي من ذريته (صلى الله عليه وسلم) مما تواتر عنه فلا يسوغ العدول والالتفات إلى غيره. قال ابن حجر: يمكن الجمع بأن ولادته العظمى من الحسن، أو الحسين وللآخر فيه ولادة من جهة بعض أمهاته، وكذلك للعباس ولادة أيضا، ولا مانع من اجتماع ولادات متعددات في شخص واحد من جهات مختلفة، واسمه محمد أو أحمد، والأول أشهر واسم أبيه عبد الله.
قال في اللوامع: ولم نقف على اسم أم المهدي بعد الفحص والتتبع، انتهى. وكنيته أبو القاسم أو أبو عبد الله.
وإنما سمى المهدي لأنه يهدى إلى أمر خفى، أو إلى جبل من جبال الشام، ويخرج منها أسفار التوراة والإنجيل يحاج بها اليهود والنصارى، فيسلم على يده جماعة منهم، ولقبه جابر لأنه يجبر قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويقهر الجبارين والظالمين ويقصمهم،

↑صفحة ١٠٥↑

ومولده بالمدينة، وقال القرطبي: ببلاد المغرب، ومهاجره بيت المقدس، ومبايعته بمكة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء أو سيرته العمل بكتاب الله وسنة رسوله ولا يقلد أحد، بل يشتد غضبه على المقلدين. قال السفاريني في اللوامع: يقاتل على السنة لا يترك سنة إلا أقامها، ولا بدعة إلا رفعها يقوم بالدين آخر الزمان، كما قام به النبي (صلى الله عليه وسلم) أوله، انتهى.
وزاد في الفتوحات: أعداؤه المقلدة، وأما مدته فاختلفت الروايات فيها، ففي بعضها يملك خمسا أو سبعا أو ستا بالترديد، وفي بعضها تسعة عشر سنة وأشهر، أو في بعضها عشرين وفي بعضها ثلاثين، وفي بعضها أربعين، منها تسع سنين يهادن الروم فيها.
قال السفاريني: ويمكن الجمع على تقدير صحة الكل بأن ملكه متفاوت الظهور والقوة فيحمل الأكثر باعتبار جميع مدة الملك منذ البيعة، والأقل على غاية الظهور، والأوسط على الأوسط، انتهى. وقواه في الإشاعة، وعندي أن الأصح من ذلك ما ورد في الأحاديث الصحيحة، والله أعلم، وله أمارات يعرف بها ذكرها في الإشاعة، وعلامات جاءت بها الآثار، ودلت عليها الأحاديث والأخبار ذكرها الشيخ مرعى في[فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر].

↑صفحة ١٠٦↑

باب في الفتن الواقعة قبل خروجه
منها حسر الفرات عن جبل من ذهب، ومنها خروج السفياني، والأبقع، والأصهب، والأعرج الكندي، والمنصور، والحارث، وهى صفات وألقاب لا أسماء لهم فليعلم ومنها قتال الخراساني بالسفياني، وخروج رجل من كلب يقال له كنانة والملحمة الكبرى وذلك بعد هلاك السفياني، ومنها قتل النفس الزكية وهى غير من قتل في زمن المنصور العباسي.
وطلوع الرايات السود من قبل خراسان، وقذف الأرض أفلاذ كبدها من الذهب والفضة، وخسف معدن في الحجاز وخسف قرية بالفوطة غربي دمشق وخسف بالبيداء، وانكساف الشمس والقمر في رمضان، وطلوع القرن ذي السنين، وطلوع النجم ذي الذنب، وخسوف القمر مرتين، وخروج نار من قبل المشرق ووقعة بالمدينة عظيمة، والنداء من السماء أن الحق في آل محمد، وطلوع الكف من السماء، وإخراج كنز الكعبة وخزانيها، وكون الخمسين امرأة قيم واحد، وفتح القسطنطينية والرومية، وخروج الدجال.
وفي كل ذلك أخبار وآثار ثابتة ذكرناها في حجج الكرامة، وذكرها السيد محمد في الإشاعة مبسوطة مفصلة فيها طوبى لمن أدركه

↑صفحة ١٠٧↑

وكان من أنصاره، والويل كل الويل لمن خالفه، وخالف أمره.
وقال الإمامية: إن المهدى، وهو محمد بن الحسن العسكري، وهو دعوى بلا دليل وقال السفاريني: ذلك ضرب من الجنون والهذيان، ثم ردها عليهم ردا بالغا، وقال: فعلى عقولهم العفار، وعلى أفهامهم البوار، ما أضل علومهم وأبلد فهومهم، انتهى.
وادعى محمد بن تومرت الظالم المتغلب أنه المهدي كذا قال في الإشاعة وذكر الشيخ على المتقي في رسالته: أن في زمانه خرج رجل بالهند ادعى أنه المهدي المنتظر، واتبعه خلق كثير، انتهى.
قلت: وهذا هو السيد محمد الجونفوري الذي تقدم ذكره.
قال: وظهر بجبال شهروز، بقرية أزمك رجل يسمى «محمدا» وادعى أنه المهدى.
وظهر رجل بجبال عقر، أو العمادية، ويسمى عبد الله وادعى المهدوية، انتهى.
قلت: وادعى جماعة من المشائخ والصوفية أنهم المهدويون، ثم تابوا عن هذه الدعوى المنتنة. فهؤلاء الذين ادعوا المهدوية بالباطل، واتبعهم بعض السفهاء، وحصلت منهم فتن ومفاسد كثيرة في الدين، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في حجج الكرامة، فلا نطول بذكرها هنا.

↑صفحة ١٠٨↑

القطر الشهدي في اوصاف المهدي لشهاب الدين الحلواني

منظومة تشتمل على خمسة وخمسين بيتا حول أوصاف المهدي (ع) للعلامة شهاب الدين أحمد بن محمد اسماعيل الحلواني الخليجي الشافعي المتوفي (؛ ١٣٠٨).
طبع مع شرحه في ١٣٠٨ ثم ملحقا بكتاب فتح رب الأرباب بمصر سنة ١٣٤٥ بمطبعة المعاهد.

↑صفحة ١٠٩↑

العطر الوردي بشرح القطر الشهدي لمحمد البلبيسي الشافعي (١٣٠٨)

هذه الرسالة تشتمل على منظومة وشرحها لرجلين معاصرين أما المنظومة فهي المسماة بـ «القطر الشهدي في اوصاف المهدي» وتحتوي على خمسة وخمسين بيتا حول اوصاف الحجة الامام المهدي المنتظر (ع) مأخوذة من الاحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد.
نظمه شهاب الدين احمد بن اسماعيل الحلواني الخليجي الشافعي المصري (١٢٤٩ - ١٣٠٨) كان عالما شاعرا من أدباء مصر، مولده ووفاته في بلدة رأس الخليج قرب دمياط من اعمال الغربية بمصر.
وله: «الاشارة الاصفية، فيما لا يستحيل بالانعكاس في صورة الرسمية ط»، «البشرى باخبار الاسراء والمعراج الأسرى»، «الجمال المبين على الجوهر

↑صفحة ١١١↑

الثمين، في الصلوة على أشرف المرسلين»، «القصيدة الحلواء في مدح بني الزهراء»(٧).
واما الشرح فهو كتاب «العطر الوردي بشرح القطر الشهدي» للأديب المحدث الفاضل محمد البلبيسي بن محمد بن احمد الحسيني الشافعي المصري، كان من الفضلاء المعروفين ومسؤول تصحيح قسم العلوم بدار الطباعة ببولاق مصر، ولم نجد فيما بأيدينا من كتب التراجم عنوانا للشارح، وشرحه هذا للمنظومة - كما ترى - يكفينا ويكفي كل قارئ لبيب للوقوف على طول باع الشارح وسعة اطلاعه ومقامه في الأدب والحديث.
وقد اشتبه علي الزركلي في الاعلام (٧,٢٦٥) حيث نسب «العطر الوردي» الى محمد بن محمد بن علي البلبيسي المتوفي (٧٤٩) وكذا البغدادي في ايضاح المكنون (٢,١٠٢) في نسبة الكتاب الى الشيخ محمد بن الياس البلبيسي المصري المتوفى (٧٤٩) فإن ما ذكرت من اسم المؤلف الشارح هو مكتوب في أول الكتاب كما تراه ويضاف اليه أن الشاعر قد توفي في (١٣٠٨) والشارح الف شرحه هذا للأشعار بعد هذا التاريخ كما هو مكتوب ايضا في اوله وآخره والخطب سهل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧) اكتفاء القنوع ٤٦٧-٤٦٨، ايضاح المكنون ٢/٢٣٠، ٢٣٤، الاعلام للزركلي ١/٨٩، معجم المطبوعات ٧٩١-٧٩٣، معجم المؤلفين ١/١٤٦

↑صفحة ١١٢↑

هوية الكتاب
(خمس رسائل) تأليف الاستاذ الكبير والعلامة التحرير شهاب الدين أحمد بن أحمد بن اسمعيل الحلواني بلغه الله والمسلمين الأماني ونفع به آمين
(احداها) قطع اللجاج في الاجاج
(الثانية) حلاوة الرز في حل اللغز
(الثالثة) الناغم من الصادح والباغم
(الرابعة) منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدى
(الخامسة) قصيدة الحلواء في مدح بنى الزهراء
(حقوق الطبع محفوظة للمؤلف)
(الطبعة الاولى) بالمطبعة الاميرية ببولاق مصر المحمية سنة ١٣٠٨ هجرية

↑صفحة ١١٣↑

القطر الشهدي في أوصاف المهدي نظم الاستاذ العلامة الشيخ الحلواني بشرحه المسمى بالعطر الوردي للعالم الفاضل السيد محمد البلبيسي أحد مصححي المطبعة الاميرية
ولما اطلع حضرة الناظم حفظه الله على هذا الشرح قرّظه بقوله:

قد لذلك القطر الشهدي * * * اذلزله العطر الوردي
فالعطر أطاب حلاوته * * * وأفاح به عرف المهدى
وأنار الحق لطالبه * * * وهدى من أصبح يستهدى
معنى صاف كالروح صفت * * * في الجسم الصافي بالزهد
لفظ يتمنى القند حلا * * * فما أحلى ذوق القند
عطر بشذاه مدراكنا * * * تهدى للبغية بل تهدى
عطر في الكون يفوح شذا * * * فيفوق الورد على الخدّ
عطر أذكاه البلبيسي * * * طيب الاطياب أبو الحمد
فخر الاشراف ذوى الاشرا * * * ف على أطراف علا الجدّ
بدر النجباء سنا العلما * * * ء ذر العلياء حمى المجد
مولى حاز الجوزا همما * * * فلذا أضحى سامى البند
بحر لشطوط مكارمه * * * ترد الكرماء وتستهدي
والبشر انساب بغرّته * * * من شمس ذكا ملكي يهدي
حبر لفصول بلاغته * * * تعنو البلغاء وتستهدي
علم في العلم له علم * * * ينسيك علا العلم السعدي
أفق لدراريه تسمو * * * أبصار بغاة سنا الرشد
كم صحح واطربا سفرا * * * بالطبع ونظم من عقد
يلهو بالمشكل يوضحه * * * فيجيء المشكل بالجدّ
يردى ما يعبس مبتسما * * * يا عنتر عبس كم تردى
لا زلت لهذا الكون سنا * * * فنكا في النعمة بالحمد

↑صفحة ١١٤↑

(بسم الله الرحمن الرحيم)
الحمد لله رب العالمين حمد انبلغ به درجة الهادين المهديين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأنصاره أجمعين والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين (أما بعد) فيقول الراجي من ربه سلوك الطريق الاحمد محمد البلبيسي بن محمد بن أحمد المصري محتدا الازهري موردا الحسيني نسبا حقق اللهم له به نسبا وحسبا انّ القطر الشهدي في أوصاف المهدي للعالم الرباني واللامع العرفاني شهاب الدين أحمد بن أحمد بن اسمعيل الحلواني الخليجي الشافعي سدّدنا الله واياه عقد نظم من شمائل المهدي دررا كانت قبل منثوره وغررا من علامات ظهوره مفرّقة في الاخبار المأثورة مع وجازة العبارة ولطف الاشارة ورقة الالفاظ التي يميل لها كل لبيب ويصغى اليها كل حبيب كما قيل:

يهتز سامعها الطيب حديثها * * * الا حسود ا ليس يعجبه العجب

ومن أحسن ما اتفق لي في شأن ذلك القطر أنى لما ارتحلت من هذا القطر لحج بيت الله الحرام عام خمس وثلاثمائة بعد الالف الذي بلغت فيه بحمد الله من الحج والزيارة المرام ظفرت وأنا بمكة المشرفة بكنز الفتوح شقيق الروح حضرة الاستاذ الشيخ رضوان العدل عاملنا الله واياه والمسلمين بالفضل فسرني لقاؤه وشملتني نعماؤه كيف لا وهو أبو النعيم حسبما كناه بذلك حضرة مؤلف هذا الدر النظيم فلما أن طفنا بالبيت سبعا قال هلم الى منزلي فقلت لبيك سمعا فاكرم نزلي وأحسن القرى وناهيك بمن يكرم النزيل بأم القرى ثم بعد المفاوضة بلا معارضه في أحسن حديث من قديم وحديث قال هل لك في القطر الشهدي فقلت أجل ولك اليد البيضاء عندي فأخرجه من عيبته وقدّمه بين يديّ على تكرمته:

فنظرته فوجدته * * * يغنى النديم عن المدامة
فعلمت ان لم أكتتبـ * * * ه قرعت سنى بالندامة
فكتبته في لحظة * * * عند الصفا نعم الكرامة

↑صفحة ١١٥↑

ثم انصرفت من مجلس أنسه وقد دعا كل منه لصاحبه ولنفسه (ولما كان) ربيع الثاني من عام ثمان وثلاثمائة شرّف الناظم بقدومه مصر لزيارة آل الرسول لا سيما السبط ابن الزهراء البتول وحل بساحة السادة البشاكرة كان الله لنا ولهم في الدنيا والآخرة فأسرعت في الذهاب اليه للسلام عليه فأهدى لي كتابه البشرى في المعراج والاسراء وطبع في هذه الأيام من تآليفه الفخام رسالة سماها الحكم المبرم وأخرى سماها فصل القضية وأوصى بطبع رسائل خمس مرضية وأمرني أن أشرح منها القطر الشهدي في أوصاف المهدي فقلت سيدى وأنى يتيسر لقاصر مثلى حل رموزه وفتح كنوزه واستخراج سر معناه من بليغ مبناه:

ومن لي بر قيامن رقيق نثاركم * * * أحل بها هذا الحلال من السحر

فأبى الا أن أمضى فيما أراد وأسعف بالمراد فثنيت عنان المعذرة وبادرت بالطاعة حسب المقدرة وقلت:

لعل شعاعا من ذكاء ذكائه * * * يقابل فكرا مظلما فيضيء

وتمتعت بالنظر في خلال رياضه وارتشفت من زلال حياضه وآنست من جانب واديه نارا فأتيت منها بقبس استكشفت به معانى ثيبات وأبكارا وقيدت منها أوابد بطرّته أيام قراءته لأجل الطبع يحمدها بحول الله وقوّته سليم الطبع قدّمتها لدى حضرته باكورة فان حلت محل القبول رجوت أن تكون المساعي مشكوره وبلغت حدّ التمام وفض الختام وسمّيته (العطر الوردي بشرح القطر الشهدي) وأقول والله المسؤول بلوغ المأمول استفتح الناظم باب الفتوح قائلا (بسم الله الرحمن الرحيم) فاذا هو مفتوح ثم عرج بسره الى سماء المناجاة مستحضرا في هذا المقام حضرة عظيم الجاه اذ هو صاحب ذلك القدم والمقدّم من القدم ولولاه لولاه كما قال العارف بالله:

وأنت باب الله أي امرئ * * * أتاه من غيرك لا يدخل

ونادى بلسان العجز عن احصاء الثناء على مولاه اذ لا يملك ذلك سواه كما قال (صلى الله عليه وسلم) لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك فقد أبلغ في الثناء مع الاعتراف بالعبودية أداء لحق الربوبية سائلا للواسطة العظمى دوام الصلاة والتسليم اللائقين بجنابه الكريم حيث قال:

↑صفحة ١١٦↑

(مالك الحمد هب صلاة تطول * * * بسلام الى الرسول تؤل)

وقوله تطول أي تمتدّ بمعنى تدوم وتبقى مصحوبة بسلام الى مدينة السلام ولما هبط بسلام مملوء الوطاب من مواهب الملك الوهاب ليفيض منها على الطلاب نادى من ألح منهم في الخطاب ليملي عليه الجواب ويملأ له الجراب مختارا للإيجاز بدون الغاز محيلا تفصيل الكلام الى ما بسطه الأعلام واضعا له في قالب الشعر لوفور حظه راكبا من بحوره الخفيف تفاؤلا بخفة حفظه فقال:

(أيهذا السؤل عن نبا المهـ * * * دي ما ذا منه أبان الدليل)
(خذه رمزا يغنى اللبيب ومما * * * بسط الناس يطلب التفصيل)

أي اسم مفرد مبهم معرفة بالنداء مبنى على الضم وها حرف تنبيه عوض مما كانت أي تضاف إليه وذا اسم اشارة نعت لأى لأنه في معنى الحاضر في محل رفع والسؤل بدل منه فعول من صيغ المبالغة أشار به إلى وقوع السؤال كثيرا والنبأ الخبر والمهدى في الاصل من هداه الله للحق ثم غلبت عليه الاسمية وبه سمى المهدي الذي بشر به النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه يخرج آخر الزمان قاله في النهاية روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا منى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا قال المحقق ابن حجر في القول المختصر جاء أن اسمه محمد وفي رواية أحمد ولا تنافى لا مكان أن يسمى بكليهما اهـ وقال شيخنا العارف بالله تعالى أبو عبد السلام سيدى عمر الشيراوي قدّس الله روحه في شرحه على ورد السحر أحاديث المهدي بلغت مبلغ التواتر فلا معنى لإنكارها اهـ وفي الهدية الندّية لسيدي مصطفى البكري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدى فقد كفر أخرجه أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار وكذا رواه أبو القاسم السهيلي رحمه الله تعالى في شرح السير له اهـ وقال ابن حجر في القول المختصر والذى يتعين اعتقاده ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة

↑صفحة ١١٧↑

من وجود المهدي المنتظر يخرج الدجال والسيد عيسى في زمنه وأنه المراد حيث ذكر المهدي فأما حديث ابن ماجه أي وهو حدّثنا يونس بن عبد الاعلى حدثنا محمد بن ادريس الشافعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس ابن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزداد هذا الامر الا شدّة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا المهدي الا عيسى بن مريم قال المحقق فمعناه لا مهديّ معصوم الا عيسى على أنه ضعيف والذى في الاحاديث الصحيحة التصريح بانه من عترة نبينا (صلى الله عليه وسلم) من ولد فاطمة فوجب تقديمها عليه اهـ بل في مصباح الزجاجة للسيوطي على ابن ماجه عن الذهبي في الميزان ان هذا الخبر منكر وقال أبو بكر بن زياد هذا الحديث غريب وقال البيهقي هذا الحديث ان كان منكرا كان الحمل فيه على محمد بن خالد الجندي فانه مجهول وقد رواه غير الشافعي عنه أيضا وروى من طريق يحيى بن السكن عنه فالغلط من جهته فان الحديث معروف من أوجه بدون قوله ولا المهدي الا عيسى بل أورد ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبى الحسن الواسطي قال رأيت الشافعي في المنام فسمعته يقول كذب على يونس في حديث الجندي ليس هذا من حديثي ولا حدّثته به قال الحافظ ابن كثير يونس ابن عبد الا على من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام وهذا الحديث مشهور بمحمد بن خالد الجندي المؤذن شيخ الشافعي وروى عنه غير واحد وليس بمجهول كما زعمه الحاكم ولكن من الرواة من حدّث به عنه عن أبان بن أبى عياش عن الحسن مرسلا قال البيهقي وعياش متروك والحديث منقطع وقال الحافظ محمد بن الحسين قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها في المهدي وأنه من أهل بيت المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وأنه يملك سبع سنين ويملأ الارض عدلا وأنه يخرج في زمنه عيسى بن مريم فيساعده على قتل الدجال بباب لدّ بأرض فلسطين قوله بباب لدّ بضم اللام وتشديد الدال المهملة قرية قرب بيت المقدس وفلسطين بكسر الفاء وفتحها مع فتح اللام اهـ ياقوت وأنه يؤم هذه الامة وعيسى يصلى خلفه في طول من قصته ومحمد بن خالد الجندي وان كان يذكر عن يحيى بن معين أنه وثقه فانه غير معروف عند أهل الصناعة واختلفوا عليه في اسناده هذا ملخص ما أطال به الجلال في مصباح الزجاجة فأنظره ان لم يكفك هذا القبس عند الحاجة وقوله ماذا أبان الخ.

↑صفحة ١١٨↑

أي قائلا ماذا أي ما الذي أبانه الدليل وأظهره من خبر المهدي (عليه السلام) وقوله خذه رمزا أي خذ جواب سؤالك هذا رمزا أي مرموزا ومشارا اليه بأوجز عبارة أو على جهة الرمز والاشارة ثم شرع حفظه الله في وصف خلقته الشريفة حسبما وردت به الاخبار فقال:

هو ضرب من الرجال خفيف * * * هو أجلى أقنى أشم كحيل
أعين أفرق أزج على أيـ * * * من خدّيه خال حسن جميل
أفلج الثغر حسين يبسم برّا * * * ق الثنايا وربعة لا يطول
عربي في لونه وكأن الـ * * * جسم منه ينميه اسرائيل
وجهه في اشتداد سمرته كالـ * * * كوكب الدري المضيء جليل
وله لحية غزيرة شعر * * * ولسان بالنطق حينا ثقيل
واذا أبطأ الكلام عليه * * * فعلى فخذه بضرب يميل
ناعم الكف بين فخذيه بعد * * * خاضع خاشع كريم منيل

الضرب بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء المهملة آخره موحدة خفيف اللحم ليس بالغليظ فقوله خفيف تفسير له والأجلى بفتح الهمزة وسكون الجيم خفيف شعر ما بين النزعتين والذى انحسر أي انكشف الشعر عن جبهته والأقنى بالقاف طويل الانف مع دقة طرفه واحديداب وسطه أي ارتفاعه مع انحدار الى جهة طرفه والأشم بفتح الشين المعجمة مرتفع قصبة الأنف مع حسنها واستواء أعلاها مع انتصاب طرفها والكحيل بفتح الكاف صفة مشبهة كالثلاثة التي قبله والتي بعده وفعلها من باب فرح أي أسود أجفان العين خلقة والأعين أسود العين في سعتها والأفرق الذي ناصيته كأنها مفروقة وكذا اللحية وكذا الثنايا وهذا هو المصرح به في رواية ستأتي ان شاء الله تعالى ولكنه لو أريد تكرر مع قوله أفلج الثغر فالأولى أن يراد أفرق الناصية أو اللحية أو ما بين الحاجبين ويؤيد هذا أن فرق ما بين الحاجبين من أوصاف العرب وهو عربي والأزج بفتح الهمزة والزاي وتشديد الجيم من الزجج محركا وهو تقوّس في الحاجب مع طول طرفه وامتداده والخال بالخاء المعجمة الشامة التي تخالف لون الجسد ولذا سمى

↑صفحة ١١٩↑

الغيم بالخال لان لونه يخالف لون السماء والثغر بفتح المثلثة مقدّم الاسنان ومعنى كونه أفلج الثغر أنه منفرج مقدّم الاسنان قيل أكثر الفلج بالتحريك في العليا وهو صفة جميلة لكن مع القلة وهو أنقى للفم وأطيب لان الاسنان اذا تراصت علق فيها الطعام فتغيرت لذلك رائحة الفم وأبلغ في الفصاحة لان اللسان يتسع فيها كما في شرح المواهب وغيره وقوله حين يبسم الخ أي هو برّاق الثنايا أي شديد لمعانها كالبرق حين يبسم بكسر السين يقال بسم يبسم كضرب يضرب وابتسم وتبسم وهو دون الضحك والمبسم كمجلس الثغر والثنايا جمع ثنية كقضية وهى من الاسنان أربع في مقدّم الفم ثنتان من فوق وثنتان من تحت وللإنسان أربع ثنايا وأربع ضواحك واحدها ضاحك لظهورها عند الضحك وأربع رباعيات بفتح الراء جمع رباعية كثمانية واثنتا عشرة رحى في كل شق ست وهى الطواحن ثم بعدها النواجذ وهى أقصى الاضراس كما في التهذيب واليها أشار الناظم حفظه الله بقوله:

ثنيته رباعية فناب * * * فضاحكه طواحنه فناجذ
وكل أربع الاطحونا * * * فثنتا عشر ما فيها منابذ

والربعة المربوع الخلق لا طويل ولا قصير يقال رجل ربعة وامرأة ربعة والجمع ربعات بالتحريك شذوذا كما في الصحاح لأنه صفة وقياسها تسكين العين في الجمع فقوله لا يطول تتميم أشار به كما قال الناظم نفسه الى أنه لا يبلغ أن يكون طويلا ولا بما فوق الربعة من يسير الطول وقوله عربي في لونه أي هو عربي اللون أي أسمر لان الغالب على العرب السمرة ولذا قال (صلى الله عليه وسلم) بعثت الى الاحمر والاسود أي الى العجم والعرب وقوله ينميه بفتح حرف المضارعة يقال نميت الرجل الى أبيه أنميه من باب رمى اذا نسبته اليه أي ينسبه اسرائيل الى نفسه لشبهه به في نحافة الجسم ولذا كان سيدنا موسى بن لاوي بن يعقوب (عليهم السلام) ضربا من الرجال وقوله وجهه في اشتداد سمرته لم أر في رواية وصف سمرته بالشدّة بل ورد أنه مشرب حمرة كما يأتي وذلك لا ينافى أن لونه عربي لان السمرة عند العرب هي البياض المشرب حمرة ولذا روى أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) كان أسمر أي أبيض مشربا حمرة وروى أنه ليس بالأبيض قال الصبان المراد بالبياض المنفى في هذه الرواية البياض الشديد الخالص عن الحمرة ولا شك أن خلق

↑صفحة ١٢٠↑

المهدى كخلق جدّه بفتح الخاء المعجمة فيهما كما يأتي وان كان لا يلزم أنه يشبهه في خلقته من جميع الوجوه لكن الناظم حفظه الله مطلع لم يأت الا بما رأى والله أعلم والدري بتثليث داله الشديد الاستنارة كأنه نسب الى الدر اصفائه فالمضيء تفسير له وقوله واذا أبطأ الكلام الخ عبارة ابن حجر في باب علاماته التي جاءت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يضرب فخذه اليسرى بيده اليمنى اذا أبطأ عليه الكلام اهـ وقوله بين فخذيه بعد أي تجاف ويلزمه اتساع خطوه والخشوع الخضوع أي التواضع والتذلل وقيل الخشوع في الصوت والبصر والخضوع في البدن كذا في النهاية لابن الاثير ورد أن المهدي خاشع لله كخشوع النسر بجناحيه نقله ابن حجر وقوله منيل أي معط يقال ناله وأناله ونوّله اذا أعطاه كما في الاساس* وفي الهدية الندّية قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الارض عدلا يفيض المال فيضا رواه أبو نعيم بن حماد عن أبى سعيد الخدري وقال (صلى الله عليه وسلم) المهدي رجل من ولدى لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خدّه الايمن خال كأنه كوكب درى يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الارض وأهل السماء والطير في الجوّ رواه أبو نعيم عن أبى أمامة وفي رواية للحاكم في خده الايمن خال أسود كما في الهدية والقول المختصر قال الصبان في رسالته اسعاف الراغبين وأخرج الروياني والطبراني وغيرهما المهدي من ولدى وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم جسم إسرائيلي أي طويل اهـ وتفسيره بالطويل لا يناسب كونه ربعة فالمناسب ما مر ثم قال وورد في حليته أنه شاب أكحل العين أزج الحاجبين أقنى الانف كث اللحية على خدّه الايمن خال وعلى يده اليمنى خال ومثله في القول المختصر وقال في الصواعق أخرج ابن المبارك عن ابن عباس أنه قال المهدي اسمه محمد بن عبد الله ربعة مشرب بحمرة يفرّج الله به عن هذه الامة كل كرب ويصرف بعد له كل جور وقال (صلى الله عليه وسلم) لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لبعث الله رجلا اسمه كاسمي وخلقه كخلقي يكنى أبا عبد الله زاد في رواية لأبي داود وابن ماجه واسم أبيه اسم أبى ثم شرع في نسبته (عليه السلام) مشيرا الى اختلاف الروايات فيها فقال:

↑صفحة ١٢١↑

حسنيّ سبط الحسين أو العكـ * * * س وسبط العباس فهو أصيل

السبط بكسر السين وسكون الموحدة قيل ولد الرجل وقيل ولد ولده وقيل ولد بنته كذا في النهاية والمراد أنه من ذرية سيدنا الحسن بن على رضي الله عنهما في أكثر الروايات وأصحها ولذا قدّمه وأنه سبط سيدنا الحسين بن على رضي الله عنهما أي ابن بنته فقد ورد أنه من ذريته وبذا جمع بعضهم وهو الراجح وقال ابن حجر في الصواعق روى أبو داود أنه من ولد الحسن وكانّ سره ترك الحسن الخلافة لله (عزَّ وجلَّ) شفقة على الامة فجعل الله القائم بالخلافة الحق عند شدّة الحاجة اليها من ولده ليملأ الارض عدلا ورواية كونه من ولد الحسين واهية جدا ومع ذلك لا حجة فيه لما زعمته الرافضة أن المهدي هو أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن العسكري ومما يردّ عليهم ما صح أن اسم أبى المهدي يوافق اسم أبى النبي (صلى الله عليه وسلم) واسم أبى محمد الحجة لا يوافق ذلك ويردّه أيضا قول على كرم الله وجهه مولد المهدي بالمدينة ومحمد الحجة هذا انما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين الى آخر ما أطال به في الردّ عليهم فانظره وقوله أو العكس أي أنه من ذرية الحسين وسبط الحسن وقيل انه سبط العباس عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجاء بكل أحاديث في أبى داود وغيره قال ابن حجر ويمكن الجمع أي على تقدير استواء الروايات في الصحة بأنه لا مانع من أن يكون من ذريته (صلى الله عليه وسلم) وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاته عباسية وأن أباه حسنى وأمه حسينية قال ولعل هذا أقرب ولا مانع من اجتماع ولادة المتعدّدين في شخص واحد من جهات مختلفة اهـ وفي حواشي سنن ابن ماجه اختلف في أن المهدي من بنى الحسن أو من بنى الحسين ويمكن أن يكون جامعا بين النسبتين والاظهر أنه من جهة الاب حسنى ومن جهة الام حسيني قلت ومما يدل على أنه من أولاد الحسن ما روى أبو داود عن أبى اسحق قال: قال على كرم الله وجهه ونظر الى ابنه الحسن ان ابنى هذا سيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق أي ولا يشبهه في جميعه ونقل الصبان عن صاحب الفتوحات المكية أنه يشبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخلق بفتح الخاء وينزل عنه في الخلق بضمها اذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ١٢٢↑

في أخلاقه اهـ ومما يدل على أن لكل من الحسن والحسين رضي الله عنهما فيه ولادة ما في الهدية الندية أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لفاطمة رضي الله عنها ان منهما يعنى الحسن والحسين مهدى هذه الامة الحديث رواه الطبراني وأبو نعيم عن على الهلالي وفي الزجاجة للسيوطي على ابن ماجة قال ابن كثير فأما الحديث الذي أخرجه الدارقطني في الافراد عن عثمان بن عفان مرفوعا المهدي من ولد العباس فانه غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بنى هاشم وكان يضع الحديث وقال ابن حجر في الصواعق وعلى تقدير صحته لا ينافى كون المهدي من ولد فاطمة المذكور في الاحاديث التي هي أصح وأكثر لأنه مع ذلك فيه شعبة من بنى العباس كما أن فيه شعبة من بنى الحسين وأما هو حقيقة فهو من ولد الحسن كما مر عن على ثم شرع في بيان خصاله الحميدة وكراماته السديدة وما يحصل قبله من الفتن الشديدة حسبما جاءت به الاحاديث العديدة فقال:

يقسم المال بالسوية يقفو * * * أثرا قد قفاه قبل الرسول

يقفو يتبع والاثر بالتحريك ما بقى من رسم الشيء والمراد به الكتاب والسنة وقبل مبنى على الضم لحذف المضاف اليه ونية معناه روى الطبراني وأبو نعيم عن على الهلالي أنه (صلى الله عليه وسلم) قال لفاطمة والذى بعثني بالحق ان منهما يعنى الحسن والحسين مهدى هذه الامة اذا صارت الدنيا هرجا ومرجا وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغير اولا صغير يوقر كبيرا بعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوّله ويملأ الارض عدلا كما ملئت جورا كذا في الهدية الندية ونقل الصبان عن صاحب الفتوحات أن المهدي يحكم بما ألقى اليه ملك الالهام من الشريعة المحمدية كما أشار إليه حديث المهدي يقفو أثرى لا يخطئ:

وله كالكليم ينفلق البحـ * * * ر ويخضر يا بس مستحيل
وبوتر يقوم في عام احدى * * * مثلا في عاشورها فيصول
واذا سار كان بين يديه الـ * * * خضر يمشى ونصره موصول

↑صفحة ١٢٣↑

واذا سيل آية طلب الطيـ * * * ر فجاءت تهوى له فتنيل

يعنى ينفلق وينشق البحر للمهدى كما انفلق لموسى كليم الله (صلى الله عليه وسلم) والمستحيل كل ما تغير عن حالته الاصلية واستحال العودا عوج بعد الاستواء وأشار بقوله وله كالكليم الخ الى ما نقله ابن حجر في القول المختصر عن بعض التابعين أنه يركز لواءه عند فتح القسطنطينية ليتوضأ للفجر فيتباعد عنه الماء فيتبعه حتى يجوز من تلك الناحية ثم يركزه وينادى أيها الناس اعتبروا فان الله (عزَّ وجلَّ) فلق لكم البحر كما فلق لبنى اسرائيل فيجوزون اليه وقوله فيصول أي يستطيل على المخالفين ويثب عليهم ويقتل فيهم والخضر ككتف وحمل وضرب وفي البخاري انما سمى الخضر لأنه جلس على فروة فاذا هي تهتز من خلفه خضراء اهـ والفروة وجه الارض واسمه بليا بموحدة مفتوحة فلام ساكنة فمثناة تحتية ابن ملكان كعطشان وكنيته أبو العباس والاصح أنه نبي لقوله وما فعلته عن أمرى أي بل بوحى من الله تعالى وبأنه أعلم من موسى ولا يكون وليّ أعلم من نبي قال النووي والجمهور على أنه حيّ موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح وقال الثعلبي هو نبي معمر محجوب عن أيصار أكثر الناس لا يموت حتى يرفع القرآن كذا في حواشي ابن ماجه وأشار بقوله وبوتر الى ما قاله القرماني في تاريخه أخبار الدول عن أبى نصير عن أبى عبد الله قال لا يخرج القائم الا في وتر من السنين سنة احدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع ويقوم في عاشوراء ويظهر يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام وشخص قائم على يده ينادى البيعة البيعة فيسير اليه أنصاره من أطراف الارض يبايعونه ثم يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرّق الجنود منها الى سائر الامصار اهـ ونقل نحوه الصبان في رسالته وفي الهدية عن على كرم الله وجهه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المهدي رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحى رواه نعيم بن حماد عن قتادة وفيها عن على رضي الله عنه قال يومئ المهدي للطير فيسقط على يديه ويغرس قضيبا في بقعة من الارض فيخضر ويورق اهـ وقوله واذا سيل بكسر السين المهملة وسكون المثناة التحتية يقال سال يسال بغير همز كخاف يخاف لغة في المهموز فاذا بنى للمجهول كما هنا قيل سيل

↑صفحة ١٢٤↑

كخيف والآية بالمدّ العلامة والعبرة ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وإِخْوَتِهِ آيات﴾ أي أمور وعبر مختلفة وقوله تهوى أي تسقط فتنيل أي فتعطيه نفسها:

وعليه عباءتان وقدحا * * * ز قميصا قد اكتساه الرسول
وكذا سيفه ورايته ذا * * * ت الطراز المسودّ فيها القبول
ثم راياته سواها كثير * * * بين بيض زهر وصفر تجول
كلها الاسم الأعظم انخط فيها * * * فعليها انهزامها مستحيل

عباءتان تثنية عباءة بالهمز ويقال عباية بمثناة تحتية بدلها ضرب من الاكسية وفي الهدية من رواية الحاكم في مستدركه عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المهدي من ولدى ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دريّ في خدّه الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان اهـ نسبة الى قطوان محركا موضع بالكوفة وقوله اكتساه أي لبسه مطاوع كسوته والطراز ككتاب العلم فارسي معرّب والمسودّ نعته والقبول كصبور مصدر قبلت الشيء بكسر الموحدة قبولا وهو مصدر شاذ لم يسمع غيره كما في الصحاح ويقال فلان عليه قبول اذا قبلته النفس ومالت اليه وارتاحت له قال الناظم حفظه الله ويجوز أن يراد بالقبول ريح الصبا التي تهب بنصر أهل القبول فهو كناية عن النصر كما يقال النصر معقود بأعلامه اهـ وفي القول المختصر انه يخرج براية النبي (صلى الله عليه وسلم) من مرط معلمة سوداء مربعة لم تنشر منذ توفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا تنشر حتى يخرج المهدي وقال في موضع آخر منه يظهر من مكة عند صلاة العشاء معه راية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقميصه وسيفه وعمامته ونور وبيان وقوله زهر بضم الزاي أي شديدة البياض وتجول بالجيم بمعنى تطوف أي يطوف بها أهلها حول الجيوش ويجولون بها في الحروب وقوله انخط بالخاء المعجمة مطاوع خط الشيء بالقلم أي كتبه وقوله فعليها الخ أي فانهزام أصحاب هذه الرايات مستحيل أي لا يقدر أحد أن يهزمها حتى تنهزم أي تنكسر ويتشتت جمعها لكون الاسم الاعظم مكتوبا عليها (تنبيه) لم أجد وصف الرايات بالبياض والصفرة الا في رواية واحدة ذكرها سيدى عبد الوهاب الشعراني في مختصر التذكرة بلفظ روى

↑صفحة ١٢٥↑

أنه يخرج في آخر الزمان رجل يقال له المهدي من أقصى المغرب يمشى النصر بين يديه أربعين ميلا راياته بيض وصفر فيها رقوم وفيها اسم الله الاعظم مكتوب فيها فلا تهزم له راية الى آخر ما قال ولعل هذه الرواية هي التي عقدها الناظم لكن الذي في روايات عديدة أن راياته كلها سود ذكرها ابن حجر في القول المختصر والبكري في الهدية وأبو داود وابن ماجه وغيرهم بل قال ابن حجر والسيوطي ما ذكره القرطبي في قصته الطويلة من أنه يخرج من المغرب الاقصى لا أصل له وسيأتي الكلام على ذلك (روى) ابن ماجه عن علقمة عن عبد الله قال بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اذ أقبل فتية من بنى هاشم فلما رآهم النبي (صلى الله عليه وسلم) اغرورقت عيناه أي غرقتا بالدموع وتغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه فقال انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان أهل بيتي سيلقون بعدى بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلون حتى يدفعوها الى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج أي يأتهم ولو بلغ أشدّ الصعوبات وروى الامام أحمد والبيهقي في دلائل النبوّة عن ثوبان قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فان فيها خليفة الله المهدي أي فيها نصرته واجابته فلا ينافى أن ابتداء ظهوره انما يكون في الحرمين الشريفين كما يأتي:

وعليه الغمام فيه نداء * * * باسمه مع يد اليه تميل
ومناد من السماء ينادى * * * باسمه للأنام طرّا يهول
يوقظ النائمين يقعد من قا * * * م يقيم القعود شيء مهول
لفظه واحد ويسمع كل * * * باللسان الذي له اذ يقول

الغمام السحاب والغداء بكسر النون وتضم الصوت وتميل تدنو مشيرة الى المهدي والانام الخلق وطرّا بضم الطاء منصوب على المصدرية او الحال المؤكدة بمعنى جميعا ويوقظ ينبه ويقعد بضم حرف المضارعة أي يجعل المنتصب على قدميه قاعدا

↑صفحة ١٢٦↑

وبالعكس كما قال يقيم القعود جمع قاعد ومهول كصبور أي هائل مفزع أو فيه هول أي خوف وفزع عكس قولهم سيل مفعم كما في الاساس (روى) أبو نعيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادى هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه وفي رواية للخطيب في تلخيص المتشابه عن ابن عمر أيضا يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادى ان هذا مهدى فاتبعوه وقال (صلى الله عليه وسلم) ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلّا جاش منها جانب حتى ينادى مناد من السماء أميركم فلان رواه الطبراني في الاوسط عن طلحة بن عبد الله كذا في الهدية:

وقبيل الظهور تبدو أمور * * * فتن جمة وخطب جليل

بتصغير قبل اشارة الى تقليل الزمن الذي بين ظهور المهدي (عليه السلام) وظهور هذه الفتن الكثيرة التي هي أدل على قرب ظهوره من غيرها فلا ينافى ما وقع من الفتن التي ملئت بها التواريخ وما هو واقع الآن مشاهد لا يحتاج لتوريخ كل ذلك مصداق ما جاءت به أخبار الصادق الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) ففي المصابيح لمحيي السنة البغوي روى البيهقي عن أبى سعيد ومعاذ رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال ان هذا الامر بدئ بنبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا عضو ضائم كائن جبرية وعتوّا وفسادا في الارض يستحلون الحرير والفروج والخمور يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله (ومعنى الحديث) أنه كان أوّل الدين نزول الوحى والرحمة ثم كان زمان الخلفاء الراشدين رحمة وشفقة وعدل ثم وهن الامر أي ضعف وظهر بعض الظلم ثم هو كائن جبرية أي قهرا وغلبة وعتوّا وكبرا ومع ذلك يرزقون وينصرون لحكم الهية (وروى) الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما (خمس بخمس) أي خمس من الخصال مقابلة بخمس من العقوبات (ما نقض قوم العهد الا سلط عليهم عدوّهم وعند ابن ماجه من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ولم ينقضوا عهد الله ورسوله الا سلط الله عليهم عدوّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما حكموا بغير ما أنزل الله الا فشا فيهم الفقر ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلّا فشا فيهم الموت

↑صفحة ١٢٧↑

وعند ابن ماجه الا فشا فيهم الطاعون والاوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم ولا طففوا المكيال الا منعوا النبات وأخذوا بالسنين) أي عوقبوا بالجدب وعند ابن ماجه ولم ينقصوا المكيال والميزان الا أخذوا بالسنين وشدّة المؤنة وجور السلطان عليهم ولا منعوا الزكاة الا حبس عنهم القطر زاد ابن ماجه ولو لا البهائم لم يمطروا (وروى) مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل أي بما يعرض ويحدث من متاع الدنيا القليل والبيع هنا لغوى (والمعنى) بادروا وسارعوا الى الاشتغال بالأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن المتراكمة كتراكم ظلمات الليل فتشغلكم عنها وتقعوا في المهالك التي لا طريق للخلاص منها فهي كقطع الليل بجامع عدم الاهتداء الى المقصود عند وجود كل فتنقلبوا والعياذ بالله من الايمان الى الكفر وعكسه في اليوم الواحد فيستحل أحدكم دم أخيه وعرضه وماله تارة ويحرّمه أخرى (وروى) ابن ماجه والطبراني عن أبى أمامة رضي الله عنه ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا الا من أحياه الله بالعلم أي أحيا قلبه به لأنه على بصيرة من أمره ﴿أَو مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ اللهم أغننا بالعلم وزينا بالحلم وأكرمنا بالتقوى وجملنا بالعافية (وروى) ابن ماجه والبغوي وقال متفق عليه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني أي فان دفع الضرر أهم من جلب النفع وقوله وما دخنه أي ما سبب كدورته اهـ منه قال قلت يا رسول الله انا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير قال نعم وفيه (دخن) بفتحتين أي كدورة وسواد والمراد أنه لا يكون خيرا بحتا أي خالصا (قلت وما دخنه قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي أي يسيرون بغير سيرتى (تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال نعم دعاة على أبواب جهنم) أي يدعون الناس الى الضلالة وكل ضلالة في النار فكأنهم واقفون على أبوابها (من أجابهم اليها قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم قوم من جلدتنا) بكسر الجيم أي من أبناء جنسنا

↑صفحة ١٢٨↑

أو من أهل ملتنا (ويتكلمون بألسنتنا) أي بالمواعظ والحكم (قلت فما تأمرني ان أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وامامهم قلت فان لم يكن لهم جماعة ولا امام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض (بفتح العين) بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك اهـ والمراد ولو أن تلزم أصل شجرة تعبد الله تحتها (قيل) المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت عند قتل عثمان رضي الله عنه ومن بعده وبالخير الثاني ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز وبالذين تعرف منهم وتنكر الامراء بعده فكان منهم من تمسك بالسنة والعدل ومنهم من يدعو الى البدعة (وروى) أبو داود عن أبى هريرة رضي الله عنه ستكون فتنة صماء بكماء عمياء من استشرف لها استشرفت له واشراف اللسان فيها كوقوع السيف وفي رواية أشدّ من وقع السيف (والمعنى) أنها كالحية العمياء الصماء التي لا تقبل لسعتها الرقى ولا يستطيع أحد أن يأمر فيها بمعروف أو ينهى عن منكر بل ان تكلم بحق آذاه الناس فمن تطلع لتلك الفتنة تطلعت له وجرّته اليها واطالة اللسان فيها بالكلام أشدّ من ضرب السيف:

جراحات السنان لها التئام * * * ولا يلتام ما جرح اللسان

وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه قيل يا رسول الله متى نترك الامر بالمعروف والنهى عن المنكر قال اذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم قلنا يا رسول الله وما ظهر في الأمم قبلنا قال الملك في صغاركم والفاحشة في كباركم والعلم في رذالتكم بضم الراء قال زيد بن يحيى أي اذا كان العلم في الفساق (وروى) مسلم وغيره عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان أي أن الانكار بالقلب بان يكرهه ويعزم على تغييره ان قدر أضعف ثمرات الايمان وآثاره أو المراد تضعف خصال الاسلام وذلك لان التغيير ليس من الايمان الذي هو التصديق القلبي فمن ترك مرتبة من هذه المراتب مع القدرة عليها كان عاصيا ومن تركها بلا قدرة أو يرى المفسدة أكثر ويكون منكرا بقلبه فلا اثم عليه وقيل الانكار باليد ككسر أواني الخمر وعقاب المتلبس بالمنكر خاص بالإمام والانكار باللسان خاص بالعلماء والانكار بالقلب

↑صفحة ١٢٩↑

خاص بعامّة المؤمنين ثم اعلم أن المنكر اذا كان حراما بالإجماع وجب الزجر عنه بشرط السلامة وان كان مكروها ندب وكذا الامر بالمعروف تبع لما يؤمر به فان وجب وجب وان ندب ندب هذا محصل ما أفادوه في حواشي السنن (وروى أبو داود والبيهقي في دلائل النبوّة عن ثوبان قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوشك الامم أن تداعى عليكم) بفتح المثناة الفوقية والعين المهملة أي يدعو بعضهم بعضا الى قتالكم (كما تداعى الاكلة الى قصعتها فقال قائل) أي على طريق الاستفهام (ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) بضم الغين المعجمة أي رذال ضعفاء كورق الشجر البالي المخالط لزبد السيل (ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت) أي سبب الوهن والضعف حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة ويلزمه كراهة الموت وحب الحياة فمن أين يتشجع ويقوى على الجهاد الناشئ من قوّة الايمان ولن يجتمع الايمان وحب الدنيا في قلب عبد (وروى) أبو داود والترمذي عن ثوبان رضي الله عنه اذا وضع السيف في أمتى لم يرفع عنها الى يوم القيمة ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتى المشركين وحتى تعبد قبائل من أمتى الأوثان وانه سيكون في أمتى كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي الله وأنا خاتم النبيين لا نبيّ بعدى ولا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله (والمراد) اذا وقعت المقاتلة بسيف أو غيره وخص السيف لغلبة المقاتلة به وقوله لم يرفع أي يتسلسل فيهم وان قل أو كان في بعض الجهات دون بعض ولا ينقطع وهو مشاهد حتى في أعراب البوادي وفي الجامع الصغير من رواية الطبراني عن عبد الله بن عمرو بإسناد حسن لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا وعند ابن ماجه من حديث ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وان بين يدى الساعة دجالين كذا بين قريبا من ثلاثين (قال في فتح الباري) أي ممن قامت له شوكة وبدت له شبهة وليس المراد من يدّعى النبوّة مطلقا فانهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم من جنون أو سوداء (وروى) البخاري عن الزبير بن عديّ قال أتينا أنس بن مالك فشكونا اليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فإنه

↑صفحة ١٣٠↑

لا يأتي عليكم زمان الا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعته من نبيكم (صلى الله عليه وسلم) وهذا الحديث كما قالوا محمول على الاغلب والاكثر فلا يشكل بزمن عمر بن عبد العزيز بعد زمن أخواله من بنى أمية وبزمن المهدي وعيسى (عليهما السلام) (وروى أبو داود وابن ماجه عن أبى أمية الشعباني قال سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال بل ائتمروا أي ليأمر بعضكم بعضا وينهى وقوله مؤثرة بضم الميم وفتح المثلثة أي مختارة على أعمال الاخرة اهـ منه بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى اذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأى برأيه) أي من غير نظر الى الكتاب والسنة واجماع الامة والقياس على أقوى الادلة وترك الاقتداء بواحد من الائمة الاربعة بل يستحسن بعقله ويكون مقتي نفسه ولا يرجع الى العلماء فيما فعل (ورأيت أمر الايدان لك به) أي رأيت الناس يعملون بالمعاصي ولا قدرة لك على ردّهم وخص اليدين لان الدفاع بهما غالبا وفي رواية الترمذي لا بدّ لك به بموحدة مضمومة أي لا فراق لك منه أي رأيت أمرا يميل اليه هواك ونفسك من الصفات الذميمة فان أقمت بين الناس فلا محالة أن تقع فيه (فعليك خويصة نفسك ودع عنك أمر العوام) أي اعتزل الناس حذرا من الوقوع في المعاصي والخويصة بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة يريد بها حادثة الموت لأنها تخص كل انسان وصغرت لاحتقارها في جنب ما بعدها من البعث والعرض والحساب وقيل أن يلزم ما يخص نفسه من أمر معاشه ومعاده (فان من ورائكم أيام الصبر صبر فيهن على مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله زاد أبو داود قال أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم) واعلم أن مجرد زيادة الاجر لا تستلزم الافضلية المطلقة فلا ينافى أفضلية الصحابة رضي الله عنهم مطلقا على من بعدهم بشهادة الاخبار الصحيحة كخبر خير القرون قرني وخبر ان الله اختار أصحابي على الثقلين سوى النبيين والمرسلين (وفي المصابيح روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج في آخر الزمان رجال يختالون الدنيا بالدين) أي يطلبونها خداعا (يلبسون للناس جلود الضأن من اللين) أي من أجل اظهار اللين

↑صفحة ١٣١↑

(ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله أبى يغتروّن أم عليّ يجترؤون فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران) قال الطيبي أم منقطعة أنكر أوّلا اغترارهم بالله بإمهاله اياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم على الله والاجتراء افتعال من الجرأة أي التشجع والانبساط (وروى) الترمذي وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بدا الاسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء قال النزاع من القبائل الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدى من سنتي أي يعملون بها ويظهرونها على قدر طاقتهم فهذا الرجل يصبح مهجورا في قومه كالغريب وذلك سنة الله بأحبائه ولكنه يعينهم والعاقبة للمتقين ولذا ورد العبادة في الهرج كهجرة اليّ رواه مسلم (قال الرافعي) ان قرئ بدا بغير همز فهو ظاهر وقد يسبق الذهن الى الهمز لأنه ذكر العود على الأثر والابتداء والعود متقابلان وعلى هذا فالمبتدأ به محذوف كأنه قال ابتدأ الاسلام بصحبة القرن الاوّل غريبا لبعده عما كانوا عليه من الشرك وأعمال الجاهلية ويعود غريبا لفساد الناس آخرا وظهور الفتن فطوبى للغرباء أي الجنة للمسلمين في أوّله وآخره لصبرهم على الأذى ولزوم الاسلام اهـ من حواشي سنن ابن ماجه (وروى) أبو داود عن أبى موسى قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمتى هذه أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل (والمراد) من هذا الحديث والله أعلم اختصاص أمته (صلى الله عليه وسلم) بمزيد رحمة من الله تعالى وأنهم اذا أصيبوا في الدنيا بشيء يثابون عليه ويكفر به ذنوبهم وليست هذه الحالة لسائر الأمم* وفي الهدية الندية روى الطبراني عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تجيء فتنة غبراء مظلمة ثم يتبع الفتن بعضها بعضا حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي فان أدركته فاتبعه تكن من المهتدين (وروى) أبو نعيم في الحلية عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستكون بعدى فتنة الأحلاس يكون فيها حرب وهرب ثم بعدها أشدّ منها ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت عادت حتى لا يبقى بيت إلّا دخلته ولا مسلم الا لطمته حتى يخرج رجل من

↑صفحة ١٣٢↑

عترتي (والأحلاس) جمع حلس بكسر الحاء المهملة ما يبسط تحت الثياب فلا يزال تحتها وهو أيضا الكساء الذي يوضع على ظهر البعير تحت القتب أو البرذعة وانما أضيفت اليها لدوامها لان الحلس يبقى ملازما فكأنه قال فتنة الدوام أو الفتنة التي هي كالأحلاس في الكدورة أو الفتنة التي يكون العقلاء فيها أحلاس بيوتهم أي ملازمين لها خوفا من الوقوع فيها وقوله فيها حرب وهرب بفتح أوّلهما وثانيهما أي سلب وفرار أي يفرّ بعضهم من بعض لما بينهم من المحاربة وهذا الحديث له شواهد في سنن أبى داود وغيره (تنبيه) الفتن جمع فتنة وهى المحنة والبلية من فتن الفضة كضرب عرضها على النار ليعرف جيدها من رديئها وقوله جمة بفتح الجيم وتشديد الميم أي كثيرة من الجموم بضم الجيم أي الاجتماع والكثرة والخطب بفتح الخاء المعجمة الامر صغر أو عظم كما في القاموس ولذا وصفه الناظم بجليل أي عظيم وفي النهاية الخطب الامر الذي تقع به المخاطبة والشأن والحال ومنه قولهم جل الخطب أي عظم الامر:

وظلام على السما واحمرار * * * مستطير وكوكب مستطيل

المستطير المنتشر والمستطيل الممتدّ وبينهما الجناس المضارع وهو ما أبدل من أحد ركنيه حرف واحد بغيره من مخرجه كما هنا ومنه حديث الخيل معقود في نواصيها الخير فان لم يكن من مخرجه فجناس لا حق وفي القول المختصر كالهدية الندية عن كعب رضي الله عنه يطلع قبل خروج المهدي نجم من المشرق له ذنب يضيء

واضطرام يبدو من الشرق نار * * * تتلظى لياليا وتزول

الاضطرام الالتهاب كالتلظي روى البخاري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال أوّل أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق الى المغرب والترمذي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال ستخرج نار من حضر موت أو من نحو حضر موت قبل يوم القيمة قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال عليكم بالشأم (وروى) البخاري ومسلم لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الابل ببصرى بضم الموحدة وسكون الصاد المهملة مقصورا مدينة معروفة بالشأم بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل قاله النووي

↑صفحة ١٣٣↑

قال القرطبي خرجت نار عظيمة وكان بدؤها زلزلة عظيمة وذلك ليلة الاربعاء بعد الفجر الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة الى ضحى نهار يوم الجمعة فسكنت وظهرت بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرّة ترى في صورة البلد الى آخر ما قال فراجعه وهذه غير النار التي تحشر الناس بل هي آية من أشراط الساعة مستقلة كما قاله النووي وهى التي أشار اليها الناظم اذ الحاشرة انما هي بعد المهدي كما لا يخفى:

وخسوف بالشام يمحو حرستا * * * وتوالى زلازل قد تغول

حرستا بفتح الحاء والراء وسكون السين المهملات فمثناة فوقية فألف تأنيث مقصورة قرية كبيرة بدمشق في وسط بساتينها على طريق حمص وحرستا المنظرة من قرى دمشق أيضا بالغوطة في شرقيها وحرستا أيضا من أعمال رعبان من نواحي حلب وفيها حصن ومياه غزيره ورعبان بفتح الراء وسكون العين المهملتين فموحدة قلعة عند حلب كذا في ياقوت وفي القول المختصر والهدية عن بعض التابعين لا يخرج المهدي حتى يخسف بقرية بالغوطة تسمى حرستا اهـ والغوطة بضم الغين المعجمة موضع كثير المياه والاشجار هناك وقوله توالى أي تتابع وتغول بالغين المعجمة أي تأتى الناس بغتة من حيث لا يشعرون:

وانحسار الفرات عن جبل من * * * ذهب كم وكم عليه قتيل

الانحسار الانكشاف مصدر انحسر مطاوع حسر كضرب ونصر تقول حسرت العمامة عن رأسي أي كشفتها والفرات كغراب نهر الكوفة وكم للتكثير وعطف عليها مثلها تأكيدا (روى) البخاري ومسلم وأبو داود عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً اهـ أي لأنه مستعقب للبليات وهو آية من آيات الله والبخاري وابن ماجه لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلى أكون أنا الذي أنجو اهـ والجمع ممكن (فائدة) روى الحافظ السيوطي في جامعه عن ابن مسعود رضي الله عنه ينزل

↑صفحة ١٣٤↑

في الفرات كل يوم مثاقيل من بركة الجنة أي شيء من بركتها له وقع وذكر المثاقيل للتقريب للأذهان اهـ وفي معجم ياقوت روى عن على كرم الله وجهه يا أهل الكوفة ان نهركم هذا يصب اليه ميزابان من الجنة وروى أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق شرب من ماء الفرات ثم استزاد واستزاد فحمد الله وقال نهر ما أعظم بركته ولو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا على حافتيه القباب ولو لا ما يدخله من الخطائين ما انغمس فيه ذو عاهة الا برأ اهـ وفي الهدية قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ثم يجيء خليفة الله المهدي فاذا سمعتم به فأتوه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدي رواه أحمد بن حنبل والباوردي عن ابن مسعود:

وطلوع القرن العجيب المرائي * * * ذي السنين التي دهاها المحول

لعله أراد بالقرن نجما يطلع كهيئة القرن أو المراد قرن من الشمس أي خصلة منها بدليل ما في القول المختصر روى أنه لا يخرج المهدي حتى تطلع من الشمس اية وعلى هذا فقوله ذي السنين ظرف لطلوع أي ظهور القرن في ذي السنين ويحتمل أن يراد القرن من الزمان وفيه أقوال كثيرة أشهرها أنه مائة سنة ولعلنا رأينا بعضها أواخر القرن المار وأوائل هذا القرن وعلى هذا فذي بمعنى صاحب نعت للقرن أي القرن صاحب السنين أي المشتمل على السنين التي دها أهلها ما أصابهم من المحول بضم الميم جمع محل بسكون الحاء المهملة وهو الجدب والمرائي جمع مرأى كمنظر وزنا ومعنى أي محل للرؤية وجمع المرائي باعتبار تعدد الرؤية أو الرائين له فكأنه كلما رؤى ظهر منه مرأى غير الاوّل (روى) ابن ماجه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأتي على الناس سنوات خدّاعات بصدّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه ينطق في أمر العامّة اهـ ومعنى خداعها أنه يكثر فيها المطر ويقل الريع فقد أطمعتهم في الخصب بالمطر ثم تخلفت وقيل الخدّاعة القليلة المطر من خدع الريق اذا جف والرويبضة تصغير الرابضة وهو العاجز الذي ربض عن معالى الامور أي قعد عن طلبها وتاؤه للمبالغة كذا في النهاية:

↑صفحة ١٣٥↑

ونداء من السماء بأن الـ * * * حق في آل أحمد ما يحول
ونداء الشيطان في الارض أن في * * * آل عيسى أو غيره لا يزول

ما يحول أي لا يتحوّل ولا ينتقل وقوله أو غيره وهو العباس كما جاء في رواية أي يقول ذلك الشيطان لتخرج النصارى أو العباسيون فيقاوموا المهدي ولتظهر الفتن:

ولنصف من شهر صوم ترى الشمـ * * * س بوصف الكسوف حقا تحول
ولأولاه يخسف الطوس أو يخـ * * * سف فيه ثنتين فيما نقول

الطوس بفتح الطاء وسكون الواو القمر من طاس يطوس كقام يقوم اذا حسن وجهه وفي مختصر التذكرة عن شريك ان الشمس تكسف مرتين في رمضان قبل خروج المهدي اهـ وفي القول المختصر لمهدينا آيتان لم يكونا منذ خلق الله السموات والارض ينكسف القمر لأوّل ليلة من رمضان وتنكسيف الشمس في النصف منه وذكر رواية أخرى ان القمر ينكسف في رمضان مرّتين انتهى ولا تعارض بين هذه الروايات لمن تأمل:

وبشوال اتحاد وفي تلـ * * * ويه كرب يليه حرب طويل
ثم نهب الحجاج والقتل فيهم * * * بمنى فالدماء ثمّ تسيل
ثم يقضى خليفة فيطول الـ * * * خلف فيمن له الأمور تؤل

يشير بقوله وبشوال وفي تلويه تثنية تلو بكسر التاء أي تالييه الى ما ذكره ابن حجر روى أنه يبايع في المحرم بعد أن تسبقه فتن وحروب في رمضان وما بعده الى ذي الحجة فينهب الحاج بمنى ويكثر القتل حتى يسيل الدم على الجمرة ويهرب صاحبهم المهدي فيبايع بين الركن والمقام وهو كاره بل يقال له ان لم تفعل ضربنا عنقك وذكر رواية أخرى يحج الناس ويعرّفون على غير امام فتثور القبائل بمنى فيقتتلون حتى يسيل الدم على العقبة فيفزعون الى خبر المهدي فيأتونه وهو ملصق وجهه الى الكعبة يبكى فيقولون هلم فلنبايعك فيقول ويحكم كم من عهد نقضتموه وكم من دم سفكتموه فيبايع كرها فاذا أدركتموه فبايعوه فانه المهدي في الارض والمهدى في السماء اهـ وفي الهدية الندية من رواية نعيم بن حماد عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ١٣٦↑

في ذي القعدة تحارب القبائل وعاش ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى حتى يهرب صاحبهم فيبايع بين الركن والمقام وهو كاره يبايعه مثل عدّة أهل بدر يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض وأشار بقوله ثم يقضى بالبناء للفاعل أي يموت خليفة الخ الى ما رواه أبو داود عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام الحديث وفي القول المختصر يكون قبله فتن ثم يجتمع جماعة على رجل من ولد على كرم الله وجهه ليس له عند الله خلاق فيقتل ثم يموت فيقوم المهدي اهـ وفي الهدية عن على كرم الله وجهه يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيتي فيقتل ويمثل ويتوجه الى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت وفيها أيضا من رواية ابن أبى شيبة عن عاصم بن عمر البجلي موقوفا في المحرّم ينادى مناد من السماء ألا ان صفوة الله فلان فاسمعوا له وأطيعوا:

فيقوم المهدي من جهة الغر * * * ب أو الشرق ردؤه جبرئيل
فهو سور على المقدّمة الغرّ * * * ا وسور الوراء ميكائيل
والأمير الانسيّ مع جبرئيل * * * صاحب الخرطوم الولي الجليل
فهو عز المهدي ناصره المنـ * * * صور محبوبه فنعم الخليل

الردء بكسر الراء العون ومقدّمة الجيش بكسر الدال التي تتقدّم قدّامه والوراء الخلف بفتح أولهما ويكون بمعنى قدّام فهو من الأضداد وأشار بأولى اختلاف الروايات ففي بعضها يقوم من جهة الغرب الاقصى وأورد حديثها القرطبي في التذكرة وقال ابن حجر والسيوطي لا أصل له كما مر وفي بعضها يقوم من جهة الشرق وأحاديثها كثيرة في السنن ويمكن الجمع على تقدير صحة حديث القرطبي بأن له قومتين بدليل أنه يبايع مرّتين وفي الثانية يكون كارها كما يأتي وفي الهدية عن حذيفة رضي الله عنه ان المهدي يبايع بين الركن والمقام ويخرج متوجّها الى الشأم وجبريل على مقدّمته وميكائيل على ساقته يفرح به أهل السماء وأهل الارض والطير والوحش والحيتان في البحر ونحوه

↑صفحة ١٣٧↑

في القول المختصر (وروى) الترمذي لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يليهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه الحديث وورد أن الله تعالى يمدّه بثلاثة آلاف من الملائكة كما في رسالة الصبان وفي الجامع الصغير من رواية الامام أحمد وابن ماجه المهدي من أهل البيت يصلحه الله في ليلة أي يصلحه للأمارة والخلافة فجأة كذا في انجاح الحاجة على ابن ماجه وقال المناوي قيل انه يصير متصرفا في عالم الكون بأسرار الحروف وصاحب الخرطوم هو الذي ذكره القرطبي في التذكرة فقال في أثناء حديثه ويكون على مقدّمة عسكره صاحب الخرطوم وهو صاحب الناقة المعراء قوله المعراء من المعر بجيم وعين مهملة محركا وهو قلة الشعر من قولهم أرض معراء لا نبات بها وقد تحرفت بالغراء في نسخ مختصر التذكرة المطبوعة اهـ مؤلف وصاحب المهدي وناصر دين الاسلام وولى الله حقا اهـ وجاء في بعض الروايات تسميته ففي رسالة الصبان عن السيوطي ان على مقدّمة جيشه رجلا من تميم خفيف اللحية يقال له شعيب بن صالح وفي القول المختصر يملك قبل المهدي أميرا فريقي اثنتي عشرة سنة ثم يملك رجل أسمر يملؤها عدلا ثم يسير مع المهدي ويطيعه ويقاتل عنه:

وله بيعتان الاولى بمبدا * * * ه والاخرى بمكة فتعول
ولسبق الأولى يرى كاره الأخـ * * * رى فيلفى كأنه مستقيل
ولأولاهما يشير حديث الـ * * * ـغرب فافهم وقس على ما أقول

يعنى للمهدى بيعتان تثنية بيعة بفتح الموحدة وسكون التحتية اسم من المبايعة التي هي عبارة عن المعاقدة وهى المعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه ودخيلة أمره قاله في النهاية والاولى بدرج الهمزة بمبداه أي تحصل في أوّل أمره وهى التي تكون بالمغرب على ما مر والاخرى بدرج الهمزة أيضا تكون بمكة بين الركن والمقام كما مر وقوله فتعول أي تشتدّ وتتفاقم وقوله فيلفى بالفاء أي يوجد كأنه طالب للإقالة أي رفع البيعة المذكورة وقوله وقس على ما أقول أي وحديث الشرق يشير لأخراهما وقد ذكر حديث البيعتين القرطبي وغيره:

وببيداء بين مكة والغرّ * * * اء يدهى بالخسف جيش ضلول

البيداء بفتح الموحدة والمدّ أرض ملاء بين مكة والغراء وهى المدينة الشريفة لكنها

↑صفحة ١٣٨↑

الى مكة أقرب وكل مفازة لا ماء فيها فهي بيداء كما في ياقوت ومن أسماء المدينة أيضا طابة وطيبة بفتح فسكون وطيبة كسيدة والمطيبة كمعظمة والجابرة والمجبورة والحبيبة والمحببة كما في اللسان عن ابن برى والضلول كصبور كثير الضلال والغىّ:

ثم بعد الأخرى يسير إلى الشا * * * م فيغزو كلبا ومن تستميل

أي ثم بعد البيعة الثانية يسير الى بلاد الشام فيغز وقبيلة كلب وهم أخوال السفياني ويغزو القبائل التي تستميلهم وتجلبهم اليها وأشار بهذا البيت والذى قبله الى الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا الى مكة) أي كراهة لأخذ الامارة أو خوفا من الفتنة الواقعة فيها وهى المدينة المطهرة أو المدينة التي فيها الخليفة قال الطيبي وهو المهدي أي بدليل ايراد أبى داود هذا الحديث في باب المهدي (فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه قوله فيخرجونه أي من بيته ليتخذوه اماما كما في القول المختصر وقوله بعشا بسكون العين وفتحها أي جيشا اهـ منه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث اليه بعث من الشأم فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فاذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشأم) أي أولياؤه العباد واحدهم بدل محركا سموا بذلك لأنه كلما مات منهم واحد بدّل بآخر (وعصائب العراق) جمع عصابة بكسر العين الجماعة من الناس من العشرة الى الاربعين ولا واحد لها من لفظها وقيل أراد جماعة من الزهاد سماهم بالعصائب لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء كذا في النهاية (فيبايعونه بين الركن والمقام ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث اليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم (صلى الله عليه وسلم) الحديث وفي رواية له كابن ماجه واللفظ للثاني فقالت أم سلمة يا رسول الله لعل فيهم المكره قال انهم يبعثون على نياتهم) أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها قال النووي وفي هذا الحديث من الفقه التباعد عن أهل الظلم والتحذير عن مجالستهم لئلا يناله ما يعاقبون به وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في سائر عقوبات الدنيا وقوله ثم ينشأ رجل من قريش الخ هذا الرجل هو السفياني كما صرح به في روايات بلغت مبلغ التواتر فيسير بمن معه الى المهدي فيظهر المهدي ومن معه عليهم ويذبح

↑صفحة ١٣٩↑

السفياني على باب إيليا وهو كما نقله الصبان عن الشيخ المجدولي رجل من ولد خالد بن يزيد ابن أبى سفيان ضخم الهامة بوجهه أثر الجدري وبعينه نكتة بيضاء يخرج من ناحية دمشق يفعل الأفاعيل ويقتل قبيلة قيس اهـ وفي التذكرة ان اسمه عروة بن محمد السفياني ونقل ابن حجر روايات متعارضة في محل قتل السفياني وقدّم منها رواية انه يذبح تحت الشجرة التي أغصانها الى بحيرة طبرية (وروى) أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ما أدرى أنسى أصحابي أم تناسوا والله ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من قائد فتنة أي داعى ضلالة وباعث بدعة ويبلغ صفته والمراد بمن معه متابعوه اهـ منه الى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا إلّا سما باسمه واسم أبيه واسم قبيلته:

ثم يغزو كفار أندلس * * * ثمّ فروقا ويكثر التقتيل

حديث فتح الأندلس ذكره القرطبي وهى بفتح الهمزة وضم الدال وفتحها مع ضم اللام لا غير كلمة أعجمية لم تستعملها العرب في القديم وانما عرفتها في الاسلام جزيرة كبيرة فيها عامر وغامر طولها نحو شهر في نيف وعشرين مرحلة تغلب عليها المياه الجارية والشجر والثمار تواجه من أرض الغرب تونس أفاده ياقوت في معجمه وفروق كصبور لقب القسطنطينية بضم القاف وفتح الطاء الأولى وانظر القاموس قال أبو تمام:

وقعة زعزعت مدينة قسط * * * نطين حتى ارتجت بسور فروق

كانت دار ملك الروم عمرها من ملوكهم قسطنطين فسميت باسمه وفتحت في زمن عثمان رضي الله عنه قال سيدى محمد الحنفي في حاشيته على الجامع الصغير وسيملكها الفرنج آخر الزمان بنزولهم في البحر ويكون السلطان بمحل آخر ثم يفتحها وزراء المهدي ويرجعون السلطان فيها ويكون من وزراء المهدي اهـ وروى أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن بسر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج المسيخ الدجال في السابعة وفي رواية لهما عن معاذ بن جبل رضي الله عنه الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر قال أبو داود وحديث عبد الله بن بسر أصح اهـ أي فهو المرجح على أنه يمكن أن يكون المراد كما قاله

↑صفحة ١٤٠↑

ابن كثير بين أوّل الملحمة وآخرها ست سنين ويكون بين آخرها وفتح المدينة وهى القسطنطينية مدة قريبة بحيث يكون ذلك مع خروج الدجال في سبعة أشهر اهـ مصباح الزجاجة (والملحمة) بفتح الميم شدة القتال وموضع الحرب لاشتباك الناس فيها كاشتباك لحمة الثوب بضم اللام بالسدى بفتح السين والدال المهملتين وقيل هو من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبي الملحمة فهو اما من هذا واما بمعنى الصلاح وتأليف الناس كانه يؤلف أمر الامة (وروى) ابن ماجه في سننه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا تقوم الساعة حتى يكون أدنى مسالح المسلمين ببولاء ثم قال يا على يا على يا على قال بأبي وأمي قال انكم ستقاتلون بنى الأصفر ويقاتلهم الذين من بعدكم حتى تخرج اليهم روقة الاسلام أهل الحجاز الذين لا يخافون في الله لومة لائم فيفتحون القسطنطينية بالتسبيح والتكبير فيصيبون غنائم لم يصيبوا مثلها حتى يقتسموا بالأترسة ويأتي آت فيقول ان المسيح قد خرج في بلادكم ألا وهى كذبة فالآخذ نادم والتارك نادم (والمسالح) جمع مسلحة وهم قوم ذو وصلاح يحفظون الثغور من العدوّ لئلا يطرقهم على غرّة (وبولاء) بفتح الموحدة وسكون الواو اسم موضع كان ينهب فيه الاعراب متاع الحاج وبنو الاصفر هم الروم لان أباهم الاول كان أصفر اللون وهو روم بن عيصو بن اسحق بن ابراهيم وقال النووي نسبوا الى الاصفر بن روم ابن عيصو اهـ نهاية باختصار (وروقة الاسلام) بضم الراء خيار المسلمين جمع رائق من راق الشيء اذا صفا كفاره وفرهة وصاحب وصحبة بالضم* وفي الهدية الندية كالقول المختصر ان المهدي يفتح رومية يكبرون عليها أربع تكبيرات فيسقط حائطها ويستخرجون منها ذخائر بيت المقدس أي التي أودعها فيه بخت نصر ويستخرجون التابوت الذي فيه السكينة ومائدة بنى اسرائيل ورضاضة الالواح وعصا موسى ومنبر سليمان وقفيزان من المنّ الذي أنزله الله (عزَّ وجلَّ) على بنى اسرائيل أشدّ بياضا من اللبن فيستخرجونه ويردّونه الى بيت المقدس اهـ ونحوه في التذكرة:

ويذل الملوك طرّا فكل * * * لعلا عزه المنيع ذليل
وله يذعن الانام ويدنو * * * كل قاص ويعظم التعديل

↑صفحة ١٤١↑

وتفيض السماء والارض خيرا * * * لا يضاهيه حين يجرى النيل
ثم يبقى حتى يكمل سبعا * * * أو سواها كما رواه الفحول

يذل الملوك أي يقهرهم جميعا والعلا بضم العين المهملة مقصورا الشرف وكذا العلاء كسحاب والعز القوّة والشدّة وضدّ الذل والمنيع المانع لحوزته أو الممنوع من أن يناله مكروه وله تذعن أي تخضع وتطيع ويدنو كل قاص أي يقرب منه كل بعيد وتعديل الشيء تقويمه يقال عدّل الحكم تعديلا سوّاه وتفيض من أفاضل الماء على نفسه أفرغه والمضاهاة المشاكلة يهمز ولا يهمز (في الهدية الندية) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج خارج من أهل بيتي على ثلاث رايات المكثر يقول خمسة عشر ألفا والمقلل يقول اثنى عشر ألفا أماراتهم قوله أماراتهم أي علامتهم التي يتعارفون بها أمت أمت وهو أمر من الاماتة تفاؤلا بالنصر اهـ منه أمت أمت يلقون سبع رايات تحت كل راية منها من يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا ويردّ الله الى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم رواه الطبراني في الاوسط وأبو نعيم وقال (صلى الله عليه وسلم) أبشروا بالمهدى رجل من قريش من عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ويقسم المال بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى يأمر مناديا فينادى من له حاجة فليأتنا فما يأتيه الا رجل واحد يأتيه فيسأله فيقول ائت السادن يعطك فيأتيه فيقول أنا رسول المهدي اليك لتعطيني مالا فيقول احث فيحثو ما لا يستطيع أن يحمله فيلقى حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمل فيخرج به فيندم فيقول أنا كنت أجشع أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) نفسا كلهم دعى الى هذا المال فتركه غيرى فيردّه عليه فيقول انا لا نقبل شيئاً أعطيناه فيلبث في ذلك ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده رواه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود كما في الهدية وأحمد والباوردي كما في الصواعق (وروى) ابن عساكر وغيره عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه يكون في أمتى المهدي ان قصر عمره فسبع سنين والا فثمان والا فتسع تنعم أمتى في زمانه نعيما لم ينعموا مثله قط البرّ منهم والفاجر ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الارض شيئاً من نباتها ويكون المال كدسا (بضم الكاف أي كثيرا مجتمعا كأكداس الحب) يقوم

↑صفحة ١٤٢↑

الرجل فيقول يا مهدى أعطني فيقول خذ (وروى) أحمد بن حنبل عن أبى سعيد أيضا يكون آخر الزمان عند تظاهر من الفتن وانقطاع من الزمن أمير وانما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل فيحثى له في حجره (وروى) أحمد أيضا عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج المهدي في آخر الزمان يسقيه الله الغيث وتخرج الارض نباتها ويعطى المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا (وروى) الخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما ملك الدنيا مؤمنان وكافران أما المؤمنان فذو القرنين وسليمان وأما الكافران فنمرود وبخت نصر وسيملكها خامس من عترتي فهو المهدي (تنبيه) قال ابن حجر ورواية سبع سنين أكثر الروايات وأشهرها ووردت روايات أخر تخالفها منها أنه يمكث تسع عشرة سنة وأشهرا وفي رواية عشرين سنة وفي أخرى أربعين ثم قال ويمكن الجمع على تقدير صحة الكل بأن ملكه متفاوت الظهور والقوّة فيحمل التحديد بالاكثر كأربعين على أنه باعتبار مدّة الملك من حيث هو هو وبالسبع أو بأقل منها على أنه باعتبار غاية ظهوره وقوّته وبنحو العشرين على أنه أمر وسط بين الابتداء والانتهاء اهـ وقال الصبان في رسالته ورد في بعض الآثار أن السنة من سنيه تكون مقدار عشر سنين وأنه يبلغ سلطانه المشرق والمغرب وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الارض خراب الا ويعمره وقال سيدى مصطفى البكري في الهدية والذى يلوح للسر الممنوح أنه يمتدّ له الزمان ويتسع له الأوان ويبقى في زمن الروح وزيرا كبيرا ومشيرا خطيرا ويعم امداده الكون في الطول منه والعرض لقوله عز من قائل وأماما ينفع الناس فيمكث في الارض اهـ وروى ابن الجوزي في تاريخه عن ابن عباس أن أصحاب الكهف أعوان المهدي اهـ وحينئذ فسرّ تأخيرهم الى هذه المدّة اكرامهم بشرف دخولهم في هذه الامة أي واعانتهم للخليفة الحق كما نقله الصبان عن السيوطي وسيأتي أن أصحاب الكهف يكونون حواريّ عيسى (عليه السلام) ويحجون معه فانهم لم يحجوا ولم يموتوا:

ثم يأتي المسيح حتى يصلى * * * خلفه وليكن كذا التفضيل

يعنى ثم ينزل عيسى بن مريم في زمن المهدي على نبينا وعليهما الصلاة والسلام ويصلى

↑صفحة ١٤٣↑

خلفه ببيت المقدس أوّل صلاة ثم يكون السيد عيسى بعدها اماما واقتداؤه بالمهدى في هذه الصلاة علامة على أنه نازل بشريعة نبينا متبع له كما أفاده ابن حجر ونزوله من عند المنارة البيضاء شرقي دمشق كما رواه الطبراني عن أوس بن أوس الثقفي كما في الجامع الصغير وفي رواية للترمذي وابن ماجه عن النواس بن سمعان ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين أي لا بساحلتين مصبوغتين بورس أو زعفران واضعا كفيه على أجنحة ملكين اذا طأطأ رأسه قطر واذا رفعه تحدّر منه جمان كاللؤلؤ أي عرقه ففي رواية وان رأسه يقطر وان لم يصبه بلل ولا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه الا مات ونفسه ينتهى حيث ينتهى طرفه قال الجلال السيوطي قال الحافظ ابن كثير هذا هو الاشهر في موضع نزوله اهـ وفي الهدية روى الدارقطني في الأفراد والخطيب وغيرهما عن عمار بن ياسر قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منا الذي يصلى عيسى بن مريم خلفه وقال (صلى الله عليه وسلم) لا تزال طائفة من أمتى تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر بيت المقدس ينزل على المهدي فيقول تقدّم يا نبي الله فصل بنا فيقول هذه الامة أمراء بعضهم على بعض وقال (صلى الله عليه وسلم) كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم رواه ابن ماجه والروياني وغيرهما وهو في الجامع أيضا عن أبى هريرة رضي الله عنه قال العلقمي قال بعضهم يعنى أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل وقال المناوي أي والخليفة من قريش أو وامامكم في الصلاة رجل منكم وهذا استفهام عن حال من يكون حيا عند نزول عيسى أي كيف سروركم بلقيه وكيف يكون فخر هذه الامة وروح الله يصلى وراءهم (وروى) مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم قوله بالأعماق بفتح الهمزة ودابق بكسر الباء الموحدة موضعان بقرب حلب وقوله سبوا بضمتين في رواية الاكثر أو بفتحتين وكل صواب اهـ نووي على مسلم بالأعماق أو بدابق فيخرج اليهم جيش من المدينة من خيار أهل الارض يومئذ فاذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا فنقاتلهم فيقول المسلمون لا والله لا نخلى بينكم وبين اخواننا فيقاتلونهم فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا أي لا يلهمهم التوبة ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية فبينما هم يقتسمون الغنائم قد طقوا سيوفهم بالزيتون اذ صاح فيهم

↑صفحة ١٤٤↑

الشيطان ان المسيح قد خلفكم في أهلكم فيخرجون وذلك باطل فاذا جاءوا الشأم خرج فبينما هم يعدّون للقتال يسوّون الصفوف اذ أقيمت الصلاة فنزل عيسى بن مريم فأمّهم فاذا رآه عدوّ الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته (وروى) مسلم وابن ماجه عن أم شريك رضي الله عنها قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليفرّن الناس من الدجال حتى يلحقوا بالجبال قالت أم شريك قلت يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم قليل وجلهم ببيت المقدس وامامهم رجل صالح فبينما امامهم قد تقدّم يصلى بهم الصبح اذ نزل عليهم عيسى ابن مريم فرجع ذلك الامام ينكص يمشى القهقرى ليقدّم عيسى يصلى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدّم فصل فإنها لك أقيمت فيصلى بهم امامهم فاذا انصرف قال عيسى افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى فاذا نظر اليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا فيقول عيسى ان لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب لدّ الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي الا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة الا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق الا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله اهـ والغرقدة واحدة الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف فدال مهملة ضرب من شجر الشوك وقيل كبار العوسج ومنه قيل لمقبرة المدينة بقيع الغرقد لأنه كان فيه غرقد وقطع أفاده في النهاية:

وبالأقصى يقضى ويمكث عيسى * * * مدّة خيرها المديد جزيل

يعنى أن المهدي يموت بيت المقدس على فراشه فجأة ويصلى عليه المسلمون كما ذكره القرطبي وغيره ويمكث عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بعده مدّة أربعين سنة على ما ذكره الحافظ السيوطي في كتابه الكشف من طرق عديدة وقال القرطبي رواية أربعين سنة أصح الروايات وهذه المدّة خيرها الممتدّ جزيل أي عظيم (روى) البغوي في المصابيح وقال متفق عليه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليوشكنّ أن ينزل فيكم عيسى بن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب

↑صفحة ١٤٥↑

ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد وحتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه فاقرؤا ان شئتم وان من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته الآية أي ليؤمنن بعيسى قبل موته وهو زمان نزوله فتكون الملة وهى ملة الاسلام واحدة ويتم العموم المحمدي باتباع الكل له وقوله ويضع الجزية أي لأنه يحمل الناس على الاسلام أو السيف فلا يبقى من يؤديها لأن جواز أخذها مغيا بنزوله (عليه السلام) فعدم قبوله الجزية من شرعنا أيضا وفي رواية زيادة ويترك الصدقة أي الزكاة لكثرة المال وغنى الفقراء وقوله حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا المراد أن رغبة الناس في زمنه ليست الا في العبادة بحيث تكون السجدة الواحدة أحب اليهم من الدنيا وما فيها فلا ينافى أن السجدة الواحدة في ذاتها خير من الدنيا وما فيها بل ورد تسبيحة واحدة خير لك من الدنيا وما فيها (وفي رواية وترفع الشّحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة) بضم الحاء وفتح الميم مخففة أي ذات سم كالحية والعقرب (حتى يدخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره ويكون الذئب في الغنم كانه كلبها وتملأ الارض من السلم كما يملأ الاناء من الماء وتكون الكلمة واحدة وتضع الحرب أوزارها وتسلب قريش ملكها) أي تأخذه قهرا من الكفار لان المهدي من قريش فيستردّ ما أخذه الكفار (وتكون الارض كفا ثور الفضة) بالمثلثة المضمومة قبل الواو أي كخوان أو طست الفضة ومنه قيل لقرص الشمس فاثورها (تنبت نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف) بكسر القاف أي العنقود (من العنب فيشبعهم ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم) وفي المصابيح روى ابن الجوزي في كتاب الوفاء عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينزل عيسى بن مريم الى الارض فيتزوّج ويولد له فيمكث خمسا وأربعين سنة ويدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى من قبر واحد بين أبى بكر وعمر أي من مقبرة واحدة وعبر عنها بالقبر لقرب قبره من قبره فكأنهما في قبر واحد وهى الحجرة الشريفة وفي السيرة الحلبية أنه يتزوّج بامرأة من جذام قبيلة باليمن ويولد له ولدان يسمى أحدهما محمدا والآخر موسى وان مدة مكثه سبع سنين على ما في مسلم وبها يكون مدة حياته في الارض أربعين

↑صفحة ١٤٦↑

لتنبيئه وهو ابن ثلاثين سنة ورفعه وهو ابن ثلاث وثلاثين اهـ قال القرطبي وروى اسمعيل بن اسحق أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا تقوم الساعة حتى يمرّ عيسى ابن مريم بالروحاء) بفتح الراء وسكون الواو موضع بين الحرمين على ثلاثين أو أربعين ميلا من المدينة كما في القاموس (حاجا أو معتمرا أو ليجمعنّ الله له بين الحج والعمرة ويجعل الله حواريه أصحاب الكهف والرقيم فيمرّون معه حجاجا فانهم لم يحجوا ولم يموتوا اهـ وفي الجامع الصغير من رواية الحاكم في مستدركه عن أبى هريرة رضي الله عنه ليهبطنّ عيسى بن مريم حكما عدلا واماما مقسطا وليسلكن فجا) بفتح الفاء وتشديد الجيم أي طريقا واسعا (حاجا أو معتمرا وليأتين قبري حتى يسلم عليّ ولأردنّ (عليه السلام)) قال القرطبي وروى الحكيم الترمذي في نوادر الاصول أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال والذى بعثني بيده أو والذى بعثني بالحق ليجدنّ ابن مريم في أمتى خلفا من حواريه وفي رواية ليدركنّ المسيح من هذه الامة أقواما انهم لمثلكم أو خير منكم ثلاث مرات ولن يخزى الله أمة أنا في أولها والمسيح في آخرها اهـ وفي رواية لا بن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدى من أهل بيتي في وسطها ورواه أبو نعيم في أخبار المهدي عن ابن عباس أيضا بإسناد حسن كما في الجامع الصغير قال المحقق ابن حجر والمراد بالوسط قرب الآخر حتى لا ينافى بقية الروايات المصرّحة بانه آخرها ولتقدّمه يسيرا على عيسى وصف بانه آخر اهـ ولا ينافى ذلك أيضا ما في فتح الباري من رواية نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشأم أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرته وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعا يكون بعد المهدي القحطاني والذى بعثني بالحق ما هو دونه اهـ أي ليس بأقل منه منزلة فيعدل مثل عدل المهدي وهو كما في رسالة الصبان رجل من أهل اليمن وهذا الحديث في الجامع الصغير من رواية الطبراني وقال انه حديث حسن وهو أيضا في الهدية الندية من رواية أحمد بن حنبل وأبى نعيم عن أبى سعيد ومن رواية الطبراني وابن منده عن قيس بن جابر وهذه الروايات تدل على أنه المراد مما رواه البخاري عن أبى هريرة

↑صفحة ١٤٧↑

 رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه قال شارحه هذا كناية عن انقيادهم اليه ولم يرد نفس العصا وانما ضربها مثلا لطاعتهم له واستيلائه عليهم ثم قال واستشكل بانه كيف يكون في زمن عيسى من يسوق الناس بعصاه والامر اذ ذاك انما هو لعيسى وأجيب بجواز أن يقيمه عيسى نائبا عنه في أمور مهمة عامة انتهى ولا ينافى ذلك أيضا ما نقله المحقق في القول المختصر عن ابن عمر رضي الله عنهما يكون بعد الجبار الجابر يجبر الله تعالى به أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم المهدي ثم المنصور ثم السلام ثم أمير العصب لان الآخر نسبيّ فكون هؤلاء بعد المهدي لا يمنع كونه آخرا حقيقة ثم ذكر روايات متعارضة في تعدد المهدي ومن يلى بعده وقال والذى يتعين اعتقاده ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر ومن نزول عيسى في زمنه والمذكورون قبله لم يصح فيهم شيء وبعده أمراء صالحون أيضا لكن ليسوا مثله فهو الآخر في الحقيقة:

فعلى كل السلام وآها * * * لو بكل لنا يتم الوصول

لو للتمني وآها بمد الهمزة كلمة توجع التوجع مصدر توجعت الفلان اذا رثيت له ورققت والتلهف التحسر والاعجاب بالشيء استعظامه واستطابته اهـ منه وأما واها فكلمة تلهف ومنه حديث أبى الدرداء ما أنكرتم من زمانكم فيما غيرتم من أعمالكم ان يكن خيرا فواها واها وان يكن شرا فآها آها وقيل ان واها تستعمل للتوجع أيضا كما أنها توضع موضع الاعجاب يقال واها له أي عجبا له أفاده في النهاية (قلت) ويحتمل الثلاثة ما جاء في رواية أبى داود عن المقداد ابن الاسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول ان السعيد لمن جنب الفتن ان السعيد لمن جنب الفتن ان السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها ولا يخفى ما في هذا البيت من أنواع البديع حسن الختام حيث أتى فيه بما يشعر بالتمام اللهم أحسن عاقبتنا في الامور كلها وأجرنا من خزى الدنيا وعذاب الآخرة انك أهل التقوى وأهل المغفرة بجاه نبيك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم (قال الشارح حفظه الله) تم تبييضه ليلة الاربعاء السابع عشر من جمادى الثانية عام ثمان بعد ثلاثمائة وألف هجرية

↑صفحة ١٤٨↑

وحيث طعمت من ذلك اللحم الطريّ والارز الشهي والقطر الهنيّ وتعطرت بعطره الزكي وطربت من ألحان الناغم والصادح والباغم فلتتناول من هذه الحلواء لتعود علينا وعليك بركات بنى الزهراء وتكون من الشاكرين لممدّ تلك المائدة لا زالت فوائد موائده علينا عائده ألا وهو العلامة (الشهاب الحلواني) أعيذه برب المثاني من حاسد معاني:

بنفسي أفدى الزهر من بضعة الزهرا * * * وان هم رضوا نفسى فقد عظمت قدرا
هم الشرف العالي هم أفق العلا * * * هم رونق الدنيا هم رونق الأخرى
هم القوم ان جادوا أجادوا وان سطوا * * * أبادوا وان قالوا أفادوا فهم أدرى
هم القوم يستسقى الغمام بوجههم * * * هم الفرج الأدنى لمن جاء مضطرّا
هم الدين والدنيا لعمرى هم هم * * * فقل فيهم ما شئت لا ترهبن نكرا
وعال بهم من شئت ان ذكروا العلا * * * وفاخر بهم من شئت ان ذكروا الفخرا
غصون رسول الله دوحة عزهم * * * ومن مثل خير المرسلين أبى الزهرا
بدور سمت عن شمس أكرم مرسل * * * أنا رواد ياجى الكون بالطلعة الغرّا
وبالبرّ والتقوى وبالحلم والندى * * * وبالعلم والفتوى وبالذكر والذكرى
وبالحرّ من تلك الشمائل والحلى * * * وبالغرّ من تلك المعالى فما أسرى
بها ليل زهر طاهرون أكارم * * * غطاريف غرّ ذكرهم ينطف العطرا
نسائم أسحار اذا نشروا الهدى * * * حجا حجة لدّ اذا أبطلوا النكرا
رياحين أزكى الخلق أزهار روضه * * * أشعة ذاك النور أعراقه الزهرا
فأقسم لو ذرّت علاهم على السما * * * مكان الدراري لاستحال الدجى ظهرا
وأقسم لو أن السها في خفائه * * * تنظم في مدحيهم لغدا بدرا
وأقسم ان العرش أصفى لمدحتي * * * لهم طربا فاهتز واعتز وافترّا

↑صفحة ١٤٩↑

اذا العرش أصغى حين أذكر مدحهم * * * فلا غرو فالسبطان شنفاه لا نكرا
وفي الملا الأعلى اذا شاع ذكرهم * * * فلا تحصر البرهان في ليلة الاسرا
أليس عليّ كرم الله وجهه * * * كما جاءنا عنه بطرق السما أدرى
سل الشمس عنه فهي تعرف فضله * * * مذ استرجعت حتى غدا فقضى العصرا
وسل جنة الفردوس يوم ازدهت وقد * * * بنى بالتي سادت نساء الورى طرّا
أتى الوحى أن تجلى عروسا لحيدر * * * فيا شرفا أضحى به الكون مفترّا
فأكرم به صهرابه يفخر العلا * * * على كل فخر ثم أكرم به صهرا
وناهيك أن المصطفى قال صلبه * * * لذريتي مأوى فأعظم بها بشرى
ليهن بنيه المجد نظم هكذا * * * نبيّ الهدى فاطرب وحيدر والزهرا
بنفسي أهل البيت من مثلهم علا * * * وهم في عيون المجد نور قد افترّا
ومن ذا يساوى أو يقارب بضعة * * * لهم تنتهى العلياء والرتبة الكبرى
محبتهم باب الرضا ورضاهم * * * يسام بأرواح المحبين لو يشرى
بمدحتهم جاء الأمين فأصبحت * * * عشورا تؤدّى كلما قارئ يقرا
وجبريل أخشى أن يغار لمدحتي * * * لهم وهى منه لا تجي ريشة خضرا
فجبريل سباق لخدمتهم ومن * * * كجبريل اذ ساس البراق لدى الاسرا
كذلك جبريل غدا من ذوى الكسا * * * كسبطى رسول الله يا رفعة كبرى
فيا أهل بيت المصطفى أنا عبدكم * * * عليّ فمدّوا من حياطتكم سترا
فأنتم ذوو الجاه الوجيه وكم وكم * * * بكم جبر الرحمن يا سادتي كسرا
ألستم نثارا من نظام محمد * * * فمن مثله نظما ومن مثلكم نثرا
لعمرى هذا المجد والعز والعلا * * * وأرقى مراقي الفخر والشرف الأسرا
فيا أيها الساعي ليمحو مجدهم * * * رويدك لا تسطيع أن تطمس البدرا
ويا من يعاديهم لفرط شقائه * * * تمتع قليلا أنت في سقر الحمرا
ويا من يواليهم ويحفظ ودّهم * * * ويكرم مثواهم هنيئا لك البشرى
فلا بدّ يوم العرض تسمع قائلا * * * تفضل تفضل فادخل الجنة الخضرا

↑صفحة ١٥٠↑

يقول خادم تصحيح العلوم بدار الطباعة البهية ببولاق مصر المعزية الفقير الى الله تعالى محمد الحسيني أعانه الله على أداء واجبه الكفائي والعيني:
بحمد الله تم طبع هذه الرسائل التي هي لا بلاغ قاصدها جميع الآمال أنفع الوسائل طراز بنان الصنع الاوحد ونتيجة بيان العلم المفرد علامة هذا الزمان وسحبان هذا الآن المتحلى من حلى الكمال بأزينها المتخلق من مكارم الاخلاق بأحسنها الاستاذ الافضل الشيخ أحمد الحلواني الشافعي أطال الله بقاءه وأدام النفع به آمين أحسن حفظه الله في تنسيقها وأجاد أيده الله في تحقيقها ولا سيما القطر الشهدي في أوصاف المهدي فانه عقد جمع من علامات السيد المهدي دررا ومن شمائله غررا وقد تضوّع طيبه وأزهر طيبه بما شرحه به العلامة المتقن وعلقه عليه الألمعي المتفنن الاستاذ الفاضل والهمام الكامل السيد محمد بن محمد البلبيسي الشافعي أحد الفضلاء المصححين بهذه المطبعة شكر الله لهما هذا الصنع الجميل وجزاهما عليه الجزاء الجزيل على ذمة ذي الهمة السنيه والاخلاق البهية حضرة مصطفى افندي يوسف البشكار الدمياطى*بالمطبعة الكبرى العامرة ببولاق مصر القاهرة في ظل الحضرة الفخيمة الخديوية وعهد الطلعة المهيبة البهية التوفيقية حضرة من أجرى أمور رعيته على نهج السداد فبلغوا من الثروة والرفاهية غاية المراد وسلك في اصلاح أحوالهم سبيل الرشاد أدم اللهمّ سدّته ملتثم الشفاه ومأمن كل خائف أوّاه وأطل بقاء حضرات أنجاله الكرام وأشباله الفخام ملحوظا هذا الطبع اللطيف والشكل الظريف بنظر من عليه جميل أخلاقه بمزيد اللطف يثنى حضرة وكيل الاشغال الأدبية محمد بك حسنى وكان تمام طبعه وكمال ينعه في أواخر رجب الفرد سنة ١٣٠٨ من هجرة سيد الاولين والآخرين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
ولما أسفر بدرها وأينع زهرها قرّظها الاستاذ الأديب والعلامة الأريب الشيخ طه محمود قطرية أحد المصححين بهذه المطبعة مؤرخا عام طبعها فقال:

↑صفحة ١٥١↑

قلبي مع الغيد يذهب * * * في حبهم كل مذهب
ولائمي قد عناه * * * ما قد عناني وأعجب
اذا طربت لشوقي * * * أراه للوم يطرب
يودّ لو كنت أسلو * * * ذات البنان المخضب
وليس في القلب حظ * * * لغيرها الدهر يطلب
متى ينال رضاها * * * قلبي ومن شاء يغضب
وكم لها أترضى * * * وكم لها أتحبب
والناس طرّا أراهم * * * إلبا عليّ تألب
في حبها خطؤنى * * * ولحظها السهم صوّب
يا قلب خلّ الأماني * * * فضرعها ليس يحلب
ولا تعاتب صديقا * * * أي الرجال المهذب
ترجو من الطين صفوا * * * في كل حال ومشرب
ان كنت تبغى ودادا * * * حلو المذاق مجرّب
فارغب الى الحلواني * * * من عنده الفضل يرغب
ألا ترى ما حبانا * * * مما به تتأدّب
وكم له من كتاب * * * في صفحة القلب يكتب
فأحمد الغيث نفعا * * * وأحمد الليث يرهب
وهو الامام المرجى * * * وهو العذيق المرجب
حدّث عن البحريا من * * * أطال مدحا وأطنب
فما قصاراك الا الـ * * * قصور فاربع أو انصب
وذي رسائل عنه * * * لم تعن فيها وتتعب
أغنت عن الأرز لما * * * جاءت بشيء محبب
وعصبت في تراث * * * فتى عن الشهد يحجب
وحبر بلبيس مولى * * * شهم الى الخير يدأب
أضاف للقطر عطرا * * * حلى وحلّ المركب
والقطر حلو ولكن * * * بالعطر أحلى وأنسب

↑صفحة ١٥٢↑

شرح به الكرب يجلى * * * والشرح للصدر يجلب
حوى أحاديث صدق * * * تنبيك عما تغيب
يا حبذا شرح هاد * * * مهديّ قلب مهذب
حليف علم وفضل * * * لبضعة السبط ينسب
فاحمد إلهك واشكر * * * يدا حبت خير مطلب
واسمع لتاريخ طبع * * * في بيت شعر مطنب
رسائل الحلواني * * * تهدى من الشهد أطيب

٣٠١ ١٣٦ ٤١٩ ٩٠ ٣٤٠ ٢٢ سنة ١٣٠٨
وقرّظها أيضا الاستاذ العلامة الفاضل الشيخ محمد أبو خضير الفارسكوري الملقب بالروض مؤرخا فقال

رسائل مولانا الشهاب قد ازدهت * * * وبالطبع فيها للفنون وسائل
فبادر اليها واقتطف زهر روضها * * * وأرخ زهت بالطبع تلك الرسائل

سنة ١٣٠٨
وقرّظها مؤرخا أيضا الاديب الذكي والفطن الألمعي من شهرة فضله عن مدحه تغنى حضرة محمد افندي فنى مترجم مجلس النظار سابقا فقال:

للسيد الاستاذ أحمد من يرى * * * تأليفه في مصر كالدرّ النظيم
وهو الخليجي الامام أبو التقى * * * وضع الكلام بحكمة وضع الحكيم
مجموع آداب لخمس رسائل * * * تحكى برقتها محادثة النديم
من لطفها بالطبع قلت مؤرخا * * * هذى رسائل ودّكم طب كالنسيم

سنة ١٣٠٨ ٧١٥ ٣٠١ ١١٧٠ ٢١١

↑صفحة ١٥٣↑

غالية المواعظ خير الدين، نعمان بن محمود بن عبد الله، أبو البركات الالوسي الحنفي (١٢٥٢ - ١٣١٧)

كان فقيها، متكلما، واعظا، من اعلام الأسرة الآلوسية في العراق ولد ونشأ ببغداد وتصدى القضاء في عدة من البلاد، منها الحلة.
وله رحلات الى سوريا وتركيا ومكث في الاستانة والقسطنطينية سنتين واجتمع بفضلائها ثم رجع يحمل لقب رئيس المدرسين. فترك المناصب وعكف على التدريس الى ان توفي ببغداد وجمع خزانة كتب نادرة.
قال الزركلي: قال الأثري في وصفه: كان عقله أكبر من علمه وعلمه ابلغ من إنشائه وإنشاؤه أمتن من نظمه.

↑صفحة ١٥٥↑

له مؤلفات: منها «جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، ابن تيمية وابن حجر» ط «الأجوبة العقلية لا شرفية الشريعة المحمدية»، «الجواب الفسيح لما لفق عبد المسيح» ط «صادق الفجرين» في علي ومعاوية.
ومنها «غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ» رتب على خمسين مجلسا طبع في ١٣٠١ هـ ببولاق مصر في الجزئين وفي الجزء الأول بحث حول المهدي المنتظر (ع) يبدأ من ٧٦ وينتهي الى ص ٧٩(٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) الاعلام للزركلي ٩/٩، معجم المطبوعات ٧-٨، فهرس التيمورية ٢/٣٤ و٣/٦-٧.، ايضاح المكنون ٢/١٣٥.

↑صفحة ١٥٦↑

هوية الكتاب
(الجزء الاوّل) من كتاب غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ للعالم العلامة الحبر البحر الفهامة خاتمة المحققين والمدققين السيد الشيخ خير الدين أبى البركات نعمان افندي آلوسي زاده ابن السيد الشيخ محمود افندي المفتي ببغداد الشهير بآلوسىزاده نفعنا الله به والمسلمين أجمعين آمين:
يطلب من مكتبة المثنى ببغداد * (الطبعة الاولى) * بالمطبعة الميرية ببولاق مصر المحمية سنة ١٣٠١ هجرية

↑صفحة ١٥٧↑

ومنها كما ورد في الحديث قلة الرجال وكثرة النساء حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد ومنها ما روى عن حذيفة الغفاري رضي الله تعالى عنه قال اطلع علينا النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) ونحن نتذاكر فقال ما تتذاكرون قلنا نذكر الساعة فقال عليه الصلاة والسلام انها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر عليه الصلاة والسلام الدخان والدجال ودابة الارض وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى (عليه السلام) وخروج يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس الى محشرهم اهـ قال العلامة السفاريني في منظومته:

وما أتى في النص من أشراط * * * فكله حق بلا شطاط
منها الامام الخاتم الفصيح * * * محمد المهدي والمسيح
وأنه يقتل للدجال * * * بباب لدّخل عن جدال
وأمر يأجوج ومأجوج ثبت * * * فانه حق كهدم الكعبة
ودابة وآية الدخان * * * وأنه يذهب بالقرآن
طلوع شمس الافق من دبور * * * كذات أجياد على المشهور
فكلها صحت بها الاخبار * * * وسطرت آثارها الاخيار
وآخر الآيات حشر النار * * * كما أتى في محكم الاخبار

هـ ولنذكر مفصل ذلك فنقول ان هذه العلامات العشر هي الآيات الكار القريبة لقيام الساعة فمنها خروج لهدى رضي الله تعالى عنه على القول الاصح عند أكثر العلماء ولا عبرة بمن أنكر مجيئه من الفضلاء وان استدل بما بعض الروايات الضعيفة لا مهدى الا عيسى حتى قال ابن حجر في الصواعق ما نصه قوله تعالى ﴿وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين ان هذه الآية نزلت في المهدي اهـ وأقول أوّل الآية يشعر بانها في

↑صفحة ١٥٨↑

حق عيسى (عليه السلام) واشارة الى نزوله وأنه من أشراط الساعة قال تعالى ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ﴾ ثم قال سبحانه ﴿وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا﴾ وفي مجيء المهدي أحاديث عديدة فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى وفي رواية أبى هريرة لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا منى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وفي رواية يملك سبع سنين وفي أخرى ثمان أو تسع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون مع عيسى (عليه السلام) ويدفن في بيت المقدس وفي رواية يحكم أربعين سنة قال في الاشاعة وهو الذي تقتضيه بشارة النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) به وان الله تعالى يعوّضهم عن الظلم عدلا واللائق بكرمه تعالى أن تكون المدة بقدر ما ينسون فيها الظلم السابق مع أنه في مدته تفتح الدنيا كما فتحها ذو القرنين وسليمان (عليه السلام) وهذا يقتضى مدة طويلة مع ما ورد أن الاعمار تطول في زمانه فطولها مستلزم لطول مدته والتسع ليست من الطول في شيء اهـ واختلف في نسبه فقيل من أولاد العباس بن عبد المطلب وقيل من أولاد الحسن والاصح أنه من أولاد الحسين قيل وأمه من أولاد العباس وفي شرح عقيدة السفاريني ما ملخصه ان المهدي هو خاتم الائمة فلا امام بعده واسمه محمد وفي بعض الاخبار أحمد واسم أبيه عبد الله واشتهر بالمهدى لأنه يهدى الى أمر خفى ويستخرج التوراة والانجيل من أرض يقال لها انطاكية أو من جبال الشام ويدعو اليها اليهود فيسلم على تلك جماعة كثيرة وحليته كما في الاحاديث أنه رجل ربعة مشرب بحمرة ووجهه كالكوكب الدري ولونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي يرضى عن خلافته أهل الارض وأهل السماء والطير في الجوّ يملك عشرين سنة وروى ابن مسعود المهدي منى أجلى الجبهة أقنى الانف وعن عبد الرحمن بن عوف عنه (صلى الله تعالى عليه وسلم) ليبعثن الله في عترتي رجلا فرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الارض عدلا ويقبض المال قبضا وفي حديث آخر في خده الايمن خال أسود ابن أربعين سنة وفي آخر يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الترك وعن أبى جعفر محمد الباقر قال سئل أمير المؤمنين على كرم الله تعالى وجهه عن صفته فقال هو شاب مربوع حسن الوجه يسيل شعره على منكبيه يعلو نور وجهه سواد شعره ولحيته ورأسه وفي أخرى عنه أنه كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا في وجهه خال أقنى في كتفه علامة النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) وفي رواية لأبي نعيم بكفه اليمنى خال وفي رواية في لسانه ثقل واذا أبطا عليه الكلام ضرب فخذه الايسر بيده اليمنى قال العلماء المهدي يقاتل على السنة لا يترك سنة الا أقامها ولا بدعة الا رفعها يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرد الى المسلمين الفتهم ونعمتهم ولظهوره علامات جاءت بها الآثار فمنها كسوف الشمس والقمر ونجم الذنب والظلمة وسماع الصوت برمضان وتحارب القبائل بذي القعدة وظهور الخسف والفتن وأن معه قميص رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) وسيفه ورايته ويغرس قضيبا يابسا في أرض يابسة فيخضر ويورق وبطلب منه آية فيومئ الى طير في الهواء بيده فيسقط على يده وينادى مناد من السماء أيها الناس ان الله قطع عنكم الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير أمة محمد (صلى الله تعالى عليه وسلم) فالحقوه بمكّة فانه المهدي ويخرج كنز الكعبة المدفون فيها فيقسمه في سبيل الله تعالى وعن على كرم الله تعالى وجهه انه سيخرج تابوت السكينة من غار انطاكية أو من بحيرة طبرية فيوضع بين يديه ببيت المقدس فاذا نظر اليه اليهود أسلموا الا قليلا منهم وتأتيه الرايات السود من خراسان فيرسلون اليه البيعة وينشق الفرات فينحسر عن جبل من ذهب وذكروا أنه ينكسف القمر أوّل ليلة من رمضان والشمس ليلة النصف ولعل ذلك خرق للعادة والا فانكساف القمر ليلة الابدار والشمس أيام الاسرار وقال كعب الاحبار ينكسف ثلاث ليال متواليات وروى عنه أنه يطلع نجم بالمشرق وله ذنب يضيء كما يضيء القمر ينعطف حتى يلتقى طرفاه أو يكاد وفي الديلمي تكون هدّه في رمضان هائلة ومن علاماته خسف قرية ببلاد الشام يقال لها حرستا كما قاله في كتاب الاشاعة وفيه أنه اذا انجسر الفرات عن جبل ذهب يقتتلون عليه وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال من حضر فلا يأخذ منه شيئاً وروى أنه قال ان بين يدى الساعة كذا بين فاحذروهم وفي أخرى انهم دجالون كذابون قريبا

↑صفحة ١٥٩↑

من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) وروى عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أنه لا يظهر الا على خوف شديد من الناس وزلزال وفتنة وبلاء يصيب الناس والطاعون قبل ذلك وسيف قاطع بين العرب واختلاف شديد في الناس وتشتت في دينهم وتغيير في حالهم حتى يتمنى الموت صباحا ومساء من عظيم ما يرى من كلب الناس وأكل بعضهم بعضا فحينئذ يخرج فطوبى لمن أدركه وكان من أنصاره والويل لمن خالفه وقال محمد بن الصامت قلت للحسين بن على رضي الله تعالى عنهما أما من علامة لظهور المهدي قال بلى هلاك بنى العباس وخروج السفياني والخسف بالبيداء قال السفاريني ومن أقوى العلامات خروج السفياني والابقع والاصهب والاعرج والكندي أما السفياني فاسمه عروة قيل وهو من ولد خالد بن يزيد بن أبى سفيان ملعون في السماء والارض يخرج من ناحية دمشق وعامة أتباعه من كلب ويخسف بهم والابقع يخرج من مصر أو من بلاد الجزيرة والجرهمي من الشام ويخرج القحطاني من بلاد اليمن ويتقاتلون فيقتلهم السفياني ثم يقاتل الترك فيظهر عليهم ثم يفسد في الارض ويدخل الزوراء ويقتل من أهلها ثم يخرج وراء النهر خارج يقال له الحرث واجب على كل مؤمن نصره ويثور أهل خراسان بعساكر السفياني وتكون بينهم واقعات ثم انه يقتل على يد المهدي وأما مولد المهدي وبيعته فقد أخرج نعيم بن حماد عن على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه قال مولده بالمدينة ومهاجره بيت المقدس وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه يخرج من قرية يقال لها كريمة وأما بيعته فيبايع بمكة المشرفة بين الركن والمقام ليلة عاشوراء واذا هاجر المهدي من المدينة الى بيت المقدس تخرب المدينة بعد هجرته وتصير مأوى للوحش وقد ورد أن عمار بيت المقدس خراب يثرب وفي حديث قتادة يخرج المهدي من المدينة الى مكة وفي خبر ان السفياني يبعث جيشا الى مكة فيأمر بقتل من كان فيها من بنى هاشم فيقتتلون ويهربون الى الجبال حتى يظهر المهدي فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون ألست فلانا فيقول بلى أنا رجل من الانصار ثم يلحق بالمدينة فيطلبونه فيرجع الى مكة وهكذا ثلاث مرات فيصيبونه بمكة في الثالثة فيبايعونه بين الركن والمقام وقد أقبل عسكر السفياني وأنصار المهدي من أهل الشام عدد أصحاب بدر ثم يتوجه الى المدينة ومعه المؤمنون ثم يسير الى جهة الكوفة ثم يعود منهزما من جيش السفياني الى الشام فيخرج الله تعالى على السفياني من أهل المشرق وزير المهدي فيهزم السفياني الى الشام فيقصده المهدي فيذبحه عند عتبة بيت المقدس ويغنمه ومن معه من أخواله الذين هم جنده من بنى كلب غنيمة عظيمة وفي حديث آخر لا تحشر أمتى حتى يخرج المهدي يمده الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة ويخرج اليه الابدال من الشام والنجباء من مصر وعصائب أهل الشرق حتى يأتوا مكة فيبايع له بين الركن والمقام ثم يتوجه الى الشام وجبريل على مقدمته وميكال على يساره ومعه أهل الكهف أعوان له فيقدم الى الشام ويأخذ السفياني فيذبحه تحت الشجرة التي أغصانها الى بحيرة طبرية ثم تمهد الارض له وتدخل في طاعته ملوك الارض كلهم وقد اختلف في مدته فقيل خمسا أو سبعا أو ثلاثين أو أربعين سنة ويفتح القسطنطينية ورومية المدائن وغيرهما ثم يستمر حتى يسلم الامر لسيدنا عيسى (عليه السلام) ويصلى المهدي رضي الله تعالى عنه بعيسى (عليه السلام) صلاة واحدة وهى صلاة الفجر ثم يستمر المهدي على الصلاة خلف سيدنا عيسى (عليه السلام) بعد تسليمه الامر اليه ويخرج مع عيسى (عليه السلام) فيساعده على قتل الدجال عليه اللعنة بباب لدّ بارض فلسطين كما سنفصله ان شاء الله تعالى ثم يموت المهدي ويصلى عليه روح الله عيسى (عليه السلام) ويدفنه في بيت المقدس اهـ وهذا الذي ذكرناه في أمر المهدي هو الصحيح من اقوال أهل السنة والجماعة وأما عند الشيعة فقد اختلفوا فيه أيضا على أقوال شتى والمشهور من مذاهبهم مذهب الامامية الاثني عشرية أن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري ابن علي الهادي بن محمد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنهم ويعرف عندهم بالحجة والمنتظر والقائم وهو الذي غاب في سرداب دار أبيه في سامراء صغيرا وأمه تنظر اليه وذلك في سنة خمس وستين ومائتين وهو حي الآن موجود في الدنيا وهذا مع بعده في العقل لا يؤيده صحيح نقل ولقد أنشد بعض الشعراء مخاطبا لمن يعتقد هذه لعقيدة الشنعاء:

↑صفحة ١٦٠↑

ما آن للسرداب أن يلد الذي * * * ولدتموه بزعمكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء لأنكم * * * ثلثتم العنقاء والغيلانا

والكلام في هذه المباحث طويل ومن أراد تفصيلها فعليه بالكتب الجامعة لمتفرق الاقاويل والله يقول الحق وهو يهدى السبيل

↑صفحة ١٦١↑

عون المعبود، شرح سنن أبي داود محمد شمس الحق العظيم آبادي، الهندي، ابو الطيب (١٢٧٣ - ...)
من اعلام المحدثين له: «عون المعبود...» وقد ذكره عمر رضا كحاله بعنوان:
«غاية المقصود، في حل سنن ابي داود» عن: فهرس الفهارس، للكتاني في ج ٢ ص ٢٨(٩) ولم نجد غير ما ذكر أثرا في تعريف الكتاب او ترجمة المؤلف في المصادر الموجودة وعلى أيّ فقد خصّ المؤلف قسما وافرا من كتابه بشرح احاديث المهدي واليك عينها وقد ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون (ص ١٠٠٤ - ١٠٠٥) عدة من الشروح الكاملة والناقصة والمفصلة والمختصرة لسنن ابي داود من اعلام السنة فراجع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩) معجم المؤلفين ١٠/٧٢.

↑صفحة ١٦٣↑

هوية الكتاب

عون المعبود شرح سنن أبى داود للعلامة أبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى

المولود في ١٢٧٣ المتوفى ١٣٢٩
مع شرح الحافظ ابن قيم الجوزية ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان
الجزء الحادي عشر
الناشر محمّد عبد المحسن صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة

↑صفحة ١٦٥↑

أول كتاب المهدى
بسم الله الرحمن الرحيم
٤٢٥٩ - حدثنا عمرو بن عثمان أخبرنا مروان بن معاوية عن إسماعيل - يعنى ابن أبى خالد - عن أبيه عن جابر بن سمرة قال سمعت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠) (أول كتاب المهدى)
واعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولى على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدى، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى (عليه السلام) ينزل من بعده فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله، ويأتم بالمهدى في صلاته.
وخرجوا أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل على وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبى هريرة وأنس وأبى سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلى الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم.
وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ الإمام المؤرخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[ذكر الشيخ ابن القيم رحمه اللّه:
ما قال المنذري: حديث «الخلافة بعد وثلاثون سنة» وحديث «اثنا عشر خليفة» ثم قال:
فإن قيل: فكيف الجمع؟

↑صفحة ١٦٧↑

رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا يزال هذا الدّين قائما حتّى يكون عليكم اثنا عشر[اثنى عشر]خليفة كلّهم تجتمع عليه[عليهم]الأمّة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ.
وما روى مرفوعا من رواية محمد بن المنكدر عن جابر «من كذب بالمهدى فقد كفر» فموضوع، والمتهم فيه أبو بكر الإسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روى مرفوعا أنه قال «لا مهدى إلا عيسى بن مريم» والحديث ضعف البيهقي والحاكم وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث واللّه أعلم.
(لا يزال هذا الدين قائما) أي مستقيما سديدا جاريا على الصواب والحق (حتى يكون عليكم اثنا عشر) وفي الرواية الآتية لا يزال هذا الدين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة، ولفظ مسلم: «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» (كلهم تجتمع عليه الأمة) المراد باجتماع الأمة عليه انقيادها له وإطاعته.
قال بعض المحققين: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قيل: لا تعارض بين الحديثين فإن الخلافة المقدرة بثلاثين سنة هي: خلافة النبوة كما في حديث أبى بكرة، ووزن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأبي بكر ورجحانه وسيأتي وفيه فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «خلافة نبوة. ثم يؤتى الله الملك من يشاء»
وأما الخلفاء الاثنا عشر فلم يقل في خلافتهم: إنها خلافة نبوة. ولكن أطلق عليهم اسم الخلفاء، وهو مشترك، واختص الأئمة الراشدون منهم بخصيصة في الخلافة وهى: خلافة النبوة وهى المقدرة بثلاثين سنة: خلافة الصديق: سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما، وخلافة عمر بن الخطاب: عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال وخلافة عثمان: اثنتي عشر سنة إلا اثنى عشر يوما، وخلافة على: خمس سنين

↑صفحة ١٦٨↑

فسمعت كلاما من النبي (صلى الله عليه وسلم) لم أفهمه، فقلت لأبى: ما يقول؟ قال: كلّهم من قريش»(١٠).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقيل إنهم يكونون في زمان واحد يفترق الناس عليهم.
وقال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم فإنهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء، وأن قدر أنهم على الولاء فإن المراد منه المسمون بها على المجاز كذا في المرقاة.
وقال النووي في شرح مسلم: قال القاضي قد توجه هنا سؤالان أحدهما أنه قد جاء في الحديث الآخر: «الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تكون ملكا» وهذا مخالف لحديث اثنى عشر خليفة، فإنه لم يكن في ثلاثين سنة إلا الخلفاء الراشدون الأربعة، والأشهر التي بويع فيها الحسن بن على.
قال والجواب عن هذا أن المراد في حديث الخلافة ثلاثون سنة خلافة النبوة وقد جاء مفسرا في بعض الروايات: «خلافة النبوة بعدى ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا». ولم يشترط هذا في الاثني عشر:
والسؤال الثاني أنه قد ولى أكثر من هذا العدد. قال وهذا اعتراض باطل لأنه (صلى الله عليه وسلم) لم يقل لا يلى إلا اثنا عشر خليفة وإنما قال يلى وقد ولى هذا العدد ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم انتهى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 وثلاثة أشهر إلا أربعة عشر يوما. وقتل على: سنة أربعين.
فهذه خلافة النبوة ثلاثون سنة.
وأما «الخلفاء: اثنا عشر» فقد قال جماعة-منهم: أبو حاتم بن حبان وغيره- إن آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه ثم معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم عبد الملك ابنه ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز. وكانت وفاته على رأس المائة. وهى القرن

↑صفحة ١٦٩↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قال هذا إن جعل المراد باللفظ كل وال ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين، وقد معنى منهم من علم، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة انتهى.
وقال الشيخ الأجل ولى الله المحدث في قرة العيدين في تفضيل الشيخين: وقد استشكل في حديث «لا يزال هذا الدين ظاهرا إلى أن يبعث الله اثنى عشر خليفة كلهم من قريش» ووجه الاستشكال أن هذا الحديث ناظر إلى مذهب الاثنا عشرية الذين أثبتوا اثنى عشر إماما، والأصل أن كلامه (صلى الله عليه وسلم) بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضا، فقد ثبت من حديث عبد الله بن مسعود «تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين سنة أو ست وثلاثين سنة فإن يهلكوا فسبيل من قد هلك وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين سنة مما مضى» وقد وقعت أغلاط كثيرة في بيان معنى هذا الحديث، ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق أن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة، ومعنى فإن يهلكوا ليس على سبيل الشك والترديد بل بيان انها تقع وقائع عظيمة يرى نظرا إلى القرائن الظاهرة أن أمر الإسلام قد اضمحل وشوكة الإسلام وانتظام الجهاد قد انقطع، ثم يظهر الله تعالى ما ينتظم به أمر الخلافة والإسلام وإلى سبعين سنة لا يزال هذا الانتظام، وقد وقع ما أخبر به النبي (صلى الله عليه وسلم) ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين، وأيضا في سنة ست وثلاثين وقعة الجمل والصفين وفي هذه الحوادث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المفضل الذي هو خير القرون وكان الدين في هذا القرن في غاية العزة. ثم وقع ما وقع والدليل على أن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما أوقع عليهم اسم الخلافة بمعنى الملك في غير خلافة النبوة: قوله في الحديث الصحيح من حديث الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة «سيكون من بعدى خلفاء يعملون بما يقولون ويفعلون ما يؤمرون.
وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يقولون ويفعلون ما لا يؤمرون... من أنكر برئ ومن أمسك سلم. ولكن من رضى وتابع».]

↑صفحة ١٧٠↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لما ظهر الفساد والتقاتل فيما بين المسلمين وجعل جهاد الكفار متروكا ومهجورا إلى حين علم نظرا إلى القرائن الظاهرة أن الإسلام قد وهن واضمحل وكوكبه قد أفل ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظما وأمضى الجهاد إلى ظهور بنى العباس وتلاشى دوله بنى أمية ففي ذلك الوقت أيضا فهم بالقرائن الظاهرة أن الإسلام قد أبيد ويفعل الله ما يريد، ثم أيد الله الإسلام وأشاد مناره وجلى نهاره حتى حدثت الحادثة الجنكيزية وإليها إشارة في حديث سعد بن أبى وقاص عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «إني لأرجو أن لا يعجز أمتى عند ربى أن يؤخرها نصف يوم، فقيل لسعد وكم نصف يوم؟ قال خمس مائة سنة» رواه أحمد فتارة أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) عن خلافة النبوة وخصصه بثلاثين سنة والتي بعدهم عبرها بملك عضوض، وتارة عن خلافة النبوة والتي تتصل بها كليهما معا وعبرها باثني عشر خليفة وتارة عن الثلاثة كلها معا وعبرها بخمس مائة سنة، وأما ما فهم هذا المستشكل فلا يستقيم أصلا بوجوه.
الأول-أن المذكور ههنا الخلافة لا الإمامة ولم يكن أكثر من هؤلاء اثنى عشر خليفة بالاتفاق بين الفريقين.
الثاني-أن نسبتهم إلى القريش تدل على أن كلهم ليسوا من بنى هاشم، فإن العادة قد جرت على أن الجماعة لما فعلوا أمرا وكلهم من بطن واحد يسمونهم بذلك البطن، ولما كانوا من بطون شتى بسمونهم بالقبيلة الفوقانية التي تجمعهم.
الثالث-أن القائلين باثني عشر أئمة لم يقولوا بظهور الدين بهم بل يزعمون أن الدين قد اختفى بعد وفانة (صلى الله عليه وسلم)، والأئمة كانوا يعملون بالتقية وما استطاعوا على أن يظهروه حتى إن عليا رضي الله عنه لم يقدر على إظهار مذهبه ومشربه.

↑صفحة ١٧١↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرابع-أن المفهوم من حرف إلى أن تقع فترة بعد ما ينقضي عمر اثنى عشر خليفة وهم قائلون بظهور عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكمال الدين بعدهم فلا يستقيم معنى الغاية والمغيا كما لا يخفى.
فالتحقيق في هذه المسألة أن يعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربع وعمر بن عبد العزيز ووليد بن يزيد بن عبد الملك بعد الخلفاء الأربعة الراشدين. وقد نقل عن الإمام مالك أن عبد الله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه. ولنا فيه نظر، فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبة من مصائب الأمة أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال جاء ابن الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو فقال عمر اجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم). قال فرد ذلك عليه فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها اقعد في بيتك واللّه إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)» وأخرجه الحاكم فمن لفظه بطرف المدينة يفهم أن واقعة الجمل غير مراد ههنا بل المراد خروجه للخلافة، وإلى هذا المعنى قد أشار على رضي الله عنه في قصة جواب الحسن رضي الله عنه ولم ينتظم أمر الخلافة عليه، ويزيد بن معاوية ساقط من هذا البين لعدم استقراره مدة يعتد بها وسوء سيرته واللّه أعلم.
قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى ﴿وبَعَثْنَا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين واللفظ لمسلم:
ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثنى عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم، بل قد وجد منهم أربعة على نسق واحد وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم، ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بنى العباس ولا تقوم الساعة

↑صفحة ١٧٢↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 حتى تكون ولايتهم لا محاله والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه اسم أبيه فيملأ عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما، وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا جود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم انتهى.
قلت زعمت الشيعة خصوصا الأمامية منهم أن الإمام الحق بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على رضي الله عنه ثم ابنه الحسن، ثم أخوه الحسين، ثم ابنه على زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم، ثم ابنه على الرضا، ثم ابنه محمد النقي، ثم ابنه على النقي، ثم ابنه الحسن العسكري، ثم ابنه محمد القائم المنتظر المهدي وزعموا أنه قد اختفى خوفا من أعدائه وسيظهر فيملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيام حياته كعيسى والخضر. وأنت خبير بأن اختفاء الإمام وعدمه سواء في عدم حصول الأغراض المطلوبة من وجود الإمام وأن خوفه من الأعداء لا يوجب الاختفاء بحيث لا يوجد منه إلا الاسم، بل غاية الأمران يوجب اختفاء دعوى الإمامة كما في حق آبائه الذين كانوا ظاهرين على الناس ولا يدعون الإمامة، وأيضا فعند فساد الزمان واختلاف الآراء واستيلاء الظلمة احتياج الناس إلى الإمام أشد وانقيادهم له أسهل كذا في شرح العقائد.
قلت: لا شك في أن ما زعمت الشيعة من أن المهدي المبشر به في الأحاديث هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر وأنه مختف وسيظهر هي عقيدة باطلة لا دليل عليه.
ويقرب من هذا ما زعم أكثر العوام وبعض الخواص في حق الغازي

↑صفحة ١٧٣↑

٤٢٦٠ - حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا وهيب أخبرنا داود عن عامر عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:
«لا يزال هذا الدّين عزيزا إلى اثنى عشر خليفة. قال: فكبّر النّاس وضجّوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشهيد الإمام الأمجد السيد أحمد البريلوي رضى الله تعالى عنه أنه المهدي الموعود المبشر في الأحاديث وأنه لم يستشهد في معركة الغزو بل إنه اختفى عن أعين الناس وهو حي موجود في هذا العالم إلى الآن حتى أفرط بعضهم فقال إنا لقيناه في مكة المعظمة حول المطاف ثم غاب بعد ذلك، ويزعمون إنه سيعود وسيخرج بعد مرور الزمان فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وهذا غلط وباطل، والحق الصحيح أن السيد الإمام استشهد ونال منازل الشهداء ولم يختف عن أعين الناس قط، والحكايات المروية في ذلك كلها مكذوبة مخترعة وما صح منها فهو محمول على محمل حسن. وقد طال النزاع في أمر السيد الشهيد من حياته واختفائه حتى جعلوه جزء العقيدة ويجادلون من يفكره، وإلى الله المشتكى من صنيع هؤلاء ونعوذ باللّه من هذه العقيدة المنكرة الواهية واللّه أعلم.
قال المنذري بعد إخراج حديث جابر: ذكر البخاري أن أبا خالد سعيدا والد اسماعيل سمع أبا هريرة وسمع منه ابنه اسماعيل وقوله كلهم من قريش مسند سمرة بن جنادة وقيل سمرة بن عمرو السوائي والد جابر بن سمرة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأخرجه الترمذي وفيه فسألت الذي يليني فقال كل من قريش وليس فيه قلت لأبى. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وذكر أبو عمر النمري سمرة هذا وقال روى عنه ابنه حديثا واحدا ليس له غيره عن النبي (صلى الله عليه وسلم) يكون بعدى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش لم يرو عنه غيره، وابنه جابر ابن سمرة صاحب له رواية انتهى.
(عزيزا) وفي رواية لمسلم «عزيزا منيعا» قال القاري: أي قويا شديدا

↑صفحة ١٧٤↑

ثمّ قال كلمة خفيفة[خفيّة]. قلت لأبى: يا أبت ما قال؟ قال: كلّهم من قريش».
٤٢٦١ - حدثنا ابن نفيل أخبرنا زهير أخبرنا زياد بن خيثمة أخبرنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة بهذا الحديث.
زاد: «فلمّا رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا: ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يكون الهرج».
٤٢٦٢ - حدثنا مسدّد أنّ عمر بن عبيد حدّثهم ح. وحدثنا محمّد ابن العلاء أخبرنا أبو بكر - يعنى ابن عيّاش ح. وحدثنا مسدّد قال أخبرنا يحيى عن سفيان ح. وحدثنا أحمد بن إبراهيم قال أخبرنا عبيد الله بن موسى أخبرنا زائدة ح. وحدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدّثني عبيد الله بن موسى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أو مستقيما سديدا (وضجوا) أي صاحوا والضج الصياح عند المكروه والمشقة والجزع (ثم قال) أي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (كلمة خفيفة) وفي بعض النسخ خفية وهو الظاهر، وفي رواية لمسلم بكلمة خفيت على (قلت لأبى) أي سمرة رضي الله عنه (يا أبت) بكسر التاء وكان في لأصل يا أبى فأبدلت الياء بالتاء (ما قال) أي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (قال) أي أبي (كلهم) أي كل الخلفاء قال المنذري وأخرجه مسلم.
(ثم يكون ماذا) أي شيء يكون بعد الخلفاء الاثني عشر (الهرج) أي الفتنة والقتال. قال المنذري: وأخرجه مسلم والترمذي من حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة.
(٢٤-عون المعبود ١١)

↑صفحة ١٧٥↑

عن فطر - المعنى واحد - كلّهم عن عاصم عن زرّ عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم. قال زائدة في حديثه - لطوّل الله ذلك اليوم - ثمّ اتّفقوا - حتّى يبعث رجلا[حتّى يبعث فيه رجل - حتّى يبعث الله فيه رجل]منّى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(كلهم عن عاصم) أي كل من عمر بن عبيد وأبو بكر وسفيان الثوري وزائدة وفطر رووا عن عاصم وهو ابن بهدلة (عن زر) أي ابن حبيش (قال زائدة) أي وحده (منى أو من أهل بيتي) شك من الراوي.
واعلم أنه اختلف في أن المهدي من بنى الحسن أو من بنى الحسين. قال القاري في المرقاة: ويمكن أن يكون جامعا بين النسبتين الحسنين والأظهر أنه من جهة الأب حسنى ومن جانب الأم حسيني قياسا على ما وقع في ولدى إبراهيم وهما إسماعيل وإسحاق عليهم الصلاة والسلام حيث كان أنبياء بنى إسرائيل كلهم من بنى إسحاق وإنما نبئ من ذرية إسماعيل نبينا (صلى الله عليه وسلم) وقام مقام الكل ونعم العوض وصار خاتم الأنبياء، فكذلك لما ظهرت أكثر الأئمة وأكابر الأمة من أولاد الحسين فناسب أن ينجبر الحسن بأن أعطى له ولد يكون خاتم الأولياء ويقوم مقام سائر الأصفياء، على أنه قد قيل لما نزل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة الصورية كما ورد في منقبته في الأحاديث النبوية أعطى له لواء ولاية المرتبة القطبية فالمناسب أن يكون من جملتها النسبة المهدوية المقارنة للنبوة العيسوية واتفاقهما على إعلاء كلمة الملة النبوية وسيأتي في حديث أبى إسحاق عن على رضي الله عنه ما هو صريح في هذا المعنى واللّه تعالى أعلم انتهى.

↑صفحة ١٧٦↑

زاد في حديث فطر: «يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».
وقال في حديث سفيان: «لا تذهب أو لا تنقضي الدّنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى».
قال أبو داود: لفظ عمر وأبى بكر بمعنى سفيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت: حديث أبى إسحاق عن علي رضي الله عنه يأتي عن قريب ولفظه قال على رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال «إن ابنى هذا سيد كما سماه النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل» الخ (يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبي) فيكون محمد بن عبد الله وفيه رد على الشيعة حيث يقولون المهدي الموعود هو القائم المنتظر وهو محمد بن الحسن العسكري.
(يملأ الأرض) استئناف مبين لحسبه كما أن ما قبله معين لنسبة أي يملأ وجه الأرض جميعا أو أرض العرب وما يتبعها والمراد أهلها (قسطا) بكسر القاف وتفسيره قوله (وعدلا) أتى بهما تأكيدا (كما ملئت) أي الأرض قبل ظهوره (لا تذهب) أي لا تفنى (أو لا تنقضي) شك من الراوي (حتى يملك العرب) قال في فتح الودود: خص العرب بالذكر لأنهم الأصل والأشرف انتهى. وقال الطيبي: لم يذكر العجم وهم مرادون أيضا لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يدا واحدة قهروا سائر الأمم، ويؤيده حديث أم سلمة انتهى. وهذا الحديث يأتي في هذا الباب. قال القاري: ويمكن أن يقال ذكر العرب لغلبتهم في زمنه أو لكونهم أشرف أو هو من باب الاكتفاء ومراده العرب والعجم كقوله تعالى سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ اَلْحَرَّ أي والبرد والأظهر أنه اقتصر على ذكر العرب لأنهم كلهم يطيعونه بخلاف النجم بمعنى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلاف في إطاعته واللّه تعالى أعلم انتهى.

↑صفحة ١٧٧↑

٤٢٦٣ - حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا الفضل بن دكين أخبرنا فطر عن القاسم بن أبى بزّة عن أبى الطّفيل عن عليّ عن النبي (صلى الله عليه وسلم)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يواطئ اسمه اسمى) أي يوافق ويطابق اسمه اسمى (لفظ عمر وأبى بكر بمعنى سفيان) هو الثوري قاله المنذري أي لفظ حديث عمر وأبى بكر بمعنى حديث سفيان. قال المنذري: وأخرجه الترمذي وقال حسن صحيح. قلت: حديث عبد الله بن مسعود قال الترمذي هو حديث حسن صحيح وسكت عنه أبو داود، والمنذري وابن القيم، وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة إذ عاصم إمام من أئمة المسلمين انتهى. وعاصم هذا هو ابن أبى النجود واسم أبى النجود بهدلة: أحد القراء السبعة. قال أحمد بن حنبل: كان رجلا صالحا وأنا أختار قراءته. وقال أحمد أيضا: وأبو زرعة ثقة، وقال أبو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ. وقال أبو جعفر العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ. وقال الدارقطني: في حفظه شيء، وأخرج له البخاري في صحيحه مقرونا بغيره، وأخرج له مسلم. قال الذهبي: ثبت في القراءة وهو في الحديث دون الثبت صدوق يهم وهو حسن الحديث. والحاصل أن عاصم بن بهدلة ثقة على رأى أحمد وأبى زرعة، وحسن الحديث صالح الاحتجاج على رأى غيرهما ولم يكن فيه إلا سوء الحفظ فرد الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين على أن الحديث قد جاء من غير طريق عاصم أيضا فارتفعت عن عاصم مظنة الوهم واللّه أعلم.
(حدثنا الفضل بن دكين) بالتصغير (أخبرنا فطر) هو ابن خليفة القرشي المخزومي وثقه أحمد وابن معين والعجلى (عن القاسم بن أبى بزة) بفتح الموحدة

↑صفحة ١٧٨↑

قال: «لو لم يبق من الدّهر إلاّ يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا».
٤٢٦٤ - حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثني عبد الله بن جعفر الرّقّى حدثنا أبو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن عليّ بن نفيل عن سعيد بن المسيّب عن أمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «المهديّ من عترتي من ولد فاطمة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتشديد الزاي (لبعث الله رجلا) هو المهدي (يملأها) أي الأرض. والحديث أخرجه ابن ماجه عن أبى هريرة مرفوعا «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي يملك جبال الديلم والقسطنطينية» وفي القاموس: الديلم جبل معروف. والحديث سكت عنه المنذري. قلت: الحديث سنده حسن قوى، وأما فطر بن خليفة الكوفي فوثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين والنسائي والعجلى وابن سعد والساجي، وقال أبو حاتم صالح الحديث، وأخرج له البخاري، ويكفى توثيق هؤلاء الأئمة لعدالته فلا يلتفت إلى قول ابن يونس وأبى بكر بن عياش والجوزجاني في تضعيفه بل هو قول مردود واللّه أعلم.
(المهدى من عترتي) قال الخطابي: العترة ولد الرجل لصلبه وقد يكون العترة أيضا الأقرباء وبنو العمومة، ومنه قول أبى بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انتهى. وقال في النهاية: عترة الرجل أخص أقاربه، وعترة النبي (صلى الله عليه وسلم) بنو عبد المطلب وقيل قريش والمشهور المعروف أنهم الذين حرمت عليهم الزكاة انتهى (من ولد فاطمة) ضبط بفتح الواو واللام وبضم الواو وسكون اللام. قال في المجتمع. بضم واو وسكون

↑صفحة ١٧٩↑

قال عبد الله بن جعفر: وسمعت أبا المليح بثعى على عليّ بن نفيل، ويذكر منه صلاحا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 لام جمع ولد. وفي المشكاة من أولاد فاطمة. قال الحافظ عماد الدين: الأحاديث دالة على أن المهدي يكون بعد دولة بنى العباس وأنه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة من ولد الحسن لا الحسين كذا في مرقاة الصعود. وقال السندي في حاشية ابن ماجه قال ابن كثير: فأما الحديث الذي أخرجه الدارقطني في الأفراد عن عثمان بن عفان مرفوعا «المهدى من ولد العباس عمى فإنه حديث غريب كما قاله الدارقطني تفرد به محمد بن الوليد مولى بنى هاشم انتهى. وقال المناوي: في إسناده كذاب (يذكر منه صلاحا) الضمير المجرور لعلى بن نفيل أي يذكر أبو المليح صلاحه. قال المنذري وأخرجه ابن ماجه ولفظه «من ولد فاطمة» وفي حديث أبى داود، قال: عبد الله بن جعفر وهو الرقى وسمعت أبا المليح يعنى الحسن بن عمر الرقى يثنى على علي بن نفيل ويذكر منه صلاحا. وقال أبو حاتم الرازي: على بن نفيل جد التفيلي لا بأس به. وقال أبو جعفر العقيلي: على بن نفيل حراني هو جد النفيلي عن سعيد بن المسيب في المهدي لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به وساق هذا الحديث وقال في المهدى: أحاديث خيار من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ بلفظ رجل من أهل بيته على الجملة مجملا هذا آخر كلامه. وفي إسناد هذا الحديث أيضا زياد بن بيان. قال الحافظ أبو أحمد بن عدى: زياد بن بيان سمع على بن النفيلي جد النفيلي في إسناده نظر. سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري وساق الحديث. وقال: والبخاري إنما أنكر من حديث زياد بن بيان هذا الحديث وهو معروف به. هذا آخر كلامه، وقال غيره وهو كلام غير معروف من كلام سعيد بن المسيب والظاهر أن زياد بن بيان وهم في رفعه انتهى كلام المنذري.

↑صفحة ١٨٠↑

٤٢٦٥ - حدثنا سهل بن تمام بن بزيع أخبرنا عمران القطان عن قتادة عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «المهديّ منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف: يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويملك سبع سنين».
٤٣٦٦ - حدثنا محمّد بن المثنّى حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبى عن قتادة عن صالح أبى الخليل عن صاحب له عن أمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكّة فيأتيه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(المهدى منى) أي من نسلى وذريتي (أجلى الجبهة) قال في النهاية: الجلا مقصورا انحسار مقدم الرأس من الشعر أو نصف الرأس أو هو دون الصلع، والنعت أجلى وجلواء، وجبهة جلواء واسعة وكذلك في القاموس، فمعنى أجلى الجبهة منحسر الشعر من مقدم رأسه أو واسع الجبهة: قال القاري وهو الموافق للمقام أقنى الأنف) قال في النهاية القنافي الأنف طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه يقال رجل أقنى وامرأة قنواء انتهى قلت: للأرنبة طرف الأنف، والحدب الارتفاع قال القاري: والمراد أنه لم يكن أفطس فإنه مكروه الهيئة.
(ويملك سبع سنين) قال المناوي: زاد في رواية أو تسع، وفي أخرى يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة. قال المنذري: في إسناده عمران القطان وهو أبو العوام عمران بن داور القطان البصرى استشهد به البخاري ووثقه عفان ابن مسلم وأحسن عليه الثناء يحيى بن سعيد القطان وضعفه يحيى بن معين والنسائي انتهى. وفي الخلاصة: وقال أحمد أرجو أن يكون صالح الحديث انتهى.
(يكون) أي يقع (اختلاف) أي في ما بين أهل الحل والعقد (عند

↑صفحة ١٨١↑

ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الرّكن والمقام ويبعث إليه بعث من الشّام، فيخسف بهم بالبيداء بين مكّة والمدينة، فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشّام وعصائب أهل العراق فيبايعونه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 موت خليفة) أي حكمية وهى الحكومة السلطانية بالغلبة التسليطية (فيخرج رجل من أهل المدينة) أي كراهية لأخذ منصب الإمارة أو خوفا من الفتنة الواقعة فيها وهى المدينة المعطرة أو المدينة التي فيها الخليفة (هاربا إلى مكة) لأنها مأمن كل من التجأ إليها ومعبد كل من سكن فيها قال الطيبي رحمه الله وهو المهدي بدليل إيراد هذا الحديث أبو داود، في باب المهدي (فيأتيه ناس من أهل مكة) أي بعد ظهور أمره ومعرفة نور قدره (فيخرجونه) أي من بيته (وهو كاره) إما بلية الإمارة وإما خشية الفتنة، والجملة حالية معترضة (بين الركن) أي الحجر الأسود (والمقام) أي مقام ابراهيم عليه الصلاة والسلام (ويبعث) بصيغة المجهول أي يرسل إلى حربه وقتاله مع أنه من أولاد سيد الأنام وأقام في بلد الله الحرام (بعث) أي جيش (من الشام) وفي بعض النسخ من أهل الشام (بهم) أي بالجيش (بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية قال التوربشتي رحمه الله هي أرض ملساء بين الحرمين. وقال في المجمع اسم موضع بين مكة والمدينة وهو أكثر ما يراد بها (فإذا رأى الناس ذلك) أي ما ذكر من خرق العادة وما جعل للمهدى من العلامة (أتاه أبدال الشام) جمع بدل بفتحتين قال في النهاية: هم الأولياء والعباد الواحد بدل سموا بذلك لأنهم كلما مات منهم واحدا بدل بآخر قال السيوطي في مرقاة الصعود: لم يرد في الكتب الستة ذكر الأبدال إلا في هذا الحديث عند أبى داود وقد أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، وورد فيهم أحاديث كثيرة خارج الستة جمعتها في مؤلف انتهى.

↑صفحة ١٨٢↑

ثمّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب، فيبعث إليهم بعثا، فيظهرون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قلت: إنا نذكر ههنا بعض الأحاديث الواردة في شأن الأبدال تتميما للفائدة، فمنها ما رواه أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت مرفوعا الأبدال في هذه الأمه ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا أورده السيوطي في الجامع الصغير، وقال العزيزي والمناوي في شرحه بإسناد صحيح، ومنها ما رواه عبادة بن الصامت «الأبدال في أمتى ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون» رواه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور وقال العزيزي والمناوي بإسناد صحيح، ومنها ما رواه عوف بن مالك «الأبدال في أهل الشام وبهم ينصرون وبهم يرزقون» أخرجه الطبراني في الكبير أورده السيوطي في الكتاب المذكور قال العزيزي والمناوي إسناده حسن، ومنها ما رواه على رضي الله عنه «الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب» أخرجه أحمد وقال العزيزي والمناوي بإسناد حسن قال المناوي زاد في رواية الحكيم «لم يسبقوا الناس بكثرة صلاة ولا صوم ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة الصدر أولئك حزب اللّه» وقال لا ينافى خبر الأربعين خبر الثلاثين لأن الجملة أربعون رجلا فثلاثون على قلب إبراهيم وعشرة ليسوا كذلك، ومنها ما ذكر أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «خيار أمتى في كل قرن خمس مائه والأبدال أربعون، فلا الخمس مائه ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله (عزَّ وجلَّ) من الخمس مائة مكانه وأدخل في الاربعين وكأنهم قالوا يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال يعفون.

↑صفحة ١٨٣↑

عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب، فيقسم المال ويعمل في النّاس بسنّة نبيّهم (صلى الله عليه وسلم)، ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين، ثمّ يتوفى ويصلّى عليه المسلمون».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون في ما آتاهم الله (عزَّ وجلَّ)» أورده القاري في المرقاة ولم يذكر تمام إسناده.
واعلم أن العلماء ذكروا في وجه تسمية الأبدال وجوها متعددة وما يفهم من هذه الأحاديث من وجه التسمية هو المعتمد.
(وعصائب أهل العراق) أي خيارهم من قولهم عصبة القوم خيارهم قاله القاري. وقال في النهاية جمع عصابة وهم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها، ومنه حديث على رضي الله عنه الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصائب بالعراق» أراد أن التجمع للحروب يكون بالعراق وقيل أراد جماعة من الزهاد وسماهم بالعصائب لأنه قرنهم بالأبدال والنجباء انتهى. والمعنى أن الأبدال والعصائب يأتون المهدي (ثم ينشأ) أي يظهر (رجل من قريش) هذا هو الذي يخالف المهدي (أخواله) أي أخوال الرجل القرشي (كلب) فتكون أمه كلبية قال التوربشتي رحمه الله يريد أن أم القرشي تكون كلبية فينازع المهدي في أمره ويستعين عليه بأخواله من بنى كلب (فيبعث) أي ذلك الرجل القرشي الكلبى (إليهم) أي المبايعين للمهدى (بعثا) أي جيشا (فيظهرون عليهم) أي فيغلب المبايعون على البعث الذي بعثه الرجل القرشي الكلبى (وذلك) أي البعث (بعث كلب) أي جيش كلب باعثه هوى نفس الكلبى (ويعمل) أي المهدي (في الناس بسنة نبيهم (صلى الله عليه وسلم)) فيصير جميع الناس عاملين بالحديث ومتبعيه (ويلقى) من الإلقاء (الإسلام بجرانه)» بكسر الجيم ثم راء

↑صفحة ١٨٤↑

قال أبو داود وقال بعضهم عن هشام: تسع سنين. وقال بعضهم: سبع سنين.
٤٢٦٧ - حدثنا هارون بن عبد الله أخبرنا عبد الصّمد عن همّام عن قتادة بهذا الحديث قال: «تسع سنين».
قال أبو داود قال غير معاذ عن هشام: «تسع سنين».
٤٢٦٨ - حدثنا ابن المثنّى قال أخبرنا عمرو بن عاصم قال أخبرنا أبو العوّام قال أخبرنا قتادة عن أبى الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أمّ سلمة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا الحديث، وحديث معاذ أتمّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 بعدها ألف ثم نون هو مقدم العنق قال في النهاية الجران باطن العنق ومنه حديث عائشة رضي الله عنها «حتى ضرب الحق بجرانه» أي قر قراره واستقام كما أن البعير إذا برك واستراح مد عنقه على الأرض انتهى. قال المنذري: قال أبو داود، قال بعضهم عن هشام يعنى الدستوائي تسع سنين، وقال بعضهم سبع سنين وذكره أيضا من حديث همام وهو ابن يحيى عن قتادة وقال سبع سنين.
والرجل الذي لم يسم فيه سمى في الحديث الذي بعده ورفع الحديث انتهى كلام المنذري.
(عن أبى الخليل عن عبد الله بن الحارث الخ) قال المنذري: في هذا الإسناد أبو العوام وهو عمران بن داور وقد تقدم الكلام عليه. وأبو الخليل هو صالح بن أبى مريم الضبعي البصرى أخرج له البخاري ومسلم وهو بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ولام انتهى. قال ابن خلدون: خرّج أبو داود، عن أم سلمة من رواية صالح أبى الخليل عن صاحب أبى الخليل عن صاحب له عن أم سلمة ثم رواه أبو داود، من رواية أبى الخليل

↑صفحة ١٨٥↑

٤٢٦٩ - حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن عبد العزيز ابن رفيع عن عبيد الله بن القبطيّة عن أمّ سلمة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بقصّة جيش الخسف «قلت: يا رسول الله كيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف بهم ولكن يبعث يوم القيامة على نيّته».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة: فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز.
وقد يقال إنه من رواية قتادة عن أبى الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع، مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدى. نعم ذكره أبو داود، في أبوابه انتهى. قلت: لا شك أن أبا داود يعلم تدليس قتادة بل هو أعرف بهذه القاعدة من ابن خلدون ومع ذلك سكت عنه ثم المنذري وابن القيم ولم يتكلموا على هذا الحديث، فعلم أن عندهم علما بثبوت سماع قتادة من أبى الخليل لهذا الحديث واللّه أعلم.
(بقصة جيش الخسف) وفي رواية مسلم عن عبيد الله بن القبطية قال:
دخل الحارث بن أبى ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به - وكان ذلك في أيام ابن الزبير- فقالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم، فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارها» الخ (كيف بمن كان كارها) أي غير راض، كأن يكون مكرها أو سالك الطريق معهم، ولكن لا يكون راضيا بما قصدوا (قال يخسف بهم) وفي رواية مسلم: يخسف به معهم، وفي رواية أخرى لمسلم: «فقلنا: يا رسول الله إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل

↑صفحة ١٨٦↑

قال أبو داود: وحدّثت عن هارون بن المغيرة قال أخبرنا عمرو بن أبى قيس عن شعيب بن خالد عن أبى إسحاق قال: قال عليّ رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إنّ ابنى هذا سيّد كما سمّاه النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيّكم (صلى الله عليه وسلم)، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. ثمّ ذكر قصّة يملأ الأرض عدلا».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 يهلكون مهلكا واحدا». قال النووي: أما المستبصر فهو المستبين لذلك القاصد له عمدا، وأما المجبور فهو المكره، وأما ابن السبيل فالمراد به سالك الطريق معهم وليس منهم (ولكن يبعث) أي الكاره (على نيته) فيجازى على حسبها. وفي رواية مسلم المذكورة بعد قوله: «يهلكون مهلكا واحدا ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم».
قال النووي: أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم ويصدرون يوم القيامة مصادر شتى، أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها. قال: وفي هذا الحديث أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا.
قال المنذري: وأخرجه مسلم.
(وحدثت) بصيغة المجهول (إن ابنى هذا) إشارة إلى تخصيص الحسن لئلا يتوهم أن المراد هو الحسين أو الحسن (كما سماه النبي (صلى الله عليه وسلم)) أي بقوله: إن ابنى هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (من صلبه) أي من ذريته (يشبهه في الخلق) بضم الخاء واللام وتسكن (ولا يشبهه في الخلق) بفتح الخاء وسكون اللام، أي يشبهه في السيرة، ولا يشبهه في الصورة.

↑صفحة ١٨٧↑

وقال هارون: حدثنا عمرو بن أبى قيس عن مطرّف بن طريف عن أبى الحسن عن هلال بن عمرو قال سمعت عليّا رضي الله عنه يقول قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والحديث دليل صريح على أن المهدي من أولاد الحسن ويكون له انتساب من جهة الأم إلى الحسين جمعا بين الأدلة، وبه يبطل قول الشيعة: إن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري القائم المنتظر فإنه حسيني بالاتفاق. قاله القاري.
قال المنذري: هذا منقطع، أبو إسحاق السبيعي رأى عليا (عليه السلام) رؤية.
(عن أبى الحسن) هكذا في نسخة واحدة من النسخ الموجودة وهو الصحيح قال المزي في الأطراف: حديث «يخرج رجل من أهل النهر يقال له الحارث حراث» أخرجه أبو داود في المهدي عن هارون بن المغيرة عن عمرو بن أبى قيس عن مطرف بن طريف عن أبى الحسن عن هلال بن عمرو، وهو غير مشهور عن على. انتهى.
وقال الذهبي في الميزان: أبو الحسن عن هلال بن عمرو عن على: «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث» تفرد به مطرف بن طريف. انتهى.
وفي الخلاصة: هلال بن عمرو الكوفي عن على وعنه أبو الحسن شيخ لمطرف مجهول. انتهى.
وقال ابن خلدون: والحديث سكت عنه أبو داود، وقال في موضع آخر في هارون: هو من ولد الشيعة.
وقال أبو داود في عمرو بن قيس: لا بأس به في حديثه خطأ.
وقال الذهبي: صدوق له أوهام، وأما أبو إسحاق السبيعي فروايته عن على منقطعة. وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال بن عمرو مجهولان، ولم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه. انتهى كلام ابن

↑صفحة ١٨٨↑

النبي (صلى الله عليه وسلم): «يخرج رجل من وراء النّهر يقال له الحارث حرّاث[الحارث بن حرّاث]على مقدّمته رجل يقال له منصور يوطّئ أو يمكّن لآل محمّد كما مكّنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجب على كلّ مؤمن نصره أو قال إجابته».
آخر كتاب المهدى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خلدون. وأما في سائر النسخ من النسخ الموجودة ففيه عن الحسن عن هلال ابن عمرو. واللّه أعلم.
(يخرج رجل) أي صالح (من وراء النهر) أي مما وراءه من البلدان كبخارى وسمرقند ونحوهما (يقال له الحارث) اسم له، وقوله (حراث) بتشديد الراء صفة له، أي زراع. هكذا في أكثر النسخ وهو المعتمد، وفي بعض النسخ الحارث بن حراث واللّه أعلم (على مقدمته) أي على مقدمة جيشه (يقال له منصور) الظاهر أنه اسم له (يوطئ أو يمكن) شك من الراوي، الأول من التوطئة، والثاني من التمكين. قال القاري: أو هي بمعنى الواو، أي يهيئ الأسباب بأمواله وخزائنه وسلاحه ويمكن أمر الخلافة ويقويها ويساعدها بعسكره (لآل محمد) أي لذريته وأهل بيته عموما وللمهدى خصوصا أو لآل مقحم، والمعنى لمحمد المهدى. قال القاري. قلت: كون لفظ الآل مقحما غير ظاهر، بل الظاهر هو أن المراد بآل محمد ذريته وأهل بيته (صلى الله عليه وسلم). وقال في فتح الودود: أي يجعلهم في الأرض مكانا وبسطا في الأموال ونصرة على الأعداء (كما مكنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)) قال القاري:
والمراد من آمن منهم ودخل في التمكين أبو طالب أيضا وإن لم يؤمن عند أهل السنة. وقال في فتح الودود: أي في آخر الأمر، وكذا قال الطيبي

↑صفحة ١٨٩↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وجب على كل مؤمن نصره) أي نصر الحارث وهو الظاهر، أو نصر المنصور وهو الأبلغ، أو نصر من ذكر منهما، أو نصر المهدي بقرينة المقام، إذ وجوب نصرهما على أهل بلادهما ومن يمر بهما لكونهما من أنصار المهدي (أو قال إجابته) شك من الراوي. والمعنى قبول دعوته والقيام بنصرته.
قال المنذري: وهذا منقطع قال فيه أبو داود قال هارون بن المغيرة، وقال الحافظ: أبو القاسم الدمشقي هلال بن عمرو وهو غير مشهور عن على. انتهى.

↑صفحة ١٩٠↑

نظم المتناثر من الحديث المتواتر ابو عبد الله، محمد بن جعفر بن ادريس بن محمد الكتاني الحسني الفاسي المالكي (١٢٧٤ - ١٣٤٥)

من المشاركين في الحديث والفقه والتاريخ.
ولد وتوفي بفاس، رحل الى الشرق وجاور مع أهله بالمدينة، ثم انتقل الى دمشق فأقام بها مدة ثمان سنوات وعاد الى المغرب وبقي الى اخر حياته وكان كثير التصنيف له نحو ستين كتابا.
منها: «سلوة الانفاس» في تراجم علماء فاس وصلحائها، ثلاثة أجزاء، «الازهار العاطرة في سيرة السيد إدريس...»، الرسالة المستطرفة» لبيان

↑صفحة ١٩١↑

مشهور كتب الستة المشرفة»، «النبذة اليسيرة النافعة، في تراجم رجال الاسرة الكتانية» ختمه بترجمة لنفسه. ذكر بها مشايخه وتأليفه وبعض ذكرياته «الرحلة السامية للاسكندرية ومصر والحجاز والبلاد الشامية»
ومنها: «نظم المتناثر في الحديث المتواتر» طبع ١٣٢٨ هـ بفاس في ١٥٧ صحيفة(١١) وفيها شطر حول اثبات تواتر احاديث المهدي ع فجعلناه من اجزاء الكتاب واليك نصه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١) فهرس الفهارس ١/٣٨٨-٣٩١، معجم المطبوعات ١٥٤٥- ١٥٤٦، فهرس التيمورية ٢/١٧، ٣/٢٥٥، الاعلام للزركلي طبعة جديدة-٦/٧٢، معجم المؤلفين ٩/١٥٠.

↑صفحة ١٩٢↑

هوية الكتاب
نظم المتناثر*من الحديث المتواتر تأليف الشيخ الامام*علامة الاعلام*قدوة أهل التحقيق* وعمدة ذوى النظر والتدقيق* الفقيه المحدث الصوفي ابي عبد الله سيدى محمد بن شيخ الاسلام* ومصباح الظلام*أبى الفيض مولانا جعفر الحسنى الإدريسي الشهير بالكتاني*مما اعتنى بنشره* واشراق بدره* سلطاننا الاعظم* وامامنا الافخم*جامع كلمة الاسلام بعد شتلتها* ومحيي رسوم الخلافة بعد مواتها*حتى امتدت على الرعية طنب امانه*فلبسوا من حميد ظلها بردا سابغا* وسحت عليهم سحب احسانه فورد وأمن جزيل فضلها وردا سائغا*أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين*سيدنا ومولانا (عبد الحفيظ) بن مولانا الحسن أدام الله نصره* واشاد في سماء المكارم ذكره*
آمين

(هاك نظم المتناثر * * * من حديث متواتر)
(فاق في حسن نظام * * * عقد در وجواهر)
(وبدا في أفق كتب * * * بدر تم وهو زاهر)
(أو كروض يانع قد * * * ضم أصناف الازاهر)
(فهو للعين ضياء * * * وهو للسمع مزاهر)

(طبع بالمطبعة المولوية*بفاس العليا المحمية) ١٣٢٨ سنة

↑صفحة ١٩٣↑

(احاديث) الهرج والفتن في آخر الزمان سبق ان الجلال السيوطي في اتمام الدراية عدها من المتواتر (احاديث) خروج المهدي الموعود المنتظر الفاطمي عن (١) ابن مسعود اخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه (٢) وام سلمة اخرجه ابو داوود وابن ماجه والحاكم في المستدرك (٣) وعلى بن أبى طالب اخرجه احمد وابو داوود وابن ماجه (٤) وأبى سعيد الخدري اخرجه أحمد وأبو داوود والترمذي وابن ماجه وأبو يعلى والحاكم في المستدرك (٥) وثوبان أخرجه احمد وابن ماجه والحاكم في المستدرك (٦) وقرة بن اياس المزني أخرجه البزار والطبراني في الكبير والاوسط (٧) وعبد الله بن الحارث بن جزء اخرجه ابن ماجه والطبراني في الاوسط (٨) وأبى هريرة أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلى والبزار في مسندهما والطبراني في الاوسط وغيرهم (٩) وحذيفة بن اليمان اخرجه الروياني (١٠) وابن عباس اخرجه أبو نعيم في اخبار المهدي (١١) وجابر بن عبد الله أخرجه احمد ومسلم الا أنه ليس فيه تصريح بذكر المهدي بل احاديث مسلم كلها لم يقع فيها تصريح به (١٢) وعثمان اخرجه الدارقطني في الافراد (١٣) وابي امامة اخرجه الطبراني في الكبير (١٤) وعمار بن ياسر اخرجه الدارقطني في الافراد والخطيب وابن عساكر (١٥) وجابر ابن ماجد الصدفي اخرجه الطبراني في الكبير (١٦) وابن عمر «١٧» وطلحة بن عبيد الله اخرجهما الطبراني في الاوسط «١٨» وانس بن مالك أخرجه ابن ماجه «١٩» وعبد الرحمان بن عوف اخرجه ابو نعيم (٢٠) وعمران بن حصين اخرجه الامام ابو عمرو الداني في سننه وغيرهم وقد نقل غير واحد عن الحافظ السخاوى انها متواترة والسخاوى ذكر ذلك في فتح المغيث ونقله عن ابي الحسين الابري وقد تقدم نصه اول هذه الرسالة وفي تأليف لأبي العلاء ادريس بن محمد بن ادريس الحسيني العراقي في المهدي هذا ان أحاديثه متواترة او كادت قال وجزم بالأول غير

↑صفحة ١٩٤↑

واحد من الحفاظ النقاد اهـ وفي شرح الرسالة للشيخ جسوس ما نصه ورد خبر المهدي في احاديث ذكر السخاوي انها وصلت الى حد التواتر اهـ وفي شرح المواهب نقلا عن ابي الحسين الابري في مناقب الشافعي قال تواترت الاخبار ان المهدي من هذه الامة وان عيسي يصلى خلفه ذكر ذلك ردا لحديث ابن ماجة عن انس ولا مهدى الا عيسى اهـ وفي مغاني الوفا بمعاني الاكتفا قال الشيخ ابو الحسين الابري قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بمجيء المهدي وانه سيملك سبع سنين وانه يملا الارض عدلا اهـ وفي شرح عقيدة الشيخ محمد بن احمد السفاريني الحنبلي ما نصه وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الاحاديث الواردة فيه عن جماعة من الصحابة وقال بعدها وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم مما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند اهل العلم ومدون في عقائد اهل السنة الجماعة اهـ وتتبع ابن خلدون في مقدمته طرق احاديث خروجه مستوعبا لها على حسب وسعه فلم تسلم له من علة لكن ردوا عليه بان الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر وهى عند احمد والترمذي وابى داوود وابن ماجه والحاكم والطبراني وأبى يعلى الموصلي والبزار وغيرهم من دواوين الاسلام من السنن والمعاجم والمسانيد واسندوها الى جماعة من الصحابة فإنكارها مع ذلك مما لا ينبغي والاحاديث يشد بعضها بعضا ويتقوى امرها بالشواهد والمتابعات واحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وامره مشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار وانه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولى على الممالك الاسلامية ويسمي بالمهدى ويكون خروج الدجال وما بعده من اشراط الساعة الثابتة في الصحيح على اثره وان عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال او ينزل معه فيساعده على قتله وياتم بالمهدى في بعض صلواته الي غير ذلك وللقاضي العلامة محمد بن على الشوكاني اليمنى رحمه الله رسالة سماها التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح قال فيها والاحاديث الواردة في المهدي التي امكن الوقوف عليها منها

↑صفحة ١٩٥↑

خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهى متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول واما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة ايضا لها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك اهـ وانظره فقد ذكر احاديثه وتكلم عليها وفي الصواعق لابن حجر الهيتمي ما نصه قال أبو الحسين الابري قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بخروج المهدي وانه من أهل بيته وانه يملك سبع سنين وانه يملا الارض عدلا وانه يخرج مع عيسى صلى الله على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بارض فلسطين وانه يؤم هذه الامة ويصلي عيسى خلفه اهـ ومثله له في القول المحتضر في علامات المهدي المنتظر الا أنه عبر عن ابي الحسين المذكور ببعض الايمة ونصه قال بعض الايمة قد تواترت الاخبار الخ ما مر عنه في الصواعق وقال قبله بيسير ما نصه قال بعض الايمة الحفاظ أن كونه أي المهدي من ذريته (صلى الله عليه وسلم) قد تواتر عنه (صلى الله عليه وسلم) اهـ (قلت) وابو الحسين المذكور هو محمد بن الحسين بن ابراهيم الابري السجستاني مصنف كتاب مناقب الشافعي وهو كتاب حافل رتبه على اربعة او خمسة وسبعين بابا وآبر من قرى سجستان توفى في رجب سنة ثلاث وستين وثلاثمائة راجع ترجمته في الطبقات الكبرى للسبكي ولو لا مخافة التطويل لا وردت هاهنا ما وقفت عليه من احاديثه لأني رأيت الكثير من الناس في هذا الوقت يتشككون في امره ويقولون يا ترى هل احاديثه قطعية ام لا وكثير منهم يقف مع كلام ابن خلدون ويعتمده مع انه ليس من أهل هذا الميدان والحق الرجوع في كل فن لأربابه والعلم لله تبارك وتعالى (احاديث) خروج المسيح الدجال ذكر غير واحد انها واردة من طرق كثيرة صحيحة عن جماعة كثيرة من الصحابة وفي التوضيح للشوكاني منها مائة حديث وهى في الصحاح والمعاجم والمسانيد والتواتر يحصل بدونها فكيف بمجموعها وقال بعضهم اخبار الدجال تحتمل مجلدات وقد افردها غير واحد من الايمة بالتأليف وذكر جملة وافرة منها في الدر المنثور لدى قوله ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ﴾ الآية فراجعه.

↑صفحة ١٩٦↑

(أحاديث) نزول سيدنا عيسى (عليه السلام) قرب الساعة وحكمه في الناس قال الابي في شرح مسلم في الكلام على احاديث الاشراط ما نصه وتقدم في حديث جبريل (عليه السلام) قول ابن رشد الاشراط عشرة والمتواتر منها خمسة اهـ والذى تقدم له في حديث جبريل هو انه بعد ما نقل عن القرطبي ان الاشراط تنقسم الى معتاد كالمذكورات في حديث جبريل وكرفع العلم وظهور الجهل وكثرة الزنى وكثرة شرب الخمر وغير معتاد كالدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج والدابة وطلوع الشمس من مغربها قال قلت قال ابن رشد واتفقوا على انه لا بد من ظهور هذه الخمسة واختلفوا في خمسة أخر خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب والدخان ونار تخرج من قعر عدن تروح معهم حيث راحوا وتقيل معهم حيث قالوا زاد بعضهم وفتح قسطنطينية وظهور المهدي اهـ وقال أيضا قبله في الكلام على احاديث نزول عيسى ما نصه لا بد من نزوله لتواتر الاحاديث بذلك اهـ وقد ذكروا ان نزوله ثابت بالكتاب والسنة والاجماع والاحاديث في نزوله كثيرة ذكر الشوكاني منها في التوضيح تسعة وعشرين حديثا ما بين صحيح وحسن وضعيف منجبر منها ما هو مذكور في احاديث الدجال ومنها ما هو مذكور في احاديث المنتظر وتنضم الى ذلك ايضا الاثار الواردة عن الصحابة فلها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في ذلك والحاصل ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسي ابن مريم (عليهما السلام) (احاديث) طلوع الشمس من مغربها عن ابى سعيد (٢) وابى هريرة (٣) وابن عمرو (٤) وحذيفة (٥) وابى ذر (٦) وابن عباس (٧) وعبد الله بن ابى اوفى (٨) وصفوان بن عسال (٩) ومعاوية ابن ابى سفيان[١٠] وعبد الرحمان بن عوف «١١» وانس (١٢) وابي امامة (١٣) وحذيفة بن اسيد[١٤] وابي موسى الأشعري (١٥) وابى ذر وغيرهم راجع الدر المنثور لدى قوله ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾.
(احاديث) خروج الدابة عن «١» ابى هريرة (٢) وابن عمرو (٣) وانس (٤) وحذيفة بن اسيد (٥) وحذيفة بن اليمان (٦) وابى امامة (٧) وسلمان وغيرهم وقد دل عليه أيضا نص الكتاب في قوله واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم وانعقد.

↑صفحة ١٩٧↑

تحفة الأحوذي ابو العلي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، زين الدين (١٢٨٣ - ١٣٥٣)

عالم مشارك في كثير من العلوم.
ولد ببلدة مباركفور من اعمال اعظمكره بالهند، ونشأ بها وقرأ العلوم العربية والمنطق والفلسفة والهيئة والفقه وأصوله على اساتذة الفن، فصار من كبار العلماء والمؤلفين، من مؤلفاته: تحفة الأحوذي، شرح جامع الترمذي.
طبع بالهند ثم بالقاهرة، واليك بابه المختص بالمهدي، قدمناه في هذه المجموعة للقراء الكرام، ولم نجد ترجمته فيما بأيدينا من المصادر غير ما ذكره الكحالة بالاختصار(١٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) معجم المؤلفين ٥/١٦٦.

↑صفحة ١٩٩↑

هوية الكتاب
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للإمام الحافظ أبى العلى محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري ١٢٨٣ هـ - ١٣٥٣ ه
ضبطه وراجع أصوله وصححه عبد الرحمن محمد عثمان
الجزء السّادس
قام بنشره محمّد عبد المحسن الكتبي صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة
مطبعة الفجالة الجديدة ٣٨ شارع القويسي بالظاهر بالقاهرة

↑صفحة ٢٠١↑

٤٤ - باب ما جاء في المهدىّ
٢٣٣١ - حدثنا عبيد بن أسباط بن محمّد القرشي، أخبرنا أبى، حالا من ضمير الفاعل في ثابتين على الحق في حالة كونهم غالبين على العدو (لا يضرهم من خذلهم) أي لثباتهم على دينهم (حتى يأتي أمر الله) متعلق بقوله لا تزال قال في فتح الودود أي الريح التي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة، انتهى.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجه بدون ذكر: إنما أخاف على أمتي أئمة مضلين. وأخرجه أبو داود مطولا.
(باب ما جاء في المهدى) اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولى على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدى ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى (عليه السلام) ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل من بعده فيساعده على قتله ويأتم بالمهدى في صلاته.
وخرّج أحاديث المهد جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل على وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبى هريرة وأنس وأبى سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلى الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم وأسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف. وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ وما روى من رواية محمد بن المنكدر عن جابر: من كذب بالمهدى فقد كفر. فموضوع والمتهم فيه أبو بكر الإسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روى مرفوعا أنه قال: لا مهدى إلا عيسى بن مريم والحديث ضعفه البيهقي والحاكم وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث والله أعلم كذا

↑صفحة ٢٠٢↑

أخبرنا سفيان الثّوريّ عن عاصم بن بهدلة عن زرّ عن عبد الله قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تذهب الدّنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى».
وفي الباب عن عليّ وأبى سعيد وأمّ سلمة وأبى هريرة.
في عون المعبود. قلت الأحاديث الواردة في خروج الإمام المهدي كثيرة جدا، ولكن أكثرها ضعاف، ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الترمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف. فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج بلا مرية، فالقول بخروج الإمام المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب والله تعالى أعلم.
وقال القاضي الشوكاني في الفتح الرباني: الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثا وثمانية وعشرون أثرا ثم سردها مع الكلام عليها ثم قال وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع انتهى.
قوله: (عن عبد الله) هو ابن مسعود.
قوله: (لا تذهب الدنيا) أي لا تفنى ولا تنقضي (حتى يملك العرب) قال في فتح الودود: خص العرب بالذكر لأنهم الأصل والأشراف انتهى. وقال الطيبي:
لم يذكر للعجم وهم مرادون أيضا لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يدا واحدة قهروا سائر الأمم ويؤيد حديث أم سلمة يعنى المذكور في المشكاة في الفصل الثاني من باب أشراط الساعة وفيه: ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقى الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلون. قال القاري:
ويمكن أن يقال: ذكر العرب لغلبتهم في زمنه، أو لكونهم أشرف، أو هو من باب الاكتفاء ومراده العرب والعجم كقوله تعالى ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ اَلْحَرَّ﴾ أي والبرد والأظهر أنه اقتصر على ذكر العرب لأنهم كلهم يطيعونه بخلاف العجم بمعنى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلاف في إطاعته انتهى (الرجل من أهل بيتي) هو الإمام المهدي (يواطئ) أي يوافق ويطابق.
قوله: (وفي الباب عن على وأبى سعيد وأم سلمة وأبى هريرة) أما حديث

↑صفحة ٢٠٣↑

هذا حديث حسن صحيح.
٢٣٣٢ - حدثنا عبد الجبّار بن العلاء العطّار، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عاصم، عن زرّ، عن عبد الله، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى»، قال عاصم: أخبرنا

 

على فأخرجه أبو داود من طريق أبى إسحاق قال: قال على رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: إن ابنى هذا سيد كما سماه النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم (صلى الله عليه وسلم) يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق. الحديث قال المنذري: هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأى عليا (عليه السلام) رؤية. وأما حديث أبى سعيد فأخرجه أبو داود عنه مرفوعا: المهدي منى، أجلى الجهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويملك سبع سنين. قال المنذري: في إسناده عمران القطان وهو أبو العوام عمران ابن داود القطان البصرى، استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن عليه الثناء يحيى بن سعيد القطان، وضعفه يحيى بن معين والنسائي انتهى. وفي الخلاصة وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث انتهى. وله حديث آخر أخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود وابن ماجه عنها مرفوعا: المهدي من عترتي من ولد فاطمة. وقد بسط المنذري الكلام في إسناد هذا الحديث. ولأم سلمة حديث آخر في هذا الباب كما عرفت. وأما حديث أبى هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وابن القيم، وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة، إذ عاصم إمام من أئمة المسلمين انتهى.
قلت: وعاصم هذا هو ابن أبى النجود، واسم أبى النجود بهدلة أحد القراء السبعة. قال الحافظ في التقريب عاصم بن بهدلة وهو ابن أبى النجود بنون وجيم الأسدي مولاهم الكوفي أبو بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة انتهى.
قوله: (يواطئ اسمه اسمى) وفي رواية أبى داود يواطئ اسمه اسمى واسم

↑صفحة ٢٠٤↑

أبو صالح عن أبى هريرة، قال لو لم يبق من الدّنيا إلا يوما لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يلى. هذا حديث حسن صحيح.
٢٣٣٣ - حدثنا محمّد بن بشّار، حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا شعبة قال سمعت زيدا العمىّ، قال سمعت أبا الصّدّيق الناجي يحدّث عن أبى سعيد الخدري قال: «خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث، فسألنا نبي الله (صلى الله عليه وسلم) فقال إنّ في أمّتى المهدي يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا - زيد الشّاكّ - قال قلنا وما ذاك. قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرّجل فيقول: يا مهديّ أعطني أعطني، قال فيحثى له في ثوبه ما استطاع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أبيه اسم أبى، فيكون محمد بن عبد الله، وفيه رد على الشيعة حيث يقولون:
المهدى الموعود هو القائم المنتظر وهو محمد بن الحسن العسكري.
قوله: (قال عاصم وأخبرنا أبو صالح الخ) هذا متصل بالإسناد السابق (لطول الله ذلك اليوم حتى يلى) أي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) حديث عاصم عن زر عن عبد الله أخرجه الترمذي قبل هذا بأطول منه كما عرفت وحديث عاصم عن أبى صالح عن أبى هريرة أخرجه بن ماجه.
قوله: (سمعت أبا الصديق) بتشديد الدال المكسورة (الناجي) بالنون والجيم بصرى ثقة من الثالثة.
قوله: (خشينا أن يكون بعد نبينا حدث) بفتح الحاء والدال المهملتين.
قال في النهاية الحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة انتهى. (يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك) أي الشك من زيد وفي رواية عن أبى سعيد عن أبى داود: ويملك سبع سنين من غير شك، وكذلك في حديث أم سلمة عنده بلفظ: فيلبث سبع سنين من غير شك، فقول الجازم مقدم على قول الشاك (اعطني اعطني) التكرير للتأكيد، ويمكن أن يقال اعطني

↑صفحة ٢٠٥↑

أن يحمله» هذا حديث حسن.
وقد روى من غير وجه عن أبى سعيد عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
وأبو الصّدّيق النّاجيّ اسمه بكر بن عمرو، ويقال بكر بن قيس.
٤٥ - باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم
٢٣٣٤ - حدثنا قتيبة، أخبرنا اللّيث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيّب، عن أبى هريرة أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «والّذى نفسى بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصّليب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرة بعد أخرى لما تعود من كرمه وإحسانه (قال) أي النبي (صلى الله عليه وسلم) (فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) أي يعطيه قدر ما يستطيع حمله، وذا لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه.
قوله: (هذا حديث حسن) في إسناده زيد العمى وهو ضعيف، وأخرجه أحمد أيضا.
(باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم) يعنى في آخر الزمان.
قوله (والذى نفسى بيده) فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده (ليوشكن) بكسر المعجمة، أي ليقربن، أي لا بد من ذلك سريعا (أن ينزل فيكم) أي في هذه الأمة فإنه خطاب لبعض الأمة ممن لا يدرك نزوله (حكما) أي حاكما. والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ بل يكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة (مقسطا) المقسط العادل بخلاف القاسط فهو الجائر (فيكسر) أي يهدم (الصليب) قال في شرح السنة وغيره، أي فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية. وقال ابن الملك: الصليب في اصطلاح النصارى خشبة مثلثة يدعون أن عيسى عليه الصلاة والسلام صلب على خشبة مثلثة على.

↑صفحة ٢٠٦↑

نظرة في أحاديث المهدي (١٢٩٢ - ١٣٧٧) محمد الخضر حسين المصري عالم، أديب، مشارك في بعض العلوم.

أصله من الجزائر وولادته في قفصة من مقاطعة الجريد بتونس، فنشأ بها وتلقى العلم بجامع الزيتونة، ثم تولى القضاء الشرعي في مدينة بنزرت.
وهاجر الى دمشق وبعد أن درس بمدارسها مدة رحل الى القسطنطينية وتولى التحرير بالقلم العربي في وزارة الحربية.
ثم عاد الى دمشق وبعد حوادث اتفقت له هاجر الى مصر وألف فيها - جمعية الهداية الاسلامية - الى ان تفرغ للتدريس بالأزهر وعين رئيسا لتحرير مجلة الأزهر، فجنّس جنسية المصرية وولى مشيخة الأزهر وتوفي بالقاهرة في ١٢ رجب ودفن بتربة آل تيمور له كتب:

↑صفحة ٢٠٧↑

منها: «نقض - كتاب الاسلام وأصول الحكم -» لعلي عبد الرزاق «نقض - كتاب من الأدب الجاهلي -» لطه حسين، «موجز في آداب الحرب في الاسلام»، «القياس في اللغة العربية»، «رسالة في السيرة النبوية» كما ان له مقالات في المجلات المختلفة.
منها: مقال تحت عنوان «نظرة في احاديث المهدي» نشرته مجلة «التمدن الاسلامي» في محرم الحرام سنة ١٣٧٠(١٣) واليك نصه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣) احمد حمزة في «لواء الاسلام» ١١/٧٤٣-٧٤٤، مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ٣٣/٣٣٧-٣٣٨، معجم المؤلفين ٩/٢٩٠، الاديب عدد اذار ١٩٥٨.

↑صفحة ٢٠٨↑

هوية الكتاب
التمدن الإسلامي مجلة اسلامية اجتماعية تربوية أدبية مصورة نصدرها أسبوعيا:
جمعيّة التمدن الإسلامي
دمشق سورية
محرم الحرام ١٣٧٠ الجزءان: ٣٥ و٣٦ المجلد ١٦ تشرين الاول ١٩٥٠
٨١٧ ابنوا العقيدة للأستاذ أحمد مظهر العظمة
٨١٩ الرياء للأستاذ الشيخ محمد نمر الخطيب
٨٢١ من حقوق الفقراء
٨٢٢ اعظم هجرة للأستاذ محمد كمال الخطيب
٨٢٥ الربا للأستاذ احمد مظهر العظمة
٨٢٧ نطرة في احاديث المهدي للأستاذ الشيخ محمد الخضر
٨٣١ الازهر والاسلام في ألمانية
٨٣٢ الاستقلال للأستاذ احمد الخطيب...
٨٣٤ لا تقهر طفلك للأستاذ العليم محمد قاسم...
٨٣٧ وطني الجريح «قصيدة» «مزيد الخطيب...
٨٤٠ في المجتمع: مقررات المؤتمر الثقافي الثاني الأزهر، الاسلام في ثورية، الأيش وتوزيع الارامي شخصيات مجهولة
٨٥١ الكتب «نقد وتقريظ للأستاذين العظمة والخطيب
٨٥٥ اخبار العالم الإسلامي «مطالب نواس» «قلم المجلة».
٨٥٨ من اقوال الصحف «ضبط اللسان» للأستاذ احمد امين
٨٦٠ من الشرق ومن الغرب
٨٦١ من القراء وإليهم للأستاذ محمد الحامد...
٨٦٣ من انباء العلم «قلم المجلة»
٨٦٤ روح عن نفسك
مطبعة الشرقي دمشق

↑صفحة ٢٠٩↑

نظرة في أحاديث المهدي(١٤)
للأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين
وردت أحاديث تنبئ بظهور رجل في آخر الزمان يقيم العدل ويحكم الناس بالشريعة، وسمي في بعض هذه الأحاديث بالمهدي، وكثيرا ما يتشوف الناس إلى أن يقفوا على حقيقة هذه الأحاديث الواردة في شأنه، ويعرفوا موقعها من الصحة، ولا سيما عند ما يقوم شخص يدعي المهدوية، أو تحدث حادثة غريبة كحادثة هذه الأيام، تدعو الناس إلى أن يجعلوا لها نصيبا من الحديث في مجالسهم.
ذلك ما دعاني - بصفة أني كنت مدرسا للحديث وعلوم الحديث في كلية أصول الدين - إلى ان أعرض في هذه المحاضرة ما وصل إليه بحثي، واستقر عليه نظري في هذه القضية، مستندا الى القواعد الصحيحة التي تضع كل حديث موضعه، غير غافل عما يترتب على بعض الاعتقادات من فساد في العلم، أو يجول في النفس من شبه يثيرها الوهم، فأقول:
الأحاديث النبوية منها ما يسمى بالحديث المتواتر، وهو ما يرويه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) جماعة يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، ومنها خبر الآحاد، وهو ما يرويه الثقة العدل عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وما يدعو إليه الدين الحق: إما أن يكون أصلا من أصول الدين، أي لا تتم حقيقة الايمان إلا به، وهذا لا يحتج عليه إلا بالحديث المتواتر؛ وإما أن يكون حكما عمليا، كأن يقال هذا واجب أو حرام او جائز. وهذا موضع الاحتجاج بخبر الآحاد.
ويلحق بالأحكام العملية في صحة الاحتجاج عليه بخبر الآحاد أشياء يخبر بها الشارع ليعلمها الناس من غير ان يتوقف صحة إيمانهم على معرفتها. ومن هذا القبيل حديث المهدي، فاذا ورد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤) المجلة: سئلنا عن حقيقة الأحاديث المتعلقة بالمهدي، ووجدنا هذه الكلمة لصاحبها العلامة في مجلة الهداية الاسلامية (المحرم ١٣٦٩).

↑صفحة ٢١٠↑

حديث صحيح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه سيقع في آخر الزمان كذا، حصل به العلم، ووجب الوقوف عنده من غير حاجة إلى ان يكثر رواة هذا الحديث حتى يبلغ مبلغ التواتر.
والأحاديث الواردة في شأن المهدي على وجهين: أحاديث صرح فيها باسم المهدي كحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الارض قسطا وعدلا)، وأحاديث لم يصرح فيها بهذا الاسم، وإنما اشير إليه فيها بصفات خاصة كحديث:
(لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا).
ولم يرو في الجامع الصحيح للإمام البخاري حديث في شأن المهدي، وإنما ورد في صحيح مسلم حديث لم يصرح فيه باسمه، وحمله بعضهم على ان المراد منه المهدي المصرح به في غيره من كتب السنة؛ وهو حديث جابر بن عبد الله الانصاري إذ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده عدا)، وفي رواية عن جابر وأبي سعيد الخدري في مسلم ايضا: (يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده).
وقد روى أحاديث المهدي المصرح فيها باسم المهدي او المشار فيها إلى بعض صفاته بقية كتب الحديث، فرواها: الامام أحمد بن حنبل والحاكم وابو داود والترمذي وابن ماجه والطبراني وأبو نعيم وابن ابي شيبة وابو يعلى والدارقطني والبيهقي ونعيم بن حماد وغيرهم.
وجمعت هذه الاحاديث في رسائل مستقلة، مثل: «العرف الوردي في اخبار المهدي» للسيوطي و«القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» لابن حجر الهيتمي و«المورد الوردي في حقيقة المهدي» لملا علي قاري و«التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» للشوكاني...
وأول من انجه إلى نقد احاديث المهدي فيما عرفنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون، فقد ذكر في مقدمة تاريخه ان في الناس من انكروا احاديث المهدي وتكلموا فيها، واورد منها ثمانية وعشرين حديثا. وقد منعه ما اعتاده من تحقيق البحث في القضايا العلمية أن يحكم عليها كما يفعل غير اهل العلم بأنها غير ثابتة، بل تصدى إلى نقدها بنقل ما قدح به اهل الفن في بعض رواتها، وأورد من بينها حديث ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لا تقوم الساعة حتى تملأ الارض جورا وظلما وعدوانا، ثم يخرج من اهل بيتي رجل يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا)، وقال: هذا الحديث رواه الحاكم،

↑صفحة ٢١١↑

وقال: هذا صحيح على شرط الشيخين - يعني البخاري ومسلما - ولم يخرجاه، واورد فيها ما رواه الحاكم أيضا عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث، وتخرج الارض نباتها، ويعطي المال صحاحا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، يعيش سبعا او ثمانيا) يعني حججا. وقال الحاكم في هذا الحديث:
صحيح الاسناد ولم يخرجاه، يعني البخاري ومسلما.
ثم اعترف ابن خلدون بعد بأن بعض الاحاديث خلص من النقد إذ قال: فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان كما رأيت، لم يخلص منها من النقد إلا القليل والاقل منه.
ونحن نقول: متى ثبت حديث واحد من هذه الأحاديث وسلم من النقد، كفى في العلم بما تضمنه من ظهور رجل في آخر الزمان يسوس الناس بالشرع، ويحكمهم بالعدل، إذ أريناك ان مسألة المهدي لم تكن من قبيل العقائد التي لا تثبت إلا بالأدلة القاطعة.
والصحابة الذين رويت من طرقهم احاديث المهدي نحو (٢٧) صحابيا رضي الله عنهم منهم ابو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن ابي طالب، وابو هريرة، وانس بن مالك، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأم سلمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعمار بن ياسر، والعباس بن عبد المطلب، وتميم الداري، وابن عباس.
والواقع ان احاديث المهدي بعد تنقيتها من الموضوع والضعيف القريب منه، فان الباقي منها لا يستطيع العالم الباحث على بصيرة ان يصرف عنه نظره، كما يصرفه عن الاحاديث الموضوعة. وقد صرح الشوكاني في رسالته المشار إليها آنفا بأن هذه الاحاديث بلغت مبلغ التواتر فقال: (والاحاديث الواردة في المهدي التي امكن الوقوف عليها، منها خمسون فيها الصحيح والحسن والضعيف المتجبر، وهي متواترة بلا شك، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول».
يقول بعض المنكرين لاحاديث المهدي جملة: إن هذه الاحاديث من وضع الشيعة لا محالة، ويرد هذا بأن هذه الاحاديث مروية بأسانيدها. ومنها ما تقصينا رجال سنده، فوجدناهم ممن عرفوا بالعدالة والضبط، ولم يتهم احد من رجال التعديل والتجريح بتشيع مع شهرة نقدهم للرجال.

↑صفحة ٢١٢↑

وقال ابن خلدون: وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما رواه محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن البصري عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال (لا مهدي إلا عيسى).
وهذا حديث مصنوع فقد قال نقاد الأسانيد كالحاكم: إن محمد بن خالد رجل مجهول.
وقال ابن عبد البر: إنه متروك. وقال الأزدي: منكر الحديث، وآخذ في مثل هذا بقول ابن حزم: إذا كان في سند الحديث رجل مجروح بكذب، أو غفلة، او مجهول الحال، لا يحل عندنا القول به، ولا تصديقه، ولا الأخذ بشيء منه.
وقد اتخذ مسألة المهدي كثير من القائمين لإنشاء دول، وسيلة إلى الوصول إلى غاياتهم، فادعوا المهدوية ليتهافت الناس على الالتفاف حولهم، فالدولة الفاطمية قامت على هذه الدعوة، إذ زعم مؤسسها عبيد الله أنه المهدي. ودولة الموحدين جرت على هذه الدعوة، فان مؤسسها محمد بن تومرت اقام امره على هذه الدعوة.
وظهر في ايام الدولة المرينية بفاس رجل يدعى التوزري، واجتمع حوله رؤساء صنهاجة وقتله المصامدة.
وقام رجل اسمه العباس سنة ٦٩٠ هـ، في نواحي الريف من المغرب وزعم انه المهدي، واتبعه جماعة، وآل امره إلى ان قتل وانقطعت دعوته.
وبعد ثورة احمد عرابي بمصر ظهر في السودان رجل يسمى محمد احمد ادعى انه المهدي، واتبعته قبيلة البقارة عن جهينة على انه المهدي سنة ١٣٠٠ هـ، وهو الذي خلفه بعد موته التعايشي أحد زعماء قبيلة البقارة.
والفرقة الكيسانية يجعلون المهدي محمد بن الحنفية، ويزعمون انه مختف في جبل رضوى بين المدينة وينبع.
والشيعة الامامية يقولون: إن محمد بن الحسن العسكري هو المهدي المنتظر، ويزعمون أنه اختفى في سرداب بالحلة من بلاد العراق في اواخر القرن الخامس الهجري.
وإذا أساء الناس فهم حديث نبوي، او لم يحسنوا تطبيقه على وجهه الصحيح، حتى وقعت وراء ذلك مفاسد، فلا ينبغي ان يكون ذلك داعيا إلى الشك في صحة الحديث، او المبادرة إلى إنكاره، فان النبوة حقيقة واقعة بلا شبهة، وقد ادعاها أناس كذبا وافتراء،

↑صفحة ٢١٣↑

وأخلوا بدعواهم كثيرا من الناس، مثل ما يفعل طائفة القاديانية اليوم. والالهية ثابتة بأوضح من الشمس في كبد السماء، وقد ادعاها قوم لزعمائهم على معنى ان الله - جل شأنه - يحل فيهم، مثلما يفعل طائفة البهائية في هذا العهد فليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل.
والخلاصة: إن في أحاديث المهدي ما يعد في الحديث الصحيح، وبما أني درست علم الحديث، ووقفت على ما يميز به الطيب من الخبيث اراني ملجأ إلى ان اقول كما قال رجال الحديث من قبلي: إن قضية المهدي ليست بقضية مصطنعة.
ولا اترك مكاني هذا حتى أنبه على انه لم يرد، ولو في الاحاديث الموضوعة، ان المهدي يولد من غير اب. وأنبه على ان الحديث الذي ذكره ابو بكر الاسكافي في كتاب (فوائد الاخبار) موضوع، وهو حديث: (من كفر بالمهدي فقد كفر) وابو بكر الاسكافي من المتهمين بوضع الأحاديث: «سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم».
محمد الخضر حسين

↑صفحة ٢١٤↑

التاج الجامع للأصول في احاديث الرسول (.... - بعد ١٣٧١)

الشيخ منصور بن علي ناصف: من علماء الأزهر ومدرس بالجامع لم نجد فيما بأيدينا من المصادر ترجمة المؤلف او التعريف بالكتاب زائدا على ذلك ويكفي ترتيب الكتاب، ورصانة الابواب، والتحقيق حول كل موضوع يحتاج الى التوضيح، في أن مؤلفه من الشخصيات العلمية المعاصرة، الجامع لفنون الحديث والادب.
واليك باب المختص في «خليفة المهدي» وما في ذيله من الشرح «غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول».

↑صفحة ٢١٥↑

هوية الكتاب
التّاج الجامع للأصول في أحاديث الرّسول (صلى الله عليه وسلم)
تأليف
الشيخ منصور على ناصف من علماء الازهر الشريف ومدرّس بالجامع الزينبي وعليه غاية المأمول - شرح التّاج الجامع للأصول الجزء الخامس حقوق الطبع كلها محفوظة للمؤلف [الطبعة الثانية]
دار احياء الكتب العربية عيسى البابي الجلبني وشركاه

↑صفحة ٢١٧↑

الباب السابع في الخليفة المهدي رضي الله عنه(١٥)
عن عبيد الله بن القبطيّة قال: دخل الحارث بن أبى ربيعة وعبد الله بن صفوان رضي الله عنهم وأنا معهما على أمّ سلمة رضي الله عنها وسألاها عن الجيش الذي يخسف به وكان ذلك في أيّام ابن الزّبير، فقالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث(١٦) فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم فقلت: يا رسول الله فكيف بمن كان كارها(١٧) قال: يخسف به معهم ولكنّه يبعث يوم القيامة على نيّته. وفي رواية قال عبد الله ابن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش الآتي لقتال ابن الزّبير(١٨). رواه الأربعة(١٩).
عن أمّ سلمة رضي الله عنها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكّة(٢٠) فيأتيه ناس من أهل مكّة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الرّكن والمقام ويبعث إليه بعث من الشّام فيخسف بهم بالبيداء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥) اشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه في آخر الزمان لا بد من ظهور رجل من أهل البيت يسمى المهدي يستولى على الممالك الإسلامية ويتبعه المسلمون ويعدل بينهم ويؤيد الدين، وبعده يظهر الدجال وينزل عيسى (عليه السلام) فيقتله أو يتعاون عيسى مع المهدي على قتله، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرجها أكابر المحدثين كأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، والطبراني، وأبى يعلى، والبزاز، والإمام أحمد، والحاكم رضي الله عنهم أجمعين، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها كابن خلدون وغيره؛ وما روى من حديث: لا مهدى إلا عيسى بن مريم. فضعيف كما قاله البيهقي والحاكم وغيرهما.
(١٦) يتحصن بالكعبة رجل فيأتيه جيش لقتاله.
(١٧) لهذا الجيش.
(١٨) حقا ليس هو هذا الجيش لأنه لم يخسف به وما سمعنا بجيش خسف به للآن ولو وقع لاشتهر أمره كأصحاب الفيل.
(١٩) في كتاب الفتن إلا أبا داود فإنه رواه في كتاب المهدي جزما منه بأن هذا الجيش الذي يخسف به هو الذي يأتي لقتال المهدي رضي الله عنه ويؤيد هذا ما بعده.
(٢٠) رجل هو المهدي يهرب إلى مكة كراهة في الإمارة والخلافة.

↑صفحة ٢١٨↑

الباب السابع في الخليفة المهدي رضي الله عنه بين مكّة والمدينة(٢١) فإذا رأى النّاس ذلك أتاه أبدال الشّام وعصائب أهل العراق فيبايعونه(٢٢) ثمّ ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب(٢٣) فيقسم المال ويعمل في النّاس بسنّة نبيّهم (صلى الله عليه وسلم) ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض(٢٤) فيلبث سبع سنين ثمّ يتوفّى ويصلّى عليه المسلمون. رواه أبو داود(٢٥). عن أبى نضرة رضي الله عنه قال: كنا عند جابر رضي الله عنه فقال: يوشك أهل العراق ألاّ يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: العجم يمنعون ذاك(٢٦)، ثمّ قال: يوشك أهل الشّام ألا يجبى إليهم دينار ولا مدى قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الرّوم ثمّ سكت هنيّة(٢٧) ثمّ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
يكون في آخر أمّتى خليفة يحثى المال حثيا لا يعدّه عدّا(٢٨)، قلت لأبى نضرة: أترى أنه عمر بن عبد العزيز؟ قال: لا. عن أبى سعيد رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا لا يعدّه عدّا(٢٩). رواهما مسلم.
وعنه قال: خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث فسألنا نبيّ الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: إنّ في أمّتى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١) يأتي لقتاله جيش من الشام فيخسف به بالبيداء (أرض واسعة ملساء).
(٢٢) عصائب أهل العراق: خيارهم، وأبدال الشام: أولياؤه وعباده، ولأحمد بسند صحيح: الأبدال في هذه الأمة ثلاثون رجلا قلوبهم على قلب إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا.
(٢٣) فيظهر رجل قرشي فيستعين بأخواله بنى كلب فيجيشون جيشا لقتال المهدي فينتصر المهدي عليهم ويغنم جيشه من بنى كلب مالا عظيما.
(٢٤) فيقسم المهدي بالعدل ويعمل بالشرع بين الناس ويحثهم عليه حتى لا يكون العمل إلا بالكتاب والسنة، يقال ضرب الحق بجرانه أى قرّ أمره واستقام، وضرب البعير بجرانه: مد عنقه على الأرض ليستريح.
(٢٥) بسند رجاله رجال الصحيح.
(٢٦) إليهم أي منهم.
(٢٧) ثم سكت جابر زمنا يسيرا.
(٢٨) أى يعطى مالا كثيرا من غير عد ولا وزن.
(٢٩) هذا هو المهدي رضي الله عنه بدليل الحديث الآتي وذلك لكثرة الغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه وبذله الخير لكل الناس.

↑صفحة ٢١٩↑

المهديّ يخرج يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا(٣٠)، قال قلنا: وما ذاك؟ قال: سنين، قال: فيجيء إليه الرّجل فيقول يا مهديّ أعطني أعطني قال: فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. رواه الترمذي(٣١). عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث رجلا منّى أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(٣٢).
رواه أبو داود والترمذي(٣٣). عن أبى سعيد رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: المهدي منّى أجلى الجبهة(٣٤) أقنى الأنف(٣٥) يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويملك سبع سنين(٣٦). عن أمّ سلمة رضي الله عنها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: المهدي من عترتي من ولد فاطمة(٣٧). رواهما أبو داود والحاكم(٣٨). عن عليّ رضي الله عنه قال وقد نظر إلى ابنه الحسن:
إنّ ابنى هذا سيّد كما سمّاه النبي (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيّكم يشهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق(٣٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠) الشك من أحد الرواة، وأقربها سبع سنين لحديث أم سلمة السابق وحديث أبى سعيد الآتي.
(٣١) بسند حسن.
(٣٢) فالمهدى اسمه محمد واسم أبيه عبد اللّه، وفي رواية: لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى.
(٣٣) بسند صحيح.
(٣٤) منحسر الشعر عن مقدم رأسه.
(٣٥) طويله مع حدب وسطه ودقة أرنبته.
(٣٦) وفي رواية: أو تسعا؛ وفي أخرى: يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة.
(٣٧) فهو من نسل علىّ وابنه الحسن رضي الله عنهما، وحديث: المهدي من ولد العباس عمى. غريب وضعيف جدا.
(٣٨) بسندين صحيحين.
(٣٩) الرجل هو المهدي الذي يشبه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الأفعال والأخلاق ولا يشبهه في كل الصورة، فللروباني وأبى نعيم والديلمي والطبراني «المهدى رجل من ولدى وجهه كالكوكب الدري، اللون عربي والجسم إسرائيلي (فيه طول) يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماء وأهل الأرض»، وللطبراني: يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) كأنه يقطر من شعره الماء فيقول له المهدى: تقدم صل بالناس؛ فيقول: إنما أقيمت لك الصلاة؛ فيصلى خلف رجل من ولدى: وهو المهدي رضي الله عنه.

↑صفحة ٢٢٠↑

وعنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يخرج رجل من وراء النّهر(٤٠) يقال له الحارث بن حرّاث على مقدّمته رجل يقال له منصور يوطّئ أو يمكّن لآل محمّد(٤١) كما مكّنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجب على كلّ مؤمن نصره أو إجابته(٤٢). رواهما أبو داود.
والله أعلى وأعلم.
لا تزال طائفة على الحق إلى قرب الساعة
عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا تزال طائفة من أمّتى على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من يخذلهم حتّى يأتي أمر الله(٤٣). رواه الترمذي وأبو داود ومسلم(٤٤).
وزاد فينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا فيقول: لا إنّ بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمّة(٤٥). عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: إنّكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم(٤٦) فمن أدرك ذلك منكم فليتّق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار. عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها(٤٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٠) من البلاد التي وراء النهر كبخارى وسمرقند.
(٤١) أو للشك.
(٤٢) ففي آخر الزمان سيخرج رجل صالح من وراء النهر اسمه الحارث معه جيش عظيم يقوده رجل عظيم اسمه منصور يهيئ ذلك الرجل لذرية محمد أي يعد الجيش والذخائر والأموال لنصر خليفة يظهر أنه المهدي كما هيأ الأصحاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) ويجب على كل مؤمن أن ينصر ذلك الجيش وهذا الخليفة فإنهما على الحق واللّه أعلم.
لا تزال طائفة على الحق إلى قرب الساعة
(٤٣) إلى قرب قيام الساعة ومن هؤلاء المهدي رضي الله عنه.
(٤٤) الترمذي هنا وأبو داود في الجهاد ومسلم في الإيمان.
(٤٥) إكرام الله لهذه الأمة وأميرهم هو المهدي حينذاك.
(٤٦) مع أئمة الحق والعدل والهدى.
(٤٧) فالحياة خير لكم من الممات.

↑صفحة ٢٢١↑

ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون احمد بن محمد بن الصديق، ابو الفيض الغماري الحسني الأزهري الشافعي المغربي (١٣٨٠)

كان من أفاضل المغرب، من نزلاء طنجة وتعلم في الأزهر واستقر وتوفي بالقاهرة وعبر عنه عمر رضا كحالة بـ «محدث، حافظ، من أهل المغرب الأقصى».
وذكره العلامة الاميني في طبقات رواة حديث الغدير من العامة وقال:
الحافظ المجتهد، ناصر السنة، شهاب الدين ابي الفيض، احمد بن محمد ابن الصديق صاحب التآليف القيمة....

↑صفحة ٢٢٣↑

وكتب مؤلف فهرس الخزانة التيمورية تحت عنوان «ابراز الوهم المكنون...».
للسيد احمد بن محمد الصديق، من أفاضل المغرب الأقصى في القرن الرابع عشر والموجود الان سنة ١٣٤٨.
أوله الحمد لله الوهاب...
وهو في الرد على الامام عبد الرحمن بن خلدون، في تضعيفه الاحاديث الواردة في المهدي، في مقدمة تاريخه جزء ١ مجلد ١، طبع من طبعة الترقي بدمشق سنة ١٣٤٧.
هذا ما وصلنا من ترجمة مؤلف «ابراز الوهم...».
وذكره ايضا الزركلي، وعلي اي كان من اعلام اهل السنة المجتهدين وأدبائها المبرزين، له مؤلفات: منها:
«تشنيف الاذان»، ذكره العلامة الأميني في الغدير ونقل عنه انه قال في كتابه هذا ص ٧٧:
[وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فتواتر عن النبي «ص» من رواية نحو ستين شخصا لو اردنا اسانيد الجميع لطال بنا ذلك جدا، ولكن نشير الى مخرجيها تتميما للفائدة، ومن اراد الوقوف على طرقها واسانيدها فليرجع الى كتابنا في المتواتر فنقول... وذكر ستين نفرا من اعلام السنة واكابر محدثيها ومفسريها انهم ذكروا حديث الغدير واعترفوا بصحته].
«المعجم الوجيز للمستجيز».
«ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون» او «المرشد المبدي، لفساد طعن ابن خلدون في احاديث المهدي».
أقول: هذا الكتاب أقوى دليل على سعة إطلاع المؤلف وطول باعه بالنسبة الى الحديث والرجال والتاريخ. وموضوعه - كما يظهر من اسمه، اثبات

↑صفحة ٢٢٤↑

تواتر الاحاديث الواردة في شأن المهدي ورد ما اختلق ابن خلدون المغربي لإنكار تواترها وافادتها لظهوره (عليه السلام).
والعجب من ابن خلدون فمع انه مؤرخ كيف اجاز لنفسه ان يتدخل في موضوع لم يعط له حق النظر فيه وهو من اهم الموضوعات الاسلامية لا يكون لاحد حق النظر في امثاله الا من كان اخصائيا في فن الحديث والعقائد(٤٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨) معجم المؤلفين ١٣/٣٦٨، فهرس الخزانة التيمورية ٢/٢٤٨، الغدير ١/١٥١ و٣١١. الاعلام للزركلي ١/٢٥٣ طبعة جديدة.

↑صفحة ٢٢٥↑

هوية الكتاب
إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون أو المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي للفقير اليه تعالى خادم الحديث أحمد بن محمد بن الصديق كان الله له
حقوق الطبع محفوظة
مطبعة الترقي بدمشق الشام عام ١٣٤٧ ه

↑صفحة ٢٢٧↑

المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الحمد لله الوهاب الودود الواسع الكرم والجود الذي يوفق من يشاء من عباده ويهديه ويخلق الخير فيظهره على يد العبد ويبديه ثم يثيبه على ذلك وينيله ويعطيه والكل منه تعالى شأنه واليه فمن آمن به وصدق بما جاء عن رسله اكرمه وأولاه وأحبه وحباه ومنحه وأجداه وقربه وأدناه وبرضوانه الاكبر الدائم جزاه وفي جنات النعيم المقيم اقامه وأثواه فاكرم بها من فضيلة الايمان بالغيب وأعظم به من فضل ما احلاه وأبهاه وأعزه وأغلاه ومن انتصر به لدينه والانتصار منه سبحانه نصره وكفاه وما اجدره بذلك النصر وأحراه ومن كان لله بالله كان الله له وتولاه ومن استعان به واحتمى ولاذ بجنابه ووكل امره اليه اعانه وحماه وأغاثه ووقاه وأمنه ورعاه وما توفيق العبد لذلك الا بالله والصلاة والسلام على من اختاره من خلقه واجتباه وأحبه واصطفاه وأطلعه على غيبه وارتضاه سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ان هو إلاّ وحي يوحى اليه من مولاه القائل «لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي امر

↑صفحة ٢٢٨↑

الله» وعلى آله وأصحابه وأصهاره وأنصاره الذين صادقوه وصدقوه في كل ما أخبر به من الغيب وأبداه وعلى كل من اهتدى بهديه واستنار بنور سنته واتبع اثره واقتفاه. اما بعد فان الساعة آتية لا ريب فيها قريبة مقبلة بما فيها وان لإتيانها اعلاما ولقيامها اشراطا ألا وان من اعلامها الصريحة وأشراطها الثابتة الصحيحة ظهور الخليفة الاكبر والامام العادل الاشهر الذي يحيي الله به ما درس من آثار السنة النبوية واندثر ويميت به ما شاع من ضلالات اهل البدع وذاع وانتشر ويملأ الارض عدلا كما ملئت بظلم من جار وفجر ويحثو المال حثيا ولا يعده عدّا لكل من صلح وبر امام العترة الطاهرة المصطفوية محمد بن عبد الله المنتظر فقد تواترت بكون ظهوره من اعلام الساعة وأشراطها الاخبار وصحت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك الآثار وشاع ذكره وانتشر خبره من الكافة من اهل الاسلام على ممر الدهور والاعصار فالإيمان بخروجه واجب واعتقاد ظهوره تصديقا لخبر الرسول محتم لازب كما هو مدون في عقائد اهل السنة والجماعة من سائر المذاهب ومقرر في دفاتر علماء الامة على اختلاف طبقاتها والمراتب ففي التذكرة للإمام القرطبي وفتح الباري لأمير الحفاظ العسقلاني نقلا عن الحافظ ابي الحسين الآبري انه قال ردا لحديث ابن ماجه الموضوع الآتي فيه انه «لا مهدي الا عيسى» ما نصه: قد تواترت الاخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)

↑صفحة ٢٢٩↑

في المهدي وأنه من اهل بيته وأنه يملأ الارض عدلا وان عيسى عليه الصلاة والسلام يخرج فيساعده على قتل الدجال وانه يؤم هذه الامة وعيسى خلفه في طول من قصته وأمره انتهى وأقراه عليه وممن نص على تواتر احاديث المهدي ايضا الحافظ شمس الدين السخاوي في فتح المغيث والحافظ جلال الدين السيوطي في الفوائد المتكاثرة في الاحاديث المتواترة واختصاره الازهار المتناثرة وغيرهما من كتبه والعلامة ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة وغيره من مصنفاته والمحدث الزرقاني في شرحه للمواهب اللدنية وجم غفير من الحفاظ النقاد والمحدثين المتقنين لفنون الاثر وذكر القنوجي في الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ان القاضي ابا عبد الله محمد بن علي الشوكاني الف في اثبات تواتر اخباره كتابا سماه التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح ونقل عنه انه قال فيه والاحاديث الواردة في المهدي التي امكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الحسن والصحيح والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة لها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك انتهى وقال القنوجي في كتابه المذكور والاحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من

↑صفحة ٢٣٠↑

المعاجم والمسانيد. وقد اضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حيث قال يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الائمة وتكلم فيها المنكرون وربما عارضوها ببعض الاخبار الى آخر ما قال وليس كما ينبغي فان الحق الأحق بالاتباع والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع ان المعتبر في الرواة رجال الحديث أمران لا ثالث لهما وهما الضبط والصدق دون ما اعتبره عامة اهل الاصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن الى صحة الحديث بغير ذلك كيف ومثل ذلك يتطرق الى رجال الصحيحين واحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي وأسندوها الى جماعة من الصحابة فتعرض المنكرين لها ليس كما ينبغي والاحاديث يشد بعضها بعضا ويتقوى امرها بالشواهد والمتابعات وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف وأمره مشهور بين الكافة من اهل الاسلام على ممر الاعصار انتهى وقال السفاريني في الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية:

وما اتى في النص من اشراط * * * فكله حق بلا شطاط
منها الامام الخاتم الفصيح * * * محمد المهدي والمسيح

وقال في شرحه المسمى بلوائح الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية قد كثرت الاقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي إلا عيسى والصواب الذي عليه اهل الحق ان المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات

↑صفحة ٢٣١↑

حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الاحاديث الواردة فيه من طريق جماعة من الصحابة وقال بعدها وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم مما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند اهل العلم ومدون في عقائد اهل السنة والجماعة انتهى وفي المراصد:

وما من الاشراط قد صح الخبر * * * به عن النبي حق ينتظر
وخبر المهدي ايضا وردا * * * ذا كثرة في نقله فاعتضدا

قال شارحه في مبهج القاصد هذا ايضا مما تكاثرت الاخبار به وهو المهدي المبعوث في آخر الزمان ورد في احاديث ذكر السخاوي انها وصلت الى حد التواتر انتهى ونصوصهم في هذا كثيرة.
(فصل) في تعريف المتواتر
فان كنت في شك من هذا ولم تكتف بنصوص هؤلاء الائمة الاعلام فاعلم ان في تعريف المتواتر اقوالا كثيرة اصحها وبه قطع الجمهور انه خبر جمع عن محسوس يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب او توافقهم عليه عن مثلهم من الابتداء الى الانتهاء وقال جماعة منهم القاضي ابو الطيب الطبري في العدد المفيد للتواتر يجب ان يكونوا اكثر من اربعة لأنه لو كان خبر الاربعة يوجب العلم لما احتاج الحاكم الى السؤال عن عدالتهم اذا شهدوا عنده وقال ابن السمعاني ذهب اصحاب الشافعي الى انه لا يجوز

↑صفحة ٢٣٢↑

أن يتواتر الخبر بأقل من خمسة فما زاد وحكاه الاستاذ ابو منصور عن الجبائي من المعتزلة وقيل يشترط ان يكونوا سبعة وقيل عشرة وبه قال الاصطخري واستدل عليه بأن ما دونها جمع قلة وجوده الحافظ السيوطي وقيل يشترط ان يكونوا اثني عشر وقيل يشترط ان يكونوا عشرين وروي هذا القول عن ابى الهذيل وغيره من المعتزلة وقيل يشترط ان يكونوا اربعين وقيل سبعين وقيل غير ذلك قال الحافظ السيوطي في ألفيته:

وما رواه عدد جم يجب * * * احالة اجتماعهم على الكذب
فالمتواتر وقوم حددوا * * * بعشرة وهو لديّ اجود
والقول باثني عشر او عشرينا * * * يحكى وأربعين او سبعينا
وبعضهم قد ادعى فيه العدم * * * وبعضهم عزته وهو وهم
بل الصواب انه كثير * * * وفيه لي مؤلف نضير

ولا يخفى ان العادة قاضية بإحالة تواطئ جماعة يبلغ عددهم ثلاثين نفسا فأزيد في جميع الطبقات وذلك فيما بلغنا وأمكننا الوقوف عليه في الحال فقد وجدنا خبر المهدي واردا من حديث ابي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وعلي بن ابي طالب وأم سلمة وثوبان وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وابي هريرة وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الانصاري وقرة بن اياس المزني وابن عباس وأم حبيبة وأبي امامة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمار بن ياسر والعباس بن عبد المطلب والحسين بن علي وتميم الداري

↑صفحة ٢٣٣↑

و عائشة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر بن الخطاب وطلحة وعلي الهلالي وعمران بن حصين وعمرو بن مرة الجهني ومعاذ بن جبل ومن مرسل شهر بن حوشب وهذا في المرفوعات دون الموقوفات والمقاطيع التي هي في مثل هذا الباب من قبيل المرفوع ولو تتبعنا ذلك لذكرنا منه عددا وافرا ولكن في المرفوع منها كفاية ولنذكر عزو احاديث هؤلاء الصحابة الى مخرجيها ايضاحا للمقصود وتتميما للفائدة ولا نورد ألفاظها اختصارا واستغناء بما سيأتي فنقول اما حديث ابي سعيد الخدري فورد عنه من طريق ابي نضرة وابي الصديق الناجي والحسن بن يزيد السعدي اما طريق ابي نضرة فأخرجه ابو داود والحاكم كلاهما من رواية عمران القطان عنه وأخرجه مسلم في صحيحه من رواية سعيد بن زيد ومن رواية داود بن أبي هند كلاهما عنه لكن وقع في صحيح مسلم ذكره بالوصف لا بالاسم كما سيأتي وأما طريق ابي الصديق الناجي عن أبي سعيد فأخرجه عبد الرزاق والحاكم من رواية معاوية بن قرة عنه واخرجه احمد والترمذي وابن ماجه والحاكم من رواية زيد العمي عنه وأخرجه احمد والحاكم من رواية عوف بن ابي جميلة الاعرابي عنه واخرجه الحاكم من رواية سليمان بن عبيد عنه واخرجه احمد والحاكم من رواية مطر بن طهمان وابي هارون العبدي كلاهما عنه واخرجه احمد ايضا من رواية مطر بن طهمان وحده عنه واخرجه ايضا من رواية العلاء بن بشير المزني عنه واخرجه أيضاً

↑صفحة ٢٣٤↑

من رواية مطرف عنه وأما طريق الحسن بن يزيد السعدي فأخرجه الطبراني في الاوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد ابن واصل عن أبي الصديق الناجي عنه وهو من المزيد في متصل الاسانيد وأما حديث عبد الله بن مسعود فورد من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه ومن طريق ابراهيم عن علقمة عنه فأما طريق عاصم فأخرجه احمد من رواية عمرو بن عبيد وسفيان عنه وأخرجه ابو داود من رواية عمرو بن عبيد أيضا وأبي بكر بن عياش وسفيان وزائدة وفطر كلهم عنه واخرجه الترمذي من رواية سفيان الثوري عنه وأخرجه الطبراني في الصغير من رواية ابي الاحوص سلام ابن سليم عنه وذكر الحاكم في المستدرك انه ورد ايضا من رواية شعبة بن الحجاج عنه وأما طريق ابراهيم فأخرجه الحاكم من رواية عمرو بن قيس الملائي عن الحكم عنه عن علقمة وعبيدة السلماني وأخرجه ابن ماجه من رواية علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عنه وأخرجه أبو الشيخ في الفتن من رواية أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد أيضا عنه وأما حديث علي بن أبي طالب فورد عنه من طرق كثيرة تزيد على العشرين فأخرجه احمد وأبو داود من رواية فطر بن خليفة عن القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عنه وأخرجه أحمد وابن ماجه من رواية ياسين عن ابراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عنه وأخرجه أبو داود من رواية شعيب بن أبي خالد عن أبي إسحاق السبيعي عنه وأخرجه الطبراني في الاوسط من

↑صفحة ٢٣٥↑

رواية عبد الله بن لهيعة عن عمر بن جابر الحضرمي عن عمر بن علي عن أبيه به وأخرجه الحاكم في المستدرك من رواية الحارث بن يزيد عن عبد الله بن رزين الغافقي عنه وأخرجه الحاكم أيضا من رواية عمار بن معاوية الدهني عن أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية عنه موقوفا عليه وأخرجه نعيم بن حماد أحد شيوخ البخاري في كتاب الفتن له وكذا ابن المنادي في الملاحم وابو نعيم في اخبار المهدي وأبو غنم الكوفي في كتاب الفتن وابن أبي شيبة وغيرهم من طرق متعددة وألفاظ مختلفة موقوفة عليه وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود من رواية صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عنها وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم من رواية زياد ابن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عنها وهكذا هو عند ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير وابن عساكر في التاريخ من هذا الوجه وله طريق آخر عند الخطيب في كتاب المتفق والمفترق وأما حديث ثوبان فأخرجه احمد من رواية شريك عن علي بن زيد عن أبي قلابة عنه وأخرجه ابن ماجه من رواية سفيان الثوري والحاكم في المستدرك من رواية عبد الوهاب بن عطاء كلاهما عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي اسماء عنه وأما حديث عبد الله ابن الحارث فأخرجه ابن ماجه من رواية ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي عنه وأما حديث أبي هريرة فورد عنه من طرق كثيرة مرفوعا وموقوفا أخرج المرفوع منها أحمد

↑صفحة ٢٣٦↑

امر بتواتر ذلك القدر المشترك كأحاديث الباب فكل قضية منها باعتبار اسنادها لم تتواتر والقدر المشترك فيها وهو وجود الخليفة المهدي آخر الزمان تواتر باعتبار المجموع.
(فصل) في تواتر أحاديث المهدى
وقد كثر في الناس اليوم ممن يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ويضله من ينكر ظهور المهدي وينفيه ويقطع بضعف الاحاديث الواردة فيه مع جهله بأسباب التضعيف وعدم ادراكه معنى الحديث الضعيف وتصوره مبادئ هذا العلم الشريف وفراغ جرابه من احاديث المهدي الغنية بتواترها عن البيان لحالها والتعريف وانما استناده في انكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض احاديثه من العلل المزورة المكذوبة ولمزبه ثقات رواتها من التجريحات الملفقة المقلوبة مع ان ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان فكيف يعتمد فيه عليه ويرجع في تحقيق مسائله اليه فالواجب دخول البيت من بابه والحق الرجوع في كل فن الى اربابه فلا يقبل تصحيح او تضعيف الا من حفاظ الحديث ونقاده:

فاعن به ولا تخض بالظن * * * ولا تقلد غير اهل الفن

ولما لم ار احدا تصدى للرد عليه فيما علمت ولا بلغني ذلك

↑صفحة ٢٣٧↑

عن احد فيما رويت وسمعت بعثني باعث الغيرة الدينية الاثرية وحثني فضل الانتصار والذب عن السنة النبوية على ان ادحض حججه الباطلة وأرد شبهه الفاسدة العاطلة فكتبت على ضعف في الاستعداد وقلة من المواد هذه الرسالة واختطفت من بين انياب العوائق هذه العجالة بعد ان فهمت مرامه وتدبرت كلامه فاذا هو مموه بشبه واهية يعارض بعضها بعضا مركب من مقدمات وهمية موهمة تناقض نتائجها نقضا مؤلف من مغالطات يخيل للناظر أنها حجج قوية ترفض النزاع رفضا محشو بتعسفات تغض من صاحبها غضا ومجازفات تحط من قدره وتنقص منه طولا وعرضا كما ستعلم ذلك وتتحققه عند عرضنا له عليك عرضا وسميتها ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون والمرشد اليهدي لرد طعن ابن خلدون في احاديث المهدي والله اسأل التوفيق لما فيه رضاه والعصمة من انكار ما جاء به سيد من اصطفاه وارتضاه فأقول وما توفيقي الا بالله:
قال ابن خلدون فصل في امر الفاطمي وما يذهب اليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك اعلم ان المشهور بين الكافة من اهل الاسلام على ممر الاعصار انه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من اشراط الساعة الثابتة في الصحيح على

↑صفحة ٢٣٨↑

اثره وان عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال او ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة وتكلم فيها المنكرون وربما عارضوها ببعض الاخبار وللمتصوفة المتأخرين في امر هذا الفاطمي طريقة اخرى ونوع من الاستدلال وربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو اصل طرائقهم ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن وما للمنكرين فيها من المطاعن وما لهم في انكارهم من المستند ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبين الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى فنقول إن جماعة من الأئمة خرّجوا احاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم والطبراني وابو يعلى الموصلي وأسندوها الى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن اياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره الا ان المعروف عند أهل الحديث ان الجرح مقدم على التعديل فاذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ او ضعف او سوء رأي تطرق ذلك الى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق الى رجال الصحيحين فان الاجماع قد اتصل في الامة على تلقيهما بالقبول والعمل بما فيهما وفي الاجماع اعظم حماية وأحسن دفع وليس غير الصحيحين بمثابتهما في

↑صفحة ٢٣٩↑

ذلك فقد نجد مجالا للكلام في اسانيدها بما نقل عن ائمة الحديث في ذلك الى هنا كلامه.
وأقول الكلام على هذه الجمل المتناقضة المناقضة لما بعدها من وجوه:
الوجه الاول في اقراره باشتهار ظهور المهدي بين الامة من اهل الاسلام على ممر الاعصار معارضة لإنكاره وجوده وطعنه في الاحاديث القاضية بظهوره اذ على تسليم ضعف جميعها يجب العمل بمقتضاها من غير بحث في رجالها لما تقرر ان الحديث الواحد فضلا عن عدة أحاديث اذا تلقته الامة بالقبول يعمل به ولو كان ضعيفا حتى انه ينزل منزلة المتواتر وفي نفس كلام الطاعن ما هو كالصريح في هذا فقد جعل تلقي الامة للصحيحين بالقبول يدفع تطرق الوهن والضعف الى رجالهما وان في الاجماع اعظم حماية وأحسن دفع كما قال افلا يكون في تلقي الامة بالقبول لاحاديث المهدي اعظم حماية وأحسن دفع للمنكر لها ايضا والباحث في رجالها كما كان للصحيحين فان فيهما احاديث كثيرة تزيد على المائتين انكرها المنكرون وطعنوا في رجالها وعللوا اسانيدها وشنعوا على الشيخين في اخراجها وأفرد جماعة من الحفاظ النقاد كالدارقطني وابي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني لبيان ذلك مؤلفات خاصة بلى ان الاخبار جميعها في هذا الحكم لمتساوية الاقدام لا فرق بين احاديث الصحيحين وغيرها لان السبب الذي لأجله لم يقبل كلام المنكر

↑صفحة ٢٤٠↑

فكيف ساغ به التعريض به والاشارة الى انه يعارض الاخبار التي خرجها الأئمة ومن المعلوم المقرر في الاصول ان من شرط التعارض التساوي في الثبوت فمن كان اكثر رواة واوثقهم لا يعارضه ما كان دونه في القلة والتوثيق وما كان متواترا او مشهورا مستفيضا لا يعارضه ما كان فردا واخبار الباب متواترة كما علمت فكيف تعارض بهذا الخبر الشاذ الموضوع ولو لم يكن الا ان الطاعن ذكر خبر المهدي من طريق اربعة عشر صحابيا وخبر نفيه من طريق واحد مع حكمه عليه بالضعف والاضطراب لكان اكبر دليل وأقوى حجة على تدليسه وايهامه والقائه غبار التشويش في اعين القراء بذكر هذه المعارضة اللهم الا ان يكون جاهلا بحال التعادل والترجيح وشروط المعارضة.
الوجه الثالث قوله ان جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزار وابن ماجه والحاكم والطبراني وأبو يعلى فيه ان هذه معظم الاصول المعتمدة التي عليها المدار في نقل قواعد الدين وأحكام الشريعة وعلى اعوادها رفع منار السنة ومن طريقها وصل الينا نور العلم النبوي والهدي المحمدي فكيف يقطع بنفي امر اتفقوا على نقله هم وغيرهم ايضا ممن هو مثلهم كالإمام احمد في مسنده وابن خزيمة وابن حبان والحافظ ضياء الدين المقدسي في المختارة ان هذا لتهور عظيم ولنعرفك بمراتب هذه الاصول وشروط اصحابها الأئمة فيها لتهتدي منها الى مرتبة الاحاديث

↑صفحة ٢٤١↑

المخرجة فيها على طريق الاجمال قبل الوقوف على اسانيدها والخوض في رجالها فنقول:
أما جامع الترمذي فقد نقلوا عنه انه قال صنفت كتابي هذا فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به وعرضته على علماء العراق فرضوا به وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم انتهى ولا ريب ان كتابه أحسن الكتب جمعا وفيه ما ليس في غيره من ذكره المذاهب ووجوه الاستدلال وتبين انواع من الصحيح والحسن والغريب ولذا قيل فيه انه كاف للمجتهد ومغن للمقلد وقد أطلق الحاكم والخطيب والحافظان الصحة على جميع أحاديثه وان كان في ذلك تساهل وقال ابن الصلاح في علوم الحديث كتاب أبي عيسى الترمذي اصل في معرفة الحسن فهو الذي نوه باسمه واكثر من ذكره في جامعه انتهى قال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر في شروط الأئمة وأما شرط أبي داود والنسائي فان كتابيهما ينقسمان على ثلاثة أقسام الاول الصحيح المخرج في الصحيحين الثاني الصحيح على شرطهما وهو كما حكاه ابو عبد الله اخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم اذا صح الحديث باتصال السند بلا قطع ولا ارسال فيكون هذا القسم من الصحيح الا انه طريق لا يكون كطريق ما اخرجه الشيخان في صحيحيهما بل طريق ما تركاه من الصحيح كما بينا انهما تركا كثيرا من الصحيح الذي حفظناه

↑صفحة ٢٤٢↑

الثالث أحاديث اخرجاها بلا قطع منهما بصحتها وقد ابانا علتها بما بينه اهل المعرفة وانما أودعا هذا القسم في كتابيهما لرواية قدح لها واحتجاجهم بها وأورداها وبينا سقمها لتزول الشبهة وذلك ان لم يجدا له طريقا غيره لأنه أقوى عندهما من رأي الرجال وأما أبو عيسى الترمذي فكتابه على أربعة أقسام صحيح مقطوع به وهو ما وافق الشيخين وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بيناه في القسم الثاني لهما وقسم آخر كالثالث لهما أخرجه وأبان عن علته وقسم رابع أبان هو عنه وقال ما أخرجت في كتابي إلاّ حديثا قد عمل به بعض الفقهاء فعلى هذا الاصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أو لم يصح وقد ازاح عن نفسه اذا تكلم على حديثه بما فيه انتهى وهو يفيد تسليم ما صححه أو حسنه عند أهل الحديث.
وأما سنن أبي داود فقال الحافظ المنذري في اختصاره له روينا عن أبي بكر أحمد بن علي الخطيب أنه قال كان أبو داود قد سكن البصرة وقدم بغداد غير مرة وصنف كتابه المصنف في السنن ونقله عنه أهلها ويقال انه صنفه قديما وعرضه على احمد بن حنبل رضي الله عنه فاستجاده واستحسنه وروينا عن ابراهيم بن اسحاق الحربي انه قال لما صنف أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود النبي الحديد وقال أبو بكر محمد بن بكر بن داسة سمعت أبا داود يقول كتبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسمائة ألف حديث

↑صفحة ٢٤٣↑

انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب جمعت فيه اربعة آلاف وثمانماية حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه وحكى ابو عبد الله محمد بن اسحاق بن منده الحافظ ان شرط ابي داود والنسائي اخراج حديث اقوام لم يجمع على تركهم اذا صح الحديث باتصال السند من غير قطع ولا ارسال وحكى عن ابي داود انه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجمع الناس على تركه وقال ابو العلاء المحسن الوادادي رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنام فقال من اراد ان يتمسك بالسنن فليقرأ السنن ابي داود انتهى وقال الحافظ شمس الدين بن القيم في شرحه لاختصار المنذري المذكور ولما كان كتاب السنن لابي داود سليمان بن الاشعث السجستاني رحمه الله من الاسلام بالموضع الذي خصه الله به بحيث صار حكما بين اهل الاسلام وفصلا في موارد النزاع والخصام فاليه يتحاكم المنصفون وبحكمه يرضى المحققون فانه جمع شمل احاديث الاحكام ورتبها أحسن ترتيب ونظمها احسن نظام مع انتقائها احسن الانتقاء واطراحه منها احاديث المجروحين والضعفاء انتهى وقال الامام الحافظ ابو سليمان حمد بن محمد الخطابي في معالم السنن واعلموا رحمكم الله تعالى ان كتاب السنن لابي داود رحمه الله تعالى كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله قد رزق القبول من كافة الناس فصار حكما بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم فلكل منه ورد ومنه شرب وعليه معول اهل العراق وأهل مصر

↑صفحة ٢٤٤↑

وبلاد الغرب وكثير من اهل الارض فأما أهل خراسان فقد اولع اكثرهم بكتاب محمد بن اسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد الا ان كتاب ابي داود احسن وضعا واكثر فقها وكتاب ابى عيسى ايضا كتاب حسن والله يغفر لجماعتهم ويحسن على جميل النية فيما سعوا اليه مثوبتهم ثم اعلموا ان الحديث عند اهله على ثلاثة اقسام حديث صحيح وحديث حسن وحديث سقيم فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته والحسن منه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه مدار اكثر اهل الحديث وهو الذي يقبله اكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء وكتاب ابي داود جامع لهذين النوعين من الحديث فاما السقيم منه فعلى طبقات فشرها الموضوع ثم المقلوب يعني ما قلب اسناده ثم المجهول وكتاب ابي داود خلي منها وبريء من جملة وجوهها فان وقع فيه شيء من بعض اقسامها لضرب من الحاجة تدعوه الى مثلها فانه يبين امره ويذكر علته ويخرج من عهدته ويحكى لنا عن ابي داود رحمه الله انه قال ما ذكرت في كتابي حديثا اجمع الناس على تركه الى هنا كلام الخطابي رحمه الله.
واما مستدرك الحاكم وصحيحا ابني خزيمة وحبان فهي الصحاح الزائدة على الصحيحين التي شرط اهلها اخراج الصحيح وحده فيها قال الحافظ العراقي في الالفية:

↑صفحة ٢٤٥↑

وخذ زيادة الصحيح اذ تنص * * * صحته او من مصنف يخص
بجمعه نحو ابن حبان الذكي * * * وابن خزيمة وكالمستدرك
على تساهل وقال ما انفرد * * * به فذاك حسن ما لم يرد
بعلة والحق ان يحكم بما * * * يليق والبستي يداني الحاكما

وأجاد الحافظ السيوطي حيث بين المقدم من مراتب هؤلاء الثلاثة فقال في الفيته في مبحث الصحيح:

وخذه حيث حافظ عليه نص * * * ومن مصنف بجمعه يخص
كابن خزيمة ويتلو مسلما * * * واوله البستي ثم الحاكما

وفي تقريب النواوي(٤٩)
مع شرحه تدريب الراوي ما نصه ثم ان الزيادة في الصحيح عليهما يعني الشيخين تعرف من السنن المعتمدة كسنن ابي داود والترمذي والنسائي والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرها منصوصا على صحته ولا يكفي وجوده الا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح كابن خزيمة واصحاب المستخرجات قال الحافظ العراقي وكذا لو نص على صحته احد منهم ونقل ذلك عنه بإسناد صحيح واعتنى الحاكم بضبط الزايد عليهما مما هو على شرطهما او شرط احدهما او صحيح وان لم يوجد شرط احدهما وهو متساهل واتفق الحفاظ على ان تلميذه البيهقي اشد تحريا منه ولخص الذهبي مستدركه وتعقب كثيرا منه بالضعف والنكارة وجمع جزءا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٩) رسمه بالألف شاذ ولكن اخبرنا شيخنا الاستاذ السيد احمد رافع الطهطاوي انه وقف على الروضة بخط مؤلفها بإثبات الالف.

↑صفحة ٢٤٦↑

فيه الاحاديث التي فيه وهي موضوعة فذكر نحو مائة حديث وقال الماليني طالعت المستدرك الذي صنفه الحاكم من اوله الى آخره فلم اجد فيه حديثا على شرطهما قال الذهبي وهذا غلو واسراف من الماليني والا ففيه جملة وافرة على شرطهما وجملة كثيرة على شرط احدهما لعل مجموع ذلك نحو نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض شيء او علة وما بقي وهو نحو الربع فهو مناكير واهيات لا تصح وفي بعض ذلك موضوعات انتهى وقال الحافظ انما وقع للحاكم التساهل لأنه سود الكتاب لينقحه فأعجلته المنية قال وقد وجدت قريبا من الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك الى هنا انتهى املاء الحاكم قال وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه الا بطريق الاجازة قال والتساهل في القدر المعلى قليل جدا بالنسبة الى ما بعده انتهى.
وأما مسند الامام احمد فقد ذكروا انه انتقاه من اكثر من سبعمائة الف وخمسين الف حديث ولم يدخل فيه الا ما يحتج به عنده وروى ابو موسى المديني عنه انه سئل عن حديث فقال انظروه فان كان في المسند والا فليس بحجة وقد بالغ بعضهم بإطلاق الصحة على جميع ما فيه وأما ابن الجوزي فأدخل بعضا من احاديثه في الموضوعات وتعقبه الحفاظ في ذلك وحقق الحافظ نفي الوضع عن جميع احاديثه وانه احسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم يلتزم مصنفوها الصحة في جميعها كالموطا والسنن الأربع

↑صفحة ٢٤٧↑

وليست الاحاديث الزائدة على الصحيحين بأكثر ضعفا من الاحاديث الزائدة في سنن ابي داود والترمذي وقال في خطبة القول المسدد في الذب عن مسند احمد فقد ذكرت في هذه الاوراق ما حضرني من الكلام على الاحاديث التي زعم بعض اهل الحديث انها موضوعة وهي في مسند احمد ذبا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقته الامة بالقبول والتكريم وجعله امامهم حجة يرجع اليه ويعول عند الاختلاف عليه ثم سرد الاحاديث التي جمعها العراقي وهي تسعة وأضاف اليها خمسة عشر حديثا اوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه وأجاب عنها حديثا حديثا وقال في كتابه تعجيل المنفعة بزوائد رجال الاربعة ليس في مسند أحمد حديث لا أصل له الا ثلاثة أحاديث أو اربعة منها حديث عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة زحفا والاعتذار عنه انه مما امر أحمد بالضرب عنه فترك سهوا أو ضرب وكتب من تحت الضرب وقال في كتابه تجريد زوائد البزار اذا كان الحديث في مسند احمد فانه لم يعز الى غيره من المسانيد وقال الحافظ الهيثمي في زوائد المسند مسند احمد اصح صحيحا من غيره وقال الحافظ ابن كثير لا يوازي مسند احمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته وقال الحافظ السيوطي في خطبة الجامع الكبير وكل ما كان في مسند احمد فهو مقبول فان الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن وأما كتاب المختارة للحافظ ضياء الدين المقدسي فانه التزم فيه اخراج الصحيح

↑صفحة ٢٤٨↑

المجرد وذكر جمع من الحفاظ منهم ابن تيمية والزركشي وابن عبد الهادي ان تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم وفي خطبة الجامع الكبير بعد ذكر رموز البخاري ومسلم وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي ما نصه وجميع ما في هذه الكتب الخمسة صحيح بالعزو اليها فعلم بالصحة سوى ما في المستدرك من المتعقب فأنبه عليه انتهى ومن هذا تعلم مقدار مجازفة من انكر ما اتفق هؤلاء الأئمة على اخراجه في مصنفاتهم العظيمة الخاصة بجمع الصحيح وما يدانيه ويقاربه وحقق الحفاظ نفي الوضع عنها الا في القليل اليسير من بعضها مما هو معلوم معروف خصوصا وقد صرحوا بصحة الاحاديث الواردة في المهدي تصريحا لا يبقى معه شك ولا مجال للطعن ولا فسحة للانتقاد.
الوجه الرابع قوله وأسندوها الى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وام سلمة وثوبان وقرة بن اياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره الخ فيه ان العدد المذكور وهو اربعة عشر نفسا كاف في ثبوت التواتر وافادة العلم على مذهب جماعة من الفقهاء وعلماء الاصول والحديث كما قدمناه وقد حكم الحفاظ لكثير من الاحاديث التي لم يبلغ رواتها هذا العدد بالتواتر كما يعلم ذلك من مراجعة الكتب المؤلفة فيه كالفوائد والازهار

↑صفحة ٢٤٩↑

واللآلئ المتناثرة ولقط اللآلئ ونظم المتناثر وغيرها خصوصا وقد تعددت الطرق الى جل هؤلاء الصحابة المذكورين وخرجت احاديثهم في الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها الى مؤلفيها وهذا مما رد به الحافظ ادعاء ابن الصلاح عزة التواتر وجعله من احسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الاحاديث وهذا بقطع النظر عن كون احاديث المهدي وردت عن جماعة آخرين غير هؤلاء مما يفيد التواتر قطعا كما اسلفناه فقوله بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون غفلة منه او تغافل عما هو مقرر في علوم الحديث والاصول من ان ما بلغ هذا العدد ووصل الى حد التواتر لا يبحث عن رجاله من جهة الجرح والعدالة ولا يتعرض له بل يجب العمل به من غير بحث لأن العدالة انما هي شرط في قبول خبر الآحاد فتعرض المنكرين الموهومين للبحث عن رجال اسانيده تشويش فارغ وطلب نتيجة دون تحصيلها خرط القتاد قال الحافظ في شرح النخبة والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث انتهى وفي ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الاصول وقد اشترط عدالة النقلة لخبر التواتر فلا يصح ان يكونوا او بعضهم غير عدول وعلى هذا لا بد ان لا يكونوا كفارا ولا فساقا ولا وجه لهذا الاشتراط فان حصول العلم الضروري بالخبر المتواتر لا يتوقف على ذلك بل

↑صفحة ٢٥٠↑

يحصل بخبر الكفار والفساق والصغار المميزين والاحرار والعبيد وذلك هو المعتبر انتهى.
الوجه الخامس قوله الا ان المعروف عند اهل الحديث ان الجرح مقدم على التعديل هذه القاعدة المكسورة المعزوة الى علماء الحديث على غير ما هي عليه عندهم هي الاساس الذي بنى عليه كلامه والعماد الذي رفع عليه ما اراده من ابطال صحيح الاحاديث ورامه وهي قاعدة مفتعلة مزورة شاذة مهجورة على الوجه والاطلاق الذي ذكره بل لهم فيها مذاهب وتفصيلات وشروط مبسوطة في المطولات منبه عليها في المختصرات من كتب الحديث والاصول وجلب جميع ذلك او معظمه يطول ولنقتصر على ذكر ما يكفي في رد تزويره وبطلان ايهامه فنقول قال الحافظ ابو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور لأن اسبابه كثيرة يصعب ذكرها فان ذلك يحوج المعدل الى ان يقول لم يفعل كذا لم يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعد جميع ما يفسق بفعله او بتركه وذلك شاق جدا وأما الجرح فانه لا يقبل الا مفسرا مبين السبب لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح فيطلق احدهم الجرح بناء على امر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس الامر فلا بد من بيان سببه لينظر فيه هل هو جرح ام لا وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله وذكر الخطيب الحافظ انه مذهب الائمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل

↑صفحة ٢٥١↑

البخاري ومسلم وغيرهما ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح لهم كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما وكإسماعيل ابن ابي اويس وعاصم بن علي وعمر بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال على انهم ذهبوا الى ان الجرح لا يثبت الا اذا فسر سببه ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة وعقد الخطيب بابا في بعض اخبار من يستفسر في جرحه فيذكر ما لا يصلح جارحا منها عن شعبة انه قيل له لم تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون فتركت حديثه ومنها عن مسلم بن ابراهيم انه سئل عن حديث صالح المزي فقال ما يصنع بصالح ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد والله اعلم ثم قال ابن الصلاح ولقائل ان يقول انما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم على الكتب التي صنفها ائمة الحديث في الجرح او في الجرح والتعديل وقلما يتعرضون فيها لبيان السبب بل يقتصرون على مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشيء ونحو ذلك وهذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط بيان السبب يفضي الى تعطيل وسد باب الجرح في الاغلب الاكثر وجوابه ان ذلك وان لم نعتمده في اثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في ان توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء على ان ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة قوية يوجب مثلها التوقف ثم ان انزاحت

↑صفحة ٢٥٢↑

عنه الريبة منهم بالبحث عن حاله اوجب الثقة بعدالتهم قبلنا حديثه ولم نتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهم فمن مسهم مثل هذا الجرح من غيرهم فافهم ذلك فانه مخلص حسن والله اعلم الى هنا كلام ابن الصلاح وقال الحافظ العراقي في الالفية:

وصححوا قبول تعديل بلا * * * ذكر لأسباب له ان تثقلا
ولم يروا قبول جرح ابهما * * * للخلف في اسبابه وربما
استفسر الجرح فلم يقدح كما * * * فسره شعبة بالركض فما
هذا الذي عليه حفاظ الاثر * * * كشيخي الصحيح من اهل النظر
فان يقل قل بيان من جرح * * * كذا اذا قالوا لمتن لم يصح
وأبهموا فالشيخ قد اجابا * * * ان يجب الوقف اذا استرابا
حتى يبين بحثه قبوله * * * كمن اولو الصحيح اخرجوا له
ففي البخاري احتجاجا عكرمة * * * مع ابن مرزوق وغير ترجمه
واحتج مسلم بمن قد ضعفا * * * نحو سويد اذ بجرح ما اكتفى
قلت وقد قال ابو المعالي * * * واختاره تلميذه الغزالي
وابن الخطيب الحق ان يحكم بما * * * اطلقه العالم بأسبابهما

وقال الحافظ في شرح النخبة والجرح مقدم على التعديل ان صدر مبينا من عارف بأسبابه لأنه ان كان غير مفسر له يقدح فيمن ثبتت عدالته وان صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به ايضا انتهى وقال التاج السبكي في الطبقات الكبرى قاعدة في الجرح والتعديل ضرورية نافعة لا تراها في شيء من كتب الأصول

↑صفحة ٢٥٣↑

فانك اذا سمعت ان الجرح مقدم على التعديل وكنت غرا بالأمور فدما مقتصرا على منقول الاصول حسبت ان العمل على جرحه فإياك ثم اياك والحذر كل الحذر من هذا الحسبان بل الصواب عندنا ان من ثبتت عدالته وامامته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي او غيره فانا لا نلتفت الى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة والا فلو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح على اطلاقه لما سلم لنا احد من الائمة اذ ما من امام الا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون وقد عقد الحافظ ابو عمر بن عبد البر في كتاب العلم بابا في حكم قول العلماء بعضهم في بعض بدأ فيه بحديث الزبير رضي الله عنه «دب اليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء» الحديث وروى بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض فو الذي نفسى بيده لهم اشد تغايرا من التيوس في زروبها وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء الا قول بعضهم في بعض قلت ورأيت في معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع في المبسوطة من قول عبد الله بن وهب انه لا يجوز شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لأنهم اشد الناس تحاسدا وتباغضا وقاله سفيان الثوري ومالك بن دينار انتهى ولعل ابن عبد البريري هذا ولا بأس به غير انا لا نأخذ به على اطلاقه ولكن نرى ان الضابط

↑صفحة ٢٥٤↑

ما نقوله من ان ثابت العدالة لا يلتفت فيه الى قول من تشهد القرائن بأنه متحامل عليه اما لتعصب مذهبي او غيره ثم قال ابن عبد البر بعد ذلك الصحيح في هذا الباب ان من ثبتت عدالته وصحت في العلم امامته وبالعلم عنايته لا يلتفت الى قول احد فيه الا ان يأتي في جرحه ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات واستدل على ذلك بأن السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه التعصب والحسد ومنه ما دعا اليه التأويل واختلاف الاجتهاد مما لا يلزم المقول فيه ما قال القائل فيه وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلا واجتهادا ثم اندفع ابن عبد البر في ذكر كلام جماعة من النظراء بعضهم في بعض وعدم الالتفات اليه لذلك الى ان انتهى الى كلام ابن معين في الشافعي وقال انه مما نقم على ابن معين وعيب به وذكر قول احمد بن حنبل من اين يعرف يحيى بن معين الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقوله الشافعي ومن جهل شيئا عاداه قال ابن السبكي وقد قيل ان ابن معين لم يرد الشافعي وانما أراد ابن عمه وبتقدير ارادته الشافعي فلا يلتفت اليه وهو عار عليه وقد كان في بكاء ابن معين على اجابته المأمون الى القول بخلق القرآن وتحسره على ما فرط منه ما ينبغي ان يكون شاغلا له عن التعرض الى الامام الشافعي امام الأئمة ابن عم المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ذكر ابن عبد البر كلام ابن ابي ذئب وابراهيم بن سعد في مالك بن انس

↑صفحة ٢٥٥↑

قال وقد تكلم في مالك ايضا عبد العزيز بن ابي سلمة وعبد الرحمن ابن زيد بن اسلم ومحمد بن اسحاق وابن ابي يحيى وابن ابي الزناد وعابوا اشياء من مذهبه وقد برأ الله (عزَّ وجلَّ) مالكا عما قالوا وكان عند الله وجيها وما مثل من تكلم في مالك والشافعي ونظرائهما الا كما قال الاعشى:

كناطح صخرة يوما ليقلعها * * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

او كما قال الحسن بن حميد:

يا ناطح الجبل العالي ليكلمه * * * اشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

ثم قال ابن عبد البر فمن اراد قبول قول العلماء الثقات بعضهم في بعض فليقبل قول الصحابة بعضهم في بعض فان فعل ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا وان لم يفعل ولن يفعل ان هداه الله وألهمه فليقف عند ما شرطناه في ان لا يقبل في صحيح العدالة المعلوم بالعلم عنايته قول قائل لا برهان له قال ابن السبكي هذا كلام ابن عبد البر وهو على حسنه غير صاف من القذى والكدر فانه لم يزد فيه على قوله ان ثبتت عدالته ومعرفته لا يقبل قول جارحه الا ببرهان وهذا قد اشار اليه العلماء جميعا حيث قالوا لا يقبل الجرح الا مفسرا فما الذي زاده ابن عبد البر عليهم ثم قال فان قلت فما العبارة الوافية مما ترون قلت عرّفناك اولا بأن الجارح لا يقبل منه الجرح وان فسره في حق من غلبت طاعته على معاصيه وما دحوه على ذاميه ومزكوه على جارحيه اذا كانت

↑صفحة ٢٥٦↑

هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه من تعصب مذهبي او منافسة دنيوية كما يكون من النظراء وغير ذلك فنقول مثلا لا يلتفت الى كلام ابن ابي ذئب في مالك وابن معين في الشافعي والنسائي في احمد بن صالح لأن هؤلاء ائمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صح لتوفرت الدواعي على نقله وكان القاطع قائما على كذبه ثم اطال ابن السبكي في تقرير هذا وايضاحه الى ان قال فقولهم الجرح مقدم انما يعنون به حالة تعارض الجرح والتعديل فاذا تعارض الامر من جهة الترجيح قدمنا الجرح لما فيه من زيادة العلم وتعارضهما استواء الظن عندهما لأن هذا شأن المتعارضين اما اذا لم يقع استواء الظن عندهما فلا تعارض بل العمل بأقوى الظنين من جرح او تعديل كما ان عدد الجارح اذا كان اكثر قدم الجرح اجماعا لأنه لا تعارض والحالة هذه ولا يقول منا احد بتقديم التعديل لا من قال بتقديمه ولا غيره وعبارتنا في كتابنا جمع الجوامع وهو مختصر جمعناه في الاصلين جمع فأوعى والجرح مقدم ان كان عدد الجارح اكثر من المعدل اجماعا وكذا ان تساويا أو كان الجارح اقل وقال ابن شعبان يطلب الترجيح انتهى وفيه زيادة على ما في مختصرات الاصول فانا نبهنا فيه على مكان الاجماع ولم ينبهوا عليه وحكينا فيه مقالة ابن شعبان من المالكية وهي غريبة لم يشيروا اليها وأشرنا بقولنا يطلب الترجيح الى ان النزاع انما هو في حالة التعارض لأن

↑صفحة ٢٥٧↑

طلب الترجيح انما هو في تلك الحالة وهو شأن كتابنا جمع الجوامع نفع الله به غالب ظننا ان في كل مسألة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره مع البلاغة في الاختصار اذا عرفت هذا علمت انه ليس كل جرح مقدما انتهى والحاصل ان في المسألة اربعة اقوال:
الاول يقدم الجرح على التعديل اذا كان مفسرا بأسبابه وان كثر المعدلون وبه قال الجمهور كما نقله عنهم الخطيب والباجي وصححه الرازي والآمدي واستثنى الشافعية من هذا ما اذا جرحه بمعصية وشهد الآخر انه قد تاب منها بأنه يقدم في هذه الصورة التعديل لأن مع المعدل زيادة علم.
القول الثاني يقدم التعديل على الجرح لأن الجارح قد يجرح بما ليس في نفس الامر جارحا والمعدل اذا كان عدلا لا يعدل الا بعد تحصيل الموجب لقوله حكاه الطحاوي عن ابي حنيفة وأبي يوسف وهو محمول على الجرح المجمل.
القول الثالث يقدم الاكثر من المعدلين والجارحين حكاه الرازي في المحصول.
القول الرابع يتعارضان فلا يقدم احدهما على الآخر الا بمرجح حكاه ابن الحاجب وابن السبكي كما تقدم عنه ومن هذا تعلم ان اطلاقه تقديم الجرح على التعديل اطلاق فاسد.
الوجه السادس تقريره كون الطعن في رجال الاسناد أو بعضها بالغفلة او بسوء الحفظ يوهن من صحة الاحاديث تقرير باطل

↑صفحة ٢٥٨↑

واطلاق فاسد اذ المتفق عليه بين علماء الحديث ان ضعف الراوي اذا كان لكذب او تهمة به كان الحديث بالدرجة المعروفة عندهم من مراتب الضعيف حتى انه اذا ورد من جهة اخرى مثل الاولى في الضعف تقاعد عن الارتقاء الى درجة أعلى من تلك الدرجة ولم تؤثر فيه تلك الموافقة نعم صرّح الحافظ بأنه يرتقي بمجموع تلك الطرق عن كونه منكرا أو لا أصل له وأما اذا كان الضعف ناشئا من سوء حفظه او غفلة مع كون الراوي الموصوف بذلك صدوقا في نفسه فانه يزول ذلك الضعف بمجيء الحديث من وجه آخر ويعرف بذلك ان الراوي قد حفظ ولم يختل فيه ضبطه وصار الحديث بذلك حسنا محتجا به وأمثال ذلك كثيرة لا تنحصر ومنها على سبيل التقريب للفهم حديث رواه الترمذي وحسنه من طريق شعبة عن عاصم بن عبد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه ان امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجاز قال الترمذي وفي الباب عن عمر وأبي هريرة وعائشة وابي حدرد فعاصم ضعيف لسوء حفظه ومع ذلك حسن الترمذي حديثة لمجيئه من هذه الوجوه التي اشار الى انها واردة في الباب ومن ذلك ايضا حديث عاصم بن ابي النجود الآتي اول سرد ابن خلدون للاحاديث فان الترمذي قال فيه حسن صحيح وكذلك صححه الحاكم وكثير من الحفاظ لهذا المعنى وكون حديثه ورد من عدة طرق

↑صفحة ٢٥٩↑

يرتفع معها توهم كون عاصم اخطأ في هذا الحديث كما سنبينه ان شاء الله تعالى بدلائله.
الوجه السابع اطلاقه ان سوء الرأي من اسباب ضعف الحديث ورده وادعاؤه انه المعروف عند اهل الحديث اطلاق باطل ايضا وادعاء كذب فان اهل الحديث ليس على هذا العمل عندهم ولا هو الجاري بينهم كيف ذلك والكثير من نقلة الاحاديث ورواة الآثار من عصر التابعين وأتباعهم فمن بعدهم مذاهبهم مختلفة وآراؤهم في الاعتقاد متباينة مخالفة لما عليه اهل السنة والجماعة من النصب والرفض والارجاء والقدر والتقلد برأي الخوارج وغير ذلك مع صلابتهم في الدين والورع وشدة تحريهم في الصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار كيف يصدق الطاعن في دعواه وهذان الصحيحان المتفق على صحتهما بين المسلمين قد خرج صاحباهما لجماعة رموا بالأرجاء وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبيرة بالنار كإبراهيم بن طهمان وأيوب بن عائد الطائي وذر بن عبد الله الموهبي وشبابة بن سوار وعبد الحميد بن عبد الرحمن ابي يحيى الحماني وعبد الحميد بن عبد العزيز بن ابي رواد وعثمان بن غياث البصري وعمر بن ذر وعمر بن مرة ومحمد بن حازم وأبي معاوية الضرير وورقاء بن عمر اليشكري ويحيى بن صالح الوحاظي ويونس ابن بكير.

↑صفحة ٢٦٠↑

والجماعة رموا بالنصب وهو بغض علي (عليه السلام) وتقديم غيره عليه كإسحاق بن سويد العدوي وحريز بن عثمان وحصين بن نمير الواسطي وخالد بن سلمة الفافاء وبهز بن اسد وعبد الله بن سالم الاشعري وقيس بن ابي حازم.
ولجماعة رموا بالتشيع وهو تقديم علي على سائر الصحابة كإسماعيل ابن ابان واسماعيل بن زكريا الخلفاني وجرير بن عبد الحميد وأبان ابن تغلب وخالد بن مخلد القطواني وسعيد بن فيروز وابي البحتري سعيد ابن عمرو بن اشوع وسعيد بن عفير وعباد بن العوام وعباد بن يعقوب وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن ابي ليلى وعبد الرزاق ابن همام وعبد الملك بن اعين وعبيد الله بن موسى العبسي وعدي بن ثابت الانصاري وعلي بن الجعد وعلي بن ابي هاشم وأبي نعيم الفضل ابن دكين وفضيل بن مرزوق وفطر بن خليفة ومحمد بن جحادة ومحمد ابن فضيل بن غزوان ومالك بن اسماعيل ابي غسان.
ولجماعة رموا بالقدر وهو زعم ان الشر من خلق العبد كثور ابن زيد المدني وثور بن يزيد الحمصي وحسان بن عطية المحاربي والحسن بن ذكوان وداود بن الحصين وزكريا بن اسحاق وسالم ابن عجلان وسلام بن مسكين وسيف بن سليمان المكي وشبل بن عباد وشريك بن ابي نمر وصالح بن كيسان وعبد الله بن ابي لبيد وعبد الله بن ابي نجيح وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الرحمن بن اسحاق المدني وعبد الوارث بن سعيد الثوري وعطاء بن ابي ميمونة والعلاء بن

↑صفحة ٢٦١↑

الحارث وعمر بن ابى زائدة وعمران بن مسلم القصير وعمير بن هاني وعوف الاعرابي وكهمس بن المنهال ومحمد بن سواء البصري وهارون ابن موسى الاعور النحوي وهشام الدستوائي ووهب بن منبه ويحيى ابن حمزة الحضرمي.
وخرجا لبشر بن السري وقد رمى برأي جهم وهو نفي صفات الله تعالى والقول بخلق القرآن ولعكرمة مولى ابن عباس وقد رمي بغير نوع من البدعة والمشهور انه كان من الاباضية والاباضية اخبث الطوائف الضالة قبحهم الله وكذلك خرجا للوليد بن كثير وهو اباضي وكذلك عمران بن حطان وهو من العقدية الذين يرون الخروج على الائمة ولا يباشرون ذلك وهو القائل يمدح عبد الرحمن ابن ملجم لعنه الله على قتل الامام علي (عليه السلام):

يا ضربة من تقي ما اراد بها * * * الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
اني لأذكره يوما فأحسبه * * * اوفى البرية عند الله ميزانا
اكرم بقوم بطون الارض أقبرهم * * * لم يخلطوا دينهم بغيا وعدوانا

ولقد احسن الامام القاضي ابو الطيب الطبري رحمه الله تعالى ورضي عنه حيث اجابه بقوله:

اني لأبرأ مما انت قائله * * * في ابن ملجم الملعون بهتانا
اني لا ذكره يوما فألعنه * * * دينا وألعن عمران بن حطانا
عليك ثم عليه الدهر متصلا * * * لعائن الله اسرارا واعلانا
فأنتم من كلاب النار جاء بذا * * * نصّ الشريعة برهانا وتبيانا

↑صفحة ٢٦٢↑

اشار الى ما خرجه احمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث ابن ابي أو في رضي الله عنه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «الخوارج كلاب اهل النار» الى غير ذلك من المبتدعة الذين اخرج لهما الشيخان او احدهما فمن يصدق الطاعن فيما ادعاه ونسبه الى اهل الحديث فليحكم على مرويات هؤلاء المخرجة في الصحيحين بالوهن والضعف ولينسب الامامين المبرزين المجمع على جلالتهما واتقانهما وضبطهما لهذا الشأن وتقديمهما على من عداهما من أئمة الحديث ونقاده وهما البخاري ومسلم الى القصور أو الجهل بشروط الصحيح وأسباب الجرح والعدالة فان فعل ذلك فقد خرق الاجماع وضل ضلالا بعيدا.
وحيث عرفت هذا وتحقق لديك بطلان اطلاقه المسائل المفيدة وتعميمه القواعد المخصصة ليتوصل بذلك الى تحصيل مراده من انكار ما لم يقبله طبعه ولا دان للتصديق به عقله كتوصله بإطلاق كون سوء الحفظ من أسباب ضعف الحديث الى رد حديث نحو عاصم بن ابي النجود حيث لم يجد ما يرد به حديثه الا سوء الحفظ مع الصدق والعدالة.
وكتوصله ايضا بإطلاق كون سوء الرأي من اسباب الضعف والرد الى رد الحديث نجو فطر بن خليفة الذي لم يجد سبيلا الى الطعن فيه والرد لحديثه الا سبيل تهمته بالتشيع.

↑صفحة ٢٦٣↑

فاعلم ان الحق في المسألة وتقريرها على ما سمي عليه عند اهلها بعد ان تعلم ان اهل البدع ينقسمون الى قسمين:
القسم الاول من كفر ببدعته كالمجسم ومنكر علم الجزئيات فهؤلاء لا يحتج بهم عند الجمهور وحكى قوم منهم النووي الاتفاق عليه ورد بأنه قيل بقبول خبره مطلقا وقيل بقبول خبره ان كان يعتقد حرمة الكذب وصححه الرازي في المحصول وقال الحافظ في شرح النخبة التحقيق انه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي ان مخالفتها مبتدعة وقد تبالغ بتكفير فلو اخذ ذلك على الاطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف والمعتمد ان الذي ترد روايته من انكر امرا متواترا من الشرع معلوما من الدين بالضرورة واعتقد عكسه وأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم الى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه فلا مانع من قبوله.
القسم الثاني من لا يكفر ببدعته وفيه اقوال الاول لا يحتج به مطلقا ونسبه الخطيب الى مالك لأن في الرواية عنه ترويجا لأمره وتنويها بذكره ولأنه فاسق ببدعته وان كان متأولا يرد كالفاسق بلا تأويل كما استوى الكافر المتأول وغيره وضعف هذا القول باحتجاج صاحبي الصحيحين وغيرهما بكثير من المبتدعة غير الدعاة كمن ذكرناهم وقال الحاكم كتاب مسلم ملآن من الشيعة.
القول الثاني يحتج به ان لم يكن ممن يستحل الكذب في نصرة مذهبه سواء كان داعية ام لا فان كان ممن يستحل الكذب لذلك

↑صفحة ٢٦٤↑

فلا وحكى الخطيب في الكفاية عن الشافعي انه قال اقبل شهادة اهل الاهواء الا الخطابية لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقتهم قال وحكي هذا عن ابن ابي ليلى والثوري والقاضي ابي يوسف.
القول الثالث يحتج به ان لم يكن داعية الى بدعته ولا يحتج به ان كان داعية لأن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه قال النووي وهذا هو الاظهر الأعدل وقول الكثير أو الاكثر وادعى ابن حبان الاتفاق عليه بلا تفصيل وقيده جماعة بما اذا لم يرو غير الداعية ما يقوي بدعته صرح بذلك الحافظ ابو اسحاق الجوزجاني في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل فقال ومنهم زائغ عن الحق صدوق اللهجة قد جرى في الناس حديثه لكنه مخذول في بدعته مأمون في روايته فهؤلاء ليس فيهم حيلة الا ان يؤخذ من حديثهم ما يعرف الا ما يقوي به بدعته فيتهم بذلك واختاره الحافظ في النخبة وقال في شرحها ما قاله الجوزجاني متجه لان العلة التي لها رد حديث الداعية واردة فيما اذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب الراوي المبتدع ولو لم يكن داعية انتهى وقال في لسان الميزان وينبغي ان يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع اذا كان صدوقا ولم يكن داعية بشرط ان لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد به بدعته ويشيدها فانا لا نأمن عليه حينئذ غلبة الهوى والله الموفق انتهى واعترض

↑صفحة ٢٦٥↑

على رد الداعية باحتجاج الشيخين بالدعاة كاحتجاج البخاري بعمران ابن حطان وهو من الدعاة واحتجاجهما جميعا بعبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وكان داعية الى الارجاء وأجاب الحافظ العراقي بأن ابا داود قال ليس في أهل الاهواء اصح حديثا من الخوارج ثم ذكر عمران بن حطان وأبا حسان الاعرج قال ولم يحتج مسلم بعبد الحميد بل اخرج له في المقدمة وقد وثقه ابن معين انتهى قلت بقي عليه الجواب عن احتجاج البخاري به وقد اجاب الحافظ في هدى الساري بأن البخاري انما روى له حديثا واحدا في فضل القرآن وقد رواه مسلم من غير طريقه فلم يخرج له الا ماله اصل والله اعلم وقال الحافظ الناقد شمس الدين الذهبي في الميزان أبان ابن تغلب الكوفي شيعي جلد لكنه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته ثم نقل توثيقه عن ابن معين وابن حنبل وأبي حاتم وقال للقائل ان يقول كيف ساغ توثيق مبتدع وحد الثقة العدالة والاتقان فكيف يكون عدلا من هو صاحب بدعة وجوابه ان البدعة على ضربين فبدعة صغرى كغلو التشيع وكالتشيع بلا غلو فهذا كثير في التابعين وتابعيهم مع الدين والصدق فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة ثم بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على ابي بكر وعمر رضي الله عنهما والدعاء الى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم والشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن

↑صفحة ٢٦٦↑

حارب عليا رضي الله عنهم وتعرض لسبهم والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين ايضا فهذا ضال مفتر انتهى وفيه على حسنه نزغة شامية لحصره البدع في انواع التشيع الى غير هذا من النصوص الكثيرة فاعراض الطاعن عن جميع هذه الشروط وضربه عن جملة هذه التقييدات بالكلية يرشدك الى خيانته في العلم وعدم امانته في التقرير والتبليغ.
(فصل) في بيان أحاديث المهدي
ثم قال الطاعن وأما الترمذي فخرج هو وأبو داود بسنديهما من طريق عاصم بن ابي النجود أحد القراء السبعة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني او من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي» هذا لفظ ابي داود وسكت عليه وقال في رسالته المشهورة ان ما سكت عليه في كتابه فهو صالح ولفظ الترمذي «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» وفي لفظ آخر «حتى يلي رجل من اهل بيتي» وكلاهما حديث حسن صحيح ورواه ايضا من طريقه موقوفا على ابي هريرة وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من ائمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة على ما اصلته من

↑صفحة ٢٦٧↑

الاحتجاج بأخبار عاصم اذ هو امام من ائمة المسلمين اهـ قال الطاعن الا ان عاصما قال فيه احمد بن حنبل كان رجلا صالحا قارئا للقرآن خيرا ثقة والاعمش احفظ منه وكان شعبة يختار الاعمش عليه في تثبيت الحديث وقال العجلى كان يختلف عليه في زر وأبي وائل يشير بذلك الى ضعف روايته عنهما وقال محمد بن سعد كان ثقة الا انه كثير الخطأ في حديثه وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب وقال عبد الرحمن بن ابي حاتم قلت لأبي ان ابا زرعة يقول عاصم ثقة فقال ليس محله هذا وقد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ وقال ابو حاتم محلة عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ واختلف فيه قول النسائي وقال ابن خراش في حديثه نكرة وقال ابو جعفر العقيلي لم يكن فيه الا سوء الحفظ وقال الدارقطني في حفظه شيء وقال يحيى القطان ما وجدت رجلا اسمه عاصم الا وجدته رديء الحفظ وقال ايضا سمعت شعبة يقول حدثنا عاصم بن ابي النجود وفي الناس ما فيها وقال الذهبي ثبت في القراءة وهو في الحديث دون الثبت صدوق يهم وهو حسن الحديث وان احتج احد بأن الشيخين اخرجا له فنقول اخرجا له مقرونا بغيره لا اصلا والله اعلم الى هنا كلامه.
اقول هذا البحث وان كان واضح البطلان في نفسه غنيا عن اقامة الدليل على فساده للتصريح فيه بتصحيح الترمذي والحاكم للحديث

↑صفحة ٢٦٨↑

واحتجاج ابي داود به بالسكوت عليه والاعتراف بأن عاصما راوية من ائمة المسلمين عدل ثقة من رجال الصحيحين الا ما فيه من سوء الحفظ الذي لا يؤثر ضعفا في هذا الحديث لورود المتابعات عليه والشواهد له كما سيذكره الطاعن نفسه ونذكره نحن ان شاء الله تعالى فلا بد ايضا من زيادة ايضاح لبطلانه وتقرير لفساده بما يزيح عنه الريبة ويزيل الاشكال وذلك من وجوه:
الوجه الاول في ذكر سند الحديث ورواته الى عاصم بن ابي النجود عند الامام احمد والترمذي وأبي داود اما الامام احمد فأخرجه عن عمر بن عبيد عن عاصم بلفظ «لا تنقضي الايام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» وعن يحيى ابن سعيد عن سفيان عن عاصم بلفظ لا تذهب الدنيا او قال لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي الحديث واما الترمذي فأخرجه عن عبيد بن اسباط بن محمد القرشي الكوفي عن ابيه عن سفيان الثوري عن عاصم به باللفظ المتقدم ثم قال وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وابي هريرة وهذا حديث حسن صحيح ثم اخرجه ايضا عن عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار عن سفيان ابن عيينة عن عاصم به بلفظ «يلي رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي» قال عاصم وأخبرنا ابو صالح عن ابي هريرة قال «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي» وقال هذا

↑صفحة ٢٦٩↑

حديث حسن صحيح وأما ابو داود فقال حدثنا مسدد ان عمر بن عبيد حدثهم ح وحدثنا محمد بن العلاء ثنا ابو بكر يعني ابن عياش ح وحدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان ح وحدثنا احمد بن ابراهيم قال حدثني عبيد الله بن موسى عن فطر المعنى واحد كلهم عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم قال زائدة في حديثه لطول الله ذلك اليوم ثم اتفقوا حتى يبعث الله رجلا مني او من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي زاد في حديث فطر يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وقال في حديث سفيان «لا تذهب ولا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» قال ابو داود ولفظ عمر وأبي بكر بمعنى سفيان واخرجه ايضا الطبراني في المعجم الصغير قال حدثنا يحي بن اسماعيل ابن محمد بن يحيى بن محمد بن زياد بن جرير بن عبد الله البجلي ثنا جعفر بن علي بن خالد بن جرير بن عبد الله البجلي ثنا ابو الاحوص سلام بن سليم عن عاصم بن ابي النجود عن زر بن حبيش عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» ورواه عن عاصم شعبة بن الحجاج ايضا كما ذكره الحاكم فهؤلاء ثمانية من الرواة للحديث عن عاصم

↑صفحة ٢٧٠↑

وكلهم ائمة ثقات عدول اثبات من رجال الصحيحين وفيهم من لا يروي الا عن ثقة كشعبة وسفيان بن عيينة فلا نطيل بذكر توثيق هؤلاء اذ الحديث مشهور مستفيض عن عاصم وانما يبقى البحث فيه من جهته.
الوجه الثاني نقله عن الحاكم تصحيح الحديث وعن الترمذي انه قال في كلتا الروايتين حسن صحيح وعن ابي داود انه سكت عليه مع قوله في الرسالة المشهورة عنه ان ما سكت عليه فهو صالح والصالح في اصطلاحهم يشمل الصحيح والحسن لصلاحيتهما للاحتجاج وقد يستعمل على قلة في الضعيف المنجبر لصلاحيته للاعتبار كاف في الحكم بصحة الحديث والاذعان له ومغن تتبع طرقه والبحث في رجاله لعظيم حفظ هؤلاء المنقول عنهم وجلالة قدرهم وكبير اتقانهم لكنه لعناده اعقب ذلك بالبحث والطعن في الاسناد لعدم اعتماده تصحيح هؤلاء واتهامه اياهم بالتقصير في حكمهم ولا خير في ذلك فلكل ان يستفرغ وسعه ويبذل جهده في تحرير الاسانيد جرحا وتعديلا ووصلا وارسالا واعتبارا للمتابعات والشواهد ثم يحكم بما اداه اليه اجتهاده وأوصله اليه نظره لكن على وصف ما قلناه وشرط ما وصفناه مما هو مقرر معلوم ومتبع من القواعد المحررة في علمي الحديث والاصول وأنت اذا احطت خبرا بمالهم في ذلك وجدت الطاعن يحكم على الاحاديث بما شا لا بما شاءت تلك القواعد والنصوص بانيا ذلك على مذهب اخترعه وشروط شرطها لا يكاد يتصور معها وجود حديث

↑صفحة ٢٧١↑

صحيح في الوجود ولا تصديق حافظ ناقد فيما يحكم به من تصحيح او تحسين كما يصرح به تضعيفه الاحاديث برجال مخرج عنهم في الصحيحين كالإمام سفيان الثوري لما نسب اليه من التدليس وكعاصم بن ابي النجود لما وصف به من سوء الحفظ وكفطر بن خليفة لما قيل فيه من التشيع مع انك اذا تتبعت تراجم الرجال لا تكاد تجد فيهم من لم يقل فيه ما قيل لا فرق بين رجال الصحيحين وغيرهم ولا بين التابعين وتابعيهم اهل القرون الفاضلة بشهادة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا غيرهم فان مشينا على هذا المذهب المخترع في القرن الثامن من انا لا نحكم لحديث بالصحة الا اذا كان لم يتكلم في رجاله بكلمة وحكمنا على كل ما خالف هذا الشرط الفائق شرط البخاري وسلم بالضعف والرد رفضنا كل احاديث الاحكام اوجلها وأبطلنا معظم اصول الشريعة لفقدان الدليل عليها وقلة الصحيح المعتبر لسبوتها على مذهب الطاعن المعاند سبحانك هذا بهتان عظيم.
وكذلك يلزم من عدم قبول تصحيح الترمذي والحاكم وابي داود وتخطئتهم تخطئة جمهور الحفاظ وعلماء الحديث المعتمدين تصحيحهم العاملين على مقتضى حكمهم لاحاديث الاحكام فضلا عن غيرها من عصرهم الى عصر الطاعن ومن بعده ما دامت الطائفة القائمة على الحق ظاهرة لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي امر الله وخصوصا في مثل هذا الحديث الذي تواطأ على اقرارهم في تصحيحهم

↑صفحة ٢٧٢↑

له جميع الحفاظ كما يعلم ذلك من مراجعة دواوين السنة وكتب الحديث وكفى بهذا غلوا واسرفا وتنطعا في التعصب والعناد والمجازفة على ان في سكوت ابي داود تفصيلا لنقاد المتأخرين وانه يقبل منه ما لم ينص الحفاظ على ضعفه ولا جابر له من الخارج لكن هذا الحديث ليس كذلك بل خص بالتنصيص من المتأخرين ايضا على صحته على اننا لا نعتمد الآن تصحيح الحاكم والترمذي ولا سكوت ابي داود بل نرفض التقليد ونتبع طريقته في البحث والاجتهاد لا في التعصب والعناد ونعتمد القواعد المقررة والاصول الموصلة لذلك كما ستعرفه ان شاء الله تعالى ورسالة ابي داود التي اشار اليها كتبها لأهل مكة بين لهم فيها شرطه في سننه وعدد احاديثه وهي اربعة آلاف وثمانمائة وقال فيها في شأن سننه وهو كتاب لا يرد عليك سنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسناد صالح الا وهو فيه الا ان يكون كلام استخرج من الحديث ولا يكاد يكون هذا ولا اعلم شيئا بعد القرآن الزم للناس ان يعتمدوه من هذا الكتاب ولا يضر رجلا ان لا يكتب من بعد ما يكتب هذا الكتاب شيئا واذا نظر فيه وتدبره وتفهمه علم اذا مقداره الى آخرها وهي في نحو ورقة ذكرها بعض شراح ابي داود.
الوجه السادس جعله قول الامام احمد في عاصم كان رجلا صالحا قارئا للقرآن خيرا ثقة والاعمش احفظ منه وكان شعبة يختار الاعمش عليه جرحا في عاصم مستدلا به على ضعف حديثه

↑صفحة ٢٧٣↑

من عجيب الصنغ في الايهام وقلب الحقائق وذلك اخذا من قول احمد ان الاعمش احفظ من عاصم وقوله كان شعبة يختار الاعمش عليه ولو كان هذا جرحا كما فهمه الطاعن او اراد ان يحمل الناس عليه لكان امام الائمة مالك بن انس ضعيفا قول ابن مهدى كان يقدم سفيان الثوري في الحفظ على مالك وقول صالح بن محمد في سفيان الثوري ليس يقدمه عندي احد في الدنيا وهو احفظ واكثر حديثا من مالك.
ولكان امير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج ضعيفا ايضا لقول صالح بن محمد ان سفيان الثوري اكثر حديثا من شعبة وأحفظ ولتقديم يحيى بن معين سفيان بن عيينة على شعبة ايضا ولقول عبد الرحمن بن مهدي كنت اسمع الحديث من ابن عيينة فأقدم فأسمع شعبة يحدث به فلا اكتبه.
ولكان سفيان بن عيينة الامام ضعيفا ايضا لتقديمه مالكا على نفسه ولتقديم غيره مالكا في الحفظ عليه.
ولكان يحيى بن سعيد الحافظ ضعيفا لتقديمه سفيان الثوري في الحفظ على نفسه الى غير ذلك مما لا يحصى كثرة فانه لا تكاد تخلو ترجمة من تراجم الاقران من مثل هذه المفاضلة فلو كان كل من قيل فيه فلان احفظ منه ضعيفا مع التنصيص على انه ثقة كما قال احمد في عاصم لعدم الثقة من الدنيا او دل على ان الله لم يخلقه بعد.

↑صفحة ٢٧٤↑

الوجه الرابع قوله وقال العجلى كان يختلف عليه في زر وابي وائل يشير بذلك الى ضعف روايته عنهما فيه تدليس وتسوية للنقل على ما يقتضيه المراد ونص العجلى على حقيقته كما في كتب الجرح والتعديل كان عاصم صاحب سنة وكان ثقة رأسا في القراءة ويقال ان الاعمش قرأ عليه وهو حدث وكان يختلف عليه في زر وابي وائل انتهى فذكره الاختلاف عليه في زر وابي وائل بعد الاعتراف منه بأنه ثقة وهم لا يطلقون الثقة الا على من حاز وصف العدالة مع الاتقان دليل على قلة ذلك الاختلاف منه وخفته وعدم حطه من رتبته في الحفظ والاتقان لا على ما فهم الطاعن من إشارته الى ضعف روايته عنهما وحكمه عليه بالضعف لأجل ذلك وقد قال الامام عبد الله بن المبارك من ذا سلم من الوهم وقال ابن معين لست اعجب ممن يحدث فيخطئ انما اعجب ممن يحدث فيصيب قال الحافظ في اللسان وهذا مما ينبغي ان يتوقف فيه فاذا جرح الرجل بكونه اخطأ في حديث او وهم او تفرد لا يكون ذلك جرحا مستقرا ولا يرد به حديثه ومثل هذا اذا ضعف الرجل في سماعه من بعض شيوخه خاصة فلا ينبغي ان يرد حديثه كله بكونه ضعيفا في ذلك الشيخ قلت وعاصم ليس بضعيف في زر وابي وائل ولا في غيرهما وكيف يكون الحال على ما فهمه الطاعن من كلام العجلي وجل مروياته المخرجة في الصحاح والتي نص الحفاظ على صحتها من روايته عنهما ولو كان كذلك لترك مروياته عنهما هؤلاء الحفاظ الذين هم ابصر

↑صفحة ٢٧٥↑

بعلل الحديث من كل بصير وأعرف به من كل عارف.
الوجه الخامس قوله وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب فيه تدليس ايضا ففي التهذيب وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب وهو ثقة انتهى فانظر اسقاطه لقول يعقوب بن سفيان وهو ثقة المخالف لمراده المناقض لقصده ثم تعجب من صدقه وأمانته الوجه السادس قوله وقال عبد الرحمن بن ابي حاتم قلت لابي ان ابا زرعة يقول عاصم ثقة فقال ليس محله هذا وقد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ الى آخر ما تقدم ليس هو على حقيقته ايضا بل دخله الحذف والايصال ونصه كما في التهذيب وغيره من كتب الجرح والتعديل وقال ابن ابي حاتم عن ابيه صالح وهو اكثر حديثا من ابي قيس الاودي واشهر وأحب الي منه وهو اقل اختلافا عندي من عبد الملك بن عمير قال وسألت ابا زرعة عنه فقال ثقة قال وذكره ابي فقال محله عندي محل الصدق صالح وليس محله ان يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ وقد تكلم فيه ابن علية فقال الخ فتأمل هذا واعتبر به وقول ابي حاتم ليس محله ان يقال فيه ثقة مع ثنائه عليه وقوله محله محل الصدق صالح يدلك على انه ليس بجرح ولا شبيه به بل لأن قولهم ثقة اعلى مرتبة في اصطلاحهم من قولهم صدوق او محله الصدق لأن الثقة لا يطلقونها الا في حق من كان صدوقا متقنا كما قدمناه انفا مع ان الكل من مراتب التعديل وطبقات الصحيح وان اقتصر ابو حاتم

↑صفحة ٢٧٦↑

فيه على انه صدوق فقد قال غيره انه ثقة كما سيأتي.
الوجه السابع قوله وان احتج احد بأن الشيخين اخرجا له فنقول اخرجا له مقرونا بغيره لا اصلا والله اعلم فيه ان الشيخين ما خرجا في صحيحيهما لمن هذا وصفه الا لوجود المتابعات والشواهد الدالة على ثبوت اهل الحديث كما هو معلوم من اصطلاحهما معروف من تتبع صنيعهما وهذا الحديث كذلك ايضا فان له متابعات وشواهد يحكم معها بصحته على شرط البخاري ومسلم كأحاديث الصحيحين من هذا القبيل فان قال قائل متى كان الحديث صحيحا على شرطهما فلم لم يخرجاه قلنا انهما ما استوعبا الصحيح بل ولا عشره ولا الزما ذلك انفسهما قال الحافظ العراقي في الالفية:

ولم يعماه ولكن قلما * * * عند ابن الاخرم منه قد فاتهما
ورد لكن قال يحيى البر * * * لم يفت الخمسة الا النزر
وفيه ما فيه لقول الجعفي * * * احفظ منه عشر ألف الف

اشار الى ما نقل عن البخاري انه قال احفظ مائة الف حديث صحيح ومائتي الف حديث غير صحيح مع ان عدد الصحيح له لم يبلغ ثلاثة آلاف حديث على ما حرره الحافظ في هدي الساري ونظمه الحافظ السيوطي في ألفيته فقال:

وعدد الاول بالتحرير * * * ألفان والربع بلا تكرير
ومسلم اربعة آلاف * * * وفيهما التكرار جم وافي

واذا تقرر هذا فاعلم ان عاصما قال فيه ابن معين لا بأس به

↑صفحة ٢٧٧↑

وهي في اصطلاحه بمعنى قوله ثقة لأنه قال اذا قلت في احد لا بأس به فهو ثقة قال في الالفية:

وابن معين قال من اقول لا * * * بأس به فثقة ونقلا

بل نقل ابن شاهين في كتاب الثقات عن ابن معين انه قال في عاصم ثقة لا بأس به من نظراء الاعمش وقال النسائي ليس به بأس وقال كل من احمد وابى زرعة وابن سعد ويعقوب بن سفيان وابن حبان وابن شاهين ثقة وقال ابو حاتم محله الصدق فعلى رأي هؤلاء حديثه صحيح وعلى رأي الباقين كالنسائي والدارقطني والعجلى والعقيلي وامام نقاد المتأخرين الحافظ شمس الدين الذهبي حسن كما نقل تصريحه بذلك الطاعن فان مشينا على الأحوط واقتصرنا فيه على انه حسن الحديث حكمنا لحديثه هنا بالصحة لوجود المتابعة عليه والشواهد له وان خرقنا اجماع هؤلاء الحفاظ وفارقنا جماعتهم وقلنا انه ضعيف الحديث كما يقوله الطاعن حكمنا لحديثه هذا بالحسن لاعتبار المتابعات والشواهد التي يرتقى معها الضعيف الى الحسن لغيره كما هو مقرر في علوم الحديث.
اما المتابعة فاخرج الحاكم من طريق حبان بن مدير عن عمرو ابن قيس الملائي عن الحكم عن ابراهيم عن علقمة بن قيس وعبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود قال اتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج الينا مستبشرا حتى مرت فتية فيهم الحسن والحسين فلما رآهم خثر وانهملت عيناه فقلنا له يا رسول الله ما نزل فقال

↑صفحة ٢٧٨↑

انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وانه سيلقى اهل بيتي تطريدا وتشريدا حتى ترفع رايات سود من المشرق فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فمن ادركه منكم او من اعقابكم فليأت إمام اهل بيتي ولو حبوا على الثلج فإنها رايات هدى يدفعونها الى رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جوزا وظلما رجاله ثقات الا حبان قال الازدي ليس بالقوي عندهم لكنه لم ينفرد به ايضا بل ورد من طريق آخر قال ابن ماجه في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشام ثنا علي بن عاصم عن يزيد بن ابي زياد عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذ اقبلت فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اغرورقت عيناه وتغير لونه فقلت يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال انا اهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان اهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي فيملك الارض فيملؤها قسطا وعدلا كما ملؤوها جورا وظلما فمن ادرك ذلك منكم او من اعقابكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنها رايات هدى رجاله ثقات عثمان بن ابي

↑صفحة ٢٧٩↑

شيبة ثقة من رجال الصحيحين ومعاوية بن هشام ثقة روى له مسلم والاربعة ووثقه ابو داود وشيخه على بن عاصم من رجال مسلم ايضا وثقه احمد وابن معين والنسائي والعجلي وابن سعد وجماعة ويزيد بن ابي زياد القرشي الهاشمي مولاهم الكوفي روى له البخاري تغليا ومسلم والاربعة وفيه اختلاف فذكره عند طعن الطاعن في هذا الحديث به اما شيخه وشيخ شيخه فكلاهما ثقتان متفق على الرواية عنهما فالحديث على شرط مسلم وقد رواه عن يزيد بن ابي زياد ايضا ابو بكر بن عياش أخرجه أبو الشيخ في كتاب الفتن حدثنا عبدان ثنا ابن نمير حدثنا أبو بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد به مختصرا فهذه متابعة قوية لعاصم.
وأما ما يشهد لحديثه من رواية غير ابن مسعود فكثير بل جميع احاديث المهدي شاهدة وأقربها الى لفظه حديث علي (عليه السلام) عند أحمد وأبي داود وحديث قرة عند البزار والطبراني وحديث أبي هريرة عند ابن ماجه والديلمي وحديث أبي سعيد عند أحمد وأبي يعلى وسمويه والضياء المقدسي وابن خزيمة وابن حبان وستأتي ألفاظها.
وقد قدمنا ان الحسن اذا ورد من غير طريقه ارتفع الى درجة الصحيح لغيره كما ان الضعيف الناشئ ضعفه من الوهم وسوء الحفظ يرتفع مع وجود المتابعات والشواهد الى درجة الحسن كذلك وفي

↑صفحة ٢٨٠↑

تدريب الراوي شرح تقريب النواوي اذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة الحافظ الضابط مع كونه مشهورا بالصدق والستر وقد علم ان من هذا حاله فحدثيه حسن ثم روى حديثه من غير وجه ولو وجها واحدا آخر كما يشير اليه تعليل ابن الصلاح قوي بالمتابعة وزال ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء الحفظ وانجبر بها ذلك النقص اليسير وارتفع من درجة الحسن الى الصحيح قال ابن الصلاح مثاله حديث رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبى هريرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «لو لا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فمحمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من اهل الاتقان حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه فحديثه من هذه الجهة حسن فلما انضم الى ذلك كونه روي من وجه آخر حكمنا بصحته ثم ذكر المتابعة لهذا الحديث وقال الحافظ العراقي في الألفية:

والحسن المعروف بالعدالة * * * والصدق راويه اذا اتى له
طرق اخرى نحوه من الطرق * * * صححته كمتن لو لا ان اشق
اذ تابعوا محمد بن عمرو * * * عليه فارتقى الصحيح يجري

ومن هذا تعلم وجه تصحيح الحفاظ لحديث عاصم ويتضح لك ذلك من حاله وتتحقق ببطلان طعن الطاعن وفساد هذيانه والله أعلم

↑صفحة ٢٨١↑

(فصل) في حديث (لو لم يبق من الدنيا الا يوم...)
قال الطاعن وخرج أبو داود في الباب عن علي رضي الله عنه من رواية فطر بن خليفة عن القاسم بن أبي بزة عن ابي الطفيل عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله رجلا من اهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا» وفطر بن خليفة وان وثقة احمد ويحيى القطان وابن معين والنسائي الا ان العجلى قال حسن الحديث وفيه تشيع قليل وقال ابن معين مرة ثقة شيعي وقال احمد بن عبد الله بن يونس كنا نمر على فطر وهو مطروح لا نكتب عنه وقال مرة كنت امر به وادعه مثل الكلب وقال الدارقطني لا يحتج به وقال ابو بكر ابن عياش ما تركت الرواية عنه الا لسوء مذهبه وقال الجوزجاني زائغ غير ثقة الى هنا كلامه.
اقول وهو عناد يحط من مروءة العلم ويخدش في عرض العلماء بل جرأة عظيمة واقدام قبيح على انكار ما ثبت من احاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بدون تثبت ولا انصاف فان الحديث صحيح على شرط البخاري ومسلم لا علة له ولا مطعن في رجاله فهذا فطر بن خليفة القرشي المخزومي مولاهم أبو بكر الحناط من رجال البخاري قال فيه الامام احمد ثقة صالح الحديث وقال يحيى ابن سعيد القطان ثقة وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين ثقة

↑صفحة ٢٨٢↑

وقال العجلى كوفي ثقة حسن الحديث وكان فيه تشيع قليل وأسقط الطاعن قول العجلى ثقة كما تقدم في نقله لظنه ان حسن الحديث جرح لا تعديل وقال أبو حاتم صالح الحديث كان يحيى بن سعيد يرضاه ويحسن القول فيه ويحدث عنه وقال النسائي لا بأس به وقال في موضع آخر ثقة حافظ كيس وقال الساجي صدوق ثقة ليس بمتقن وقال أبو زرعة الدمشقي سمعت ابا نعيم يرفع من فطر ويوثقه ويذكر انه كان ثبتا في الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال وقد قيل انه سمع من أبي الطفيل فان صح فهو من التابعين وقال ابن سعد ثقة فهذا غاية ما يطلب في الراوي من التوثيق ونهاية ما يقصد منه فان قلت فما تفعل بقول احمد بن عبد الله بن يونس كنت امر به فأدعه مثل الكلب وقول الجوزجاني انه زائغ غير ثقة قلت نرده ولا نقبله خصوصا مع كثرة هؤلاء المعدلين بل نرده ولو صدر من عدد كبير ممن هو مثلهما فقد قرر علماء الحديث نه مما ينبغي تفقده عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة الى الجارح والمجروح فربما خالف الجارح المجروح في العقيدة فجرحه لذلك والى هذا اشار الرافعي بقوله وينبغي ان يكون المزكون برآء من الشحنة والعصبية في المذهب خوفا من ان يحملهم ذلك على جرح عدل او تزكية فاسق قال ابن السبكي في الطبقات وقد وقع هذا لكثير من الأئمة جرحوا بناء على معتقدهم وهم المخطئون والمجروح مصيب وقد اشار شيخ الاسلام تقي الدين بن دقيق العيد في كتابه الاقتراح

↑صفحة ٢٨٣↑

الى هذا ايضا وقال اعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس المحدثون والحكام قال ابن السبكي ومن امثلة هذا قول بعضهم في البخاري تركه ابو زرعة وأبو حاتم من اجل مسألة اللفظ فيا لله والمسلمين ايجوز لاحد ان يقول البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم اهل السنة والجماعة ثم يالله والمسلمين ا يجعل ممادحه مذام فان الحق في مسألة اللفظ معه اذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في ان تلفظه من افعاله الحادثة التي هي مخلوقة لله وانما انكرها الامام احمد رضي الله عنه لبشاعة لفظها ومن ذلك قول بعض المجسمة في ابي حاتم بن حبان لم يكن له كبير دين نحن اخرجناه من سجستان لأنه انكر الحد لله فيا ليت شعري من احق بالاخراج من يجعل ربه محدودا او من ينزهه عن الجسمية وامثلة هذا هذا تكثر وهذا شيخنا الذهبي رحمه الله من هذا القبيل له علم وديانة وعنده على اهل السنة تحمل مفرط فلا يجوز ان يعتمد عليه ونقلت من خط الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي رحمه الله ما نصه الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي لا شك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله الناس ولكنه غلب عليه مذهب الاثبات ومنافرة التأويل والغفلة عن التنزيه حتى اثر ذلك في طبعه انحرافا شديدا عن اهل التنزيه وميلا قويا الى اهل الاثبات فاذا ترجم واحدا منهم يطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن ويبالغ في وصفه ويتغافل عن غلطاته ويتأول له ما امكن واذا ذكر

↑صفحة ٢٨٤↑

احدا من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما لا يبالغ في وصفه ويكثر من قول من طعن فيه ويعيد ذلك ويبديه ويعتقده دينا وهو لا يشعر ويعرض عن محاسنهم الطافحة فلا يستوعبها واذا ظفر لأحد منهم بغلطة ذكرها وكذلك فعله في اهل عصرنا اذا لم يقدر على احد منهم بتصريح يقول في ترجمته والله يصلحه ونحو ذلك وسببه المخالفة في العقيدة انتهى.
ونحن قد تفقدنا حال الجوزجاني وابن يونس مع فطر بن خليفة في العقيدة فوجدنا مذهبهما فيهما مخالفا لمذهبه ومشربهما مباينا لمشربه تباينا يوجب عداوة كل طرف لمقابله وذلك ان فطر بن خليفة شيعي كما تقدم واحمد بن يونس كان عثمانيا والجوزجاني كان حروريا مفرطا والحرورية فرقة من الخوارج وهم اعداء علي (عليه السلام) قال ابن حبان في الثقات كان الجوزجاني حروري المذهب ولم يكن بداعية وكان صلبا في السنة حافظا للحديث الا انه من صلابته ربما كان يتعدى طوره وقال ابن عدي كان شديد الميل الى مذهب اهل دمشق في الميل على علي وقال السلمي عن الدارقطني بعد ان ذكر توثيقه لكن فيه انحراف عن علي اجتمع على بابه اصحاب الحديث فأخرجت جارية له فروجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها فقال سبحان الله فروجة لا يوجد من يذبحها وعلي يذبح في ضحوة نيفا وعشرين الف مسلم انتهى وصرح الحافظ بعدم قبول قول الجوزجاني في مثل فطر بن خليفة فقال في لسان الميزان وممن

↑صفحة ٢٨٥↑

ينبغي ان يتوقف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد فان الحاذق اذا تأمل ثلب ابى اسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة اهلها بالتشيع فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ولغة وعبارة طلقة حتى انه اخذ يلين مثل الاعمش وابي نعيم وعبيد الله بن موسى واساطين الحديث واركان الرواية فهذا اذا عارضه مثله او اكبر منه فوثق رجلا ضعفه قبل التوثيق انتهى واما قول ابي بكر بن عياش ما تركت الرواية عنه الا لسوء مذهبه فقد عرفت مما قدمناه ان مجرد سوء المذهب لا دخل له في جرح صاحبه وتضعيفه من جهة الرواية واما نقل الطاعن عن الدارقطني انه قال لا يحتج به فليس المنقول عن الدارقطني كذلك بل الذي في التهذيب عن الدارقطني انه قال لم يحتج به البخاري وغاية ما يفيد هذا ان الدارقطني يرى ان فطر بن خليفة ليس من شرط البخاري لأنه لم يرو له استقلالا بل روى له مقرونا ولا يلزم من عدم صلاحيته لشرط البخاري ان لا يكون ثقة من شرط مطلق الصحيح على ان الحافظ نقل في هدى الساري عن الدارقطني انه وثقه فقال فطر بن خليفة المخزومي مولاهم كوفي من صغار التابعين وثقه احمد والقطان والدارقطني وابن معين والعجلى والنسائي وآخرون وقال ابن سعد كان ثقة ان شاء الله ومن الناس من قد يستضعفه وقال الساجي كان ثقة وليس بمتقن فهذا قول الأئمة فيه واما الجوزجاني

↑صفحة ٢٨٦↑

فقال كان غير ثقة وقال ابن أبي خيثمة عن قطبة بن العلاء تركت حديثه لأنه روى أحاديث فيها ازراء على عثمان اهـ قال الحافظ فهذا ذنبه عند الجوزجاني وقد قال العجلى انه كان فيه تشيع قليل انتهى والحاصل ليس في الحديث ما ينزل رتبته الى درجة الحسن فضلا عن ان يحط قدره الى مرتبة الضعيف بل هو صحيح بلا شك ولا شبهة والله أعلم.
(فصل) في بيان أحاديث المهدى
ثم قال الطاعن وخرج ابو داود أيضا بسنده الى علي رضي الله عنه عن هارون بن المغيرة عن عمرو بن أبي قيس عن شعيب ابن أبي خالد عن أبي اسحاق السبيعي قال: قال علي ونظر الى ابنه الحسن ان ابني هذا لسيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الارض عدلا وقال هارون حدثنا عمرو بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمرو سمعت عليا يقول قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجب على كل مؤمن نصره او قال اجابته» سكت عليه ابو داود وقال في موضع آخر هارون هو من ولد

↑صفحة ٢٨٧↑

الشيعة وقال السليماني فيه نظر وقال أبو داود في عمرو بن أبي قيس لا بأس به في حديثه خطأ وقال الذهبي صدوق له أوهام وأما أبو إسحاق السبيعي وان خرج عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره وروايته عن علي منقطعة وكذلك رواية أبي داود عن هارون بن المغيرة وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال ابن عمرو مجهولان ولم يعرف أبو الحسن الا من رواية مطرف بن طريف عنه الى هنا كلامه.
أقول أما السند الاول فصحيح أو حسن بلا شك ولا ريبة وذلك ان أبا داود رواه عن هارون بن المغيرة الرازي قال فيه جرير لا أعلم لهذه البلدة أصح حديثا منه وقال النسائي كتب عنه يحيى بن معين وقال صدوق وقال الآجري عن أبي داود ليس به بأس هو من الشيعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وقال عبد الله بن احمد بن جنبل عن يحيى بن معين شيخ صدوق ثقة وشيخ هارون هو عمرو بن أبي قيس الرازي الازرق قال أبو داود لا بأس به في حديثه خطأ وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن شاهين في الثقات قال عثمان بن أبي شيبة لا بأس به كان يهم في الحديث قليلا وقال أبو بكر البزار في السنن مستقيم الحديث وقال عبد الصمد بن عبد العزيز المقري دخل الرازيون على الثوري فسألوه الحديث فقال أليس عندكم ذلك الازرق يعني عمرو بن أبي قيس وشيخه شعيب بن أبي خالد الرازي ذكره ابن حبان في

↑صفحة ٢٨٨↑

الثقات وقال النسائي ليس به بأس وقال العجلي رازي ثقة وقال الدوري عن ابن معين ليس به بأس وقال يحيى بن المغيرة سألت الثوري عن شيء فقال وشعيب بن خالد عندكم وشيخه أبو اسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي تابعي كبير من رجال الصحيحين وثقه احمد وابن معين والنسائي والعجلي وأبو حاتم وجماعة فرجال الاسناد كلهم عدول ثقات كما ترى الا ان ابا داود قال حدثت عن هارون بن المغيرة فهذا يفيد الانقطاع لكن ابا داود اجل قدرا من ان يروي الحديث عن ضعيف ثم يدلسه ويسكت عنه وقد اخبر انه لا يسكت الا عن صالح للاحتجاج وأما نقل الطاعن عنه انه قال في هارون هو من ولد الشيعة فقد علمت مما نقلناه عن أبي داود تدليس الطاعن فيه حيث سقط قوله لا بأس وأثبت قوله هو من ولد الشيعة ايهاما ان ذاك القول من أبي داود جرح لهارون وليس كذلك انما هو اخبار منه بحال عقيدته بعد ذكره توثيقه وأما قول السليماني فيه نظر فليس بمقبول منه مع عدم تفسيره وذكر سببه وقد اثنى عليه ووثقه المتقدمون المعاصرون له كيحيى بن معين وهو اشد الناس في الرجال واما قول أبي داود في عمرو بن أبي قيس لا بأس به في حديثه خطأ وقول الحافظ الذهبي صدوق له اوهام فليس هذا بجرح له ولا قدح فيه لأنه ما فحش خطؤه ولا كثر وهمه حتى ينحط عن درجة القبول فقد قدمنا عن عثمان بن ابي شيبة انه قال لا بأس به كان يهم في الحديث قليلا وهذا حال

↑صفحة ٢٨٩↑

الراوي المحكوم لحديثه بالحسن كما هو مقرر في علوم الحديث وأما قول الطاعن في أبي اسحاق السبيعي انه اختلط في آخر عمره فليس هو بضار الا بعد التحقق بسماع الحديث منه بعد الاختلاط او جهل حال الراوي له عنه هل هو ممن سمع منه قبل الاختلاط او بعده وشعيب بن خالد راوي حديث الباب عنه من قدماء اصحابه الراوين عنه قبل الاختلاط وأما قوله ان رواية ابي اسحاق عن علي منقطعة فقد قال بذلك بعض الحفاظ والصحيح سماعه منه واتصال روايته عنه فقد قال ابن سعد في الطبقات اخبرنا احمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا ابو اسحاق انه صلى خلف علي الجمعة قال فصلاها بالهاجرة بعد ما زالت الشمس وقال البغوي في الجعديات حدثنا محمود بن غيلان سمعت ابا احمد الزبيري قال لقي ابو اسحاق عليّا (عليه السلام) على ان الحديث وارد عن علي وغيره من طرق كثيرة دافعة لاحتمال خطأ من وصف في هذا الاسناد بالوهم والاختلاط على فرض وجوده وتسليم ثبوته اما صدره فقد اخرج احمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ان ابني هذا سيد ولعل الله ان يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» وأخرجه يحيى بن معين في فوائده والبيهقي في الدلائل والخطيب وابن عساكر في التاريخ من حديث جابر بن عبد الله واخرجه النسائي من حديث انس بن مالك وابن ابي شيبة عن الحسن مرسلا وله طرق

↑صفحة ٢٩٠↑

كثيرة وأما آخره فان الاخبار عن علي (عليه السلام) في هذا كثيرة جدا فيها المرفوع والموقوف وهي عند احمد وأبي داود وابن ماجه والحاكم ونعيم بن حماد وابن ابي شيبة وغيرهم وكلها شواهد قوية معضدة وبمجموعها يرتقي الحديث الى درجة الصحيح والله أعلم اما ما قاله في السند الثاني من ان ابا الحسن وهلال بن عمرو مجهولان فصحيح انهما غير معروفين بجرح ولا عدالة ولا وقع ذكرهما الا في سنن ابي داود الا ان الاصل في الراوي العدالة حتى يتبين الجرح ولم يرد فيهما جرح اصلا على اننا في غنى بأحاديث المهدي عن اثبات حديث الحارث.
(فصل) المهدي من ولد الفاطمة
ثم قال الطاعن وخرج ابو داود ايضا عن ام سلمة وكذا ابن ماجه والحاكم في المستدرك من طريق علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن ام سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «المهدي من ولد فاطمة» ولفظ الحاكم سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر المهدي فقال «نعم هو من بني فاطمة».
ولم يتكلم عليه بصحيح ولا غيره وقد ضعفه ابو جعفر العقيلي وقال لا يتابع علي بن نفيل عليه ولا يعرف الا به الى هنا كلامه.
اقول الحديث اخرجه ابو داود عن احمد بن ابراهيم حدثني عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا ابو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن

↑صفحة ٢٩١↑

بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن ام سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» قال عبد الله بن جعفر وسمعت ابا المليح يثني على علي بن نفيل ويذكر منه صلاحا واخرجه ابن ماجه عن ابى بكر ابن ابي شيبة حدثنا احمد بن عبد الملك حدثنا ابو المليح الرقي عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب قال كنا عند ام سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول المهدي من ولد فاطمة وأخرجه الحاكم عن ابي النضر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الله بن صالح انبأنا ابو المليح الرقي حدثني زياد بن بيان وذكر من فضله قال سمعت علي بن نفيل يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول سمعت ام سلمة تقول سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر المهدي فقال «نعم هو حق وهو من بني فاطمة» ثم قال الحاكم وحدثناه أبو احمد بكر بن محمد الصيرفي بمرو حدثنا ابو الاحوص محمد بن الهيثم القاضي حدثني عمرو بن خالد الحراني حدثنا ابو المليح عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن ام سلمة قالت ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المهدي فقال «هو من ولد فاطمة» سكت عليه الحاكم والذهبي في التلخيص وهو حديث صحيح او حسن كما حكم به الحفاظ اذ رجاله كلهم عدول اثبات اما سعيد ابن المسيب فلا تسأل عن جلالته واتقانه فانه رأس علماء التابعين

↑صفحة ٢٩٢↑

وفردهم وفاضلهم وفقيههم من رجال الجميع وأما علي بن نفيل فقد اثنى عليه ابو المليح وقال ابو حاتم لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات ولم يتكلم فيه احد بجرح وأما زياد بن بيان فقال البخاري قال عبد الغفار حدثنا ابو المليح انه سمع زياد بن بيان وذكر من فضله وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان شيخا صالحا وأما ابو المليح الرقي فقال احمد بن حنبل ثقة ضابط الحديث صدوق وقال ابو حاتم يكتب حديثه وقال الدارقطني ثقة وكذا قال عثمان الدارمي عن ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وأما من دونه فلا نطيل بذكر توثيقهم لكثرتهم وشهرة الحديث عن ابي المليح فقد رواه عنه عبد الله بن جعفر الرقي واحمد بن عبد الملك وعبد الله بن صالح وعمرو بن خالد الحراني فحال سند الحديث على ما ترى من الجودة والصحة فالحديث صحيح خصوصا مع انضمام الشواهد اليه فأما قول الطاعن وقد ضعفه ابو جعفر العقيلي وقال لا يتابع علي بن نفيل عليه ولا يعرف الا به فغير مسلم ولا مقبول اذ ابو جعفر لم يصرح بضعف الحديث وانما قال في كتابه علي بن نفيل حراني هو جد النفيلي عن سعيد ابن المسيب في المهدي لا يتابع عليه ولا يعرف الا به وساق هذا الحديث ثم قال وفي المهدي احاديث جياد من غير هذا الوجه بخلاف هذا اللفظ فلفظ رجل من اهل بيته على الجملة مجملا هذا كلام العقيلي فغاية ما فيه ان العقيلي يرى علي بن نفيل انفرد بذكر

↑صفحة ٢٩٣↑

كون المهدي من ولد فاطمة من تجويده لأحاديث المهدي وليس انفراد الراوي وشذوذه اذا كان ثقة من اسباب ضعفه ولا ضعف ما يرويه على ان علي بن نفيل ما انفرد ولا شذ بهذا الحديث بل هو موافق لما رواه الكثير من كون المهدي من اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انما فيه تخصيص لعموم تلك الآثار ودلالته على ان اطلاق اهل البيت عموم اريد به خصوص ذرية فاطمة (عليها السلام).
ثم ما ادعاه العقيلي من انفراد علي بن نفيل وكونه لم يتابع عليه مردود بما تقدم عن علي (عليه السلام) انه قال ان ابني هذا سيد وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم الحديث وبما اخرجه البزار والطبراني من حديث قرة بن اياس المزني ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «لتملأن الارض جورا وظلما فاذا ملئت جورا وظلما يبعث الله رجلا مني» الحديث وبما اخرجه الروياني في المسند له من حديث حذيفة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري» وبما اخرجه الطبراني من حديث ابي امامة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ستكون بينكم وبين الروم اربع هدن» الحديث وفيه قيل من امام الناس يومئذ قال من ولدي ابن اربعين الحديث وبما اخرجه ابن عساكر من حديث الحسين بن علي (عليهما السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة ابشري بالمهدي

↑صفحة ٢٩٤↑

منك وبما اخرجه نعيم بن حماد عن علي (عليه السلام) قال المهدي رجل منا من ولد فاطمة فبان بهذه الطرق المتعددة عدم انفراد علي ابن نفيل وانه توبع عليه بمتابعات كثيرة وقد صرح جمع من الحفاظ كالدارقطني والسيوطي وغيرهما بضعف الاحاديث الوارد فيها ان المهدي من ولد العباس وانها غريبة واهية شاذة وحملها بعضهم على الخليفة العباس والله اعلم.
(فصل) في حديث (يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة...)
ثم قال الطاعن وخرج ابو داود ايضا عن ام سلمة من رواية صالح ابي الخليل عن صاحب له عن ام سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من اهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام فيبعث الله يبعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فاذا رأى الناس ذلك اتاه ابدال اهل الشام وعصائب اهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش اخواله كلب فيبعث اليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) ويلقي الاسلام بجرانه الى الارض فيلبث سبع سنين» وقال بعضهم تسع سنين ثم رواه قتادة عن ابي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن ام سلمة فتبين بذلك المبهم

↑صفحة ٢٩٥↑

في الاسناد الاول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز وقد يقال انه من رواية قتادة عن ابي الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه الا ما صرح فيه بالسماع مع ان الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره ابو داود في ابوابه الى هنا كلامه.
وأقول قد اغنانا بإقراره ان رجال الحديث رجال الصحيحين وانه لا مطعن فيهم ولا مغمز عن ايراد اقوال اهل النقد فيهم وعن تقرير ما يثبت صحة الحديث اذ اعلى الصحيح ما رواه الشيخان او كان على شرطهما وان لم يخرجاه كهذا الحديث قال الحافظ العراقي في الالفية:

وأرفع الصحيح مرويهما * * * ثم البخاري فمسلم فما
شرطهما حوى فشرط الجعفي * * * فمسلم فشرط غير يكفي

ومن المعلوم ان شرطهما رجالهما الذين اخرجا عنهم في صحيحيهما فمتى وجد حديث خارج الصحيحين رجال اسناده رجالهما كان على شرطهما او مخرج عنهم في احدهما دون الآخر كان على شرطه فان قلت ان من رجالهما من فيه ضعف او هو ضعيف وانما اخرجا عنه لوجود المتابعة له او ثبوت اصل حديثه من غير طريقه وانما اختارا الرواية عنه لنكتة كالعلو ونحوه وحينئذ فلا يحكم لكل حديث رجال اسناده رجالهما بأنه على شرطهما كما صرح به ابن الصلاح في شرح مسلم ونقله عنه النواوي في مقدمة المنهاج قلت نعم الامر على ما ذكر ابن الصلاح وانه

↑صفحة ٢٩٦↑

لا ينبغي ان يحكم لحديث بما ذكر الا بعد مراعاة ما رعاه واعتبره الشيخان من وجود المتابعات والشواهد وثبوت اصل الحديث لكن ليس ذلك على اطلاقه ايضا بل هو خاص بما اذا كان في رجال اسناد حديث ممن خرجا عنهم من قد تكلم فيه والا فالحكم على اطلاقه بعد المعرفة التامة بأحوال الرجال والعناية الكاملة والتبصر الكافي بالعلل الظاهرة والخفية ورجال اسناد هذا الحديث لم نجد فيهم من تكلم فيه ولا له علة في روايته وعلى فرض وجود شيء من ذلك فأصوله ثابتة وشواهده حاضرة قوية ترفعه الى اعلى منازل الصحيح وأرفعها كما هو حال احاديث الصحيحين المتكلم في بعض رجالها المخرجة مع ذلك لوجود الشواهد وثبوت الاصل فأما قول الطاعن بعد ان اعياه طلب المطاعن وقد يقال انه من رواية قتادة عن ابي الخليل وقتادة مدلس عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه الا ما صرح فيه بالسماع فتعسف بعيد وتكلف لا يخفى اذ سماع قتادة من ابي الخليل ثابت معروف لا شك فيه والحفاظ الذين صححوا هذا الحديث كالحاكم وابى داود والذهبي والمنذري وابن القيم وغيرهم اعرف من الطاعن بالتدليس والمدلسين اذ هم ارباب الفن ورؤساؤه وحفاظه ونقاده العارفون بعلله ما ظهر منها وما بطن فلو لم يصح عندهم سماع قتادة لهذا الخبر من ابى الخليل او اعتماد اصل سماعه منه لما صححوه خصوصا الذهبي والمنذري وابن القيم فانهم من اشد الناس تحريا في التصحيح لا يعرف لهم فيه

↑صفحة ٢٩٧↑

تساهل وكم من حديث في الصحيحين من رواية المدلسين كقتادة والاعمش والسفيانين وامثالهم ولم يوجد لهم تصريح بالسماع في الكثير منها داخل الصحيحين وخارجهما وما ذاك الا اكتفاء بثبوت اهل السماع واشتهاره عن مشايخهم خصوصا وقتادة لم يحصل منه الا تدليس يسير والمشايخ الذين دلس عنهم ولم يسمع منهم معروفون منبه عليهم في كتب الجرح والتعديل ليس منهم ابو الخليل شيخه في هذا الحديث فبطل ما ادعاه وثبت ما اعترف به من صحة الحديث والله الموفق.
(فصل) في حديث (المهدي مني اجلى الجبهة اقنى الانف...)
ثم قال الطاعن وخرج ابو داود ايضا وتابعه الحاكم عن ابي سعيد الخدري من طريق عمران القطان عن قتادة عن ابى نضرة عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «المهدي مني اجلى الجبهة اقنى الانف يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين» هذا لفظ ابي داود وسكت عليه ولفظ الحاكم «المهدي منا اهل البيت اشم الانف اقنى اجلى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعيش هكذا وبسط يساره واصبعين من يمينه السبابة والابهام وعقد ثلاثة» قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اهـ وعمران القطان مختلف في الاحتجاج به انما اخرج له البخاري استشهادا لا

↑صفحة ٢٩٨↑

اصلا وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال يحيى بن معين ليس بالقوي وقال مرة ليس بشيء وقال احمد بن حنبل ارجو ان يكون صالح الحديث وقال يزيد بن زريع كان حروريا وكان يرى السيف على اهل القبلة وقال النسائي ضعيف وقال ابو عبيد الآجري سألت ابا داود عنه فقال من اصحاب الحسن وما سمعت الا خيرا وسمعته مرة اخرى ذكره فقال ضعيف افتى في ايام ابراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء الى هنا كلامه.

اقول الحديث اخرجه ابو داود عن سهل بن تمام بن بزيع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن ابي نضرة به واخرجه الحاكم عن ابي العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن اسحاق الصغاني حدثنا عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا عمران القطان ورجاله كلهم ثقات ابو نضرة روى له مسلم ووثقه احمد ويحيى بن معين وأبو زرعة والنسائي وابن سعد وذكره ابن حبان وابن شاهين في الثقات وقتادة الراوي عنه هو ابن دعامة السدوسي الحافظ ثقة مشهور من رجال الصحيحين وعمران القطان قال المنذري في تهذيب السنن استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن عليه الثناء يحيى ابن سعيد القطان انتهى قلت وقال الساجي صدوق وثقه عفان وقال الترمذي قال البخاري صدوق يهم وذكره ابن شاهين في الثقات وقال كان من اخصّ الناس بقتادة وقال العجلي بصري ثقة وقال الحاكم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدي هو ممن

↑صفحة ٢٩٩↑

يكتب حديثه والراوي عنه عند ابي داود وهو شيخه سهل بن تمام ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما يخطئ وقد تابعه عمرو بن عاصم الكلابي كما عند الحاكم وهو ثقة من رجال الصحيحين فهذا السند على انفراده على شرط الصحيح في رأي جماعة كابن حبان والحاكم ولهذا صححه كما نقله عنه الطاعن فكيف وقد توبع عمران القطان عليه وورد الحديث عن ابي سعيد الخدري من عدة طرق كما نص على ذلك الترمذي والطبراني وغيرهما وأشرنا اليها سابقا وسنذكرها ايضا ان شاء الله تعالى فيها يرتقي الحديث الى درجة الصحيح المتفق عليه بلا شك ولا شبهة اماما اتى به الطاعن في عمران القطان فليس فيه ما يحكم لأجله برد حديثه اذ غايته قول يحيى بن معين ليس بالقوي وقول النسائي ضعيف وقول ابي داود وقد اثنى عليه مرة اخرى ضعيف افتى في ايام ابراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء وقد بين بهذا سبب ضعفه ولا يخفى ان الفتوى بما ذكر لا دخل معها في تضعيفه من جهة الرواية بل من جهة الورع والتحري في الفتوى او من جهة الاجتهاد لخطيئة في فتواه ويدلك على ان المراد ما قلناه اخراج ابي داود الحديث من طريقه ثم سكوته عليه مع ما ورد عن الاكثرين من التوثيق له والثناء عليه وأما قوله وكان يحيى القطان لا يحدث عنه فهو على ما فيه من التدليس ليس بجرح لعمران فقد قال عمرو بن علي كان ابن مهدي يحدث عنه وكان يحيى لا يحدث

↑صفحة ٣٠٠↑

عنه وقد ذكره يحيى يوما فأحسن الثناء عليه فما اسقطه الطاعن المدلس من ذكر ثناء يحيى عليه يرشدك الى انه لم يترك الرواية عنه لضعفه عنده انما كان ذلك لأمر آخر غير الضعف وقد كان جماعة لا يحدثون عن اقرانهم او عمن هو اصغر منهم وقال عبد الرحمن بن مهدي كنت اسمع الحديث من ابن عيينة فأخرج فأسمع شعبة يحدث به فلا اكتبه عنه فما فهم احد من هذا ان ابن مهدي ترك الرواية عن شعبة لضعفه وهو امير المؤمنين في الحديث في عصره ولا زال احد جرحا له واما قوله وقال احمد بن حنبل ارجو ان يكون صالح الحديث فهذا تعديل لعمران وتوثيق له من احمد لا جرح فيه قال الذهبي في خطبة الميزان ولم اتعرض لذكر من قيل فيه محله الصدق ولا من قيل فيه لا بأس به ولا من قيل هو صالح الحديث او يكتب حديثه او هو شيخ فان هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق ثم ذكر الفاظ التعديل ومراتبها الى ان قال ثم محله الصدق وجيد الحديث وصالح الحديث وشيخ وسط وقال الحافظ العراقي في الالفية:

وصالح الحديث او مقاربه * * * جيده حسنه مقاربه
صويلح الحديث ان شاء الله * * * ارجو بأن ليس به بأس عراه

واما قوله وقال يزيد بن زريع كان حروريا وكان يرى السيف على اهل القبلة فهذا من الابتداع والمخالفة في الاعتقاد وقد قدمنا تفصيل القول في ذلك وانه لا ترد رواية المبتدع الا بشروط

↑صفحة ٣٠١↑

هي مفقودة هنا على ان الحافظ انتقد قول يزيد بن زريع هذا في نسبة عمران القطان الى مذهب الحرورية فقال في قوله حروريا نظر ولعله شبهه بهم وقد ذكر ابو يعلى في مسنده القصة عن ابي المنهال في ترجمة قتادة عن انس ولفظه قال يزيد كان ابراهيم يعني ابن عبد الله بن حسن لما خرج يطلب الخلافة استفتاه عن شيء فأفتاه بفتيا قتل بها رجال مع ابراهيم انتهى قال الحافظ وكان ابراهيم ومحمد خرجا على المنصور في طلب الخلافة لأن المنصور كان في زمن بني امية بايع محمدا بالخلافة فلما زالت دولة بني امية وولي المنصور الخلافة تطلب محمدا ففر فألح في طلبه فظهر بالمدينة وبايعه قوم وأرسل اخاه ابراهيم الى البصرة فملكها وبايعه قوم فقدر انهما قتلا وقتل معهما جماعة كثيرة وليس هؤلاء من الحرورية في شيء انتهى والله الموفق.
(فصل) في بيان حديث (ان في امتى المهدي يخرج يعيش خمسا او سبعا او تسعا...)
ثم قال الطاعن وخرج الترمذي وابن ماجه والحاكم عن ابي سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال خشينا ان يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال «ان في امتى المهدي يخرج يعيش خمسا او سبعا او تسعا زيد الشاك قال قلنا وما ذلك قال: قال فيجيء اليه الرجل فيقول يا مهدي اعطني قال فيجيء له

↑صفحة ٣٠٢↑

في ثوبه ما استطاع ان يحمله» هذا لفظ الترمذي وقال حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن ابي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولفظ ابن ماجه والحاكم «يكون في امتي المهدي ان قصر فسبع والا فتسع فتنعم امتي فيه نعمة لم ينعموا بمثلها قط تؤتي الارض اكلها ولا تدخر منه شيء والمال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول يا مهدى اعطني فيقول خذ» انتهى وزيد العمي واه قال فيه الدارقطني واحمد بن حنبل ويحيى بن معين انه صالح وزاده احمد انه فوق يزيد الرقاشي وفضل بن عيسى الا انه قال فيه ابو حاتم ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به وقال يحيى بن معين في رواية اخرى لا شيء وقال مرة يكتب حديثه وهو ضعيف وقال الجوزجاني متماسك وقال أبو زرعة ليس بالقوي واهي الحديث ضعيف وقال ابو حاتم ليس بذلك وقد حدث عنه شعبة وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي عامة ما يرويه ومن يروي عنهم ضعفاء على ان شعبة قد روى عنه ولعل شعبة لم يرو عن اضعف منه الى هنا كلامه.
اقول الحديث اخرجه الترمذي عن محمد بن بشار حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت زيدا العمي قال سمعت ابا الصديق الناجي يحدث عن ابى سعيد الخدري به وأخرجه ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي حدثنا محمد بن مروان العقيلي حدثنا عمارة بن ابي حفص عن زيد العمي به واخرجه الحاكم عن عبد الله بن سعد الحافظ

↑صفحة ٣٠٣↑

حدثنا ابراهيم بن ابي طالب وابراهيم بن اسحاق وجعفر بن محمد الحافظ قالوا حدثنا نصر بن علي الجهضمي به وأخرجه احمد في المسند عن محمد بن جعفر حدثنا شعبة به واخرجه ايضا عن ابن نمير حدثنا موسى يعني الجهني قال سمعت زيدا العمي به وهو كما قال الترمذي حديث حسن لأن رجاله كلهم ثقات الا زيدا العمي فانه ضعيف على رأي من نقل جرحهم الطاعن لكنه لم ينفرد به بل تابعه عليه عن ابي الصديق الناجي جماعة كمعاوية بن قرة وعوف ابن ابي جميلة وسليمان بن عبيد ومطر بن طهمان الوراق وابي هارون العبدي ومطرف بن طريف والعلاء بن بشير المزني وعبد الحميد ابن واصل ومتابعتهم في مسند احمد ومستدرك الحاكم الا الاخير فانها عند الطبراني في الاوسط فهؤلاء ثمانية متابعون لزيد العمي في رواية الحديث عن ابي الصديق الناجي فأنى يضر الحديث ضعف زيد العمي مع كثرة هذه المتابعات ومتابعة ثقة واحد تكفي وتدفع عن الحديث ما يتطرق اليه من جهة الراوي الضعيف والله الموفق لا رب غيره.
(فصل) ما المراد من لفظ الخليفة في بعض الأحاديث؟
ثم قال الطاعن وقد يقال ان حديث الترمذي وقع تفسيرا لما رواه مسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم «يكون في آخر امتي خليفة يحثي المال حثيا ولا يعده عدا» ومن حديث

↑صفحة ٣٠٤↑

ابي سعيد قال «من خلفائكم خليفة يحثي المال حثيا» ومن طريق آخر عنهما قال «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده» اهـ واحاديث مسلم لم يقع فيها ذكر المهدي ولا دليل يقوم على انه المراد منها الى هنا كلامه.
اقول هذا من مبهم المتون وطريق معرفته معلومة مقررة في علوم الحديث والتفسير وهي ورود ذلك المبهم مسمى في بعض الروايات خصوصا اذا اتحد المخرج كما هنا فان ابا سعيد الخدري الراوي لحديث الخليفة المبهم هو الراوي للحديث المعين له بأنه المهدي والصفة الموصوف بها الخليفة المبهم هي عينها الموصوف بها المعين وهي كون كل منهما يحثو المال ولا يعده وانه في آخر الزمان وانه من خلفاء هذه الامة فلا يستريب عاقل مع هذا الوضوح التام والدلالة الظاهرة في ان المراد بالخليفة المبهم في حديث ابي سعيد هو المهدي المعين في حديثه ايضا ولو كان كما يقوله الطاعن من انه لا دلالة تقوم على ان المهدي هو المراد من احاديث مسلم مع اتحادها في المخرج والصفات لما صح تفسير مبهم في القرآن والحديث اصلا اذ اعلى ما يفسر المبهم فيهما وروده معينا في آية او رواية اخرى كتفسير المنعم عليهم في قوله تعالى ﴿صِرَاطَ اَلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين لقوله تعالى ﴿ومَنْ يُطِعِ الله واَلرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ اَلَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ اَلنَّبِيِّينَ واَلصِّدِّيقِينَ واَلشُّهَدَاءِ واَلصَّالِحِينَ﴾ وكتفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى لقوله تعالى في اليهود

↑صفحة ٣٠٥↑

﴿مَنْ لَعَنَهُ الله وغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ وقوله تعالى في النصارى ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وأَضَلُّوا كَثِيراً وضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ اَلسَّبِيلِ﴾ ولورود ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - ايضا وكتفسير الرجل في قوله عليه الصلاة والسلام «اني لا علم آخر اهل النار خروجا منها وآخر اهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا» الحديث متفق عليه من رواية ابن مسعود بأنه جهينة لما رواه الخطيب في رواة مالك من حديث ابن عمر مرفوعا آخر من يدخل الجنة رجل يقال له جهينة فيقول اهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين الى غير ذلك مما هو مدون في الكتب الخاصة بهذا النوع بل لا طريق لمعرفته الا ما ذكر لأنه علم مرجعه النقل المحض ولا مجال للرأي فيه فيلزم من انكار هذا التعيين الظاهر انكار جميع تفاسير المبهمات الواردة في الآثار وابطال هذا المعنى من اصله وهو مفارقة لجماعة المسلمين واتباع لغير سبيلهم فان قلت فما سبب وروده مبهما في هذه الاحاديث المخرجة في صحيح مسلم قلت قد ذكروا لورود اصل المبهم في الكتاب والسنة اسبابا منها وهو الاليق بالمقام الاستغناء ببيانه في الاحاديث الاخرى او كونه مشهورا لا يحتاج الى تعيين والمهدي قد صرح بذكره في كثير من الاحاديث حتى كان خبره مشهورا بين الصحابة وأمره معلوما بينهم كما يدل عليه نقله الينا بطريق التواتر فاكتفى بذلك عن التصريح باسمه في الاحاديث الاخرى منها احاديث مسلم ومنها ما سيأتي لأجل هذا المعنى والله اعلم.

↑صفحة ٣٠٦↑

(فصل) في حديث (لا تقوم الساعة حتى تملأ الارض جورا وعدوانا)
ثم قال ورواه الحاكم ايضا من طريق عوف الاعرابي عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا تقوم الساعة حتى تملأ الارض جورا وعدوانا ثم يخرج من اهل بيتي رجل يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» وقال فيه الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه الى هنا كلامه.
اقول غفل الطاعن او تغافل عن طعن هذا الحديث لعجزه عن ذلك وعدم وجدانه مسلكا من هاتيك المسالك والحديث اخرجه الحاكم عن عوف بن ابي جميلة المذكور من طريقين الطريق الاول عن ابي بكر بن اسحاق وعلي بن حمشاد العدل وابي بكر محمد بن احمد بن بالويه كلهم عن بشر بن موسى الاسدي عن هارون بن خليفة عن عوف بن ابي جميلة الاعرابي به الطريق الثاني عن الحسين بن علي الدارمي عن محمد بن اسحاق الامام عن محمد بن يسار عن ابن ابي عدي عن عوف الاعرابي به واخرجه الامام احمد عن محمد بن جعفر حدثنا عوف الاعرابي به وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وأقره الحافظ الذهبي في المستدرك وفي هذا كفاية للمنصف لكن لا بد من ذكر توثيق رجال الحديث ليحصل اليقين لكل جهول او معاند فأبو الصديق روى له الشيخان

↑صفحة ٣٠٧↑

والاربعة وقال ابن معين وابو زرعة والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وعوف بن ابي جميلة بفتح الجيم الاعرابي من رجالهم ايضا قال احمد ثقة صالح الحديث وقال ابن معين ثقة وقال ابو حاتم صدوق صالح وقال النسائي ثقة ثبت وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال مروان بن معاوية كان يسمى الصدوق وقال محمد بن عبد الله الانصاري كان يقال عوف الصدوق وذكره ابن حبان في الثقات وأما الراوي عنه وهو محمد بن جعفر المعروف بغندر فثقة مشهور اكثر الشيخان في صحيحيهما من اخراج احاديثه وكان وكيع يسميه الصحيح الكتاب وبه انتهى سند الحديث عند احمد والتعريف برجاله يغني عن التعريف ببقية رجال الحاكم فلا نطيل به فالحديث على شرط الشيخين كما قال الحاكم فالطاعن ملزم به.
(فصل) في حديث (يخرج في آخر امتي المهدي يسقيه الله الغيث...)
ثم قال ورواه الحاكم ايضا من طريق سليمان بن عبيد عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يخرج في آخر امتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الارض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الامة يعيش سبعا او ثمانيا يعنى حججا» وقال فيه حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه مع ان سليمان لم يخرج له احد من الستة لكن ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرد ان احدا تكلم فيه.

↑صفحة ٣٠٨↑

اقول الحديث اخرجه الحاكم عن ابي العباس محمد بن احمد المحبوبي حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا النضر بن شميل حدثنا سليمان ابن عبيد حدثنا ابو الصديق الناجي به وقال انه صحيح الاسناد وأقره الحافظ الذهبي في التلخيص وهو كذلك في رأي الطاعن ايضا اذ لو وجد له ادنى علة ولو موهومة لتسارع الى التشويش بها لكنه عجز عن ذلك لصحة الحديث وسلامته من العلل اما اعتراضه على الحاكم بقوله مع ان سليمان بن عبيد لم يخرج له احد من الستة فغفلة منه او تغافل لأن الحاكم لم يدع ان الحديث على شرط الشيخين ولم يقل ذلك لا منطوقا ولا مفهوما حتى يتعقب بأن سليمان ليس من شرطهما انما قال صحيح الاسناد وهو كما قال لان رجاله كلهم ثقات على شرط الصحيح والمعلوم من صنيع الحاكم وسائر الحفاظ ان الحديث اذا كان رجاله رجال الشيخين او احدهما قالوا فيه على شرطهما وشرط احدهما واذا كان رجاله ثقات لكن غير مخرج عنهم او عن بعضهم في الصحيحين قالوا فيه صحيح الاسناد كما عبر الحاكم عن هذا الحديث فأي تعقب عليه لو لا الولوع بالمغالطات وفي مسند احمد وسنن ابي داود بسند حسن من حديث معاوية قال نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الاغلوطات فالحديث صحيح في رأي الطاعن وهو ملزم به ايضا كالذي قبله.

↑صفحة ٣٠٩↑

(فصل) في حديث (تملأ الارض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي...)
ثم قال ورواه الحاكم ايضا من طريق اسد بن موسى عن حماد ابن سلمة عن مطر الوراق وابي هارون العبدي عن ابي الصديق الناجي عن ابى سعيد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «تملأ الارض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا وتسعا فيملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» وقال الحاكم فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وانما جعله على شرط مسلم لأنه اخرجه عن حماد بن سلمة وعن شيخه مطر الوراق وأما شيخه الآخر وهو ابو هارون العبدي فلم يخرج له وهو ضعيف جدا متهم بالكذب ولا حاجة الى بسط اقوال الائمة في تضعيفه واما الراوي له عن حماد بن سلمة وهو اسد بن موسى ويلقب اسد السنة وان قال البخاري مشهور الحديث واستشهد به في صحيحه واحتج به ابو داود والنسائي الا انه قال مرة اخرى ثقة ولو لم يصنف كان خيرا له وقال فيه محمد بن حزم منكر الحديث الى هنا كلامه.
اقول الحديث اخرجه الحاكم عن ابي العباس محمد بن يعقوب حدثنا حجاج بن الربيع بن سليمان حدثنا اسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن مطر وابي هارون عن ابي الصديق الناجي به ثم قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه اهـ وهو كما

↑صفحة ٣١٠↑

قال ان رجاله ثقات ولا علة له اما ابو الصديق الناجي فثقة تقدم ذكره قريبا وأما مطر بن طهمان فقال اسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين صالح وقال ابو زرعة صالح روايته عن انس مرسلة وقال ابن ابي حاتم سألت ابي عنه فقال هو صالح الحديث احب إلي من سليمان بن موسى وكان اكبر اصحاب قتادة وذكره البخاري في باب التجارة في البحر من الجامع فقال وقال خليفة لا بأس به وقال ابو بكر البزار ليس به بأس وقال الساجي صدوق يهم وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما اخطأ وكان معجبا برأيه ووصفه بعضهم بسوء الحفظ وأما ابو هارون العبدي فلا حاجة بنا الى توثيقه اذ الاسناد في غنى بمطر بن طهمان عنه وهو انما ذكر متابعا لا اصلا محتجا به وأما حماد بن سلمة فثقة مشهور من اجلة المسلمين خرج له البخاري تعليقا ومسلم استشهادا فلا نكثر بذكر ما للنقاد فيه من ألفاظ التعديل والتوثيق وأما اسد بن موسى فقال النسائي وابن يونس وابن قانع والعجلي والبزار ثقة زاد العجلي صاحب سنة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الخليلي مصري صالح فهذا حال السند وما قيل في رجاله اما قول الطاعن في اسد بن موسى الا ان النسائي قال فيه مرة اخرى ثقة ولو لم يصنف كان خيرا له فهو من باب تعقيب المدح بما يشبه الذم كقول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير ان ضيوفهم * * * تلام بنسيان الاحبة والأهل

↑صفحة ٣١١↑

وان صدر منه هذا عن غير قصد اذ يعلم كل انسان ان قول النسائي لو لم يصنف كان خيرا له لا مسيس له بالجرح اصلا ولا ذكره احد في ألفاظ التجريح ولا في طبقاته خصوصا بعد قوله ثقة وأما قول ابن حزم انه منكر الحديث فمردود عليه بل جل كلامه في الرجال غير مقبول لشذوذه وانفراده عن الجماعة بأشياء متعددة وافراطه في الحمل على العلماء وشدة جرأته حتى قيل من الحزم عدم تقليد ابن حزم على ان كلامه يحتمل ان يكون مراده به انه وقعت المناكير في احاديثه وليست منه لتساهله في الرواية وتحمله عن الثقة وغيره فقد قال ابن يونس حدث بأحاديث منكرة وهو ثقة فأحسب الآفة من غيره وهذا والله اعلم مراد النسائي بقوله لو لم يصنف كان خيرا له اي لأنه جمع في كتابه المناكير وهذا لا حرج فيه لأن المحدث اذا روى الحديث وساقه باسناده اعتقد انه بريء من عهدته لكن عبر ابن حزم مرة اخرى عنه بالضعف ورده الذهبي في الميزان ولفظه اسد بن موسى بن ابراهيم بن الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان الاموي الحافظ الملقب بأسد السنة مولده عند انقضاء دولة اهل بيته سمع من ابن ابي ذئب وشعبة والمسعودي وطبقتهم وصنف وجمع قال النسائي ثقة لو لم يصنف كان خيرا له وقال البخاري هو مشهور الحديث واستشهد به البخاري واحتج به النسائي وأبو داود وما علمت به بأسا الا ان ابن حزم ذكره في كتاب الصيد فقال منكر الحديث قلت مات سنة اثنتي عشرة ومايتين وقال

↑صفحة ٣١٢↑

ابن حزم ايضا ضعيف وهو تضعيف مردود قال ابو سعيد بن يونس في الغرباء حدث بأحاديث منكرة وهو ثقة قال فأحسب الآفة من غيره الى هنا كلام الذهبي وكفى برده تضعيف ابن حزم لأسد بن موسى حجة وابطالا لمستند الطاعن اذ عليه المعول في هذا الباب والى حكمه في النقد المثاب سلمنا ان اسد بن موسى ضعيف كما شذ به ابن حزم فما يفعل الطاعن بمتابعة الحسن بن موسى له فقد رواه ايضا عن حماد بن سلمة قال الامام احمد في المسند قال الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ابي هارون العبدي ومطر الوراق عن ابي الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «تملأ الارض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي يملك سبعا او تسعا فيملأ الارض قسطا وعدلا» اكان ينكر هذه المتابعة الثابتة ام كان يطعن في صاحبها الحسن بن موسى لا لا بل لا سبيل له الى شيء من ذلك فان الحسن بن موسى من رجال الصحيحين وغيرهما لا مطعن فيه ولا مغمز قال الحافظ في تهذيب التهذيب الحسن بن موسى الاشيب ابو علي البغدادي قاضي طبرستان والموصل وحمص روى عن الحمادين وشعبة وجرير بن حازم وزهير بن معاوية ولهيعة وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وحريز بن عثمان والليث وابي هلال الراسبي وابن ابي ذئب وورقاء وغيرهم وعنه احمد بن حنبل وحجاج بن الشاعر واحمد بن منيع وابو خيثمة وابنا ابي شيبة والفضل بن سهل

↑صفحة ٣١٣↑

الاعرج وهارون الحمال ويعقوب بن شيبة وعباس الدوري والحارث بن ابي اسامة واسحاق الحربي وبشر بن موسى وجماعة قال احمد هو من مثبتتي اهل بغداد وقال ابن معين ثقة وكذا قال ابو حاتم عن ابن المديني وقال ابو حاتم وصالح بن محمد وابن خراش صدوق زاد ابو حاتم ثم مات بالري وحضرت جنازته وقال عبد الله بن المديني كان ببغداد كأنه ضعفه وقال الخطيب لا اعلم علة تضعيفه اياه وقال الاعين مات سنة ثمان وقال ابن سعد والمطين سنة تسع وقال حنبل سنة تسع او عشر ومايتين قلت بقية كلام ابن سعد وكان ثقة صدوقا في الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وذكره مسلم في رجال شعبة الثقات في الطبقة الثالثة انتهى وقال الصفي الخزرجي في الخلاصة الحسن بن موسى البغدادي ابو علي الاشيب قاضي حمص وطبرستان والموصل عن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسان وشعبة وحريز بن عثمان وعنه احمد وابو خيثمة وابو بكر بن ابي شيبة وعبد بن حميد وخلق وثقه ابن معين وابن المديني وابن خراش والجميع وقال ابن عمار الحافظ كان في الموصل ببيعة للنصارى فجمعوا له مائة الف على ان يحكم بأن تبنى فردها وحكم بأن لا تبنى مات بالري سنة تسع ومايتين له في البخاري فرد حديث انتهى فان قيل لم يصرح الامام احمد بسماعه الحديث من الحسن بن موسى بل عبر بقال وهى محتملة للسماع وعدمه فربما يكون منقطعا بل ذهب قوم الى انها لا تفيد السماع قلنا الصحيح الذي قطع به

↑صفحة ٣١٤↑

الجمهور ان قال حكمها حكم العنعنة في افادة الاتصال والسماع اذا ثبت اللقي وعدم التدليس ففي التقريب مع شرحه التدريب ما نصه اذا قال الراوي كما لك مثلا حدثنا الزهري ان ابن المسيب حدثه بكذا او قال الزهري قال ابن المسيب كذا فقال احمد بن حنبل وجماعة لا تلتحق ان وشبهها بعن في الاتصال بل يكون منقطعا حتى يتبين السماع وقال الجمهور فيما حكاه عنهم ابن عبد البر منهم مالك ان كعن في الاتصال ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم من اللقاء والبراءة من التدليس قال ابن عبد البر ولا اعتبار بالحروف والالفاظ وانما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة قال ولا معنى لاشتراط تبيين االسماع لاجماعهم على ان الاسناد المتصل بالصحابي سواء اتى فيه بعن او بأن او بقال او بسمعت فكله متصل وقال الحافظ العراقي في الألفية:

قلت الصواب ان من ادرك ما * * * رواه بالشرط الذي تقدما
يحكم له بالوصل كيف ما روى * * * بقال او عن او بأن فسوى
وما حكى عن احمد بن حنبل * * * وقول يعقوب علي ذا نزل

فبان بما قررناه ان الحديث صحيح كما قال الحاكم والله أعلم.
(فصل) في حديث (يخرج رجل من امتي يقول بسنتي...)
ثم قال الطاعن ورواه الطبراني في معجمه الاوسط من رواية ابي الواصل عبد الحميد بن واصل عن ابي الصديق الناجي عن

↑صفحة ٣١٥↑

الحسن بن يزيد السعدي احد بني بهدله عن ابي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «يخرج رجل من امتي يقول بسنتي ينزل الله (عزَّ وجلَّ) له القطر من السماء وتخرج الارض بركتها وتملأ الارض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعمل هذه في الامة سبع سنين ويترك بيت المقدس» وقال الطبراني فيه رواه جماعة عن ابي الصديق ولم يدخل احد منهم بينه وبين ابي سعيد احدا الا ابا الواصل فانه رواه عن الحسن بن يزيد عن ابي سعيد انتهى وهذا الحسن بن يزيد ذكره ابن ابي حاتم ولم يعرفه بأكثر مما في هذا الاسناد من روايته عن ابي سعيد ورواية ابي الصديق عنه وقال الذهبي في الميزان انه مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات وأما الواصل الذي رواه عن ابي الصديق فلم يخرج له احد من الستة وذكره ابن حبان في الثقات في الطبقة الثانية وقال فيه يروي عن انس وروى عنه شعبة وعتاب بن بشير الى هنا كلام الطاعن.
اقول الحديث رجاله ثقات كما ذكره عن ابن حبان ولم نجد فيهم لأحد طعنا ولا لسند الحديث علة اما ذكر الحسن بن يزيد السعدي وزيادته فيه بين ابي الصديق وابي سعيد فذاك من المزيد في متصل الاسانيد وهو مقبول من الثقة فان كان ابو الواصل قد حفظ فهو دليل على ان ابا الصديق سمع الحديث من الحسن بن يزيد عن ابي سعيد فحدث به كذلك ثم ارتقى فسمعه من ابي سعيد

↑صفحة ٣١٦↑

وذلك يستدعي ضرورة ان تكون رجال اوائل اسانيدهم غير رجال الستة مع وجود الصحيح والحسن فيها بكثرة فبطلان هذا الايهام لا يختلف فيه اثنان والله الموفق.
(فصل) في حديث (انا اهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان اهل بيتي...)
ثم قال وخرّج ابن ماجه في كتاب السنن عن عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن ابي زياد عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذرفت عيناه وتغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال «انا اهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وان اهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من اهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملؤها جورا فمن ادرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج» انتهى وهذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايات ويزيد بن ابي زياد راويه قال فيه شعبة كان رفاعا يعني يرفع الاحاديث التي لا تعرف مرفوعة وقال محمد بن الفضيل كان من كبار ائمة الشيعة وقال احمد بن حنبل لم يكن بالحافظ وقال مرة حديثه ليس بذاك وقال يحيي بن معين

↑صفحة ٣١٧↑

فحدث به عنه من غير واسطة كما في باقي الروايات ولا تقولن متى صحت رواية ابى الصديق دلت على انقطاع ما عداها من الطرق المتقدمة لأنا نقول قد وجدنا ابا الصديق صرح بسماعه الحديث من ابي سعيد الخدري قال الامام احمد في المسند حدثنا ابن نمير حدثنا موسى يعني الجهني قال سمعت زيدا العمي قال حدثنا ابو الصديق الناجي قال سمعت ابا سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يكون في امتي المهدي فان طال عمره او قصر عمره عاش سبع سنين او ثمان سنين او تسع سنين يملأ الارض قسطا وعدلا تخرج الارض نباتها وتمطر السماء قطرها» اهـ وان كان ابو الواصل قد وهم فيه فالعمل على رواية الاكثرين ولا يؤثر وهمه في الحديث شيئا فانه مستفيض مشهور عن ابي سعيد فلم يصنع الطاعن شيئا الا اعترافه بأن رجال السند ثقات وانه لم يجد في احد منهم طعنا ولا للحديث علة نعم اراد ان يوهم غير العارف بقوله في ابي الواصل انه لم يخرج له احد من الستة ان كل من لم يخرجوا له ضعيف وهذا مما لم يقل به احد من الناس زيادة على ان الواقع يكذبه فقد الف الحافظ كتابه تعجيل المنفعة في زوائد رجال الأئمة الاربعة في مجلد كبير اكثر من فيه ثقات وليس فيه ممن خرج لهم في الستة احد فكيف برجال في المعاجم والسنن والصحاح والمسانيد والاجزاء والفوائد مما يزيد عدده على ثلاثة آلاف جزء وجل اصحابها متأخرو الطبقة عن اصحاب الكتب الستة

↑صفحة ٣١٨↑

ضعيف وقال العجلى جائز الحديث وكان بأخره يلقن وقال ابو زرعة لين يكتب حديثة ولا يحتج به وقال ابو حاتم ليس بالقوي وقال الجرزجاني سمعتهم يضعون حديثه وقال ابو داود لا اعلم احدا ترك حديثه وغيره احب الي منه وقال ابن عدي هو من شيعة اهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه وروى له مسلم لكن مقرونا بغيره وبالجملة فالأكثرون على ضعفه وقد صرح الائمة بتضعيف هذا الحديث الذي رواه عن ابراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو حديث الرايات وقال وكيع بن الجراح فيه ليس بشيء وكذلك قال احمد بن حنبل وقال ابو قدامة سمعت ابا اسامة يقول في حديث يزيد عن ابراهيم في الرايات لو حلف عندي خمسين يمينا قسامة ما صدقته اهذا مذهب ابراهيم اهذا مذهب علقمة اهذا مذهب عبد الله وأورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء وقال الذهبي ليس بصحيح الى هنا كلامه.
اقول الحديث رغما على ما اكثر به من التقولات وأطال حديث حسن اخرجه ابن ماجه عن عثمان بن ابي شيبة ثنا معاوية بن هشام حدثنا علي بن صالح عن يزيد بن ابي زياد

↑صفحة ٣١٩↑

به واخرجه ابو الشيخ في الفتن حدثنا عبدان حدثنا ابن نمير حدثنا ابو بكر بن عياش عن يزيد بن ابي زياد به وأخرجه العقلي حدثنا محمد بن اسماعيل حدثنا عمر بن عون انبأنا خالد بن عبد الله عن يزيد بن ابي زياد به واخرجه ابن عدي من رواية ابن فضيل عن يزيد بن ابي زياد به ورجاله ثقات الا يزيد بن ابي زياد ففيه خلاف وقد حسن له الترمذي وروى له مسلم وقال في مقدمة صحيحه بعد ذكر القسم الاول من اقسام الصحيح فاذا نحن تقصينا اخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها اخبارا يقع في اسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والاتقان كالصنف المقدم قبلهم على انهم وان كانوا فيما وصفنا دونهم فان اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء ابن السائب ويزيد بن ابي زياد وليث بن ابي سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الاخبار الى آخر كلامه وقال ابن سيد الناس في الكلام على شرط ابي داود وقوله انه اخرج في كتابه الصحيح وما يشبهه ويقاربه يعني في الصحة هو نحو قول مسلم ليس كل الصحيح نجده عند مالك وشعبة وسفيان فنحتاج ان تنزل الى مثل حديث ليث بن ابي سليم وعطاء بن السائب ويزيد بن ابي زياد لما يشمل الكل من اسم العدالة والصدق وان تفاوتوا في الحفظ والاتقان انتهى والى هذا اشار الحافظ العراقي في الالفية بقوله:

وللإمام اليعمريّ انما * * * قول ابي داود يحكي مسلما
حيث يقول جملة الصحيح لا * * * توجد عند مالك والنبلا
فاحتاج ان ينزل في الاسناد * * * الى يزيد بن ابي زياد
ونحوه وان يكن ذو السبق * * * قد فاقه ادرك باسم الصدق

فهذا مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح المتفق على امامته وجلالته وقبول تصحيحه قد حكم ليزيد بن ابي زياد بصحة حديثه

↑صفحة ٣٢٠↑

ووصفه بالصدق والستر وقد قال فيه ايضا يعقوب بن سفيان وان كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة وان لم يكن مثل الحكم ومنصور وذكره ابن شاهين في الثقات ونقل عن احمد بن صالح المصري انه قال يزيد بن ابي زياد ثقة ولا يعجبني قول من تكلم فيه وقال ابن سعد كان ثقة في نفسه الا انه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب وقال ابن حبان كان صدوقا الا انه لما كبر ساء حفظه وتغير وكان يلقن فوقعت المناكير في حديثه فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح انتهى فالحديث على انفراده على شرط الحسن لذاته فكيف وقد ورد من عدة طرق شاهدة له ومقوية لأمره ورافعة لشأنه فقد اخرجه الحاكم في المستدرك من طريق حبان بن مدير عن عمرو بن قيس الملائي عن الحكم عن ابراهيم عن علقمة بن قيس وعبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود به نحوه وقد تقدم لفظه وله طريق ثالث من حديث ثوبان اخرجه احمد في المسند قال حدثنا وكيع عن شريك عن علي بن زيد عن ابي قلابة عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «اذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان فأتوها فان فيها خليفة الله المهدي» واخرجه الحاكم في المستدرك قال اخبرنا الحسين بن يعقوب بن يوسف العدل حدثنا يحيى بن ابي طالب حدثنا عبد الوهاب بن عطاء انبأنا خالد الحذاء عن ابي قلابة عن ابي اسماء عن ثوبان قال اذا رأيتم الرايات السود خرجت

↑صفحة ٣٢١↑

من قبل خراسان الحديث وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه انتهى وأخرجه ابن ماجه قال حدثنا محمد بن يحيى واحمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابي قلابة عن ابي اسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم ثم يطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدي» وقال الحافظ البوصيري في زوائده اسناده صحيح انتهى قلت وذلك واضح من رجاله وقد اخرجه ايضا الحاكم وله طريق خامس اخرجه احمد والترمذي والبيهقي في الدلائل كلهم من رواية رشدين بن سعد عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن قبيصة بن ذؤيب عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بايلياء» وقال ابن عساكر قرأت بخط ابي الحسين الرازي اخبرني ابو الجهم احمد بن الحسين بن طلاب حدثنا محمد بن الوزير حدثنا عثمان بن اسماعيل حدثنا الوليد بن مسلم قال ذكرت لعبد الرحمن بن آدم امر الرايات السود فقال سمعت عبد الرحمن بن الغاز بن ربيعة الجرشي يقول انه سمع عمرو بن مرة الجهني صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «لتخرجن من خراسان راية سوداء حتى تربط خيولها بهذا الزيتون الذي بين

↑صفحة ٣٢٢↑

بيت لهيا وحرستا» قال عبد الرحمن بن الغاز فقلنا له والله ما نرى بين هاتين القريتين زيتونة قائمة فقال عمرو بن مرة انه ستصيب فيما بينهما حتى يجيء اهل تلك الراية فتنزل تحتها وتربط بها خيولها قال عبد الرحمن بن آدم فحدثت بهذا الحديث ابا الاغبش عبد الرحمن بن سلمان السلمي فقال انما يربطها اصحاب الراية السوداء الثانية التي تخرج على الراية الاولى منهم فاذا نزلت تحت الزيتون خرج عليهم خارج فيهزمهم قال ابن عساكر وقرأت بخط ابي الحسين محمد بن عبد الله بن الجنيد الرازي ايضا اخبرني ابو علي بكر بن عبد الله بن حبيب الأهوازي حدثنا ابراهيم بن ناصح السامري حدثنا نعيم بن حماد حدثنا الوليد بن مسلم عن روح ابي العيزار حدثني عبد الرحمن بن آدم الاودي سمعت عبد الرحمن بن الغاز بن ربيعة الجرشي فذكر معناه قال ابن عساكر وقرأت بخط ابي الحسين الرازي حدثني محمد بن احمد بن غزوان حدثنا احمد بن المعلى حدثنا عثمان ابن اسماعيل الهذلي حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن آدم قال سمعت عبد الرحمن بن الغاز بن ربيعة الجرشي به واخرجه ابو الشيخ في كتاب الفتن قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس ابن ايوب حدثنا علي بن احمد الرقي حدثنا عمر بن راشد حدثنا عبد الله بن محمد بن ابيه عن جده عن ابي هريرة قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عمه العباس والى علي بن ابي طالب فأتياه في منزل ام سلمة فقال فيما قال «فاذا غيرت

↑صفحة ٣٢٣↑

سنتي يخرج ناصرهم من ارض يقال لها خراسان برايات سود فلا يلقاهم احد الا هزموه وغلبوا على ما في ايديهم حتى تقرب راياتهم بيت المقدس» وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن عن علي (عليه السلام) قال اذا خرجت خيل السفياني الى الكوفة بعث في طلب اهل خراسان ويخرج اهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح فيلتقي هو والسفياني بباب اصطخر فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه الى غير ذلك فانظر الى حديث الرايات كم له من طريق بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف ثم تأمل هل يمكن ان يحكم عليه بأنه لا اصل له مع وجود هذه الطرق الكثيرة المتباينة المخارج وقد اورد ابن الجوزي حديث الرايات في موضوعاته من طريق الازدي ثنا العباس بن ابراهيم حدثنا محمد بن ثواب حدثنا حنان بن سدير عن عمرو بن قيس عن الحسن عن عبيدة عن عبد الله به مرفوعا بلفظ اذا اقبلت الرايات السود الحديث وقال لا اصل له عمرو لا شيء ولم يسمع من الحسن ولا سمع الحسن من عبيدة انتهى وتعقبوه على ذلك قال الحافظ في القول المسدد لم يصب ابن الجوزي فقد اخرجه احمد في مسنده من حديث ثوبان وفي طريقه علي بن زيد بن جذعان وهو ضعيف لكنه لم يتعمد الكذب فيحكم على حديثه بالوضع اذا انفرد فكيف وقد توبع من طريق آخر رجاله غير رجال الأول

↑صفحة ٣٢٤↑

وله طريق آخر اخرجه احمد والبيهقي في الدلائل من حديث ابي هريرة وفي سنده رشدين بن سعد وهو ضعيف انتهى قلت على ان علي بن زيد قد قال فيه يعقوب بن سفيان ثقة وقال الترمذي صدوق وحسن له غير حديث واخرج له مسلم في صحيحه مقرونا وأثنى عليه جماعة ورشدين بن سعد قال فيه ابن يونس كان رجلا صالحا لا يشك في صلاحه وفضله فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث اساء فيه يحيى بن معين القول ولم يكن النسائي يرضاه ولا يخرج له وقال ابن شاهين في الثقات ثنا البغوي عن الامام احمد قال ارجو انه صالح الحديث ووثقه الهيثم بن خارجة وقال احمد ليس به بأس في احاديث الرقاق والله اعلم.
(فصل) في حديث (لمهدي منا اهل البيت يصلحه الله في ليلة)
ثم قال الطاعن وخرج ابن ماجه عن علي رضي الله عنه من رواية ياسين العجلى عن ابراهيم بن محمد بن الحنفية عن ابيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «المهدي منا اهل البيت يصلحه الله في ليلة» وياسين العجلى وان قال فيه ابن معين ليس به بأس فقد قال البخاري فيه نظر وهذه اللفظة في اصطلاحه قوية في التضعيف جدا وأورد له ابن عدي في الكامل والذهبي في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار له وقال هو معروف به الى هنا كلامه.

↑صفحة ٣٢٥↑

اقول الحديث اخرجه احمد في مسنده حدثنا فضل بن دكين ثنا ياسين العجلى وأخرجه ابن ماجه عن عثمان بن ابي شيبة حدثنا ابو داود الحفري حدثنا ياسين به وهو حديث حسن كما قال الحافظ وقد وهم بعضهم فظن ان ياسين هو ابن معاذ الزيات لأنه وقع في سنن ابن ماجه غير منسوب فحكم بضعفه بناء على وهمه وظنه ان ياسين هو الزيات لا العجلي اما العجلى فثقة قال الدوري عن ابن معين ليس به بأس وقال اسحاق بن منصور عن ابن معين صالح وقال ابو زرعة لا بأس به وقال يحيى بن يمان رأيت سفيان الثوري يسأل ياسين عن هذا الحديث قال الحافظ ووقع في سنن ابن ماجه عن ياسين غير منسوب فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به فلم يصنع شيئا انتهى وقول الطاعن اورد له ابن عدي في الكامل والذهبي في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار له باطل لا اصل له فانهما ما اورداه مستنكرين له كما زعمه بل لأنه حديثه الوحيد الذي لم يرو غيره ولذا قال ابن عدي يعرف بهذا الحديث وقال البخاري لا اعلم له حديثا غير هذا وعادة الحفاظ اذا ترجموا لراو مقل ذكروا له ما رواه في ترجمته لأنه به يعرف وقد ذكر له هذا الحديث في ترجمته ايضا الحافظ في تهذيب التهذيب وانتقد تضعيف من ضعفه فهل يقال انه اورده مستنكرا له كلا وليس في الحديث ما ينكروا له شواهد كثيرة تقدم بعضها ويأتي وقال البوصيري في زوائد ابن

↑صفحة ٣٢٦↑

ماجه قال البخاري في التاريخ عقب حديث ابراهيم بن محمد بن الحنفية هذا في اسناده نظر وذكره ابن حبان في الثقات ووثق العجلي العجلى وقال البخاري لا اعلم له حديثا غير هذا وقال ابن معين وابو زرعة لا بأس به وابو داود الحفري اسمه عمر بن سعد احتج به مسلم في صحيحه وباقيهم ثقات انتهي.
(فصل) في حديث (بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح...)
ثم قال الطاعن وخرج الطبراني في المعجم الاوسط عن علي رضي الله عنه انه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امنا المهدي ام من غيرنا يا رسول الله فقال «بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك قال علي ا مؤمنون ام كافرون قال مفتون وكافر» انتهى وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال وفيه عمرو بن جابر الحضرمي وهو اضعف منه قال احمد بن حنبل روى عن جابر مناكير وبلغني انه كان يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن لهيعة كان شيخا احمق ضعيف العقل وكان يقول علي في السحاب وكان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول هذا علي قد مر في السحاب الى هنا كلامه.
اقول الحديث رواه الطبراني من طريق عبد الله بن لهيعة عن عمرو بن جابر الحضرمي عن عمر بن علي بن ابي طالب عن ابيه

↑صفحة ٣٢٧↑

به اما ابن لهيعة فسيأتي الكلام عليه قريبا وأما الحضرمي فقد روى له الترمذي وابن ماجه وقال ابو حاتم صالح الحديث عنده نحو عشرين حديثا وذكره البرقي فيمن ضعف بسبب التشيع وهو ثقة وذكره يعقوب بن سفيان في جملة الثقات وصحح الترمذي حديثه والله اعلم.
(فصل) في حديث (تكون في اخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن...)
ثم قال الطاعن وخرج الطبراني عن علي رضي الله تعالى عنه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «تكون في اخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا اهل الشام ولكن سبوا شرارهم فان فيهم الابدال يوشك ان يرسل على اهل الشام صيب من السماء فيصرف جماعتهم حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم فعند ذلك يخرج خارج من اهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول هم خمسة عشر ألفا والمقلل يقول هم اثنا عشر ألفا وامارتهم امت امت يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا ويرد الله الى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيتهم ودانيتهم» اهـ وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال الى هنا كلامه.
اقول المعتمد الذي استقر عليه عمل كثير من الحفاظ تحسين حديث ابن لهيعة وكثيرا ما يصرح بذلك الحافظ المتقن نور الدين

↑صفحة ٣٢٨↑

الهيثمي في مجمع الزوائد وقد احتج به غير واحد من المتقدمين ايضا وقال ابو داود عن احمد ومن كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه واتقانه وقال الحسن بن علي الخلال عن زيد بن الحباب سمعت الثوري يقول عند ابن لهيعة الاصول وعندنا الفروع وقال ابو الطاهر بن السرح سمعت ابن وهب يقول حدثني والله الصادق البار عبد الله بن لهيعة وقال يعقوب بن سفيان سمعت احمد بن صالح وكان من خيار المتقين يثني عليه وقال الحاكم استشهد به مسلم في موضعين من صحيحه وكذا روى له البخاري مقرونا بغيره الا انه لم يصرح باسمه وحكى ابن عبد البر ان الذي في الموطأ عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده في العرفان هو ابن لهيعة ويقال ابن وهب حدثه به عنه وقال احمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم على ان الحديث ورد من غير طريق ابن لهيعة فقد اخرجه الحاكم في المستدرك قال اخبرني احمد بن محمد بن سلمة العنزي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سعيد بن ابي مريم انبأنا نافع بن يزيد حدثني عياش بن عباس ان الحارث بن يزيد حدثه انه سمع عبد الله بن رزين الغافقي سمعت علي بن ابي طالب يقول ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن الحديث وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وأقره الحافظ الذهبي في التلخيص وقد اشار الطاعن الى هذه المتابعة وصرح واعترف بصحتها فقال ورواه

↑صفحة ٣٢٩↑

الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه وفي روايته ثم يظهر الهاشمي فيرد الله الناس الى الفتح الخ وليس في طريقه ابن لهيعة وهو اسناد صحيح كما ذكر انتهى فاعتبروا يا أولي الابصار.
(فصل) علي رضي الله عنه وسؤال رجل عن المهدى
ثم قال وخرج الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه من رواية ابي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي هيهات ثم عقد بيده سبعا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان اذا قال الرجل ان الله قتل ويجمع الله له قوما قزعا كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون الى احد ولا يفرحون بأحد دخل فيهم عدتهم على عدة اهل بدر لم يسبقهم الاولون ولا يدركهم الآخرون وعلى عدد اصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر قال ابو الطفيل قال ابن الحنفية ا تريده قلت نعم قال فانه يخرج من بين هذين الاخشبين قلت لا جرم والله ولا ادعها حتى اموت ومات بها يعني مكة قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وانما هو على شرط مسلم فقط فان فيه عمارا الذهبي ويونس بن ابي اسحاق ولم يخرج لهما البخاري وفيه عمرو بن محمد العبقري ولم يخرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم الى ذلك من تشيع عمار الذهبي

↑صفحة ٣٣٠↑

وهو وان وثقه احمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم فقد قال علي بن المديني عن سفيان ان بشر بن مروان قطع عرقوبه قلت في اي شيء قال في التشيع الى هنا كلامه.
اقول كلامه هذا ضرب من الهذيان فانه ما افاد بمنطوقه طعنا ولا ابان بمفهومه لمقصوده معنى بل غايته التصريح بأن الحديث لا علة له ولا مطعن في رجاله وانه صحيح على شرط مسلم وهذا مخالف لمراده مناقض لقصده نعم اشار بقوله مع ما ينضم الى ذلك الى شرط مسلم من تشيع عمار الذهبي الى ان قصور الحديث على شرط مسلم هو علته القادحة فيه الموجبة لرده وعدم العمل بمدلوله وهذا ظاهر بل صريح في كلامه لأنه انتقد على الحاكم حكمه للحديث بأنه على شرط البخاري ومسلم وأثبت له انه على شرط مسلم فقط ثم قال مع ما ينضم الى ذلك من تشيع عمار الذهبي فاجتمع في الحديث على رأيه السديد وعلمه الجديد علتان شرط مسلم وتشيع عمار وبطل الاحتجاج به فيا لله ويا للمسلمين كيف يحكم بضعف حديث على شرط مسلم المتفق بين الامة على صحته بل اصحيته فضلا عن ان يجعل شرط مسلم نفسه هو سبب ضعفه وعين علته سبحانك هذا عناد عظيم وضلال قديم أما ما ضمه الى شرط مسلم من تشيع عمار فقد عرفناك بما فيه سابقا وأشرنا غير مرة الى انه ليس بجرح عند كل من كان للحديث حافظا ولفنونه محققا.

↑صفحة ٣٣١↑

(فصل) في حديث (نحن ولد عبد المطلب سادات اهل الجنة...)
ثم قال الطاعن وخرج ابن ماجه عن انس بن مالك رضي الله عنه من رواية سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن اسحاق بن عبد الله عن انس قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول «نحن ولد عبد المطلب سادات اهل الجنة انا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي» وعكرمة بن عمار وان اخرج له مسلم فإنما اخرج متابعة وقد ضعفه بعض ووثقه آخرون وقال ابو حاتم الرازي هو مدلس فلا يقبل الا ان صرح بالسماع وعلي بن زياد قال الذهبي في الميزان لا يدرى من هو ثم قال الصواب فيه عبد الله بن زياد وسعد ابن عبد الحميد وان وثقه يعقوب بن ابي شيبة وقال فيه يحيى ابن معين ليس به بأس فقد تكلم فيه الثوري قالوا لأنه رآه يفتي في مسائل ويخطئ فيها وقال ابن حبان كان ممن فحش خطأه فلا يحتج به وقال احمد بن حنبل سعد بن عبد الحميد يدعي انه سمع عرض كتب مالك والناس ينكرون عليه ذلك وهو ههنا ببغداد لم يحج فكيف سمعها وجعله الذهبي ممن لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه الى هنا كلامه.
اقول اما عكرمة بن عمار فهو ثقة واكثر من تكلم فيه وصفه بالضعف والاضطراب في روايته عن يحيى بن ابي كثير خاصة لا

↑صفحة ٣٣٢↑

في جميع رواياته وهذا لا يوجب ضعفه على الاطلاق كما هو مقرر في محله ونص عليه الحافظ في خطبة اللسان قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين ثقة وقال القلابي عن يحيى ثبت وقال ابن خيثمة عن ابن معين صدوق ليس به بأس وقال ابو حاتم عن ابن معين كان اميا وكان حافظا وقال محمد بن عثمان بن ابي شيبة عن علي بن المديني كان عكرمة عند اصحابنا ثقة ثبتا وقال العجلي ثقة يروي عنه النضر بن محمد ألف حديث وقال الآجري عن ابي داود ثقة وفي حديثه عن يحيى بن ابي كثير اضطراب وقال النسائي ليس به بأس الا في حديث يحيى بن ابي كثير وقال ابو حاتم كان صدوقا وربما وهم في حديثه وربما دلس وفي حديثه عن يحيى بن ابي كثير بعض الاغاليط وقال الساجي صدوق وثقه احمد ويحيى الا ان يحيى بن سعد ضعفه في احاديثه عن يحيى بن ابي كثير وقدم ملازما عليه وقال عكرمة بن عمار ثقة عندهم وروى عنه ابن مهدي ما سمعت به الا خيرا وقال في موضع آخر هو اثبت من ملازم وهو شيخ اهل اليمامة وقال علي بن محمد الطنافسي حدثنا وكيع عن عكرمة بن عمار وكان ثقة وقال اسحاق ابن احمد بن خلف البخاري ثقة روى عنه الثوري وذكره بالفضل وكان كثير الغلط ينفرد عن اياس بأشياء وقال ابن خراش كان صدوقا وفي حديثه نكرة وقال الدارقطني ثقة وقال ابن عدي مستقيم الحديث اذا روي عنه ثقة وقال عاصم بن علي كان مستجاب

↑صفحة ٣٣٣↑

الدعوة وقال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا وقال ابن شاهين في الثقات قال احمد بن صالح انا اقول انه ثقة واحتج به وبقوله وذكره ابن حبان في الثقات وقال في روايته عن يحيى بن ابي كثير اضطراب كان يحدث من غير كتابه وأما سعد بن عبد الحميد فقال ابراهيم بن الجنيد عن ابن معين ليس به بأس وقد كتب عنه وصالح جزرة لا بأس به وقال مرة هو اثبت من ابيه وأما ابن زياد فقال الحافظ في التهذيب علي بن زياد اليمامي عن عكرمة ابن عمار عن اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة عن انس حديث نحن ولد عبد المطلب سادات اهل الجنة روى حديثه ابن ماجه عن هدبة بن عبد الوهاب عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر عنه والصواب انه عبد الله بن زياد فقد ذكره البخاري وابو حاتم فقالا روى عن عكرمة بن عمار وعنه سعد بن عبد الحميد وكذلك روى هذا الحديث المذكور محمد بن خلف الحدادي عن سعد بن عبد الحميد وتابعه ابو بكر محمد بن صالح القناد عن محمد بن الحجاج عن عبد الله بن زياد السحيمي عن عكرمة بن عمار قلت هو ابو العلاء عبد الله بن زياد فلعله كان في الاصل حدثنا ابو العلاء ابن زياد فتغيرت فصارت علي بن زياد وعبد الله بن زياد هذا ذكره البخاري فقال منكر الحديث ليس بشيء ولم يذكر ابن ابي حاتم فيه جرحا وذكره ابن حبان في الطبقة الرابعة من الثقات انتهى قلت وقد وجدت ما يصلح ان يكون للحديث شاهدا قال

↑صفحة ٣٣٤↑

الطبراني في المعجم الصغير حدثنا احمد بن محمد بن العباس المري القنطري حدثنا حرب بن الحسن الطحان حدثنا حسين بن حسن الاشقر حدثنا قيس بن الربيع عن الاعمش عن عباية يعني ابن ربعي عن ابي ايوب الانصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة «نبينا خير الانبياء وهو ابوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم ابيك حمزة ومنا من له جناحان يطير بهما في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم ابيك جعفر ومنا سبطا هذه الامة الحسن والحسين وهما ابناك ومنا المهدي».
(فصل) ابن عباس ورواية السابقة
ثم قال الطاعن وخرج الحاكم في مستدركه من رواية مجاهد عن ابن عباس موقوفا عليه قال مجاهد قال لي ابن عباس لو لم اسمع انك من اهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث قال فقال مجاهد فانه في ستر لا اذكره لمن يكره قال فقال ابن عباس منا اهل البيت اربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي قال فقال مجاهد بين لي هؤلاء الاربعة فقال ابن عباس اما السفاح فربما قتل انصاره وعفا عن عدوه واما المنذر اراه قال فانه يعطي المال الكثير ولا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من حقه واما المنصور فانه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويرهب منه عدوه على مسيرة شهر وأما المهدي

↑صفحة ٣٣٥↑

فانه الذي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وتأمن البهائم السباع وتلقي الارض أفلاذ كبدها قال قلت وما افلاذ كبدها قال امثال الاسطوانة من الذهب والفضة وقال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وهو من رواية اسماعيل بن ابراهيم بن مهاجر عن ابيه واسماعيل ضعيف وابراهيم ابوه وان خرج له مسلم فالأكثرون على تضعيفه الى هنا كلامه.
اقول الحديث اخرجه الحاكم عن ابي بكر احمد بن سليمان الفقيه قال قرئ على يحيى بن جعفر بن الزبرقان وأنا اسمع حدثنا خلف ابن تميم ابو عبد الرحمن الكوفي حدثنا اسماعيل بن ابراهيم بن المهاجر عن ابيه عن مجاهد به وقال صحيح الاسناد وتعقبه الذهبي بأن اسماعيل مجمع على ضعفه واباه ليس بذاك فالله اعلم
(فصل) في حديث (يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة...)
ثم قال وخرج ابن ماجه عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلوهم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا احفظه قال فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدي» اهـ ورجاله رجال الصحيحين الا ان فيه ابا قلابة الجرمي وذكر الذهبي وغيره انه مدلس وفيه سفيان الثوري وهو مشهور بالتدليس وكل واحد منهما عنعن ولم

↑صفحة ٣٣٦↑

يصرح بالسماع فلا يقبل وفيه عبد الرزاق بن همام وكان مشهورا بالتشيع وعمي في آخر وقته فخلط قال ابن عدي حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها احد ونسبوه الى التشيع الى هنا كلامه.
اقول هنا قف وتعجب من جرأة هذا الطاعن وعناده فان تضعيف الحديث بهؤلاء الائمة سفيان الثوري ومن ذكر معه من اعجب ما يسمعه السامعون وأغرب ما يعتبر به المنصفون كيف يضعف حديث سفيان الثوري وهو امام عظيم من ائمة المسلمين ارباب المذاهب المتبوعة المجتهدين وسيد كامل من سادات السلف الصالح واكابر المتقين المتقنين الورعين قال الائمة شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة وابو عاصم ويحيى بن معين وغير واحد منهم سفيان الثوري امير المؤمنين في الحديث وقال عبد الله بن المبارك كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن افضل من سفيان فقال له رجل يا ابا عبد الله رأيت سعيد بن جبير وغيره يقول هذا قال هو ما اقول ما رأيت افضل من سفيان وقال ابن مهدي كان وهب يقدم سفيان في الحفظ على مالك وقال يحيى القطان ليس احد احب الي من شعبة ولا يعدله احد عندي واذا خالفه سفيان اخذت بقول سفيان وقال الدوري رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه احدا في الفقه والحديث والزهد وكل شيء وقال الآجري عن ابي داود ليس يختلف في سفيان وشعبة في شيء الا يظفر سفيان وقال ابو داود بلغني عن ابن معين قال ما خالف احد سفيان في شيء إلّا

↑صفحة ٣٣٧↑

كان القول قول سفيان وقال المروزي عن الامام احمد لم يتقدمه في قلبي احد وقال ابو قطن قال في شعبة ان سفيان ساد الناس بالورع والعلم وقال عبد الرزاق بعث ابو جعفر الخشابين لما خرج الى مكة فقال ان رأيتم سفيان فاصلبوه قال فجاء النجارون ونصبوا الخشبة ونودي سفيان واذا رأسه في حجر الفضيل ورجلاه في حجر ابن عيينة فقالوا له يا ابا عبد الله اتق الله ولا تشمت بنا الاعداء قال فتقدم الى الاستار فأخذها ثم قال برئت منه ان دخلها ابو جعفر قال فمات قبل ان يدخل مكة وقال الخطيب كان إماما من ائمة المسلمين وعلما من اعلام الدين مجمعا على امامته بحيث يستغنى عن تزكيته مع الانقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد وقال النسائي هو اجل من ان يقال فيه ثقة وهو احد الائمة الذين ارجو ان يكون الله ممن جعله للمتقين اماما وقال ابن ابي ذئب ما رأيت اشبه بالتابعين من سفيان وقال زائدة كان اعلم الناس في الفتيا وقال ابن حبان كان من سادات الناس فقها وورعا واتقانا وقال الوليد ابن مسلم رأيته بمكة يستفتى ولم يخط وجهه بعد وقال ابو حاتم وابو زرعة وابن معين هو احفظ من شعبة وقال ابن المديني قلت ليحيى ابن سعيد ايما احب اليك رأي سفيان او رأي مالك قال سفيان لا شك في حق هذا سفيان فوق مالك في كل شيء وقال صالح ابن محمد سفيان ليس يقدمه عندي احد في الدنيا وهو احفظ واكثر حديثا من مالك وقال الامام مالك كانت العراق تجيش علينا

↑صفحة ٣٣٨↑

بالدراهم والثياب ثم صارت تجيش علينا بالعلم منذ جاء سفيان وقال ابو اسحاق الغزاري لو خيرت لهذه الامة لما اخترت لها الا سفيان وحكي عن ابي صالح شعيب بن حرب المدائني وكان احد الائمة الاكابر في الحفظ والدين انه قال انني لأحسب يجاء بسفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله على الخلق يقال لهم لم تدركوا نبيكم عليه الصلاة والسلام فلقد رأيتم سفيان الثوري الا اقتديتم به وفضائله رضي الله عنه كثيرة جدا وقد ذكره الحافظ في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين فقال سفيان بن سعيد الثوري الامام المشهور الفقيه العابد الحافظ الكبير وصفه النسائي وغيره بالتدليس وقال البخاري ما اقل تدليسه انتهى فاعلم ان المدلسين عندهم على اقسام قال الحافظ في كتابه تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس اما بعد فهذه مراتب الموصوفين بالتدليس في اسانيد الحديث النبوي لخصتها في هذه الاوراق لتحفظ وهي مستمدة من جامع التحصيل للإمام صلاح الدين العلائي شيخ شيوخنا تغمدهم الله برحمته قال وهم على خمس مراتب الاولى من لم يوصف بذلك الا نادرا كيحيى ابن سعيد الثانية من احتمل الائمة تدليسة وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري او كان لا يدلس الا عن ثقة كابن عيينة انتهى المراد منه وعبارة الحافظ العلائي في جامع التحصيل لأحكام المراسيل بعد ان سرد اسماء من وصف بالتدليس من الرواة هؤلاء كلهم ليسوا على حد واحد بحيث إنه

↑صفحة ٣٣٩↑

يتوقف في كل ما قال فيه واحد منهم عن ولم يصرح بالسماع بل هم على طبقات اولها من لم يوصف بذلك الا نادرا جدا بحيث انه لا ينبغي ان يعد فيهم كيحيى بن سعيد وهشام بن عروة وموسى ابن عقبة وثانيها من احتمل الائمة تدليسه وخرجوا له في الصحيح وان لم يصرح بالسماع وذلك اما لإمامته او لقلة تدليسه في جنب ما روى او انه لا يدلس الا عن ثقة وذلك كالزهري وسليمان الاعمش وابراهيم النخعي واسماعيل بن ابي خالد وسليمان التميمي وحميد الطويل والحكم بن عتبة ويحيى بن ابي كثير وابن جريج وسفيان الثوري وابن عيينة وشريك وهشيم ففي الصحيحين وغيرهما لهؤلاء الحديث الكثير مما ليس فيه التصريح بالسماع وبعض الائمة حمل ذلك على ان الشيخين اطلعا على سماع الواحد لذلك الحديث الذي اخرجه بلفظ عن ونحوها من شيخه وفيه تطويل والظاهر ان ذلك لبعض ما تقدم آنفا من الاسباب انتهى قلت وهو الصواب واما ادعاء كون جميع ما وقع في الصحيحين عن المدلسين بدون تصريح بالسماع ورد مسموعا خاصا فادعاء دون اقامة الدليل عليه خرط القتاد ومعرفة امثال تلك المواضع من الصحاح ومن كتب من تكلم عليها وافرغ وسعه في جمع طرقها من الحفاظ تجدى عند التعارض وتغني عن النزاع فانظر كيف تحمل الشيخان تدليس هؤلاء ولم يريانه مخلا بصحة الحديث على شرطهما ولا من مقتضيات رده وكذا سائر الائمة والحفاظ الجامعين للصحيح بعدهما

↑صفحة ٣٤٠↑

ومن لم ير ما رآه هؤلاء الائمة ولم يكتف بطريقهم فهو متنطع هالك ومعاند مكابر واعلم ان التدليس ايضا انواع فتارة يكون في الإسناد وتارة في الشيوخ ومن الاول تدليس القطع وتدليس العطف وتدليس التسوية وهو شر انواع التدليس واقبحه كما قال الحافظ العلائي والعراقي وغيرهما زاد العراقي وهو قادح فيمن تعمد فعله قلت وينبغي ان يحمل قول شعبة بن الحجاج لأن ازني احب إلي من ان ادلس وقوله ايضا التدليس اخو الكذب على تدليس التسوية وان قال ابن الصلاح ان هذا منه افراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير انتهى لأن ضرره عظيم والخطر به في الدين جسيم وقد قال الخطيب ان الاعمش وسفيان الثوري كانا يفعلان مثله انتهى لكن جلالتهما وعظيم قدرهما في الورع والتحرز والتثبت في امور الدين يرشدك الى انهما لا يفعلان ذلك الا عن ثقة عندهما قال الحافظ لا شك ان تدليس التسوية جرح وان وصف به الثوري والاعمش بلا اعتذار الا انهما لا يفعلانه الا في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما انتهى وقال الذهبي في الميزان سفيان بن سعيد الحجة الثبت متفق عليه مع انه كان يدلس عن الضعفاء ولكن له نقد وذوق ولا عبرة بقول من قال يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى وقوله عن الضعفاء يعني عند غيره لا عنده كما قال الحافظ ويستفاد من قوله له ذوق ونقد انه على فرض تدليسه عن الضعفاء عنده ايضا انه لا يدلس عنهم الا ما كان ثابتا قويا من احاديثهم

↑صفحة ٣٤١↑

لا ما كان ساقطا او متروكا واما ابو قلابة وان ذكره الحافظ في تعريف اهل التقديس تبعا للذهبي والعلائي في جامع التحصيل فقد ذكر في تهذيب التهذيب عن ابي حاتم انه قال لا يعرف له تدليس وعليه درج الحافظ فلم يذكره في مقدمة الفتح وذلك منه ترجيح وتقوية لقول من ذهب الى اشتراط اللقاء في التدليس لا الاكتفاء بالمعاصرة وهو الراجح والا فما سلم من التدليس احد لا مالك ولا غيره كما قال ابن عبد البر بل هو ارسال خفي واليه مال كل تدليس فمن قبل من المدلس عنعنته فهو مصير منه الى ان المرسل حجة وقد اختلف العلماء فيه فمذهب الشافعي وجمهور المحدثين كما حكاه عنهم مسلم في صدر صحيحه وابن عبد البر في التمهيد انه ضعيف ومذهب مالك في المشهور عنه وابي حنيفة واحمد ابن حنبل في المشهور عنه ايضا وجماعة انه صحيح قال النووي في شرح المهذب وقيد ابن عبد البر وغيره ذلك بما اذا لم يكن مرسله ممن لا يحترز ويرسل عن غير الثقات فان كان فلا خلاف في رده وقال غيره محل قبوله عند الحنفية ما اذا كان مرسله من اهل القرون الثلاثة الفاضلة فان كان من غيرها فلا لحديث «ثم يفشوا الكذب» صححه النسائي وقال ابن جرير اجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم انكاره ولا عن احد من الائمة بعدهم الى رأس المائتين قال ابن عبد البر كأنه يعني ان الشافعي اول من رده انتهي قالوا فان صح مخرج المرسل بمجيئه او نحوه من وجه

↑صفحة ٣٤٢↑

آخر مسندا او مرسلا ارسله من اخذ عن غير رجال الاول ان كان صحيحا تبين بذلك صحة المرسل وصار حجة وفي مبحث المرسل من الالفية:

واحتج مالك كذا النعمان * * * وتابعوهما به ودانوا
ورده جماهير النقاد * * * للجهل بالساقط في الاسناد
وصاحب التمهيد عنهم نقله * * * ومسلم صدر الكتاب اصله
لكن اذا صح لنا مخرجه * * * بمسند او مرسل يخرجه
من ليس يروى عن رجال الاول * * * نقبله قلت الشيخ لم يفصل
فان يقل فالمسند المعتمد * * * فقل دليلان به يعتضد

انتهى بحذف بيتين قبل الآخر فعلى تقدير ان في سند الحديث رسالا فهو حجة مقبول عند الجميع وصحيح بالاتفاق لوروده من طرق اخرى موصولة صحيحة وأما ما ذكره الطاعن في عبد الرزاق من التشيع فقد علمت انه ليس بجرح ولا طعن وقد احتج به الجميع وقال احمد بن صالح المصري قلت لأحمد بن حنبل رأيت احدا احسن حديثا من عبد الرزاق قال لا وقال ابو زرعة عبد الرزاق احد من ثبت حديثه وقال ابن ابي خيثمة سمعت يحيى بن معين وقيل له قال احمد ان عبيد الله بن موسى يرد حديثه للتشيع فقال كان عبد الرزاق والله الذي لا إله إلّا هو أعلى في ذلك منه مائة ضعف ولقد سمعت من عبد الرزاق اضعاف ما سمعت من عبيد الله وقال محمد بن اسماعيل الفزاري بلغني ونحن بصنعاء ان احمد ويحيى تركا

↑صفحة ٣٤٣↑

حديث عبد الرزاق فدخلنا غم شديد فوافيت ابن معين في الموسم فذكرت له فقال يا ابا صالح لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه وثناء الحفاظ عليه كثير وقد وصفه بعضهم بالتدليس كما ذكره الحافظ في تعريف اهل التقديس لكن قال قد جاء عنه التبري من التدليس قال حججت فمكثت ثلاثة ايام لا يأتيني اصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة فقلت يا ربي مالي اكذاب انا أمدلس انا أبقية بن الوليد فرجعت الى البيت فجاءوني وقال ايضا في هدى الساري عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني احد الحفاظ الاثبات صاحب التصانيف وثقه الائمة كلهم الا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده فتكلم بكلام افرط فيه ولم يوافقه عليه احد وقد قال ابو زرعة الدمشقي قيل لأحمد من اثبت في ابن جريح عبد الرزاق او محمد بن بكر البرساني فقال عبد الرزاق وقال عباس الدوري عن ابن معين كان عبد الرزاق اثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف وقال يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني قال في هشام بن يوسف كان عبد الرزاق اعلمنا وأحفظنا قال يعقوب كلاهما ثقة ثبت وقال الذهلي كان ايقظهم في الحديث وكان يحفظ وقال ابن عدي رحل اليه ثقات المسلمين وكتبوا عنه الا انهم نسبوه الى التشيع وهو اعظم ما ذموه به وأما الصدق فأرجو انه لا بأس به وقال النسائي فيه نظر لمن كتب عنه بآخره كتبوا عنه احاديث مناكير وقال الاثرم عن احمد من سمع منه بعد ما

↑صفحة ٣٤٤↑

عمي فليس بشيء وما كان في كتبه فهو صحيح وما ليس في كتبه فانه كان يلقن فيتلقن قلت احتج به الشيخان في جملة من حديث من سمع منه قبل الاختلاط وضابط ذلك من سمع منه قبل المائتين فأما بعدها فكان قد تغير وفيها سمع منه احمد بن شبويه فيما حكى الاثرم عن احمد واسحق الدبري وطائفة من شيوخ ابي عوانة والطبراني ممن تأخر الى قرب الثمانين ومائتين وروى له الباقون الى هنا كلام الحافظ قلت وابن ماجه روى هذا الحديث عن احمد بن يوسف ومحمد بن يحيى كلاهما عن عبد الرزاق اما احمد بن يوسف وهو ثقة فقد قال ابن حبان كان راويا لعبد الرزاق ثبتا فيه واما محمد بن يحيى وهو الذهلي فانه ممن سمع من عبد الرزاق قديما قبل الاختلاط فصح الحديث على شرط الشيخين ولله الحمد واتضح فساد طعن الطاعن والله الموفق لا رب غيره.
(تنبيه) عاب الطاعن هذا الحديث واعله بتدليس الامام سفيان الثوري رضي الله عنه وكان في تدليسه وتلبيسه وتحريفه النقول عن اصولها انتصارا للباطل وتقوية للعناد ما ينبغي ان يكون زاجرا له عن مثل هذه الجرأة وتضعيف الحديث بإمام المسلمين وأحد سادات الثقات الورعين سفيان الثوري رضي الله عنه وقد نبهنا على بعض ما وقع في كلامه من التدليس والتلبيس سابقا وننبهك على ما وقع له هنا الآن فقوله قال ابن عدي حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها احد ونسبوه الى التشيع فيه قلب وحذف وعبارة ابن عدي ولعبد

↑صفحة ٣٤٥↑

الرزاق اصناف وحديث كثير وقد وصل اليه ثقات المسلمين وائمتهم وكتبوا عنه الا انهم نسبوه الى التشيع وقد روى احاديث في الفضائل لم يتابع عليها فهذا اعظم ما ذموه من روايته لهذه الاحاديث ولما رواه في مثالب غيرهم وأما في باب الصدق فأرجو انه لا بأس به انتهى فهذا نص ابن عدي وبالوقوف عليه تعلم مراد الطاعن من حذف ما لم يذكره منه لما فيه من توثيق الرجل والثناء عليه وألفاظ الجرح والتعديل ينبغي ان تنقل برمتها لأن بعضها يفسر بعضها فقد يكون اول عبارة النقاد مدحا وآخرها ذما لكن ليس على اطلاقه بل المراد منه ما يدل عليه مع قرينة المدح المذكور فالاقتصار على مجرد الذم او المدح من العبارة الواحدة مخل بالمقصود وضرب من الخيانة في النقل وهذا سبيل الطاعن في جميع ما ينقله من الجرح كما بينا الكثير من ذلك فيما سبق من تقولاته ولا تقولن انه قلد الذهبي في هذه العبارة حيث ذكرها في الميزان كذلك فانه كثير النقل من تهذيب الحافظ المزي وهذه العبارة فيه على اصلها كما في اختصاره وتهذيبه للحافظ وسابق تدليسه يدل على لا حقه والله اعلم.
(فصل) (يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي)
ثم قال وخرج ابن ماجه عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي» يعني سلطانه قال الطبراني تفرد به ابن لهيعة

↑صفحة ٣٤٦↑

وقد تقدم لنا في حديث علي الذي خرجه الطبراني في معجمه الاوسط ان ابن لهيعة ضعيف وان شيخه عمرو بن جابر الحضرمي اضعف منه انتهى قلت وتقدم لنا الجواب عن ذلك ايضا ثم قال وخرج البزار في مسنده والطبراني في معجمه الاوسط واللفظ للطبراني عن ابي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يكون في امتي المهدي ان قصر فسبع والا فثمان والا فتسع تنعم فيها امتي نعمة لم ينعموا بمثلها ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الارض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي اعطني فيقول خذ» قال الطبراني والبزار تفرد به محمد بن مروان العجلي زاد البزار ولا نعلم انه تابعه عليه احد وهو وان وثقه ابو داود وابن حبان ايضا بما ذكره في الثقات وقال فيه يحيى بن معين صالح وقال مرة ليس به بأس فقد اختلفوا فيه وقال ابو زرعة ليس عندي بذاك وقال عبد الله بن احمد بن حنبل رأيت محمد بن مروان العجلي حدث بأحاديث وأنا شاهد لم اكتبها تركتها على عمد وكتب بعض اصحابنا عنه كأنه ضعفه الى هنا كلامه.
اقول الحديث صحيح ومحمد بن مروان ثقة كما نقله الطاعن عن يحيى بن معين وأبي داود وابن حبان على اختلاف عباراتهم وتنوعها في توثيقه وقول ابي زرعة غير مقبول اذ لم يبين سببه مع ثبوت العدالة والتوثيق له من غيره بل ممن هو اشد منه في الرجال وهو يحيى بن معين وكذا ترك عبد الله بن احمد الرواية عنه وأما

↑صفحة ٣٤٧↑

قول البزار ولا نعلم انه تابعه عليه احد فان كان مراده المتابعة التامة عن شيخه فيمكن وان كان مراده مطلق المتابعة فغير مسلم ما ادعاه فقد توبع على ذلك قال الامام احمد في المسند حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت زيدا ابا الحواري قال سمعت ابا الصديق يحدث عن ابي سعيد الخدري قال خشينا ان يكون بعد نبينا حدث فسألنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال «يخرج المهدي في امتي يعيش خمسا أو سبعا او تسعا زيد الشاك قال قلت اي شيء قال سنين ثم قال ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الارض من نباتها شيئا ويكون المال كدوسا قال يجيء الرجل اليه فيقول يا مهدي اعطني اعطني قال فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمل» وله طريق آخر نحوه بمعناه قال الحاكم في المستدرك اخبرني ابو العباس محمد بن احمد المحبوبي بمرو حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا النضر بن شميل حدثنا سليمان بن عبيد حدثنا ابو الصديق الناجي عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج في آخر امتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الارض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الامة يعيش سبعا او ثمانيا» يعني حججا وقال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي فأين دعوى التفرد وعدم المتابعة اللهم الا ان يكون المراد عدم المتابعة عليه في كونه من حديث ابي هريرة لأنه معروف من حديث ابي سعيد الخدري وقد رواه محمد ابن مروان العجلي ايضا كذلك من حديث ابي سعيد كما عند ابن

↑صفحة ٣٤٨↑

ماجة فمسلم ولكن لا ضرر في ذلك لثبوت اصل الحديث وصحته من حديث ابي سعيد الخدري واحتمال وقوعه لابن مروان من الطريقين وقد روى ابو هريرة الكثير من احاديث المهدي فلا غرابة والله اعلم.
(فصل) في حديث (لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من اهل بيتي...)
ثم قال الطاعن وخرج ابو يعلى الموصلي في مسنده عن ابي هريرة قال حدثني خليلي ابو القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من اهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا الى الحق قال قلت وكم يملك قال خمسا واثنين قال قلت وما خمس واثنان قال لا ادري «وهذا اسند وان كان فيه بشير بن نهيك وقال فيه ابو حاتم لا يحتج به فقد احتج به الشيخان ووثقه الناس ولم يلتفتوا الى قول ابي حاتم لا يحتج به الا ان فيه مرجى بن رجاء اليشكري وهو مختلف فيه وقال ابو زرعة ثقة وقال يحيى بن معين ضعيف وقال ابو داود ضعيف وقال مرة صالح وعلق له البخاري في صحيحه حديثا واحدا الى هنا كلامه.
اقول مرجى استشهد به البخاري وعلق له بصيغة الجزم وقال الدارقطني ثقة ونقل العقيلي عن ابن معين انه قال مرجى بن وداع ضعيف ومرجى بن رجاء اصلح حديثا وذكر الطاعن لبشير

↑صفحة ٣٤٩↑

ابن نهيك مع اعترافه بأنه ثقة وان كلام ابي حاتم غير مقبول فيه تشويش فارغ وتجيش بما لا اصل له والحديث حسن على رأي من وثق مرجى به رجاء ان رجح قوله وكفى باعتبار امام الصناعة البخاري له وادخاله في صحيحه ترجيحا لتوثيقه والله تعالى اعلم.
(فصل) في حديث (لتملأن الارض جورا وظلما فاذا ملئت جورا وظلما...)
ثم قال وخرج ابو بكر البزار في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والاوسط عن قرة بن اياس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لتملأن الارض جورا وظلما فاذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا من امتي اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء من قطرها شيئا ولا الارض شيئا من نباتها يلبث فيكم سبعا او ثمانيا او تسعا يعني سنين» انتهى وفيه داود بن المحبر بن قحذم عن ابيه وهما ضعيفان جدا الى هنا كلامه.
اقول داود بن المحبر خرج له ابن ماجه وقال الدوري عن ابن معين ما زال معروفا بالحديث يكتب الحديث فترك الحديث ثم ذهب فصحب قوما من المعتزلة فأفسدوه وهو ثقة وقال في موضع آخر ليس بكذاب وقد كتب عن ابيه المحبر وكان داود ثقة

↑صفحة ٣٥٠↑

ولكنه جفا الحديث وكان يتنسك وقال ابو داود ثقة شبه الضعيف بلغني عن يحيى فيه كلام انه يوثقه وقال ابن عدي وعن داود كتاب قد صنفه في فضل العقل وفيه اخبار كلها او عامتها غير محفوظات وله احاديث صالحة غير كتاب العقل ويشبه ان تكون صورته ما ذكره يحيى بن معين انه كان يخطئ ويصحف الكثير وفي الاصل انه صدوق انتهى ومن المعلوم ان هذا الحديث لم ينفرد به بل ورد من عدة طرق تقدم ذكرها فهو وان كان ضعيفا فحديثه ثابت من جهة اخرى وذلك دليل على ان ضعفه لم يتطرق الى هذا الحديث لموافقته للثقات فيما رواه وكذلك القول في ابيه وليست احاديث الضعيف كلها ضعيفة ولا الكذاب كلها موضوعة بل قد يحدثان بالصحيح والحسن المعروفين من غير طريقهما والله اعلم.
(فصل) في حديث (سيخرج من صلب هذا فتى أي علي بن أبي طالب...)
ثم قال وخرج الطبراني في معجمه الاوسط عن ابن عمر قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفر من المهاجرين والانصار وعلي بن ابي طالب على يساره والعباس عن يمينه اذ تلاحى العباس ورجل من الانصار فأغلظ الانصاري للعباس فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد العباس وبيد علي وقال «سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الارض جورا وظلما وسيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض

↑صفحة ٣٥١↑

 قسطا وعدلا فاذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فانه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي» انتهى وفيه عبد الله بن عمر العمري وعبد الله بن لهيعة وهما ضعيفان الى هنا كلامه.
اقول اما عبد الله بن لهيعة فتقدم انه حسن الحديث وأما عبد الله بن عمر العمري فروى له مسلم والاربعة وقال ابو طلحة عن احمد لا بأس به قد روى عنه ولكن ليس مثل اخيه عبيد الله وقال ابو زرعة الدمشقي عن احمد كان يزيد في الاسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا وقال ابو حاتم رأيت احمد بن حنبل يحسن الثناء عليه وقال عثمان الدارمي عن ابن معين صالح وقال ابن ابي مريم عن ابن معين لا بأس به يكتب حديثه وقال يعقوب بن شيبة ثقة صدوق في حديثه اضطراب وقال ابن عدي لا بأس به في رواياته صدوق وقال العجلى لا بأس به وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك وقال يعقوب ابن سفيان عن احمد بن يونس لو رأيت هيأته لعرفت انه ثقة وقال ابن عمار الموصلي لم يتركه احد الا يحيى بن سعد وأورد له يعقوب ابن شيبة في مسنده حديثا فقال هذا حديث حسن الاسناد مدني وقال في موضع آخر هو رجل صالح مذكور بالعلم والصلاح وفي حديثه بعض الضعف والاضطراب ويزيد في الاسانيد كثيرا وقال الخليلي ثقة غير ان الحفاظ لم يرضوا حفظه وقول ابن معين فيه انه صويلح انما حكاه عنه اسحاق الكوسج وأما عثمان الدارمي

↑صفحة ٣٥٢↑

فقال عن ابن معين صالح ثقة ويكفيك احتجاج مسلم به في صحيحه فالحديث اقل درجاته ان يكون حسنا والله اعلم.
(فصل) في حديث (ستكون فتنة لا يسكن منها جانب الا تشاجر جانب...)
ثم قال وخرج الطبراني في معجمه الاوسط عن طلحة بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ستكون فتنة لا يسكن منها جانب الا تشاجر جانب حتى ينادي مناد من السماء ان اميركم فلان» وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف جدا وليس في الحديث تصريح بذكر المهدي وانما ذكروه في ابوابه وترجمته استئناسا الى هنا كلامه.
اقول المثنى وثقة ابن معين ولينه بعضهم وضعفه الباقون لكن صرحوا بأنه لا يشترك حديثه وقد وجدت لحديثه شاهدا قال ابن ابي شيبة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ابي محمد عن عاصم بن عمرو البجلي ان ابا امامة قال لينادين باسم رجل من السماء لا ينكره الدليل ولا يمنع منه الدليل واخرج نعيم بن حماد في الفتن وابن المنادي في الملاحم عن علي (عليه السلام) قال اذا نادى مناد من السماء ان الحق في آل محمد فعند ذلك يظهر المهدي على افواه الناس ويشربون حبه فلا يكون لهم ذكر غيره وهذا يفسر المبهم في حديث طلحة بن عبد الله الذي ليس فيه تصريح بالمهدي كما قاله الطاعن ويعضده ويقويه والله اعلم.

↑صفحة ٣٥٣↑

(فصل) فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الائمة في شأن المهدي
ثم قال فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان انتهى وقال ايضا بعد نقله كلام الصوفية في المهدي هذا آخر ما اطلعنا عليه او بلغنا من كلام هؤلاء المتصوفة وما اورده اهل الحديث من اخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا انتهى.
اقول ادعاؤه استيفاء اخبار المهدي باطل فان جميع ما ذكره من الاحاديث ثمانية وعشرون والوارد في الباب ضعف اضعاف ذلك وها انا مورد من اخباره ما اكمل به المائة من مرفوعات وموقوفات دون المقطوعات اذ لو تتبعتها خصوصا الوارد عن اهل البيت لأتيت منها بعدد كبير وقدر غير يسير مما ينبغي ان يفرد بالتأليف ولكن فيما سأذكره كفاية فأقول وبالله التوفيق:
الحديث التاسع والعشرون عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «اذا رأيتم رايات السود اقبلت من خراسان فأتوها فان فيها خليفة الله المهدي» رواه احمد.
الحديث الثلاثون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بايلياء» رواه احمد والترمذي والبيهقي في الدلائل.
الحادي والثلاثون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ابشروا بالمهدي رجل من قريش من

↑صفحة ٣٥٤↑

عترتي يخرج في اختلاف من الناس وزلزال فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض ويقسم المال صحاحا بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) غنى ويسعهم عدله حتى انه يأمر مناد فينادي من له حاجة الي فما يأتيه احد الا رجل واحد يأتيه فيسأله فيقول ائت السادن حتى يعطيك فيأتيه فيقول رسول المهدي اليك تعطيني مالا فيقول احث فيحثى فلا يستطيع ان يحمله فيلقي حتى يكون قدر ما يستطيع ان يحمله فيخرج به فيندم فيقول انا كنت اشجع امة محمد نفسا كلهم دعي الى هذا المال فتركه غيري فيرد عليه فيقول انا لا نقبل شيئا اعطيناه فيلبث في ذلك ستا او سبعا او ثمانيا او تسع سنين ولا خير في الحياة بعده» رواه احمد والباوردي.
الثاني والثلاثون عن عثمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «المهدي من العباس عمي» رواه الدارقطني في الافراد وهو غريب منكر وقد جمع بأنه عباس الام حسني الاب وليس بذاك بل الحديث لا يصح.
الثالث والثلاثون عن جابر بن ماجد الصدفي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء امراء ومن بعد الامراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من اهل بيتي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا ثم يؤمر

↑صفحة ٣٥٥↑

بعده القحطاني فو الذي بعثني بالحق ما هو بدونه» رواه الطبراني في الكبير.
الرابع والثلاثون عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ان تهلك امة انا اولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في اوسطها» رواه ابو نعيم في اخبار المهدي والمراد بالوسط ما قبل الآخر.
الخامس والثلاثون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه» رواه ابو نعيم في اخبار المهدي.
السادس والثلاثون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوله الله تعالى حتى يملك رجل من اهل بيتي جبل الديلم والقسطنطينية» رواه ابن ماجه.
السابع والثلاثون عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ستطلع عليكم رايات سود من قبل خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله تعالى المهدي» رواه الديلمي.
الثامن والثلاثون عن ابي امامة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ستكون بينكم وبين الروم اربع هدن يوم الرابعة على يد رجل من آل هارون يدوم سبع سنين قيل يا رسول الله من امام الناس يومئذ قال من ولدى ابن اربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الايمن خال اسود عليه عبايتان قطونيتان كأنه من

↑صفحة ٣٥٦↑

رجال بني اسرائيل يملك عشر سنين يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك» رواه الطبراني في الكبير.
التاسع والثلاثون عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «تكون هدنة على دخل قيل يا رسول الله ما هدنة على دخل قال قلوب لا تعود على ما كانت عليه ثم تكون دعاة الضلالة فان رأيت يومئذ خليفة الله تعالى في الارض فالزمه وان نهك جسمك وأخذ مالك وان لم تره فاضرب في الارض ولو ان تموت وأنت عاض بجدل شجرة رواه الطيالسي واحمد وابو داود وأبو يعلى الاربعون عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «كيف تهلك امة انا في اولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي من اهل بيتي في وسطها» رواه الحاكم في التاريخ وكذا ابن عساكر.
الحادي والاربعون عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لو لم يبق من الدنيا الا ليلة لملك فيها رجل من اهل بيتي» رواه الطبراني في الكبير.
الثاني والاربعون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لو لم يبق من الدنيا الا ليلة لطول الله تعالى تلك الليلة حتى يلي رجل من اهل بيتي» رواه الديلمي في مسند الفردوس الثالث والاربعون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ستكون بعدي فتن منها فتنة الاحلاس يكون

↑صفحة ٣٥٧↑

فيها حرب وهرب ثم بعدها فتن أشد منها ثم تكون فتنة كلما قيل انقطعت تمادت حتى لا يبقى بيت إلّا دخلته ولا مسلم الا شكته حتى يخرج رجل من عترتي» رواه نعيم بن حماد في الفتن.
الرابع والاربعون عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «في ذي القعدة تجاذب القبائل وعامئذ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى حتى يهرب صاحبهم فيبايع بين الركن والمقام وهو كاره فيبايع مثل عدة اهل بدر يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض» رواه نعيم بن حماد والحاكم.
الخامس والاربعون عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «منا السفاح ومنا المنصور ومنا المهدي» رواه البيهقي وابو نعيم كلاهما في الدلائل والخطيب في التاريخ.
السادس والاربعون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «منا القائم ومنا المنصور ومنا السفاح ومنا المهدي فأما القائم فتأتيه الحاجة لم يهرق فيها محجمة دم وأما المنصور فلا تدركه راية واما السفاح فهو يسفح المال والدم واما المهدي فيملأ الارض عدلا كما ملئت ظلما» رواه الخطيب.
السابع والاربعون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله وآله وسلم للعباس «يا عم النبي ان الله تعالى ابتدأ الاسلام بي وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم» رواه ابو نعيم في الحلية بإسناد ضعيف والجواب عنه كالذي بعده هو ما تقدم في حديث عثمان.

↑صفحة ٣٥٨↑

الثامن والاربعون عن عمار بن ياسر ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يا عباس ان الله تعالى بدأ بي هذا الامر وسيختمه بغلام من ولدك يملأها عدلا كما ملئت جورا وهو الذي يصلي بعيسى (عليه السلام)» رواه الدارقطني في الافراد والخطيب وابن عساكر بإسناد ضعيف.
التاسع والاربعون عن ام سلمة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يبايع لرجل من امتي بين الركن والمقام كعدة اهل بدر فتأتيه عصب العراق وأبدال الشام فيأتيهم جيش من الشام حتى اذا كانوا بالبيداء خسف بهم ثم يسير اليه رجل من قريش اخواله كلب فيهزمهم الله تعالى فكان يقال الخائب من خاب غنيمة كلب» رواه ابن ابي شيبة والطبراني في الكبير وابن عساكر.
الحديث الخمسون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من معه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان فيجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من اهل بيتي في الجرة فيبلغ السفياني فيبعث اليه جندا من جنده فيهزمهم فيسير اليه السفياني معه جيش حتى اذا صاروا ببيداء من الارض خسف بهم فلا ينجو منهم الا المخبر عنهم» رواه الحاكم في المستدرك.

↑صفحة ٣٥٩↑

الحادي والخمسون عنه ايضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يبايع رجل بين الركن والمقام ولن يستحل هذا البيت الا اهله فاذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب ثم تجيء الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده ابدا وهم الذين يستخرجون كنزه» رواه احمد وابن ابي شيبة والحاكم.
الثاني والخمسون عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» يخرج رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا» رواه الطبراني في الكبير:
الثالث والخمسون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن وانقطاع من الزمن امير اول ما يكون عطاؤه للناس ان يأتيه الرجل فيحثي له في حجره يهمه من يقبل صدقته ذلك اليوم لما يصيب الناس من الفرح» رواه ابو يعلى وابن عساكر.
الرابع والخمسون عن عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يكون بعدي خلفاء وبعد الخلفاء امراء وبعد الامراء الملوك وبعد الملوك الجبابرة وبعد الجبابرة رجل من اهل بيتي يملأ الارض عدلا ومن بعده القحطان والذي بعثني بالحق ما هو دونه» رواه نعيم بن حماد في الفتن.

↑صفحة ٣٦٠↑

الخامس والخمسون عن شهر بن حوشب مرسلا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يكون في رمضان صوت وفي شوال همهمة وفي ذي القعدة تتحارب القبائل وفي الحجة ينتهب الحاج وفي المحرم ينادي مناد من السماء الا ان صفوة الله تعالى من خلقه فلان فاسمعوا له وأطيعوا» رواه نعيم بن حماد.
السادس والخمسون عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم حتى تضيق الارض عنهم فيبعث الله تعالى رجلا من عترتي فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض لا تدخر الارض شيئا من بذرها الا اخرجته ولا السماء شيئا من قطرها الا حبته ويعيش فيهم سبع سنين او ثمان سنين او تسع» رواه الحاكم.
السابع والخمسون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «كلوا هذا المال ما طاب لكم فاذا غادر شيء فدعوه فان الله تعالى سيغنيكم من فضله ولن تفعلوا حتى يأتيكم الله بإمام عادل ليس من بني امية» رواه عبد الجبار الخولاني في تاريخ داريا وابن عساكر عنه مرفوعا وموقوفا ايضا.
الثامن والخمسون عن ابي ايوب الانصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة «نبينا خير الانبياء وهو ابوك وشهيدنا خير الشهداء وهو عم ابيك حمزة ومنا من له جناحان يطير بهما

↑صفحة ٣٦١↑

في الجنة حيث يشاء وهو ابن عم ابيك جعفر ومنا سبطا هذه الامة الحسن والحسين ومنا المهدي» رواه الطبراني في الصغير.
التاسع والخمسون عن ابي هريرة قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى عمه العباس والى علي بن ابي طالب فأتياه في منزل ام سلمة فقال فيما قال «فاذا غيرت سنتي يخرج ناصرهم من ارض يقال لها خراسان برايات سود فلا يلقاهم احد الا هزموه وغلبوا على ما في ايديهم حتى تقرب راياتهم بيت المقدس» رواه ابو الشيخ في الفتن.
الحديث الستون عن تميم الداري قال قلت يا رسول الله ما رأيت للروم مدينة مثل مدينة يقال لها انطاكية وما رأيت اكثر مطرا منها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) «نعم وذلك ان فيها التوراة وعصا موسى ورضراض الالواح ومائدة سليمان بن داود في غاراتها ما من سحابة تشرف عليها من وجه من الوجوه الا أفرغت ما فيها من البركة في ذلك الوادي ولا تذهب الايام والليالي حتى يسكنها رجل من عترتي اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي يشبه خلقه خلقي يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» رواه الخطيب وابن حبان في الضعفاء وفيه عبد الله بن السري المدايني وهو ضعيف متروك الحادي والستون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يكون في آخر الزمان خليفة لا يفضل عليه ابو بكر ولا عمر» رواه ابن عدي في الكامل وفيه مؤمل بن عبد الرحمن

↑صفحة ٣٦٢↑

وهو ضعيف وزكريا الوقار وهو كذاب لكن ورد بسند صحيح موقوفا على محمد بن سيرين قال ابن ابي شيبة في المصنف حدثنا ابو اسامة عن عون عن محمد بن سيرين قال يكون في هذه الامة خليفة لا يفضل عليه ابو بكر ولا عمر وله طريق آخر اخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن من طريق ضمرة عن محمد بن سيرين قال السيوطي في اللآلئ وقد تكلمت عليه وعلى تأويله في كتاب المهتدي انتهى ولم نهتد لهذا المهتدي وتأويل الحديث ظاهر واضح.
الثاني والستون عن ابن عباس ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «اللهم انصر العباس وولد العباس ثلاثا يا عم اما علمت ان المهدي من ولدك موفقا رضيا ومرضيا» رواه الهيثم بن كليب وابن عساكر ورجاله ثقات.
الثالث والستون قال الدارقطني حدثنا ابو سعيد الاصطخري حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا نوفل حدثنا عبيد بن يعيش حدثنا يونس ابن بكير ثنا يحيى بن شمر عن جابر عن محمد بن علي قال ان لمهدينا آيتين لم تكونا منذ خلق السموات والارض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه ولم يكونا منذ خلق الله السموات والارض».
الرابع والستون عن عائشة قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «المهدي رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت انا على الوحي» رواه نعيم بن حماد.

↑صفحة ٣٦٣↑

الخامس والستون عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ليبعثن الله رجلا من عترتي افرق الثنايا اجلى الجبهة يملأ الارض عدلا ويفيض المال» رواه ابو نعيم في اخبار المهدي.
السادس والستون عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري اللون لون عربي والجسم اسرائيلي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته اهل السماء وأهل الارض والطير في الجو يملك عشرين سنة» رواه الروياني والطبراني وابو نعيم والديلمي.
السابع والستون عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يلتفت المهدي وقد نزل عيسى بن مريم (عليهما السلام) كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي له تقدم صلّ بالناس فيقول انما اقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدى» رواه الطبراني وأخرجه ابن حبان في صحيحه بنحوه وأصله في الصحيحين بدون ذكر المهدي وعند مسلم من حديث جابر «لا تزال طائفة من امتي يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض امراء تكرمة من الله لهذه الامة».
الثامن والستون عن علي (عليه السلام) قال اذا قام قائم اهل محمد صلي الله عليه وآله وسلم جمع الله له المشرق واهل المغرب

↑صفحة ٣٦٤↑

فيجتمعون كما يجتمع فزع الخريف فأما الرفقاء فمن اهل الكوفة واما الابدال فمن اهل الشام صح رواه ابن عساكر.
التاسع والستون عن علي الهلالي عن ابيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «اذا تظاهرت الفتن وأغار بعضكم بعضا يبعث الله المهدي يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم في آخر الزمان ويملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما» رواه محمد بن ابراهيم الحمو بني في فرائد السمطين.
الحديث السبعون عن مجاهد قال حدثني رجل من اصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية فاذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الارض فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس الى زوجها ليلة عرسها وهو يملأ الارض قسطا وعدلا وتخرج الارض نباتها وتمطر السماء قطرها وتنعم امتي في ولايته نعمة لا تنعمها قط رواه ابن ابي شيبة.
الحادي والسبعون عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه» رواه الطبراني والكجي وابو نعيم وغيرهم وحسن اسناده.
الثاني والسبعون عن ابي امامة قال خطبنا رسول الله صلى عليه وآله وسلم ذكر الدجال فقال «فينفى من المدينة الخبث كما

↑صفحة ٣٦٥↑

ينفي الكير خبث الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص قالت ام شريك يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وامامهم المهدي رجل صالح فبينما امامهم قد تقدم يصلي لهم الصبح اذ نزل عليه عيسى بن مريم فيرجع ذلك الامام القهقرى ليقدم عيسى فيضع عيسى (عليه السلام) يده بين كتفيه فيقول له تقدم فصل فإنها لك اقيمت فيصلي بهم امامهم رواه ابن ماجه وابن خزيمة والروياني وأبو عوانة والحاكم والضياء في المختارة وابو نعيم واللفظ له وليس عند بعضهم التصريح بذكر المهدي.
الثالث والسبعون عن حذيفة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «تكون وقعه بالزوراء قيل يا رسول الله وما الزوراء قال مدينة بالمشرق بين انهار يسكنها شرار خلق الله وجبابرة من امتي تقذف بأربعة اصناف من العذاب بالسيف وخسف وقذف ومسخ» وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «اذا خرجت السودان طلبت العرب فيكشفون حتى يلحقوا ببطن الارض او قال ببطن اردن فبينما هم كذلك اذ اخرج السفياني في ستين وثلاثمائة راكب حتى يأتي دمشق فلا يأتي عليه شهر حتى يتابعه من كلب ثلاثون ألفا فيبعث جيشه الى العراق فيقتل بالزوراء مائة ألف ويخرجون الى الكوفة فينتهبونها فعند ذلك تخرج راية من المشرق يقودها رجل من تميم يقال له شعيب بن صالح فيستنقذ ما في ايديهم من سبي اهل الكوفة ويقتلهم ويخرج جيش آخر من

↑صفحة ٣٦٦↑

جيش السفياني الى المدينة فينتهبونها ثلاثة ايام ثم يسيرون الى مكة حتى اذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل فيقول يا جبريل عذبهم فيضربهم برجله ضربة فيخسف الله بهم فلا يبقى منهم الا رجلان فيقدمان على السفياني ويخبرانه بخسف الجيش فلا يهوله ثم ان رجالا من قريش يهربون الى القسطنطينية فيبعث السفياني الى عظيم الروم ان يبعث بهم في المجامع فيبعث بهم اليه فيضرب اعناقهم على باب المدينة بدمشق قال حذيفة حتى انه يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في اليوم على مجالس حتى تأتي فخذ السفياني فتجلس عليه وهو في المحراب قاعد فيقدم مسلم من المسلمين فيقول ويلكم اكفرتم بعد ايمانكم ان هذا لا يحل فيقوم فيضرب عنقه في مسجد دمشق ويقتل كل من تابعه فعند ذلك ينادي مناد من السماء ايها الناس ان الله قد قطع عنكم الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير امة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فالحقوا به بمكة فانه المهدي واسمه احمد بن عبد الله قال حذيفة فقام عمران بن الحصين فقال يا رسول الله كيف بنا حتى نعرفه قال «هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني اسرائيل عليه عباتان قطونيتان كأن وجهه الكوكب في اللون في خده الايمن خال اسود ابن اربعين سنة يتخرج الابدال من الشام وأشباههم ويخرج اليه النجباء من مصر وعصائب اهل المشرق وأشباههم حتى يأتوا مكة فيبايع له بين الركن والمقام ثم يخرج متوجها الى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على ساقيه

↑صفحة ٣٦٧↑

فيفرح به اهل السماء وأهل الارض والطير والوحش والحيتان في البحر وتزيد المياه في دولته وتمد الانهار وتستخرج الكنوز فيقدم الشام فيذبح السفياني تحت الشجرة التي اغصانها الى بحيرة طبرية ويقتل كلبا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «فالخائب من خاب يوم كلب ولو بعقال: قال حذيفة يا رسول الله كيف يحل قتالهم وهم موحدون فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا حذيفة هم يومئذ على ردة يزعمون ان الخمر حلال ولا يصلون» رواه الروياني في مسنده.
الرابع والسبعون عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لا تزال طائفة من امتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي فيقال تقدم يا نبي الله فصل بنا فيقول هذه الامة امراء بعضهم على بعض» رواه ابو عمر والداني في سننه.
الخامس والسبعون عن ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «ملك الارض اربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان والكافران نمرود وبختنصر وسيملكها خامس من أهلي بيتي» رواه ابن الجوزي.
السادس والسبعون عن ابن عمر ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعه» رواه ابو نعيم وغيره.

↑صفحة ٣٦٨↑

السابع والسبعون عن الحسين بن علي (عليهما السلام) ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة «ابشري بالمهدي منك» رواه ابن عساكر وفيه موسى بن محمد البلقاوي عن الوليد بن محمد الموقري وهما كذابان.
الثامن والسبعون قال ابن ابي شيبة حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ابي محمد عن عاصم بن عمرو البجلي ان ابا امامة قال لينادين باسم رجل من السماء لا ينكره الدليل ولا يمنع منه الدليل.
التاسع والسبعون عن ابي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يحبس الروم على وال من عترتي اسمه يواطئ اسمي فيقبلون بمكان يقال له العماق فيقتتلون فيقتل من المسلمين الثلث او نحو ذلك ثم يقتتلون يوما آخر فيقتل من المسلمين نحو ذلك ثم يقتتلون اليوم الثالث فيكون على الروم فلا يزالون حتى يفتحوا القسطنطينية فبينما هم يقتسمون فيها بالأترسة اذ أتاهم صارخ ان الدجال قد خلفكم في ذراريكم» رواه الخطيب في المتفق والمفترق.
الحديث الثمانون عن سعيد بن جبير قال سمعنا ابن عباس ونحن نقول اثنا عشر اميرا ثم لا امير واثنا عشر اميرا ثم هي الساعة فقال ما احمقكم ان منا اهل البيت بعد ذلك المنصور والسفاح والمهدي يدفعها الى عيسى بن مريم رواه ابن عساكر.

↑صفحة ٣٦٩↑

الثاني والثمانون عن قتادة قال كان يقال ان المهدي ابن اربعين سنة رواه ابن عساكر ايضا.
الثالث والثمانون عن علي (عليه السلام) قال لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن.
الرابع والثمانون عنه ايضا قال لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضهم في وجه بعض رواه نعيم بن حماد ايضا.
الخامس والثمانون عنه ايضا قال تملأ الارض ظلما وجورا حتى يدخل كل بيت خوف وحزن يسألون الحق فلا يعطونه فيكون قتال لقتال ويسار بيسار حتى يحيط الله بهم في مصره ثم تملأ الارض قسطا وعدلا رواه ابن ابي شيبة.
السادس والثمانون عن ابن عباس قال اني لأرجو ان لا تذهب الايام والليالي حتى يبعث الله منا غلاما شابا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لم يلبس الفتن ولم تلبسه الفتن واني لأرجو ان يختم الله بنا هذا الامر كما فتحه بنا فقال له رجل يا ابن عباس عجزت عنها شيوخكم وترجوها لشبابكم قال ان الله يفعل ما يشاء رواه ابن عساكر.
السابع والثمانون عن علي (عليه السلام) قال اذا نادى مناد من السماء ان الحق في آل محمد فعند ذلك يظهر المهدي على افواه

↑صفحة ٣٧٠↑

الناس ويشربون حبه فلا يكون لهم ذكر غيره رواه نعيم بن حماد في الفتن وابن المنادي في الملاحم.
الثامن والثمانون عنه ايضا قال اذا خرجت خيل السفياني الى الكوفة بعث في طلب اهل خراسان ويخرج اهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب ابن صالح فيلتقي هو والسفياني بباب اصطخر فتكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه رواه نعيم بن حماد.
التاسع والثمانون عنه ايضا قال يبعث جيش الى المدينة فيأخذوا من قدروا عليه من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقتل من بني هاشم رجالا ونساء فعند ذلك يهرب المهدي والمبيض من المدينة الى مكة فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه رواه نعيم بن حماد.
الحديث التسعون عنه ايضا قال اذا بعث السفياني الى المهدي جيشا فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك اهل الشام قال طليعتهم قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته والا قتلناك فيرسل اليه البيعة ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل اليه الخزائن وتدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى تبنى المساجد بالقسطنطنية وما دونها ويخرج قبله رجل من اهل بيته بالمشرق ويحمل السيف على عاتقه ثمانية اشهر يقتل

↑صفحة ٣٧١↑

ويمثل ويتوجه الى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت رواه نعيم بن حماد الحادي والتسعون عنه ايضا قال المهدي مولده بالمدينة من اهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس كث اللحية اكحل العينين براق الثنايا في وجهه خال في كتفه علامة النبي يخرج براية النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا تنشر حتى يخرج المهدي يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم يبعث وهو ما بين الثلاثين الى الاربعين.
الثاني والتسعون عنه ايضا قال اذا خرجت الرايات السود الى السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويصلي ركعتين بعد ان ييأس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلاء فاذا فرغ من صلاته انصرف فقال ايها الناس الح البلاء بأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبأهل بيته خاصة قهرناه وبغى علينا رواه ابو نعيم في اخبار المهدي.
الثالث والتسعون عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه ودع البيت وقال والله ما ادري ادع خزائن البيت وما فيه من السلاح والمال أم اقسمه في سبيل الله فقال له علي بن ابي طالب امض يا امير المؤمنين فلست بصاحبه انما صاحبه منا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر الزمان رواه نعيم بن حماد.
الرابع والتسعون عن علي (عليه السلام) قال ويحا للطالقان فانه ليس فيها

↑صفحة ٣٧٢↑

لله كنوز البيت من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته وهم انصار المهدي آخر الزمان رواه ابو غنم الكوفي في كتاب الفتن.
الخامس والتسعون عنه ايضا قال يلي المهدي امر الناس ثلاثين سنة او اربعين سنة رواه نعيم بن حماد.
السادس والتسعون عنه ايضا قال ليخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حين تموت قلوب المؤمنين كما تموت الابدان لما لحقهم من الضر والشدة والجوع والقتل وتواتر الفتن والملاحم العظام واماتة السنن واحياء البدع وترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحيي الله بالمهدي محمد بن عبد الله السنن التي قد اميتت ويسير بعدله وبركته قلوب المؤمنين وتتألف اليه عصب من العجم وقبائل من العرب فيبقى على ذلك سنين ليست بالكثيرة ثم يموت رواه ابن المنادي في الملاحم.
السابع والتسعون عن ابن مسعود قال لا يأتي عليكم عام الا وهو شر من الذي قبله أما اني لست اعني عاما قال الحافظ يشير الى تخصيص هذا الخبر بأحاديث المهدي رواه الدارمي بإسناد حسن.
الثامن والتسعون عن ابي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي الحق بغير عدد» رواه ابن ابي شيبة.
التاسع والتسعون عنه ايضا قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

↑صفحة ٣٧٣↑

«يخرج رجل من اهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يكون عطاؤه حثيا» رواه ابن ابي شيبة.
الحديث الموفي ماية عن ابي الجلد قال تكون فتنة بعدها فتنة الا وفي الآخرة كثمرة السوط يتبعها ذباب السيف ثم يكون بعد ذلك فتنة تستحل فيها المحارم كلها ثم تأتي الخلافة خير اهل الارض وهو قاعد في بيته وهبها رواه ابن ابي شيبة ايضا.
ولنقتصر على هذا القدر من الوارد في المهدي فانه لا محالة مبطل لدعوى الطاعن من استقصائه اخباره وتتبعه آثاره والا فالأخبار في الباب كثيرة جدا ولو جمع منها الوارد عن خصوص ائمة اهل البيت لكان مجلدا حافلا وانما تركناه خوفا من التطويل المفضي الى الملل مع حصول المقصود بالقدر المذكور والله الموفق لا إله غيره.
(فصل) وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد الا القليل او الاقل منه
ثم قال وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد الا القليل او الاقل منه انتهى
قلت وقد عرفت استنقاذنا لها بالحق من نقده بالباطل وان نقده لم يبق موجها الا في القليل او الاقل منه عكس ما قال وعلى فرض تسليم دعواه وانه لم يسلم منها الا القليل او الاقل منه فما الشبهة عنده في دفع ذلك القليل وما الاعتذار عن عدم قبول ذلك الاقل الذي اعترف بصحته وأقر بخلاصه من النقد وسلامته أيرى فيما يذهب إليه انه لا يعمل بمقتضي وارد الا اذا اشتهر أو

↑صفحة ٣٧٤↑

تواتر كلا انه لا يرى هذا ولا رآه احد قبله ولا بعده وانما هو عناد ظاهر واختفاء عن الحق واضح وتكبر عن الاذعان لما لم يوافق الهوى والمزاج فكم رأيناه يحتج بأحاديث افراد ليس لها الا مخرج واحد وفي ذلك المخرج ايضا مقال نعم تلك لا ضرر فيها على الناصبية وهذه الأحاديث المتواترة غير موافقة اصول مذهب النواصب والخوارج فلذلك انتقد منها ما وجد له سبيلا ولو في غير محله ورأى ان ما صح منها ولم يبلغ حد التواتر على شرطه لا يعمل به في مثل هذا الباب وان تواتر على طريقة الجمهور هذا ظاهر كلامه بل صريح صنيعه افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب الكبر بطر الحق وغمط الناس ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
(فصل) في حديث (لا مهدي الا عيسى بن مريم)
ثم قال الطاعن وربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي عن ابان بن صالح عن الحسن البصري عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال «لا مهدي الا عيسى بن مريم» وقال يحيى بن معين في محمد بن خالد الجندي انه ثقة وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد وقال الحاكم فيه انه رجل مجهول واختلف عليه في اسناده فمرة يروي كما تقدم وينسب ذلك

↑صفحة ٣٧٥↑

لمحمد بن ادريس الشافعي ومرة يروي عن ابان بن ابي عياش عن الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلا قال البيهقي فرجع الى رواية محمد بن خالد وهو مجهول عن ابان بن ابي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو منقطع وبالجملة فالحديث ضعيف مضطرب الى هنا كلام الطاعن.
وأقول ان هذا الحديث ليس بضعيف كما يقول الطاعن وان اقتصر على ذلك غيره بل هو باطل موضوع مختلق مصنوع لا اصل له من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا من كلام انس ولا من كلام الحسن البصري وبيان ذلك وايضاحه من وجوه:
الوجه الاول الحديث اخرجه ابن منده في فوائده والقضاعي في مسند الشهاب كلاهما من طريق ابي علي الحسن بن يوسف الطرائفي وأبي الطاهر احمد بن محمد بن عمرو المديني وأخرجه ابو يوسف الميانجي من طريق ابن خزيمة وابن ابي حاتم وزكريا الساجي وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عيسى بن زيد بن عيسى ابن عبد الله بن مسلم بن عبد بن محمد بن عقيل بن ابي طالب واخرجه ابن ماجه في سننه كلهم قالوا حدثنا يونس بن عبد الاعلى الصدفي حدثنا محمد بن ادريس الشافعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن ابان بن صالح عن الحسن عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال «لا يزداد الامر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا

↑صفحة ٣٧٦↑

مهدي إلّا عيسى بن مريم» وفي رواية الحاكم ولا الدين بدل الدنيا وقال الحاكم بعد اخراجه انما اخرجت هذا الحديث تعجبا لا محتجا به في المستدرك على الشيخين رضي الله عنهما فان اولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من ائمة المسلمين عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال «لا تذهب الليالي حتى يملك رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما».
الوجه الثاني قد عرفت ان محمد بن خالد الجندي انفرد به وقد قال ابو حاتم انه مجهول وكذا قال الحاكم وأبو الحسين الآبري وابن الصلاح في اماليه وقال ابن عبد البر انه متروك وقال الازدي منكر الحديث واقول انه كذاب وضاع وما نقله الطاعن عن ابن معين من انه وثقه فهو مما ردوه على ابن معين ولم يقبلوه منه وقال الآبري وانه وثقه يحيى فهو غير معروف عند اهل الصناعة من اهل العلم والنقل وقد اختلفوا في اسناد حديثه هذا اهـ وما قدمه الطاعن اول كلامه على الاحاديث السابقة ممن ان الجرح مقدم على التعديل فهو مقدم في مثل هذا لأن من جرحه ذكر سبب جرحه وهو مخالفته للثقات وانفراده بما عارض القطعي مع جهالته ولم يأت

↑صفحة ٣٧٧↑

ابن معين مع انفراده بتوثيقه بما يثبت عدالته ولا بما يرفع جهالته فقول من جرحه مقدم على جميع الاقوال.
الوجه الثالث قد ظهر كذبه واتضح افكه بورود الحديث مجردا عن الزيادة المنكرة من غير طريقه فأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الصغير كلاهما من طريق مبارك بن سحيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن انس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لن يزداد الزمان الا شدة ولا يزداد الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس» هذا لفظ الحديث لم تذكر فيه تلك الزيادة الشاذة الباطلة فدل على انها من صنع محمد بن خالد الجندي وتلك عادته فقد زاد ايضا زيادة باطلة في حديث صحيح متفق عليه وذلك مما يدل على القطع بكذبه فقد ذكر ابن عبد البر في ترجمة يزيد بن عبد الهاد من التمهيد ان محمد بن خالد الجندي هذا روى عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا تعمل الرحال الى اربعة مساجد مسجد الحرام ومسجدي ومسجد الاقصى ومسجد الجند ثم قال ابن عبد البر محمد بن خالد متروك والحديث لا يثبت انتهى يعني بهذه الزيادة التي زادها محمد ابن خالد الجندي من اعمال الرحلة الى مسجد بلده الجند.
الوجه الرابع مما يدل على كذبه ايضا وآفة الكذب النسيان الاختلاف عليه في هذا الحديث واضطرابه فيه فتارة رواه عن ابان ابن صالح عن الحسن عن انس كما تقدم وتارة جعله عن ابان بن

↑صفحة ٣٧٨↑

عياش عن الحسن مرسلا قال البيهقي قال ابو عبد الله الحاكم محمد ابن خالد الجندي مجهول واختلفوا عليه في اسناده فرواه صامت بن معاذ قال حدثنا محمد بن خالد فذكره بالسند المتقدم قال صامت عدلت الى الجند مسيرة يومين من صنعاء فدخلت على محدث لهم فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن ابان بن عياش عن الحسن مرسلا قال البيهقي فرجع الحديث الى محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن ابان بن عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو منقطع قال والاحاديث في التنصيص على خروج المهدي اصح البتة.
الوجه الخامس على فرض وجود مرجح للرواية الاولى وهو كونه من رواية أبان بن صالح عن الحسن فهو منقطع ايضا لأن ابان بن صالح لم يسمع من الحسن البصري كما قال ابن الصلاح في أماليه.
الوجه السادس فيه الانقطاع ايضا بين يونس بن عبد الاعلى والشافعي قال الذهبي في ترجمة الجندي من الميزان حديثه لا مهدي الا عيسى وهو حديث منكر اخرجه ابن ماجه ووقع لنا موافقة من حديث يونس بن عبد الأعلى وهو ثقة تفرد به عن الشافعي فقال في روايتنا عن هكذا بلفظ عن الشافعي وقال في جزء عتيق بمرة عندي من حديث يونس بن عبد الأعلى قال حدثت عن الشافعي فهو على هذا منقطع على ان جماعة رووه عن يونس قال حدثنا الشافعي والصحيح انه لم يسمعه منه انتهى قلت وقد طعن الناس

↑صفحة ٣٧٩↑

في يونس بن عبد الأعلى مع كونه ثقة من رجال مسلم بسبب انفراده بهذا الحديث عن الشافعي فأورده الذهبي في الضعفاء وقال وثقه ابو حاتم وغيره ونعتوه بالحفظ الا انه تفرد عن الشافعي بذاك الحديث لا مهدي الا عيسى بن مريم وهو منكر جدا انتهى وقال ايضا في تذكرة الحفاظ بعد نقل توثيقه قلت له حديث منكر عن الشافعي ثم ساقه بإسناده وقال الحافظ في التهذيب قال مسلمة بن القاسم كان يونس بن عبد الأعلى حافظا وقد انكروا عليه تفرده بروايته عن الشافعي حديث لا مهدي الا عيسى وذكر المزي في التهذيب عن بعضهم انه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب علي يونس بن عبد الاعلى ليس هذا من حديثي.
الوجه السابع مما يدل على بطلان هذا الخبر معارضته للمتواتر المفيد للقطع فقد قرر علماء الاصول ان من شرط قبول الخبر عدم مخالفته للنص القطعي على وجه لا يمكن الجمع بينهما بحال وقد ذكروا للجمع بين هذا الخبر وبين احاديث المهدي اوجها ذكر بعضها الطاعن وبعضها غيره كالقرطبي في التذكرة والابي في شرح مسلم وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة وصاحب ينابيع المودة وغيرهم وكلها بعيدة ولا حاجة تلجئ اليها مع بطلان الخبر اذ لا تعارض بين متواتر وباطل.
الوجه الثامن مما يوجب القطع ببطلانه ايضا كون ذكر المهدي وخبره لم يرد الا من جهة الشارع فكيف يخبر بأمر انه سيقع وهو

↑صفحة ٣٨٠↑

الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ثم ينفيه والاخبار لا يتصور وقوعها على خلاف ما اخبر به الصادق ونفي المهدي يلزم منه وقوع الخبر على خلاف ما اخبر به اولا من وجوده واللازم باطل وهذا مما قرروا به ان النسخ لا يدخل الاخبار التي هي من هذا القبيل وهذا متفق عليه بين علماء الاصول قال الزركشي ان كان مدلول الخبر مما لا يمكن تغيره بأن لا يقع الا على وجه واحد كصفات الله تعالى وخبر ما كان من الانبياء والامم وما يكون من الساعة وآياتها كخروج الدجال فلا يجوز نسخه بالاتفاق كما قاله ابو اسحاق المروزي وابن برهان في الاوسط لأنه يفضي الى الكذب انتهى والعجب ممن اورد هذا الحديث من العلماء وأجاب عنه بأنواع من طرق الجمع بين مختلف الآثار كيف خفي عليه بطلانه من جهة ما قررناه ان خفي عليه ذلك من جهة الاسناد وما فيه من العلل الظاهرة والخفية فان العقل قاطع ببطلانه كما عرفت مما قررناه لك وقد تكلمنا على هذا الخبر بما لم يتكلم فيه احد بمثله ولا تجده كذلك في كتاب وسبق منا بيان حاله في تخريجنا الأحاديث الشهاب والله الموفق لا رب غيره.
وقد نقل الطاعن كلام بعض الصوفية في المهدي واخبارهم به من طريق الكشف المؤيد بالكتاب والسنة وطعن في جميع ذلك ونسب اليهم ما هم برآء منه من اختلاق ألفاظ وابتداع اشياء لا دليل عليها من الكتاب والسنة والقول بوحدة الوجود التي لم يفهم معناها وغير ذلك مما لم يعرف اصله من السنة او تغافل عن

↑صفحة ٣٨١↑

معرفته كإنكاره وجود الابدال الوارد خبرهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطريق التواتر الموجب للإيمان بوجودهم كالإيمان بوجود المهدي ولعلنا نفرد لرد كلامه في ذلك كتابا مستقلا فيما بعد ان شاء الله تعالى وبالله التوفيق.
١٤ ١١ اليهدي المبدي
١٦ ٥ الامة الكافة
١٧ ١٠ واشتهر أو اشتهر
٢٠ ٨ ذكره دكر
٢٠ ١٠ والحافظان الحافظان
٢٢ ٨ أبي لابي
٢٥ ١١ المعلى المعلى
٢٧ ٥ بالعزو فالعزو
٢٧ ٥ فعلم معلم
٣١ ٢ فمن ممن
٣١ ١٧ له لم
٣٧ ٧ حفظه حفظ
٣٩ ٣ الفافاء الغافاء
٤١ ١٢ المفيدة المقيدة
٤١ ١٨ الحديث حديث
٤٢ ٨ بتكفير فتكفر
٤٩ ١٠ ومغن ومغن عن
٤٩ ١٣ خير ضير
٥٢ ٤ قول لقول
٥٢ ٤ كان كان وهب
٥٢ ١٢ فأقدم فأقوم
٥٥ ٥ أهل أصل
٥٨ ٥ فذكره نذكره
٦٣ ٨ فيهما فيها
٦٤ ٥ ولغة دلقة
٧٢ ١ من مع
٧٣ ٦ العباس العباسي
٧٣ ١٢ الله اليه
٧٦ ٣ أهل أصل
٧٨ ١٦ لخطيئة لخطئه
٧٩ ٨ زال رآه
٨٠ ١٩ سيف فمال سنين قال
٨١ ٦ واه وان
٨٥ ١٧ المستدرك تلخيص المستدرك
٩٢ ١٥ ببيعة بيعة
٩٤ ٥ ويترك وينزل
٩٤ ١١ الواصل ابو الواصل
١٢٩ ١٦ على عن
١٣١ ١١ يشترك يترك
١٣٢ ١٣ رايات الرايات
١٣٣ ١٤ عباس عباسي
١٣٥ ٤ دخل دخن
١٣٩ ١١ خبته صبته
١٤٣ ٢ صح.
١٤٥ ٩ فيقدم فيقوم
١٥٤ ١٠ والقطاعي والقضاعي

↑صفحة ٣٨٢↑

حول المهدي الأستاذ الشيخ ناصر الدين الألباني المعاصر

من كتاب المعروفين المساهمين في نشر مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق وله مؤلفات ومقالات حول المواضيع المختلفة ومقالة تحت عنوان «حول المهدي» هو جواب عن سؤال لبعض قرار مجلة التمدن الاسلامي المفتشة - سابقا - في دمشق عن «المهدي المنتظر» فأدرجناه في هذه المجموعة لمناسبتها مع موضوع الكتاب وأخذناه من الرقم ٢٢ ص ٦٤٣ من المجلة.

↑صفحة ٣٨٣↑

هوية الكتاب
رئيس التحرير احمد مظهر العظمة المدير المسئول محمّد بن كمال الخطيب امين السرّ محمود مهدي
الادارة رقم المشاركة الهاتف ١٥١١٠ قيمة الاشتراك ٨ ليرات في سورية ولبنان جنيه أو دينار خارجهما ٢٥ ليرة سورية للدوائر الرسمية في سورية ٥٠ لسواها سنة المجلة ٤٠ جزءا الاعلانات يتفق عليها
قال الله تعالى:
﴿اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ واَلْمَوْعِظَةِ اَلْحَسَنَةِ وجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...﴾
السنة ٢٢
التمدّن الإسلامي
ذي القعدة ١٣٢٥
مجلة اسلامية علمية اجتماعية ثقافية
تصدرها ٤٠ جزءا في امام التمدّن الإسلامي دمشق - الدر.

↑صفحة ٣٨٥↑

كلمات الجزأين ٢٧ و٢٨ ٦٠١ التفسير: دعوة إلى التقوى وتذكير بموجباتها
للأستاذ أحمد مظهر العظمة
٦٠٥ السنة: الأحاديث الضعيفة والموضوعة للأستاذ الشيخ ناصر الألباني
٦١١ بحوث منوعة: من مذكراتي في الحج للأستاذ محمود مهدي
٦١٩ حول الاجتهاد والتقليد للأستاذ محمد بن كمال الخطيب
٦٢٦ من هو اليهودي... للأستاذ الشيخ علي الزعبي
٦٢٨ التكبير في العيدين...
٦٢٩ العلم الروحي الحديث والدين للأستاذ محمد عادل القلقيلي
٦٣٢ نقود إسلامية كوفية تكتشف في السويد وغيرها...
٦٣٣ صرخة الضمير، للتبشير والتحذير قصيدة للأستاذ مزيد الخطيب
٦٣٦ الكتب:
١ - من وحي رمضان. ٢ - مستقبلك في يدك.
٣ - في حب الله ورسوله. ٤ - قطاف العناقيد ٥ - المقنع.
٦ - الفن الذي يحتاجه الشعب. ٧ - في ظلال الدعوة.
للأستاذ أحمد مظهر العظمة
٦٤٠ ٨ - الدعوة المحمدية للصراط المستقيم في حلب.
٩ - الخدمات الاجتماعية في العراق للأستاذ محمد بن كمال الخطيب
٦٤١ تصويب...
٦٤٢ من القراء وإليهم: ١) حول المهدي للأستاذ الشيخ ناصر الألباني
٢) براءة من القاديانية......... قلم المجلة
٦٤٧ الفتاوى: ١) المسيح كلمة وروح، ٢) حقوق العباد، الحقوق المادية ٣) المصارف الزراعية والربا ٤) الرحمة...
للأستاذ محمد بن كمال الخطيب

↑صفحة ٣٨٦↑

من القرّاء واليهم
١ - حول المهدي:
كتب بعض القراء الأفاضل إلى هذه المجلة يقول:
«قرأت في الأجزاء (٨، ٩، ١٠) بحثا قيما عن المهدي كتبه الأستاذ ناصر الدين الألباني في باب «الأحاديث الضعيفة والموضوعة» وقد كنا قررنا واعتقدنا قبلا ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره «المنار» (٩ - ٤٩٩ - ٥٠٤) وكذلك ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله السمان في كتابه «الاسلام المصفى» وانني متيقن بأن الأستاذ ناصر الدين له علم بما كتباه فلذلك أرجو الأستاذ أن يطالع ما كتباه مرة ثانية ويكتب في المهدي مقالا ضافيا فإن فيما كتباه ما يخالف ما كتبه الأستاذ ناصر الدين تمام المخالفة(٥٠).
أقول في الجواب عن ذلك نعم لقد كنت على علم بما كتبه الشيخ رشيد رحمه الله وكذا بما كتبه الأستاذ السمان في كتابه الذي أسماه «الاسلام المصفى» !و أنا أجزم بخطأ ما كتباه في هذه المسألة لا سيما الأخير فإنه لا علم عنده، ولذلك أنكر مسائل أخرى هي أقوى ثبوتا من هذه المسألة مثل خروج الدجال ونزول عيسى (عليه السلام) وشفاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة فإن هذه المسائل الثلاث أدلة ثبوتها مقطوع بها لورود الأحاديث المتواترة بتأبيدها، ومع ذلك لم يتورع حضرة الأستاذ السمان من انكارها! وقد سبقه إلى شيء من ذلك السيد رشيد رحمه الله فإنه طعن في أحاديث الدجال ونزول عيسى (عليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٠) التمدن الاسلامي: نشرنا في الجزأين ٣٥ و٣٦ من المجلد ١٦ كلمة للعلامة الأستاذ محمد الخضر حسين (شيخ الأزهر السابق) بعنوان نظرة في أحاديث المهدي ختمها بقوله:
والخلاصة ان في أحاديث المهدي ما يعد في الحديث الصحيح... وأشار إلى أنه ليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل.

↑صفحة ٣٨٧↑

السلام) مع أنها أحاديث صحيحة متواتره كما صرح بذلك علماء هذا الشأن كالحافظ ابن حجر وغيره ولا مجال الآن لبيان ذلك فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.
أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة، وأنا مورد هنا أمثلة منها ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها فأقول:
الحديث الأول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا:
(لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض فسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) رواه أبو داود (٢/٢٠٧) والترمذي وأحمد والطبراني في الكبير والصغير وأبو نعيم في «الحلية» والخطيب في «تاريخ بغداد» من طرق عن زر بن حبيش عن ابن مسعود. وقال الترمذي: «حسن صحيح» والذهبي: «صحيح» وهو كما قالوا.
وله طريق آخر عند ابن ماجه (٢/٥١٧) عن علقمة عن ابن مسعود به نحوه.
وسنده حسن.
الحديث الثاني: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا نحوه، وله عنه طريقان.
أخرج الأول أبو داود وأحمد، وإسناده صحيح، وأخرج الآخر ابن ماجه وأحمد واسناده حسن.
الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وله طريقان أيضا، الأول أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم وأحمد وحسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وأخرج الطريق الثاني أبو داود والحاكم وصححه وسنده حسن.
الرابع: عن أم سلمة وقد ذكرت لفظه وتخريجه عند الكلام على الحديث الثمانين من المقال العاشر من «الأحاديث الضعيفة».
وبقية الطرق قد ذكرها العلماء في كتب خاصة فيراجعها من أراد زيادة الاطلاع(٥١) وقد قال صديق حسن خان في «الإذاعة».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥١) مثل: «العرف الوردي في أخبار المهدي» للسيوطي، و«الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة» لصديق خان ونحوها.

↑صفحة ٣٨٨↑

«الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياته كثيرة جدا تبلغ حد التواتر وهى في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد، وقد أضجع القول فيها ابن خلدون في كتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر» حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة وتكلم فيها المنكرون لذلك وعارضوها ببعض الأخبار، وللمنكرين فيها من المطاعن، فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الإسناد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها. إلى آخر ما قال، وليس كما ينبغي فإن الحق الاحق بالاتباع، والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع ان المعتبر في الرواة ورجال الأحاديث أمران لا ثالث لهما الضبط والصدق دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك» ثم قال صديق خان:
«وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الاسلام على مر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره.
وان عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال، ويأتم بالمهدى في صلاته إلى غير ذلك، وأحاديث الدجال وعيسى أيضا بلغت مبلغ التواتر ولا مساغ لإنكارها كما بين ذلك القاضي العلامة الشوكاني رحمه الله في «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح»، قال (يعني الشوكاني): «والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها:
خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة أيضا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. انتهى. وقد جمع السيد العلامة محمد بن اسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي وأنه من آل محمد (صلى الله عليه وسلم) وانه يظهر في آخر الزمان ثم قال: ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال. انتهى».
شبهات حول أحاديث المهدي: هذا ثم ان السيد رشيد أو غيره لم يتتبعوا ما ورد في

↑صفحة ٣٨٩↑

المهدي من الأحاديث حديثا حديثا، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد، ولو فعلوا لوجدوا فيها ما تقوم به الحجة حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض انها لا تثبت إلا بحديث متواتر! ومما يدلك على ذلك أن السيد رشيد رحمه الله ادعى أن أسانيدها لا تخلو عن شيعي! مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع، على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق والضبط، وأما الخلاف المذهبي فلا يشترط في ذلك كما هو مقرر في مصطلح علم الحديث ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة وغيرهم من الفرق المخالفة واحتجا بأحاديث هذا النوع.
وقد أعلها السيد بعلة أخرى وهي التعارض! وهذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة النبوت، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل، وقد أوردت بعض الأمثلة على ذلك في المقال الذي سبقت الإشارة إليه فليراجعه من شاء.
وقد يعلّ بعض الناس هذه الأحاديث وكذا أحاديث نزول عيسى (عليه السلام) بعلة أخرى وهى انها كانت - بزعمهم - سببا لحمل المسلمين على الاتكال عليها وانتظار خروج المهدي ونزول عيسى (عليهما السلام)، وعلى ترك الأخذ بأسباب الحياة والقوة والمنعة. ويظنون أن معالجة هذه المشكلة إنما هي بإنكار أحاديثهما! وهذا خطأ يشبه معالجة المعتزلة للآيات المتشابهات، والأحاديث التي في معناها، فإنهم اشتهروا بتأويلهم للآيات وردهم للأحاديث الصحيحة التي من هذا القبيل حرصا منهم - كما زعموا - على التنزيه ودفعا للتشبيه! وأما أهل السنة فكانوا يؤمنون بهذه الآيات والأحاديث على ظاهرها، ولا يفهمون من ذلك تشبيها أو ما لا يليق بالله تعالى.
وكذلك القول في أحاديث المهدي فإنه ليس فيها ما يدل بل ما يشير أدنى إشارة إلى أن المسلمين لا نهضة لهم ولا عز قبل خروج المهدي، فإذا وجد في بعض جهلة المسلمين من يفهم ذلك منها، فطريق معالجة جهله أن يعلم ويفهم أن فهمه خطأ لا أن نرد الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه إياها!
ومن شبهات بعض الناس أن عقيدة المهدي قد استغلها بعض الدجالين فادّعوا المهدوية

↑صفحة ٣٩٠↑

لأنفسهم وشقوا بسبب ذلك صفوف المسلمين وفرقوا بينهم. ويضربون على ذلك الأمثلة الكثيرة آخرها غلام أحمد القادياني دجال الهند. ونحن نقول إن هذه الشبهة من أضعف الشبهات وفي رأيي أن حكايتها تغني عن ردها إذ أن من المسلم به ان كثيرا من الأمور الحقة يستغلها من ليس أهلا لها، فالعلم مثلا يدعيه بعض الأدعياء وهو في الواقع من الجهلاء، فهل يليق بعاقل أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال؟!بل ان بعض الناس فيما مضى ادعى الألوهية فهل طريقة الرد عليه وبيان كذبه يكون بإنكار الألوهية الحقة؟!
ومثال آخر: يفهم بعض المسلمين اليوم من عقيدة «القضاء والقدر» الجبر وأن الانسان الذي قدر عليه الشر مجبر على ارتكابه، وأنه لا اختيار له فيه، وقع في هذا الفهم الخاطئ غير قليل من أهل العلم، ونحن مع جماهير العلماء الذين لا يشكون في صحة عقيدة القضاء والقدر وأنها لا تستلزم الجبر مطلقا، فإذا أردنا أن نصحح ذلك الفهم الخاطئ الملصق بهذه العقيدة الحقة أفيكون طريق ذلك بإنكارها مطلقا كما فعل المعتزلة قديما وبعض أذنابهم حديثا؟!أم السبيل الحق الاعتراف بها لأنها ثابتة في الشرع ودفع فهم الجبر منها؟ لا شك أن هذا السبيل هو الصواب الذي لا يخالف فيه مسلم البتة، فكذلك فلتعالج عقيدة المهدي، فؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، ونبعد عنها ما ألصق بها بسبب أحاديث ضعيفة واهية خبيثة وبذلك نكون قد جمعنا بين اثبات ما ورد به الشرع والإذعان لما يعترف به العقل السليم.
وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلى الله عليه وسلم) يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى: ﴿الم. ذَلِكَ اَلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾. وإن انكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة.
٢ - براءة من القاديانية:
نشرنا مقالا اقتصاديا عربه السيد علي محمد السرطاوي (الفلسطيني المقيم في بغداد) وأشرنا بأنه معروف بنزعته القاديانية فأرسل كتابا وأكده بعد يقول فيه: «والواقع أنني ليست لي نزعة قاديانية مطلقا» ونحن - مع تحذيرنا من الدعاة في مواقف يستترون فيها - نهنئه بهذه البراءة ونسأل الله لنا وله أكمل الهداية.

↑صفحة ٣٩١↑

عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر:

الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد عضو هيئة التدريس في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة المعاصر
هذه الرسالة كانت محاضرة للمؤلف ألقاها في الجامعة المدنية، وذيلها للشيخ عبد العزيز بن باذ رئيس الجامعة الاسلامية في الوقت.
نشرتها كما ترى مع ذيلها مجلة الجامعة في العدد الثالث السنة الأولى ذو القعدة ١٣٨٨ هـ.

↑صفحة ٣٩٣↑

هوية الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم مجلة الجامعة الإسلاميّة ذو القعدة العدد الثالث شباط
١٣٨٨ هـ السنة الأولى ١٩٦٩ م

↑صفحة ٣٩٥↑

عقيدة اهل السنة والاثر في المهدي المنتظر
للشيخ عبد المحسن العباد المدرس في الجامعة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وماكنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله، نحمد الله على نعمه ونسأله المزيد من فضله وكرمه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ارسل رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. وقال مخاطبا له: وانك لتهدى الى صراط مستقيم. واشهد ان محمدا عبده ورسوله وخليله وخيرته من خلقه، بعثه الله الى الناس كافة بين يدى الساعة بشير ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا، أتم الله به خبرا وأمرا فأحكامه عدل واخباره صدق، لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى...
أخبر أمته عن الامم الماضية بأخبار لا بد في الايمان من التصديق بها وانها وقعت وفق خبره صلى الله وسلم وبذلك كانوا شهداء على الناس كما اخبر عن امور مستقبلة لا بد من التصديق بها واعتقاد انها ستقع على وفق ما جاء عنه (صلى الله عليه وسلم)، وما من شيء يقرب الى الله الا وقد دل الامة عليه ورغبها فيه، وما من شر الا حذرها منه، فصلوات الله وسلامه الأتم الأكمل عليه وعلى آله واصحابه الذين شرفهم الله بصحبته واكرم أبصارهم في هذه الحياة الدنيا بالنظر الى طلعته وأتم عليهم النعمة بأن جعلهم حملة سنته وعلى من حذا حذوهم وسار على نهجهم الى يوم الدين.
أما بعد: فلما كان من بين الامور المستقبلة التي تجرى في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء خروج رجل من أهل بيت النبوة من واد الحسن بن على بن ابى طالب رضي الله عنه يوافق اسمه اسم الرسول (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٣٩٦↑

واسم ابيه اسم ابيه ويقال له المهدي (التكملة صفحه ٣٩٩) يتولى امرة المسلمين ويصلى عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) خلفه وذلك لدلالة الاحاديث الكثيرة المستفيضة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي تلقتها الامة بالقبول واعتقدت موجبها الا من شذ رأيت ان يكون الكلام حول هذا الامر موضوع محاضرتي وذلك لأمرين:
الاول: - ان الاحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل بل جاءت مجملة. وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما فقد يظن ظان ان ذلك يقل من شأنها وذلك خطأ واضح فالصحيح بل والحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند اهل الحديث.
الثاني: - ان بعض الكتاب في هذا العصر اقدم على الطعن في الاحاديث الواردة في المهدي بغير علم بل بجهل او بالتقليد لاحد لم يكن من اهل العناية بالحديث وقد اطلعت على تعليق لعبد الرحمن محمد عثمان على كتاب تحفة الاحوذي الذي طبع اخيرا في مصر قال في الجزء السادس في باب ما جاء في الخلفاء، قال في تعليقه: يرى الكثيرون من العلماء ان كل ما ورد من احاديث عن المهدي انما هي موضع شك وانها لا تصح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل انها من وضع الشيعة، انتهى. وقال معلقا بشأن المهدي في باب ما جاء في تقارب الزمن وقصر الامل في الجزء المذكور:
ويرى الكثيرون من العلماء الثقات الاثبات ان ما ورد من احاديث خاصة بالمهدي ليست الا من وضع الباطنية والشيعة واضرابهم وانها لا تصح نسبتها الى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، انتهى. بل لقد تجرأ بعضهم الى ما هو اكثر من ذلك فنجد محى الدين عبد الحميد يقول في تعليقه على الحاوي للفتاوى للسيوطي، يقول في آخر جزء في العرف الوردي في أخبار المهدي ص ١٦٦ من الجزء الثاني: - يرى بعض الباحثين ان كل ما ورد عن المهدي وعن الدجال من الاسرائيليات، انتهى. واخطر من ذلك واطم تعليق ابو رية رئيس بعثة الازهر في لبنان في العام الماضي على كتاب النهاية لابن كثير بما معناه ان ما جاء من الاحاديث في شأن المهدي ونزول عيسى بن مريم والدجال انما هو رمز لانتصار الحق على الباطل.
لهذين الامرين ولكون الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه أن لا يتردد في تصديق الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يخبر به رأيت أن يكون الكلام حول هذا الامر موضوع محاضرتي كما قلت وقد جعلت عنوانها عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر..
ولكي تكون ايها المستمع على علم مقدما بعناصر المحاضرة أسوقها لك فيما يلى:

↑صفحة ٣٩٧↑

الاول: ذكر اسماء الصحابة الذين رووا احاديث المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
الثاني: - ذكر اسماء الائمة الذين خرجوا الاحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.
الثالث: - ذكر الذين افردوا مسألة المهدي بالتأليف من العلماء.
الرابع: - ذكر الذين حكوا تواتر احاديث المهدي وحكاية كلامهم في ذلك.
الخامس: - ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث التي لها تعلق بشأن المهدى.
السادس: - ذكر بعض الاحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين مع الكلام عن اسانيد بعضها.
السابع: - ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.
الثامن: - ذكر من وقفت عليه ممن حكى عنه انكار احاديث المهدي او التردد فيها مع مناقشة كلامه باختصار.
التاسع: - ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الاحاديث الواردة في المهدي والجواب عن ذلك.
العاشر: - كلمة ختامية.
أسماء الصحابة الذين رووا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) احاديث المهدى:
جملة ما وقفت عليه من اسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ستة وعشرون هم:
١ - عثمان بن عفان رضي الله عنه.
٢ - على بن ابى طالب رضي الله عنه.
٣ - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
٤ - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
٥ - الحسين بن على رضي الله عنه.
٦ - أم سلمة رضي الله عنها.
٧ - أم حبيبة رضي الله عنها.
٨ - عبد الله بن عباس رضي الله عنه.
٩ - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
١٠ - عبد الله بن عمر رضي الله عنه
١١ - عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
١٢ - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
١٣ - جابر بن عبد الله رضي الله عنه
١٤ - ابو هريرة رضي الله عنه.
١٥ - أنس بن مالك رضي الله عنه
١٦ - عمار بن ياسر رضي الله عنه
١٧ - عوف بن مالك رضي الله عنه
١٨ - ثوبان مولى رسول الله رضي الله عنه.
١٩ - قرة بن اياس رضي الله عنه.
٢٠ - على الهلالي رضي الله عنه.
٢١ - حذيفة بن اليمان رضي الله عنه
٢٢ - عبد الله بن الحارث بن حمزة رضي الله عنه.
٢٣ - عوف بن مالك رضي الله عنه
٢٤ - عمران بن حصين رضي الله عنه
٢٥ - ابو الطفيل رضي الله عنه.
٢٦ - جابر الصدفي رضي الله عنه

↑صفحة ٣٩٨↑

أسماء الائمة الذين خرجوا الاحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم:
واحاديث المهدي خرجها جماعة كثيرون من الائمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها قد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم أو اطلعت على ذكر تخريجهم لها ثمانية وثلاثين هم:
١ - أبو داود في سننه
٢ - الترمذي في جامعه.
٣ - ابن ماجه في سننه
٤ - النسائي ذكره السفاريني في لوامع الانوار لبهية والمناوي في فيض القدير وما رأيته في الصغرى ولعله في الكبرى.
٥ - احمد في مسنده.
٦ - ابن حبان في صحيحه.
٧ - الحاكم في المستدرك.
٨ - أبو بكر بن ابي شيبة في المصنف
٩ - نعيم بن حماد في كتاب الفتن
١٠ - الحافظ ابو نعيم في كتاب المهدي وفي الحلية
١١ - الطبراني في الكبير والاوسط والصغير.
١٢ - الدارقطني في الافراد
١٣ - البارودي في معرفة الصحابة
١٤ - ابو يعلى الموصلي في مسنده
١٥ - البزار في مسنده.
١٦ - الحارث بن ابى اسامة في مسنده.
١٧ - الخطيب في تلخيص المتشابه وفي المتفق والمفترق
١٨ - ابن عساكر في تاريخه
١٩ - ابن منده في تاريخ اصبهان
٢٠ - ابو الحسن الحربى في الاول من الحربيات
٢١ - تمام الرازي في فوائده.
٢٢ - ابن جرير في تهذيب الآثار
٢٣ - ابو بكر بن المقري في معجمه
٢٤ - ابو عمرو الداني في سننه
٢٥ - ابو غنم الكوفي في كتاب الفتن
٢٦ - الديلمي في مسند الفردوس
٢٧ - أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار
٢٨ - أبو الحسين بن المناوي في كتاب الملاحم
٢٩ - البيهقي في دلائل النبوة
٣٠ - ابو عمرو المقري في سننه
٣١ - ابن الجوزي في تاريخه
٣٢ - يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده
٣٣ - الروياني في مسنده
٣٤ - ابن سعد في الطبقات
٣٥ - ابن خزيمة
٣٦ - الحسن بن سفيان
٣٧ - عمر بن شبه
٣٨ - أبو عوانة
وهؤلاء الاربعة ذكر السيوطي في العرف الوردي كونهم ممن خرج احاديث المهدي دون عزو التخريج الى كتاب معين.
ذكر لبعض الذين ألفوا كتبا في شأن المهدى:
وكما اعتنى علماء هذه الامة بجميع الاحاديث الواردة عن نبيهم (صلى الله عليه وسلم) تأليفا وشرحا كان للاحاديث المتعلقة بأمر المهدى

↑صفحة ٣٩٩↑

قسطها الكبير من هذه العناية فمنهم من ادرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن والمسانيد وغيرها ومنهم من افردها بالتأليف.. كل ذلك حصل منهم - رحمهم الله وجزاهم خيرا - حماية لهذا الدين وقياما بما يجب من النصح للمسلمين فمن الذين أفردوها بالتأليف:
١ - أبو بكر ابن خيثمة زهير بن حرب قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ولقد توغل ابو بكر ابن ابى خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للاحاديث الواردة في المهدى:
٢ -  ومنهم الحافظ ابو نعيم ذكره السيوطي في الجامع الصغير وذكره في العرف الوردي بل قد لخص السيوطي الاحاديث التي جمعها ابو نعيم في المهدي وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي وزاد عليها فيه احاديث وآثارا كثيرة جدا.
٣ -  ومن الذين افردوا احاديث المهدي بالتأليف السيوطي فقد جمع فيه جزءا سماه العرف الوردي في اخبار المهدي وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوي للفتاوى في الجزء الثاني منه قال في اوله الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى هذا جزء جمعت فيه الاحاديث والآثار الواردة في المهدي لخصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ ابو نعيم وزدت عليه ما فاته ورمزت عليه صورة (ك).
والاحاديث والآثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي نزيد على المائتين تلك الاحاديث والآثار فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع واذا أورد الحديث الواحد اضافه الى كل من الذين خرجوه فيقول مثلا في الحديث الواحد اخرج ابو داوود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
٤ - ومنهم الحافظ عماد الدين ابن كثير قال رحمه الله في كتابه الفتن والملاحم. وقد افردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد والمنة.
٥ - ومنهم الفقيه بن حجر المكي وقد سمى مؤلفه «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر» ذكر ذلك البرزنجي في الاشاعة ونقل منه وكذلك السفاريني في لوامع الانوار البهية وغيرهما.
٦ - ومنهم علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الاشاعة وذكر ذلك قبله أيضا ملا علي قاري الحنفي في المرقاة شرح المشكاة، وذكره شارح راموز الحديث.
٧ - ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ملا علي قاري وسمي مؤلفه «المشرب الوردي في مذهب المهدي» ذكره في الاشاعة ونقل جملة كبيرة منه.
٨ - ومنهم مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الالف، وسمي مؤلفه «فوائد

↑صفحة ٤٠٠↑

الفكر في ظهور المهدي المنتظر» ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية وذكره صديق حسن في الاذاعة وغيرها.
٩ - ومن الذين ألفوا في شأن المهدي بالإضافة الى مسألتي نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وخروج المسيح الدجال القاضي محمد بن علي الشوكاني وسمى مؤلفه «إن توضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح» ذكر ذلك صديق حسن في الاذاعة ونقل جملة منه والشوكاني ممن ألف بشأنه، وحكى تواتر الاحاديث الواردة فيه.
١٠ - ومنهم الامير محمد بن اسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام المتوفى سنة ١١٨٢ هـ. قال صديق حسن في الاذاعة:
وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير محمد بن اسماعيل الامير اليماني الاحاديث القاضية بخروج المهدي وانه من آل محمد (صلى الله عليه وسلم)، وانه يظهر في آخر الزمان ثم قال ولم يأت تعيين زمنه الا انه يخرج قبل خروج ان دجال انتهى.
«ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك»:
١ - من الذين حكوا على أحاديث المهدي بأنها متواترة الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة من الهجرة قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث لا مهدي الا عيسى بن مريم محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذكر المهدي وانه من أهل بيته وانه يملك سبع سنين وانه يملأ الارض عدلا وان عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال وانه يؤم هذه الامة ويصلي عيسى خلفه نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه ونقل عنه ايضا الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه ونقل عنه ذلك وسكت عليه أيضا في فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام. ونقل ذلك عنه أيضا السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي وسكت عليه ونقل ذلك عنه مرعي بن يوسف في كتابه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر كما ذكر ذلك صديق حسن في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة».
٢ -  ومنهم محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المائة والالف في كتابه الاشاعة لأشراط الساعة قال:
الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة وهي ايضا كثيرة فمنها المهدي

↑صفحة ٤٠١↑

وهو اولها واعلم ان الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر - الى ان قال: ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة انه من ولد فاطمة - الى ان قال: تنبيه - قد علمت ان احاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان وانه من عترة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ولد فاطمة بلغت حد ان تواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها وقال في ختام كتابه المذكور بعد الاشارة الى بعض امور تجري في آخر الزمان: وغاية ما ثبت بالأخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة التي بلغت التواتر المعنوي وجود الآيات العظام التي منها بل أولها خروج المهدي وانه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملأ الارض عدلا كما ملئت ظلما.
٣ -  ومن الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المائة والالف، في كتابه «لوامع الانوار البهية» قال: وقد كثرت بخروجه - يعني المهدي - الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والاحاديث في خروج المهدي واسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد اهل السنة والجماعة.
٤ - ومنهم القاضي محمد بن على الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المائتين والالف وهو صاحب التفسير المشهور ومؤلف نيل الاوطار قال في كتابه «التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح» والاحاديث الواردة في المهدي التي امكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهى متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول واما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك، انتهى. وقال في مسألة نزول المسيح (صلى الله عليه وسلم) فتقرر ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة والاحاديث الواردة في الدجال متواترة والاحاديث الواردة في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام متواترة».
٥ - ومنهم الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمائة والالف قال في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدى الساعة والاحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدا تبلغ حد التواتر المعنوي وهى في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد - الى ان قال - لا شك

↑صفحة ٤٠٢↑

ان المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعلم لما تواتر من الاخبار في الباب واتفق عليه جمهور الامة خلفا عن سلف الا من لا يعتد بخلافه - الى ان قال - فلا معنى للريب في امر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة بل انكار ذاك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة الى حد التواتر.
٦ - وممن حكى تواتر احاديث المهدي من المتأخرين الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس واربعين بعد الثلاثمائة والالف قال في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» وقد ذكروا ان نزول سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام ثابت بالكتاب والسنة والاجماع ثم قال:
«والحاصل ان الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة وكذا الواردة في الدجال وفي نزول سيدنا عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام».
٥ - ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث مما له تعلق بشأن المهدي.
١ - روى البخاري في صحيحه في باب نزول عيسى بن مريم عن ابى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم.
٢ -  وروى مسلم في كتاب الايمان من صحيحه عن ابى هريرة رضي الله عنه بمثل حديثه عن البخاري، ورواه أيضا عن أبي هريرة بلفظ:
كيف أنتم اذا نزل بن مريم فيكم فأمكم ورواه أيضا عن أبي هريرة بلفظ: كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم وفيه تفسير ابن ابى ذئب راوي الحديث لقوله وأمكم منكم بقوله أمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم (صلى الله عليه وسلم).
٣ -  وروى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه انه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض امراء تكرمة الله هذه الامة.
فهذه الاحاديث التي وردت في الصحيحين تدل على أمرين:
أحدهما انه عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يكون المتولي لإمرة المسلمين رجل منهم، والثاني ان حضور اميرهم للصلاة وصلاته بالمسلمين وطلبه من عيسى عليه الصلاة والسلام عند نزوله ان يتقدم ليصلى لهم يدل على صلاح في هذا الامير وهدى، وهى وان لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي الا أنها تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت وقد جاءت الاحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الاحاديث التي في في الصحيحين ودالة على ان ذلك الرجل الصالح يسمى محمد بن عبد الله من ولد الحسن بن على ويقال له

↑صفحة ٤٠٣↑

المهدى والسنة يفسر بعضها بعضا ومن الاحاديث الدالة على ذلك الحديث الذي رواه الحارث ابن ابي أسامة في مسنده بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا ان بعضهم امير بعض تكرمة الله لهذه الامة وهذا الحديث قال فيه ابن القيم في المنار المنيف اسناده جيد. انتهى. وهو دال على ان ذلك الامير المذكور في صحيح مسلم الذي طلب من عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ان يتقدم للصلاة يقال له المهدى، وقد اورد الشيخ صديق حسن في كتابه الاذاعة جملة كبيرة من احاديث المهدي جعل آخرها حديث جابر المذكور عند مسلم ثم قال عتبة:
وليس فيه ذكر المهدي ولكن لا محمل له ولا مثاله من الاحاديث الا المهدي المنتظر كما دلت على ذلك الاخبار المتقدمة والآثار الكثيرة، ولما كان المقام لا يتسع لا يراد الكثير من الاحاديث الواردة في غير الصحيحين في شأن المهدي والكلام عليها رأيت الاقتصار هنا على ايراد بعضها مع الكلام على بعض اسانيدها:
ذكر بعض الاحاديث في المهدي الواردة في غير الصحيحين:
١ - عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم ابشركم بالمهدى يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الارض يقسم المال صحاحا قال له رجل ما صحاحا قال بالسوية ويملأ الله قلوب امة محمد (صلى الله عليه وسلم) غناء ويسعهم عدله الى آخر الحديث قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه احمد بأسانيد ابو يعلى باختصار كثير ورجالهما ثقات.
٢ - عن ابى هريرة رضي الله عنه قال ذكر الى رسول الله صلى الله وسلم المهدي فقال ان قصر فسبع والا فثمان والا فتسع وليملأن الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما قال ان هيثمي رواه البزار ورجاله ثقات وفي بعضهم بعض ضعف.
٣ - عن ابى هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال يكون في امتى المهدي ان قصر فسبع والا فثمان والا فتسع تنعم امتى فيها نعمة لم ينعموا مثلها يرسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الارض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي اعطني فيقول خذ قال الهيتمي رواه الطبراني في الاوسط ورجاله ثقات.
٤ - عقد أبو داود في سننه كتابا قال في اوله: اول كتاب المهدي وقال في آخره آخر كتاب المهدي جعل تحته بابا واحدا أورد فيه ثلاثة عشر حديثا وصدر هذا الكتاب بحديث جابر ابن سمرة قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لا يزال هذا

↑صفحة ٤٠٤↑

الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة. الحديث. قال السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في اخبار المهدي ان في ذلك اشارة الى ما قاله العلماء ان المهدي احد الاثني عشر وقد ذكر ذلك ايضا ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ولَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. في سورة المائدة كما يجيء ذكر كلامه، ويرى جماعة من العلماء ومنهم شارح الطحاوية ان الاثني عشر هم الخلفاء الراشدون وثمانية انتهى.
٥ - ما رواه ابو داود في سننه من طريق عاصم بن ابى النجود عن أبي زرعة عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهذا الحديث سكت عليه ابو داود والمنذري وكذا ابن القيم في تهذيب السنن وقد أشار الى صحته في المنار المنيف وصححه ابن تيمية في منهاج السنة النبوية وقد أورده في مصابيح السنة في فصل الحسان وقال عنه الألباني في تخريج احاديث المشكاة واسناده حسن، انتهى.
والحديث مداره على عاصم بن ابى النجود وقد لخص في عون المعبود شرح مسند أبي داود الاقوال التي قيلت فيه فقال وعاصم هذا هو ابن ابى النجود واسم ابى النجود بهدلة احد القراء السبعة قال احمد بن حنبل كان رجلا صالحا وانا اختار قراءته وقال احمد وابو زرعة ايضا ثقة وقال ابو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ وقال ابو جعفر العقيلي لم يكن فيه الا سوء الحفظ وقال الدارقطني في حفظه شيء واخرج له البخاري في صحيحه مقرونا واخرج له مسلم قال الذهبي ثبت في القراءة وهو في الحديث دون التثبت صدوق يهم وهو حسن الحديث والحاصل ان عاصم بن بهدلة ثقة على رأى احمد وابى زرعة وحسن الحديث صالح الاحتجاج على رأى غيرهما ولم يكن فيه الا سوء الحفظ فرد الحديث بعاصم ليس من دأب المنصفين على ان الحديث قد جاء من غير طريق عاصم ايضا فارتفعت عن عاصم مظنة الوهم والله اعلم. انتهى.
والحديث ذكره ابن خلدون في مقدمة تاريخه وقدح فيه من جهة عاصم ابن أبي النجود ملاحظا ما قيل فيه من سوء الحفظ وقال ان الجرح مقدم على التعديل وقد انكر عليه ذلك، قال الشيخ احمد شاكر في تخريج احاديث المسند ان ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين ان الجرح مقدم على التعديل ولو اطلع على اقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال وقال ايضا ان عاصم ابن ابى النجود من أئمة القراء المعروفين ثقة في

↑صفحة ٤٠٥↑

الحديث أخطأ في بعض حديثه ولم يغلب خطؤه على روايته حتى ترد.
قال ابن ابى حاتم في الجرح والتعديل اخبرنا عبد الله بن احمد بن محمد بن حنبل فيما كتب الى قال سألت ابى عن عاصم بن بهدلة فقال ثقة رجل صالح خير ثقة والاعمش احفظ منه وكان شعبة يختار الاعمش عليه في تثبيت الحديث وقال ابن ابى حاتم سألت ابى عن عاصم بن بهدلة فقال هو صالح هو اكثر حديثا من ابى قيس الاودي واشهر منه واحب الى من ابى قيس وقال سئل ابى عن عاصم بن ابى النجود وعبد الملك بن عمير فقال قدم عاصما على عبد الملك عاصم اقل اختلافا عندي من عبد الملك وقال سألت ابا زرعة عن عاصم بن بهدلة فقال ثقة قال فذكرته لابي فقال ليس محله هذا ان يقال ثقة وقد تكلم فيه ابن علية فقال كان كل من كان اسمه عاصما سيء الحفظ قال الشيخ احمد شاكر: وهذا اكثر ما قيل فيه من الجرح، أ فمثل هذا يطرح حديثه ويجعل سبيلا لإنكار شيء ثبت بالسنة الصحيحة من طرق متعددة من حديث كثير من الصحابة حتى لا يكاد يشك في صحته احد كما ورد في روايته من عدل وصدق لهجة ولارتفاع احتمال الخطأ فمن كان في حفظ شيء بما ثبت عن غيره ممن هو مثله في العدل والصدق وقد يكون أحفظ منه ما هكذا تعلل الاحاديث انتهى.
٦ - وقال ابو داود في سننه حدثنا سهل بن تمام بن بديع حدثنا عمران القطان عن قتادة عن ابى نضرة عن ابى سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المهدي منى اجلى الجبهة أقنى الانف يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ويملك سبع سنين. قال ابن القيم في المنار المنيف رواه ابو داود بإسناد جيد واورده في مصابيح السنة في فصل الحسان وقال الألباني في تخريج احاديث المشكاة واسناده حسن ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير.
٧ - وقال ابن ماجه في سننه:
حدثنا محمد بن يحيى واحمد بن يوسف قالا: حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن ابى قلابة عن ابى اسماء الرحبى عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا لا احفظه - فقال فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدى، قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على سنن ابن ماجه: في الزوائد:
هذا اسناد صحيح رجانه ثقات، ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين، انتهى.
وقد اورد هذا الحديث بسنده الحافظ ابن كثير في كتاب الفتن والملاحم وقال:
وهذا اسناد قوى صحيح ثم أورد

↑صفحة ٤٠٦↑

حديثا عن الترمذي فيه ذكر الرايات السود ايضا ثم قال وهذه الرايات ليست هي الرايات التي اقبل بها ابو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بنى امية في سنة اثنتين وثلاثين ومائة بل رايات سود اخر تأتى بصحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوى الفاطمي الحسنى رضي الله عنه، انتهى.
٨ - قال ابو داود في سننه: حدثنا حمد بن ابراهيم حدثنا عبد الله جعفر الرقى حدثنا ابو المليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن على بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم): المهدي من عترتي من ولد فاطمة.. وأخرجه ابن ماجه عن سعيد ابن المسيب قال كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول المهدي من ولد فاطمة وقد اورد هذا الحديث السيوطي في الجامع الصغير ورمز لصحته واورده في مصابيح السنن في فصل الحسان وقال الألباني في تخريج احاديث المشكاة واسناده جيد.
٩ - قال ابن القيم في المنار المنيف وقال الحارث بن ابى اسامة في مسنده:
حدثنا اسماعيل بن عبد الكريم حدثنا ابراهيم بن عقيل عن ابيه عن وهب بن منبه عن جابر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا ان بعضهم امير بعض تكرمة الله لهذه الامة قال ابن القيم وهذا اسناد جيد، انتهى.
وبالرجوع الى ما قاله اهل هذا الفن في سند الحديث وجدت ان السند متصل من اوله الى آخره لا انقطاع فيه اما ما قيل عن كل راو من رواته:
فإسماعيل بن عبد الكريم قال عنه الحافظ في التقريب اسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه صدوق من التسعة وذكر في تهذيب التهذيب انه روى عن ابن عمه ابراهيم بن عقيل وعن غير ابراهيم بن عقيل هذا هو الذي روى عنه اسماعيل هذا الحديث في المهدي وذكر انه روى عن اسماعيل المذكور جماعة منهم احمد بن حنبل والحارث ابن ابى اسامة وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ايضا قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين ثقة رجل صدق وقال الحافظ ابن حجر واما قول ابن القطان الفاسي لا يعرف فمردود عليه وقال مسلمة بن قاسم جائز الحديث ولم يزد في خلاصة تذهيب الكمال عن قول ابن معين فيه ثقة صدوق وقال: قال ابن سعد توفى سنة عشر ومائتين انتهى. وهو من رجال ابى داود في سننه وابن ماجه في التفسير كما رمز لذلك الحافظ في تقريب التهذيب.
والثاني من رجال سند الحديث ابراهيم بن عقيل بن معقل الصنعاني ابن عم اسماعيل المتقدم ذكره قال الحافظ في التقريب صدوق من الثامنة ورمز لكونه من رجال ابى داود وقال

↑صفحة ٤٠٧↑

في تهذيب التهذيب روى عن ابيه وعنه احمد بن حنبل وابن عمه اسماعيل بن عبد الكريم وغيرهم قال ابن معين لم يكن به بأس وقال المعجلي ثقة وقال الحافظ قلت واخرج له ابن خزيمة في صحيحه وكذا ابن حبان الحاكم وذكر ابن ابى خيثمة عن يحيى بن معين قال ابراهيم ثقة وابوه ثقة وقال ابن حبان في الثقات انه يروى عن عم أبيه وهب بن منبه، انتهى.
الثالث من رجال سند الحديث عقيل بن معقل قال الحافظ في التقريب هو ابن أخي وهب بن منبه وقال صدوق من السابعة ورمز لكونه من رجال ابى داود ذكر في تهذيب التهذيب انه روى عن عميه همام ووهب وعنه ابنه ابراهيم واناس آخرون سماهم وذكر انه وثقه أحمد بن حنبل وابن معين وقال وذكره ابن حبان في الثقات وعلق له البخاري عن جابر في تفسير سورة النساء اثرا في الكهان وقد جاء موصولا من رواية عقيل هذا عن ووهب بن منبه عن جابر انتهى. ولم يزد في الخلاصة عن قوله عقيل بن معقل بن منبه اليماني عن عميه همام ووهب وعنه ابنه ابراهيم وعبد الرزاق قال أحمد ثقة قرأ التوراة والانجيل انتهى.
الرابع من رجال سند الحديث وهب بن منبه بن كامل اليماني قال في التقريب ثقة من الثالثة ورمز لكونه من رجال الصحيحين وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.
وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبى هريرة وابى سعيد وابن عباس وابن عمر وابن عمرو بن العاص وجابر وانس وعمرو بن شعيب وابى خليفة البصرى واخيه همام ابن منبه وغيرهم وذكر انه روى عنه ابناه عبد الله وعبد الرحمن وابناء اخيه عبد الصمد وعقيل بن معقل بن منبه وقال: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه كان من ابناء فارس وقال العجلى تابعي ثقة وكان على قضاء صنعاء وقال ابو زرعة والنسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات، انتهى. وقال احمد بن حنبل وكان يهتم بشيء من القدر ثم رجع عنه وقال الحافظ في تهذيب التهذيب ايضا روى له البخاري حديثا واحدا من روايته عن اخيه عن ابى هريرة ليس احد اكثر حديثا منى الا عبد الله بن عمرو بن العاص فانه كان يكتب ولا اكتب وقال قلت وقال عمرو بن علي الغلاس كان ضعيفا انتهى اقول وذكر شارح الطحاوية عن وهب بن منبه انه قال نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت ان أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه واجهل الناس بالقدر انطقهم به.
اما الحارث ابن ابى اسلمة صاحب المسند فقد ترجم له الذهبي في الميزان وقال فيه وكان حافظا عارفا بالحديث عالي الاسناد بالمرة تكلم فيه بلا حجة، قال الدارقطني قد اختلف فيه وهو عندي صدوق وقال ابن حزم ضعيف ولينه بعض البغاددة لكونه يأخذ على

↑صفحة ٤٠٨↑

الرواية انتهى. وترجم له الذهبي ايضا في تذكرة الحفاظ وسمى جماعة روى عنهم وجماعة رووا عنه ثم قال وثقه ابراهيم الحربى مع علمه بأنه يأخذ الدراهم وابو حاتم وابن حبان وقال الدارقطني صدوق واما أخذ الدراهم على الرواية فقد كان فقيرا كثير البنات وقال ابو الفتح الأزدي وابن حزم ضعيف، انتهى.
وقال ابن العماد في شذرات الذهب وفيها أي في سنة ٢٨٢ هـ توفى الحافظ أبو محمد الحارث ابى اسامة التهمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله ٩٦ سنة سمع عن ابن عاصم وعبد الرحمن بن عطاء وطبقتهما قال الدارقطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على الحديث أجرا».
هؤلاء سند الحديث من اوله الى جابر رضي الله عنه وهو متصل ولفظ حديث جابر هذا قريب من لفظ حديثه عند مسلم في صحيحه حيث قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض امراء تكرمة الله هذه الامة، فهذا الحديث الذي اورده ابن القيم من مسند الحارث ابن ابى اسامة بالسند الذي قال عنه انه جيد وقد سمعتم حاصل ما ذكر عن رجاله اقول هذا الحديث فيه وصف الامير المذكور بأنه المهدي فيكون هذا الحديث وغيره من الاحاديث الكثيرة الدالة على خروج المهدي آخر الزمان مفسرة للمراد بهذا الحديث الذي أورده مسلم وللاحاديث الاخرى التي في معناه عند البخاري ومسلم كما تقدمت الاشارة الى ذلك.
٧ - ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.
قال الحافظ ابو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ان في المهدي احاديث جياد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة على بن نفيل بن زارع النهدي قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال لا يتابع على حديثه في المهدي ولا يعرف الا به قال وفي المهدي احاديث جياد من غير هذا الوجه انتهى.
ويرى الامام ابن حبان البستي المتوفى سنة ٣٥٤ ان الاحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه قال الحافظ بن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن. وهو حديث أنس رضي الله عنه ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا يأتي عليكم زمان الا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم قال واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي وانه يملأ الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما انتهى.

↑صفحة ٤٠٩↑

وقال الخطابي ٣٨٨ هـ رحمه الله في الكلام على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة الخ.. قال ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما ذكر ذلك ملا علي قاري في المرقاة شرح المشكاة وقال والاخير هو الاظهر لظهور هذا الامر في خروج الدجال وهو في زمنهما وذكر ذلك المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي في الكلام على شرح هذا الحديث.
وقال الامام البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ هـ بعد كلامه على تضعيف حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم قال والاحاديث في التنصيص على خروج المهدي اصح البتة اسنادا نقل ذلك عنه الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي راوي حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم ونقله عنه ايضا ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف.
وقد عقد القاضي عياض المتوفى ٥٤٤ هـ في كتابه الشفاء بابا لمعجزاته (صلى الله عليه وسلم) يشتمل على ثلاثين فصلا قال في القسم الاول من كتابه المذكور: الباب الرابع فيما اظهره الله على يديه (صلى الله عليه وسلم) من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات قال في اوائل الكلام في هذا الباب: امنيتنا ان نثبت في هذا الباب امهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربه واتينا منها بالمحقق والصحيح الاسناد واكثره مما بلغ القطع او كاد واضفنا اليه بعض ما وقع في كتب مشاهير الائمة ثم قال في الفصل الثالث والعشرين فصل ومن ذلك ما اطلع عليه من الغيوب وما يكون.. قال في اوله والاحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره ولا ينزف غمره، أورد في هذا الفصل جملة كبيرة من الامور المستقبلة التي اخبر بها الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) وذكر من بينها خروج المهدي.
وقال الامام محمد ابن احمد بن ابى بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة ٦٧١ هـ في كتابه التذكرة في امور الآخرة بعد ذكر حديث ولا مهدى الا عيسى بن مريم «قال اسناده ضعيف والاحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة اصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه وقال يحتمل ان يكون قوله (صلى الله عليه وسلم) ولا مهدي الا عيسى بن مريم» أي لا مهدى كاملا معصوما الا عيسى قال وعلى هذا تجتمع الاحاديث ويرتفع التعارض، نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في اخبار المهدى».
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية ٧٢٨ في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية (ج ٤ - ٢١١).

↑صفحة ٤١٠↑

فصل واما الحديث الذي رواه - أي الرافضي الذي ألف كتابه للرد عليه عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) - يخرج في آخر الزمان رجل من ولدى اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وذلك هو المهدى، في الجواب ان الاحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي احاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي واحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره كقوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه بن مسعود لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل منى او من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابى يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ورواه الترمذي وابو داود من رواية أم سلمة وفيه المهدي من عترتي من ولد فاطمة ورواه ابو داود من طريق ابى سعيد وفيه يملك الارض سبع سنين ورواه عن على رضي الله عنه انه نظر الى الحسن وقال ان ابنى هذا سيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الارض قسطا وهذه الاحاديث غلط فيها طوائف طائفة انكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لا مهدى الا عيسى بن مريم وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد ابو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه ورواه ابن ماجه عن يونس عن الشافعي والشافعي رواه عن رجل من اهل اليمن يقال له محمد بن خالد الجندي وهو ممن لا يحتج به وليس في مسند الشافعي وقد قيل ان الشافعي لم يسمعه من الجندي وان يونس لم يسمعه من الشافعي، الثاني ان الاثني عشرية الذين ادعوا ان هذا مهديهم مهديهم اسمه محمد بن الحسن والمهدى المنعوت الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وسلم) اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة لفظ الاب حتى لا يناقض ما كتبت وطائفة حرفته وقالت جده الحسين وكنيته ابو عبد الله فمعناه محمد بن ابى عبد الله وجعلت الكنية اسما وممن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول ومن له ادنى نظر يعرف ان هذا تحريف صميم وكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهل يفهم احد من قوله يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلا ان اسم أبيه عبد الله وهل يدل هذا اللفظ على ان جده كنيته ابو عبد الله ثم أي تمييز يحصل له بهذا فكم من ولد الحسين من اسمه محمد وكل هؤلاء يقال في أجدادهم محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا وكيف يعدل من يريد البيان الى من اسمه محمد بن الحسين فيقول اسمه محمد بن عبد الله ويعنى بذلك ان جده ابو عبد الله وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن

↑صفحة ٤١١↑

أبي الحسن لان جده على كنيته أبو الحسن احسن من هذا وابين لمن يريد الهدى والبيان وايضا فان المهدي المنعوت من ولد الحسن بن على لا من ولد الحسين كما تقدم لفظ حديث على رضي الله عنه.
وقد عقد ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف فصلا في الكلام على أحاديث المهدي وخروجه والجمع بينها وبين حديث لا مهدي الا عيسى ابن مريم، قال فيه:
فأما حديث لا مهدي الا عيسى ابن مريم فرواه ابن ماجة في سننه عن يوسف بن عبد الاعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن إبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو مما تفرد به محمد بن خالد قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآبري في كتاب مناقب الشافعي:
محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذكر المهدي وانه من أهل بيته وانه يملك سبع سنين وأنه يملأ الارض عدلا وان عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وانه يؤم هذه الامة ويصلي عيسى خلفه، وقال البيهقي تفرد به محمد بن خالد هذا وقد قال الحاكم أبو عبد الله هو مجهول وقد اختلف عليه في اسناده فروى عنه عن إبان ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال فرجع الحديث الى رواية محمد بن خالد وهو مجهول - عن إبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسين عن النبي (صلى الله عليه وسلم) - وهو منقطع - والاحاديث على خروج المهدي أصح اسنادا، قال ابن القيم قلت كحديث عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وسلم) لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل مني او من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح قال - يعني الترمذي - وفي الباب عن علي وابي سعيد وام سلمة وابي هريرة ثم روى حديث ابي هريرة وقال حسن صحيح انتهى ثم قال بن القيم وفي الباب عن حذيفة ابن اليمان وأبي امامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وانس بن مالك وجابر وابن عباس وغيرهم ثم أورد عدة احاديث رواها بنص أهل السنن والمسانيد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للاستئناس به.
ثم قال: وهذه الاحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة وقد اختلف الناس في المهدي على اربعة اقوال أحدها انه المسيح ابن مريم - وهو المهدي على

↑صفحة ٤١٢↑

الحقيقة - واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجندي المتقدم وقد بينا حاله وانه لا يصح ولو صح لم يكن به حجة لان عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبين الساعة وقد دلت السنة الصحيحة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) على نزوله على المنارة البيضاء شرقي دمشق وحكمه بكتاب الله وقتله اليهود والنصارى ووضعه الجزية واهلاك أهل الملل في زمانه فيصح ان يقال لا مهدي في الحقيقة سواه وان كان غيره مهديا كما يقال لا علم الا ما نفع ولا مال الا ما وفي وجه صاحبه وكما يصح ان يقال انما لمهدي عيسى بن مريم يعني المهدي بالكامل المعصوم، القول الثاني انه المهدي الذي ولي من بني العباس وقد انتهى زمانه ثم ذكر حديثين منهما ذكر مجيء الرايات السود من قبل المشرق من جهة خراسان وأشار الى ضعفهما ثم قال مشيرا الى أولها وثانيها وهذا والذي قبله لو صح لم يكن فيه دليل على المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بل هو مهدي من جملة المهديين وعمر بن عبد العزيز كان مهديا بل هو أولى باسم المهدي منه وقد قال (صلى الله عليه وسلم) عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» وقد ذهب الامام أحمد في احدى الروايتين عنه الى ان عمر بن عبد العزيز منهم ولا ريب انه كان راشدا مهديا ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان فالمهدي في جانب الخير والرشد كالدجال في جانب الشر والضلال وكما ان بين يدي الدجال الاكبر صاحب الخوارق دجالون كذابون فكذلك بين يدي المهدي الاكبر مهديون راشدون».
القول الثالث: انه رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الارض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الاحاديث على هذا تدل وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف وهو أن الحسن رضي الله عنه ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الارض وهذه سنة الله في عباده انه من ترك شيئا لأجله اعطاه الله وأعطى ذريته أفضل منه وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه فانه حرص عليها وقاتل عليها فلم يظفر بها والله أعلم ثم أورد بعض الاحاديث في خروج المهدي ثم قال واما الرافضة الامامية فلهم قول رابع وهو ان المهدي هو محمد بن الحسن العسكري المنتظر من ولد الحسين بن علي لا من ولد الحسن الحاضر في الامصار الغائب عن الابصار الذي يورث العصا ويختم الغضا دخل سرداب سامرا طفلا صغيرا من أكثر من خمسمائة

↑صفحة ٤١٣↑

سنة - بالنسبة لزمان ابن القيم المتوفى عام ٧٥٢ - فلم تره بعد ذلك عين ولم يحس فيه بخبر ولا أمر وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب ويصيحون به ان يخرج اليهم اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان فهذا دأبهم ودأبه ولقد أحسن من قال:

ما آن للسرداب أن يلد الذي * * * كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكم * * * كلمتم العنقاء والغيلانا

ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني آدم وضحكة ليسخر منهم كل عاقل انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وقال ابن القيم أيضا في كتابه اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان:
ومن تلاعبه - يعني الشيطان بهم - يعني اليهود - انهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي اذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الامم وان هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به وهم في الحقيقة انما ينتظرون مسيح الضلالة الدجال فهم اكثر أتباعه والا فمسيح الهدى عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يقتلهم ولا يبقي منهم أحدا ثم قال والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى بن مريم من السماء، لكسر الصليب وقتل الخنزير وقتل اعدائه من اليهود وعباده من النصارى وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا. انتهى
وقال أبو الحسن السمهودي المتوفى سنة ٩١١ هـ ويتحصل مما ثبت في الاخبار عنه - أي المهدي - انه من ولد فاطمة وفي ابي داود انه من ولد الحسن والسر فيه ترك الحسن الخلافة لله شفقة على الامة فجعل القائم بالخلافة - الحق - عند شدة الحاجة وامتلاء الارض ظلما - من ولده، وهذه سنة الله في عباده انه يعطي لمن ترك شيئا من أجله أفضل مما ترك أو ذريته وقد بالغ الحسن في ترك الخلافة ونهى أخاه عنها وتذكر ذلك ليلة مقتله فترحم على أخيه وما روى من كونه من ولد الحسين فواه جدا، انتهى بواسطة نقل المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير للسيوطي.
وقال ابن حجر المكي المتوفى سنة ٩٧٤ هـ في كتابه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، الذي يتعين اعتقاده ما دلت عليه الاحاديث الصحيحة من وجود المهدي المنتظر الذي يخرج الدجال وعيسى في زمانه ويصلي عيسى خلفه وانه المراد حيث أطلق المهدي انتهى بواسطة نقل البرزنجي في الاشاعة لأشراط الساعة.
وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله في كتاب الفتن والملاحم فصل في ذكر المهدي الذي يكون في آخر الزمان وهو أحد الخلفاء الراشدين الائمة المهديين وليس هو

↑صفحة ٤١٤↑

بالمنتظر الذي تزعم الرافضة وترتجي ظهوره من سرداب سامراء فان ذلك ما لا حقيقة له ولا عين ولا أثر ويزعمون انه محمد بن الحسن العسكري وانه دخل السرداب وعمره خمس سنين، وأما ما سنذكره فقد نطقت به الاحاديث المروية عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) انه يكون في آخر الدهر وأظن ظهوره يكون قبل نزول عيسى بن مريم كما دلت على ذلك الاحاديث ثم ساق عدة احاديث من السنن وغيرها منها بعض أحاديث الرايات السود وحديث علي رضي الله عنه في ابنه الحسن وانه يخرج من صلبه رجل يسمى باسم النبي (صلى الله عليه وسلم) ثم قال ففي هذا السياق اشارة الى ملك بني العباس كما تقدم التنبيه على ذكر ذلك عند ابتداء ذكر ولايتهم في سنة اثنين وثلاثين ومائة وفيه دلالة على انه يكونها لمهدي بعد دولة بني العباس وانه يكون من أهل البيت من ذرية فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ولد الحسن لا الحسين كما تقدم النص على ذلك في الحديث المروي عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وانه أعلم ثم قال وقال ابن ماجة حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير الى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله احدا ثم ذكر شيئا لا أحفظه فقال فاذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فانه خليفة الله المهدي تفرد به ابن ماجة وهذا اسناد قوي صحيح والمراد به بالكنز المذكور في هذا السياق كنز الكعبة يقتتل عنده ليأخذوه ثلاثة من أولاد الخلفاء حتى يكون آخر الزمان فيخرج المهدي ويكون ظهوره من بلاد المشرق لا من سرداب سامراء كما يزعمه جهلة الرافضة من أنه موجود فيه الان وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان فان هذا نوع من الهذيان وقسط كبير من الخذلان شديد من الشيطان إذ لا دليل على ذلك ولا برهان لا من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح ولا استحسان، وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا رشيد بن سعد عن يونس عن ابن شهاب الزهري عن قتيبة بن ذؤيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بايليا» هذا الحديث غريب، وهذه الرايات ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية في سنة اثنين وثلاثين ومائة بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي وهو محمد بن عبد الله العلوي الفاطمي الحسني رضي الله عنه يصلحه الله في ليلة واحدة أي

↑صفحة ٤١٥↑

يتوب عليه ويوفقه ويلهمه ويرشده بعد ان لم يكن كذلك ويؤيده بناس من أهل الشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه وتكون راياتهم سودا أيضا وهو زين عليه الوقار لان راية الرسول (صلى الله عليه وسلم) سوداء يقال لها العقاب وقد ركزها خالد بن الوليد رضي الله عنه على الثنية التي شرقي دمشق حتى أقبل من العراق فعرفت بها الثنية فهي الى الآن يقال لها ثنية العقاب. وقد كانت عقابا على الكفار من نصارى الروم ولمن كان معهم وبعدهم الى يوم الدين ولله الحمد، وكذلك دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم الفتح الى مكة وعلى رأسه المغفر وكان أسود وجاء في الحديث أنه كان متعمما بعمامة سوداء فوق البياض صلوات الله وسلامه عليه، والمقصود ان المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق ويبايع له عند البيت كما دل على ذلك بعض الاحاديث وقد افردت في ذكر المهدي جزءا على حدة ولله الحمد والمنة، وقال ابن ماجة ايضا حدثنا نصر بن علي الجهضمي حدثنا محمد بن مروان العقيلي حدثنا عمارة ابن أبي حفصة عن زيد العمى عن أبى الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يكون في أمتي المهدي أن قصر فسبع والا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا مثلها تؤتي الارض أكلها ولا تدخر منه شيئا والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ، وقال الترمذي حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة سمعت زيدا العمى سمعت الصديق الناجي يحدث عن أبي سعيد الخدري قال خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله (صلى الله عليه وسلم) فقال ان في أمتي المهدي يخرج فيعيش خمسا أو سبعا أو تسعا - زيد الشاك - قال قلنا وما ذاك قال سنين قال يجيء اليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني قال فيجيء له في ثوبه ما استطاع أن يحمله هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبو الصديق الناجي اسمه بكر بن عمرو ويقال بكر بن قيس وهذا دليل على أن أكثر مدته تسع وأقلها خمس أو سبع ولعله هو الخليفة الذي يحثى المال حثيا والله أعلم. وفي زمانه تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة والمال وافر والسلطان قاهر والدين قائم والعدو راغم والخير في أيامه دائم ثم أورد حديثين أحدهما عن الامام محمد الثاني عن ابن ماجة ثم قال فأما الحديث الذي رواه ابن ماجة في سننه حيث قال رحمه الله تعالى حدثنا يونس بن عبد الاعلى حدثنا محمد ابن ادريس الشافعي حدثني محمد بن خالد الجندي عن ابان بن

↑صفحة ٤١٦↑

صالح عن الحسن عن انس بن مالك ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لا يزداد الامر الا شدة ولا الدنيا الا ادبارا ولا الناس الا شحا ولا تقوم الساعة الا على شرار الناس ولا المهدي الا عيسى بن مريم فانه حديث مشهور عن بن خالد الجندي الصنعاني المؤذن شيخ الشافعي وروى عنه غير واحد ايضا وليس هو بمجهول كما زعمه الحاكم بل قد روى عن ابن معين انه وثقه ولكن من الرواة من حدث به عنه عن إبان بن أبي عياش عن الحسن البصري مرسلا وذكر ذلك شيخنا في التهذيب عن بعضهم انه رأى الشافعي في المنام وهو يقول كذب علي يونس بن عبد الاعلى ليس هذا من حديثي قلت: يونس بن عبد الاعلى الصدفي من الثقات لا يطعن فيه بمجرد منام، وهذا الحديث فيما يظهر بادي الرأي مخالف للاحاديث التي أوردناها في اثبات مهدي غير عيسى بن مريم أما قبل نزوله كما هو الاظهر والله أعلم وأما بعده وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك ان المهدي حق المهدي هو عيسى بن مريم ولا ينفي ذلك ان يكون غيره مهديا ايضا والله أعلم انتهى ما نقلته من كتاب الفتن والملاحم لابن كثير رحمه الله.
وقال في تفسيره عند تفسير قوله تعالى في سورة المائدة ﴿ولَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وبَعَثْنَا مِنْهُمُ اِثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ بعد ذكره الكلام عن هؤلاء النقباء قال وهكذا لما بايع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الانصار ليلة العقبة كان منهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الاوس وهم أسيد بن الخضير وسعد بن خيثمه ورفاعة بن عبد المنذر ويقال بدله أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه وتسعة من الخزرج وهم أمامة أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام والمنذر بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له كما اورد ابن اسحاق رحمه الله والمقصود ان هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم بذلك وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) على السمع والطاعة. قال الامام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كم يملك هذه الامة من خليفة قال عبد الله ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني اسرائيل» هذا حديث غريب

↑صفحة ٤١٧↑

من هذا الوجه وأصل الحديث ثابت في الصحيحين من حديث جابر بن سمرة قال سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) بكلمة خفيت على فسألت أبي ما ذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) قال كلهم من قريش وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا توانيهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الاربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الائمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة. والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الاحاديث الواردة بذكره فذكر انه يواطئ اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه اسم أبيه فيملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فان ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الائمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليه الصلاة والسلام وان يقيم من صلبه اثني عشر عظيما وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وببعض الجهلة ممن أسلم من اليهود اذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم انهم الائمة الاثنا عشر فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انتهى.
وقال الشيخ ملا علي قاري الحسيني المتوفى سنة ١٠١٤ في شرحه للفقه الاكبر.. للإمام أبي حنيفة عند قول أبي حنيفة رحمه الله.
وخروج الدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام قال:
وفي نسخة قدم طلوع الشمس على البقية وعلى كل تقرير فالواو لمطلق الجمع والا فترتيب القضية أن المهدي (عليه السلام) يظهر أولا في أرض الحرمين ثم يأتي بيت المقدس فيأتي الدجال ويحصره في ذلك الحال فينزل عيسى عليه الصلاة والسلام من المنارة الشرقية في دمشق الشام ويجيء الى قتال الدجال فيقتله بضربة في الحال فانه يذوب كالملح عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء فيجتمع عيسى عليه الصلاة والسلام بالمهدي رضي الله عنه وقد أقيمت الصلاة فيشير المهدي لعيسى بالتقدم فيمتنع معللا

↑صفحة ٤١٨↑

بأن هذه الصلاة أتيحت لك فأنت أولى بأن تكون الامام في هذا المقام ويقتدي به ليظهر متابعته لنبينا (صلى الله عليه وسلم) - الى أن قال وفي شرح العقائد الاصح أن عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل وإمامته أولى انتهى قال علي قاري ولا ينافى ما قدمناه كما لا يخفى ثم ذكر الامور الاخرى مرتبة وهي خروج يأجوج ومأجوج وموت المؤمنين وطلوع الشمس من مغربها ورفع القرآن.
وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير المتوفى سنة ١٠٣٢ هـ قال في كتابه المذكور واخبار المهدي كثيرة شهيرة أفردها غير واحد في التأليف - الى أن قال - تنبيه:
أخبار المهدي لا يعارضها خبر «لا مهدي الا عيسى ابن مريم» لان المراد به كما قال القرطبي لا مهدي كاملا معصوما الا عيسى بن مريم. وقال المناوي عند حديث: لن تهلك أمة أنا في أولها وعيسى بن مريم في آخرها والمهدي في وسطها» أراد بالوسط ما قبل الآخر لان نزوله (عليه السلام) لقتل الدجال يكون في زمن المهدي ويصلي عيسى خلفه كما جاءت به الاخبار، وجزم به جمع من الاخيار وذكر عند حديث «منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه» انه بعد نزوله يجيء فيجد الامام المهدي يريد الصلاة فيتأخر ليتقدم فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه قال فاعظم به فضلا وشرفا لهذه الامة ثم قال ولا ينافى ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من أن عيسى هو الامام بالمهدي وجزم به السعد التفتازاني وعلله بأفضليته لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدي أولا ليظهر انه نزل تابعا لنبينا حاكما بشرعه ثم بعد ذلك يقتدي المهدي به على أصل القاعدة «من اقتداء» المفضول بالفاضل انتهى. وقال الشيخ محمد السفاريني في كتابه:
لوامع الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية الذي شرح فيه نظمه في العقيدة المسمى «الدرة المعنية في عقد الفرقة المرضية»:

وما أتى بالنص من أشراط * * * فكله حق بلا شطاط
منها الامام الخاتم النصيح * * * محمد المهدي والمسيح

منها أي من أشراط الساعة التي وردت بها الاخبار وتواترت في مضمونها الآثار أي من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الامام المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للائمة فلا امام بعده كما ان النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده الفصيح اللسان لأنه من صحيح العرب أهل الفصاحة والبلاغة. - ثم قال - وقوله، محمد المهدي، هذا اسمه وأشهر أوصافه فأما اسمه فمحمد جاء ذلك في عدة أخبار وفي بعضها أن اسمه واسم

↑صفحة ٤١٩↑

أبيه عبد الله فقد صح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي رواه أبو نعيم من حديث أبي هريرة ولفظه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لو لم يبق من النهار الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم أبي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا» وروى نحوه الترمذي وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفي رواية من حديث ابن مسعود أيضا لا تذهب الدنيا حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.. اخرجه الطبراني في معجمه الصغير وأخرجه الترمذي ولفظه: حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي وقال حديث حسن صحيح، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه وروى ابن مسعود أيضا رضي الله عنه رفعه اسم المهدي محمد، وفي مرفوع حذيفة محمد بن عبد الله ويكنى أبا عبد الله ومن أسمائه أحمد بن عبد الله كما في بعض الروايات - الى أن قال: وأما تسميته ووصفه بالمهدي فقد ثبت له هذه الصفة في عدة أخبار - الى أن قال - وأما كنيته فأبو عبد الله وأما نسبه فانه من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم إن الروايات الكثيرة والاخبار الغزيرة ناطقة انه من ولد فاطمة البتول ابنة النبي الرسول (صلى الله عليه وسلم) ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين وجاء في بعض الاحاديث انه من ولد العباس والاول أصح قال ابن حجر في كتابه القول المختصر وأما ما روي «ان المهدي من ولد العباس عمي» فقال الدارقطني حديث غريب تفرد به محمد ابن الوليد مولى بني هاشم قال ولا ينافيه خبر الرافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا ألا أبشرك يا عم ان من ذريتك الاصفياء ومن عترتك الخلفاء ومنك المهدي في آخر الزمان.
به ينشر الله الهدى ويطفي نيران الضلالة ان الله فتح بنا هذا الامر وبذريتك يختم - ثم أورد ابن حجر عدة أخبار في هذا المعنى - ثم قال فهذه الاخبار كلها لا تنافى ان المهدي من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من ولد فاطمة الزهراء لان الاحاديث التي فيها ان المهدي من ولدها أكثر وأصح بل قال بعض حفاظ الامة وأعيان الائمة أن كون المهدي من ذريته (صلى الله عليه وسلم) مما تواتر عنه ذلك فلا يسوغ العدول ولا التفات الى غيره وقال ابن حجر يمكن الجمع بأن يكون من ذريته (صلى الله عليه وسلم) وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاتها عباسية.

↑صفحة ٤٢٠↑

والحاصل ان للحسن في المهدي الولادة العظمى لان أحاديث كونه من ذريته أكثر وللحسين فيه ولادة أيضا وللعباس فيه ولادة أيضا ولا مانع من اجتماع ولادات وتعددات في شخص واحد من جهات مختلفة وبالله التوفيق. ثم ذكر الشيخ السفاريني رحمه الله أن خمس فوائد تكلم على كل واحدة منها الاولى في حليته وصفته والثانية في سيرته والثالثة في علامات ظهوره والرابعة في الاشارة الى بعض الفتن الواقعة قبل خروجه والخامسة في مولده وبيعته ومدة ملكه ومتعلقات ذلك ثم قال بعد الانتهاء من الكلام على الفوائد الخمس: تنبيه قد كثرت الاقوال في المهدي حتى قيل لا مهدي الا عيسى والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وانه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والاحاديث في خروج المهدي وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال وقد روى عما ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم روايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعة العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة.
وقال الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي المتوفى سنة ست وعشرين وثلاثمائة والف في كتابه صيانة الانسان عن وسوسة الشيخ دحلان قال وبعد انقراض قرن الصحابة اتى امته ما يوعدون من الحوادث والبدع وكلما أحدثت بدعة رفع مثلها من السنة ولكن في قرن التابعين وأتباع التابعين لم تظهر البدع ظهورا فاشيا وأما بعد قرن أتباع التابعين فقد تغيرت الاحوال تغيرا فاحشا وغلبت البدع وصارت السنة غريبة واتخذ الناس البدعة سنة والسنة بدعة ولا تزال السنة في المستقبل غريبة الا ما استثنى من زمان المهدي رضي الله عنه وعيسى (عليه السلام) الى ان تقوم الساعة على شرار الناس انتهى.
وقال الشيخ شمس الحق العظيم أبادي المتوفى سنة ١٣٢٩ في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود قال:
وخرج احاديث المهدي جماعة من الائمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وابو يعلي الموصلي واسندوها الى جماعة من الصحابة مثل على وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وابى هريرة وانس وابى سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة ابن اياس وعلى الهلالي وعبد الله ابن الحارث بن جزء، رضي الله عنهم واسناد احاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ

↑صفحة ٤٢١↑

الامام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها ولم يصب بل اخطأ انتهى.
وقال الشيخ محمد انور شاه الكشميري ١٣٥٢ هـ في كتابه عقيدة الاسلام «فائدة» أخرج مسلم في نزول عيسى (عليه السلام) عن جابر يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول اميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الامة» قال الكشميري المراد به انه لا يؤم في تلك الصلاة حتى لا يتوهم ان الامة المحمدية سلبت الولاية فبعد تقرير ذلك في أول مرة يكون الامام هو عيسى عليه الصلاة والسلام لكونه افضل من المهدي فالجواب الأصلي لأمير المسلمين هو قوله لا فإنها لك أقيمت كما عند ابن ماجة وغيره عن أبي أمامة وبعد أن كانت أقيمت له لو تقدم عيسى (صلى الله عليه وسلم) أوهم عزل الامير بخلاف ما بعد ذلك وهذا كإشارة نبينا (صلى الله عليه وسلم) لأبي بكر رضي الله عنه بعد ما كان شرع في الصلاة أن لا يتأخر يعني أؤم في هذه الصلاة لأنها لك أقيمت ثم ذكر قوله تكرمة الله هذه الامة لفائدة زائدة وهى ان الامة على ولايتها وعيسى (عليه السلام) أيضا حينئذ منهم لا التعليل لعدم امامته حتى يتوهم استمرار عدمها انتهى.
وقال الشيخ عبد الرحمن المباركفوري ١٣٥٣ في تحفة الاحوذي شرح جامع الترمذي في باب ما جاء في المهدى:
قلت الاحاديث الواردة في خروج المهدي كثيرة جدا ولكن اكثرها ضعاف ولا شك في ان حديث عبد الله بن مسعود الذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح الاحتجاج بلا مرية فالقول بخروج المهدي وظهوره هو الحق والصواب والله اعلم.
هذه بعض الكلمات التي وقفت عليها لبعض أهل السنة والاثر في شأن المهدي والاحتجاج بالاحاديث الواردة فيه، وأعني بأهل السنة والاثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ممن جعل مستنده في الاعتقاد كتاب الله وما ثبت عن رسوله (صلى الله عليه وسلم) دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولا، وليس كل الذين نقلت كلامهم فيما تقدم بهذه المثابة بل منهم من هو على المعتقد الذي رجع عنه أبو الحسن الاشعري رحمه الله وبعض هؤلاء ممن له عناية بالآثار وتمييز صحيحها من ضعيفها وذلك ان الحق يقبل من كل من جاء به وليعلم ان الاحاديث في المهدي قد تلقتها الامة من اهل السنة والاشاعرة بالقبول الا من شذ.

↑صفحة ٤٢٢↑

٨ - ذكر من وقفت عليه ممن حكى عنه انكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه مع مناقشة كلامه باختصار.
فان قال قائل: قد اكثرت من النقل عن أهل العلم في اثبات خروج المهدي في آخر الزمان فلماذا؟ وهل وقفت على ذكر انكار أحد لخروج المهدي أو التردد في شأنه على الاقل؟.
والجواب عن السؤال الاول هو:
إنني أوردت بعض ما وقفت عليه من كلام اهل العلم بشأن خروج المهدي في آخر الزمان لتزداد ايها المستمع ثباتا ويقينا بأن اعتقاد خروجه آخر الزمان هو الجادة المسلوكة ولتعلم انه الحق الذي لا يسوغ العدول عنه والالتفات الى غيره وعمدة اهل العلم في ذلك الاحاديث الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ذلك اذ لا مجال للرأي في مثل هذا الامر بل سبيله الوحيد هو الوحى لأنه من الامور الغيبية.
أما الجواب عن السؤال الثاني فهو انى لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي أو تردد فيها سوى رجلين اثنين أما احدهما فهو ابو محمد بن الوليد البغدادي الذي ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية في منهاج السنة وقد مضى حكاية كلام شيخ الاسلام عنه وانه قد اعتمد على حديث لا مهدي الا عيسى بن مريم وقال ابن تميمة وليس مما يعتمد عليه لضعفه انتهى وسبق في أثناء كلام الذين نقلت عنهم انه لو صح هذا الحديث فالجمع بينه وبين احاديث المهدى ممكن. ولم أقف على ترجمة لابي محمد المذكور.
واما الثاني فهو عبد الرحمن بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيف لاحاديث المهدي وقد رجعت الى كلامه في مقدمة تاريخه فظهر لي منه التردد لا الجزم بالإنكار، وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ونكوب عن الجادة المطروقة وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه الاذاعة حيث قال: لا شك ان المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر وعام لما تواتر من الاخبار في الباب واتفق عليه جمهور الامة خلفا عن سلف الا من لا يعتد بخلافه - وقال: لا معنى للريب في امر ذلك الفاطمي الموعود والمنتظر المدلول عليه بالأدلة بل انكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة البالغة الى حد التواتر انتهى.
ولي ملاحظات على كلام ابن خلدون أرى ان اشير اليها هنا:
الاولى: انه لو حصل التردد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث لاعتبر ذلك زللا منه فكيف اذا كان من الاخباريين الذين هم ليسوا من اهل الاختصاص وقد احسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لاحاديث المسند حيث قال: - اما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها وقال انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدى تهافتا

↑صفحة ٤٢٣↑

عجيبا وغلط أغلاطا واضحة وقال ان ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين. الجرح مقدم على التعديل» ولو اطلع على اقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال:
الثانية: صدر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدى بقوله:
اعلم ان في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار انه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى بالمهدى ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على اثره وان عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الشأن بأحاديث خرجها الائمة وتكلم فيها المنكرون لذلك وربما عارضوها ببعض الاخبار.
أقول هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون وهى ان اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار، الا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الاعصار كما ذكر ابن خلدون نفسه، وهل ذلك إلّا شذوذ بعد معرفة أن الكافة على خلافه وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ والامر ليس اجتهاديا وانما هو غيبي لا يسوغ لاحد اثباته الا بدليل من كتاب الله أو سنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) والدليل معهم وهم أهل الاختصاص.
الثالثة: انه قال قبل ايراد الاحاديث:
ونحن الان نذكر هنا الاحاديث الواردة في هذا الشأن وقال في نهايتها فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وقال في موضع آخر بعد ذلك وما أورده اهل الحديث من اخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا.
واقول انه قد خانه الشيء الكثير كما يتضح ذلك بالرجوع الى ما اثبته السيوطي في العرف الوردي في اخبار المهدي عن الأئمة، بل ان مما فاته الحديث الذي ذكره ابن القيم في المنار المنيف عن الحارث ابن ابى اسامة وقال اسناده جيد وتقدم ذكره بسنده وحاصل ما قيل في رجاله.
الرابعة: وقال ان جماعة من الأئمة خرجوا احاديث المهدي فذكرهم وذكر الصحابة الذين اسندوها اليهم ثم قال ربما يعرض لأسانيدها المنكرون كما نذكره الا ان المعروف عند اهل الحديث ان الجرح مقدم على التعديل فاذا وجدنا طعنا ببعض رجال الاسانيد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك الى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق الى رجال الصحيحين. فان الاجماع قد اتصل في الامة على تلقيهما بالقبول والعمل بما فيهما وفي الاجماع اعظم حماية واحسن دفعا وليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد نجد مجالا للكلام في اسانيدها بما نقل عن أئمة الحديث في ذلك انتهى. أقول: إن ابن خلدون أورد بعض الاحاديث

↑صفحة ٤٢٤↑

وقدح فيها برجال في اسانيدها هم من رجال الصحيحين أو احدهما وذلك تناقض يخالف المبدأ الذي رسمه لنفسه وهو قوله: ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق لرجال الصحيحين، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على صحة ما ذكره عنه الشيخ أحمد شاكر حيث قال: أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها، ومما أورده من الاحاديث وقدح فيه برجال هم من رجال الصحيحين أو احدهما قوله: وخرج الحاكم في المستدرك عن على رضي الله عنه من رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال كنا عند على رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال له هيهات ثم عقد بيده سبقا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان اذا قال الرجل الله الله قتل الى آخر الحديث قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، انتهى ثم قال ابن خلدون وانما هو على شرط مسلم فقط فان فيه عمارا الدهني ويونس ابن أبي اسحاق لم يخرج لهما البخاري وفيه عمرو بن محمد المنقري ولم يخرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم الى ذلك من تشيع عمار الدهني وهو وان وثقه أحمد وابن معين وابو حاتم والنسائي وغيرهم فقد قال على ابن المديني عن سفيان أن بشر بن مروان قطع عرقوبية قلت في أي شيء قال في التشيع انتهى وهؤلاء الثلاثة الذين قدح في الحديث من اجلهم هم من رجال مسلم، وذلك مناقض للخطة التي رسمها أولا كما هو واضح.
الخامسة: ان ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض احاديث المهدي من النقد حيث قال بعد ايراد الاحاديث في المهدى: فهذه جملة الاحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهى كما رأيت لم يخلص منها من النقد الا القليل والاقل منه انتهى واقول ان القليل الذي يسلم من النقد يكفى للاحتجاج به ويكون الكثير الذي لم يسلم عاضدا له ومقويا على انه قد سلم الشيء الكثير كما تقدم ذلك في حكاية كلام القاضي محمد بن على الشوكاني الذي حكى تواترها وقال ان فيها خمسين حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، ثم انه في آخر البحث ذكر ما يفيد تردده في أمر المهدي وذلك يفيد عدم ثبات رأيه لكونه تكلم فيه بما ليس باختصاصه.
هذه بعض الملاحظات على كلام ابن خلدون في شأن المهدي سأستوفى الكلام فيها مع ملاحظات أخرى عليه في الرسالة التي أنا بصدد تأليفها في هذا الموضوع ان شاء الله تعالى:
وقد اطلعت على رسالة لأبي الاعلى المودودي اسمها «البيانات» تكلم فيها عن ظهور المهدي لاحظت فيها امورا لا يتسع الوقت لاستيفائها جميعها ولكنى اشير الى ثلاثة منها.
الاول في قوله: والاحاديث في هذه المسألة على نوعين احاديث فيها

↑صفحة ٤٢٥↑

الصراحة بكلمة المهدي واحاديث انما اخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ويعلي كلمة الاسلام وليس سند اي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت امام مقياس الامام البخاري لنقد الروايات فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه وكذلك ما ذكر منها الامام مسلم الا رواية واحدة في صحيحه ولكن ما جاءت فيها ايضا الصراحة بكلمة المهدي انتهى، أقول:
ان احاديث المهدي وان لم ترد في الصحيحين بالتفصيل الذي جاء في غيرهما فعدم ورودها فيهما لا يقدح فيها لما كانت قد ثبتت في غيرهما ومعلوم أن غير الصحيح من السنن والمسانيد والاجزاء فيها الصحاح والحسان والضعاف وعلماء الحديث قد قبلوها واحتجوا بها واعتقدوا موجبها.
وكتب الاصول والفروع مملوءة من الاحاديث الصحيحة في غير الصحيحين يوردونها للاستدلال بها. وبهذه المناسبة أرى أن أذكر بعض الاحاديث التي وردت في السنن والمسانيد وغيرهما والتي يستدل بها في كتب العقائد وذلك على سبيل التمثيل:
١ - الحديث المشتمل على العشرة المبشرين في الجنة رضي الله عنهم فانه في السنن ومسند الامام أحمد وغيره وليس في الصحيحين ومع ذلك اعتقدت الامة موجبه وقل ان يوجد مؤلف في العقائد ولو كان مختصرا إلا وهو متضمن التنصيص على ذكرهم والشهادة لهم بالجنة بناء على الاحاديث الواردة في ذلك في غير الصحيحين كما ان هناك أناسا آخرين من الصحابة شهد لهم بالجنة لكن اختص هؤلاء بلفظ العشرة لان النبي (صلى الله عليه وسلم) جمعهم في حديث فقال ابو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلى في الجنة وطلحة في الجنة والزبير بن العوام في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في الجنة وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة وقد وردت الشهادة لبعضهم في الجنة في الصحيحين لكن الجمع بينهم جميعهم انما جاء في غير الصحيحين رضي الله عنهم وارضاهم وحشرنا في زمرتهم وثبتنا على السنة حتى نلحق بهم.
٢ -  الحديث الدال على ان نسمة المؤمن طائر يعلق في الجنة لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد الناس موجبه واستدلوا به وأورده شارح الطحاوية وغيره وقد اورده ابن كثير في تفسيره لقوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا فقال: وقد روينا في مسند الامام أحمد بن حنبل حديثا فيه البشارة لكل مؤمن بان روحه تكون في الجنة تسرح فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما اعد الله لها من الكرامة وهو بإسناد صحيح عزيز عظيم اجتمع فيه ثلاثة من الأئمة الاربعة اصحاب المذاهب المتبعة فان الامام احمد رحمه الله رواه عن محمد بن ادريس الشافعي

↑صفحة ٤٢٦↑

رحمه الله من مالك بن انس الأصبحي رحمه الله عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله الى جسده يوم يبعثه ونسأل الله الذي جمعهم في سند هذا الحديث ان يجمع أرواحهم فيما يقتضيه متنه وايانا بمنه وكرمه. وهذا انما هو بالنسبة لغير الشهداء أما الشهداء فقد جاء في صحيح مسلم وغيره أن أرواحهم في أجواف طير خضر.
٣ -  حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل في نعيم القبر الذي وصف فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما يجرى عند الموت حتى البعث وهو في مسند الامام احمد وغيره ولبعضه شواهد في الصحيح وقد أورده شارح الطحاوية وقال عقب ايراده وذهب الى موجب هذا الحديث جميع اهل السنة والحديث. وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملكين السائلين في القبر بالمنكر والنكير لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد موجبه أهل السنة واورده شارح الطحاوية مستدلا به.
٤ - الحديث الذي رواه الامام أحمد وغيره الدال على وزن الاعمال وهو حديث البطاقة والسجلات لم يرد في الصحيحين واعتقد اهل السنة موجبه وأورده شارح الطحاوية للاستدلال به على ان ميزان الاعمال له كفتان وعلى وزن صحائف الاعمال، ولا يتسع المقام لا يراد الكثير من الامثلة في ذلك فاكتفى بهذا القدر.
والحاصل أن الاحاديث اذا كانت صحيحة يجب العمل بموجبها سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما ومن ذلك احاديث المهدي.
الثاني من الامور التي لاحظتها في كلمة أبي الاعلى المودودي عن المهدي في كتابه البيانات في قوله «ولا يمكن بتأويل مستبعد ان في الاسلام يأتي تأويل مستبعد ان في الاسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدوية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الايمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والاخرة. اقول بل الذي لا شك فيه انه يستنبط من الاحاديث الصحيحة في شأن المهدي حصول الاخبار من الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) بوجود امام للمسلمين عند نزول عيسى بن مريم يوافق اسمه اسم النبي (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه اسم ابى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن أهل بيته ويقال له المهدي والواجب على كل مسلم ان يصدق أخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي يخبر بها عن امور مغيبة مطلقا بما في ذلك أخبار المستقبل كإخباره عن المهدي وعن الدجال وما الى ذلك من الاخبار.
الثالث: في قوله «ومما يناسب ذكره بهذا الصدد انه ليس من عقائد الاسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد».
أقول من عقائد أهل السنة التصديق

↑صفحة ٤٢٧↑

بكل ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الاخبار ومن ذلك اخباره بشأن المهدى، وكتب العقائد عند اهل السنة قد أوضحت ذلك فقد قال الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ١١٨٨ هـ في نظمه لعقيدة السلف المسمى «الدرة المعنية في عقد الفرقة المرضية».
وما أتى بالنص من أشراط فكله حق بلا شطاط منها الامام الخاتم الفصيح محمد المهدي والمسيح ثم انه أوضح ذلك في شرحه المسمى بلوامع الانوار البهية فقال تنبيه:
قد كثرت الاقوال في المهدي حتى قيل لا مهدى الا عيسى بن مريم والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسى وانه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتى عد من معتقداتهم ثم ذكر بعض الآثار والاحاديث في خروج المهدي واسماء بعض الصحابة الذين رووها ثم قال وقد روى عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي الله عنهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة انتهى.
وكما انه مدون في كتب العقائد عند اهل السنة والجماعة فهو أيضا مدون في كتب العقائد التي تمسك أربابها بمذهب ابى الحسن الأشعري قبل رجوعه الى عقيدة أهل السنة والجماعة، وقد تقدم نص كلام الشيخ ملا علي قاري الحنفي الذي هو على مذهب الأشاعرة والذى نقلته من شرحه على الفقه الاكبر وفيه ترتيبه لأشراط الساعة القريبة من قيامها وجعله خروج المهدي أولها وان عيسى عليه الصلاة والسلام يصلي خلفه وفيه قوله: وفي شرح العقائد: الاصح ان عيسى عليه الصلاة والسلام يصلى بالناس ويؤمهم ويقتدى به المهدي لأنه افضل وامامته أولى انتهى.
وكذا تقدم في كلام الشيخ عبد الرؤوف المناوي قوله بعد ذكر ائتمام عيسى بالمهدى: ولا ينافى ما ذكر في هذا الحديث ما اقتضاه بعض الآثار من ان عيسى هو الامام بالمهدى وجزم به السعد التفتازاني بأفضليته وعلله لإمكان الجمع بأن عيسى يقتدي بالمهدى أولا ليظهر انه نزل تابعا لنبينا حاكما بشرعه ثم بعد ذلك يقتدى المهدي به على اصل القاعدة من اقتداء المفضول بالفاضل انتهى.
ذكر بعض ما قد يظن تعارضه مع الاحاديث الواردة في المهدي مع الجواب عن ذلك:
١ - تقدم في اثناء كلام الائمة الذين حكيت كلامهم ان حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم لا يتعارض مع الاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لضعفه ولإمكان الجمع بينها لو صح بأن يكون معناه لا مهدى كاملا معصوما الا عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٤٢٨↑

وذلك ينفي ان يكون غيره مهديا غير معصوم كالمهدى الذي دلت عليه الاحاديث.
٢ - ان ما دلت عليه أحاديث المهدي من قيام المهدي بنصرة الدين وامتلاء الارض في زمانه من العدل لا ينافيه وجود الدجال واتباعه في زمانه ومعاداتهم للمسلمين وكذا الادلة الدالة على بقاء الاشرار مع الاخيار حتى تخرج الريح اللية التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة ولا يبقى بعد ذلك الاشرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة، لان المراد مما جاء في احاديث المهدي كثرة الخير وقوة اهل الاسلام وحصول الغلبة لهم وقهرهم لغيرهم وهذا لا ينفي وجود اشرار مغمورين في زمانه كما اننا نعتقد ان الرسول (صلى الله عليه وسلم) وخلفاءه الراشدين رضي الله عنهم قد ملأوا الارض عدلا ومع ذلك في الارض في زمانهم من أعدائهم الكثير قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم اجمعين.
٣ - ان ما دلت عليه احاديث المهدي من امتلاء الارض ظلما وجورا قبل خروجه لا يدل على خلو الارض من أهل الخير قبل زمانه فالرسول (صلى الله عليه وسلم) اخبر في احاديث صحيحة بأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله ومنها الحديث الذي رواه مسلم عن جابر انه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول لا تزال طائفة من امتى يقاتلون على الحق ظاهرين انى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول اميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض امراء تكرمة الله هذه الامة، وهذه الاحاديث واحاديث المهدي تدل على أن الحق مستمر لا ينقطع لكنه في بعض الازمان يكون لأهله الغلبة ويحصل له الانتشار كما في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين وكما في زمن المهدي وعيسى بن مريم وفي بعض الازمان يتضاءل هذا الانتشار ويضعف أهله أما ان الحق يتلاشى ويضمحل فهذا ما لم يكن فيما مضى منذ زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا يكون في المستقبل حتى خروج الريح التي تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة كما اخبر بذلك الذي لا ينطق عن الهوى صلوات وسلامه عليه فما من زمن في الماضي الا وقد هيأ الله لهذا الدين من يقوم به وفي هذا الزمن الذي تكالب اعداء الاسلام عليه وغزى بأبنائه المنتسبين اليه أعظم من غزوه بأعدائه لم تخل الارض من اقامة شعائر الدين الإسلامي ومن ذلك ما امتن به على حكومة البلاد المقدسة من التوفيق لتحكيم الشريعة وتعميم المحاكم الشرعية في مدن المملكة وقراها يتحاكم الناس فيها الى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) على وجه لا نظير له في سائر أنحاء الارض فيما نعلم فيرجم الزاني المحصن ويجلد البكر ويحد شارب الخمر وتقطع يد السارق ويقتل القاتل وغير ذلك وما حصل في هذه

↑صفحة ٤٢٩↑

البلاد من الامن والاستقرار ورغد العيش انما هو من الثواب المعجل على القيام بالدين زادها الله من كل خير وحماها من كل شر ووفق المسلمين جميعا في سائر انحاء الارض لما فيه عزهم وسعادتهم في دنياهم واخراهم.
كلمة ختامية:
ان احاديث المهدي الكثيرة التي الف فيها مؤلفون وحكى تواترها جماعة واعتقد موجبها اهل السنة والجماعة وغيرهم من الاشاعرة تدل على حقيقة ثابتة بلا شك هي حصول مقتضاها في آخر الزمان ولا صلة البتة لهذه الحقيقة الثابتة عند اهل السنة بالعقيدة الشيعية فان ما يعتقده الشيعة من خروج مهدي منتظر يسمى محمد بن الحسن العسكري من نسل الحسين رضي الله عنه لا حقيقة له ولا اصل وعقيدتهم بالنسبة لمهديهم في الحقيقة عقيدة موهومة كما ان إمامة الائمة الماضين عندهم في الحقيقة امامة موهومة لا حقيقة لها ولا وجود الا امامة على ابن ابى طالب وابنه الحسن رضي الله عنهما وهما بريئان منهم ومن اعتقادهم بلا شك اما اهل السنة فمعتقدهم في الماضي حقيقة موجودة وسادات الأئمة عندهم هم الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وقد تولوا الامامة حقا وكانوا احق بها وأهلها ومعتقدهم في المستقبل عند نزول عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) حقيقة ثابتة بلا شك أيضا فلا عبرة بقول من قفا ما ليس له به علم وقال ان الاحاديث في المهدي لا تصح نسبتها الى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأنها من وضع الشيعة كما تقدمت الاشارة الى هذا في اول المحاضرة.
واذا فان احاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها واثباتها في دواوين أهل السنة يصعب كثيرا القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها الا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها، والتصديق بها داخل في الايمان بأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لان من الايمان به (صلى الله عليه وسلم) تصديقه فيما أخبر به وداخل في الايمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب وداخل في الايمان بالقدر فان سبيل علم الخلق بما قدره الله امران:
أحدهما وقوع الشيء فكل ما كان ووقع علمنا ان الله قد شاءه لأنه لا يكون ولا يقع الا ما شاءه الله وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

↑صفحة ٤٣٠↑

الثاني: الاخبار بالشيء الماضي الذي وقع وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) فكل ما ثبت اخباره به من الاخبار في الماضي علمنا بأنه كان على وفق خبره (صلى الله عليه وسلم) وكل ما ثبت اخباره عنه مما يقع في المستقبل نعلم بأن الله قد شاءه وانه لا بد وان يقع على وفق خبره (صلى الله عليه وسلم) كإخباره (صلى الله عليه وسلم) بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان واخباره بخروج المهدي وبخروج الدجال وغير ذلك من الاخبار فإنكار احاديث المهدي أو التردد في شانه أمر خطير نسال الله السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات، اللهم زينا بزينة الايمان واجعلنا هداة مهتدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.؟
وبعد انتهاء المحاضر من القاء هذه المحاضرة قام فضيلة نائب رئيس الجامعة الاسلامية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز فعلق على المحاضرة بالكلمة التالية نقلت من شريط التسجيل وعرضت على فضيلته بعد نقلها فأذن بنشرها.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فانا نشكر محاضرنا الاستاذ الفاضل الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد على هذه المحاضرة القيمة الواسعة فلقد اجاد فيها وافاد واستوفى المقام حقا فيما يتعلق بالمهدى المنتظر مهدى الحق، ولا مزيد على ما بسطه من الكلام فقد بسط واعتنى وذكر الاحاديث، وذكر كلام اهل العلم في هذا الباب وقد وفق للصواب وهدى الى الحق، فجزاه الله عن محاضرته خيرا وجزاه الله عن جهوده خيرا وضاعف له المثوبة وأعانه على التكميل والاتمام لرسالته في هذا الموضوع، وسوف نقوم - ان شاء الله - بطبعها بعد انتهائه منها لعظم فائدتها ومسيس الحاجة اليها والخلاصة التي أعلقها على هذه المحاضرة القيمة ان أقول:
ان الحق والصواب هو ما ابداه فضيلته في هذه المحاضرة، كما بينه أهل العلم فأمر المهدي أمر معلوم والاحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم: تواترها، كما حكاه الاستاذ في هذه المحاضرة وهى متواترة تواترا معنويا لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها والفاظها

↑صفحة ٤٣١↑

فهي بحق تدل على ان هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق وهو (محمد بن عبد الله العلوى الحسني من ذرية الحسن بن علي بن ابى طالب رضي الله عنه وهذا الامام من رحمة الله (عزَّ وجلَّ) بالأمة في آخر الزمان يخرج فيقيم العدل والحق ويمنع الظلم والجور، وينشر الله به لواء الخير على الامة عدلا وهداية وتوفيقا وارشادا للناس.
وقد اطلعت على كثير من احاديثه فرأيتها كما قال الشوكاني وغيره، وكما قال ابن القيم وغيره: فيها الصحيح وفيها الحسن، وفيها الضعيف المنجبر، وفيها اخبار موضوعة، ويكفينا من ذلك ما استقام سنده سواء كان صحيحا لذاته أو لغيره وسواء كان حسنا لذاته أو لغيره، وهكذا الاحاديث الضعيفة اذا انجبرت وشد بعضها بعضا فإنها حجة عند أهل العلم.
فان المقبول عندهم اربعة أقسام:
صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته وحسن لغيره. هذا ما عدا المتواتر، أما المتواتر فكله مقبول سواء كان تواتره لفظيا أو معنويا فأحاديث المهدي من هذا الباب متواترة تواترا معنويا، فتقبل بتواترها من جهة اختلاف الفاظها ومعانيها وكثرة طرقها وتعدد مخارجها. ونص أهل العلم الموثوق بهم على ثبوتها وتواترها. وقد رأينا أهل العلم اثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك، والحق ان جمهور اهل العلم بل هو الاتفاق على ثبوت امر المهدى، وانه حق، وانه سيخرج في آخر الزمان اما من شذ عن اهل العلم في هذا الباب فلا يلتفت الى كلامه في ذلك واما ما قاله الحافظ اسماعيل بن كثير رحمه الله عليه في كتابه التفسير في سورة المائدة عند ذكر النقباء، وان المهدى: يمكن ان يكون احد الأئمة الاثني عشر فهذا: محل نظر، فان الرسول عليه الصلاة والسلام قال:
لا يزال أمر هذه الامة قائما ما ولى عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فقوله: لا يزال أمر هذه الامة قائما.
يدل على ان الدين في زمانهم قائم، والامر نافذ، والحق ظاهر. ومعلوم ان هذا انما كان قبل انقراض دولة بني أمية، وقد جرى في آخرها اختلاف تفرق بسببه الناس، وجعل نكبة على المسلمين وانقسم امر المسلمين الى خلافتين: خلافة في الاندلس وخلافة في العراق، وجرى من الخطوب والشرور ما هو معلوم.

↑صفحة ٤٣٢↑

والرسول عليه الصلاة والسلام قال:
لا يزال أمر هذه الامة قائما: ثم جرى بعد ذلك أمور عظيمة حتى اختل نظام الخلافة وصار على كل جهة من جهات المسلمين أمير وحاكم وصارت دويلات كثيرة. وفي زماننا هذا اعظم وأكثر.
والمهدي حتى الآن لم يخرج، فكيف يصح ان يقال ان الامر قائم الى خروج المهدي هذا لا يمكن ان يقوله من تأمل ونظر.؟

والاقرب في هذا كما قاله جماعة من أهل العلم: ان مراد النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا الحديث لا يزال أمر هذه الامة قائما ما ولي عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ان مراده من ذلك: الخلفاء الاربعة، ومعاوية رضي الله عنه وابنه يزيد، ثم عبد الملك بن مروان واولاده الاربعة وعمر بن عبد العزيز هؤلاء اثنا عشر خليفة والمقصودان الأئمة الاثني عشر في الاقرب والاصوب ينتهى عددهم بهشام بن عبد الملك، فان الدين في زمانهم قائم والاسلام منتشر والحق ظاهر والجهاد قائم، وما وقع بعد موت يزيد من الاختلاف والانشقاق في الخلافة وتولى مروان في الشام وابن الزبير في الحجاز لم يضر المسلمين في ظهور دينهم، فدينهم ظاهر وأمرهم قائم وعدوهم مقهور مع وجود هذا الخلاف الذي جرى ثم زال بحمد الله بتمام البيعة لعبد الملك واجتماع الناس بعد ما جرى من الخطوب على يد الحجاج وغيره وبهذا يتبين ان هذا الامر الذي اخبر به (صلى الله عليه وسلم) قد وقع ومضى وانتهى، وامر المهدي يكون في آخر الزمان وليس له تعلق بحديث جابر بن سمرة. أما كون المهدي يكون عند نزول عيسى فقد قال ابن كثير في الفتن والملاحم: أظنه يكون عند نزول المسيح، والحديث الذي رواه الحارث بن ابى أسامة يرشد الى هذا ويدل على هذا لأنه قال اميرهم المهدي فهو يرشد الى انه يكون عند نزول عيسى ابن مريم كما يرشد اليه بعض روايات مسلم وبعض الروايات الاخرى لكن ليست بالصريحة فهذا هو الأقوم والاظهر ولكنه ليس بالأمر القطعي. اما كونه سيخرج او ويوجد في آخر الزمان كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) فهذا أمر معلوم.
والاحاديث ظاهرة في ذلك، والحق كما قاله الأئمة والعلماء في ذلك انه لا بد من خروجه وظهوره.
وأما امر المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وأمر المسيح الدجال فأمرهما أظهر وأظهر فالأمر فيها قطعي وقد اجمع على ذلك علماء

↑صفحة ٤٣٣↑

الامة وبينوا للناس ان المسيح نازل في آخر الزمان كما ان الدجال خارج في آخر الزمان وقد تواترت بذلك الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وكلها صحيحة متواترة بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان وحكمه بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام وقتله الدجال مسيح الضلالة.
هذا حق وهكذا خروج الدجال حق أما من انكر ذلك وزعم ان نزول المسيح بن مريم ووجود المهدي اشارة الى ظهور الخير، وان وجود الدجال ويأجوج ومأجوج وما اشبه ذلك اشارة الى ظهور الشر فهذه اقوال فاسدة بل باطلة في الحقيقة لا ينبغي ان تذكر فأهلها قد حادوا عن الصواب وقالوا امرا منكرا، وامرا خطيرا لا وجه له في الشرع ولا وجه له في الاثر ولا في النظر والواجب تلقى ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالقبول والايمان به والتسليم، فمتى صح الخبر عن رسول الله فلا يجوز لاحد ان يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم كما قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿فَلاَ ورَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.
وقد اخبر (صلى الله عليه وسلم) بهذا الامر عن الدجال وعن المهدي وعن عيسى المسيح بن مريم ووجب تلقى ما قاله بالقبول والايمان بذلك والحذر من تحكيم الرأي والتقليد الاعمى الذي يضر صاحبه ولا ينفعه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وأسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يوفق الجميع لما فيه رضاه وان يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات على الحق حتى نلقى ربنا سبحانه وتعالى واعود ايضا فاشكر فضيلة الاستاد على محاضرته القيمة الواسعة واسأل الله له المعونة على الاتمام والاكمال حتى تطبع وتنشر فينتفع بها الناس وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

↑صفحة ٤٣٤↑

الرد على من كذب بالاحاديث الصحيحة الواردة في المهدي

هذا العنوان لمقال مفصل هو كرسالة حول «المهدي المنتظر ع» لفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد عضو هيئة التدريس في الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة.
ولهذا المقال مقدمة ترتبط بحادثة مسجد الحرام، التي كانت في يوم الثلاثاء الموافق الأول من شهر المحرم من عام الف واربعمائة من الهجرة.
فادعى الكاتب أن عوامل الحادثة قدموا شخصا زعموه المهدي الذي جاء ذكره في الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
وبعد ان وقع ما وقع - من جرّاء هذه الحادثة وتدمير هؤلاء في نفس المسجد بيد الحكومة السعودية - وصدرت من الشيخ عبد الله بن زيد المحمود

↑صفحة ٤٣٦↑

(رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر) رسالة في إنكار المهدي المنتظر كتب الشيخ محسن عباد مقدمة في توضيح هذه الحادثة وتوجيه مقابلة الحكومة السعودية معهم بالقتل والتشريد والتدمير.
ثم استمر في البحث حول «الهدي المنتظر» والرد على الشيخ القطري كلمة بعد كلمة الى آخر المقال.
فانتهى في رده الى رقم ٣٣ من مواضيع كلام الشيخ في عدد ٤٥ من المجلة ثم بدء من رقم ٣٤ الى آخر المقال في عدد ٤٦ من المجلة.
ولما كانت قسم المقدمة خارجة عن موضوع الكتاب تركناه وبدأنا بالقسم المرتبط بالمهدي المنتظر (ع) وهو موضوع الكتاب وإليك نص المقال...

↑صفحة ٤٣٧↑

هوية المجلة (العدد ٤٥)
مجلة الجامعة الاسلامية واذ جعلنا البيت مثابة للنّاس وامنا
العدد ٤٥
العدد الاول من السنة الثانية عشرة محرم دمشقي ربيع أول سنة؟؟؟اه
عدد خاصّ

↑صفحة ٤٣٨↑

الرد على من كذّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لفضيلة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العباد/عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية

↑صفحة ٤٣٩↑

وعلى أثر وقوع هذا الحادث المؤلم لقلب كل مسلم حصلت بعض التساؤلات عن خروج المهدي في اخر الزمان وهل صح فيه شيء من الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأوضح بعض العلماء في الإذاعة والصحف صحة كثير من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس ادارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد فقد تحدث في الإذاعة وكتب في بعض الصحف مبينا ثبوت ذلك بالأحاديث المستفيضة الصحيحة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومستنكرا ما قام به هؤلاء المبطلون من الاعتداء في بيت الله الحرام ومنهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح امام وخطيب المسجد النبوي الشريف فقد ندد في إحدى خطب الجمعة باعتداء هذه الفئة الاثمة الظالمة وبين أنهم ومن زعموه المهدي في واد والمهدى الذي جاء ذكره في الأحاديث في واد اخر.
وحصل في مقابل ذلك أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر رسالة سماها «لا مهدى ينتظر بعد الرسول خير البشر» نحا فيها منحى بعض الكتاب في القرن الرابع عشر ممن ليست لهم خبرة بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعرفة صحيحه وسقيمه وفيهم من تعويله على الشبهات العقلية وكذب بكل ما ورد في المهدي وقال كما قالوا أنها أحاديث خرافة وأنها وأنها... الخ.
وقد رأيت كتابة هذه السطور مبينا أخطاءه وأوهامه في هذه الرسالة وموضحا أن القول بخروج المهدي في اخر الزمان هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهو ما عليه العلماء من أهل السنة والاثر في القديم والحديث إلا من شذ.
ومن المناسب ان أشير هنا إلى أنني سبق أن كتبت بحثا بعنوان «عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر» وقد نشر هذا البحث في العدد الثالث من السنة الأولى من مجلة الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة الصادر في شهر ذي القعدة عام ١٣٨٨ هـ يشتمل هذا البحث على عشرة أمور.
الأول: في ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
الثاني: في ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.
الثالث: في ذكر العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف.
الرابع: في ذكر العلماء الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي وحكاية كلامهم في ذلك.
الخامس: في ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث التي لها تعلق بشأن المهدى.
السادس: في ذكر بعض الأحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين مع الكلام على أسانيد بعضها.
السابع: في ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.
الثامن: في ذكر من وقفت عليه ممن حكى عنه إنكار الأحاديث في المهدي او التردد فيها مع مناقشة كلامه باختصار.
التاسع: في ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي والجواب عن ذلك.
العاشر: كلمة ختامية في بيان أن التصديق بخروج المهدي في اخر الزمان من الإيمان بالغيب. وأن لا علاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة.

* * *

١ - سمى الشيخ ابن محمود رسالته «لا مهدى ينتظر بعد الرسول خير البشر» وقال في ص ١٤:
يا معشر العلماء والمتعلمين والناس أجمعين أنه يجب علينا بأن يكون تعليمنا واعتقادنا قائما على أنه لا مهدى بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما لا نبي بعده.

↑صفحة ٤٤٠↑

وقال في ص ٢٩:
والحق الذي نعتقده وندعو الناس الى العلم به والعمل بموجبه هو انه لا مهدى بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما لا نبي بعده.
اقول: اولا: هذه التسمية وهى قوله: لا مهدى ينتظر بعد الرسول خير البشر فيها اطلاق يدخل فيه انكار خروج المهدي في آخر الزمان ويفهم من جملة «بعد الرسول خير البشر» انكار نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان ولو كانت هذه العبارات فيها تقييد لا يفهم منه احتمال انكار نزول عيسى عليه الصلاة والسلام لكان بعض الشر اهون من بعض.
ثم ان الرسالة لم تشتمل على التصريح بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام الا ضمن كلام أهل السنة الذين الفت الرسالة للإنكار عليهم بل اشتملت في ص ٥١ على إيراد حديث فيه نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله الدجال وصلاته خلف المهدي قال فيه الشيخ ابن محمود نقلا عن الشيخ على القاري في كتابه الموضوعات الكبير أنه موضوع مع ان الشيخ علي القاري لم يقل فيه انه موضوع بل قال عنه في كتابه المذكور انه ثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما سيأتي نقل كلامه بلفظه.
ثانيا: هذه الدعوة الى انكار خروج المهدي في آخر الزمان دعوة الى انكار ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الاحاديث في ذلك ودعوة الى سلوك مسلك يخالف ما درج عليه العلماء من أهل السنة مثل البيهقي والعقيلي والخطابي والقاضي عياض والقرطبي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم.
٢ -  وقال الشيخ عبد الله بن محمود في ص ٣:
وان فكرة المهدي ليست في اصلها من عقائد أهل السنة القدماء فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين انتهى.
والجواب ان الاحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفي خروج المهدي في اخر الزمان قد تلقاها عنه الصحابة رضي الله عنهم وتلقاها عنهم التابعون فكيف يقال أنه لم يكن لذلك ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين وقد قال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح كما في كتاب الاذاعة لصديق حسن خان: والاحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهى متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول وأما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. انتهى.
٣ - قال الشيخ ابن محمود في ص ٣:
وان أصل من تبنى هذه الفكرة - يعنى فكرة المهدي - والعقيدة هم الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو الامام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري فسرت هذه الفكرة وهذا الاعتقاد بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة فدخلت معتقدهم وهى ليست من أصل عقيدتهم، انتهى.

↑صفحة ٤٤١↑

وقال أيضا في صفحة ٣٠:
والمهدي في مبدأ دعوته واحد وليس باثنين فلم يقل أحد أنهما مهديان وإنما هو مهدى واحد تنازعته أفكار الشيعة وأفكار بعض أهل السنة فكل لوم أو ذم ينحى به على الشيعة لإيمانهم بإمامهم محمد بن الحسن الذي هو في السرداب فإنه ينطبق بطريق التطابق والموافقة على أهل السنة الذين يصدقون بالمهدى المجهول في عالم الغيب فهما في فساد الاعتقاد به سيان. انتهى.
والجواب ان هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين الشيعة وأهل السنة فالمهدى عند أهل السنة لا يعدو كونه اماما من أئمة المسلمين الذين ينشرون العدل ويطبقون شريعة الاسلام يولد في اخر الزمان ويتولى امرة المسلمين ويكون خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في زمانه وهو غير معصوم ومستندهم في ذلك أحاديث ثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مدونة في دواوين أهل السنة قال بصحتها وثبوتها جهابذة أهل العلم المعتد بهم مثل البيهقي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم.
أما المهدي عند الشيعة فهو محمد بن الحسن العسكري ولد في منتصف القرن الثالث تقريبا ودخل سردابا في سامرا وهو صغير ولا يزال في ذلك السرداب وهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم الاثني عشر الذين يعتقدون فيهم انهم معصومون ويصفونهم بصفات تجاوزوا فيها الحدود وأذكر منها على سبيل المثال كلام شخصين كبيرين منهم أولهما الكليني مؤلف كتاب الكافي وهو أجل كتاب عندهم إذا هو بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة فقد عقد عدة أبواب في كتابه أصول الكافي أورد فيها أحاديث من أحاديثهم أكتفى هنا بذكر أسماء بعض هذه الأبواب وهى: باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل، وباب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم وباب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء وباب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي أنزلت من عند الله (عزَّ وجلَّ) وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها وباب أنه لم يجمع القران كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله وباب أنه ليس شيء من الحق في أيدى الناس إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل.
والثاني منهما زعيم الشيعة في هذا العصر والمرجع الأعلى لهم اية الله الخميني فقد قال في كتاب الحكومة الإسلامية الذي هو عبارة عن دروس فقهية ألقاها على طلاب علوم الدين في النجف تحت عنوان: «ولاية الفقيه» قال في الصفحة الثانية والخمسين من هذا الكتاب طبعة بيروت «وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) والأئمة (ع) كانوا قبل هذا العالم أنوارا فجعلهم الله بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله وقد قال جبريل كما ورد في روايات المعراج «لو دنوت أنملة لاحترقت».
وقد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل. انتهى كلام الخميني.
٤ - قال الشيخ ابن محمود في ص ٥: ومن المعلوم أن اعتقاد المهدي والقول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار ومن إثارة الفتن وسفك دماء الأبرياء ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس والواقع المحسوس من كل ما يبرأ النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإتيان به إذ الدين كامل بدونه.
وقال في ص ٣٧: أما اعتقاد بطلانه وعدم التصديق به فإنه يعطى القلوب الراحة والفرح والأمان والاطمئنان والسلامة من الزعازع والافتتان.
والجواب على ذلك من وجوه:
الأول: أن خروج المهدي في آخر الزمان من الأمور الغيبية التي يتوقف التصديق بها على ثبوت النص فيها

↑صفحة ٤٤٢↑

عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد ثبتت النصوص في خروج المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في اخر الزمان وأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يصلى خلفه والذين قالوا بثبوتها هم العلماء المحققون وجهابذة النقاد من أهل الحديث والواجب تصديق الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يخبر به من أخبار سواء كانت عن أمور ماضية أو مستقبلة أو موجودة غائبة عنا.
الثاني: أن إنكار خروج المهدي في اخر الزمان ليس هو الذي يمنع من وقوع الفتن ويحصل به الامن والاطمئنان بدليل أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولَكِنْ رَسُولَ الله وخَاتَمَ اَلنَّبِيِّينَ﴾ وقال (صلى الله عليه وسلم): وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدى ومع ذلك وجد كثيرون ممن ادعى النبوة وحصل بذلك للمسلمين أضرار كبيرة وإنما الذي يعصم حقيقة من الفتن والمصائب ويكفل السلامة والأمن والنجاة الاستمساك بشرع الله والاعتصام بحبله كما قال الله (عزَّ وجلَّ) ﴿يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ وقال تعالى ﴿ومَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾. وقال سبحانه: ﴿ومَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾.
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ولَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اَلْأَرْضِ أَقَامُوا اَلصَّلاَةَ وآتَوُا اَلزَّكَاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ اَلْمُنْكَرِ وللهِ عَاقِبَةُ اَلْأُمُورِ﴾. وقال سبحانه: ﴿وَعَدَ الله اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ﴾. وقال (صلى الله عليه وسلم): احفظ الله يحفظك، إلى غير ذلك من أدلة الكتاب والسنة.
الثالث: أن وجود متمهدين من المجانين وأشباه المجانين يخرجون في بعض الأزمان ويحصل بسببهم على المسلمين أضرار كبيرة لا يؤثر في التصديق بمن عناه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الأحاديث الصحيحة وهو المهدي الذي يصلى عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) خلفه، فما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجب التصديق به، ويجب القضاء على كل متمهد أو غير متمهد يريد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم، والواجب قبول الحق ورد الباطل لا أن يرد الحق ويكذب بالنصوص من أجل أنه ادعى مقتضاها مدعون مبطلون دجالون.
٥ - ذكر الشيخ ابن محمود في الصفحات ٦ و٨ و٢٦ و٣١ و٣٩ أن من أسباب ضعف الأحاديث الواردة في المهدي عدم ورودها في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وأن عدم إيرادها في الصحيحين يدل على ضعفها عند الشيخين البخاري ومسلم.
والجواب أن يقال:
أولا: ليس عدم إيراد الحديث في الصحيحين دليلا على ضعفه عند الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله لأنه لم ينقل عنهما أنهما استوعبا الصحيح في صحيحيهما أو قصدا استيعابه حتى يمكن أن يقال بضعف ما لم يخرجاه فيهما عندهما وإنما جاء عنهما التصريح بخلاف ذلك قال ابو عمرو في كتابه «علوم الحديث»: لم يستوعبا - يعنى البخاري ومسلما - الصحيح في صحيحيهما ولا التزاما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح لحال الطول وروينا عن مسلم أنه قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعنى في كتابه الصحيح - انما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه. وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري: روى الإسماعيلي عنه - يعنى البخاري - قال: لم اخرج في هذا الكتاب الا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر. وقال النووي في مقدمة شرحه صحيح مسلم بعد أن ذكر إلزام جماعة لهما إخراج أحاديث على شرطهما ولم يخرجاها في كتابيهما قال: وهذا الالزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح

↑صفحة ٤٤٣↑

بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله انتهى كلام النووي.
ومما يوضح عدم استيعاب البخاري الصحيح وعدم التزامه بذلك أيضا أنه جاء عن البخاري أنه قال: احفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح مع أن جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما في ذلك الاحاديث المعلقة لا تبلغ عشرة الاف حديث وأيضا استدراك الحاكم على البخاري ومسلم أحاديث على شرطيهما وشرط واحد منهما لم يخرجاها وهى كثيرة جدا أوردها في كتابه المستدرك على الصحيحين وقد صححها الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص على تصحيح الكثير منها.
ثانيا: أن الصحيح من الحديث كما أنه موجود في الصحيحين فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبى داود والنسائي وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرها وهو أمر واضح غاية الوضوح.
ثالثا: أن المقبول من الحديث عند المحدثين أربعة أنواع هي الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره ومعلوم أن الحديث الصحيح موجود في الصحيحين وفي غيرهما أما الحسن فوجوده في غير الصحيحين وقد ذكر هذه الأنواع الأربعة العلماء ومنهم الحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر حيث قال:
وخبر الاحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ وهو الصحيح لذاته وهذا أول تقسيم المقبول إلى أربعة أنواع لأنه إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أولا. الأول الصحيح لذاته والثاني إن وجد ما يجبر ذلك القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح أيضا لكن لا لذاته وحيث لا جبران فهو الحسن لذاته وإن قامت قرينة ترجح جانب قبول ما يتوقف فيه فهو الحسن أيضا لكن لذاته.
رابعا: أن العلماء قسموا الصحيح إلى سبع مراتب مرتبة حسب القوة على النحو التالي:
١ - صحيح اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.
٢ - صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم.
٣ - صحيح انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري.
٤ - صحيح على شرطهما معا ولم يخرجاه.
٥ - صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه.
٦ - صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
٧ - صحيح لم يخرجاه ولم يكن على شرطهما معا ولا على شرط واحد منهما.
وهذه المراتب السبع للصحيح ذكرها أبو عمرو وابن الصلاح في كتابه علوم الحديث والحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر وغيرهما وليس في الصحيحين من هذه المراتب إلا الثلاث الأولى اما الأربع الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين. ولم يزل من دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة بل والحسنة الموجودة خارج الصحيحين والعمل بها مطلقا واعتبار ما دلت عليه دون إعراض عنها أو تعرض للحط من شأنها والتقليل من قيمتها ومن أمثلة ذلك في أمور الاعتقاد الحديث المشتمل على العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم فإنه في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره وليس في الصحيحين ومع ذلك اعتقدت الأمة موجبة بناء على ذلك وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملكين اللذين يسألان الميت في قبره بمنكر ونكير لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد موجبه أهل السنة.
خامسا: مما سبق يتضح أنه يجب التصديق والعمل بالأحاديث الصحيحة سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما ومن ذلك أحاديث المهدي على أن بعض الأحاديث الواردة في المهدي أصلها في الصحيحين ومن ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تزال طائفة من أمتى

↑صفحة ٤٤٤↑

يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة فقد وردت تسمية هذا الأمير الذي يصلى عيسى عليه الصلاة والسلام خلفه في حديث جابر عند الحارث بن أبى أسامة في مسنده بالمهدى ولفظه عن جابر قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة قال ابن القيم بعد أن أورده في. كتابه المنار المنيف بسنده ومتنه قال:
وهذا إسناد جيد.
٦ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٨:
ثم إن من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه.
كما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه. ذكروا ذلك في ترجمة ابن سعد وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلى حتى أثبته في كتابي وكذا سائر علماء كل عصر ينقل بعضهم عن بعض.
فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى راينا احاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبى داود كالترمذي وابن ماجه لخروج الحديث من كتاب إلى مائة كتاب وانتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم لكون الناس مقلدة وقليل منهم المحققون المجتهدون والمقلد لا يعد من أهل العلم. والجواب على هذا نقول:
أولا: أن هذا الكلام من أخطر ما اشتملت عليه رسالة الشيخ ابن محمود لما فيه من النيل من محدثي هذه الأمة وفقهائها المتقدمين والحط من شأنهم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل مع الأسف أن حصون المسلمين مهددة من داخلها. ويرحم الله الإمام الطحاوي إذ يقول في عقيدته المشهورة:
وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين - أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. انتهى..
وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة عظيمة سماها «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» طبعت مرارا وصف الشيخ جمال الدين القاسمي هذا الكتاب بأنه جدير لو كان بالصين أن يرحل إليه وأن يعض بالنواجذ عليه.
ثانيا: إذا كان من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين - كما يقول الشيخ ابن محمود - أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه وأنه لذلك يخرج الحديث من كتاب إلى مائة كتاب وينتقل الخطأ من عالم إلى مائة عالم لكون الناس مقلدة وقليل منهم المجتهدون والمقلد لا يعد من أهل العلم ويمثل بأربعة هم الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام الترمذي والإمام ابن ماجه إذا كان هذا من عادتهم ومثل هؤلاء الأربعة من مقلدتهم والمقلد لا يعد من أهل العلم فمن هم أهل العلم؟ ما هكذا تورد يا سعد الإبل!!، إننا نربأ بالشيخ عبد الله بن محمود أن يقول مثل هذا الكلام ولكن هكذا جاء، وقدر الله وما شاء فعل، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني.
ثالثا: أن الإمامين الترمذي وابن ماجه لم يقلدا الإمام أبا داود في رواية أحاديث المهدي أما ابن ماجه فإنه لم يرو عن أبي داود في سننه شيئا أصلا وأما الترمذي فمن رجاله في جامعه الإمام أبو داود كما رمز الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة أبى داود لكونه من رجال الترمذي والنسائي. والأحاديث التي أخرجها الترمذي في جامعه في باب ما جاء في المهدي ثلاثة. اثنان منها معناهما واحد ولفظهما بنحو لفظ حديث أخرجه أبو داود في سننه لكن شيوخ الترمذي فيهما غير شيوخ أبى داود فيه ولم يروهما من طريق أبى داود أما الحديث الثالث فليس في سنن أبى داود واذا لم فلم يخرج حديث في المهدي من كتاب سنن أبى داود الى كتابي الترمذي

↑صفحة ٤٤٥↑

وابن ماجه ولم ينتقل خطا لأبى داود إلى الترمذي وابن ماجه. ولو خرج الترمذي مثلا في جامعه عن أبى داود حديثا قد أخرجه أبو داود في سننه لم يلزم أن يكون بذلك مقلدا له اخذ الحديث على علاته فهما من أوعية العلم ونقاده ولم يلزم أن يكون خطأ انتقل من عالم إلى عالم فقد يكون ذلك الذي انتقل صوابا والتحقق في ذلك سبيله دراسة اسناده ومعرفة ما قاله النقاد فيه. ثم إن وجود الحديث في كتب متعددة من طرق مختلفة يفيد القوة ويعرف به التواتر. قال الحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر: ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب الى اخر.
الشروط أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير - انتهى.
رابعا: ما أشار إليه مما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه قد ذكره بإسناده على نحو اخر الخطيب البغدادي في ترجمة محمد بن سعد كاتب الواقدي في تاريخ بغداد إلى إبراهيم الحربى قال: كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل ابن إسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي ينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى ثم يردهما ويأخذ غيرهما.
قال إبراهيم: ولو ذهب وسمعها كان خيرا له. وأورد كلام إبراهيم الحربى هذا الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة محمد بن سعد.
ويتضح من هذا أن الإمام أحمد كان يستعير أجزاء من حديث الواقدي لينظر فيها ثم يعيدها وليس في ذلك أخذ للحديث على علاته من ابن سعد وتقليد له فإن الواقدي ضعيف جدا عند أهل الحديث. قال فيه الذهبي في الميزان: واستقر الإجماع على وهن الواقدي. وقال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب: متروك مع سعة علمه والإمام أحمد نفسه قد اتهم الواقدي بالكذب كما نقله الخطيب وغيره في ترجمة الواقدي. ولعل هذا السبب الذي جعل الإمام أحمد لا يكترث بحديث الواقدي فيذهب إلى ابن سعد لسماعه منه ويكتفى بأن يستعير أجزاء منه ينظر فيها ثم يعيدها ليكون على علم بحديث الواقدي مع عدم الاعتماد عليه لكونه لا يعتد بصاحبه.
خامسا: ما ذكره من أن الشافعي كان يقول للإمام أحمد إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلى حتى أثبته في كتابي، قد ذكر معناه البيهقي في كتابه مناقب الشافعي أخرجه بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبى قال: قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث والرجال منى فإذا كان الحديث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا: ثم قال البيهقي: وهذا لأن أحمد بن حنبل كان من أهل العراق فكان أعلم برجالها من الذي لم يكن من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهل العلم بمعرفة الرجال فكان يرجع إلى قوله فيهم. ثم روى البيهقي بإسناده إلى حرملة قال سمعت الشافعي يقول: خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا أعلم وأظنه قال ولا أفقه من أحمد بن حنبل.
ومن الواضح أن الإمام الشافعي لا يكون بذلك ناقلا عن الإمام أحمد حديثا على علاته مقلدا له وإنما رغب الشافعي من الإمام أحمد أن يعلمه بما يصح لديه من الحديث مما لم يكن عنده حتى يذهب إلى ما دل عليه الحديث الصحيح ويعمل به وهو متفق مع ما نقل عنه في مسائل كثيرة من قوله: إن صح الحديث فيها - أي في المسألة قلت به ومتفق مع ما أثر عنه وعن غيره من الأئمة من أن الاعتماد عندهم على ما يصح من الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومتى كان الحديث عند الإمام أحمد بإسناد صحيح ثم يرويه عنه شيخه الإمام الشافعي ويحتج به فإنه بذلك متبع الطريقة المثلى في العلم والعمل وهو محمدة له لا مذمة.
سادسا: ولو أن الشيخ ابن محمود نسب هذه العادة وهى أخذ الحديث أو القول على علاته عن المعاصرين أو نقل ذلك كذلك من كتب المتقدمين إلى طلاب العلم في هذا العصر إلا من شاء الله منهم لما أبعد النجعة وذلك لقلة

↑صفحة ٤٤٦↑

الاهتمام والعناية بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعدم تمييز صحيحه من سقيمه ومعرفة رجاله واحوالهم وعدم التمكن من تطبيق ما رسمه علماء الجرح والتعديل لمعرفة الحكم على الحديث قبولا أو ردا صحة او حسنا او ضعفا بل حسب الكثيرين منهم معرفة ما دون في كتب العلماء المعتد بهم وما حكموا به على الحديث وتقليدهم في ذلك. وما دام أن الغالب على طلاب العلم في هذا العصر التقليد في معرفة درجة الحديث وهل هو مقبول أو مردود فإن الأليق بل المتعين تقليد الجهابذة النقاد كالعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم دون غيرهم ممن لم يكن من أهل الحديث فالصلاة خير من النوم واليد العليا خير من اليد السفلى ولا يصار الى المتطبب ويترك الأطباء الحذاق المهرة.
٧ - ذكر الشيخ ابن محمود في ص ٦ و١٢ أن من أسباب رد أحاديث المهدي كونها متناقضة متعارضة ومختلفة غير مؤتلفة وقال في ص ٥١: ومتى حاولت جمعها نتج لك منها عشرون مهديا صفة كل واحد غير الاخر مما يدل بطريق اليقين أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يتكلم بها ثم ذكر أمثلة لذلك اخرها قوله: ومهدى قال فيه رسول الله: لا مهدى بعدى الا عيسى بن مريم.
والجواب أن أحاديث المهدي كما قال أهل العلم مثل ابن القيم وغيره فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فما كان منها موضوعا أو ضعيفا لا يحتج به فانه لا يلتفت ولا تعارض به غيره اما ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق وهو يتعلق بشخص واحد يأتي في اخر الزمان في زمن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وخروج المسيح الدجال وهو محمد بن عبد الله الموصوف بالمهدى والذى أخبر عن اسمه واسم أبيه ووصفه بالمهدى في عدة أحاديث هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والواجب التصديق فيما اخبر به. ولم يفهم احد من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا فيما أعلم ما فهمه الشيخ ابن محمود من ان كل حديث أتى فيه ذكر المهدي يفيد تعدد من يوصف بالمهدى وانه بناء على ذلك تكون الأحاديث متعارضة فيلزم ردها وإنكارها فإن الألف واللام في المهدي في جانب الخير كالألف واللام في الدجال في جانب الشر ولا يستفاد من كل حديث يأتي فيه ذكر الدجال موصوفا بصفة من الصفات تعدد الدجال فالدجال الذي جاءت الأحاديث المتواترة بذكر خروجه اخر الزمان واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه والمهدى كذلك واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه. أما حديث لا مهدى إلا عيسى بن مريم فلم يستدل به أهل السنة على خروج المهدي وهو يعارض الأحاديث الواردة فيه وقد أجابوا عنه بكونه ضعيفا فلا يعارضها وعلى فرض صحته يكون المراد به لا مهدى كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم وذلك لا ينفى إثبات خروج المهدي غير المعصوم كما قال ذلك بعض أهل العلم مثل القرطبي وابن القيم وغيرهما.
٨ - وقال الشيخ ابن محمود ص ١٣:
وفي البخاري أن موسى لما لقى ذا القرنين في مجمع البحرين وهاله ما راه من تصرف ذي القرنين من قتله للغلام وبنائه للجدار الذي يريد أن ينقض وخرقه لسفينة المساكين الذين يعملون فيها في التكسب في البحر فضاق صدر موسى من تصرفه وعيل صبره فأراد أن يفارقه فقال له ذو القرنين يا موسى أنت على علم من الله لا أعلمه أنا وأنا على علم من الله لا تعلمه أنت ثم قال وهكذا يقع تفاوت العلماء فيما علموه والاختلاف فيما فهموه انتهى
والملاحظ هنا ورود ذكر ذي القرنين ثلاث مرات ومعلوم أن صاحب موسى في هذه القصة هو الخضر وليس ذا القرنين وقد وردت تسمية صاحب موسى بالخضر في الحديث في صحيح البخاري.
٩ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ١٢ و١٣ بعد كلام له في إنكار أحاديث المهدى:
لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال بصحة خروج المهدى

↑صفحة ٤٤٧↑

 وهو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرؤية وصريح الدراية وأقول: نعم وإنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبو داود وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الاسلام حيث تأثرت بقوله حتى بلغت سن الأربعين من العمر وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عنى الاعتقاد السيئ والحمد لله وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدى بعد رسول الله وبعد كتاب الله وقال: وقد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة يغرق بغرقها الخلق الكثير وكم غرق في كلمة شيخ الاسلام هذه كثير من العلماء والعوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي فكان من لقيته من العلماء والعوام يحتج بكلام شيخ الإسلام رحمه الله ثم قال معتذرا عن شيخ الإسلام: ولعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون وهو مجتهد مأجور على اجتهاده إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفا مرجوحا فلا يكون المقلة لقوله والمنتصر لرأيه بمثابته في حصول الاجر.. وحط الوزر بل فرضه الاجتهاد والنظر فكم من عالم كان يقول اقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها. أقول الجواب عن ذلك من وجوه:
الأول: لا شك ان ما كان عليه الشيخ عبد الله بن محمود في ذلك قبل بلوغه سن الأربعين خير مما كان عليه بعد الأربعين لأنه بذلك على مسلك العلماء المحدثين قبل شيخ الاسلام ابن تيمية وبعده ويا ليته وفقه الله لم يشر الى أنه توسع في العلوم والفنون لأن التواضع هو الأليق بطلاب العلم.
الثاني: واعتذاره عن شيخ الإسلام ابن تيمية مدفوع يكون شيخ الاسلام قال بصحة خروج المهدي في اخر الزمان في كتابه منهاج السنة النبوية الذي يعتبر من أجل كتبه وأغزرها علما وأكثرها تحقيقا فلا يصلح أن يقال: لعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس شيخ الإسلام ابن تيمية أول القائلين بصحة خروج المهدي في اخر الزمان فقد سبقه إلى ذلك العلماء المحققون مثل البيهقي والخطابي وابن حبان والعقيلي وأبى الحسين الإبري والقاضي عياض والقرطبي وغيرهم.
الثالث: ما أشار إليه هنا وفي ص ٧١ من أن قول شيخ الإسلام بصحة خروج المهدي خرج بمقتضى اجتهاد منه مردود بأن مثل ذلك لا مجال للاجتهاد فيه لأنه من الأمور الغيبية التي يتوقف القول بها على ثبوت النص فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومعرفة ثبوت النصوص والتمييز بين مقبولها ومردودها وصحيحها وسقيمها لا يتأتى إلا لأهل الخبرة والتمكن في علم الحديث مثل البيهقي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم. وقد قال الشوكاني بعد أن أشار إلى كثرة الأحاديث الواردة في صحة خروج المهدي اخر الزمان وبلوغها حد التواتر قال: وأما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك - انتهى.
١٠ - ذكر الشيخ ابن محمود في ص ١٩ و٣٤ أن ابن خلدون تصدى في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها - يعنى أحاديث المهدى - وحكم عليها بالضعف.
والجواب أولا أن ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد حيث قال بعد ايراد الأحاديث في المهدى: فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهى كما رأيت لم يخلص منها من النقد الا القليل والأقل منه.. انتهى.. على أن ابن خلدون فاته الشيء الكثير من الأحاديث.
وثانيا: ان ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وانما الاعتداد بذلك بمثل البيهقي والعقيلي والخطابي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من اهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي فالذي يرجع في ذلك الى ابن خلدون كالذي يقصد الساقية ويترك البحور الزاخرة وعمل ابن خلدون في نقد الأحاديث أشبه ما يكون بعمل المتطبب اذا خالف الأطباء الحذاق المهرة..

↑صفحة ٤٤٨↑

وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه أحاديث مسند الامام أحمد حيث قال: أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها.. وقال انه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدى تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.. وقال ان ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.. انتهى.. ودخول ابن خلدون في ميدان الجرح والتعديل والحكم على الأحاديث بالضعف وهو ليس من أهل الصناعة الحديثية واغترار من اغتر بكلامه لا يبعد كثيرا عن معنى المقالة التي حكاها شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية اذ قال: وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا:
نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوى.. هذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان، فان ابن خلدون وان كان في التاريخ علما من الأعلام، فهو في الحديث من الأتباع المستفتين وليس من المتبوعين المفتين، والقاصر في فن كالعامي فيه، وان كان متمكنا في غيره.
والواجب الرجوع في كل فن الى أهله. ولا شك أن المرجع في الحديث لمعرفة صحيحه وسقيمه أوعيته ونقاده.. قال الحافظ ابن أبى حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل:
ثم احتيج الى تبيين طبقاتهم - يعنى الرواة - ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.
وقال أيضا: فان قيل: فبما ذا تعرف الاثار الصحيحة والسقيمة قيل بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله (عزَّ وجلَّ) بهذه الفضيلة ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان.. انتهى.. واذا اقتصرنا على القرنين الثامن والتاسع اللذين عاش ابن خلدون فترة منهما اذ كانت ولادته سنة ٧٣٢ هـ ووفاته سنة ٨٠٨ هـ - نجد أن من أبرز العلماء المتمكنين في الحديث النبوي ومعرفة صحيحه وسقيمه ممن أدركته الوفاة خلال هذين القرنين الحفاظ الجهابذة النقاد الذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حجر العسقلاني وقد قالوا جميعا بصحة خروج المهدي في اخر الزمان استنادا الى ثبوت الأحاديث الصحيحة في ذلك عندهم فقد صحح الذهبي جملة من الأحاديث الواردة في المهدي وذلك في كتابه تلخيص المستدرك وكذا شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية وابن القيم في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف وابن كثير في النهاية وفي كتابه التفسير ونقل ابن حجر في كتابه فتح الباري جملة من أقوال أهل العلم في ذلك وسكت عليها ومن ذلك كلام أبى الحسين الإبري في تواتر أحاديث المهدى.
١١ - حكى الشيخ ابن محمود عن ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف أنه يضعف الأحاديث الواردة في المهدي فقال في صفحة ٩ بعد أن أورد الأقوال التي ذكرها ابن القيم اجمالا قال: ومن لوازم قوله - يعنى بن القيم - أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب أنه لا حقيقة له وقال ابن محمود في ص ١٩:
لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث - أي المتعلقة بالمهدى - التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين وممن انتقد هذه الأحاديث وبين معايبها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف وقال أيضا في ص ٣٥:
وقد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه المنار المنيف عن أحاديث المهدي وضعفها.
والجواب ان نقول: لم يضعف ابن القيم الأحاديث الواردة في المهدي كما يقول ابن محمود - بل بين أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وذلك في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف ولا أدرى كيف خفى ذلك على الشيخ ابن محمود فنسب اليه القول بتضعيفها مع أن كلامه رحمه الله واضح وصريح في تصحيحها والقول بثبوتها.. ومن ذلك أنه نقل كلام أبى الحسين الإبري المتوفى عام ٣٦٣ هـ في تواتر الأحاديث الواردة في المهدي وسكت عليه ولم يتعقبه. وهو قول أبى الحسين الإبري في كتابه مناقب الشافعي: وقد تواترت الأخبار

↑صفحة ٤٤٩↑

واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذكر المهدي وانه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وانه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلى عيسى خلفه.. ومن ذلك أنه نقل قول البيهقي: والأحاديث على خروج المهدي أصح اسنادا، ثم ذكر ابن القيم بعض الأمثلة لهذه الأحاديث.
ومنها أن ابن القيم قال: وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وابى امامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله ابن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس، وغيرهم..
ثم اورد عدة احاديث رواها بعض أهل السنن والمسانيد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للاستئناس به ثم قال ابن القيم: وهذه الاحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة.
ومنها أنه ذكر الأقوال في المهدي وقال في ثالثها: القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم).. من ولد الحسن بن على يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما، فيملأها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل. وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو أن الحسن ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الارض وهذه سنة الله في عباده أن من ترك شيئا لأجله أعطاه الله وأعطى ذريته أفضل منه فهذه نصوص متعددة من كلام ابن القيم في المنار المنيف صريحة في أنه يقول بصحة الاحاديث في خروج المهدي في اخر الزمان، ولا يفهم من كلامه اطلاقا أنه يضعف الأحاديث الواردة فيه مطلقا كما نسب ذلك اليه ابن محمود..
١٢ -  وقال الشيخ ابن محمود في ص ١٩:
وممن انتقد هذه الأحاديث - يعنى أحاديث المهدى - العلامة ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف ثم قال:
ومنهم الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام فقد ألحق المهدية والامامية بأهل البدع ويعنى بالمهدية الذين يصدقون صحة خروج المهدى..
وقال أيضا في ص ٣٥:
وقد رأينا من يؤيد ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه المنار المنيف عن أحاديث المهدي وضعفها ثم قال: ومنهم الامام الشاطبي في كتابه الاعتصام فقد جعل المهديين والامامية من أهل البدع ويعنى بالمهديين الذين يصدقون بخروج المهدي ودونك كلامه بلفظه اثباتا للحجة والعذر وإزالة للشبهة والعذل قال بعد كلام له سبق في المتبعين لأهل الأهواء والبدع:
وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب اليه كثير من بدع المغرب فهو في الاثم والتسمية مع من اتبع اذا انتصب ناصرا لها ومحتجا عليها وقال (ولقد زل بسبب الاعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا اهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل)..
وقال (ومذهب الفرقة المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت بل جعلوا أكثر ذلك انفحة في عقد ايمانهم من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي)..
ثم قال ابن محمود: وبذلك تنقطع حجة من ادعى أنه لم يسبق الامام ابن خلدون أحد من العلماء في تضعيف أحاديث المهدى.. انتهى..
* والجواب أن الشيخ ابن محمود ذكر أن ممن سبق ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي الامامين ابن القيم والشاطبي وسبق ايضاح عدم صحة ما نسبه الى ابن القيم في ذلك، أما الامام الشاطبي فما نسبه اليه غير صحيح أيضا فان كلام الشاطبي عن اتباع المهدي المغربي لا علاقة له بموضوع الأحاديث الواردة في المهدي الذي يخرج في اخر الزمان والتي قال بصحتها وثبوتها العلماء من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا، أما قول الشاطبي رحمه

↑صفحة ٤٥٠↑

الله ولقد زل بسبب الاعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل، فهو كلام جميل لكنه لا ينطبق على العلماء الذين يعولون فيما يقولون على الدليل وانما ينطبق على الذين يعرضون عن الدليل ويتبعون أهواءهم.. ولهذا قال عقب ذلك مباشرة: ولنضرب لذلك عشرة أمثلة أحدها - وهو أشدها - قول من جعل اتباع الاباء في أصل الدين هو الرجوع اليه دون غيره حتى ردوا بذلك براهين الرسالة وحجة القران وردوا دليل العقل فقالوا انا وجدنا اباءنا على أمة الاية الى اخر كلامه رحمه الله ثم قال والثاني رأى الامامية في اتباع الامام المعصوم - في زعمهم - وان خالف ما جاء به النبي المعصوم حقا وهو محمد (صلى الله عليه وسلم) فحكموا الرجال على الشريعة ولم يحكموا الشريعة على الرجال وانما انزل الكتاب ليكون حكما على الخلق على الاطلاق والعموم. ثم قال والثالث لا حق بالثاني.. وهو مذهب الفرقة المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت، بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة (؟) في عقد ايمانهم من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي وقد تقدم من ذلك أمثلة انتهى كلام الامام الشاطبي رحمه الله. ثم ذكر بقية الأمثلة العشرة. ومن الواضح الجلي أنه فسر المهدية بتفسير خاص بمبتدعة وهم اتباع المهدي المغربي حيث قال: والثالث لا حق بالثاني وهو مذهب المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت الشريعة وخالفت وقد أوضح ذلك في كلام له سبق وذكر الأمثلة التي أشار الى تقدمها فقال عن المهدي المغربي انه عد نفسه الامام المنتظر وانه معصوم حتى ان من شك في عصمته أو في أنه المهدي المنتظر فهو كافر..
وقال عنه انه نزل أحاديث الترمذي وأبى داود في الفاطمي على نفسه وأنه هو بلا شك وقال: وأحدث في دين الله أحداثا كثيرة زيادة الى الاقرار بأنه المهدي المعلوم والتخصيص بالعصمة ثم وضع ذلك في الخطب وضرب في السكك بل كانت تلك الكلمة عندهم ثالثة الشهادة فمن لم يؤمن بها أو شك فيها فهو كافر وشرع القتل في مواضع لم يضعه الشرع فيها وهى نحو من ثمانية عشر موضعا كترك امتثال أمر من يستمع أمره وترك حضور مواعظه ثلاث مرات والمداهنة اذا ظهرت في أحد قتل وأشباه ذلك. أقول فهؤلاء هم الذين عناهم الشاطبي بالفرقة المهدية والتي فسرها بقوله: التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت، وهم الذين اعتبرهم من المبتدعة وقد فسر هو مراده بالفرقة المهدية بهذا التفسير وليس مراده بالفرقة المهدية الذين يصدقون بخروج المهدي كما زعم الشيخ ابن محمود، ولا يليق بإمام كالشاطبي ان يصف أئمة أهل السنة وعلماء الحديث كالعقيلي والخطابي والإبري وابن حبان البستي والقاضي عياض والقرطبي وابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن كثير وغيرهم بأنهم من أهل البدع لكونهم يقولون بصحة خروج المهدي في اخر الزمان..
* وبهذا يتضح أن الشاطبي رحمه الله لم يقل بتضعيف أحاديث المهدي ولم يصف القائلين بثبوتها بأنهم من أهل البدع بل ان ما حكاه عن المتمهدي المغربي من انه نزل أحاديث الترمذي وأبى داود في الفاطمي على نفسه وأنه هو بلا شك، دون ان يشير الى تضعيف الاحاديث في ذلك، يشعر بأنه يعتبر خروج المهدي في اخر الزمان امرا ثابتا..

* * *

١٣ -  وقال الشيخ ابن محمود في ص ٧٠:
ولست أنا أول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد رأيت لأستاذنا الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رسالة حقق فيها بطلان دعوى المهدي وأنه لا حقيقة لوجوده وكل الاحاديث الواردة فيه ضعيفة جدا فلا ينكر على من أنكره.
والجواب أن الشيخ محمد بن مانع رحمه الله قال أولا كلا ما محتملا تضعيف أحاديث المهدي وذلك في كتابه الكواكب الدرية اغترارا بكلام ابن خلدون يدل على ذلك قوله في كتابه المذكور:
ومن أراد تحقيق هذه المسألة فليراجع مقدمة ابن خلدون فقد أفاد فيها وأجاد ولكنه بعد أن حدق النظر في الموضوع عاد فألف رسالة سماها «تحديق النظر بأخبار الإمام المنتظر» توجد منها نسخة خطية في دار الكتب

↑صفحة ٤٥١↑

المصرية قال فيها بعد أن ذكر كلام ابن خلدون وتعقب صاحب عون المعبود شرح سنن أبى داود عليه قال وأقول:
قول العلامة الهندي في هذه الأحاديث أقرب الى الصواب من قول من جزم بضعفها كلها فمن صح عنده حديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) منها أو من غيرها وجب عليه قبوله والاعتقاد بمدلوله ومن علم بضعف الحديث وتيقنه لم يجب عليه شيء من ذلك. وإذا اعتبرنا هذه الأحاديث الواردة في المهدي بخصوصها وجدنا التي يصرح فيها باسمه أقوى ورأينا الضعف غالبا على ما ذكر فيها اسمه ولهذا قلت في الكواكب لما قال السفاريني.
فكلها صحت به الأخبار أي بأكثرها فإن الأحاديث التي فيها ذكر المهدي لم تصح عند علماء الحديث ولم اقل الواردة في شأن المهدي ليشمل التعميم ما لم يذكر فيها فإن التي لم يذكر فيها اسمه بل ذكر نعته فيها القوى والضعيف ولهذا نعتقد ونجزم بخروج رجل من أهل البيت اخر الزمان اسمه محمد بن عبد الله يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وكذلك قولنا فلا نعتقد بمجيء المهدي مرادنا أن هذا اللفظ غير ثابت فلا يجب أن يسمى محمد بن عبد الله الذي يخرج في اخر الزمان بالمهدى بل تسميته بذلك جائزة لا واجبة إذ هذا اللفظ غير ثابت عند علماء الحديث ولعل أحدا أن يظن أن المقصود من عبارة الكواكب هو القول بعدم مجيء المهدي مطلقا كما هو قول بعض الأئمة وليس كذلك بل المراد ما قدمناه من أن هذا اللفظ غير ثابت وإنما الثابت أن اسمه مواطئ لاسم النبي واسم أبيه مواطئ لاسم أبيه فالإيمان بذلك واجب على الإجمال والإطلاق - إلى أن قال - وقد خرج جماعة من العلماء عن الاعتدال في هذه المسألة فبالغ طائفة في الإنكار حتى ردوا جملة من الأحاديث الصحيحة وقابلهم اخرون فبلغوا في الإثبات حتى قبلوا الموضوعات والحكايات المكذوبة - إلى أن قال - وبهذا التوضيح والتبيين يزول الإشكال ويتبين المراد وبالله التوفيق.
أقول: وبهذا يتضح أن الشيخ ابن مانع رحمه الله لا يقول بتضعيف أحاديث المهدي كلها بل يقول بصحة بعضها ويعتقده وأضيف أن بعض الأحاديث التي جاء فيها لفظ المهدي ثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مثل حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا. ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا. الحديث أخرجه الحارث بن أبى أسامة في مسنده وقال فيه ابن القيم إسناده جيد ومنها الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): المهدي منى أجل الجبهة الحديث قال فيه ابن القيم رواه أبو داود بإسناد جيد وأورده البغوي في مصابيح السنة في فصل الأحاديث الحسان.

* * *

١٤ - قال الشيخ ابن محمود في ص ٩:
وكلام العلماء من المتأخرين كثير وأعدل من رأيته أصاب الهدف في قضية المهدي هو أبو الأعلى المودودي حيث قال في رسالة اسمها البيانات عن المهدى: إن الأحاديث في هذه المسألة على نوعين: أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي وأحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ويعلى كلمة الإسلام وليس سند أي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت أمام مقياس الامام البخاري لنقد الروايات فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه وكذلك ما ذكر منها الإمام مسلم إلا رواية واحدة في صحيحه ولكن ما جاءت فيها أيضا الصراحة بكلمة المهدى. وقال: لا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والاخرة وقال: مما يناسب ذكره في هذا الصدد أن ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد - انتهى..
وأقول جوابا على ذلك:
أولا: كون أحاديث المهدي لم ترد في الصحيحين لا يؤثر ذلك في قبولها فما صح من الأحاديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهو مقبول سواء كان في الصحيحين أم لم يكن فيهما وسبق إيضاح هذا في رقم ٥.

↑صفحة ٤٥٢↑

ثانيا: قوله: ولا يمكن أن يستنبط من هذه الروايات ولو بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والاخرة يجاب عن هذا بأنه يستنبط من الاحاديث الصحيحة في شأن المهدي حصول الأخبار من الرسول (صلى الله عليه وسلم) بوجود امام للمسلمين عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يواطئ اسمه اسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه ومن أهل بيته يقال له المهدي والواجب على كل مسلم أن يصدق الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما أخبر به من أخبار عن امور مغيبة مطلقا ومن ذلك ما كان في المستقبل كإخباره عن المهدي وعن الدجال وغير ذلك.
ثالثا: قوله: ومما يناسب ذكره بهذا الصدد أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد يجاب عنه بأن من عقائد أهل السنة التصديق بكل ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الأخبار ومن ذلك إخباره بشأن المهدي وقد قال السفاريني في عقيدته: فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة - انتهى..
وذكر ذلك الشيخ الحسن بن على البربهاري الحنبلي المتوفي سنة ٣٢٩ هـ في عقيدته المثبتة ضمن ترجمته في كتاب طبقات الحنابلة لابن أبى يعلى الحنبلي.
١٥ - قال الشيخ ابن محمود في ص ٧٠:
بعد كلامه عن الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع المتقدم قال: كما رأيت أيضا لمنشئ مجلة المنار محمد رشيد رضا رسالة ممتعة يحقق فيها بطلان دعوى المهدي وإن كل الأحاديث الواردة فيه لا صحة لها قطعا وأشار إلى بطلان دعواه في تفسير المنار ونقل في ص ٦٢ والصفحتين بعدها شيئا من كلامه في دعوى بطلان أحاديث المهدي ومنه في ص ٦٤ قوله:
وردت أحاديث في المهدي منها ما حكموا بقوة إسناده ولكن ابن خلدون عنى بإعلالها وتضعيفها كلها ومن استقصى ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار وعرف مواردها ومصادرها يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة.
والجواب أن نقول:
أولا: اعتماد الشيخ محمد رشيد رضا على بطلان الأحاديث الواردة في المهدي مبنى على إعلال ابن خلدون لأحاديث المهدي وسبق أن أوضحت أن ابن خلدون ليس ممن يعتمد عليه في مجال نقد الأحاديث والحكم عليها صحة أو ضعفا لأنه ليس من أهل الاختصاص.
ثانيا: ما ادعاه من أن الأحاديث في المهدي كلها منقولة عن الشيعة مردود بأن أحاديث المهدي عند أهل السنة مدونة في كثير من الكتب المعتمدة في السنن والمسانيد وغيرها بأسانيد تنتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن طريق صحابته الكرام رضي الله عنهم أما الأحاديث عند الشيعة فهي تنتهى إلى أئمتهم المعصومين في زعمهم وقد تصل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما صح من الأحاديث الواردة في المهدي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا علاقة له بالشيعة ولم ينقل عن الشيعة ثم إن المهدي عند الشيعة هو محمد بن الحسن العسكري صاحب السرداب أما المهدي عند أهل السنة فاسمه مواطئ اسم الرسول (صلى الله عليه وسلم) واسم أبيه اسم أبيه فعقيدة أهل السنة في المهدي في واد وعقيدة الشيعة في مهديهم في واد اخر.

↑صفحة ٤٥٣↑

ثالثا: لا شك أن ما زعمه الشيخ محمد رشيد رضا من إنكار خروج المهدي في اخر الزمان خطا واضح وأخطر منه خطأه في إنكار رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا إلى السماء ونزوله منها في اخر الزمان ولن أكلف نفسى في سرد كلامه ومناقشته وإنما أحيل إلى الرسالة التي ألفها في الرد عليه الشيخ محمد خليل الهراس رحمه الله والتي أسماها: «فصل المقال في رفع عيسى (عليه السلام) حيا وفي نزوله وقتله الدجال» قال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: أما بعد فمنذ مطلع هذا القرن أو قبله وجدت جماعة تدعو إلى التحرر الفكري وتتصدر حركة الإصلاح الديني وتعمل لإحياء المفاهيم الدينية الصحيحة في نفوس المسلمين ولكنهم في سبيل ذلك عمدوا إلى إنكار كثير من المغيبات التي وردت بها النصوص الصريحة المتواترة من الكتاب والسنة الأمر الذي يجعل ثبوتها قطعيا ومعلوما من الدين بالضرورة ولا سند لهم في هذا الإنكار إلا الجموح الفكري والغرور العقلي وقد راجت بتأثيرهم تلك النزعة الفلسفية الاعتزالية التي تقوم على تحكيم العقل في أخبار الكتاب والسنة وعمت فتنتها حتى تأثر بها بعض الأغرار ممن تستهويهم زخارف القول وتغرهم لوامع الأسماء والألقاب لهذا رأيت من واجب البيان الذي أتخلص به من اثم الكتمان أن أضع الحق في نصابه فأبين لهؤلاء الشاردين عن منهج الرشد أن تلك الأمور التي يمارون فيها ثابتة ثبوتا قطعيا بأدلة لا تقبل الجدل ولا المكابرة وأن من يحاول ردها أو يسوغ الطعن فيها فهو مخاطر بدينه وهو في الوقت نفسه قد فتح بابا للطعن فيما هو أقل منها ثبوتا من قضايا الدين الأخرى وبذلك نكون أمام موجة من الإنكار لا أول لها ولا اخر وتصبح قضايا العقيدة كلها عرضة لتلاعب الأهواء وتنازع الآراء ثم ذكر الآيات في رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا إلى السماء وفي نزوله ثم أورد الأحاديث في نزوله من السماء وقتله الدجال ثم أورد بعض الاثار بذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وجملة من أقوال الأئمة والعلماء في ذلك ثم عقد عنوانا للرد على صاحب المنار قال فيه: والعجب من هذا الرجل الذي حمل لواء الدفاع عن الإسلام دهرا طويلا ضد خصومه والطاعنين عليه من أهل الأديان الأخرى ونافح مشكورا عن مذهب السلف في العقيدة واحيا وجدد كثيرا مما درس من معانى الإسلام أقول العجب منه يسقط في هذه المسألة سقطة لا قاع لها ويلتوى في فهم الآيات والأحاديث التواء معيبا ويتأثر وهو من رجال الأثر بكلام أستاذه يعنى محمد عبده في هذه المسألة السمعية ولكيلا نكون متجنين على الرجل.. ننقل هنا عباراته بنصها ثم نناقشه فيها وبعد فراغه من مناقشته والرد عليه وعلى شيخه محمد عبده نقل جملة من رد الشيخ محمد حامد الفقي على شلتوت في انكاره رفع عيسى حيا ونزوله من السماء ثم ذكر جملة من كلام الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري في الرد على شلتوت في ذلك أيضا.
ومن أسوأ ما نقله الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخه محمد عبده وسكت عليه ولم يتعقبه قوله في تفسير المنار ج ٣ ص ٣١٧: وسئل عن المسيح الدجال وقتل عيسى له فقال: أن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها والأخذ بأسرارها وحكمها وأن القران أعظم هاد إلى هذه الحكم والأسرار وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مبينة لذلك فلا حاجة للبشر إلى إصلاح وراء الرجوع إلى ذلك انتهى أقول:
و مادام أن الشيخ محمد رشيد رضا سقط هذه السقطة السحيقة في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام فليس بمستغرب أن يسقط ويتردى في شأن المهدى.
١٦ - ذكر الشيخ ابن محمود في ص ٢٠:
أن محمد فريد وجدى صاحب دائرة معارف القرن العشرين ممن ضعف أحاديث المهدي ونقل كلامه في ذلك وأحب أن يضيف الشيخ ابن محمود إلى معلوماته أن محمد فريد وجدى في كتابه المذكور ج ٨ ص ٧٨٨ اعتبر جميع الأحاديث الواردة في الدجال موضوعة بناء على شبه عقلية وأكثر أحاديث الدجال في الصحيحين للبخاري ومسلم كما هو معلوم وما دام أن أحاديث الدجال على كثرتها في الصحيحين وفي غيرهما حظها من محمد فريد وجدى أن يبطلها بجرة قلم ويحكم عليها جميعها بأنها موضوعة ملفقة فمن باب أولى إبطال أحاديث المهدي لأنها دونها في الكثرة والصحة وقد يكون من المناسب هنا أن أناقش بإيجاز محمد فريد وجدى في شبهه العقلية الأربع التي اعتمد عليها في توهين أحاديث الدجال وقال عنها أنها لا تقبل المناقشة:

↑صفحة ٤٥٤↑

* أن ما ورد بشأن الدجال أشبه بالأساطير الباطلة فإن رجلا يمشى على رجلين يطوف البلاد يدعو الناس لعبادته ويكون معه جنة ونار يلقى فيهما من يشاء كل هذا من الامور التي لا يسيغها العقل والنبي اجل من ان يأتي بشيء تنقضه بداهة النظر وإلا فما هي جنته وما هي ناره التي تتبعانه حيث سار هل هما مرئيان أو خياليان الخ..
ويجاب عن هذه الشبهة بأن ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أخبار الدجال يقبله العقل السليم ولا يرده والعقل لا يتعارض مع النقل الصحيح وإذا لم يحصل الاتفاق والتطابق بين العقل والنقل على أمر ما تعين اتهام العقل كما ثبت في الصحيحين عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال:
يا أيها الناس أتهموا رأيكم على دينكم وكما جاء عن على رضي الله عنه في سنن ابى داود قال الحافظ في الفتح بسند حسن أنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من أعلاه، هذا من جهة ومن جهة أخرى العقول تتفاوت فقد يقبل هذا ما لا يقبله هذا وأحاديث الدجال الثابتة صدق بها الصحابة الكرام رضي الله عنهم وقبلتها عقولهم وكذا التابعون لهم بإحسان فالعقول التي لم تقبل ما قبلوه قد أصيبت بمرض لا شفاء لها منه الا بالاعتصام بما جاء في الكتاب والسنة والسير على ما درج عليه سلف الأمة.
ومن جهة ثالثة هذه الأمور التي يأتي بها الدجال هي من جملة فتنته التي هي أعظم فتنة في الحياة الدنيا وهى تحصل منه بإذن الله ابتلاءً وامتحانا للعباد في ذلك الزمان وهى غير مستحيلة عقلا اما كونها على خلاف ما هو معتاد ومألوف فنعم ومن أجل هذا صارت فتنة ومن عرف أن الله على كل شيء قدير وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى أخبر عن الدجال بهذه الأخبار التي منها طوافه البلاد ودخولها ما عدا مكة والمدينة ومعه جنة ونار أقول من عرف كمال قدرة الله وأخبار المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بهذه الأمور لم يتردد في التصديق بذلك وأنه سيقع وفقا لما أخبر به (صلى الله عليه وسلم).
* قوله كيف يعقل أن رجلا أعور مكتوب على جبهته كافر يقرأها الكاتب والأمي على السواء يقوم بين الناس فيدعوهم لعبادته فتروج له دعوة أو تسمع له كلمة أي إنسان يبلغ به الانحطاط العقلي إلى درجة يعتقد فيها بألوهية رجل مشوه الخلقة مكتوب في وجهه كافر بالأحرف العريضة وأي جيل من أجيال الناس تروج فيهم مثل هذه الدعوة الخ...
أقول هذه إحدى شبههه التي اعتمد عليها في رد النصوص الصحيحة ولا أدرى كيف فات على هذا المسكين أن الأبصار لا تغنى شيئا إذا عميت البصائر فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وكيف ينكر النصوص المتواترة لأن عقله استبعد أن تروج دعوة الدجال ويقبل قوله وقد كتب على وجهه كافر يقرأها الكاتب والأمي مع وجود المثال المحسوس فيما نشاهده ونعاين في هذا العصر الذي نعيش فيه فأكثر البلاد التي تنتمى إلى الإسلام لا تحكم بشريعة الإسلام مع أن آيات القران ينادى بها بأعلى الأصوات ومنها قول الله تعالى:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ اَلْكَافِرُونَ﴾. وقوله: ﴿ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ اَلظَّالِمُونَ﴾ وقوله:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ﴾ وقوله: ﴿فَلاَ ورَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ وقوله تعالى ﴿أَ فَحُكْمَ اَلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اَللهِ

↑صفحة ٤٥٥↑

حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ الى غير ذلك من الآيات فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في اخر الزمان فيتبعونه لعمى بصائرهم مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرأها الكاتب والأمي هم من جنس الذين عميت بصائرهم في عصرنا فلم يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القران وفيه مثل هذه الآيات وسماعهم لها في الإذاعات ما أشبه الليلة بالبارحة والله المستعان.
قوله لما ذا لم يذكر في القران عن هذا المسيح الدجال شيئا مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه الاحاديث الموضوعة فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار يفتتن به الناس.
والجواب عن هذه الشبهة أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: ﴿ومَا آتَاكُمُ اَلرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وقال (صلى الله عليه وسلم): ألا أنى أوتيت القرآن ومثله معه يعنى السنة والسنة والقران متلازمان لا يفترقان ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقران ومن زعم فصل السنة عن القران يقال له أين وجدت في القران أعداد الصلوات وأعداد ركعاتها وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القران والموضحة والمبينة له، ولم تعدم السنة منذ أزمان أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقران يشككون فيها ويحاولون فصلها عن القران وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها ويدحض شبه أعدائها ومنهم الحافظ السيوطي فقد ألف رسالة لطيفة سماها مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة افتتحها بعد حمد الله بقوله: اعلموا يرحمكم الله إن من العلم كهيئة الدواء ومن الآراء كهيئة الخلاء لا تذكر إلا عند داعية الضرورة وأن مما فاح ريحه في الزمان وكان دارسا بحمد الله منذ زمان وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية - زادها الله علوا وشرفا - لا يحتج بها وأن الحجة في القرآن خاصة إلى أن قال: فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوما حديثا وقال إنه صحيح فقال له قائل: أتقول به يا أبا عبد الله فاضطرب وقال: يا هذا أ رأيتني نصرانيا؟ أ رأيتني خارجا من كنيسة؟ أرأيت في وسطى زنارا؟ أروى حديثا عن رسول الله ولا أقول به.
ورسالة السيوطي هذه رسالة عظيمة مفيدة.
الشبهة الرابعة:
قوله إن كون هذه الأحاديث موضوعة يعرف بالحسى من الحديث الطويل الذي نسب إلى النواس بن سمعان ورفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو الحديث الذي ينبئ أن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق ويعمل الأعاجيب ثم يدركه عيسى فيقتله ثم يؤمر عيسى بأن يعتصم بالطور هربا من قوم لا قدرة عليهم وهم يأجوج ومأجوج - إلى أن قال - فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما - إلى أن فال - أن تنظر إلى تركيب هذه القصة نظر منتقد لا يخطر ببالك شك في أنها موضوعة وقد وضعها واضع لا يفرق بين الممكن والمستحيل وبين سنن الله وما تولده الخيالات من الأباطيل ولكن الدليل الحسى على بطلان هذا الحديث أن واضعه لقصر نظره خيل له أن أسلحة الناس لن تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة ولم يدرك أنه لن يمر على وضع هذا الحديث نحو سبعة قرون حتى يوجد البارود والبندق ولم تمر ستة قرون أخرى حتى لم يكن للقوس والنشاب ذكر وقام مقامه مدافع الماكسيم وقنابل اليد والشرنبيل والأدخنة السامة والغازات الملتهبة والديناميت الذي يتساقط من الطائرات الخ..
وحديث النواس بن سمعان الذي زعم أنه موضوع أخرجه الامام مسلم في صحيحه وهو واحد من أحاديث

↑صفحة ٤٥٦↑

الدجال المتواترة التي اعتبرها محمد فريد وجدى موضوعه وشبهته التي اعتبرها دليلا حسيا على وضع هذا الحديث كون يأجوج ومأجوج يستعملون النشاب وهو سلاح قديم جاءت بعده الأسلحة الفتاكة التي عدد بعض انواعها ويجاب عن شبهته هذه أن هذا السلاح الذي ورد ذكره في الحديث هو الذي سوف يستعمل حتما من قبل يأجوج ومأجوج اذا خرجوا في اخر الزمان اما الحضارة المادية والأسلحة الفتاكة التي وجدت في هذا العصر فليس بقاء نوعها حتى نهاية الزمان محققا فقد يبقى نوعها حتى ذلك الزمان وقد تنتهى قبل ذلك والله تعالى أعلم بالذي سيكون من بقائها او انتهائها واحتمال انتهائها أقرب لان الأحاديث الصحيحة وردت باستعمال الخيل والرماح والسيوف والحراب مع أن النفوس البشرية جبلت على تفضيل المركوبات المريحة واستعمال السلاح الأنكى في الحرب فقد يكون استعمال هذه الأسلحة العادية لعدم وجود الأسلحة الفتاكة ولا أدرى كيف تجرأ هذا المسكين على رد هذا الحديث وزعم أنه موضوع من أجل أنه ذكر فيه سلاح قديم فإن هذا السلاح هو المحقق الوجود في ذلك الوقت لأخبار الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) بذلك في هذا الحديث الصحيح أما أسلحة هذا الزمان ومركوباته فإن وجودها في اخر الزمان غير محقق وإنما هو محتمل ومن قرائن احتمال عدم بقائها ما نسمعه في الاذاعات من الذعر والتخوف من نفاذ النفط وتنافس الدول الصناعية في البحث عن مصادره لما أسموه بالطاقة ليحرك بها الحديد بدلا من البترول حتى لا تكون هذه الحضارة المادية ركاما من الحديد البارد ويحضرني لي هنا نكتة لطيفة سمعتها من رجل قال فيها: هذه الحمر السائبة التي تعترض طرق السيارات وتسبب الحوادث لو توقف البترول لتشاح الناس فيها وتنافسوا في اقتنائها وشغلوا المحاكم باستخراج صكوك في تملكها والتخاصم عليها وقد يقول قائلهم: أنني قد ورثت هذا عن أبى عن جدى.
ومعذرة للقارئ في هذا الاستطراد الذي لا يخلو من فائدة إن شاء الله في مناقشة محمد فريد وجدى في شبههه الواهية التي اعتمد عليها في إنكار أحاديث الدجال وزعمه أنها موضوعة ومثل هذه الشبه التي أودعها في كتابه دائرة معارف القرن العشرين هي في الحقيقة من جاهلية القرن العشرين.

* * *

١٧ - هناك كاتب من كتاب القرن الرابع عشر اعتمد على كلامه الشيخ ابن محمود دون أن يفصح عمن اسمه في رسالته ولا مرة واحدة وهو الأستاذ احمد امين صاحب كتاب ضحى الاسلام وسأنقل كلام ابن محمود في رسالته ثم اتبعه بأصله كلام أحمد أمين في ضحى الإسلام.
قال الشيخ ابن محمود ص ٣٧: إن فكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية وكلها نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من ال البيت واستغلت الشيعة أفكار الجمهور الساذجة وتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الظاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك وأحكموا أسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم وكانت بذلك مؤامرة شنيعة أفسدت بها عقول الناس وامتلأت بأحاديث تروى وقصص تقص نسبوا بعضها الى النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعضها الى أئمة أهل البيت وبعضها الى كعب الاحبار وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات والحركات المتتالية في تاريخ المسلمين ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس ويتسببون في اثارة الكثير من الفتن وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية المهدي وهى نظرية لا تتفق مع سنة الله في خلقه ولا تتفق مع العقل الصحيح انتهى كلام الشيخ ابن محمود.
وقال الاستاذ أحمد أمين في كتاب ضحى الإسلام ج ٣/٢٤١ وفكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية ففي نظري أنها نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من

↑صفحة ٤٥٧↑

أيديهم وقال: في ج ٣/٢٤٣. واستغل هؤلاء القادة المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك واحكموا اسانيدها واذاعوها من طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم وقال في ص ٢٤٣. أيضا: حديث المهدي هذا حديث خرافة وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين وقال في ص ٢٤٤: فامتلأت عقول الناس بأحاديث تروى وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم واخبار في قتال الترك الى أن قال: - وجعلت هذه الأشياء كلها أحاديث بعضها نسبوه الى النبي (صلى الله عليه وسلم) وبعضها الى أئمة أهل البيت وبعضها الى كعب الاحبار ووهب بن منبه وهكذا وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات المتتالية في تاريخ المسلمين ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس الى أن قال. وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية المهدية وهى نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح انتهى.
بعد نقل كلام الشيخ ابن محمود هذا ونقل كلام قدوته في ذلك الأستاذ أحمد أمين يتضح للقارئ أن التابع نقل كلام المتبوع بنصه ونسبه الى نفسه دون نسبته الى قائله وان كان مثل هذا الكلام يعتبر في الحقيقة منقصة لمن ينسب اليه ثم أن الشيخ ابن محمود يعيب جمهور الأمة سلفا وخلفا انهم يقلد بعضهم بعضا والمقلد لا يعد من أهل العلم هما في ص ٥ و٨ من رسالته وفي نفس الوقت يرضى لنفسه أن يقلد مثل أحمد أمين ومحمد فريد وجدى ممن هم أجانب عن علم الحديث الشريف فإذا كان من يقلد أهل الاختصاص مثل الترمذي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر العسقلاني وغيرهم لا يعد من أهل العلم فبم يوصف من يكون قدوته من هو أجنبي عن العلم الشرعي مثل محمد فريد وجدى وأحمد أمين؟

ومن جعل الغراب له دليلا * * * يمر به على جيف الكلاب

ثم انى أناقش هذا الكلام الذي اشترك في حمل وزره الأستاذ أحمد أمين والشيخ ابن محمد فأقول:
أولا: ما قاله التابع والمتبوع من أن فكرة المهدي نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وأنهم استغلوا افكار الجمهور الساذجة وتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ذلك واحكموا اسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة وصدقها الجمهور الطيب لبساطته هذا القول الذي قالاه يشتمل على تنقص سلف هذه الأمة أوعية السنة ونقلة الاثار والنيل منهم ووصف أفكارهم بالسذاجة وأنهم يصدقون بالموضوعات لبساطتهم ولا شك أنه كلام في غاية الخطورة لأن القدح بالناقل قدح - بالمنقول وهو سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفي مقابل هذا الكلام الذي هو من أسوأ الكلام أنقل فيما يلى كلاما لأبى بكر الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث هو من أحسن الكلام قال رحمه الله في كتابه شرف أصحاب الحديث:
وقد جعل الله تعالى اهله - يعنى الحديث - أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله من خليقته والواسطة بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة وآياتهم باهرة. ومذاهبهم ظاهرة وحججهم قاهرة وكل فئة تتحيز الى هوى ترجع اليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث فان الكتاب عدتهم وألسنة حجتهم والرسول قدوتهم واليه نسبتهم لا يعرجون على الأهواء ولا يلتفتون الى الآراء يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه والعدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته، اذا اختلف في حديث كان اليهم الرجوع فما حكموا به فهو المقبول المسموع منهم كل عالم فقيه، وامام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة ومخصوص بفضيلة وقارئ متقن، وخطيب محسن. وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الافصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم المحتاط لدينه الى ارشادهم

↑صفحة ٤٥٨↑

فقير وبصر الناظر اليهم بالسوء حسير وان الله على نصرهم لقدير، وقال رحمه الله. فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين واقتفائهم اثار الصحابة والتابعين فشأنهم حفظ الاثار، وقطع المفاوز والقفار وركوب البراري والبحار في اقتباس ما يشرع الرسول المصطفى لا يعرجون عنه الى رأى ولا هوى، قبلوا شريعته قولا وفعلا. وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا بذلك أصلها وكانوا أحق بها وأهلها وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله إلا إن حزب الله هم المفلحون.
هذا ما قاله الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث، وبعد ان يتفق ابن محمود مع أحمد أمين في هذا الكلام ينفرد الشيخ ابن محمود بلمز لأهل الحديث فيقول في ص ٢٣ من رسالته: لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقله عنه السفاريني في لوامع الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها وسأتكلم حول هذا الموضوع ان شاء الله تعالى.
ثانيا: قول أحمد أمين: فامتلأت عقول الناس بأحاديث تروى وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمة الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم واخبار في قتال الترك الخ هذا القول فيه زيادة في الهلكة لما فيه من استنكار هذا الباب الذي اشتملت عليه دواوين السنة النبوية وهو باب الملاحم وما يندرج تحته من أحاديث عن أخبار بمغيبات وكثير من أحاديث هذا الباب موجودة في الصحيحين وفي غيرهما.
ثالثا: ما قاله من أن نظرية المهدي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح يجاب عنه بأن مثل ذلك لا يصلح أن يطلق عليه نظرية لأنه من الأمور الغيبية التي هي ليست محلا للرأي والنظر وانما يتوقف قبول ذلك على صحة الحديث به عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد صحت الأحاديث بخروج المهدي في اخر الزمان والعقل السليم لا يختلف مع النقل الصحيح بل يتفق معه إذ أن العقل تابع للنقل وهو معه كالعامي المقلد مع العالم المجتهد كما قال ذلك بعض العلماء وخروج المهدي في اخر الزمان متفق مع سنة الله في خلقه فان سنة الله تعالى أن الحق في صراع دائما مع الباطل والله تعالى يهيئ لهذا الدين في كل زمان من يقوم بنصرته ولا تخلو الأرض في أي وقت من قائم لله بحجته والمهدى فرد من أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) ينصر الله به دينه في الزمن الذي يخرج فيه الدجال وينزل فيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء كما صحت الأخبار بذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم).

* * *

١٨ - اعتبر الشيخ ابن محمود كل ما ورد في المهدي من الأحاديث من قبيل المختلق الموضوع فقد وصف الأحاديث الواردة في المهدي في ص ٤ بأنها مختلفة وقال في ص ٦ إنه ليس أول من كذب بهذه الأحاديث وقال في ص ٧ بعد أن ذكر بعض الشبه لإنكارها: فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله وانها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها. وقال في ص ١١: وانه بمقتضى التحقيق لها يعنى الأحاديث الواردة في المهدى - والدرس لرواياتها يتبين بطريق اليقين أن فيها من التعارض والاختلاف وعدم التوافق والائتلاف ووقوع الاشكالات وتعذر الجمع بين الروايات ما يحقق عدم صلاحيتها ويجعل العلماء المحققين من المتأخرين وبعض المتقدمين يحكمون عليها بأنها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وليست من كلامه وينزهون ساحة رسول الله وسنته عن الاتيان بمثلها اذ الشبهة فيها يقينية والكذب فيها ظاهر جلى وقال في ص ١٦: وقد رجح أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الامصار بأنها كلها مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

↑صفحة ٤٥٩↑

وقال في ص ١٩: لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين ووصفه في ص ٢٤ بأنه حديث خرافة وكذا في ص ٢٧ وقال في ص ٢٧ وهذا الجهل هو الذي أدى بأهله الى وضع خمسين حديثا عند أهل السنة. وقال في ص ٢٩: وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله ولم يحدث بها وقال في ص ٣١: وأحاديث المهدي هي بمثابة الف ليلة وليلة قد أحصاها الشوكاني فيما يزيد على خمسين حديثا وقال في ص ٣٦. وقد كاد أن ينعقد الاجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال في ص ٥٨: ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح وهى في الأصل حديث خرافة يتلقفها واحد عن اخر وقد صيغت لها الأحاديث المكذوبة سياسة للإرهاب والتخويف.
هذه فقرات من كلام الشيخ ابن محمود في رسالته تتعلق برد الأحاديث الواردة في المهدي كلها لكونها مختلقة موضوعة مصنوعة مكذوبة مزورة حديث خرافة وبمثابة ألف ليلة وليلة وتعليقي على ذلك ما يلى:
أولا: أن تكرار مثل هذا الكلام وترديد مثل هذه العبارات في مواضع متعددة من رسالة الشيخ ابن محمود هو الذي زاد في حجمها ورفع عدد صفحاتها.
ثانيا: الحديث الموضوع هو الحديث الذي يكون في سنده راو معروف بتعمد الكذب في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو أسوأ أنواع المردود من الحديث وهو الذي قال فيه المحدثون لا تجوز روايته إلا مع بيان حاله لقوله (صلى الله عليه وسلم): من حدث عنى بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين رواه مسلم. والأحاديث الواردة في المهدي كما قال العلماء فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فكيف يجرأ أحد على ادعاء أن كل ما ورد في المهدي موضوع - !إذ أن معنى هذا الكلام ان كل حديث فيه ذكر المهدي في سنده راو على الاقل معروف بتعمد الكذب في الحديث الشريف ومعلوم أن كل الأحاديث الصحاح والحسان الواردة في المهدي ليس فيها شخص من هذا القبيل بل ان الأحاديث الضعيفة غير الموضوعة مما ورد في المهدي ليس فيها من هو كذاب وقد جمع الحافظ بن حجر الأحاديث التي اعتبرها ابن الجوزي موضوعة في مسند الامام أحمد وهى قليلة جدا عدتها أربعة وعشرون منها تسعة استخرجها شيخه الحافظ العراقي وذلك في كتاب اسماه القول المسدد في الذب عن مسند الامام احمد أوضح فيه أنه لا يتأتى الحكم على شيء منها. بالوضع ومنها حديث ثوبان عند الامام احمد: اذا أقبلت الرايات السود من خراسان فائتوها فان فيها خليفة الله المهدي قال فيه في الرد على ابن الجوزي: وفي طريق ثوبان على بن زيد بن جدعان وفيه ضعف ولم يقل أحد أنه كان يتعمد الكذب حتى يحكم على حديثه بالوضع اذا انفرد وكيف وقد توبع من طريق اخر رجالها غير رجال الأول فذكرها.
ثالثا: ما اشتملت عليه هذه العبارات من الاشارة الى رد الأحاديث والتكذيب بها لكونه متعارضة مختلفة جوابه ان ما كان فيها موضوعا أو ضعيفا لا يلتفت اليه ولا يعارض به غيره وما كان منها ثابتا فانه مؤتلف غير مختلف وسبق ايضاح هذا في رقم ٧.
رابعا: ما أشار اليه في هذه العبارات من أن العلماء المحققين من المتأخرين وبعض المتقدمين حكموا على أحاديث المهدي بأنها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الأمصار رجحوا بأنها كلها مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وانه كاد أن ينعقد الاجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
أقول ما أشار اليه في هذه العبارات عن العلماء من متقدمين ومتأخرين من أن الأحاديث في المهدي كلها موضوعة ينقصه التثبت ويفتقر الى الاثبات ولا سبيل الى ذلك فأنا شخصيا لا أعلم في المتقدمين من العلماء واحدا قال

↑صفحة ٤٦٠↑

بانها كلها موضوعة وانما أعرف شخصين اثنين أحدهما أبو محمد بن الوليد البغدادي ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في منهاج السنة انه في طائفة انكروا احاديث المهدي معتمدين على حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم قال ابن تيمية. وليس مما يعتمد عليه ولم ينقل عنه ولا عن غيره أنهم اعتبروا أحاديث المهدي موضوعة بل اعتمدوا على حديث ضعيف لا يعتمد عليه والثاني ابن خلدون ولم يقل ان كل الأحاديث في المهدي موضوعة وانما حكم على أكثرها بالضعف وهو ليس أهلا للحكم لكونه ليس من أهل الاختصاص واعترف بسلامة بعضها من النقد وقد مر الكلام عن تضعيف ابن خلدون وأنه ليس من يعتمد عليه في مثل ذلك في رقم ١٠. ولم يقل ولم يسم الشيخ ابن محمود في رسالته أحدا من العلماء المتقدمين انتقد أحاديث المهدي وضعفها سوى ثلاثة هم ابن خلدون وقبله ابن القيم والشاطبي ولم يكن مصيبا في العزو اليهما إذ لم يقولا بتضعيفها وسبق ايضاح ذلك في رقم ١١. ١٢.
أما القول بأنها موضوعة فهو ما لا أعلم واحدا في الماضين قاله ولو علم الشيخ ابن محمود احدا منهم سماه في رسالته أما المتأخرون من العلماء الذين كاد أن ينعقد اجماعهم على ان أحاديث المهدي كلها موضوعة كما قال الشيخ ابن محمود فأنا أيضا لا أعرف أحدا له معرفة بالحديث النبوي قال انها كلها ضعيفة فضلا عن القول بأنها موضوعة وكل الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته من المتأخرين خمسة هم الشيخ محمد بن مانع والشيخ أبو الأعلى المودودي والشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدى والبلاغي. أما الشيخ محمد بن مانع فهو ممن يقول بتصيح بعض الأحاديث الواردة في المهدي وقد مر ايضاح ذلك في رقم ١٣ وأما الشيخ المودودي فلم يقل بأنها موضوعة بل لم يقل انها كلها ضعيفة وانما قال بأن سند هذه الأحاديث ليس في القوة حيث يثبت امام مقياس البخاري وسلم لنقد الروايات وقد مر ذلك في رقم ١٤. وأما الشيخ محمد رشيد رضا فقد مر في رقم ١٥ انه أنكر ما هو أوضح من خروج المهدي وهو نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وأما محمد فريد وجدى فقد زعم أن أحاديث الدجال كلها موضوعة ملفقة وأكثرهم في الصحيحين كما هو معلوم وقد مر ايضاح ذلك في رقم ١٦ أما البلاغي فله ترجمة في معجم المؤلفين ٣/١٦٤ لكحالة ذكر فيها أن من اثاره نصائح الهدى في الرد على البهائية ولم أقف على كتابه لأتمكن من ابداء شيء بشأنه ويبدو من ترجمته أنه من الشيعة «فأي اجماع هذا الذي كاد أن ينعقد على خلاف ما عليه سلف الامة» واوعية السنة وانى لا سأل الله (عزَّ وجلَّ) أن يوفق الاحياء ممن عناهم الشيخ ابن محمود بالمتأخرين من علماء الأمصار أسأله تعالى ان يوفقهم لأن يسيروا على الجادة التي سلكها سلفنا الصالح في تعظيم السنة النبوية وأن يعقلوا عقولهم بعقال الكتاب والسنة.
١٩ - نقل الشيخ ابن محود في ص ٢٠ كلا ما لمحمد فريد وجدى من كتابه دائرة معارف القرن العشرين بدأه بقوله ويقول محمد فريد وجدى وقال في نهايته انتهى ومنه ما يلى: وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي واعتبروها مما لا يجوز النظر فيه منهم الدارقطني والذهبي وقد أوردناها مجتمعة لتكون بمرأى من كل باحث في هذا الامر حتى لا يجرأ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس هكذا عزاه الشيخ ابن محمود الى محمد فريد وجدى ونص كلام محمد فريد وجدى في كتابه دائرة معارف القرن العشرين ج ١٠ ص ٤٨١ ما يلى:
وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي واعتبروها ممن لا يجوز النظر فيه واننا اذ أوردناها مجتمعة لتكون بمرأى من كل باحث في هذا الأمر حتى لا يجرأ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس انتهى.
وفي كلام ابن محمود هذا خطان. احدهما اضافة جملة «منهم الدارقطني والذهبي» الى كلام محمد فريد وجدى وهو تقويل له ما لم يقله والخطأ الثاني اضافة القول بتضعيف احاديث المهدي وعدم جواز النظر فيها الى الحافظين الدارقطني والذهبي وهذا القول بعيد غاية البعد عن مثل هذين الامامين أما الذهبي فقد صحح أحاديث كثيرة من احاديث المهدي في تلخيص المستدرك واما الدارقطني فلم أقف له على كلام في احاديث المهدي والقول بان الحافظين الذهبي والدارقطني يضعفان أحاديث المهدي ويعتبر انها مما لا يجوز النظر فيه غير صحيح وغير مطابق للواقع ولا يستطيع الشيخ ابن محمود اثباته واضافته اليهما مثل اضافة الجملة الى محمد فريد وجدى.

↑صفحة ٤٦١↑

٢٠ - وقال الشيخ ابن محمود ص ٣٩:
واننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) حديثا صحيحا صريحا يعتمد عليه في تسمية المهدي وان الرسول (صلى الله عليه وسلم) تكلم فيه باسمه.
والجواب أنه ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة قال بصحتها وثبوتها أهل الصناعة الحديثية قديما مثل الترمذي وأبى الحسين الاجري وابى جعفر العقيلي وابن حبان البستي وابى سليمان الخطابي والامام البيهقي والقاضي عياض والقرطبي صاحب التفسير المشهور والحافظ الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية والامام ابن القيم والحافظ عماد الدين ابن كثير وغيرهم وحديثا بعد القرن العاشر مثل الشيخ على القاري والشيخ عبد الرؤوف المناوي والشيخ محمد بن اسماعيل الصنعاني والشيخ صديق حسن خان وغيرهم وممن استقرأها وتتبعها وهو من - المحدثين القاضي محمد بن على الشوكاني مؤلف كتاب نيل الأوطار قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح. والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف والمنجبر وهى متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر عليها هو أقل منها في جميع الاصطلاحات المقررة في الأصول واما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة جدالها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك انتهى.
ومن أوضح الأحاديث في ذلك الحديث الذي أخرجه الحارث بن أبى اسامة في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة قال ابن القيم بعد أن أورده في كتابه المنار المنيف واسناده جيد وهو مبين لحديث جابر عن مسلم: لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول اميرهم تعال صل لنا فيقول لا ان بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة.
٢١ - قال الشيخ ابن محمود في ص ٨٣، سألني غير واحد عن حديث ان الله يبعث على رأس كل مائة عام سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها فيسالون هل هذا حديث وهل هو صحيح أو غير صحيح فأجبتهم بأن هذا الحديث رواه أبو داود وصححه الحافظ العراقي والعلامة السخاوى وفي ص ٨٤ ذكر حديثا ثم قال: ومثله ما رواه الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم). مثل أمتى مثل المطر لا يدرس أوله خيرا أم اخره قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
هذا الحديث حسن له طرق قد يرتقى بها الى الصحة قال وصححه ابن حبان من حديث عمار انتهى.
أقول: أن المسلك الذي سلكه الشيخ ابن محمود في بيان حكم هذين الحديثين هو المسلك الأرشد والمنهج الأحمد إذ عول على حكم من هو أهل للحكم على الأحاديث وتبع أهل الاختصاص في اختصاصهم وكان ينبغي له أن يسير في هذا الاتجاه في معرفة درجة الأحاديث الواردة في المهدي أيضا وإذا اقتصرنا على معرفة حكم هؤلاء الحفاظ الأربعة على الأحاديث الواردة في المهدي نجد أن السخاوى اعتبر احاديث المهدي من قبيل الأحاديث المتواترة إذ ذكر ذلك في جملة الأمثلة للأحاديث المتواترة وذلك في كتابه فتح المغيث بشرح الفيه الحديث للحافظ العراقي ونجد أنه أيضا الف في أحاديث المهدي كتابا سماه ارتقاء الغرف ذكره في كتابه المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقال العجلوني في كشف الخفاء ورد ذكره أي المهدي في أحاديث أفردها بعض الحفاظ بالتأليف منهم الحافظ السخاوى في كتاب ارتقاء العرف الخ.
أما الحافظ العراقي فلم أقف له على كلام بشأن أحاديث المهدي لكن ابنه وتلميذه الحافظ ولى الدين ابا زرعه العراقي قد جمع طرق أحاديث المهدي ذكره في مؤلفاته ابن فهد في ذيله على تذكرة الحفاظ للذهبي واما الحافظ ابن حجر العسقلاني فقد نقل كلام ابى الحسين الإبري في تواتر أحاديث المهدي وسكت عليه وذلك في فتح الباري وفي تهذيب التهذيب كما ذكر جملة من أقوال أهل العلم في ثبوت خروج المهدي في اخر الزمان وذلك في كتابه

↑صفحة ٤٦٢↑

فتح الباري وأما أقدم هؤلاء الحفاظ وهو ابن حبان البستي فقد أورد في صحيحه مجموعة من أحاديث المهدي وقد اورد الهيثمي في موارد الظمآن جملة منها وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح انباري في شرح حديث: لا يأتي عليكم زمان الا والذى بعده شر منه قال: واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما انتهى. وهؤلاء الأربعة وهم الامام ابن حبان البستي والحافظ ابن العراقي والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ السخاوى يعتبرون قطرة من بحر في عدد الأئمة الحفاظ الذين قالوا بثبوت خروج المهدي في اخر الزمان استنادا الى الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.
(٢٢) - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٥١:
وهنا حديث كثيرا ما يحتج به المتعصبون للمهدى وهو أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وان عيسى (عليه السلام) ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فيقول المهدى: تقدم يا روح الله فيقول: انما هذه الصلاة أقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدى به عيسى (عليه السلام) اشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلى عيسى (عليه السلام) في سائر الأيام قال علي بن محمد القاري في كتابه الموضوعات الكبير بأنه حديث موضوع انتهى.
أقول: لم يقل الشيخ علي القاري عن هذا الحديث انه موضوع كما قال الشيخ ابن محمود بل الذي قاله فيه أنه ثابت فقد نقل في كتابه الموضوعات الكبير ص ١٦٤ كلام ابن القيم في فضائل المسجد الأقصى واخرها قول ابن القيم: وصح عنه (صلى الله عليه وسلم) أن المؤمنين يتحصنون به من يأجوج ومأجوج ثم قال ابن القيم: فهذا مجموع ما يصح فيه من الأحاديث وعقب ذلك مباشرة قال الشيخ علي القاري: قلت وكذا ثبت أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وأن عيسى (عليه السلام) ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فيقول المهدى: تقدم يا روح الله فيقول انما هذه الصلاة أقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدى به عيسى (عليه السلام) اشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلى عيسى (عليه السلام) في سائر الأيام..
انتهى كلام الشيخ علي القاري وهو واضح في اثبات ذلك ولم يقل إنه موضوع كما عزاه اليه الشيخ ابن محمود ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقتله الدجال بباب لد وصلاته خلف امام المسلمين في ذلك الزمان ثابت في صحيح مسلم وغيره وكون ذلك الامام الذي يصلى عيسى بن مريم خلفه يقال له المهدي ثابت في مسند الحارث بن أبى أسامة.

* * *

(٢٣) عقد الشيخ ابن محمود في رسالته فصلا بعنوان التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر يقع في سبع ورقات يشتمل على أحد عشر حديثا قال قبل كلامه عليها.. وسنتكلم على الأحاديث التي يزعمونها صحيحة والتي رواها أبو داود والامام أحمد والترمذي وابن ماجه وكلها متعارضة ومختلفة ليست بصحيحة ولا متواترة لا بمقتضى اللفظ ولا المعنى. وقد أعجب الشيخ عبد الله بن محمود بكلامه في هذا الفصل فقد قال في ص ٨: وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والامام أحمد والحاكم بما لا مزيد عليه فليراجع.
وقال في ص ٢٧: انهم لو رجعوا - يعنى الذين يقولون بصحة الأحاديث الواردة في المهدى - الى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وفكروا في الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة وقابلوا بعضها ببعض لظهر لهم بطريق اليقين انها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا باللفظ ولا بالمعنى.
وتعليقي على هذا الفصل ما يلى:

↑صفحة ٤٦٣↑

أولا ان من سهل عليه أن يحكم على كل ما ورد في المهدي سواء كان في سنن أبى داود. والترمذي وابن ماجه ومسند الامام أحمد أو في غيرها من دواوين السنة النبوية من سهل عليه أن يحكم على كل ذلك بأنه موضوع مصنوع مزور مختلق مكذوب حديث خرافة بمثابة ألف ليلة وليلة كما أثبت بعض عباراته في ذلك في رقم ١٨ فإنه يصعب عليه أن يأتي بتحقيق معتبر لأن التحقيق المعتبر يحتاج الى التأني والتثبت والاطلاع على المصادر المختلفة ومعرفة ما قاله أهل العلم المعتد بهم وأن لا يخرج ذلك التحقيق إلا بعد مدة طويلة ومن أراد أن يقف على التحقيق المعتبر بشأن المهدي المنتظر فيمكنه ذلك بالاطلاع على الرسالة التي أعدها الشيخ عبد العليم عبد العظيم الهندي ونال بها درجة الماچستير من قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة والتي زادت صفحاتها على ستمائة صفحة وهى بعنوان «الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل» والتي مكث في إعدادها مدة تزيد على أربع سنوات جمع فيها ما ورد في الموضوع من الأحاديث والاثار ودرس أسانيدها وبين ما قاله المحدثون عن أحوال رجالها وما قاله أهل العلم في صحتها أو ضعفها ونقل فيها الكثير من أقوال العلماء في تواترها وفي ثبوتها والاحتجاج بها وتكلم فيها في موضوع المهدي من مختلف الجوانب مما جعلها بحق أفضل وأوسع مرجع يرجع اليه في هذه المسألة.
ثانيا: قوله: وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه: (التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد علي فليراجع يفهم من قوله هذا أنه تكلم على كل الأحاديث التي لها تعلق بالمهدى مما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والامام أحمد والحاكم وليس الأمر كذلك أما الحاكم فلم يرد له ذكر إطلاقا في ورقات الفصل السبع. وأما الترمذي فقد روى في جامعه في باب ما جاء في المهدي ثلاثة أحاديث الأول والثاني عن ابن مسعود وابى هريرة لو لم يبق من الدنيا الا يوم الحديث وقد أورد الشيخ ابن محمود الحديث عند أبى داود فقال: روى أبو داود في سننه عن طريق أبى نعيم عن على رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملاها عدلا كما ملئت جورا ورواه الامام أحمد عن طريق ابى نعيم ورواه الترمذي ايضا..
انتهى.
والملاحظ في هذا شيئان أحدهما عزوه الحديث إلى الترمذي مع أن الترمذي لم يسنده إلا عن ابن مسعود وأبى هريرة. والثاني أن لفظ حديث على عند أبى داود لبعث الله رجلا من أهل بيتي «وليس لفظه» رجلا منا كما نقل الشيخ ابن محمود وهذا اللفظ «رجلا منا» لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد واما الحديث الثالث عند الترمذي فهو حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا. إن في أمتى المهدي الحديث لم يرد له ذكر في فصل التحقيق المعتبر في رسالة الشيخ ابن محمود. وأما ابن ماجه فقد روى في سننه سبعة أحاديث في باب خروج المهدي ولم يذكر الشيخ ابن محمود في فصله إلا ثلاثة من هذه الأحاديث السبعة وهي حديث أبى سعيد الخدري يكون في أمتى المهدي الحديث وحديث ثوبان يقتتل عند كنزكم الحديث وحديث أنس نحن ولد عبد المطلب الحديث وأما الإمام أحمد فقد عزا اليه الشيخ ابن محمود في الفصل الذي عقده ثلاثة أحاديث مع أن مسند الإمام أحمد فيه أحاديث كثيرة في المهدي غير هذه الثلاثة.
ثالثا: ان كلامه على الأحاديث التي أوردها لبيان ضعفها وبطلانها كما يريد لا يتسم بسمة التحقيق الذي يصلح أن يكون معتبرا وسأكتفى بإيضاح هذا بأمثلة من كلامه على بعض هذه الأحاديث.
المثال الأول: قال الشيخ ابن محمود في ص ٤٨:
روى الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم حدثنا ياسين العجلى عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن على قال: المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة، وقد رأيت من ينتقد هذا الحديث قائلا: والعجيب أن يكون المهدي بعيدا عن التوفيق والفهم والرشد ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة ليكون في صبيحتها داعية هداية ومنقد أمة ورواه ابن ماجه عن عثمان بن أبى شيبة وقال ياسين العجلى ضعيف فهذا من جملة الأحاديث التي فيها التصريح باسم المهدي لكنها ليست بصحيحة كما أشار ابن ماجه إلى تضعيفه ومن الأمر العجيب في هذا الحديث

↑صفحة ٤٦٤↑

كون المهدي بعيدا عن الهداية والتوفيق والرشد ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة فيكون في صبيحتها هاديا مهديا ومنقذ أمة من جورها وفجورها.
أقول: بنى الشيخ ابن محمود انكاره لهذا الحديث على أمرين:
أحدهما: أن ابن ماجه قال ياسين العجلى ضعيف.
والثاني: استنكار معناه وهو كون المهدي يصلحه الله في ليلة.
ويجاب عن ذلك: بأن ابن ماجه لم يضعف ياسين العجلى في كتابه السنن عند ما أورد هذا الحديث عنه وليس من عادته في سننه أن يشير إلى أحوال الرجال وإنما طبعة سنن ابن ماجه المشتملة على ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي اشتملت أحيانا على إيراد كلام البوصيري في زوائد ابن ماجه عقب إيراد الحديث وهو من عمل الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي ثم إن الذين ترجموا لياسين العجلى مثل الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال لم يذكروا في ترجمته أن ابن ماجه ضعفه ولعل الشيخ ابن محمود لم يسبق إلى نسبة تضعيف ياسين العجلى إلى ابن ماجه وحاصل ما قاله أهل العلم في تعديل ياسين العجلى أن عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين قال: ليس به بأس وقال اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين صالح وقال أبو زرعة لا بأس به ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ولم يزد ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل في بيان حاله على قول ابن معين وأبى زرعة أنه لا بأس به. وقال عنه الحافظ في التقريب: لا بأس به. أما ما قيل فيه من الجرح، فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب. وقال البخاري فيه نظر ولا أعلم له حديثا غير هذا يعنى هذا الحديث - انتهى، ولم يترجم البخاري لياسين في كتابه الضعفاء الصغير وترجم له في التاريخ الكبير ترجمة لم يزد فيها على قوله: ياسين العجلى عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية روى عنه أبو نعيم والعكلي يعد في الكوفيين وقد أورد البخاري الحديث في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحنفية بإسناد الإمام أحمد وقال وفي إسناده نظر وقال الذهبي في الكاشف. ياسين العجلى عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية وعنه وكيع وأبو نعيم: ضعف وحاصل ما قيل في جرحه أن البخاري قال فيه: فيه نظر كما نقله الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب غير أن البخاري لم يورده في كتابه الضعفاء الصغير ولم يذكر هذا القدح في ترجمته في التاريخ الكبير وإنما قال في اسناده نظر يعنى الحديث فيحتمل أن يكون ذلك النظر الذي في إسناد الحديث لكون ياسين العجلى ليس له الا هذا الحديث وهو غير مؤثر ويحتمل غير ذلك مما لا يؤثر ويوضح عدم تأثير هذه الكلمة في قبول حديث ياسين العجلى ان الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أشار إلى ثبوت حديثه هذا فقال ووقع في سند ابن ماجه غير منسوب فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به فلم يصنع شيئا - انتهى.
أما قول الذهبي في الكاشف ضعف فهو إشارة إلى ما نقل عن البخاري بشأن ياسين وذلك غير مؤثر وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير لحسن هذا الحديث وهذا الحديث واحد من أحاديث كثيرة دالة على ثبوت خروج المهدي في اخر الزمان. أما القدح في هذا الحديث من جهة استنكار معناه فإن الشيخ ابن محمود تبع في ذلك محمد أبا عبية فانه هو الذي قال هذا الكلام في تعليقه على النهاية لابن كثير وقلده فيه ابن محمود ولا شك أن العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح وأي غرابة في معناه حتى يتعجبا منه تعجب المنكر لمقتضاه فالله على كل شيء قدير وهو فعال لما يريد ومن يهده الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ومن أوضح الأمثلة في ذلك ما حصل لمن هو أفضل من المهدي ومن سائر الأمة سوى أبى بكر رضي الله عنه وامير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس على المسلمين ثم تحول بقدرة الله وتوفيقه فصارت شدته على أعداء الإسلام والمسلمين وأصبح ذلك الرجل العظيم الذي إذا سلك فجا سلك الشيطان فجا غيره كما أخبر بذلك الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم).
بعد هذا أقول: أي تحقيق معتبر قام به الشيخ ابن محمود في الكلام على هذا الحديث؟ أهو اضافة كلام إلى ابن ماجه لم يسبق في إضافته إليه؟ أو هو التقليد للكاتب أبي عبية في إنكار معتاه؟

↑صفحة ٤٦٥↑

المثال الثاني: قال الشيخ ابن محمود في ص ٤٩:
روى ابو داود عن هارون بن المغيرة حدثنا ابن ابى قيس عن شعيب بن خالد عن ابى اسحاق قال: نظر على الى ابنه فقال. ان ابنى هذا سيد كما سماه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة - يملأ الارض عدلا - وهذا يعد من كلام على رضي الله عنه وليس بحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم). فسقط الاحتجاج به ومن المحتمل ان يكون مكذوبا على علي به. هذه هي الصيغة التي اوردها الشيخ ابن محمود في نقله الحديث من سنن ابى داود وهذا هو ما بنى عليه الشيخ ابن محمود تضعيف الحديث، اما الصيغة في سنن ابى داود فهي عن ابى اسحاق قال: قال على رضي الله عنه ونظر الى ابنه الحسن فقال ان ابنى هذا سيد كما سماه النبي (صلى الله عليه وسلم) الحديث، واما الحديث فهو بهذا الاسناد ضعيف وليس السبب في ضعفه ما قاله الشيخ ابن محمود من انه يعد من كلام على رضي الله عنه وليس بحديث فسقط الاحتجاج به لأن القول الذي يقوله الصحابي ينقسم الى قسمين.. ما للرأي فيه مجال. وما ليس له فيه مجال، فالذي للرأي فيه مجال يكون من قول الصحابي ولا يعد حديثا.. اما الذي لا مجال للرأي فيه مثل هذا الحديث. فانه يعد حديثا وله حكم الرفع وهو الذي يطلق عليه المحدثون المرفوع حكما لا تصريحا.. وقد اوضح ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه شرح نخبة الفكر فقال: ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا ان يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الاسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة او شرح غريب كالأخبار عن الامور الماضية من بدء الخلق واخبار الانبياء أو الاتية كالملاحم والفتن واحوال يوم القيامة. وكذا الاخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص او عقاب مخصوص، وانما كان له حكم المرفوع لان اخباره بذلك يقتضى مخبرا له وما لا مجال لاجتهاد فيه يقتضى موقفا للقائل به، ولا موقف للصحابة الا النبي (صلى الله عليه وسلم)، او بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني واذا كان كذلك فله حكم ما لو قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه او عنه بواسطة، انتهى كلام الحافظ ابن حجر وقال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح: بعد ان ذكر الاحاديث المرفوعة الى النبي (صلى الله عليه وسلم) وانها بلغت حد التواتر قال: وأما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدى فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع اذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك انتهى.
وبهذا يتضح ان كلام الشيخ ابن محمود في تضعيف هذا الحديث ليس من التحقيق المعتبر والتحقيق المعتبر هو ما قاله المحدثون في اسناده وهو ان فيه انقطاعا في اعلاه وفي اسفله. أما الانقطاع الذي في اعلاه. فأبو اسحاق السبيعي قيل انه لم يسمع من على رضي الله عنه وانما راه رؤية وذلك انه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه. والانقطاع الذي في أسفله هو ان أبا داود لم يسم شيخه فيه وانما قال: حدثت عن هارون ابن المغيرة وقد قال المنذري في اختصار سنن ابى داود عقب هذا الحديث: هذا منقطع ابو اسحاق السبيعي رأى عليا رضي الله عنه رؤية، وقال فيه ابو داود حدثت عن هارون بن المغيرة.
المثال الثالث: قال الشيخ ابن محمود في ص ٤٩:
روى ابو داود في سننه من حديث سفيان الثوري بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أمتى أو من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم ابيه اسم ابى، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ورواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح..
والجواب: أن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من احاديث اهل البيت كهذه الاحاديث وامثالها، لكون الغلاة قد اكثروا من الاحاديث المكذوبة عليهم وفي صحيح البخاري عن ابى جحيفة قلت لعلى رضي الله عنه: هل خصكم رسول الله بشيء فقال لا والذى فلق الحبة وبرأ النسمة الا فهما يعطيه الله رجلا وما في هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال: العقل وفكاك الاسير، وان لا يقتل مسلم بكافر وفي رواية: والمؤمنون تنكافئ دماؤهم ويسعى بذمتهم ادناهم وهم يد على من سواهم، ولم يذكر شيئا من هذه الاحاديث التي هي من عالم الغيب ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن ادخال شيء من احاديث المهدي في صحيحيهما لكون الغالب عليها الضعف والوضع،

↑صفحة ٤٦٦↑

واصح ما ورد في ذلك هو قول النبي (صلى الله عليه وسلم): ان ابنى هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وقد وقع ما أخبر به حيث تنازل الحسن عن المطالبة بالملك لمعاوية بن ابى سفيان فاطفأ الله به نار الحرب بين الصحابة وسموا ذلك العام بعام الجماعة انتهى.
هذا هو التحقيق المعتبر الذي اتى به الشيخ ابن محمود لإبطال هذا الحديث وتعليقي على هذا التحقيق ما يلى:
أولا: لم يتطرق الشيخ ابن محمود هنا لإبداء علة محددة لتضعيف هذا الحديث وانما لكون شأنه تضعيف الاحاديث بالجملة أتى بما يشمله ويشمل غيره فقال والجواب ان علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من احاديث أهل البيت كهذه الاحاديث وامثالها لكون الغلاة قد اكثروا من الاحاديث المكذوبة عليهم، ومن جهة اخرى فالحديث قد خرجه فيمن خرجه ابو داود والترمذي والامام احمد كما اشار اليه الشيخ ابن محمود هنا فكيف يتفق ذلك مع قوله ان علماء الحديث قد تحاشوا الخ. وهؤلاء الائمة الثلاثة من علماء الحديث.
ثانيا: ما أشار اليه من سؤال ابى جحيفة عليا رضي الله عنه واجابة على أبا جحيفة بجواب ليس منه هذه الاحاديث التي هي من عالم الغيب جوابه ان عدم ذكر احاديث المهدي التي هي اخبار عن شيء مستقبل في اجابة علي على سؤال ابي جحيفة لا يدل على بطلانها لان العبرة في ثبوت أي حديث ان يصح اسناده، وهذا الحديث واحد من احاديث كثيرة صحت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في خروج المهدي في اخر الزمان، هذا من جهة ومن جهة أخرى فعلى رضي الله عنه احد الصحابة الذين رووا هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحديثه هو المثال الرابع الآتي بعد هذا.
ثالثا: قوله: ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن ادخال شيء من احاديث المهدي في صحيحيهما لكون الغالب عليها الضعف والوضع جوابه ان عدم اخراج الحديث في الصحيحين ليس دليلا على ضعفه وقد أوضحت ذلك في رقم (٥) وهذا احد المواضع التي يكرر فيها الشيخ ابن محمود مثل هذا الكلام.
رابعا: المتبادر من سياق حديث ابى جحيفة في كلام الشيخ ابن محمود ان قوله: وفي رواية: والمؤمنون تتكافأ دماؤهم الحديث في صحيح البخاري وليس الامر كذلك فهذه الرواية عند الامام احمد والنسائي وأبى داود.
خامسا: حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا قال فيه الترمذي حديث حسن صحيح وسكت عليه ابو داود والمنذري وكذا ابن القيم في تهذيب السنن وقد اشار الى صحته ابن القيم في المنار المنيف وصححه ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.
المثال الرابع: قال الشيخ ابن محمود في ص ٤٢: وروى ابو داود في سننه عن طريق ابى نعيم عن على رضي الله عنه ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لبعث الله رجلا منّا يملأها عدلا كما ملئت جورا ورواه الامام احمد عن طريق ابى نعيم ورواه الترمذي ايضا.
والجواب أن هذا الحديث هو من جملة الاحاديث التي يزعمونها صحيحة وهى ليست بصريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه اذ ليس فيها ذكر للمهدى وعلى فرض صحته فأنه لا مانع من جعل هذا الرجل الذي يملأ الارض عدلا من جملة المسلمين الذين مضوا وانقرضوا واستقام عليهم امر الدنيا والدين وجماعة المسلمين فقوله منا.. يحتمل ان يكون من اهل ديننا وامتنا على ان وجود رجل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يحتمل ان يكون من المحال فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر والبر والفاجر.. كما قال تعالى: ﴿هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان.. والمصارعة لا تزال قائمة بين الحق والباطل، وبين المسلمين والكفار، وفي صحيح مسلم ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ما انتم في الامم المكذبة

↑صفحة ٤٦٧↑

للرسل الا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الاسود.. وفي الصحيحين ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: يقول الله يا ادم ابعث بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، وعلى كل حال فانه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ومكانه، ولا الايمان به ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذي استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الارض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين.. وهذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وليست بصريحة انتهى.
هذا هو التحقيق المعتبر الذي توصل اليه الشيخ ابن محمود لرد هذا الحديث.. وواضح انه لم يتطرق الى ابداء علة في الاسناد لرده وانما درج في رده كما درج في رد غيره من الاحاديث على النهج الذي اتبعه بعض كتاب القرن الرابع عشر وهو الاعتماد على الشبه العقلية في رد النصوص الشرعية ويجاب على هذا التحقيق الذي جزم الشيخ ابن محمود بأنه معتبر بما أرجو ان يكون تحقيقا معتبرا وذلك فيما يلى:
أولا: قوله ان هذا الحديث هو من جملة الاحاديث التي يزعمونها صحيحة وهى ليست صريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه اذ ليس فيها ذكر للمهدى، جوابه أن المحدثين عند ما يصححون الاحاديث او يضعفونها يبنون احكامهم على منهج علمي دقيق لم تحظ به أي أمة من الامم السابقة ولا يظفر به احد ليس من أهل الحديث الا اذا سلك المسلك الذي سلكوه ومشى على النهج الذي رسموه وهو الاعتماد على الاسناد ومعرفة احوال رجاله واتصاله او انقطاعه وغير ذلك، وهذا الحديث بهذا الاسناد ثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واسناده على شرط البخاري وقد سكت عنه ابو داود والمنذري وقال فيه صاحب عون المعبود شرح سنن ابى داود..
الحديث سنده حسن قوي، وقد روى هذا الحديث جماعة من الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منهم ابن مسعود وابو هريرة وأم سلمة وابو سعيد الخدري. رضي الله عن الجميع.. وقد تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه في المثال الثالث وهذا الحديث بطرقه المتعددة عن الصحابة رضي الله عنهم يدل على انه يلى امر المسلمين في اخر الزمان رجل من اهل بيت النبوة يسمى محمد بن عبد الله وهو وان لم يصرح فيه بوصف المهدي متفق مع النصوص الاخرى المصرحة بهذا الوصف وعلى ذلك درج اهل الحديث حيث اوردوا مثل هذا مما لم يصرح فيه بوصف المهدي وما صرح فيه بهذا الوصف في باب خروج المهدي كما فعل ابو داود والترمذي وغيرهما.
ثانيا: قوله: وعلى فرض صحته فأنه لا مانع من جعل هذا الرجل من جملة المسلمين الذين مضوا وانقرضوا واستقام عليهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، فقوله مما يحتمل ان يكون من اهل ديننا وملتنا جوابه ان الحديث صحيح واقعا لا فرضا، ولا يصلح حمله على أحد مضى لأن علماء الحديث حملوه على المهدي الذي يخرج في اخر الزمان ويدل لكون المقصود ذلك الذي يكون في اخر الزمان الحديث نفسه وذلك في قوله: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد وفي حديث ابن مسعود لطول الله ذلك اليوم.. وهو واضح في ان ذلك مراد به المهدي الذي يكون في اخر الزمان ولا يصلح حمله على احد قبله، أما لفظ «رجل منا» التي تأولها الشيخ ابن محمود رجلا من اهل ديننا وملتنا فهو ليس لفظ ابى داود كما يوهم ذلك ايراد الشيخ ابن محمود الحديث عنه وانما هو لفظ حديث على في مسند الامام احمد، ولفظ الحديث عند ابى داود (رجلا من أهل بيتي) وهو موضح المراد من لفظ الحديث في مسند الامام احمد؟
ثالثا: قوله: على ان ولجود رجل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يحتمل ان يكون من المحال، فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر.. كما قال الله تعالى: ﴿هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمصارعة لا تزال بين الحق والباطل وبين المسلمين والكفار، جوابه ان الله على كل شيء قدير ولا يستحيل على قدرة الله شيء.. هذا اولا وثانيا انه لا يلزم من قوله (يملأها عدلا) انقراض الشر، فالشر موجود في زمن المهدى.. والصراع بين الحق والباطل قائم في زمانه.. واعظم فتنة في الحياة الدنيا هي فتنة الدجال وخروجه على الناس..
يكون في ذلك الزمان.. يوضح ذلك ان قوله: «كما ملئت جورا» لا يدل على انقراض

↑صفحة ٤٦٨↑

الخيرة انما سنة الله في خلقه ان يكون الصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة الدنيا ففي بعض الازمان يقوى جانب الخير على جانب الشر واحيانا يقوى جانب الشر ولا تخلو الارض من أهل الخير الا في الذين تقوم عليهم الساعة وفي زمان المهدي يكون جانب الحق قويا والخير منتشرا كما هو الشأن في صدر الاسلام وسبق في رقم ٢١ أن ابن حبان كما نقله عنه الحافظ في فتح الباري استدل بأن حديث انس رضي الله عنه مرفوعا لا يأتي عليكم زمان الا والذى بعده شر منه ليس على عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي وانه يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا.
رابعا: قوله: وعلى كل حال فانه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ولا مكانه ولا الايمان به جوابه ان هذا الحديث وغيره من الاحاديث في معناه هي في المهدي الذي يخرج في اخر الزمان كما عليه علماء الحديث كما مر بيانه في الفقرة الاولى من الكلام على هذا الحديث وأما زمانه فقد اوضحت الاحاديث انه يكون في زمن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وزمن الدجال واما مكانه فأنه يكون عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في ارض الشام في بيت المقدس كما ورد في بعض الاحاديث اذ يصلى خلف المهدي ثم يخرج لقتل الدجال. واما الايمان به فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بما صح من الاحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن ذلك خروج المهدي والدجال ونزول عيسى (عليه السلام) من السماء وغير ذلك.
خامسا: قوله: ولا يمنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الارض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين جوابه ان يقال وما المانع ان يكون المقصود به المهدي الذي يخرج في اخر الزمان الذي هو قول العلماء المحدثين أوعية السنة وجهابذة الأمة وهو الذي يقتضيه لفظ الحديث في قوله: لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد.. ثم ان الشيخ ابن محمود قال في اول الكلام على هذا الحديث، على ان وجود رجل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا يحتمل ان يكون من المحال ثم في اخر الكلام على الحديث قال ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الارض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين، فالشيء الذي كان في أول الكلام على الحديث يحتمل ان يكون من المحال، أصبح مثله في الكلام على اخر الحديث من الممكن، وهكذا شأن الكلام المفتقر الى التحقيق ينقض اخره أوله.
هذه أمثلة من كلامه على اربعة احاديث وهى مقياس ونموذج لكلامه على بقية الاحاديث التي اوردها في فصل التحقيق المعتبر البالغ عددها جميعا أحد عشر عقبت كلامه بما يوضح بأنه كلام يفتقر الى التحقيق المعتبر وأدهى من ذلك وأمر اغتباطه بهذا التحقيق وقوله أنه تكلم على الأحاديث بما لا مزيد عليه والله المستعان وان تعجب فعجب قوله: انهم - يعنى الذين يقولون بصحة الاحاديث في خروج المهدى - لو رجعوا الى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وفكروا في الاحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة وقابلوا بعضها ببعض لظهر لهم بطريق اليقين انها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا بالفظ ولا بالمعنى فان مما لا شك فيه ان الشيخ ابن محمود يعتبر هذه الاحالة هنا احالة على ملئ وكذلك الاحالة في قوله في ص ٨: وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه التحقيق المعتبر عن احاديث المهدي المنتظر شرحت فيه سائر الاحاديث التي رواها ابو داود والترمذي وابن ماجه والامام احمد والحاكم بما لا مزيد عليه فليراجع لكن الواقع ان أي طالب علم له المام قليل في معرفة الحديث الشريف يرجع الى هذا الفصل يجد النتيجة بالعكس كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا.
فأنا أحد طلاب العلم الصغار قصير الباع قليل الاطلاع لما رجعت الى ذلك الفصل اسفت كثيرا واشفقت على فضيلة الشيخ ابن محمود - حفظه الله - اذ زج بنفسه في لجج لا يجيد السباحة فيها وتذكرت قول الشيخ احمد شاكر في ابن خلدون اذ قال: اما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها وتهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للهدى تهافتا عجيبا وغلط اغلاطا واضحة.. واذا كان هذا رأى طالب العلم الصغير فما الشأن في العلماء الكبار في الحاضر والمستقبل عند ما يقفون على هذه الرسالة والفصل الذي اشتملت عليه؟.
- للبحث بقية -
 

↑صفحة ٤٦٩↑

الجامعة الاسلامية
بالمدينة المنوّرة
العدد ٤٦
مجلة دوريّة تصدر أربع مرّات في العام
ربيع الآخر - جمادى الأولى - جمادى الآخرة١٤٠٠ ه
السّنة ١٦
هوية المجلة (العدد ٤٦)

↑صفحة ٤٧٠↑

الرّد على من كذّب بالأحاديث الصّحيحة الواردة في المهدي لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبّاد عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية
 ٢٤ - قال الشيخ بن محمود في ص ٦٩: ونحن في كلامنا على السنة انما نتكلم على الأحاديث الصحيحة الصريحة التي قام جهابذة النقاد العلماء على تمحيصها وتصحيحها حتى جعلوها عمدة في العقائد والأحكام وأمور الحلال والحرام، والا فانه من المعلوم أن الوضاعين الكذابين قد أدخلوا كثيرا من الأحاديث المكذوبة في عقائد المسلمين وأحكامهم حتى صار لها الأثر السيئ في العقائد والأعمال لكن المحققين من علماء المسلمين قد قاموا بتحقيقها وبينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها من ذلك أحاديث المهدي المنتظر وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ونحو ذلك مما يقولون.
والجواب أن نقول: أفلح إن صدق في قوله: ونحن في كلامنا عن السنة انما نتكلم عن الأحاديث الصحيحة التي قام جهابذة النقاد العلماء على تمحيصها وتصحيحها حتى جعلوها عمدة في العقائد والأحكام وأمور الحلال والحرام فان الجهابذة النقاد من العلماء مثل العقيلي والبيهقي والخطابي والقرطبي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والسخاوى وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين قالوا بصحة كثير من الأحاديث الواردة في المهدي ومنهم من قال بأنها متواترة وهم أهل الخبرة في الحديث والاختصاص فيه واليهم المرجع في معرفة صحيحه وضعيفه. أما ما ذكره الشيخ ابن محمود من أن الوضاعين الكذابين قاموا بوضع الأحاديث وأن المحققين من العلماء قاموا بتحقيقها وبينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا الأمة منها فهو كلام حق لكن تمثيله لهذه الأحاديث الموضوعة بأحاديث المهدي منكر من القول لأن الجهابذة النقاد الذين يعتمد على حكمهم لم يقل أحد منهم أنها ضعيفة كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة والذى اشتهر عنه في القرون الماضية محاولة تضعيف أحاديث المهدي وهو ليس من أهل الاختصاص ابن خلدون ومع ذلك اعترف بسلامة بعضها من النقد كما سبق ايضاح ذلك.

↑صفحة ٤٧٢↑

وبناء على هذا فما زعمه ابن محمود من أن أحاديث المهدي من قبيل الأحاديث الموضوعة التي قام المحققون من العلماء بتحقيقها وبينوا بطلانها وأسقطوها عن درجة الاعتبار وحذروا لأمة منها هو زعم باطل وكلام ساقط عن درجة الاعتبار ولا يستطيع أن يسمى واحدا من العلماء المحققين المعتد بهم قال بأن أحاديث المهدي موضوعة مبينا المصدر الذي استند اليه في ذلك اما مجرد الزعم الخاطئ العاري عن الصحة الخالي من الصدق فقد نسب الى الامامين الجليلين الدارقطني والذهبي أنهما يعتبران أحاديث المهدي مما لا يجوز النظر فيه وهما بريئان من هذه الفرية براءة الشمس من اللمس وبراءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام وسبق - أن أوضحت هذا في رقم (١٩).
٢٥ - وقال في ص ٧٠: ولست أنا أول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد سبقني من قال بذلك من العلماء المحققين ومثل بالشيخ محمد بن عبد العزيز المانع والشيخ محمد رشيد رضا.
وقال في ص ٦: اننا لسنا بأول من كذب بهذه الأحاديث يعنى الأحاديث الواردة في المهدي فقد أنكرها بعض العلماء قبلنا فقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج بعد ذكره لأحاديث المهدى، أن هذه الأحاديث في المهدي قد غلط فيها طوائف من العلماء فطائفة أنكروها مما يدل على أنها موضع خلاف من قديم بين العلماء كما هو الواقع من اختلاف العلماء في هذا الزمان.
يجاب على ذلك بما يلى:
أولا: أن شيخ الاسلام ابن تيمية قال في منهاج السنة: وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف. طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا مهدى الا عيسى بن مريم وهذا الحديث ضعيف وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه. هذا ما قاله شيخ الاسلام عن هذه الطائفة التي أنكرت هذه الأحاديث فإنها قد عولت على حديث ضعيف لا يعول عليه ولم يسم شيخ الاسلام سوى أبى محمد بن الوليد البغدادي وقد بحثت عن هذا الرجل فلم أقف له على ترجمة. أما الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع فلم يضعف الأحاديث الواردة في المهدي بل قال بتصحيح بعض هذه الأحاديث وقد بين ذلك في رسالة سماها. «تحديق النظر بأخبار الامام المنتظر» وقد نقلت جملا من كلامه في ذلك في رقم (١٣) وأما الشيخ محمد رشيد رضا فقد أوضحت في رقم (١٥) انه سقط وتردى في انكار رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا ونزوله من السماء وأنه ليس بمستغرب عليه أن يسقط ويتردى في انكار خروج المهدي في آخر الزمان ومن كانت هذه حاله يحصل من قلده في سقوطه وترديه الإضرار بنقسه.
ثانيا: أنه قد عرف من قديم الزمان عن الشيخ ابن محمود أنه عند ما يشذ في مسألة يشعر بالوحشة فيسلى نفسه بمثلى هذه العبارات فيقول لست أنا أول من قال بكذا بل سبقني اليه فلان وفلان فقد ألف رسالة قبل ربع قرن من الزمان تخبط فيها في بعض مسائل الحج وقد رد عليه سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتى الديار السعودية في زمانه رحمه الله تعالى في رسالة سماها: تحذير الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك طبعت في عام ١٣٧٦ هـ قال رحمه الله في ص ٥٠، وقد أحس هذا الرجل -.

↑صفحة ٤٧٣↑

يعنى الشيخ ابن محمود أنه وقع في أسوء ورطة فقال: وبالتأمل لما قلناه يعلم أن كلا منا ليس بأول مطرا أصاب أرض الفلاة ولا هو أول أذان أقيمت له الصلاة فوجد وحشة الوحدة وظلمة فقد الحجة فسلى نفسه بذكر من تصور أن قولهم بمثل مقاله ينفى الوحدة - ولعمرى ماله في هذا الطريق من رفيق وهؤلاء الذين اعتمدهم في مسلكه لم يشاركوه في سوء صنيعه ومهلكه فهم أن صح النقل عنهم انما هو القول بالجواز لا الرد على العلماء ولا السعي في أن يجمعوا على خلاف السنة والخروج عن طريق أهل الجنة جميع الورى ولم يرموا واحدا من الأمة بالجمود والتقيد بدين الآباء والجدود فضلا عن أن يرموا بذلك كافة العلماء وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة وأول بوق اذان برفض السنة أصغى اليه الجفاة فو الله ما دعا قبله الى هذه المقالة من انسان ولا جلب بخيله وبرجله في زلزلة مناسك الحج ذو ايمان. هذا ما قاله سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ رحمه الله في الشيخ ابن محمود وفقه الله قبل خمسة وعشرين عاما..
واذا تأمل القارئ قوله رحمه الله. وحينئذ تكون مقالته أول مطر سوء أصاب أرض الفلاة وأول بوق أذان برفض السنة أصغى اليه الجفاة يتبين له بوضوح صدق فراسة هذا الرجل العظيم عليه من الله الرحمة والمغفرة فان الشيخ ابن محمود قد ألف بعد ذلك عدة رسائل حاد في بعضها عن الصواب من ذلك رسالته التي أسماها الايمان بالقضاء والقدر على طريقة أهل السنة والأثر «ورسالته التي أسماها» اتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء فقد تخبط في هاتين الرسالتين وقد رد عليه في أخطائه فيهما فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري وفقه الله في رسالة سماها: فتح المعبود في الرد على ابن محمود تقع في مائة وسبع وثمانين صفحة وقد قامت بطباعتها لتوزيعها رئاسة ادارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والارشاد ومن ذلك رسالته التي أسماها «الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية وهل الضحية عن الميت شرعية أو غير شرعية» وقد رد عليه في أخطائه في هذه الرسالة سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء في رسالة سماها «غاية المقصود في التنبيه على أوهام ابن محمود» تقع في مائة واثنتي عشرة صفحة كما رد عليه في أخطائه في هذه الرسالة الشيخ على بن عبد الله الحواس في كتاب سماه «كتاب الحجج القوية والأدلة القطعية في الرد على من قال أن الأضحية عن الميت غير شرعية» يقع في مائتين وخمس وثمانين صفحة ومن ذلك رسالته التي أسماها. فصل الخطاب في اباحة ذبائح أهل الكتاب له فيها أخطاء منها اباحته ذبائح المشركين ورسالة له تقع في أربع ورقات سماها جواز الاحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن البحرية وقد رد عليه في هاتين الرسالتين سماحة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد في رسالة سماها «حكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب وغيرهم» يليه تنبيهات على أن جده ليست ميقاتا وهى تقع في مائة واثنتي عشرة صفحة وهذه الأخطاء التي وقع فيها في رسائله المتعددة متفاوتة فان بعضها من الأمور الفرعية التي يكون للاجتهاد فيها مجال لكن في حق من يكون أهلا للاجتهاد وبعضها من الأمور التي لا مجال فيها للاجتهاد مثل مسائل القضاء والقدر ومسألة خروج المهدي في آخر الزمان فانه لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك.

↑صفحة ٤٧٤↑

وعملا بقوله (صلى الله عليه وسلم) «الدين النصيحة» فان نصيحتي لفضيلة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود أن يعمل على أن تكون رسالته في المهدي هذه آخر رسالة من هذا النوع من الرسائل التي شغل طلاب العلم في الرد عليها وأن يجتهد - وقد دخل في العقد الثامن من عمره - في عمارة ما بقى من حياته فيما يعود عليه وعلى المسلمين بالخير والعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.
٢٦ - قال الشيخ ابن محمود في ص (٧٠) وأنه بمقتضى التأمل للأحاديث الواردة في المهدي نجدها من الضعاف التي لا يعتمد عليها وأكثرها من رواية أبى نعيم في حلية الأولياء وكلها متعارضة ومتخالفة ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا باللفظ ولا بالمعنى.
والجواب: أن هذا الكلام واضح في أن الشيخ ابن محمود يعتبر كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم أوسع مصدر اشتمل على أحاديث المهدي وليس الأمر كذلك فقد جمع الشيخ عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري أطراف أحاديث الحلية في كتاب مطبوع سماه «البغية في ترتيب أحاديث الحلية» يشتمل على أكثر من أربعة آلاف حديث وليس فيها حديث طرفه المهدي الا حديث المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة وهذا دليل واضح من كلام ابن محمود على قلة معرفته بأحاديث المهدي وأنه لا يعرف أين تقل وأين تكثر وبالتالي فحكمه عليها أنها من الضعاف التي لا يعتمد عليها وأنها كلها متعارضة متخالفة ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متوافرة باللفظ ولا بالمعنى حكم على غير بينة وهدى بل على ظن لا يغنى من الحق شيئا ورحم الله من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم.
٢٧ - وقال في ص (٢٩). والمهدى متى قلنا بتصديق الأحاديث الواردة فيه ليس بملك معصوم ولا نبي مرسل ما هو الا رجل عادى كأحد أفراد الناس الا أنه عادل يملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله ولم يحدث بها.
والجواب: أن أهل السنة والجماعة يقولون بتصديق الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي لثبوتها عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو عندهم غير معصوم وما هو الا رجل كأحد أفراد الناس الا أنه عادل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ولو قال بذلك الشيخ ابن محمود لكان على منهج أهل السنة والجماعة المتبعين لما صحت به الأحاديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لكنه قلد بعض كتاب القرن الرابع عشر الذين حكموا العقول في النقول فحادوا عن جادة الصواب أمثال أحمد أمين ومحمد فريد وجدى ومن على شاكلتهما أما قوله.. وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يحدث بها فليس له فيه سلف في الماضين حتى ابن خلدون فانه لم يقل بتضعيفها كلها كما سبق ايضاح ذلك في رقم (١٠) ولكن مثل هذا الكلام من مجازفات وتخرصات بعض كتاب القرن الرابع عشر نعوذ بالله من الخذلان.

↑صفحة ٤٧٥↑

٢٨ - وقال الشيخ بن محمود في ص (٩): لكن المتعصبين لخروجه - يعنى المهدى - لما طال عليهم الأمد ومضى من الزمان أربعة عشر قرنا وما يشعرني أن يأتي من الزمان أكثر مما مضى بدون أن يروه حتى تقوم الساعة لهذا أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك استقامة قولهم عن السقوط. فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج الا زمن عيسى بن مريم مع العلم أن الأحاديث التي بأيديهم والتي يزعمونها صحيحة ومتواترة والتي رواها الامام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه أنها وردت مطلقة لم تقيد بزمن عيسى الا حديث صلاة عيسى خلف المهدي قال الذهبي وعلي القاري أنه موضوع أي مكذوب فسقط الاحتجاج به انتهى.
أقول أبرز الأخطاء التي اشتمل عليها كلام ابن محمود هذا خطأن أحدهما زعمه أن أهل السنة القائلين بصحة خروج المهدي لما مضى من الزمان أربعة عشر قرنا دون أن يخرج المهدي أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك سلامة قولهم من السقوط فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج الا زمن عيسى ابن مريم وكأن القول بخروجه زمن عيسى بن مريم. نشأ في القرن الرابع عشر والثاني زعمه أن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وعزوه ذلك الى الذهبي وعلى القارئ. والجواب عن الخطأ الأول أن القول بتحديد وقت خروج المهدي في الزمن الذي يكون فيها عيسى عليه الصلاة والسلام هو قول أهل السنة والجماعة في القديم والحديث وقد بدأ ذلك من حين تكلم به الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم) حيث تلقى الأحاديث في ذلك عنه صحابته الكرام وتلقاه عنهم التابعون وسار على نهجهم في ذلك التابعون لهم بإحسان ولم يكن القول به بدأ في القرن الرابع عشر كما يقتضيه كلام ابن محمود وقد قال الامام أبو الحسين محمد بن الحسين الإبري المتوفي سنة (٣٦٣ هـ) في كتابه مناقب الشافعي. وقد تواترت الأخبار - واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتله الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلى عيسى خلفه وكلام أبى الحسين الإبري هذا نقله عنه الامام ابن القيم في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف ونقله عنه قبله القرطبي في التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة وأبو الحجاج المزي في كتابه تهذيب الكمال ونقله بعدهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابيه تهذيب التهذيب وفتح الباري ونقله السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي ونقله غير هؤلاء من الأئمة.
وكلام أبى الحسين الإبري هذا يوجد في كتاب ابن القيم المنار المنيف قبل الكلام الذي نقله ابن محمود في ص ٥٣ من رسالته عن ابن القيم في المنار المنيف يوجد قبله بورقة واحدة ومع ذلك يزعم ابن محمود في كلامه هذا أن القائلين بخروج المهدي لما مضى أربعة عشر قرنا دون أن يخرج أخذوا يمدون في الأجل ليثبتوا بذلك سلامة قولهم من السقوط فأخذوا يبثون في الناس بأنه لن يخرج الا زمن عيسى بن مريم وليس بمستغرب أن يعمى الشيخ ابن محمود أو يتعامى عن كلام أبى الحسين الإبري المتوفي سنة ٣٦٣ هـ هذا فقد عمى أو تعامى عن كل ما أورده، ابن القيم في المنار المنيف من تصحيح لاحاديث المهدي وعزا الى ابن القيم أنه يضعف أحاديث المهدي وينتقدها وهو خلاف الواقع كما سبق

↑صفحة ٤٧٦↑

أن أوضحته في رقم (١١) وكما في قوله في ص ٥٥. فهذا كلام ابن القيم قد انحى فيه الملام وتوجيه المدام على سائر الفرق التي تدعى بالمهدي ولم يستثنى فرقة عن فرقة لكونها دعوى باطلة من أصلها انتهى قال ابن محمود هذا الكلام وغيره عن ابن القيم مع أن كلام ابن القيم في المنار المنيف في اثبات خروج المهدي آخر الزمان وفي تصحيحه لكثير من الأحاديث الواردة فيه واضح وضوح الشمس في رابعة النهار كما مر ايضاح كلامه رحمه الله في ذلك.
والجواب عن خطئه الثاني وهو زعمه أن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وعزوه ذلك الى الذهبي وعلى القارئ أن يقال لم يذكر ابن محمود لفظ الحديث الذي زعم أنه موضوع وقد ذكره في ص ٥١ حيث قال.. وهنا حديث كثيرا ما يحتج به المتعصبون للمهدى وهو أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وأن عيسى (عليه السلام) ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد اقيمت الصلاة فيقول المهدي تقدم يا روح الله فيقول انما هذه الصلاة اقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدى به عيسى (عليه السلام) اشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلى عيسى (عليه السلام) في سائر الأيام قال على ابن محمد القاري في كتابه الموضوعات الكبير بأنه حديث موضوع انتهى هكذا عزا الشيخ ابن محمود الى الشيخ علي القاري في كتابه الموضوعات الكبير أنه يقول عن هذا الحديث أنه موضوع مع أن الذي قاله الشيخ على القاري عنه أنه ثابت وذلك في ص ١٦٤ من كتاب الموضوعات الكبير وقد أوضحت هذا في رقم (٢٢) وبينت أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقتله الدجال بباب لد وصلاته خلف أمام المسلمين في ذلك الزمان ثابت في صحيح مسلم وغيره وكون ذلك الامام الذي يصلى عيسى بن مريم خلفه يقال له المهدي ثابت في مسند الحارث ابن أبى اسامة وبهذا يتضح أن عزو ابن محمود الى الشيخ على القاري القول بأن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع خلاف الواقع وقد أضاف هنا أن الذهبي قال أن حديث صلاة عيسى خلف المهدي موضوع وهذا أيضا بلا شك خلاف الواقع.
٢٩ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٣١ - لم يكن من هدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا من شرعه أن يحيل أمته على التصديق برجل في عالم الغيب وهو من أهل الدنيا ومن بنى آدم فيخبر عنه أنه يفعل كذا وكذا مما يوجب الاختلاف والاضطراب بين الأمة.
والجواب أن من هدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وشرعه أنه يخبر أمته عما شاء الله أن يخبرهم به من أمور الغيب سواء كان ذلك عن الماضي أو المستقبل أو عما هو موجود غير مشاهد ولا معاين ومن ذلك أخباره (صلى الله عليه وسلم) عن أمور مستقبلة منها ما هو قبل قيام الساعة ومنها ما هو بعدها ومنها ما هو في زمن قريب من زمن النبوة ومنها ما هو بعيد عن زمنها وسأمثل فيما يلي لأخباره (صلى الله عليه وسلم) عن أشخاص يأتون بعد زمنه وهم من أهل الدنيا ومن بنى آدم منهم من أتى وفقا لما أخبر به (صلى الله عليه وسلم) ومنهم لم يأت زمنه وسيأتي في حينه طبقا لما أخبر به (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٤٧٧↑

وأهل السنة والجماعة لا يترددون في تصديق ما صح عنه من أخبار ويعتقدون أن ما صح أخباره به لا بد أن يقع على النحو الذي أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه.
فمن ذلك إخباره (صلى الله عليه وسلم) بمجيء اويس القرني من اليمن وذكره (صلى الله عليه وسلم) له باسمه وبيان بعض صفاته وقد حصل مصداق خبره (صلى الله عليه وسلم) بذلك على النحو الذي جاء عنه (صلى الله عليه وسلم) ففي صحيح مسلم بسنده عن اسير بن جابر قال: كان عمر ابن الخطاب اذا اتى عليه امداد أهل اليمن سألهم: أ فيكم اويس بن عامر حتى أتى عليه اويس فقال: أنت اويس بن عامر؟ قال نعم. قال: من مراد ثم من قرن قال نعم. قال: فكان بك برص فبرأت منه الا موضع درهم قال:
نعم قال لك والدة؟ قال: نعم قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: يأتي عليكم اويس بن عامر مع امداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه الا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فان استطعت أن يستغفر لك فأفعل) فأستغفر لي فأستغفر له. قال له عمر. أين تريد؟ قال الكوفة قال. الا أكتب لك الى عاملها؟ قال. أكون في غبراء الناس أحب الى. وفي صحيح مسلم ايضا عن عمر رضي الله عنه قال: انى سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: أن خير التابعين رجل يقال اويس وله والدة وكان به بياض. فمروه فليستغفر لكم).
ومن ذلك أخباره (صلى الله عليه وسلم) عن اثنين من ثقيف بوصفهما أحدهما كذاب والثاني مبير وقد وقع ما أخبر به (صلى الله عليه وسلم) فالكذاب هو المختار بن أبى عبيد الثقفي والمبير أي المهلك الحجاج بن يوسف الثقفي وقد قالت ذلك للحجاج أسماء بنت أبى بكر الصديق رضي الله عنها كما في صحيح مسلم. أما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا. فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا أخالك الا اياه قال النووي في شرحه صحيح مسلم. واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبى عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف والله أعلم انتهى.
هذان مثالان لما أخبر به (صلى الله عليه وسلم) عن أشخاص في زمن قريب من زمن النبوة أحدهما في جانب المدح والثاني في جانب الذم وقد وقع صدق خبره (صلى الله عليه وسلم) فيهما على النحو الذي أخبر به (صلى الله عليه وسلم). أما في الزمن البعيد عن زمن النبوة فقد صحت الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتواترت عنه في خروج المهدي وخروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وذلك في آخر الزمان ولا بد من وقوع ما أخبر به (صلى الله عليه وسلم) طبقا لما جاء عنه عليه الصلاة والسلام وتصديق الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يخبر به عن أمور مغيبة هو من الايمان بالغيب الذي امتدح الله أهله وأما الدعاوى الكاذبة التي تحصل من متمهدين دجالين في بعض الأزمان وما ينتج عنها من فتن فان ذلك لا يقدح بالحقيقة الثابتة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقد أوضحت ذلك في رقم ٤.
٣٠ - وقال الشيخ ابن محمود في ص (٢٥) ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة

↑صفحة ٤٧٨↑

رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسنته بحال فقد أثبت التاريخ الصحيحة حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بداية مولده الى حين وفاته كما أثبتها القرآن وليس فيها شيء من ذكر المهدي كما لا يوجد في القران شيء من ذلك فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به.
والجواب: أن هذا الكلام من النوع الذي لا ينتهى عجب الواقف عليه لا سيما قوله فيه فقد أثبت التاريخ الصحيحة حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من بداية مولده الى حين وفاته كما أثبتها القرآن وليس فيها شيء من ذكر المهدي كما لا يوجد في القرآن شيء من ذلك فان كان الكاتب يقصد الحياة العملية فلا وجه للبحث عن خروج المهدي في آخر الزمان ضمن السيرة النبوية العملية وان كان يقصد بحياته (صلى الله عليه وسلم) ما صدر عنه (صلى الله عليه وسلم) من أقوال وأفعال وتقريرات فلا وجه لقوله «وليس فيها شيء من ذكر المهدى» ومعلوم أن حد الحديث النبوي الشريف عند أهل الحديث ما أضيف الى النبي (صلى الله عليه وسلم) من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خلقي أو خلقي. وكتب الحديث الشريف مليئة بالنصوص الواردة في المهدي وفيها كما قال أهل العلم بالحديث الصحيح والحسن والضعيف والموضوع.
وعلى هذا فقوله: ففكرة المهدي وسيرته وصفته لا تتفق مع سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسنته بحال من قبيل الكلام البارد الذي لم يفكر في معناه عند تسطيره والا فان خروج المهدي في آخر الزمان لم يعرفه أهل السنة والجماعة المتبعين للنصوص الشرعية الا بثبوته في السنة النبوية ولا يقل عن قوله ذلك قوله: فكيف يسوغ لمسلم أن يصدق به والقرائن والشواهد تكذب به فان المسلم الناصح لنفسه لا يصدق ويكذب تبعا للهوى وانما يكون تصديقه أو تكذيبه متمشيا مع النصوص الشرعية فيجعل النقل حكما على العقل لا أن يجعل العقول محكمة في النقول فيقع في فضول القول ورديء الكلام.
٣١ - وقال الشيخ بن محمود في ص ١٧: ولقد عاش الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون ثم عاش من بعدهم العلماء والسلف الصالحون ممن كانوا في القرون الثلاثة المفضلة ثم عاش من بعدهم جميع العلماء والحكام ومنهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود الشهيد وصلاح الدين الأيوبي وجميع الناس بعدهم وفي مقدمتهم شيخ الاسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم فلم ينقص ايمانهم وتقواهم عدم وجود المهدي من بينهم لعلمهم واعتقادهم أن الدين كامل بدونه فلا حاجة لهم به خرج أو لم يخرج.
والجواب أن يقال أولا: هذا الكلام من النوع الذي يصلح أن يوصف بأنه ليس له معنى مستقيم. وثانيا: أن الزمن الذي يخرج فيه المهدي أوضحته النصوص الصحيحة وهو آخر الزمان حيث يخرج الدجال في زمنه. وينزل عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء ويصلى خلفه. وثالثا: أن عدم وجوده بين الناس في أزمنة قبل زمانه لا ينقص الايمان والتقوى وانما الذي ينقص الايمان والتقوى عدم تصديق الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يخبر به والقدح بالنصوص الشرعية استنادا الى الشبه العقلية كما هو مسلك بعض الكتاب في القرن الرابع عشر.

↑صفحة ٤٧٩↑

٣٢ - ذكر الشيخ ابن محمود في مواضع متعددة من رسالته أن القول بخروج المهدي على فرض صحته ليس من عقائد المسلمين فقال في ص ٥٦ وأنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها أو تواترها بالمعنى حسب ما يدعون فإنها لا تعلق لها بالعقيدة الدينية ولم يدخلها علماء السنة في عقائدهم ثم مثل بشيخ الاسلام ابن تيمية والطحاوي وشارح عقيدته وابن قدامة والأشعري في الإبانة ثم قال فعدم ادخالها في عقائدهم مما يدل على أنهم لم يعتبروها من عقائد الاسلام والمسلمين.
والجواب عن ذلك من وجوه.
الأول: أن مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكل ما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أخبار سواء كانت عن أمور ماضية أو مستقبلة أو موجودة غائبة عنا ومن ذلك التصديق بخروج المهدي كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والتصديق بما صحت به الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مما تقتضيه شهادة المسلم بأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقد قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في بيان معنى شهادة أن محمدا رسول الله:
طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وأن لا يعبد الله الا بما شرع. وقال ابو محمد بن قدامة المقدسي في كتابه لمعة الاعتقاد: ويجب الايمان بكل ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا نعلم انه حق وصدق وسواء في ذلك ما عقلناه وجعلناه ولم نطلع على حقيقة معناه مثل حديث الاسراء والمعراج ومن ذلك اشراط الساعة مثل خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقتله وخروج يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها وأشباه ذلك مما صح به النقل. فكلام ابن قدامة هذا يدخل فيه التصديق بخروج المهدي في أوله وآخره. فأوله قوله: ويجب الايمان بكل ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصح به النقل عنه. وآخره قوله بعد أن ذكر أمثلة من أشراط الساعة: وأشباه ذلك مما صح به النقل.
الثاني: أن من العلماء الذين كتبوا في عقائد أهل السنة والجماعة من نص على خروج المهدي في آخر الزمان ومنهم الحسن بن على البربهاري والسفاريني وسبقت الاشارة الى ذلك في رقم ١٤ ثم ان عدم ذكر بعض الأئمة لخروج المهدي في آخر الزمان في كتبهم لا يدل على عدم اعتبارهم ذلك من عقائد المسلمين لأنهم لم يلتزموا التنصيص على كل شيء يعتقد ولأن منهم من يأتي بعموم يدخل فيه وجوب التصديق بكل ما أخبره به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصح به النقل عنه كما فعل ابن قدامة المقدسي..
الثالث: قول ابن محمود وأنه على فرض صحة هذه الأحاديث أو بعضها أو تواترها بالمعنى حسبما يدعون فإنها لا علاقة لها بالعقيدة الدينية يجاب عنه بأنه كلام غير مستقيم والا فكيف يقال بصحة النقل ثم لا يصدق به ولا يعتقد مقتضاه وسبق في رقم ١٦ ما نقله السيوطي عن الشافعي رحمه الله أنه روى يوما حديثا وقال أنه صحيح فقال له قائل: أ تقول به يا أبا عبد الله فاضطرب وقال: يا هذا أرأيتني نصرانياً؟ أرأيتني خارجا من كنيسة؟ أرأيت في وسطى زنارا؟ أروي حديثا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

↑صفحة ٤٨٠↑

ولا أقول به وسبق أيضا في رقم ٦ ما رواه البيهقي بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبى قال لنا الشافعي أنتم اعلم بالحديث والرجال منى فاذا كان الحديث الصحيح فاعلموني أن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب اليه اذا كان صحيحا. والحاصل أن صحة الحديث في خبر تقتضى التصديق به وأن كلام ابن محمود هذا متناقض وغير مستقيم المعنى.
٣٣ - وصف الشيخ ابن محمود القول بصحة خروج المهدي بأنه اعتقاد سيئ وأنه بدعة وانه من محدثات الأمور فقال في ص ١٢: وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام حيث تأثرت بقوله - يعنى في صحة خروج المهدى - حتى بلغت سن الأربعين من العمر وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عنى الاعتقاد السيئ والحمد لله وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدى بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبعد كتاب الله. وقال في ص ١٩: ومنهم يعنى الذين ردوا الأحاديث الواردة في المهدى - الامام الشاطبي صاحب الاعتصام فقد الحق المهدية والأمامية بأهل البدع ويعنى بالمهدية الذين يعتقدون صحة خروج المهدى. وقال في ص ٣٠: فبسبب مجاورتهم - يعنى بعض أهل السنة والجماعة - للشيعة واختلاطهم بهم اقتبسوها منهم والا فإنها ليست من عقيدة أهل السنة وقال في ص ٣١: فهما - يعنى الشيعة وأهل السنة الذين يصدقون بخروج المهدى - في فساد الاعتقاد به يعنى المهدى - سيان وقال في ص ٥٨: ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح. وقال في ص ٥٨ أيضا وقال (صلى الله عليه وسلم): اياكم ومحدثات الأمور. والمهدى واعتقاده هو من محدثات الأمور..
ويجاب على ذلك بما يلى:
أولا - ما ذكره من أنه في بداية نشأته كان يعتقد اعتقاد شيخ الاسلام ابن تيمية في صحة خروج المهدي وانه بعد أن تجاوز الأربعين من العمر وبعد أن توسع في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتناقضها زال عنه الاعتقاد السيئ - جوابه أن اعتقاد خروج المهدي في آخر الزمان هو مذهب أهل السنة والجماعة قبل شيخ الاسلام ابن تيمية وبعده وسلوك ابن محمود بعد تجاوزه سن الأربعين من العمر مسلكا غير سبيلهم انتقال من اعتقاد مبنى على التصديق بالنصوص الشرعية الصحيحة الى اعتقاد سيئ مبنى على الشبه العقلية الواهية وليس للشيخ ابن محمود في معتقده الجديد سلف من أهل العلم المعتد بهم أما حمده الله على زوال الاعتقاد السيئ عنه - على حد تعبيره - فانه لا يحمد على مكروه سوى الله تعالى ولقد أحسن من قال:

يقضى على المرء في أيام محنته * * * حتى يرى ما ليس بالحسن

ثانيا - ما نقله عن الشاطبي في الاعتصام من أنه الحق المهدية بأهل البدع وأن المهدية في رأى الشاطبي هم الذين يعتقدون في صحة خروج المهدي جوابه: أن ما نسب الى الشاطبي غير صحيح ومقصود الشاطبي بالمهدية اتباع المتمهدي المغربي وقد فسر مراده بالمهدية بأنهم الذين يجعلون أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت وسبق ايضاح ذلك في رقم ١٢.

↑صفحة ٤٨١↑

ثالثا - ما ذكره من أن عقيدة أهل السنة في المهدي مقتبسة من عقيدة الشيعة وأن الشيعة وأهل السنة في فساد الاعتقاد بالمهدى سيان جوابه أن عقيدة أهل السنة في المهدي مستقاة من الأحاديث الصحيحة في الأصول المعتمدة عندهم ولا علاقة لها بعقيدة الشيعة وسبق ايضاح ذلك في رقم ٣ ورقم ١٥.
رابعا - قوله - ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح جوابه أن عقيدة أهل السنة والجماعة في المهدي مبنية على نصوص صحيحة قال بصحتها أهل العلم المعتقد بهم وسبق ايضاح ذلك في رقم ١٨.
خامسا - قوله: والمهدى واعتقاده من محدثات الأمور.
جوابه أن ذلك يقال: لو كان القول بخروجه في آخر الزمان ليس فيه حديث صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أما وقد صحت الأحاديث بذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فان القول بأنه من محدثات الأمور يعتبر من الزعم الباطل والقول الخاطئ وانما الذي يعتبر من محدثات الأمور أن يأتي بعض الكتاب في القرن الرابع عشر فيسلكون مسلكا خطيرا حادثا هو رد النصوص الشرعية بناء على شبه عقلية فيرخون لعقولهم العنان ثم يتركونها بدون خطام أو زمام.

* * *

٣٤ - وقال في ص ٢٤: والذى جعل أمر المهدي يستفحل بين أهل السنة من المسلمين وكان بعيدا عن عقيدتهم هو عجز العلماء المتقدمين وكذا العلماء الموجودين على قيد الحياة فلم نسمع بأحد منهم رفع قلمه ولا نطق ببنت شفة في التحذير من هذا الاعتقاد السيئ وكونه لا صحة له اللهم قد بلغت بل أنهم ينكرون على من يقولون بإنكاره فيزيدون الحديث علة والطين بلة.
والجواب على هذا أن نقول: هكذا ينحى ابن محمود بالأئمة على علماء الأمة متقدميهم والموجودين على قيد الحياة منهم لعدم قيام أحد منهم بإنكار خروج المهدي وذلك دليل واضح من كلام ابن محمود على شذوذه في هذا الأمر وانه وحده في واد وعلماء الأمة الاسلامية سابقهم ولا حقهم في واد آخر.
هذا وليس له رفيق في الطريق الموحش الذي سلكه الا أمثال محمد فريد وجدى وأحمد أمين ممن حكموا العقل في النقل وردوا النصوص الصحيحة لشبه عقلية واهية. وقد صان الله العلماء المحققين المعتد بهم من الاصابة بأمراض الشبهات العقلية ووفقهم لتعظيم السنة النبوية والتصديق بأخبارها الثابتة عن الذي لا ينطق عن الهوى (صلى الله عليه وسلم).
ولذلك لم يحصل ابن محمود على واحد منهم يرفع قلمه أو ينطق ببنت شفة في انكار خروج المهدي سواء في ذلك سابقهم ولا حقهم. وكيف يطمع ابن محمود أن يجد عالما ناصحا لنفسه يتجرأ على رد النصوص الصحيحة ودعوة الناس الى التكذيب بالسنة الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم بماذا بلغ ابن محمود في قوله: اللهم قد بلغت؟

↑صفحة ٤٨٢↑

أن من الواضح للمتعلم فضلا عن العالم أنه بلغ عن عدم معرفته بالحديث النبوي الشريف وعدم تمييز صحيحه من سقيمه وبلغ عن تمكن شبه بعض كتاب القرن الرابع عشر العقلية من فكره بحيث قدمها على النقل وبلغ عن شذوذه وسلوكه مسلكا مخالفا لمسلك أهل السنة والجماعة. وسواء كان صدور ذلك منه عن جهل أو علم هو بلية ومصيبة.

اذا كنت لا تدرى فتلك مصيبة * * * وان كنت تدرى فالمصيبة أعظم

٣٥ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٣٤: أن العلماء كأبي داود في سننه وابن كثير في نهايته والسفاريني في لوامع أنواره وغيرهم قد أدخلوا أحاديث المهدي في جملة أشراط الساعة مع أحاديث الدجال والدابة ويأجوج ومأجوج وأحاديث الفتن فكل هذه لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص لعلمهم أنها أحاديث مبنية على التساهل ويدخل فيها الكذب والزيادات والمدرجات والتحريفات وليست بالشيء الواقع في زمانهم ولا من أحاديث أحكامهم وأمور حلالهم وحرامهم.
ثم ذكر أنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدى وثارت الفتن بسببه اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها فنخلها ثم نثرها حديثا حديثا وبين عللها كلها وان من رواتها الكذوب ومنهم المتهم بالتشيع والغلو ومنهم من يرفع الحديث الى الرسول بدون أن يتكلم به الرسول ومنهم من لا يحتج به وخلاصته أنه حكم على أحاديث المهدي بالضعف.
وتعليقي على كلام ابن محمود هذا أقول:
ما ذكره من أن أحاديث المهدي وغيرها من أحاديث أشراط الساعة لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص. وأنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدى اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها وأنه حكم عليها بالضعف أقول هذا الذي ذكره الشيخ ابن محمود مردود بأن العلماء في مختلف العصور قبل القرن التاسع تكلموا في أحاديث المهدي وبينوا أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع واحتجوا بالثابت منها: واعتقدوا موجبه وهم أهل الاختصاص الذين يعول على قولهم في هذا الشأن يعرف كلامهم في ذلك تصحيحا وتضعيفا من يطالع الكتب التي صنفوها ويقف على الجهود العظيمة التي بذلوها في خدمة السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها ومن النقاد الذين تعرضوا لأحاديث المهدي الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فقد قال الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة على بن نفيل النهدي: قلت ذكره العقيلي في كتابه وقال لا يتابع على حديثه في المهدي ولا يعرف الا به قال وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه. ومنهم ابن حبان المتوفى سنة (٣٥٤ هـ) فقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري في صحيحه: لا يأتي عليكم زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم قال واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ

↑صفحة ٤٨٣↑

الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وقال البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ هـ. بعد كلامه على تضعيف حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم قال والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا ومنهم الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الإبري صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة قال رحمه الله في محمد بن خالد الجندي راوي حديث لا مهدى الا عيسى بن مريم: محمد ابن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل وقد تواترت الاخبار واستفاضت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وان عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلى عيسى خلفه نقل ذلك عنه ابن القيم في كتابه المنار المنيف وسكت عليه ونقله أيضا الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي وسكت عليه ونقله عنه أيضا وسكت عليه في كتابه فتح الباري في باب نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ونقله أيضا غير ابن حجر وابن القيم من أهل العلم.
وممن صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي الامام الترمذي في جامعه ومنهم الحاكم في المستدرك ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه في تصحيح جملة منها ومنهم الامام محمد بن أحمد بن أبى بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة ٦٧١ هـ فقد قال في كتابه التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة بعد ذكر حديث ولا مهدى الا عيسى بن مريم وبيان ضعفه قال: والأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه.
ومنهم الامام ابن تيمية المتوفى سنة ٧٢٨ هـ فقد صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي وذلك في كتابه منهاج السنة ومنهم الامام ابن القيم المتوفى سنة ٧٥١ هـ فقد صحح في كتابه المنار المنيف جملة من الأحاديث الواردة في المهدي وأشار الى ضعف بعض ما ورد في ذلك ومنهم الامام ابن كثير المتوفى سنة ٧٧٤ هـ فقد تكلم في كتابه النهاية على كثير من الأحاديث الواردة في المهدي مبينا الصحيح والضعيف في ذلك. وهؤلاء العلماء. النقاد كلهم قبل القرن التاسع. وقد تكلموا في أحاديث المهدي مبينين صحة بعض الأحاديث الواردة في ذلك وهم قليل من كثيرين تكلموا في ذلك ويتضح بهذا بطلان ما ذكره الشيخ ابن محمود من أن أحاديث المهدي وغيرها من أشراط الساعة لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص. أما ما ذكره من أنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدى اضطر بعض المحققين من العلماء.
أن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها فيجاب عنه بأن العلماء النقاد تكلموا في أحاديث المهدي لمعرفة صحيحها من ضعيفها. قبل القرن التاسع ومنهم الذين أسلفت ذكرهم قريبا وبأن ابن خلدون ليس من المحققين في علم الحديث الذين يعول على كلامهم في التصحيح والتضعيف وسبق أن أوضحت وجه ذلك في رقم ١٠ وأيضا فان ابن خلدون كانت وفاته سنة ٨٠٨ هـ. فلم يدرك من القرن التاسع الا ثمان سنوات وكان كلامه على أحاديث المهدي في مقدمة تاريخه التي فرغ من وضعها وتأليفها. قبل التنقيح والتهذيب في منتصف عام

↑صفحة ٤٨٤↑

٧٧٩ هـ كما ذكر ذلك في آخر المقدمة أي قبل عشرين سنة من انتهاء القرن الثامن وهذا يوضح عدم استقامة ما ذكره الشيخ ابن محمود من أنه في القرن التاسع لما كثر المدعون للمهدى وثارت الفتن بسببه اضطر بعض المحققين من العلماء بأن ينقدوا أحاديث المهدي ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها الخ.
٣٦ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٢٣ تحت عنوان: المقارنة بن أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين. اننا متى قابلنا بين العلماء المتقدمين والمتأخرين نجد الفرق واسعا فلا مداناة فضلا عن المساواة اذ العلماء المتقدمون قد جمعوا بين العلم والعمل فهم أحق وأتقى وأقرب للتقوى. ولكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها وفي كتب الشيعة أنها بلغت الفا ومائتي حديث. والسبب أن من عادة علماء السنة المتقدمين (عمل)؟ التساهل فيما يرد من أحاديث أشراط الساعة. كأحاديث المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج وما كان من قبيل ذلك فلا يتكلفون في نقدها ولا اخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة بخلاف أحاديث الأحكام وأمور الحلال والحرام وما يحتاجه الناس في عبادتهم ربهم والتعامل فيما بينهم في أمور دنياهم فقد بالغوا في تحقيقها بمعرفة رواتها وما يجوز فيها فهم بعلم صحيح نطقوا وببصر ناقد كفوا.
وتعليقي على هذا الكلام ما يلى:
أولا - ما ذكره عن العلماء المتقدمين من أنهم جمعوا بين العلم والعمل وأنهم أحق وأتقى وأقرب للتقوى وان المتأخرين لا يدانونهم فضلا عن أن يساووهم هو كلام حق لكن الشيخ ابن محمود عقبه بما يكدر صفوه وهو لمزه للعلماء المتقدمين بالتغفيل اذ وصفهم بأنه يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله وأنهم لذلك أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة، والواجب احسان الظن بسلف هذه الأمة والثناء عليهم بما هم أهله دون تعرض لهم بلمز أو حط من شأنهم.
ثانيا - علل الشيخ ابن محمود لإكثار العلماء المتقدمين من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة على حد قوله بتعليلين أحدهما ما وصفهم به من أنهم يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم وأنهم يستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله والثاني ان من عادتهم التساهل فيما يرد من أحاديث أشراط الساعة كأحاديث المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج وان ما كان من هذا القبيل لا يتكلفون في نقدها ولا اخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة. وقد أجبت عما تضمنه التعليل الأخير من أن العلماء لا يتكلفون في نقد الأخبار المتعلقة بأشراط الساعة ولا اخضاعها للتصحيح ولا للتمحيص وذلك في رقم ٣٥ اذ نقلت على سبيل التمثيل كلام جماعة من العلماء النقاد في تصحيح بعض الأحاديث الواردة في المهدى.

↑صفحة ٤٨٥↑

أما وصف الشيخ ابن محمود العلماء المتقدمين بأنه يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم وأنهم يستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله وأنهم لذلك أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة فهو وصف لامز لا يليق بسلف الأمة ونقلة السنة الذين حفظ الله بهم دينه وأقام شريعته فان الله قد منحهم من الذكاء والفطنة والتثبت واليقظة ما جعلهم به أهلا لحفظ هذا الدين وأوعية لسنة رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) فقد روى ابن أبى حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن أحمد بن سنان قال سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن. الحكم والحديث يعنى لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضى انتهى وروى أيضا عن أبيه عن أبى بكر المعيطي عبيد الله بن أبى وهب قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته.
وروى بسنده الى عمرو بن قيس قال: ينبغي لصاحب الحديث أن يكون مثل الصيرفي الذي ينتقد الدراهم فان الدراهم فيها الزائف والبهرج وكذلك الحديث وروى عن أبيه عن عبدة بن سليمان قال: قيل لا بن المبارك هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة. وروى عن أبيه عن نعيم ابن حماد قال قلت لعبد الرحمن بن مهدى كيف يعرف الكذاب؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون وروى بسنده الى ابن سيرين. قال: كان يقال انما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونها وروى بسنده الى يعقوب بن محمد بن عيسى قال: كان ابن شهاب اذا حدث أتى بالإسناد ويقول لا يصلح أن يرقى السطح الا بدرجة وروى عن محمد بن يحي عن زنيج قال: سمعت بهز بن أسد يقول اذا ذكر له الاسناد الصحيح هذه شهادات العدول المرضيين بعضهم على بعض واذا ذكر له الاسناد فيه شيء قال: هذا فيه عهدة ويقول: لو ان لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه الا بشاهدين عدلين فدين الله (عزَّ وجلَّ) أحق أن يؤخذ فيه بالعدول، هذه بعض نقول عن نقلة الآثار تبين مدى تيقظهم وتثبتهم وبعدهم عن التغفيل وانها لا حدى الكبر أن يأتي آت في السنة المتممة للقرن الرابع عشر فيقول لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من مؤمن بالله، ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمختلفة والمتضاربة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها ثم ان هذا الناقد للعلماء المتقدمين الذي جاء في نهاية القرن الرابع عشر قد جاء في كلامه هذا بالذات ما يوضح عدم تمييزه بين من هو متقدم ومن هو متأخر اذ نسب الى السفاريني انه نقل في كتابه لوائح الأنوار عن الشوكاني أحاديث المهدي وكانت ولادة السفاريني في عام ١١١٤ هـ ووفاته في عام ١١٨٨ هـ أما الشوكاني فكانت ولادته في عام ١١٧٣ هـ ووفاته في عام ١٢٥٠ هـ وقد ذكر السفاريني في أول كتابه لوامع الأنوار البهية أنه في سنة ثلاث وسبعين بعد المائة والالف طلب منه بعض أصحابه نظم أمهات مسائل اعتقاد أهل الأثر فنظمها في مائتي بيت وبضعة عشر بيتا وسماها الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية ثم بعد ذلك طلب منه هؤلاء الأصحاب شرح هذا النظم فشرحه بكتابه لوامع الأنوار البهية وهو واضح أن السفاريني بدأ بنظم الدرة المضية في السنة التي ولد فيها الشوكاني ثم بعد فراغه من النظم

↑صفحة ٤٨٦↑

شرحه بكتابه لوامع الأنوار البهية الذي يقول الشيخ ابن محمود أنه نقل فيه عن الشوكاني أحاديث المهدي أي أن الوقت الذي كان السفاريني يؤلف فيه كتابه لوامع الأنوار البهية كان الشوكاني قبل سن الخامسة عشرة وأحدهما في أرض الشام والثاني في أرض اليمن. والحاصل أن من العجب أن يجعل الشيخ ابن محمود السفاريني في الزمن بعد الشوكاني وأعجب منه أن يزعم أن السفاريني نقل في كتابه لوامع الأنوار البهية عن الشوكاني أحاديث المهدي وأما ما أشار اليه من رواية العلماء المتقدمين الأحاديث الكثيرة في المهدي المتناقضة والمتضاربة فسبق أن أوضحت أن ما كان منها ضعيفا لا يلتفت اليه وما كان منها صحيحا فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق وذلك في رقم ٧.
٣٧ - أثنى الشيخ ابن محمود في ص ٢٦ على من وصفهم بعلماء الامصار فقال: أن علماء الامصار والحق يقال متى طرقوا بحثا من البحوث العلمية التي يقع فيها الجدال وكثرة القيل والقال فانهم يشبعون البحث تحقيقا وتدقيقا وتمحيصا وتصحيحا حتى يجعلوه جليا للعيان وصحيحا بالدلائل والبرهان وليس من شأن الباحث أن يفهم من لا يريد أن يفهم وقد قرروا قائلين: ان أساس دعوى المهدي مبنى على أحاديث محقق ضعفها وكونها لا صحة لها الخ. وقال في ص ٢٨: أن بعض علمائنا عند ما يرى أحدهم شيئا من الرسائل والبحوث الصادرة من علماء الامصار المتأخرين وهى تعالج شيئا من المشاكل الهامة التي يشتد الخلاف فيها ويهتم كل الناس بأمرها كمسألة المهدي ونحوها فلا يعطى هذه الرسالة شيئا من الاهتمام والنظر خصوصا عند ما يعرف أنها تخالف رأيه واعتقاده الخ.
وأقول تعليقا على هذا القول: إن من يطلع على هذا الكلام وهو خالي الذهن قد يظن أن علماء الامصار هؤلاء الذين يشبعون البحث تحقيقا وتدقيقا وتمحيصا وتصحيحا حتى يجعلوه جليا للعيان وصحيحا بالدلائل والبرهان هم من الجهابذة المتضلعين في علمي الرواية والدراية ولم يدر أنه ليس لدى الشيخ ابن محمود من هؤلاء المدققين المحققين المحصين المصححين إلا أمثال أحمد أمين ومحمد فريد وجدى. ثم إن رسالة الشيخ ابن محمود في المهدي هذه هي من بحوث علماء الامصار المتأخرين ويتضح للقارئ من خلال وقوفه على أخطائه الكثيرة التي لا يعذر في مثل بعضها طلاب العلم المبتدئون وخاصة ما أشرت اليه في أرقام ٨ و١١ و١٢ و١٩ و٢٢. يتضح للقارئ أن هذا البحث لم يشبع تدقيقا وتحقيقا وتمحيصا وتصحيحا بل لم يشم رائحة هذه الصفات.
٣٨ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٧ وقد أعرض أكثر العلماء المحدثين عن اثبات أحاديث كثيرة في كتبهم عن أهل البيت لتسلط الغلاة على ادخال الشيء الكثير من الكذب في فضائلهم كما تحاشى عنها البخاري ومسلم والنسائي والدارقطني والدارمي فلم يذكروها في كتبهم المعتمدة وما ذاك الا لعلمهم بضعفها مع العلم أن الدارمي هو شيخ أبى داود والترمذي وقد نزه مسنده عن أحاديث المهدي فلا ذكر لها فيه.
و يجاب عن ذلك بأن العلماء المحدثين الذين قاموا بتدوين الحديث الشريف في مصنفاتهم منهم من لا يلتزم بإخراج الصحيح ومنهم من يلتزم بإخراج الحديث الصحيح دون غيره كالبخاري ومسلم في صحيحيهما لكن لم يقل أحد من أهل العلم أن الأحاديث التي لا يخرجها الشيخان في الصحيحين غير

↑صفحة ٤٨٧↑

صحيحة فان الصحيح كما أنه موجود في الصحيحين فهو موجود في غيرهما وقد أوضحت ذلك في رقم ٥.
أما الذين لم يلتزموا بإخراج الحديث الصحيح في كتبهم فهم يخرجون فيها الصحيح وغيره ومنهم من يبين درجة الحديث صحة وضعفا أو يبين حال بعض رجال اسناده ومنهم من لا يبين شيئا من ذلك اكتفاء بإيراده الاسناد الذي يتمكن من له أهلية النظر فيه من معرفة درجة الحديث وذلك بدراسة اسناده وماله من متابعات أو شواهد وهذه المؤلفات المشار اليها للنسائي والدارقطني والدارمي ليس كل ما فيها صحيحا وليس كل ما لم تشمله يكون ضعيفا كما يعرف ذلك صغار طلاب العلم وبناء على ذلك كان خلاف الواقع حتما ما زعمه الشيخ ابن محمود من أن البخاري ومسلما والنسائي والدارقطني. والدارمي لم يذكروا أحاديث المهدي في كتبهم المعتمدة وما ذاك الا لعلمهم بضعفها وأن الدارمي وهو شيخ أبى داود والترمذي قد نزه مسنده عنها فان تعليله عدم اخراجهم تلك الأحاديث في كتبهم بقوله. وما ذاك الا لعلمهم بضعفها افتيات عليهم ولا يكون ذلك مطابقا للواقع الا لو وجد عنهم نصوصا تدل على أن سبب عدم ذكرهم اياها علمهم بضعفها. وأنى له ذلك. وكذا ما زعمه من أن الدارمي قد نزه مسنده عنها فأنه لا يقال لما لم يخرجه فيه أنه نزهه عنه الا لو وجد عنه نص في شيء من ذلك كما لا يقال ان كل ما أخرجه فيه نزيه لأنه لم يلتزم إخراج الصحيح وقد قال الحافظ العراقي - كما نقله عنه السيوطي في تدريب الراوي - اشتهر تسميته - يعنى مسند الدارمي - بالمسند كما سمى البخاري كتابه بالمسند لكون أحاديثه مسندة قال الا أن فيه المرسل والمعضل والمنقطع والمقطوع كثيرا انتهى.
ومعلوم أن المرسل والمعضل والمنقطع من أنواع الضعيف أما كون الدارمي الذي لم يخرج أحاديث المهدي في مسنده شيخا لأبى داود والترمذي اللذين خرجا أحاديث المهدي في كتابيهما فان ذلك لا يقدح في اخراجهما هذه الاحاديث لأنه لا يلزم أن يكون ما خرجه تلميذ في كتابه طبقا لما خرجه شيخ له في كتابه وهذا من البديهيات ولو أن الدارمي خرج أحاديث المهدي في مسنده لما سلم من الدخول تحت قول ابن محمود: ثم ان من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين ان بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه الى آخر كلامه الذي سقته وأجبت عنه في رقم ٦.
٣٩ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٨٥: فلا حاجة للمسلمين في أن يهربوا عن واقعهم ويتركوا واجبهم لانتظار مهدى يجدد لهم دينهم ويبسط العدل بينهم فيركنوا الى الخيال والمحالات ويستسلموا للأوهام والخرافات ثم يفرض عليهم علماؤهم التحجر الفكري والجمود الاجتماعي على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم أو على رأى عالم أو فقيه يوجب الوقوف على رأى مذهبه وعدم الخروج عنه وعلى أثره يوجب عليهم الايمان بشخص غائب هو من سائر البشر يأتي في آخر الزمان فينقذ الناس من الظلم والطغيان.
أقول: أن الله قد تكفل ببقاء هذا الدين وان الموفقين لسعادة الدنيا والآخرة في مختلف العصور من جعلهم الله من أنصار دينه وفي صحيح البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه سمعت رسول الله

↑صفحة ٤٨٨↑

(صلى الله عليه وسلم): من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وانما أنا قاسم والله يعطى ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، فلا يخلو عصر من العصور من اقامة شرع الله والمهدى الذي أخبر به الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما هو الا حلقة في أواخر سلسلة طويلة ينصر الله به في زمنه دينه ذلك الزمن الذي يستشرى فيه الشر ويخرج الدجال الأعظم. وليس للمسلمين في أي زمن أن يتركوا ما أوجبه الله عليهم من نصرة الدين اتكالا على ما جاء في أحاديث المهدي أما وصف الشيخ ابن محمود. التصديق بخروج المهدي بأنه ركون الى الخيال والمحالات واستسلام للأوهام والخرافات فسبق أن ذكرت أن هذه المسألة من الأمور الغيبية وقد أخبر الصادق المصدوق (صلى الله عليه وسلم) في أحاديث صحيحة عن خروجه في آخر الزمان والواجب التصديق بكل خبر يثبت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأما ما تضمنه بقية كلامه من العتب على العلماء في بيانهم ما تضمنته النصوص من التصديق بشخص يأتي في آخر الزمان فان واجب العلماء أن يكون كلامهم وبيانهم مبنيا على الأدلة الشرعية الثابتة لا على شبه عقلية واهية وهذا هو ما قام به علماء هذه الأمة سواء في الاخبار أو الأحكام.
٤٠ - وقال الشيخ ابن محمود في ص ٤ فأن قيل: كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة والمسلسلة عن عدد من الصحابة بأنها مختلفة وهى في سنن أبى داود والترمذي وابن ماجة

↑صفحة ٤٨٩↑

ومسند الأمام أحمد والحاكم وغيرها من الكتب؟
فالجواب أن هذه الأحاديث الكثيرة التي تبلغ خمسين حديثا في المهدي عند أهل السنة بعضها يزعمونها صحاحا وبعضها من الحسان وبعضها من الضعاف - الى أن قال - فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل: والقوة للكاثر. على أن الكمية لا تغنى عن الكيفية شيئا وأكثر الناس مقلدة، يقلد بعضهم بعضا وقليل منهم المحققون. فان المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص وللجرح والتعديل فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها ثم ذكر بعض الشبه في ذلك ثم قال: فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها. وقال في ص ٣٦: وقد كاد أن ينعقد الاجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والاشكالات مما يجعل الأمر جليا للعيان ولا يخفى الا على ضعفة الافهام، والله يهدى الى الحق والى طريق مستقيم.
وقال في ص ٥٧: وأرجو بهذا البيان أن تستريح نفوس الحائرين ويعرفوا رأى أهل العلم والدين في هذه المشكلة التي تثار من آن لآخر. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل...
... وتعليقي على هذا الكلام أقول:
أورد الشيخ ابن محمود على نفسه سؤالا خطيرا قائلا: فان قيل: كيف عرفتم أن هذه الأحاديث الكثيرة المسندة والمسلسلة عن عدد من الصحابة بأنها مختلفة وهى في سنن أبى داود والترمذي وابن ماجة ومسند الامام أحمد الحاكم وغيرها من الكتب؟ وأن من يقرأ هذا السؤال ليشعر بالألم والأسى لهذه الجرأة والتطاول على السنة ودواوينها وحفاظها ثم بعد ايراد هذا السؤال ماذا كانت الإجابة عليه؟ لقد كانت الإجابة عليه مجوعة من الشبه العقلية مصحوبة بالزعم بدون خجل أن هذه هي التي جعلت المحققين من العلماء يوقنون أن هذه الأحاديث موضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك تمويه وتلبيس فان المحققين من العلماء قديما وحديثا بريئون من هذا الزعم الباطل كما أوضح ذلك بعد ذكر شبهه والاشارة الى الاجابة عنها فشبهتان تتعلقان بما يقع نتيجة للتصديق بخروج المهدي من اثارة الفتن وقد أجبت عن ذلك في رقم ٤ وشبهة تتضمن أنه من المحال أن يوجب النبي (صلى الله عليه وسلم) على أمته التصديق برجل من بنى آدم مجهول في عالم الغيب وهو ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل الخ... وقد أجبت عن ذلك في رقم ٢٩ وشبهة تتعلق بكون البخاري ومسلم لم يخرجا أحاديث المهدي في صحيحهما وقد أجبت عن ذلك في رقم ٥ وشبهة تتعلق بكون الأحاديث الواردة في المهدي متناقضة متعارضة وقد أجبت عن ذلك في رقم ٧. وشبهة تتعلق بكونه ليس أول من كذب بأحاديث المهدي وأنه سبقه الى ذلك بعض العلماء وقد أجبت عن ذلك في رقم ٨. و٢٥.
... هذه هي الشبه التي عرف بها الشيخ ابن محمود كون أحاديث المهدي مختلفة مع كونها كثيرة مسندة مسلسلة عن عدد من الصحابة في سنن أبى داود والترمذي وابن ماجة ومسند الامام أحمد والحاكم وغيرها من الكتب ثم لا يقف الأمر عند هذا الحد بل يسبق هذه الشبه ويعقبها نسبة ذلك الى المحققين من العلماء فيقول قبل ايراد شبهه: فان المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص وللجرح والتعديل فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها وقال بعد ايراد شبهه: فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها انتهى ولا شك أن نسبة هذا الرأي الى المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين نسبة غير صحيحة وهو من التمويه والتلبيس الذي لا يليق أن يصدر من مثل الشيخ ابن محمود وأوضح دليل على ذلك أن كل الذين سماهم الشيخ ابن

↑صفحة ٤٩٠↑

محمود في رسالته من المتقدمين ثلاثة ومن المتأخرين خمسة وقد مر ذكرهم وما يتعلق بإضافة تضعيف أحاديث المهدي اليهم وذلك في رقم ١٨ وأوضحت في رقم ١١ أن ابن القيم قد صحح كثيرا من أحاديث المهدي في كتابه المنار المنيف وأن ما عزاه اليه الشيخ ابن محمود من أنه يضعف أحاديث المهدي في الكتاب المذكور عزو غير صحيح وأوضحت في رقم ١٢ أن الشاطبي لم يضعف أحاديث المهدي في كتابه الاعتصام ولم يصف القائلين بخروج المهدي في آخر الزمان بأنهم من أهل البدع وان ما عزاه الشيخ ابن محمود غير صحيح وثالث الثلاثة من المتقدمين الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته بن خلدون وقد أوضحت في رقم ١٠ أنه لم يقل أن أحاديث المهدي ضعيفة كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة وأوضحت أنه ليس ممن يعتقد عليه في التصحيح والتضعيف أما بالنسبة للخمسة من المتأخرين الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته فان الشيخ محمد بن عبد العزيز قد المانع قد صحح بعض الأحاديث الواردة في المهدي كما أوضحت ذلك في رقم ١٣ وأما الشيخ أبو الاعلى المودودي فانه في كتابه البيانات ذكر أن سند أي رؤية من روايات أحاديث المهدي ليس من القوة يثبت أمام مقياس البخاري ومسلم لنقد الروايات وبعد اشارته الى بعض ضعف فيها في نظره قال: غير أن من الصعب على كل حال القول بأن الروايات لا حقيقة لها أصلا فإننا اذا صرفنا النظر عما ادخل فيها الناس من تلقاء أنفسهم فإنها تحمل حقيقة أساسية هي القدر المشترك فيها وهى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخبر أنه سيظهر في آخر الزمان زعيم عامل بالسنة يملأ الأرض عدلا ويمحو عن وجهها أسباب الظلم والعدوان ويعلى فيها حكم الاسلام ويعمم الرفاه في خلق الله.
وهذا واضح أن الشيخ أبا الاعلى المودودي لا يقول بأنها موضوعة بل الذي قاله أنها لم تصل الى حد مقياس البخاري ومسلم لنقد الروايات وأن مجموع الروايات يثبت القدر المشترك بينها وهو أخبار الرسول (صلى الله عليه وسلم) بظهور زعيم عامل بالسنة في آخر الزمان ثم وقفت على رسالة للشيخ أبى الأعلى المودودي بعنوان: «موجز تجديد الدين واحيائه».
ذكر فيها المهدي الذي يجدد الدين في المستقبل وقدمه في الذكر على المجددين الماضين الا أن تاريخ تأليف هذه الرسالة سابق لتأليف رسالة البيانات ومن المعلوم أن الشيخ أبا الاعلى المودودي رحمه الله ليس من المشتغلين بالحديث النبوي الشريف وإنما هو من الكتاب الاسلاميين لكنه بحمد الله ليس من فئة العلماء المحققين في رأى الشيخ ابن محمود الذين جعلتهم الشبه العقلية يوقنون أن أحاديث المهدي موضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وأنها ليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها. وأما الثلاثة الباقون وهم الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدى والبلاغي فقد ذكرت في رقم ١٥ أن الشيخ محمد رشيد رضا انكر ما هو أوضح من خروج المهدي وهو نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وذكرت في رقم ١٦ أن محمد فريد وجدى زعم أن أحاديث الدجال كلها موضوعة ملفقة وأكثرها في الصحيحين وذكرت في رقم ١٨ أنس لم أقف على كتاب البلاغي لا تمكن من ابداء شيء بشأنه.
.. والحاصل أن الثمانية الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته من المتقدمين والمتأخرين خرج منهم ابن اقيم والشاطبي حتما فلم يقولا بضعف أحاديث المهدي كما زعم الشيخ ابن محمود وخرج ابن خلدون أيضا فانه لم يقل بضعفها كلها فضلا عن القول بأنها موضوعة وخرج الشيخ ابن مانع والشيخ أبو الأعلى المودودي وبقى مع الشيخ ابن محمود من المتأخرين الذين سماهم الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدى ومن المحتمل أن يكون البلاغي ثالثا لهم ومع الشيخ ابن محمود أيضا اثنان من كتاب القرن الرابع عشر قلدهم الشيخ ابن محمود ولم يسمهما في رسالته أحدهما الاستاذ أحمد أمين وقد مر ذكره في رقم ١٧ والثاني محمد فهيم أبو عبية وقد مر ذكره في رقم ٢٣.
وهؤلاء الذين بقوا مع الشيخ ابن محمود أو بقى معهم هم الذين كاد أن ينعقد اجماعهم على أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة اذ قال الشيخ ابن محمود في ص ٣٦:

↑صفحة ٤٩١↑

وقد كاد أن ينعقد الاجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والاشكالات مما بجعل الامر جليا للعيان ولا يخفى الا على ضعفة الافهام والله يهدى الى الحق والى طريق مستقيم.
فان هذا الاجماع المزعوم أعتمده الشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فهيم وجدى والبلاغي وأحمد أمين وأبو عبية والشيخ ابن محمود ونتيجته في كلام الشيخ ابن محمود. أن أحاديث المهدي مصنوعة موضوعة بدليل تعارضها وتناقضها. مما يجعل الأمر جليا للعيان ولا يخفى الا على ضعفة الافهام والوصف بضعف الفهم لم يسلم منه الا أولئك الذين كاد أن ينعقد اجماعهم ومن لف لفهم والله المستعان. ثم إن هؤلاء الذين كادوا أن يجمعوا هم أهل العلم والدين في قول الشيخ ابن محمود في ص ٥٧ وأرجو بهذا البيان أن تستريح نفوس الحائرين ويعرفوا رأى أهل العلم والدين في هذه المشكلة التي تثار بين آن وآخر. وهم أهل الكيفية في قول الشيخ ابن محمود: فهذه الاحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من علماء أهل السنة على حد ما قيل: والقوة للكاثر على أن الكعبة الكمية لا تغنى عن الكيفية شيئا وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم وقليل منهم المحققون.
وايضاحا للحق ودفعا للباطل أقول: ان علماء أهل السنة المعتد بهم في القديم والحديث مصدقون بالأحاديث الثابتة عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان ولا ينكرها الا شاذ عنهم وسبق أن أشرت في مواضع من هذا البحث الى تسمية بعض علماء أهل السنة الذين احتجوا بأحاديث المهدي وقالوا بثبوت خروجه آخر الزمان وقد يكون من المناسب هنا تسمية عدد من هؤلاء العلماء ليتضح أن علماء أهل السنة المتبعين للنصوص الذين لا يعارضونها بالشبه العقلية كما أنهم أهل الكمية فهم أهل الكيفية وان الذين شذوا عنهم ليسوا ذوى كمية ولا كيفية وليس ذلك للمقارنة والموازنة معاذ الله.

الم تر ان السيف ينقص قدره * * * اذا قيل إن السيف أمضى من العصا

١ - الامام أبو داود صاحب السنن المتوفى سنة ٢٧٥ هـ.
٢ - الامام أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع المتوفى سنة ٢٧٩ هـ.
٣ - الحافظ أبو جعفر العقيلي صاحب كتاب الضعفاء المتوفى سنة ٢٢٣ هـ.
٤ - الامام ابن حبان البستي صاحب الصحيح المتوفى سنة ٣٥٤ هـ.
٥ - الحافظ أبو الحسين محمد بن الحسين الإبري السجزي صاحب كتاب مناقب الشافعي المتوفى سنة ٣٦٣ هـ.
٦ - الامام أبو سليمان الخطابي صاحب معالم السنن وغيره المتوفى سنة ٣٨٨ هـ. واثباته لخروج المهدي في آخر الزمان ذكره صاحب تحفة الأحوزي في شرح جامع الترمذي في شرح حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة.. الحديث.

↑صفحة ٤٩٢↑

٧ - الامام البيهقي صاحب السنن الكبرى وغيره المتوفى سنة ٤٥٨ هـ. وقد مر حكاية كلامه وكلام غيره في تصحيح بعض أحاديث المهدي في رقم ٣٥.
٨ - القاضي عياض صاحب كتاب الشفاء المتوفى سنة ٥٤٤ هـ.
٩ - الامام القرطبي المفسر المشهور وصاحب كتاب التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة المتوفى سنة ٦٧١ هـ.
١٠ - الامام ابن تيمية صاحب الكتب الكثيرة الشهيرة المتوفى سنة ٧٢٨ هـ. وكتابه الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدي منهاج السنة النبوية.
١١ - الامام أبو الحجاج المزي صاحب كتاب تهذيب الكمال المتوفى سنة ٧٤٢ هـ.
١٢ - الامام الذهبي صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة ٧٤٨ والكتاب الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدي تلخيص المستدرك.
١٣ - الامام ابن القيم صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة ٧٥١ هـ. والكتاب الذي صحح فيه بعض الأحاديث في المهدى، المنار المنيف في الصحيح والضعيف.
١٤ - الامام عماد الدين ابن كثير صاحب الكتب الكثيرة المتوفى سنة ٧٧٤ هـ وقد صحح بعض الأحاديث في المهدي في كتابه النهاية.
١٥ - الحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري وتهذيب التهذيب وغيرهما المتوفى سنة ٨٥٢ هـ.
١٦ - الحافظ السخاوى صاحب كتاب فتح المغيث في شرح الفية الحديث المتوفى سنة ٩٠٢ هـ.
١٧ - الحافظ السيوطي صاحب الكتب الكثيرة وكتابه في المهدي العرف الوردي في أخبار المهدي وكانت وفاته سنة ٩١١ هـ.
١٨ - الأمير محمد بن اسماعيل الصنعاني صاحب كتاب سيل السلام وغيره المتوفى سنة ١١٨٢ هـ.
وكلامه في المهدي وخروجه في آخر الزمان ذكره صديق حسن في كتابه الاذاعة.
١٩ - القاضي محمد على الشوكاني صاحب التفسير وكتاب نيل الأوطار وغيرهما المتوفى سنة ١٢٥٠ هـ. وكلامه في المهدي في رسالة سماها: التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح نقل الشيخ صديق في كتابه الاذاعة عن هذا الكتاب.
٢٠ - الشيخ محمد بشير السهواني صاحب كتاب صيانة الانسان عن وسوسة دحلان المتوفى سنة ١٣٢٦ هـ.
٢١ - الشيخ شمس الحق العظيمآبادي صاحب عون المعبود شرح سنن أبى داود المتوفى سنة ١٣٢٩ هـ.
٢٢ - الشيخ عبد الرحمن المباركفوري صاحب كتاب تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي المتوفى سنة ١٣٥٣ هـ.

↑صفحة ٤٩٣↑

وهؤلاء الذين ذكرتهم قطرة من بحر من علماء أهل السنة القائلين بخروج المهدي في آخر الزمان استنادا الى الأحاديث الصحيحة في ذلك وهم أهل الرواية والدراية وهم أهل الخبرة والاختصاص وهم العلماء المحققون الذين يعول على حكمهم وهم أهل الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف وهم أهل العلم والدين وهم أهل الكمية والكيفية.
وبهذا القدر أكتفى في كشف أخطاء الشيخ ابن محمود التي اشتملت عليها رسالته وذلك كاف في بيان قيمة هذه الرسالة التي لم تبن على أساس.
ولعل فضيلة الشيخ عبد الله المحمود يعيد النظر فيما كتب كما فعل من قبل شيخه الشيخ محمد ابن مانع رحمه الله فان الحق ضالة المؤمن والحق أحق أن يتبع وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه والفقه في دينه وأن يثبتنا على صراطه المستقيم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان...
عن ثوبان وغيره أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
«من قال حين يمسى وحين يصبح: رضيت بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبيّا، كان حقّا على الله أن يرضيه» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

↑صفحة ٤٩٤↑

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016