الطابع السلمي لحركة الإمام المهدي عليه السلام
بحث: الاستاذ الحاج حسن عبد الأمير الظالمي/ محرر في مجلة الانتظار
حينما يريد الله سبحانه أن يحققَ وعدَه الذي أوجبه على نفسه للمؤمنين بقوله: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ)(١) وعندما يريدُ سبحانه أن يظهر دينَه على الدين كله ولو كره الكافرون وذلك بتحقيق قولِه (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ)(٢) عندها ننتظرُ قيامَ دولةِ العدل الإلهي في الأرض على يد خاتم الأوصياء الإمامِ الحجةِ بنِ الحسنِ المهدي عجل الله فرجه.
هذه الدولة التي تأخذ على عاتقها تحقيقَ ما تصبو إليه البشريةُ من العدل والسلام والأمان والسعادة وزوال الظلم والطغيان بعد أن تصلَ إلى مرحلةٍ يكونُ فيها انتظارُ المنقذ والمخلّص هو الحالةَ التي تسودُ البشريةَ كلها.
لا نريد في بحثنا هذا تبيانَ حقيقةِ الإمام المهدي عليه السلام، فقد كفتنا الآياتُ الكريمةُ الواردُ ذكرُها والأحاديثُ الشريفةُ للرسولِ الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين التي أشبعتها الكتب بحثاً وتحليلاً وتوثيقاً، حتى تكاد تكون هذه القضية هي الأوسعَ مساحةً في التأليف بعد مسألة الخلافة، ولكننا نكتفي بإيراد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: من أنكر المهدي فقد أنكرني،(٣) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم الوارد في كلام محي الدين بن العربي وهو من علماء الحنابلة وعارفيهم في كتاب الفتوحات حيث يقول: (واعلموا أنه لابد من خروج المهدي، ولكنه لا يخرج حتى تمتلأ الأرضُ جوراً وظلماً فيملؤها قسطاً وعدلاً، ولو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحدُ لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عِترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد فاطمة جده الحسين بن علي بن أبي طالب ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي الهادي عليهم السلام).
الذي نريد البحثَ فيه ما يُلاحظ في الرواياتِ الواردةِ عن أهل البيت عليهم السلام التي تتحدث عن حركةِ ظهوره عليه السلام والتي تحفل بها كتب الشيعة والسنة بأنه يخرجُ بالسيف ـ وهي إشارةٌ إلى السلاح ـ يضعُه على عاتقه ثمانية أشهر يقتلُ هرْجاً، لا يستتيبُ أحداً، يُجهِز على المولّي ويقتل الجريح، يُعمل السيفَ في العرب والعجم، يَقتل قريشاً وكلباً حتى يقولَ الناسُ لو كان من آل محمد لما فعل هكذا، والروايات بهذا الصدد كثيرة، وكلُها تنفّر الناسَ من الإمام عليه السلام وتخوّفهم من ظهوره، وتطبعُ حركتَه بطابعِ دموي كالذبح والقتل المروّع والاجتثاثِ وإعمال السيف، ومن هذه الروايات:
أ ـ روايتان عن الإمام علي عليه السلام: الأولى عن الحارث الهمداني يقول: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (بأبي ابنُ خيرة الإماء ـ يعني المهدي ـ يسومهم خسفاً ويسقيهم كأساً مصبرة ولا يعطيهم السيفَ إلا هرجاً).(٤) والثانية عنه عليه السلام (القائم له أن يقتلَ المولّي ويجهزَ على الجريح).(٥)
ب ـ عن الباقر عليه السلام عدةُ روايات منها:
١ ـ عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام يقول: (لو يعلُم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأَحبّوا أن لا يروه مما يقتلُ من الناس، حتى يقولَ الكثيرُ منهم: ليس هذا من آل محمد، ولو كان من آل محمد لرَحم).(٦)
٢ ـ عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (يضعُ القائمُ سيفَهُ على عاتقه ثمانية أشهر يقتل أعداء الله حتى يُرضي الله).(٧)
٣ ـ عنه عليه السلام قال: (إذا قام القائم سار إلى الكوفة فيقولون له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا بك يا ابن فاطمة، فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم فيقتل كلّ منافق مرتاب).(٨)
٤ ـ عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قلت له: يسير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: لِمَ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سار في أمته باللين كان يتآلف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أُمرَ في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً).(٩)
ج ـ عن الصادق عليه السلام روايتان:
الأولى: قال عليه السلام: (ويجرد السيفَ على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً.(١٠) والمراد بتجريد السيف مباشرةُ القتال والحرب، والهرج: القتل الشديد).
الثانية: عنه عليه السلام قال: (إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب والفرس إلا السيف، لا يأخذها إلا بالسيف ولا يعطيها إلا به).(١١)
وحركة الإمام المهدي عليه السلام التي تنطلق من مبدأ الحوار وتُدخِل في حيثياتها كلَ أسباب الإصلاح تؤكد في أولولياتها على بسط السلام ونشر العدل ودحض الظلم في ربوع المعمورة، فمع الأخذ بهذه الروايات فإن المهدي عليه السلام سيقتل أكثر المسلمين ولا يبقي إلا البقيَّة الصالحَة القليلَة التي تبايعُه وتنصُره، وإذا كان المنحرف من المسلمين مستحقاً للقتل، فكيف بالكافر والمشرك؟! وهذا مخالف للهدف الإلهيّ من خلقة البشر، فإنّه تعالى خلق عباده ليرحمهم لا ليعذّبهم. فلابد أن تُستأصل البشريةُ كلُها سوى هذا النفرِ القليل!!!
وقبل أن نخوض في موضوع الروايات ومطابقتها مع مقتضى الحال لابد أن نشير إلى بعض المبادئ المهمة في حركة الإمام التي هي حركة إصلاحية هدفها إنقاذ المظلومين وإشاعة العدل والقضاء على الفساد والسير على خطى أجداده المعصومين، حيث يقول الإمام الحسين عليه السلام إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.
فالطابع الاصلاحي هو سمة حركة الإمام المهدي عليه السلام ، ونقول:
أولاً: أن الأمور لا تستقيم للإمام المهدي عفواً من تلقاء نفسها ولا بالمعجزة، بل تحتاج إلى جهد وجهاد وخوض المعارك والنضال العنيد المستمر، ولابد من استعمال السلاح لمقاتلة الأعداء الذين يقاومون دعوته.
ثانياً: ان مهمة الإمام المهدي عليه السلام العالمية لنشر الإسلام في ربوع المعمورة مقاتلةُ الكفارِ والمشركين وأصحاب العقائد الضالة والمنحرفين وأصحاب الديانات المختلفة والفرق الإسلامية المناوئة لدعوته، بل وحتى فرقاً من الشيعة من غير الإمامية.
ثالثاً: أن الإمام مكلّفٌ بواجبٍ شرعي هو نشرُ الإسلام وتطبيقُ حكم الله في الأرض وتغييرُ المجتمعاتِ الإنسانية تغييراً جذرياً وليس القيام بانقلاب عسكريّ أو سياسيّ، فلا يمكنه المداهنةُ والمراوغةُ مع الفئاتِ المناوئة.
وإننا إذ نبني على هذه المبادئ المهمة في استعمال السلاح، ولكننا لا يمكن ان نُقنع المقابلَ في شرعية الإفراط في القتل والاجتثاث للمناوئين لحركته المباركة، فإن مثل هذه الروايات تترك الانطباعَ غير الجيد لدى الباحثين من غير المسلمين عن حركة الإمام الذي تترقّبُ ظهورَه البشريةُ كلها، خاصّة وأنه المنقذ والمخلّص لأمم الأرض من الظلم والظالمين، وإذا به يظهر بهذه الصورة، فكيف نعالج هذا الموضوع ليكونَ بريقُ الأملِ بدعوتِه المباركةِ متوهجاً ثراً؟
لعلّنا نبحثُ الموضوع ضمن الفقرات التالية:
أولاً: الاختلافُ في المعاملة:
يمكن أن نفرّق بين المسلمين وغيرهم في من تشملهم هذه الروايات، فالملاحظ أن الروايات منصبّةً على مقاتلة العرب والمسلمين المناوئين لحركة الإمام عليه السلام بشكل خاص، والعبارات تخص (كلباً، قريشاً، أهلَ مكة، أهلَ المدينة، المرجئة، البترية، السفياني، أهلَ الشام) وكلها مناطق عربية إسلامية، وهذا يرجع إلى الأسباب التالية:
١ ـ أن الحجة الكاملة بصدق الإسلام واضحة في أذهان المسلمين، والتعاليم الإسلامية راسخة في عقولهم، والقرآن بين ظهرانيهم.
٢ ـ أن الأمة الإسلامية هي الحاملة لأطروحة العدالة الكاملة والمنافحة عن رسالة الإسلام الحقة. وليس المرجوّ منها أن تقف في وجه الحركة الاصلاحية التي يقودها الإمام عجل الله فرجه.
٣ ـ أن الأمة الإسلامية سيكون لها مركز قيادة العالم في حركة الإمام، فليس من الصحيح مخالفةُ الإمام والوقوفُ بوجه هذه الدعوة.
فالأمة الإسلامية وفِرقها المختلفة تتحمّل الوزر الأكبر عند مخالفتها لدعوة الإمام وهي تعي من هو الإمام وما هي أهدافه وأنها هي التي ستكون قائدةً للعالم في ظلّ حركته.
ويمكن القول أن منطقة الشرق الأوسط العربية سيكون دورها سلبياً تجاه الحركة المهدوية كدور مكة في بدء الدعوة الإسلامية، فإن الإسلام لم ينتشر إلا بعد القضاء على أهم بؤرة للشرك في مكة، وكذلك الإمام الحجة عجل الله فرجه لا يمكنه بسط رسالته العالمية إلا بالقضاء على بؤر الضلال والإضلال المتلبّسة بالإسلام والتي تمثّل الوهابية إحدى أركانها.
ثانياً: مواجهة الحركات المضادة والمعاندة!
(لم تكن حركة الإمام المهدي تغيب عنها أدوات الإصلاح ضمن معطيات ظرف قائم على الظلم والقتل والتنكيل، حتى تكاد تكون في أولويتها بسطُ السلام، فالإمام يظهر على خلفيات العنف العام الذي يحل في أرجاء المعمورة التي بدت بوادره تلوح في الأفق على أرض العراق، ويمتد على نطاقه الأوسعِ المتمثلِ في فلسفةِ الحركاتِ الإسلاميةِ المدعيةِ للجهاد حين تعلنُ عن منطقِها الصريح في تأييدِ العنفِ والإرهابِ والقتلِ وتصفُ القتلةَ بأنهم مجاهدون، ومن هنا سيجد الإمام معارضة خطيرة تحاول الإطاحة بحركته تتبنّاها حركات تنتسب إلى الإسلام وتعمل باتجاه إحباط مشاريعه وتحركاته، وسيكون بمقتضى منطق الآخر المعارض أن يُفترضَ الردُّ الحاسمُ من الإمام، وهو ما تسميه الروايات القتل الهرج أي الشديد).(١٢)
وليس هناك شكٌ في أن هذه الحركات المناوئةَ للإمام من التكفيريين والنفعيين والمعاندين أشدُ على دعوة الإمام من باقي الفئات، وكما يقول الإمامُ الحسنُ العسكري عليه السلام (هم أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد على الحسين بن علي وأصحابه).(١٣)
وكشاهد على مخالفة منظري وعلماء هذه الفئات التي تدّعى الإسلامَ ما ورد في الرواية الواردة عن الإمام الباقر عليه السلام يقول: (إذا ظهر القائم على نجف الكوفة خرج إليه قرّاء أهل الكوفة وقد علقوا المصاحف في أعناقهم وأطراف رماحهم فيقولون: لا حاجة لنا فيك يا ابن فاطمة فارجع من حيث شئت).(١٤)
فالموقف يتطلب من الإمام مقارعة هذه الفئات بالسيف واجتثاثها.
ثالثاً: الإجراءات السلمية في حركة الإمام:
لدينا رصيد هائل من الأحاديث النبوية الشريفة والروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام تفيد أن الإمام عليه السلام يستخدم الأسلوب التفاوضي والسلمي مع الحركات المناوئة له وإمهالها لتغيير موقفها، ولا يلجأ للقتال إلا بعد أن تستنفد كافة الوسائل السلمية كما كان يفعل أجداده من قبل، ومن هذه الروايات:
أ ـ في بداية الحركة في مكة: يقول الإمام الباقر عليه السلام: يقول القائم لأصحابه: يا قوم إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مُرسِل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم، فيدعو رجلاً من أصحابه فيقول له: إمضِ إلى أهل مكة وقل: يا أهل مكة، أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنّا أهلُ بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ونحن ذريّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن يقول ... ونحن نستنصركم فانصرونا، فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه وذبحوه بين الركن والمقام، وهو النفس الزكية.(١٥)
ب ـ في حديث المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام: يدخل القائم الكوفة... إلى أن يقول: فيقول له الحسني: أُمدُد يدك أبايِعْك فيبايُعُه سائرُ العسكر إلاّ أربعين الفاً أصحابَ المصاحف المعروفين بالزيدية فيقولون (ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً) فيُقبل المهديُ على الطائفةِ المنحرفةِ فيَعِظُهم ويدعوهم ثلاثة أيام فلا يزدادون إلاّ طغياناً وكفراً، فيأمر بقتلهم.(١٦)
ج ـ أخرج الشافعي المقدسي في عقد الدرر عن أمير المؤمنين عليه السلام: قال: إنه ـ أي المهدي عليه السلام يأخذ البيعة من أصحابه على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يسبّوا مسلماً ولا يقتلوا مُحرِماً ولا يهتكوا حريماً ولا يهدموا منزلاً ولا يضربوا أحداً إلا بالحق).(١٧)
د ـ وفي تعامله مع أشد الناس عداوة له ولشيعة أهل البيت وهو السفياني، تقول الرواية في مخطوطة ابن حماد (يقول المهدي أخرجوا إليّ ابن عمي ـ يعني السفياني ـ حتى أكلّمه، فيخرج إليه فيكلمه فيسلّم الأمر إليه ويبايعه، فإذا رجع السفياني إلى أصحابه ذمّته كلب فيرجع ليستقيلَه فيُقيلَه).(١٨)
هـ ـ أما تعاملُه مع اليهود والنصارى فنلمس الرحمة لدى الإمام في أوضحِ صورها، فعن الإمام علي عليه السلام في خِطبةٍ له ذكرَ فيها المهدي عليه السلام يقول: ويستدعي بين يديه كُبّار اليهودِ وأحبارهِم ورؤساءَ دينِ النصارى وعلماءَهم، ويحضر التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ويجادلهم على كل كتاب بمفرده ويطلب منهم تأويلَه ويعرّفهم تبديله ويحكم بينهم كما أمر الله ورسولُه).(١٩)
ز: وأخيراً في المراحل النهائية لمعاركه، معركتُه مع الروم الصليبيين وهي المعركة الفاصلة، حين ينزلون على ساحل البحر متهيئين لمقاتلة الإمام، فينزل المسيح ليصلّي خلف الإمام ويبذلُ مساعيه وبتوجيه من الإمام لعقد هُدنة مع الروم، وبالفعل تعقد الهُدنة لمدةِ سبع سنوات ولكنهم ينقضونها في حَمل إمرأة وتقع الحرب لتدورَ رحاها عليهم.
كلُ هذه الروايات عن حركة الإمام في عصر الظهور شواهدُ كافيةٌ على إنسانية هذه الحركة ونهجها السلمي ونزوعها إلى حقن الدماء والقاء الحجة على الخصوم وعدم استخدام القوة إلا حينَ يسدرُ المعتدي في غيّه ويميل عن جادّة الصواب.
رابعاً: التكتيك العسكري:
تدل الروايات أن حالةَ القتل الشديد الذي تسميه (الهرج) وحملَ السلاح على العاتق والإبادةَ الشاملةَ للقوى الضالة ليست الطابعَ السائدَ في حركةِ الإمام، وإنما هو تكتيكٌ عسكريٌ مؤقتٌ تقتضيهِ الأيامُ الأولى من الحركة.
فقد جاء في هذه الروايات أَن حملَ السلاح والشدةَ في التعامل مع المعاندين تستغرقُ ثمانيةَ أشهر فقط كتكتيك عسكري لتلك المرحلة وهذا نلمسه في الروايات الآتية:
أ ـ اخرج الصدوق في كمال الدين عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر.(٢٠)
ب ـ قال الصادق عليه السلام: ويجرّد السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هرجاً.(٢١)
ج ـ عن أبي بصير قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: يضع القائم السيف على عاتقه ثمانية أشهر، لا يزال يقتل أعداء الله حتى يُرضي الله.(٢٢)
ومن هذه الروايات نفهم أن حركة الإمام عليه السلام ستواجهها في بداية ظهورها مقاومة من بعض الفئات الضالة التي تستدعي ان يقوم الامام بمقاتلتها بعد إرشادها ومفاوضتها لهديها الى الطريق الصحيح.
خامساً: روايات تؤكد الطابع السلمي:
بيد أننا لا نُعَدم الكثيرُ من الروايات التي تُشير إلى اتّخاذه الرحمة والشفقة أسلوباً في تعامله مع القوميات والأديان الأخرى منذ بداية حركته المباركة حتى مراحِلها النهائية وما بعد سيطرته على العالم التي تشير إلى نشر العدل والمساواة في العطاء واستخراج الأرض كنوزَها والمعاملة العادلة بين أمم الأرض.
وتظهر هذه الروايات في صورتين.
الأولى: الروايات التي تشير إلى وصف الحركة:
أ ـ قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في أمتي المهدي عليه السلام تنعم به أمتي لم تنعُم مثلُها أحد).(٢٣)
ب ـ اخرج ابن حجر في الصواعق/ ص ٩٨.
(يرضي بخلافته أهلَ السماء وأهلَ الأرض والطيرَ في الجو).
ج ـ قال السيوطي في الحاوي ج٢ / ص ١٢٤: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أبشروا بالمهدي، رجل من قريش، من عترتي، يخرج على اختلاف من الناس وزلزال، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يَرضى عنه ساكنُ السماء والأرضِ، ويقسم المالَ بالسوية، يملأ قلوبَ أمةِ محمدِ غناه ويسعهم عدلُه).(٢٤)
د ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال: يُبايَع المهديُ بين الركن والمقام، لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً).(٢٥)
هـ ـ عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وآله وسلم: قال: تأوي إليه أمتُه كما تأوي النحل إلى يعسوبها، يملأ الأرضَ عدلاً كما ملئت جوراً حتى يكونَ على مثلِ الأمِر الأول).(٢٦)
الثانية: الروايات التي تصف الواقع العملياتي للحركة:
تشير الروايات أن هناك الكثيرَ من البلدان تعلن ولاءها للإمام أو تثور شعوبُها على حكوماتِها ـ والقولُ للشيخ الكوراني ـ وتعلن تأييدَها للإمام وتنضم إلى دولته العادلة، وليس ذلك إلا لحسن التعامل وصحة الأفكار وأسلوب الإدارة في نشر العدل والأمن والسلام وتخليص البشرية من الطغاة، ومن جملة هذه الروايات:
أ ـ اخرج السيوطي في الحاوي/ ج٢/ ص١٤٦: عن علي عليه السلام: إذا بعث السفياني جيشاً يُخسف بهم في البيداء فتنتقل اليه الخزائن ويدخل العرب والعجم والروم وغيرُهم في طاعته من غير قتال حتى يبني المساجدَ في القسطنطينية وما دونها.(٢٧)
ب ـ قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: والذي نفسي بيده لا تبقى قرية إلاّ نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بُكرة وعشياً.(٢٨)
جـ ـ يقول الشيخ الكوراني (بعد المعركة الفاصلة ينفتح الباب امام المهدي عليه السلام لفتح اوربا والغرب المسيحي، وإن كثيراً من بلدانها تفتحها شعوبُها التي تقوم بإسقاط حكوماتها المعادية للمسيح والمهدي عليه السلام وتقيم فيها حكوماتٍ مواليةً لهما).(٢٩)
خلاصة البحث:
١ ـ أن المهمة التي يظهر الإمام المهدي عليه السلام من أجلها هي أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذا ما تؤكده الروايات والأحاديث المتواترة، التي تشير إلى أن دولته المرتقبة تمثّل قمة السعادة والرفاه والعدل لشعوب الأرض.
٢ ـ أن هذا التكتيك العسكري الذي يتبعه الإمام لا يتعدّى ثمانية أشهر في بداية حركته حينما تكون الدعوة في أوج صراعها مع الأعداء وفي عنفوان مقاومتها للحركات الضالة، وتنتهي الحالة بإنهاء تلك الحركات.
٣ ـ أن الإمام حين يعلن ظهوره المقدس ستكون أشدّ الفئات عناداً ومقاومة له تلك الفئاتُ التي تدّعي الانتساب للإسلام حيث لا ينفع معها نصح وإرشاد، كما هو حال التكفيريين والمعاندين اليوم، فما لهم إلا القتل والاستئصال.
٤ ـ أن هناك الكثير من الدول والشعوب تعلن ولاءها وتأييدها للإمام دون حرب لما كانت تعانيه من الظلم وما تنتظره من المنقذ والمخلص لها من شر الحكام الظالمين.
٥ ـ أننا نجد الكثير من الروايات التي تتحدث عن حكومة الإمام بعد بسط سلطانها على العالم وتشير إلى إقامة العدل والسلام ونشر الخير والعطاء والعلم في أجلى مراحله وأعلى درجاته.
الهوامش:
ــــــــــــــــــ
(١) النور: ٢٤.
(٢) القصص: ٢٨.
(٣) الشافعي المقدسي/ عقد الدرر/ ص ٢٠٩.
(٤) الغيبة/ للنعماني/ ص ١٢٠.
(٥) ن. م: ص ١٢٠.
(٦) بحار الأنوار للمجلسي/ ج ٥٢/ ص ٣٥٤.
(٧) الصدوق/ كمال الدين وتمام النعمة ص ٣١٨ ح٥ باب ٣٠.
(٨) الإرشاد للشيخ المفيد/ ص ٣٤٣.
(٩) الغيبة/ النعماني/ ص ١٦٥.
(١٠) ن. م/ ص ١٦٥.
(١١) بحار الأنوار/ ج ١٣/ ص٢٠٠.
(١٢) السيد محمد علي الحلو، افتتاحية العدد/ ٦ من مجلة الإنتظار.
(١٣) عبد الحليم الغزي/ فتن عصر الظهور/ ص ١٧٣.
(١٤) عبد الحليم الغزي/ فتن عصر الظهور/ ص ١٨٣ نقلاً عن منتخب الأنوار المضيئة للسيد النيلي/ ص ١٩٣ ـ ١٩٤.
(١٥) البحار/ ج ٥٢/ ص ٣٠٧.
(١٦) دائرة معارف الغيبة/ مركز الدراسات/ ص ٤٧.
(١٧) عن منتخب الأثر/ ص ٤٦٨.
(١٨) الكوراني/ عصر الظهور/ ص ١١٢.
(١٩) البحار ج٣/ ص ٢٩٨.
(٢٠) الصدوق/ كمال الدين وتمام النعمة: ص٣١٨ ح٥ باب ٣٠.
(٢١) الغيبة/ النعماني: ص ١٦٥.
(٢٢) الصدوق/ كمال الدين: ص٣١٨ ح٥ باب ٣٠.
(٢٣) السيد محمد الصدر/ الموسوعة: ج٣، ص ٤٢٨ عن سنن ابي داود ج٢/ ح ١٣٦٦.
(٢٤) ن.م ص ٥٤٤.
(٢٥) السيوطي في الحاوي ج٢: ص ١٥٢.
(٢٦) الملاحم/ ابن نعيم ص ٥٦، الموسوعة ج٣/ ص ٣٩٨.
(٢٧) السيوطي/ الحاوي/ ج٢/ ص ١٤٦.
(٢٨) القندوزي/ ينابيع المودة: ص ٥٠٨.
(٢٩) الكوراني/ عصر الظهور: ص ١٧.